تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : بالقانون!!!



farahfarah
07-23-2007, 08:17 PM
هذه المقالة للد. ايمن الجندي كاتب و طبيب مصري مبدع احببت ان انقلها لكم:


بالقانون!!

اسمع يا سيدي حكايته.. ولكن قبل أن تسخر منه تذكر أنه لم يخطط مسبقا للقاء الرجل الكبير.. وحتى لو خطط لهذا مدة مليون سنة لما استطاع مقابلته.. يشبه الأمر هدفا أذكره منذ عشرين سنة.. طاشت الكرة من قدم لاعب مغمور فسجل هدفا في مرمى الأهلي.. وحينما هلل مشجعوه الذي يعدون على أصابع اليد الواحدة وجرى لاعبو الفريق لتهنئته وعناقه فإن اللاعب وحده بقي غير مصدق أنه أحرز الهدف فعلا ولذلك لم تبدُ عليه ملامح الفرحة.

جنون فكرة

بالضبط نفس الأمر.. نجاحه في مقابلة هذا الملياردير المعروف يرجع إلى جنون الفكرة.. كان يمر في الطريق تحت مقر الشركة.. سنوات عديدة مضت منذ أن كان في محل الحلاقة - بانتظار دوره- يقرأ في مجلة قديمة منزوعة الغلاف، حيث أشار الصحفي في سياق المقال إلى مقر شركة الرجل الكبير.. لم يفكر وقتها أن هذه المعلومة -التي اختزنها دون وعي- قد تفيده يوما.. وقتها كان شاعرا يجيد صياغة مشاعره في كلمات حالمة لذلك لمعت عينا رشا (وكل الفتيات اسمهن الآن رشا لسبب مجهول) حينما قرأت قصيدته المعلقة على لوحة مجلة الكلية.. رسم ملامحها في أرق صورة شعرية ممكنة.. شفتاها المضمومتان كزهرة برية على حافة نبع.. حاجبها المقوس كهلال أنيق.. وتلك العينان المكدستان بالنجوم.. والضوء الرقيق المنتشر من لا مكان في وجهها.. كانت تعرف أنه يحبها منذ عهد بعيد وحينما رقت ملامحها وسهمت عيناها كالحالمة أدرك أنه لمس قلبها هذه المرة.
لكن هذا تاريخ مضى.. لم تكن هناك إشارة واحدة في هذه البناية تدل على وجود مكتب الرجل الكبير الذي يحدد -بكلمة منه- مصير مصر كلها.. أغلب الظن أنه احتفظ به لأسباب عاطفية بحتة.. لأن انطلاقته كانت من هذا المكان.
المكتب بسيط أقرب إلى التقشف.. أحيانا تخفي المبالغة في أناقة الديكور رغبة في إثبات شيء ما وهو أمر لا حاجة له به.. نفوذه ليس بحاجة لإثبات... إنه الرجل الذي يرتزق منه الأنصار والخصوم بامتيازات يغدقها على من يريد وحتى رواج صحف المعارضة مرتبط بالتنديد بفساده.

الرجل الكبير
على أن هذا ليس هو المهم.. تقدم صاحبنا إلى سيدة تتحدث في الهاتف تحمل ملامحها آثار جمال قديم وحينما انتهت من المحادثة طلب لقاء الرجل الكبير في شبه ثقة.. تتبع عينيها وهي تطوف بملابسه المتواضعة وذقنه غير الحليقة وكأنها تؤكد له استحالة وجود موضوعات مشتركة بينهما لكنه لم يشعر بذرة ارتباك وإنما نظر إليها في ثبات مماثل.. في ضربة مقامر.. تصادمت الإرادتان لوهلة ثم ابتسمت في غموض.. غابت لبرهة ثم عادت وطلبت منه أن يتبعها ففعل وهو لا يكاد يصدق أنه سيقابل الرجل الكبير بهذه البساطة.
شاط الفتى الكرة فأحرز هدفا وبالتأكيد لو أعاد تصويبها بنفس الطريقة عشرة ملايين مرة فلن يسجل الهدف مرة أخرى.. المهم أن يستغل هذه الفرصة التي لن تعود مرة ثانية أبدا.
وجد نفسه أمام الرجل الكبير.. بشحمه ولحمه وصورته التي تطالعه في الجرائد.. سمينا مخيفا فظ الملامح لكنه لم يشعر بأدنى رهبة.. شيء يشبه تلك المواد الكيمائية التي يفرزها المخ وقت الموت الرحيم ليمر الأمر بسلام.. باختصار أعادت المحنة تشكيله حينما انسحبت رشا إلى عالمها الحقيقي وسمع أنباء متناثرة عن خطبة وشيكة.. وبرغم أنها لم تعده بشيء فلم يراوده شك أنها خانته.. أصدقاؤه سخروا منه ولم يجرؤ هو على عتابها لأنه كان يعلم ردها مقدما.. كل ما هنالك أنه ذهب لأبيها يطلب يد كريمته!!.. حينما خرج من بيتها شبه مطرود كان قد أصبح مشروع إرهابي ينتظر فرصته لتفجير العالم.
لكن الرجل الكبير لم يمنحه ترف التأمل في ذكرياته.. قال في نبرة صارمة قاطعة كحد السكين:
- ماذا تريد؟
للمرة الأولى شعر الفتى بالرهبة ولكنه صمم على تجاوز المحنة فقال كلمته المجنونة التي تشبه القنبلة:
- سيدي.. جئت لأقول لك إنني مستعد للقيام بأي عمل غير قانوني!!.

سلطة القوة.. وقوة السلطة
يا لها من كلمة حمقاء.. تصور رجلا يطرق باب تاجر مخدرات لا يعرفه عارضا خدماته في بيع المخدرات!!.. بالتأكيد أحمق أو مجنون. المدهش أن الرجل الكبير ابتسم.. يبدو أنه كان رائق المزاج هذا الصباح لسبب أو لآخر.. لم يطرده وإنما قال له:
- ماذا تعني بالضبط؟
استجمع الشاب شجاعته، وقال:
- إن حجم أعمالك يبلغ المليارات.. وبالطبع يصعب أن تكون قانونية تماما (قالها هامسا بصوت مشروخ)؛ لذلك فكرت أنني ربما أستطيع أن أكون مفيدا لك بشكل أو بآخر.
انفجر الرجل الكبير في الضحك فارتبك الشاب وقال بصوت مهتز:
-هل أسأت التعبير؟.
- على العكس.. أنا أفهمك.
- ببساطة أنا مستعد لأي عمل غير قانوني (قالها في يأس).
- هكذا؟.
-جربني. لماذا لا تصدقني؟
رفع حاجبه في شبه غضب وقال وقد تراجعت ابتسامته.
- ومن قال إني لا أصدقك؟
قال في ارتياح:
- الحمد لله.. (ثم بدا عليه أنه تنبه إلى غرابة الكلمة في مثل هذا الحوار).
قال الرجل الكبير في جد:
- أنت حاصل على شهادة جامعية.
- كيف عرفت؟
- الحكاية دائما هكذا.. بالطبع لم تجد وظيفة ملائمة؟
- لم أجد أي عمل على الإطلاق.
- كنت شابا مثاليا ولعلك أحببت فتاة جامعية مثلك طيلة هذه السنين.
- (صمت).
- ولكنها خذلتك وتصرفت بمعرفتها.
- كيف عرفت عني كل شيء؟ (قالها في ذهول)

لا أخالف القانون
استطرد الرجل الكبير:
- قلت إن المبادئ ضعف والجوع كفر.. وقد حان الوقت للتخلي عن أوهامك القديمة مثلما تتخلص من ثوبك القديم.
- بل قل حذاءك القديم، قال الشاب مصححا.
- وفي لحظة عزمت أن تكون وغدا، لم يعد لديك ما تفقده.. وأنا مشهور بالفساد والصفقات المشبوهة؛ لذلك فقد أتيت لتعرض خدماتك علي.
- هذه هي الحقيقة دون زيادة أو نقصان.
- لكنك كنت ساذجا حينما تصورت أني سأرحب بعرضك.. هل تعرف لماذا؟
هز رأسه متسائلا وقد سحره الحوار:
- لأنني ببساطة لا أخالف القانون.
قال الشاب كالمذهول:
- أحقا؟
قلب الرجل الكبير كفه كالمتعجب:
- طبعا، ولماذا أخالفه إذا كنت من يصنعه ويكتبه؟ أكتبه على مقاسي وحسب مصالحي وكما أريد بالضبط.. مشكلتكم أنكم تظنون أن النجاح صدفة.. يا بني من يملك المال يملك القوة ومن يملك القوة يصنع القانون.. هذا بديهي تماما.
ابتسم الشاب في إعجاب، وقال:
- يا لي من غبي!! أنتم فعلا تستحقون النجاح الذي حققتموه.. أما أنا فقد فشلت حتى في الشر.
هز الرجل الكبير رأسه موافقا بابتسامته الجانبية الساخرة فنهض الشاب منصرفا في يأس ثم عاد ليصافحه بطريقة آلية، في حين راح الرجل الكبير يرمقه في صمت حتى اختفى تماما.