farahfarah
07-28-2007, 08:05 PM
موت و حياة ... نهاية و بداية
منذ دخلت الجامعة و هي تحلم باليوم الذي تتخرج فيه... مرت السنوات بسرعة و ها هي اليوم تعيش آخر يوم في الجامعة...
لم تكن الدراسة سهلة بطبيعة الأحوال فكيف إذا أضفت إلى ذلك عوامل أخرى: الحر القاتل في أوائل السنة الدراسية و البرد القارص في وسطها... كم تاقت شوقا إلى غرفتها الباردة في أيام الدراسة الحارة , تدخلها و تنزع حجابها و تلقي نفسها على السرير و تغمض عينيها, كم ضاقت ذرعا بالمدينة وأبنيتها هي التي تعودت أن ترى السماء كيفما اتجهت في منزلها و هي التي يحيط بها اللون الأخضر كيفما أشاحت بناظريها... هل هناك أجمل من رؤية عصفور يغط على شرفتها أم هل هناك أجمل من منظر البرتقال و الدرّاق و الخوخ يتدلى من شجره؟ أم منظر الفراشات تتنقل من زهرة إلى زهرة .. أم هذا الورد ذو اللون الأحمر البديع و الأبيض الصافي.. هل هناك أجمل من منظر هذا البحر الممتد إلى الأفق أم ذاك الجبل الذي يحيط ببلدتها كحارس أمين ؟ هل هناك أجمل من جلسة في الحديقة مع الأهل و الأحباب؟..و لكنّها مع ذلك كانت تترك كل ذلك لتتوجه بقوة غامضة إلى جامعتها... أما في الشتاء , فلا زالت حتى الآن لا تدري كنه هذه القوة التي كانت تسحبها من سريرها الدافئ لتتحصن تحت " طن" من الملابس و تخرج لتواجه ليس فقط عواصف الطبيعة و لكن أيضا عواصف الحياة ... أيام كثيرة رجعت فيها مبتلة من رأسها إلى أخمص قدميها , و لطالما ألمت بها نزلات بردية جراء ذلك ... كم داست في وحول الشتاء و كم من سيارة مسرعة رشقتها بماء الطريق..
هي حقا قوة خفية تلك كانت تدفعها للذهاب إلى الجامعة كل يوم, اليوم صارت تعرفها, هي قوة الحب... حبها للدراسة و إدراكها لأهميته في رفعة الأمم و حبها لصديقاتها اللواتي كن أكثر من أخوات ... قضت معهن أربع سنوات من حياتها, تراهن أكثر من أهلها و تحدثهن بما لم تحدث به أحدا غيرهن... غريبة هي هذه الحياة التي تؤلف بين القلوب... هل صحيح أن الأرواح تتآلف؟.. هي تشعر فعلا بالشوق للقائهن, و صديقاتها كن أهلا لان يعجب بهنّ كل من يراهنّ.. لم يكنّ سخيفات و لا مملات.. كل يوم يناقشن موضوعا جديدا, كثيرة هي الأفكار التي استنبطتها من جلوسها معهن.. بنت جزءا كبيرا من فكرها و شخصيتها بناء على مناقشتهنّ...
و لكن أهم ما تعلمته منهن هو فقه الاختلاف!..
لطالما تساءلت عن حب و احترام الأئمة الأربعة لبعضهم البعض على رغم اختلافهم في كثير من الآراء فكانت تقرأ قول الشافعي :" مالك أستاذي و عنه أخذت العلم و هو حجة بيني و بين الله تعالى , و ما أحد أمنّ عليّ من مالك , و إذا ذكر العلماء , فمالك النجم الثاقب" و قوله أيضا:" خرجت من بغداد , و ما خلّفت بها أتقى و لا أفقه من ابن حنبل " و كانت تقرأ قول أحمد بن حنبل في الشافعي:"ما من أحد مسّ بيده محبرة و قلماً, إلا و للشافعي في عنقه منّة", كانت تقرأ كلماتهم و تتعجب, لم تكن تدرك حقيقة الحب رغم الاختلاف ....
و لكنّها اليوم, تعلمته!...
كل واحدة منهن كانت تملك شخصية متميزة عن الأخرى فترى فيهن المتحمسة و البريئة و الكتومة و القائدة و المتضجرة أحيانا و المرحة و المسئولة و.. باختصار كنّ خليطا !.. و كم تشاجرن أحيانا و كم اتفقن أحيانا, ورغم ذلك كنّ اقرب إلى قلبها من قلبها!...
اليوم أخر يوم في الجامعة, هذا اليوم الذي انتظرته منذ زمن, غير أنها لم تتوقع أبدا حين دخلت الجامعة حالمة بقدوم هذا اليوم أن يعتصرها الألم كما يعتصرها اليوم.. لا تدري كيف دارت عبراتها حين خرجن من ذلك المطعم و مضت كل واحدة منهنّ في طريق.. هذه هي الحياة .. نجتمع لنفترق بعد حين...
........................
رنت إليه بنظرات حزينة و بعد صمت طويل قالت:
_ أتعرف أن أجمل شعور في الدنيا هو عندما تكون مع أصدقائك, أحبابك..
نظر إليها نظرة مشفق إلى حالها عالم بما ألمّ بها و خاطبتها عيناه ثم وضع رأسها على صدره فسمعت قلبه ينبض بهذه الكلمات: أنا افهم كل ما تقولين جيدا, انتقال من مرحلة إلى مرحلة... نهاية و بداية... موت و حياة ... و دام حوار القلوب لحظات ثم قال لها:
_ أجمل شعور في الدنيا هو حينما أكون معك..
و بشقاوة من يعرف الجواب رفعت رأسها بحماسة و سألته:
_ أنا أصدقاؤك؟
صمت صمتا طويلا و تنهد تنهيدة أطول و قال:
_ بل أنت حبيبتي...
................................... .
الثلاثاء 24 تموز 2007
آخر يوم في الجامعة...
منذ دخلت الجامعة و هي تحلم باليوم الذي تتخرج فيه... مرت السنوات بسرعة و ها هي اليوم تعيش آخر يوم في الجامعة...
لم تكن الدراسة سهلة بطبيعة الأحوال فكيف إذا أضفت إلى ذلك عوامل أخرى: الحر القاتل في أوائل السنة الدراسية و البرد القارص في وسطها... كم تاقت شوقا إلى غرفتها الباردة في أيام الدراسة الحارة , تدخلها و تنزع حجابها و تلقي نفسها على السرير و تغمض عينيها, كم ضاقت ذرعا بالمدينة وأبنيتها هي التي تعودت أن ترى السماء كيفما اتجهت في منزلها و هي التي يحيط بها اللون الأخضر كيفما أشاحت بناظريها... هل هناك أجمل من رؤية عصفور يغط على شرفتها أم هل هناك أجمل من منظر البرتقال و الدرّاق و الخوخ يتدلى من شجره؟ أم منظر الفراشات تتنقل من زهرة إلى زهرة .. أم هذا الورد ذو اللون الأحمر البديع و الأبيض الصافي.. هل هناك أجمل من منظر هذا البحر الممتد إلى الأفق أم ذاك الجبل الذي يحيط ببلدتها كحارس أمين ؟ هل هناك أجمل من جلسة في الحديقة مع الأهل و الأحباب؟..و لكنّها مع ذلك كانت تترك كل ذلك لتتوجه بقوة غامضة إلى جامعتها... أما في الشتاء , فلا زالت حتى الآن لا تدري كنه هذه القوة التي كانت تسحبها من سريرها الدافئ لتتحصن تحت " طن" من الملابس و تخرج لتواجه ليس فقط عواصف الطبيعة و لكن أيضا عواصف الحياة ... أيام كثيرة رجعت فيها مبتلة من رأسها إلى أخمص قدميها , و لطالما ألمت بها نزلات بردية جراء ذلك ... كم داست في وحول الشتاء و كم من سيارة مسرعة رشقتها بماء الطريق..
هي حقا قوة خفية تلك كانت تدفعها للذهاب إلى الجامعة كل يوم, اليوم صارت تعرفها, هي قوة الحب... حبها للدراسة و إدراكها لأهميته في رفعة الأمم و حبها لصديقاتها اللواتي كن أكثر من أخوات ... قضت معهن أربع سنوات من حياتها, تراهن أكثر من أهلها و تحدثهن بما لم تحدث به أحدا غيرهن... غريبة هي هذه الحياة التي تؤلف بين القلوب... هل صحيح أن الأرواح تتآلف؟.. هي تشعر فعلا بالشوق للقائهن, و صديقاتها كن أهلا لان يعجب بهنّ كل من يراهنّ.. لم يكنّ سخيفات و لا مملات.. كل يوم يناقشن موضوعا جديدا, كثيرة هي الأفكار التي استنبطتها من جلوسها معهن.. بنت جزءا كبيرا من فكرها و شخصيتها بناء على مناقشتهنّ...
و لكن أهم ما تعلمته منهن هو فقه الاختلاف!..
لطالما تساءلت عن حب و احترام الأئمة الأربعة لبعضهم البعض على رغم اختلافهم في كثير من الآراء فكانت تقرأ قول الشافعي :" مالك أستاذي و عنه أخذت العلم و هو حجة بيني و بين الله تعالى , و ما أحد أمنّ عليّ من مالك , و إذا ذكر العلماء , فمالك النجم الثاقب" و قوله أيضا:" خرجت من بغداد , و ما خلّفت بها أتقى و لا أفقه من ابن حنبل " و كانت تقرأ قول أحمد بن حنبل في الشافعي:"ما من أحد مسّ بيده محبرة و قلماً, إلا و للشافعي في عنقه منّة", كانت تقرأ كلماتهم و تتعجب, لم تكن تدرك حقيقة الحب رغم الاختلاف ....
و لكنّها اليوم, تعلمته!...
كل واحدة منهن كانت تملك شخصية متميزة عن الأخرى فترى فيهن المتحمسة و البريئة و الكتومة و القائدة و المتضجرة أحيانا و المرحة و المسئولة و.. باختصار كنّ خليطا !.. و كم تشاجرن أحيانا و كم اتفقن أحيانا, ورغم ذلك كنّ اقرب إلى قلبها من قلبها!...
اليوم أخر يوم في الجامعة, هذا اليوم الذي انتظرته منذ زمن, غير أنها لم تتوقع أبدا حين دخلت الجامعة حالمة بقدوم هذا اليوم أن يعتصرها الألم كما يعتصرها اليوم.. لا تدري كيف دارت عبراتها حين خرجن من ذلك المطعم و مضت كل واحدة منهنّ في طريق.. هذه هي الحياة .. نجتمع لنفترق بعد حين...
........................
رنت إليه بنظرات حزينة و بعد صمت طويل قالت:
_ أتعرف أن أجمل شعور في الدنيا هو عندما تكون مع أصدقائك, أحبابك..
نظر إليها نظرة مشفق إلى حالها عالم بما ألمّ بها و خاطبتها عيناه ثم وضع رأسها على صدره فسمعت قلبه ينبض بهذه الكلمات: أنا افهم كل ما تقولين جيدا, انتقال من مرحلة إلى مرحلة... نهاية و بداية... موت و حياة ... و دام حوار القلوب لحظات ثم قال لها:
_ أجمل شعور في الدنيا هو حينما أكون معك..
و بشقاوة من يعرف الجواب رفعت رأسها بحماسة و سألته:
_ أنا أصدقاؤك؟
صمت صمتا طويلا و تنهد تنهيدة أطول و قال:
_ بل أنت حبيبتي...
................................... .
الثلاثاء 24 تموز 2007
آخر يوم في الجامعة...