Anfal
08-26-2007, 06:29 AM
مناقشة فكرة الثالوث
يعتقد النصارى أن الله سبحانه واحد في ثلاثة، وثلاثة هي واحد، مع أن كلمة (الثالوث) لا وجود لها في أسفار الكتاب المقدس، غير أنهم يزعمون أنها لمحت إليها، ثم ظهرت جلية في العهد الجديد. وإن الباحث ليتساءل إذا كانت هذه صفة الله حقيقة، وقد أثبتها لنفسه، فلماذا لم تذكر بصراحة ووضوح في العهد القديم، ولو بدون تفصيل، كما ذكرت سائر الصفات؟وهل كان الأنبياء السابقون لا يعرفونها؟ أو عرفوها وكتموها؟ فإن كانوا لا يعرفونها فكيف تخفى عليهم _ وفيهم إبراهيم ويعقوب وموسى وسليمان الحكيم _ ثم تظهر لبولس؟!!
وإن كانوا يعرفونها ، فلم لم يخبروا قومهم بصراحة ، ولو بدون التعرض إلى النزول والحلول في الجسد ونحو ذلك مما فيه تفصيل ؟ ومع الحكمة من كتمانها وعدم ذكرها في الأسفار ، مع أنها هامة جداً ، لأنها تتعلق بذات الله ، وسوف يبنى عليها عقائد ؟
إن الحكمة تقتضي ذكرها بصراحة تامة في العهد القديم ، ولو بدون تفصيل ، إذا كانت حقيقة ، ليتناقلها من جيل إلى جيل ، فتثبت في أذهانهم ، وتكون بمثابة التمهيد لمجيء المسيح وتفصيلها في العهد الجديد .
أما ادعاؤهم أن العهد القديم لمح إليها ، فمعناه أنهم يلوون أعناق النصوص ، ليحملوها من المعاني ما لا تحتمل ، لأن كثيراً من النصوص في العهد القديم وفي العهد الجديد ، تنص صراحةً على الوحدانية ونفي المماثلة . ومن ذلك ما يلي :
تثنية [ 4 : 35 ] : (( انك قد أريت لتعلم أن الرب هو الإله. ليس آخر سواه.)) تثنية [ 6 : 4 ] : (( اسمع يا إسرائيل. الرب إلهنا رب واحد .))تثنية [ 32 : 39 ] : (( انظروا الآن. أنا أنا هو وليس اله معي. أنا أميت وأحيي سحقت واني اشفي وليس من يدي مخلّص.))تثنية [ 33 : 26 ] : (( ليس مثل الله يا يشورون. يركب السماء في معونتك والغمام في عظمته .))صموئيل الثاني [ 7 : 22 ] : (( لذلكقد عظمت أيها الرب الإله لأنه ليس مثلك وليس اله غيرك حسب كل ما سمعناه بآذاننا.)) الملوك الأول [ 8 : 60 ] : (( ليعلم كل شعوب الأرض أن الرب هو الله وليس آخر .))الملوك الثاني [ 19 : 15 ] : (( أنت هو الإله وحدك لكل ممالك الأرض أنت صنعت السماء والأرض . ))الملوك الثاني [ 19 : 19 ] : (( والآن أيها الرب إلهنا خلصنا من يده فتعلم ممالك الأرض كلها انك أنت الرب الإله وحدك )) أخبار الأيام الأول [ 17 : 20 ] : (( يا رب ليس مثلك ولا اله غيرك حسب كل ما سمعناه بآذاننا. ))نحميا [ 9 : 6 ] : (( أنت هو الرب وحدك .))أيوب [ 9 : 32 ] : (( لأنه ليس هو إنسانا مثلي فأجاوبه ))المزامير [ 18 : 31 ] : (( لأنه من هو اله غير الرب. ومن هو صخرة سوى إلهنا ))المزامير [ 71 : 19 ] : (( يا الله من مثلك ))إشعيا [ 37 : 16 ] : (( يا رب الجنود اله إسرائيل الجالس فوق الكروبيم أنت هو الإله وحدك لكل ممالك الأرض ))إشعيا [ 40 : 18 ] : (( فبمن تشبهون الله وأي شبه تعادلون به ))إشعيا [ 44 : 6 ] : (( هكذا يقول الرب ملك إسرائيل وفاديه رب الجنود. أنا الأول وأنا الآخر ولا اله غيري . ))إشعيا [ 45 : 5 ] : (( أنا الرب وليس آخر. لا اله سواي. نطّقتك وأنت لم تعرفني. ))إنجيل مرقس [ 12 : 29 ] : (( فأجابه يسوع أن أول كل الوصايا هي اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد ))
فهذه النصوص تثبت أن الله واحد لا شريك ولا مثيل له ، فكيف يقول الكاثوليك : الآب غير الابن , والابن غير الآب , والروح القدس غيرهما , ولكل منهم مشيئة , ومع ذلك هم شيء واحد في الذات والجوهر والقدرة والحكمة ؟!
التثليث عقيدة وثنية :
لقد أصبح من المؤكد لدى الباحثين أن عقيدة التثليث التي طرأت على الديانة التي أرسل بها عيسى عليه السلام كان لها وجود في بعض الديانات الوثنية القديمة ، كالمصرية والهندية ، قال المستر ( هلسلي ) في كتابه ( الإيمان والعقل ) : يعتقد الهنود بإله مثلث الأقانيم وإذا أرادوا التكلم عنه بصفة الخالق قالوا : الإله ( برهمة ) ، وبصفة المهلك قالوا : ( سيفا ) ، وبصفة الحافظ قالوا : الإله ( فشنو ) وانظر كتاب موريس ( الآثار الهندية القديمة ) وكتاب ( سكان أوربا الأول ) وبذلك نعلم أن الوثنيون القدماء كانوا يعتقدون بأن الإله واحد ، لكنه ذو ثلاثة أقانيم . وصدق الله العظيم إذ يقول عن أهل الكتاب : (( َقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [التوبة : 30] )) صدق الله العظيم
إن عقيدة التثليث هي أنه يوجد ثلاثة أقانيم ( أشخاص ) آلهة منفصلة ومتميزة في الثالوث الأقدس وهي : الله الأب ، الله الابن ، اللهالروح القدس .وقانون الإيمان الأثناسيوسي يقرر : )يوجد شخص واحد للأب ، وآخر للابن ، وآخر للروح القدس ، إلا أن هذا الثالوث الأقدس المكون من : الأب والابن والروح القدس هم واحد : متساوون في المجد ، متساوون في الأزلية . الأب هو الله . الابن هو الله . الروح القدس هو الله ومع هذا فهؤلاء ليسوا بثلاثة آلهة ولكن إله واحد .)
ونظير ذلك فإننا ملزمون بحقيقة الدين المسيحي أن نسلم بأن كل شخص ( أقنوم ) بذاته إله وسيد ، وعليه فإن الدين المسيحي الكاثوليكي يحرم علينا أن نقر بوجود ثلاثة آلهة ، أو ثلاثة أرباب .وهذا بكل الوضوح تناقض ذاتي . إن مثل هذا كمثل أن تقول 1+1+1=3 ، ومع هذا = 1 .فإذا كان هناك ثلاثة أقانيم ( أشخاص ) منفصلة ومتميزة وكل شخص هو إله . إذن فلابد أن يكون هناك ثلاثة آلهة .
إن الكنيسة المسيحية أدركت عدم معقولية القول بأن هناك إله واحد في ثالوث وثالوث في إله واحد ، لأن جميع الطوائف النصرانية تعتقد بأن كل أقنوم من الأقانيم متميز عن الأقنومين الآخرين ، في كل شيء ، ومن ثم أعلنوا أن عقيدة التثليث سر غامض وعلى الإنسان أن يحرز إيمانا أعمى .
وبكل الاستغراب ، فإن يسوع المسيح ذاته لم يذكر إطلاقا هذا الثالوث الأقدس بهذا المفهوم الذي يؤمن به النصارى ، إن المسيح عليه السلام ما عرف ولا قال شيئا على الإطلاق بأنه يوجد ثلاثة أشخاص آلهة في الثالوث الأقدس . وقد كان تصوره عن الله لا يختلف أبداً عن نظرة أنبياء بني إسرائيل السابقين الذين بشروا دائما بأن الله واحد أحد ولن يكون ثلاثة . وقد ردد يسوع المسيح فقط قول موسى حين قال : )) فأجابه يسوع إن أول كل الوصايا هي اسمع يا إسرائيل . الرب إلهنا رب واحد . وتحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك ومن كل قدرتك . هذه هي الوصية الأولى . )) مرقص [ 12 : 29 ]
إن يسوع المسيح كان يؤمن بشخص الإله الواحد. كما هو ظاهر من قوله التالي : )) مكتوب للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد )) ( متى 4 : 10 ) .لقد صاغ المسيحيون عقيدة التثليث بعد رحيل يسوع المسيح بحوالي ثلاثمائة سنة . وإن الأناجيل المعتمدة الأربعة التي دونت ما بين عام 70 وعام 115 لا تحوي أي إشارة إلى هذا الثالوث بهذا المفهوم الذي يؤمن به النصارى .
وحتى بولس الذي جلب الآراء الغريبة على المسيحية ، لا علم له بالثالوث الأقدس بهذا المفهوم . والموسوعة الكاثوليكية تصرح بأن عقيدة التثليث لم تكن معروفة للمسيحيين الأوائل وأنها تشكلت في نهاية الربع الأخير من القرن الرابع الميلادي فتقول :
إن صياغة الإله الواحد في ثلاثة أشخاص لم تنشأ موطدة وممكنة في حياة المسيحيين وعقيدة إيمانهم ، قبل نهاية القرن الرابع .وهذا ما تؤكده دائرة المعارف الفرنسية لاروس للقرن التاسع عشر . وهكذا فإن عقيدة التثليث لم تكن من تعاليم يسوع المسيح ، وإنها لم تكن في أي موضع من الكتاب المقدس ( كلا العهد القديم والعهد الجديد ) إنها بكل تأكيد غريبة على العقلية ومن منظور المسيحيين الأوائل والتي صارت جزءا من الإيمان المسيحي نحو القرن الرابع . ومن المنطق اعتبار عقيدة التثليث لا تأييد لها . فهي ليست حقا فوق الإدراك بل تكره العقل والتعقل وكما قلنا سلفاً أن الاعتقاد في ثلاثة أشخاص آلهة يناقض عقيدة التوحيد وأن الله واحد أحد . فإذا كان هناك ثلاثة أشخاص إلهية متميزة ومنفصلة ، إذن فيلزم أن يكون هناك ثلاثة ذوات منفصلة ومتميزة لأن كل شخص ملازم ذاته . والآن إذا كان الأب هو الله ، والابن هو الله ، والروح القدس هو الله إذن فإن لم يكن الأب والابن والروح القدس ثلاثة متميزين فلابد أن يكونوا ثلاثة ذوات متميزة وبناء على ذلك ثلاثة آلهة متميزة .
وفضلا عن ذلك أن الأشخاص الإلهية الثلاثة إما أن تكون سرمدية أو محدودة . فإذا كانت سرمدية إذن يصبح ثلاثة متميزة سرمدية ، ثلاثة كلى القدرة ، أو ثلاثة أبدية وهكذا ثلاثة آلهة .وإذا كانوا محدودين إذن فنحن قد توصلنا إلى بطلان مفهوم الكائن السرمدي ذات الثلاثة وجوه على قيد الحياة أو ثلاثة أشخاص منفصلين محدودين لتصنع الصلة الأزلية . والحقيقة هي هكذا أن الأشخاص الثلاثة محدودين وإذن فليس الأب ولا الابن ولا حتى الروح القدس هو الله . إن عقيدة التثليث قد نشأت كنتيجة لتأليه يسوع المسيح ونتيجة السر الغامض في الروح القدس وصلتهما بالله سبحانه وتعالى . وكما هو واضح في الأدب المسيحي لبلوغ انفصال الشخصية الثلاثية المنسوبة إلى الله سواء كان باعتبار وجهة نظر تاريخية وإلا فتكون نكوص وارتداد من اللاهوت المعقول إلى الأساطير . ذلك لأن في منشأ الأساطير تتجه الميول الغير معقولة للعقل البشري بتأليه عظماء الرجال وتشخيص قوى غير بشرية وينسبون إليهم ويقدمونهم على أنهم أشخاص إلهية .
عزيزي القارىء :إن الإسلام يدعو في بساطة ووضوح بوحدانية الله ، إنه يقدم تصوراً عن الله المحرر من كل من أن يكون شبيها بالإنسان أو أن الإنسان يكون شبيها بالله . وفي هذا يقول أشعياء (( بمن تشبهونني وتسوونني وتمثلونني لنتشابه ))
( أشعياء 46 : 5 ) . ويقول أشعياء أيضا (( أنا الله وليس آخر . الإله وليس مثلي )) ( أشعياء 46 : 9 ) ويقول الله سبحانه في القرآن الكريم : ) لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) ( الشورى آية 11 )وقد جاء في سفر التكوين : ( فخلق الله الإنسان على صورته ) ) تكوين 1 : 27 ) والمراد كما جاء في الحديث النبوي برواية أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( خلق الله آدم على صورته )قال الحافظ العسقلاني : المعنى أن الله أوجده على الهيئة التي خلقه عليها ولم يتنقل في النشأة أحوالا ولم تمر عليه في الأرحام أطوارا كذريته ، بل خلقه الله رجلا كاملا سوياً من أول ما نفخ فيه الروح . عزيزي القارىء : لقد انزلقت المسيحية إلى تأليه البشر ، فظهر الإسلام ليبدد هذه الأساطير ويدعو إلى وحدانية الله سبحانه وتعالى الذي لا شبيه له .إنه الإسلام المحرر من الأساطير والأوهام ، إن الإسلام يؤكد وحدانية الله ويقول أن الله لا نظير له في لاهوته إنه فرد صمد وواحد في ذاته : )لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ) ( الأنبياء آية 22 ) .إن الله قائم بذاته وإنه مكتف بنفسه وعليه يعتمد الجميع وهو لا يعتمد على أحد ، إنه الخالق رب العالمين إنه المحسن القادر العليم الودود الرحيم الأبدي إنه لم يلد ولم يولد لم ينبثق شيء منه ليصبح مساويا له وشريكاً في لاهوته وفي هذا يقول الله في سورة الإخلاص من القرآن الكريم : ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد اللَّهُ الصَّمَد لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَد وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ) (سورة الإخلاص )ويقول الله سبحانه وتعالى : )وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ والأرض وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ والأرض لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) ( البقرة آيتي 163 ، 164 ) .ويقول سبحانه وتعالى : ) اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرض مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ والأرض وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ) (البقرة:255)
يعتقد النصارى أن الله سبحانه واحد في ثلاثة، وثلاثة هي واحد، مع أن كلمة (الثالوث) لا وجود لها في أسفار الكتاب المقدس، غير أنهم يزعمون أنها لمحت إليها، ثم ظهرت جلية في العهد الجديد. وإن الباحث ليتساءل إذا كانت هذه صفة الله حقيقة، وقد أثبتها لنفسه، فلماذا لم تذكر بصراحة ووضوح في العهد القديم، ولو بدون تفصيل، كما ذكرت سائر الصفات؟وهل كان الأنبياء السابقون لا يعرفونها؟ أو عرفوها وكتموها؟ فإن كانوا لا يعرفونها فكيف تخفى عليهم _ وفيهم إبراهيم ويعقوب وموسى وسليمان الحكيم _ ثم تظهر لبولس؟!!
وإن كانوا يعرفونها ، فلم لم يخبروا قومهم بصراحة ، ولو بدون التعرض إلى النزول والحلول في الجسد ونحو ذلك مما فيه تفصيل ؟ ومع الحكمة من كتمانها وعدم ذكرها في الأسفار ، مع أنها هامة جداً ، لأنها تتعلق بذات الله ، وسوف يبنى عليها عقائد ؟
إن الحكمة تقتضي ذكرها بصراحة تامة في العهد القديم ، ولو بدون تفصيل ، إذا كانت حقيقة ، ليتناقلها من جيل إلى جيل ، فتثبت في أذهانهم ، وتكون بمثابة التمهيد لمجيء المسيح وتفصيلها في العهد الجديد .
أما ادعاؤهم أن العهد القديم لمح إليها ، فمعناه أنهم يلوون أعناق النصوص ، ليحملوها من المعاني ما لا تحتمل ، لأن كثيراً من النصوص في العهد القديم وفي العهد الجديد ، تنص صراحةً على الوحدانية ونفي المماثلة . ومن ذلك ما يلي :
تثنية [ 4 : 35 ] : (( انك قد أريت لتعلم أن الرب هو الإله. ليس آخر سواه.)) تثنية [ 6 : 4 ] : (( اسمع يا إسرائيل. الرب إلهنا رب واحد .))تثنية [ 32 : 39 ] : (( انظروا الآن. أنا أنا هو وليس اله معي. أنا أميت وأحيي سحقت واني اشفي وليس من يدي مخلّص.))تثنية [ 33 : 26 ] : (( ليس مثل الله يا يشورون. يركب السماء في معونتك والغمام في عظمته .))صموئيل الثاني [ 7 : 22 ] : (( لذلكقد عظمت أيها الرب الإله لأنه ليس مثلك وليس اله غيرك حسب كل ما سمعناه بآذاننا.)) الملوك الأول [ 8 : 60 ] : (( ليعلم كل شعوب الأرض أن الرب هو الله وليس آخر .))الملوك الثاني [ 19 : 15 ] : (( أنت هو الإله وحدك لكل ممالك الأرض أنت صنعت السماء والأرض . ))الملوك الثاني [ 19 : 19 ] : (( والآن أيها الرب إلهنا خلصنا من يده فتعلم ممالك الأرض كلها انك أنت الرب الإله وحدك )) أخبار الأيام الأول [ 17 : 20 ] : (( يا رب ليس مثلك ولا اله غيرك حسب كل ما سمعناه بآذاننا. ))نحميا [ 9 : 6 ] : (( أنت هو الرب وحدك .))أيوب [ 9 : 32 ] : (( لأنه ليس هو إنسانا مثلي فأجاوبه ))المزامير [ 18 : 31 ] : (( لأنه من هو اله غير الرب. ومن هو صخرة سوى إلهنا ))المزامير [ 71 : 19 ] : (( يا الله من مثلك ))إشعيا [ 37 : 16 ] : (( يا رب الجنود اله إسرائيل الجالس فوق الكروبيم أنت هو الإله وحدك لكل ممالك الأرض ))إشعيا [ 40 : 18 ] : (( فبمن تشبهون الله وأي شبه تعادلون به ))إشعيا [ 44 : 6 ] : (( هكذا يقول الرب ملك إسرائيل وفاديه رب الجنود. أنا الأول وأنا الآخر ولا اله غيري . ))إشعيا [ 45 : 5 ] : (( أنا الرب وليس آخر. لا اله سواي. نطّقتك وأنت لم تعرفني. ))إنجيل مرقس [ 12 : 29 ] : (( فأجابه يسوع أن أول كل الوصايا هي اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد ))
فهذه النصوص تثبت أن الله واحد لا شريك ولا مثيل له ، فكيف يقول الكاثوليك : الآب غير الابن , والابن غير الآب , والروح القدس غيرهما , ولكل منهم مشيئة , ومع ذلك هم شيء واحد في الذات والجوهر والقدرة والحكمة ؟!
التثليث عقيدة وثنية :
لقد أصبح من المؤكد لدى الباحثين أن عقيدة التثليث التي طرأت على الديانة التي أرسل بها عيسى عليه السلام كان لها وجود في بعض الديانات الوثنية القديمة ، كالمصرية والهندية ، قال المستر ( هلسلي ) في كتابه ( الإيمان والعقل ) : يعتقد الهنود بإله مثلث الأقانيم وإذا أرادوا التكلم عنه بصفة الخالق قالوا : الإله ( برهمة ) ، وبصفة المهلك قالوا : ( سيفا ) ، وبصفة الحافظ قالوا : الإله ( فشنو ) وانظر كتاب موريس ( الآثار الهندية القديمة ) وكتاب ( سكان أوربا الأول ) وبذلك نعلم أن الوثنيون القدماء كانوا يعتقدون بأن الإله واحد ، لكنه ذو ثلاثة أقانيم . وصدق الله العظيم إذ يقول عن أهل الكتاب : (( َقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [التوبة : 30] )) صدق الله العظيم
إن عقيدة التثليث هي أنه يوجد ثلاثة أقانيم ( أشخاص ) آلهة منفصلة ومتميزة في الثالوث الأقدس وهي : الله الأب ، الله الابن ، اللهالروح القدس .وقانون الإيمان الأثناسيوسي يقرر : )يوجد شخص واحد للأب ، وآخر للابن ، وآخر للروح القدس ، إلا أن هذا الثالوث الأقدس المكون من : الأب والابن والروح القدس هم واحد : متساوون في المجد ، متساوون في الأزلية . الأب هو الله . الابن هو الله . الروح القدس هو الله ومع هذا فهؤلاء ليسوا بثلاثة آلهة ولكن إله واحد .)
ونظير ذلك فإننا ملزمون بحقيقة الدين المسيحي أن نسلم بأن كل شخص ( أقنوم ) بذاته إله وسيد ، وعليه فإن الدين المسيحي الكاثوليكي يحرم علينا أن نقر بوجود ثلاثة آلهة ، أو ثلاثة أرباب .وهذا بكل الوضوح تناقض ذاتي . إن مثل هذا كمثل أن تقول 1+1+1=3 ، ومع هذا = 1 .فإذا كان هناك ثلاثة أقانيم ( أشخاص ) منفصلة ومتميزة وكل شخص هو إله . إذن فلابد أن يكون هناك ثلاثة آلهة .
إن الكنيسة المسيحية أدركت عدم معقولية القول بأن هناك إله واحد في ثالوث وثالوث في إله واحد ، لأن جميع الطوائف النصرانية تعتقد بأن كل أقنوم من الأقانيم متميز عن الأقنومين الآخرين ، في كل شيء ، ومن ثم أعلنوا أن عقيدة التثليث سر غامض وعلى الإنسان أن يحرز إيمانا أعمى .
وبكل الاستغراب ، فإن يسوع المسيح ذاته لم يذكر إطلاقا هذا الثالوث الأقدس بهذا المفهوم الذي يؤمن به النصارى ، إن المسيح عليه السلام ما عرف ولا قال شيئا على الإطلاق بأنه يوجد ثلاثة أشخاص آلهة في الثالوث الأقدس . وقد كان تصوره عن الله لا يختلف أبداً عن نظرة أنبياء بني إسرائيل السابقين الذين بشروا دائما بأن الله واحد أحد ولن يكون ثلاثة . وقد ردد يسوع المسيح فقط قول موسى حين قال : )) فأجابه يسوع إن أول كل الوصايا هي اسمع يا إسرائيل . الرب إلهنا رب واحد . وتحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك ومن كل قدرتك . هذه هي الوصية الأولى . )) مرقص [ 12 : 29 ]
إن يسوع المسيح كان يؤمن بشخص الإله الواحد. كما هو ظاهر من قوله التالي : )) مكتوب للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد )) ( متى 4 : 10 ) .لقد صاغ المسيحيون عقيدة التثليث بعد رحيل يسوع المسيح بحوالي ثلاثمائة سنة . وإن الأناجيل المعتمدة الأربعة التي دونت ما بين عام 70 وعام 115 لا تحوي أي إشارة إلى هذا الثالوث بهذا المفهوم الذي يؤمن به النصارى .
وحتى بولس الذي جلب الآراء الغريبة على المسيحية ، لا علم له بالثالوث الأقدس بهذا المفهوم . والموسوعة الكاثوليكية تصرح بأن عقيدة التثليث لم تكن معروفة للمسيحيين الأوائل وأنها تشكلت في نهاية الربع الأخير من القرن الرابع الميلادي فتقول :
إن صياغة الإله الواحد في ثلاثة أشخاص لم تنشأ موطدة وممكنة في حياة المسيحيين وعقيدة إيمانهم ، قبل نهاية القرن الرابع .وهذا ما تؤكده دائرة المعارف الفرنسية لاروس للقرن التاسع عشر . وهكذا فإن عقيدة التثليث لم تكن من تعاليم يسوع المسيح ، وإنها لم تكن في أي موضع من الكتاب المقدس ( كلا العهد القديم والعهد الجديد ) إنها بكل تأكيد غريبة على العقلية ومن منظور المسيحيين الأوائل والتي صارت جزءا من الإيمان المسيحي نحو القرن الرابع . ومن المنطق اعتبار عقيدة التثليث لا تأييد لها . فهي ليست حقا فوق الإدراك بل تكره العقل والتعقل وكما قلنا سلفاً أن الاعتقاد في ثلاثة أشخاص آلهة يناقض عقيدة التوحيد وأن الله واحد أحد . فإذا كان هناك ثلاثة أشخاص إلهية متميزة ومنفصلة ، إذن فيلزم أن يكون هناك ثلاثة ذوات منفصلة ومتميزة لأن كل شخص ملازم ذاته . والآن إذا كان الأب هو الله ، والابن هو الله ، والروح القدس هو الله إذن فإن لم يكن الأب والابن والروح القدس ثلاثة متميزين فلابد أن يكونوا ثلاثة ذوات متميزة وبناء على ذلك ثلاثة آلهة متميزة .
وفضلا عن ذلك أن الأشخاص الإلهية الثلاثة إما أن تكون سرمدية أو محدودة . فإذا كانت سرمدية إذن يصبح ثلاثة متميزة سرمدية ، ثلاثة كلى القدرة ، أو ثلاثة أبدية وهكذا ثلاثة آلهة .وإذا كانوا محدودين إذن فنحن قد توصلنا إلى بطلان مفهوم الكائن السرمدي ذات الثلاثة وجوه على قيد الحياة أو ثلاثة أشخاص منفصلين محدودين لتصنع الصلة الأزلية . والحقيقة هي هكذا أن الأشخاص الثلاثة محدودين وإذن فليس الأب ولا الابن ولا حتى الروح القدس هو الله . إن عقيدة التثليث قد نشأت كنتيجة لتأليه يسوع المسيح ونتيجة السر الغامض في الروح القدس وصلتهما بالله سبحانه وتعالى . وكما هو واضح في الأدب المسيحي لبلوغ انفصال الشخصية الثلاثية المنسوبة إلى الله سواء كان باعتبار وجهة نظر تاريخية وإلا فتكون نكوص وارتداد من اللاهوت المعقول إلى الأساطير . ذلك لأن في منشأ الأساطير تتجه الميول الغير معقولة للعقل البشري بتأليه عظماء الرجال وتشخيص قوى غير بشرية وينسبون إليهم ويقدمونهم على أنهم أشخاص إلهية .
عزيزي القارىء :إن الإسلام يدعو في بساطة ووضوح بوحدانية الله ، إنه يقدم تصوراً عن الله المحرر من كل من أن يكون شبيها بالإنسان أو أن الإنسان يكون شبيها بالله . وفي هذا يقول أشعياء (( بمن تشبهونني وتسوونني وتمثلونني لنتشابه ))
( أشعياء 46 : 5 ) . ويقول أشعياء أيضا (( أنا الله وليس آخر . الإله وليس مثلي )) ( أشعياء 46 : 9 ) ويقول الله سبحانه في القرآن الكريم : ) لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) ( الشورى آية 11 )وقد جاء في سفر التكوين : ( فخلق الله الإنسان على صورته ) ) تكوين 1 : 27 ) والمراد كما جاء في الحديث النبوي برواية أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( خلق الله آدم على صورته )قال الحافظ العسقلاني : المعنى أن الله أوجده على الهيئة التي خلقه عليها ولم يتنقل في النشأة أحوالا ولم تمر عليه في الأرحام أطوارا كذريته ، بل خلقه الله رجلا كاملا سوياً من أول ما نفخ فيه الروح . عزيزي القارىء : لقد انزلقت المسيحية إلى تأليه البشر ، فظهر الإسلام ليبدد هذه الأساطير ويدعو إلى وحدانية الله سبحانه وتعالى الذي لا شبيه له .إنه الإسلام المحرر من الأساطير والأوهام ، إن الإسلام يؤكد وحدانية الله ويقول أن الله لا نظير له في لاهوته إنه فرد صمد وواحد في ذاته : )لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ) ( الأنبياء آية 22 ) .إن الله قائم بذاته وإنه مكتف بنفسه وعليه يعتمد الجميع وهو لا يعتمد على أحد ، إنه الخالق رب العالمين إنه المحسن القادر العليم الودود الرحيم الأبدي إنه لم يلد ولم يولد لم ينبثق شيء منه ليصبح مساويا له وشريكاً في لاهوته وفي هذا يقول الله في سورة الإخلاص من القرآن الكريم : ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد اللَّهُ الصَّمَد لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَد وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ) (سورة الإخلاص )ويقول الله سبحانه وتعالى : )وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ والأرض وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ والأرض لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) ( البقرة آيتي 163 ، 164 ) .ويقول سبحانه وتعالى : ) اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرض مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ والأرض وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ) (البقرة:255)