Ghiath
08-16-2007, 06:34 PM
تركيا..نحو دور تاريخي في المنطقة
بيروت/علي حسين باكير 3/8/1428
16/08/2007
يرى عدد كبير من الخبراء المهتمين في السياسة التركيّة، أن تركيا تتجه إلى لعب دور أكبر في الشرق الأوسط، و قد يصل في مرحلة من المراحل إلى درجة استعادة دورها التاريخي، و إن بصورة مختلفة، و أقل قوة و تأثيراً من السابق.
الدافع الأساسي وراء هكذا تحليل يكمن في التغييرات الجذرية التي تطرأ على السياسة التركية في الداخل، و إن كانت تجري بوتيرة بطيئة، و على التطورات المتسارعة في الخارج خاصة في محيط تركيا الإقليمي.
كردستان العراق مدخلاً لتركيا
تشكّل العقدة الكرديّة الهاجس الأساس لتركيا على الصعيد الإقليمي، و قد زاد من هذا الهاجس ضعف الوضع العراقي و تفكّكه، الأمر الذي أعطى لأكراد العراق ورقة قويّة في فرض أنفسهم كلاعب أساسي على الصعيد المحلي و الإقليمي. فالولايات المتّحدة على سبيل المثال استعانت بالورقة الكردية، في الوقت الذي تخلّت فيه تركيا عنها عند اجتياح العراق، و قد عمل الأكراد حينها على توسيع الهوّة بين تركيا و الولايات المتّحدة، فوجدت الأخيرة نفسها مضطرة إلى مجاراتهم و تنفيذ رغباتهم مقابل خدماتهم، و هو الأمر الذي أزعج تركيا على أساس أن نتيجة كل ذلك كانت مزيداً من النفوذ الكردي، مع مخاوف من أن يؤدي ذلك إلى السيطرة على كركوك، و بالتالي إيجاد القاعدة الاقتصادية لأي استقلال مستقبلي تعلنه كردستان العراق، الأمر الذي ستكون تركيا أوّل المتضررين من جرّائه.
ضمن هذا التعقيد في العلاقات الثلاثية التركية-الأمريكية-الكردية، يأتي حزب العمال الكردستاني ليكون بمثابة "القشة التي قصمت ظهر البعير" و ليدفع تركيا إلى استعراض قوتها العسكرية، عبر الحشود التي تقوم بها على الحدود مع العراق، و المقدّرة بحوالي (140) ألف جندي، استعداداً لصدور الأوامر بدخول الشمال العراقي، و القضاء على حزب العمّال الكردستاني الذي اتّخذ من المنطقة منطلقاً لعملياته العسكرية ضد تركيا.
الولايات المتّحدة إلى الآن نصحت الأتراك بعدم الدخول إلى شمال العراق، لكن الجميع يعلم أنّ المسألة الكردية بالنسبة للأتراك تقع في رأس قائمة الأمن القومي للبلاد، و هذه مسألة لا يمكن التساهل أو التسامح بها حتى لو كان هذا المطلب من الطرف الأمريكي.
في هذا الموقف الصعب، فإن آخر ما تريده الولايات المتّحدة هو خوض مواجهة مع الأتراك حول شمال العراق، لكنها من جهة أخرى لا تملك حلولاً للمشكلة التركية-الكردية.
لقد نجح أردوغان مؤخراً في الحصول على اتفاقية أمنية من الجانب العراقي بموافقة رئيس الوزراء نوري المالكي، تتضمن مكافحة تواجد حزب العمال الكردستاني على الأراضي العراقية، و تحديداً مواقعه الموجودة في الشمال. لكن التقدير يذهب إلى أن هذه الاتفاقية لن ترى النور عملياً على أرض الواقع، وذلك لأنّها أثارت سخط "حكومة إقليم كردستان العراق" على أساس أنها جاءت دون استشارتهم و موافقتهم، خاصة وأن نطاق تنفيذها يقع في الإقليم المذكور.
الاقتصاد التركي كرافعة لنفوذها إقليمياً
إذا ما قارنّا النفوذ التركي في المنطقة و موقعها السياسي و العسكري و الاقتصادي الإقليمي الحالي، سنجد أنّه لا يتناسب بتاتاً مع قدرات تركيا و دورها التاريخي التي لطالما كان لها حصّة كبيرة فيه إلى حين انهيار الإمبراطورية العثمانية. فقد حال تطور النفوذ الإنكليزي و الفرنسي في المنطقة في ذلك الوقت دون عودة النفوذ التركي، إضافة إلى المشاكل الداخلية التي كانت تواجهها الجمهورية التركية و رغبتها بالانفصال عن محيطها العربي، وخصوصاً لما رأى مصطفى كمال أتاتورك ذلك سبباً في تخلفها و تراجعها. ثمّ جاء النفوذ الأمريكي مع حرب باردة بين الأمريكيين و السوفييت، فوجدت تركيا نفسها محاصرة و في مجال التابع في محيطها، و ظلّت عالقة في نفس الإطار.
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي و تغيّر الوضع، طرأت العديد من المستجدات الهامة خلال السنوات اللاحقة خاصّة بعد وصول حزب العدالة و التنمية إلى الحكم في تركيا، وذلك من شأنه أن يمهّد للدور الكبير المنتظر لتركيا في المنطقة.
وفقاً لأحد التقارير التي يصدرها مركز (ستراتفورد)، فإنّ الاقتصاد هو أحد أهم العوامل التي ستسمح لتركيا باستعادة دورها الإقليمي الذي كان سائداً قبل (90) سنة. ففي عام 2006، حققت تركيا المركز الـثامن عشر من بين الدول الأعلى نمواً في العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي، و قد حققت نمواً مستمراً بين 5 و 8% في السنّة لأكثر من خمس سنوات حتى الآن، لتحل خلف بلجيكا و السويد مباشرة.
و يشكّل الاقتصاد التركي بحسب التقرير أكبر اقتصاد إسلامي على الإطلاق، متفوقاً بذلك حتى على حجم الاقتصاد السعودي، مع الأخذ بعين الاعتبار أن تركيا حقّقت ذلك دون انضمامها إلى الاتحّاد الأوروبي، و لنا أن نتخيّل قدرتها إذا ما تمّ قبولها فيه.
تركيا ليس الصين من الناحية الاقتصادية، و لكنها بالتأكيد تشكّل أكبر اقتصاد في شرق المتوسط، وجنوب شرق أوروبا، والشرق الأوسط و منطقة القوقاز. صحيح أن هذا النمو لا يزال هشّا و قد يتم عرقلته، لكن الصحيح أيضاً أننا نرى تقدّماً نحو الأمام و ليس الخلف، كما أن الاقتصاد التركي بات يشكّل الاقتصاد الإقليمي الأكثر ديناميكية و قيادية. و إذا ما أضفنا إلى كل هذا موقع تركيا الجغرافي و دورها في أن تضم أكبر شبكة نقل و مرور للطاقة في العالم، فإن التحليل يقودنا إلى أن دور تركيا في تعاظم مستمر، و يتجه نحو استعادة حالته التاريخية و إن بشكل بطيء.
المشكلة التي تحد من اتساع النفوذ الاقتصادي التركي إقليمياً تكمن في العقبات التي تواجهه عسكرياً و سياسياً، و التي تشكّل سداً يحول دول توسعه. فتأثير الاقتصاد التركي في البلقان يحدّه الاحتكاك و النزاع مع اليونان، و التأثير أيضاً في القوقاز يحد منه إلى درجة ما الاحتكاك و النزاع مع أرمينيا، و الوضع المتأزم مع العراق و المتوتر بين الحين و الآخر مع سوريا يحول دون النفاذ جنوباً، أما شرقاً فإيران تسعى إلى منع امتداد نفوذ أنقرة لأنه سيكون بديلاً لنفوذها في حال حصول ذلك.
إذا ما استمر الصعود التركي على هذا النحو، فإن ذلك سيفرض على جيرانها أن يكونوا أقل عداوة تجاهها، لأن القوة الاقتصادية و الديناميكية التبادلية تفرض ذلك على الجميع. و فيما ينمو الاقتصاد التركي و يتطور الدور السياسي لتركيا، فإن القوة العسكرية ستكون مجرد تحصيل حاصل، فالاقتصاد القوي يدفع نحو جيش قوي، و مع الوقت فإنّ النفوذ التركي في المنطقة سيكون مساوياً لحجم التطور الاقتصادي و السياسي و العسكري الذي تشهده حالياً.
بيروت/علي حسين باكير 3/8/1428
16/08/2007
يرى عدد كبير من الخبراء المهتمين في السياسة التركيّة، أن تركيا تتجه إلى لعب دور أكبر في الشرق الأوسط، و قد يصل في مرحلة من المراحل إلى درجة استعادة دورها التاريخي، و إن بصورة مختلفة، و أقل قوة و تأثيراً من السابق.
الدافع الأساسي وراء هكذا تحليل يكمن في التغييرات الجذرية التي تطرأ على السياسة التركية في الداخل، و إن كانت تجري بوتيرة بطيئة، و على التطورات المتسارعة في الخارج خاصة في محيط تركيا الإقليمي.
كردستان العراق مدخلاً لتركيا
تشكّل العقدة الكرديّة الهاجس الأساس لتركيا على الصعيد الإقليمي، و قد زاد من هذا الهاجس ضعف الوضع العراقي و تفكّكه، الأمر الذي أعطى لأكراد العراق ورقة قويّة في فرض أنفسهم كلاعب أساسي على الصعيد المحلي و الإقليمي. فالولايات المتّحدة على سبيل المثال استعانت بالورقة الكردية، في الوقت الذي تخلّت فيه تركيا عنها عند اجتياح العراق، و قد عمل الأكراد حينها على توسيع الهوّة بين تركيا و الولايات المتّحدة، فوجدت الأخيرة نفسها مضطرة إلى مجاراتهم و تنفيذ رغباتهم مقابل خدماتهم، و هو الأمر الذي أزعج تركيا على أساس أن نتيجة كل ذلك كانت مزيداً من النفوذ الكردي، مع مخاوف من أن يؤدي ذلك إلى السيطرة على كركوك، و بالتالي إيجاد القاعدة الاقتصادية لأي استقلال مستقبلي تعلنه كردستان العراق، الأمر الذي ستكون تركيا أوّل المتضررين من جرّائه.
ضمن هذا التعقيد في العلاقات الثلاثية التركية-الأمريكية-الكردية، يأتي حزب العمال الكردستاني ليكون بمثابة "القشة التي قصمت ظهر البعير" و ليدفع تركيا إلى استعراض قوتها العسكرية، عبر الحشود التي تقوم بها على الحدود مع العراق، و المقدّرة بحوالي (140) ألف جندي، استعداداً لصدور الأوامر بدخول الشمال العراقي، و القضاء على حزب العمّال الكردستاني الذي اتّخذ من المنطقة منطلقاً لعملياته العسكرية ضد تركيا.
الولايات المتّحدة إلى الآن نصحت الأتراك بعدم الدخول إلى شمال العراق، لكن الجميع يعلم أنّ المسألة الكردية بالنسبة للأتراك تقع في رأس قائمة الأمن القومي للبلاد، و هذه مسألة لا يمكن التساهل أو التسامح بها حتى لو كان هذا المطلب من الطرف الأمريكي.
في هذا الموقف الصعب، فإن آخر ما تريده الولايات المتّحدة هو خوض مواجهة مع الأتراك حول شمال العراق، لكنها من جهة أخرى لا تملك حلولاً للمشكلة التركية-الكردية.
لقد نجح أردوغان مؤخراً في الحصول على اتفاقية أمنية من الجانب العراقي بموافقة رئيس الوزراء نوري المالكي، تتضمن مكافحة تواجد حزب العمال الكردستاني على الأراضي العراقية، و تحديداً مواقعه الموجودة في الشمال. لكن التقدير يذهب إلى أن هذه الاتفاقية لن ترى النور عملياً على أرض الواقع، وذلك لأنّها أثارت سخط "حكومة إقليم كردستان العراق" على أساس أنها جاءت دون استشارتهم و موافقتهم، خاصة وأن نطاق تنفيذها يقع في الإقليم المذكور.
الاقتصاد التركي كرافعة لنفوذها إقليمياً
إذا ما قارنّا النفوذ التركي في المنطقة و موقعها السياسي و العسكري و الاقتصادي الإقليمي الحالي، سنجد أنّه لا يتناسب بتاتاً مع قدرات تركيا و دورها التاريخي التي لطالما كان لها حصّة كبيرة فيه إلى حين انهيار الإمبراطورية العثمانية. فقد حال تطور النفوذ الإنكليزي و الفرنسي في المنطقة في ذلك الوقت دون عودة النفوذ التركي، إضافة إلى المشاكل الداخلية التي كانت تواجهها الجمهورية التركية و رغبتها بالانفصال عن محيطها العربي، وخصوصاً لما رأى مصطفى كمال أتاتورك ذلك سبباً في تخلفها و تراجعها. ثمّ جاء النفوذ الأمريكي مع حرب باردة بين الأمريكيين و السوفييت، فوجدت تركيا نفسها محاصرة و في مجال التابع في محيطها، و ظلّت عالقة في نفس الإطار.
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي و تغيّر الوضع، طرأت العديد من المستجدات الهامة خلال السنوات اللاحقة خاصّة بعد وصول حزب العدالة و التنمية إلى الحكم في تركيا، وذلك من شأنه أن يمهّد للدور الكبير المنتظر لتركيا في المنطقة.
وفقاً لأحد التقارير التي يصدرها مركز (ستراتفورد)، فإنّ الاقتصاد هو أحد أهم العوامل التي ستسمح لتركيا باستعادة دورها الإقليمي الذي كان سائداً قبل (90) سنة. ففي عام 2006، حققت تركيا المركز الـثامن عشر من بين الدول الأعلى نمواً في العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي، و قد حققت نمواً مستمراً بين 5 و 8% في السنّة لأكثر من خمس سنوات حتى الآن، لتحل خلف بلجيكا و السويد مباشرة.
و يشكّل الاقتصاد التركي بحسب التقرير أكبر اقتصاد إسلامي على الإطلاق، متفوقاً بذلك حتى على حجم الاقتصاد السعودي، مع الأخذ بعين الاعتبار أن تركيا حقّقت ذلك دون انضمامها إلى الاتحّاد الأوروبي، و لنا أن نتخيّل قدرتها إذا ما تمّ قبولها فيه.
تركيا ليس الصين من الناحية الاقتصادية، و لكنها بالتأكيد تشكّل أكبر اقتصاد في شرق المتوسط، وجنوب شرق أوروبا، والشرق الأوسط و منطقة القوقاز. صحيح أن هذا النمو لا يزال هشّا و قد يتم عرقلته، لكن الصحيح أيضاً أننا نرى تقدّماً نحو الأمام و ليس الخلف، كما أن الاقتصاد التركي بات يشكّل الاقتصاد الإقليمي الأكثر ديناميكية و قيادية. و إذا ما أضفنا إلى كل هذا موقع تركيا الجغرافي و دورها في أن تضم أكبر شبكة نقل و مرور للطاقة في العالم، فإن التحليل يقودنا إلى أن دور تركيا في تعاظم مستمر، و يتجه نحو استعادة حالته التاريخية و إن بشكل بطيء.
المشكلة التي تحد من اتساع النفوذ الاقتصادي التركي إقليمياً تكمن في العقبات التي تواجهه عسكرياً و سياسياً، و التي تشكّل سداً يحول دول توسعه. فتأثير الاقتصاد التركي في البلقان يحدّه الاحتكاك و النزاع مع اليونان، و التأثير أيضاً في القوقاز يحد منه إلى درجة ما الاحتكاك و النزاع مع أرمينيا، و الوضع المتأزم مع العراق و المتوتر بين الحين و الآخر مع سوريا يحول دون النفاذ جنوباً، أما شرقاً فإيران تسعى إلى منع امتداد نفوذ أنقرة لأنه سيكون بديلاً لنفوذها في حال حصول ذلك.
إذا ما استمر الصعود التركي على هذا النحو، فإن ذلك سيفرض على جيرانها أن يكونوا أقل عداوة تجاهها، لأن القوة الاقتصادية و الديناميكية التبادلية تفرض ذلك على الجميع. و فيما ينمو الاقتصاد التركي و يتطور الدور السياسي لتركيا، فإن القوة العسكرية ستكون مجرد تحصيل حاصل، فالاقتصاد القوي يدفع نحو جيش قوي، و مع الوقت فإنّ النفوذ التركي في المنطقة سيكون مساوياً لحجم التطور الاقتصادي و السياسي و العسكري الذي تشهده حالياً.