محمد الخضر
05-08-2003, 02:26 PM
التقيت بالعلامة محمد الحسن داددو في الكويت ، حيث كانت وزارة الأوقاف قد استضافته في دورة علمية.
فلما رأيته وشاركت في الدورة للاستفادة من علمه ، انبهرت بسعة علمه ما شاء الله عليه.
كان يتكلم من حفظه ، فيذكر الأحاديث بنصوصها ، بل يُسأل عن مسائل بعيدة عن الدورة والتي من المفترض أن يجيبها بتوسع لكن مع مراعاة أنه لم يحضّر لها مادتها العلمية ، غير أنه كان يجيب بثقة بالغة على المسائل العلمية والخلاف فيها ثم يسرد الأحاديث مع ذكر راوي الحديث ومن رواه.
رأيت فيه التواضع الجم ...الأدب .. الأخلاق عالية ... بحر في العلم ، لم أرى مثله حقيقة ، وإن كان هناك علماء آخرين مغمورين في عالمنا العربي والإسلامي.
الشيخ محمد الحسن داددو عالم بحق ، وهو أحد العلماء السلفيين النشطين في الدعوة والتعليم.
وحقيقة صُدمت لما قرأت خبر اعتقاله من الحكومة الموريتانية ، فالله يفرج عنه.
لكننا في زمن تكميم الأفواه .. والله المستعان.
واليكم نص الخبر:
http://www.alasr.ws/images/dadu.jpg
تعيش القيادة الموريتانية مفارقة، جعلتها تختلف في سلوكها السياسي عن أي من دول المغرب العربي: فبينما تكمن أزمة القيادات في دول الجوار (كالجزائر مثلا) في وجود قوة سياسية إسلامية ضاربة، تهدد نفوذ النخب المتحكمة، مما أعطى تلك القيادات فرصة للمقايضة مع القوى الخارجية التي لا تريد إسلاميين في السلطة في كل الأحوال.. تكمن أزمة القيادة الموريتانية في أنها لا توجد لديها معارضة إسلامية قوية حتى الآن، يستطيع أن تقايض بها. وقد انبنى على ذلك اختلاف في التعاطي السياسي داخليا: فبينما تحاول القيادة الجزائرية – مثلا – تحجيم القوة الإسلامية المسيطرة على الشارع، والتقليل من شأنها أمام الرأي العام العالمي، من أجل إقناع الدول الغربية أن "كل شيء على ما يرام" وأن "الوضع تحت السيطرة".. فإن القيادة الموريتانية تسعى إلى تضخيم القوة الإسلامية، وتصويرها بصورة الخطر المحدق، من أجل إقناع الدول الغربية أن دعمها متعين، وأن البديل عنها هو هؤلاء "الملتحون" les barbus كما يدعو الإعلام الفرنسي الإسلاميين.
رسالتان إلى الأمريكيين والأوربيين
وتأتي الاعتقالات الأخيرة للبعثيين والإسلاميين في موريتانيا في هذا الإطار. فقد أريد لاعتقال البعثيين أن يكون رسالة للأمريكيين – وهم الظهير الجديد للرئيس معاوية – مفادها: نحن نقاتل في خندق واحد معكم، بل في نفس اللحظة التي تقاتلون فيها، وضد نفس العدو، فصدام حسين خطر علينا كما هو خطر عليكم، فلا تفرطوا فينا أيها الأحبة!!
وأريد باعتقال الإسلاميين إرسال رسالة إلى الأوربيين والأمريكيين معا في مؤتمرهم المنعقد في باريس حول مكافحة الإرهاب. ومفاد هذه الرسالة: إننا نصلح حليفا لكم في مكافحة الإرهاب، ولدينا إرهابيون قد يزحفون إلى أرضكم في أي لحظة، فالحذر الحذر أن تتجاهلوا دورنا، أو تفرطوا في دعمنا..وكل من الرسالتين مبنية على مغالطة للأمريكيين والأوربيين: فالبعثيون في موريتانيا لم يعودوا يشكلون أي قوة سياسية جدية منذ نهاية الثمانينات، حينما فشلت محاولتهم الانقالابية عام 1987 فتمت تصفية كوادرهم السياسية والعسكرية، ثم انقطع عنهم المدد العراقي إثر حرب الخليج الثانية. كما أن الذين اعتقلتهم السلطة الموريتانيين من البعثيين في الأيام الأخيرة وجوه سياسية مدنية، لا تشكل خطرا على أحد، ولا يكاد يسمع صوتها أحد.
والإسلاميون المعتقلون – وهم من تيار الإخوان المسلمين - معروفون بالتزامهم بالنضال السلمي، كما يدركه الأوربيون والأمريكيون أكثر من غيرهم. ومحاولة القيادة الموريتانية تضليل الغربيين وخلط الأوراق عليهم لن تجدي نفعا: فالغربيون الآن لم تعد تنطلي عليهم تلك الألاعيب، بعد أن ركزوا كل جهودهم الذهنية والمالية والاستخبارية - إثر أحداث 11 سبتمبر- على دراسة التيارات الإسلامية وتصنيفها، والتعرف على خلفياتها الأديولوجية والسياسية المتباينة، ولم يعودوا من الجهل بالظاهرة الإسلامية بحيث يسهل التلاعب بمشاعر الخوف لديهم، وتصريفها في سبيل ألاعيب سياسية محلية.
كما أن المعتقلين من الإسلاميين الآن وجوه سياسية وعلمية معروفة محليا وعالميا، مثل السياسي والكاتب المعروف محمد جميل بن منصور، والشيخ العلامة محمد الحسن بن الدوو، وعدد من الأئمة المشهورين، الذين يعرفهم الجميع، ويكن لهم الجميع كل الاحترام. وهو ما سيؤثر على هدف السلطة من الاعتقال، ويجعل متاجرتها السياسية بأبناء شعبها غير مجدية، بل ذات مردود عكسي. وقد جاءت ردة فعل الشارع في العاصمة الموريتانية معبرة عن وعي الشعب بدوافع هذه المتاجرة السياسية: فقد تظاهر عدد وافر من الناس أمام قصر العدالة في انواكشوط، وفي مقر عمدة بلدية "عرفات" الأستاذ محمد جميل بن منصور، وفي أماكن أخرى مختلفة من العاصمة، احتجاجا على هذه الاعتقالات. كما اعتصم عدد وافر بأحد أكبر المساجد في موريتانيا لنفس الغاية. وأطبقت القوى السياسية الموريتانية على إدانة الاعتقالات، ومنها "الجبهة الموحدة للمعارضة" و"التحالف الشعبي التقدمي" و"حركة تطوير الديمقراطية" و"الهيئة الوطنية للمحامين".
لكن كل هذه الحقائق لن تغيير من تفكير القيادة الموريتانية، فالمتاجرة بأعراض الشعب الموريتاني برهنت على فائدتها في السابق. وقد اعتاد الرئيس الموريتاني معاوية ولد الطايع أن يعتقل عددا من الإسلاميين قبيْل كل زيارة يزور فيها فرنسا، ثم يطلق سراحهم حالما يعود من الزيارة. حدث ذلك خلال التسعينات خمس مرات، ولم توجه أي تهم قضائية إلى المعتقلين، ولا قُدموا للمحاكمة أبدا.. وكان الهدف دائما هو نوع من "تسخين" الجبهة السياسية الداخلية، وقليل من "الترويع" للغربيين المذعورين من الظاهرة الإسلامية. وهو أمر يصدق اليوم: حيث الانتخابات على الأبواب، والمؤتمر الأمريكي-الأوربي منعقد حول الإرهاب. ولا شيء يمنع حليمة من العودة إلى عادتها القديمة، ما رأت فيها فائدة، حتى ولو عنى ذلك المتاجرة بأعراض الشعب وعلمائه وقادته ومثقفيه.
وانضاف إلى ذلك ثمن التطبيع.. ثم دخل التطبيع على الخط، حين غير الرئيس الموريتاني خريطة تحالفاته الخارجية، وتبني سياسة احتماء جديدة، ارتبط بمقتضاها بحام جديد هو أمريكا، وكان ثمن ذلك تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وتوثيق عرى المودة معها في ظروف غامضة، ولا يمكن فهم الاعتقالات الأخيرة دون ربطها بموضوع التطبيع: فكل المعتقلين من الإسلاميين والبعثيين لهم جهود في مقاومة التطبيع بين موريتانيا وإسرائيل: فالأستاذ محمد جميل هو رئيس "الرباط الوطني لمقاومة الاختراق الصهيوني وللدفاع عن القدس "، أما الشيخ محمد الحسن فقد أصدر فتوى منذ شهور وقع عليها كبار العلماء الموريتانيين تحرِّم العلاقات مع إسرائيل، فأثارت ضجة كبيرة، وأحرجت السلطة الموريتانية كثيرا.
ولم يفتأ الشيخ محمد الحسن يحارب التطبيع في كل دروسه ومحاضراته العامة. والأئمة المعتقلون معروفون لسكان العاصمة الموريتانية بخطبهم المناهضة للعلاقات مع إسرائيل. وقد اتهمت السلطة الموريتانية مؤخرا – فيما يشبه التمهيد لهذه الاعتقالات - الأئمة والخطباء بتوظيف المنابر لأغراض سياسية، حتى هدد وزير "الثقافة والتوجيه الإسلامي" الموريتاني -بطريقة فجة- بتحويل المساجد إلى مخابز!! إذا لم يكف أئمتها عن الحديث في السياسة. وما يقال عن الإسلاميين هنا يصدق على البعثيين أيضا، فقادة "حزب النهوض الوطني" الذي حظرته السلطة الموريتانية مؤخرا هم من الأطر البعثيين الذين اتخذوا مواقف مبدئية ضد التطبيع.
سياسة الإلهاء في سنة شهباء
وليس من المستبعد أن يكون من الأهداف الثانوية للاعتقالات إلهاء الناس عن المجاعة التي تضرب بأطنابها على موريتانيا حاليا، فقد أعلنت الأمم المتحدة موريتانيا منطقة منكوبة مهددة بالمجاعة هذا العام، بسبب الجفاف الذي أتى على الأخضر واليابس. وقد اتسمت هذه السنة بالغلاء الفاحش في أثمان المواد الغذائية والطبية، وأسباب الغلاء في موريتانيا هي المحاباة، والاحتكار، ونهب الثروات، وتحويل المال العام دُولة بين الأغنياء من حاشية الرئيس معاوية. ومن تكتيكات الرئيس الموريتاني إشغال الشعب ببعض المشادات السياسية كلما قرر رفع أسعار المواد الغذائية، أو خفض قيمة العملة الموريتانية، ولعل هذه من تلك..
وجدير بالذكر أن موريتانيا تملك أغنى شاطئ في العالم بالسمك، وتصدر الحديد والنحاس بكميات هائلة، واكتشف فيها النفط العام الماضي.. مع قلة عدد شعبها الذي يناهز المليونين فقط، وهو إلى ذلك شعب صبور يرضى بالقليل، بسبب اعتياده على حياة البداوة والتقشف.. لكن الفساد السياسي والمالي الذي استفحل خلال العقدين الأخيرين اللذين حكم فيهما الرئيس معاوية، حولا الحياة في موريتانيا إلى جحيم لا يطاق. إذ تكدست الثروة في أيدي قلة قليلة من المتاجرين بالولاء ومن تربطهم رابطة قرابة أو نسب بـ"القيادة الوطنية"، وبقي أغلب السكان تحت خط الفقر. ثم جاء الجفاف هذا العام ليزيد الوضع سوءا على سوئه. فهل يعين استعباد الأحرار ووضعهم وراء القضبان في تحسين هذا الوضع وفي الخروج من المأزق؟؟!!
فلما رأيته وشاركت في الدورة للاستفادة من علمه ، انبهرت بسعة علمه ما شاء الله عليه.
كان يتكلم من حفظه ، فيذكر الأحاديث بنصوصها ، بل يُسأل عن مسائل بعيدة عن الدورة والتي من المفترض أن يجيبها بتوسع لكن مع مراعاة أنه لم يحضّر لها مادتها العلمية ، غير أنه كان يجيب بثقة بالغة على المسائل العلمية والخلاف فيها ثم يسرد الأحاديث مع ذكر راوي الحديث ومن رواه.
رأيت فيه التواضع الجم ...الأدب .. الأخلاق عالية ... بحر في العلم ، لم أرى مثله حقيقة ، وإن كان هناك علماء آخرين مغمورين في عالمنا العربي والإسلامي.
الشيخ محمد الحسن داددو عالم بحق ، وهو أحد العلماء السلفيين النشطين في الدعوة والتعليم.
وحقيقة صُدمت لما قرأت خبر اعتقاله من الحكومة الموريتانية ، فالله يفرج عنه.
لكننا في زمن تكميم الأفواه .. والله المستعان.
واليكم نص الخبر:
http://www.alasr.ws/images/dadu.jpg
تعيش القيادة الموريتانية مفارقة، جعلتها تختلف في سلوكها السياسي عن أي من دول المغرب العربي: فبينما تكمن أزمة القيادات في دول الجوار (كالجزائر مثلا) في وجود قوة سياسية إسلامية ضاربة، تهدد نفوذ النخب المتحكمة، مما أعطى تلك القيادات فرصة للمقايضة مع القوى الخارجية التي لا تريد إسلاميين في السلطة في كل الأحوال.. تكمن أزمة القيادة الموريتانية في أنها لا توجد لديها معارضة إسلامية قوية حتى الآن، يستطيع أن تقايض بها. وقد انبنى على ذلك اختلاف في التعاطي السياسي داخليا: فبينما تحاول القيادة الجزائرية – مثلا – تحجيم القوة الإسلامية المسيطرة على الشارع، والتقليل من شأنها أمام الرأي العام العالمي، من أجل إقناع الدول الغربية أن "كل شيء على ما يرام" وأن "الوضع تحت السيطرة".. فإن القيادة الموريتانية تسعى إلى تضخيم القوة الإسلامية، وتصويرها بصورة الخطر المحدق، من أجل إقناع الدول الغربية أن دعمها متعين، وأن البديل عنها هو هؤلاء "الملتحون" les barbus كما يدعو الإعلام الفرنسي الإسلاميين.
رسالتان إلى الأمريكيين والأوربيين
وتأتي الاعتقالات الأخيرة للبعثيين والإسلاميين في موريتانيا في هذا الإطار. فقد أريد لاعتقال البعثيين أن يكون رسالة للأمريكيين – وهم الظهير الجديد للرئيس معاوية – مفادها: نحن نقاتل في خندق واحد معكم، بل في نفس اللحظة التي تقاتلون فيها، وضد نفس العدو، فصدام حسين خطر علينا كما هو خطر عليكم، فلا تفرطوا فينا أيها الأحبة!!
وأريد باعتقال الإسلاميين إرسال رسالة إلى الأوربيين والأمريكيين معا في مؤتمرهم المنعقد في باريس حول مكافحة الإرهاب. ومفاد هذه الرسالة: إننا نصلح حليفا لكم في مكافحة الإرهاب، ولدينا إرهابيون قد يزحفون إلى أرضكم في أي لحظة، فالحذر الحذر أن تتجاهلوا دورنا، أو تفرطوا في دعمنا..وكل من الرسالتين مبنية على مغالطة للأمريكيين والأوربيين: فالبعثيون في موريتانيا لم يعودوا يشكلون أي قوة سياسية جدية منذ نهاية الثمانينات، حينما فشلت محاولتهم الانقالابية عام 1987 فتمت تصفية كوادرهم السياسية والعسكرية، ثم انقطع عنهم المدد العراقي إثر حرب الخليج الثانية. كما أن الذين اعتقلتهم السلطة الموريتانيين من البعثيين في الأيام الأخيرة وجوه سياسية مدنية، لا تشكل خطرا على أحد، ولا يكاد يسمع صوتها أحد.
والإسلاميون المعتقلون – وهم من تيار الإخوان المسلمين - معروفون بالتزامهم بالنضال السلمي، كما يدركه الأوربيون والأمريكيون أكثر من غيرهم. ومحاولة القيادة الموريتانية تضليل الغربيين وخلط الأوراق عليهم لن تجدي نفعا: فالغربيون الآن لم تعد تنطلي عليهم تلك الألاعيب، بعد أن ركزوا كل جهودهم الذهنية والمالية والاستخبارية - إثر أحداث 11 سبتمبر- على دراسة التيارات الإسلامية وتصنيفها، والتعرف على خلفياتها الأديولوجية والسياسية المتباينة، ولم يعودوا من الجهل بالظاهرة الإسلامية بحيث يسهل التلاعب بمشاعر الخوف لديهم، وتصريفها في سبيل ألاعيب سياسية محلية.
كما أن المعتقلين من الإسلاميين الآن وجوه سياسية وعلمية معروفة محليا وعالميا، مثل السياسي والكاتب المعروف محمد جميل بن منصور، والشيخ العلامة محمد الحسن بن الدوو، وعدد من الأئمة المشهورين، الذين يعرفهم الجميع، ويكن لهم الجميع كل الاحترام. وهو ما سيؤثر على هدف السلطة من الاعتقال، ويجعل متاجرتها السياسية بأبناء شعبها غير مجدية، بل ذات مردود عكسي. وقد جاءت ردة فعل الشارع في العاصمة الموريتانية معبرة عن وعي الشعب بدوافع هذه المتاجرة السياسية: فقد تظاهر عدد وافر من الناس أمام قصر العدالة في انواكشوط، وفي مقر عمدة بلدية "عرفات" الأستاذ محمد جميل بن منصور، وفي أماكن أخرى مختلفة من العاصمة، احتجاجا على هذه الاعتقالات. كما اعتصم عدد وافر بأحد أكبر المساجد في موريتانيا لنفس الغاية. وأطبقت القوى السياسية الموريتانية على إدانة الاعتقالات، ومنها "الجبهة الموحدة للمعارضة" و"التحالف الشعبي التقدمي" و"حركة تطوير الديمقراطية" و"الهيئة الوطنية للمحامين".
لكن كل هذه الحقائق لن تغيير من تفكير القيادة الموريتانية، فالمتاجرة بأعراض الشعب الموريتاني برهنت على فائدتها في السابق. وقد اعتاد الرئيس الموريتاني معاوية ولد الطايع أن يعتقل عددا من الإسلاميين قبيْل كل زيارة يزور فيها فرنسا، ثم يطلق سراحهم حالما يعود من الزيارة. حدث ذلك خلال التسعينات خمس مرات، ولم توجه أي تهم قضائية إلى المعتقلين، ولا قُدموا للمحاكمة أبدا.. وكان الهدف دائما هو نوع من "تسخين" الجبهة السياسية الداخلية، وقليل من "الترويع" للغربيين المذعورين من الظاهرة الإسلامية. وهو أمر يصدق اليوم: حيث الانتخابات على الأبواب، والمؤتمر الأمريكي-الأوربي منعقد حول الإرهاب. ولا شيء يمنع حليمة من العودة إلى عادتها القديمة، ما رأت فيها فائدة، حتى ولو عنى ذلك المتاجرة بأعراض الشعب وعلمائه وقادته ومثقفيه.
وانضاف إلى ذلك ثمن التطبيع.. ثم دخل التطبيع على الخط، حين غير الرئيس الموريتاني خريطة تحالفاته الخارجية، وتبني سياسة احتماء جديدة، ارتبط بمقتضاها بحام جديد هو أمريكا، وكان ثمن ذلك تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وتوثيق عرى المودة معها في ظروف غامضة، ولا يمكن فهم الاعتقالات الأخيرة دون ربطها بموضوع التطبيع: فكل المعتقلين من الإسلاميين والبعثيين لهم جهود في مقاومة التطبيع بين موريتانيا وإسرائيل: فالأستاذ محمد جميل هو رئيس "الرباط الوطني لمقاومة الاختراق الصهيوني وللدفاع عن القدس "، أما الشيخ محمد الحسن فقد أصدر فتوى منذ شهور وقع عليها كبار العلماء الموريتانيين تحرِّم العلاقات مع إسرائيل، فأثارت ضجة كبيرة، وأحرجت السلطة الموريتانية كثيرا.
ولم يفتأ الشيخ محمد الحسن يحارب التطبيع في كل دروسه ومحاضراته العامة. والأئمة المعتقلون معروفون لسكان العاصمة الموريتانية بخطبهم المناهضة للعلاقات مع إسرائيل. وقد اتهمت السلطة الموريتانية مؤخرا – فيما يشبه التمهيد لهذه الاعتقالات - الأئمة والخطباء بتوظيف المنابر لأغراض سياسية، حتى هدد وزير "الثقافة والتوجيه الإسلامي" الموريتاني -بطريقة فجة- بتحويل المساجد إلى مخابز!! إذا لم يكف أئمتها عن الحديث في السياسة. وما يقال عن الإسلاميين هنا يصدق على البعثيين أيضا، فقادة "حزب النهوض الوطني" الذي حظرته السلطة الموريتانية مؤخرا هم من الأطر البعثيين الذين اتخذوا مواقف مبدئية ضد التطبيع.
سياسة الإلهاء في سنة شهباء
وليس من المستبعد أن يكون من الأهداف الثانوية للاعتقالات إلهاء الناس عن المجاعة التي تضرب بأطنابها على موريتانيا حاليا، فقد أعلنت الأمم المتحدة موريتانيا منطقة منكوبة مهددة بالمجاعة هذا العام، بسبب الجفاف الذي أتى على الأخضر واليابس. وقد اتسمت هذه السنة بالغلاء الفاحش في أثمان المواد الغذائية والطبية، وأسباب الغلاء في موريتانيا هي المحاباة، والاحتكار، ونهب الثروات، وتحويل المال العام دُولة بين الأغنياء من حاشية الرئيس معاوية. ومن تكتيكات الرئيس الموريتاني إشغال الشعب ببعض المشادات السياسية كلما قرر رفع أسعار المواد الغذائية، أو خفض قيمة العملة الموريتانية، ولعل هذه من تلك..
وجدير بالذكر أن موريتانيا تملك أغنى شاطئ في العالم بالسمك، وتصدر الحديد والنحاس بكميات هائلة، واكتشف فيها النفط العام الماضي.. مع قلة عدد شعبها الذي يناهز المليونين فقط، وهو إلى ذلك شعب صبور يرضى بالقليل، بسبب اعتياده على حياة البداوة والتقشف.. لكن الفساد السياسي والمالي الذي استفحل خلال العقدين الأخيرين اللذين حكم فيهما الرئيس معاوية، حولا الحياة في موريتانيا إلى جحيم لا يطاق. إذ تكدست الثروة في أيدي قلة قليلة من المتاجرين بالولاء ومن تربطهم رابطة قرابة أو نسب بـ"القيادة الوطنية"، وبقي أغلب السكان تحت خط الفقر. ثم جاء الجفاف هذا العام ليزيد الوضع سوءا على سوئه. فهل يعين استعباد الأحرار ووضعهم وراء القضبان في تحسين هذا الوضع وفي الخروج من المأزق؟؟!!