كل الفصول
07-18-2007, 01:50 AM
كل حكايا الأحلامِ تتوقفُ عند ختمِ الواقع
كنتُ أتمنى أن أبقى طِفلةً حتى ولو في خيالي .. لكن لاأدري لمَ أعجزُ عن محوِ تجاعيدِ النضج أو المسؤولية
بعدما تخرجتْ .. وأنا التي أُعْتَبَرُ ناجحةً ومُتَفَوِّقةً .. كان ينتظر مني أن أجد وظيفةً تنتظرني
ليسَ لأن أهلي عاجزون عن الصرفِ علي .. ولكن لأني صرتُ مسؤولة عن نفسي .. وينبغي أن أكفيَهُم المؤونة
أو أساعِدَهُم على ترَفِيَّةِ الحياة .. والعيش ِ في وسطِ المدينة , أو بالأصح في شمالها .
أردد دوماً في نفسي أن الرياض لاتصلح إلا للأغنياء .. بالمعنى الصحيح للغنى .. فكيف بشمالها ؟؟
هذا بعد أن جربتُ العيش في بيتٍ شعبيٍ في الطائف وسط مزارع الرمان واليشموم , والجبال المكسوة بالخضرة الطائفية
هناك لايحتاجُ الفردُ إلى أن ينفق .. ولاأن يطلب وجبة سريعة .. أو يستريح في مطعم .. أثناء بحثه عن حاجياته من أرقى الماركات العالمية .. ولاحتى ليؤثث بيته من أرقى محالٍّ الأثاث .. أو يشتري له سيارة فارهة وجوالاً متميزاً وووو من الكماليات غير المنقضية !!
حين عدتُ للرياض بعد تلك السفرة الطويلة نوعاً ما .. بهرت بها كأني لم أرها من قبل .. كما أني شعرت بالحسرة بعد أيامٍ قليلة من العيشِ بلا راتب ولا وظيفة ..!!
عدت ولم يبقَ على الدراسة إلا أيامٌ قلائل .. وأنا التي قدمتُ على مرحلة الماجستير ولم أُعِدَّ لها العدة .. لأني غيرُ مستعدة فكرياً ولانفسياً .. وربما حتى عائلياً وأسرياً .. ولكني استخرتُ مراراً ولم أرَها بعد كل مرة إلا تتسهلُ لي وتفرج لي ..
لاأنسى أن التي بشرتني بقبولي كانت فرحة مبتهجة .. وكنتُ أنا مكتئبة حزينة .. كنت واثقة من قبولي .. وكنتُ أتمنى الفرار .. وكانت تقول لي إن كثيراتٍ غيري لم يتحصل لهن هذا القبول الذي لم أعبأ به ...!!!
كانت مكافأةُ الدراسة أجمل مافيها .. صرتُ مادية بما يكفي .. لأني دخلتها وأنا فارغة ذهنياً .. ومعطلة القوى فكرياً
كنت أعلمُ أنه ماهكذا يُقْبِلُ دارسوا الماجستير عليها .. ولكني لم أستطع مجابهة خمولي وإشعالِ فتيل الهمة لدي .. ولذلك كنت أعزِمُ في كل أسبوعٍ على أن أترك الدراسة .. فتعيدني الاستخارة ..
قبل نهايةِ النصفِ الأولِ من السنةِ المنهجية .. طلبت مني أختي ملفي الوظيفي كي تقدم لي على مؤسسة نسوية حديثة الإنشاء .. حلمت بالعمل فيها منذ افتتاحها .. وقبل التحاقي بالماجستير .. ولكن أوراقي لن تدخل إلا بعد قطعي لشوطٍ كبيرٍ من السنة المنهجية .. لابأس فأنا لم أُطِق الدراسة أصلاً ..
بعد أسبوع تقريباً اتصلت بي قريبتنا لتخبرني بأنَّ أحضر إليهم غذا لأجل المقابلة الشخصية مع المديرة .. المديرة التي هي مجهولة بالنسبة لي .. هذ الغدُ هو موعدُ الامتحانٍ الأول من الأعمال الفصلية للسنة المنهجية .. ولست ممن يضيعوا امتحاناتهم أو يتغيبوا عنها .. لم أعتد هذا .. كما أني رغم كل شيء لاأضمن هذه الوظيفة ..!!
كان الخيارُ صعباً .. لم أكن ذاكرتُ المادة جيدأ .. ولكني لاأضمنُ قبول القسم إعادة الامتحانِ لي .. استخرت وبعد مداولاتٍ عديدة واستخارة تلو أخرى تركت الامتحان وذهبتُ للمقابلة ..!!
دخلتُ في مكانٍ متطور جميل أنيق .. لم يكن كأي مؤسسة حكومية أخرى .. الاستقبالُ فيها مريح .. وسكرتيرةُ المديرة فائقةٌُ في حسن التعامل والضيافة ..
دخلتُ على المديرة .. صعقت حين رأيتها .. أعرفها جيداً .. عمليةٌ جداً .. وحازمة .. وموقفٌ مشينٌ حدث بيني وبينها .. رغم أنه لم يكن جريمة عظيمة .. إلا أني لاأنسى طريقة تعاملها معي آنذاك .. كل ماأعرفه أني لاأطيقها .. وبالتأكيد هي تبادلني نفس الشعور .. إذن لاقبول ..
تحدثتُ معها وأنا آيسة .. كما أنها أعطتني يأساً تاماً بالقبول .. وقدمت لي خيارات عديدة غير أن تقبلني لديها.. وتساءَلَتْ لماذا لم أدرس الماجستير .. ولكني لم أخبرها بالحقيقة كي لاتزيد الطين بلة .. خرجت وأنا مستاءةٌ منها وواثقة بأن الوظيفة طارت من يدي كما أطرتُ الامتحان .
حاولتُ الاعتذار للدكتور ولم أصرح بالسبب .. أحالني للمشرفة .. ولم أصرح لها أيضاً .. ورغم أنها حاولت المماطلة إلا أن الدعاء الصادق يحل كل المشاكل .. الدكتور أعاد لزميلاتي الامتحان .. وأوراق الامتحانِ الأول فُقِدَتْ .. !!
حين لم يبقَ لي في الفصل الأول سوى الامتحانات النهائية .. اتصلت بي قريبتي يوم الثلاثاء .. وأخبرتني بأن عليَّ أن أباشر يوم السبت .. فقد قُبِلْتُ في وظيفة إدارية براتب 4000 , ولكنها غيرُ رسمية ..!!
غداً لدي امتحان أعمال فصلية أخير .. كيف أترك فصلاً قطعتهُ حتى لم يبقَ غير امتحانه .. ؟؟!!
باشرتُ العمل السبت .. كان عليَّ الدخولُ على المديرة قبل مباشرتي العمل كي تُعْلِمَنِي بمهامي .. تأخرتُ يومها لأني لم أجد من يوصلني للعمل في الوقتِ المحدد .ولم أكن أعرف ماهي وظيفتي بالتحديد .. الكل يسألني وأنا أجيب بكل بلاهة ربما هنا .. أو لعلي هناك .. الكل يضحك .. ويقول في نفسه : الواسطات تفعل العجائب !!
قابلتني المديرة بامتعاض .. وقابلتها بابتسامة .. إلا أني كنت محبطة ..
أوصتني ومن معي بأن نحب المكان ومن فيه .. ولكني قرأت فيها مقتي .. وحاولت من يومها أن أحبها ...!!!
كان المكان الذي سأعملُ فيها كومة من غبار وأوراق متراكمة وكان علي والموظفة التي معي أن نجعلهُ مؤهلاً للحياة والسكنى .. كانَ العملُ صعباً .. ولاأنسى يومها أني وقعتُ مريضة في بيتنا .. ولم يكن بإمكاني الغيابُ من ثاني يوم .. وباشرت وأنا لاأكادُ أقوى على القيام .. كان الغبار مشجعا لسلسلة متواصلة من الأمراض .. رغم الكمامات التي نضعها كي نتحاشى الغبار ..
في الأماكن التي تقدر موظفيها ينظف مثل هذا المكان قبل أن يقدم له الموظفين من قبل شركة أو عمال نظافة .. ولكن في هذه المؤسسة التي تريد صبراً بجبل .. فإنها لاتفعل ..!!
لم أعمل غير أسبوعين ثم جاءت إجازة الحج .. ارتحتُ كثيراً .. ولكني كنت قلقلة لاأعلم كيف ستوافق لي هذه المديرة التي تحبني كثيراً بحضورها .. وكيف ستتقبلُ عدم إخباري لها .. والفصل القادم .
دعوتُ كثيراً واستخرتُ كثيراً .. سألتُ قريبتي فهونت علي كثيراً .. وأخبرتني أن كثيرات يدرسن .. فقط أحضر مايثبت مع خطابٍ مرفق ..
قدمت ماطلبت .. وطلبتني المديرة .. وخاطبتني بغضبٍ واسع .. وحاولتُ إقناعها بأنها أيامٌ قلائلِ والفصلُ القادم سيكون مسائياً ... ودعوتُ في نفسي كثيراً .. والحمد لله وافقت بمشقة ..!!
حضرتُ الامتحانات .. ونجحتُ بتفوق .. كان تفوقي معجزة .. وكله بفضل من الله ..!!
بقيتُ في عملي وذقت عسيلة الراتب الأول .. 4000 دفعة واحدة من عرق جبيني .. شعرت بأن لها طعماً آخر رغم أني لاأذكر حتى الآن في أي داهية ذهبت .. !!
حين بدأ الفصل الدراسي الثاني لم يحولوا دراستنا مسائية .. ورغم أني دعوتُ كثيراً إلا أنه لم يحصل .. ولم يبقَ أمامي سوى تأجيل الفصل كما أخبرني بذلك وكيل القسم ... استخرت ودعوت ولم أجد سوى التأجيل ,, عدت لأتصل على الوكيل .. ولكني آثرت الحديث مع رئيس القسم مباشرة .. كان عالياً في التفاهم .. وبث التفاؤل .. نصحني بأن أجاهد ولا أؤجل .. فالقسم سيغلق السنة القادمة .. ولايُعلَمُ متى سيُفتح .. كانت معضلة .
عدت للاستخارة ,, ولم يكن أمامي غير الدخول على مديرتي التي ستحبني أكثر من أي وقتٍ مضى ..
رفضت بالتأكيد ...
ثمة من هن مثلي .. هي واحدة ساندتني كثيراً حتى سمحت لي مديرتي العزيزة بالخروج للدراسة ساعتين ثم العودة لممارسة العمل .. كان هذا لطفاً بالغاً منها .. ذاكَ لأنها رغم كرهها لي .. تؤمن بالعدل والمساواة في الحقوق .. فلي الحق بالاستئذان للدراسة يوماً ونصف .. من يومها زال الكره من قلبي تجاهها .. وشعرت بأنها شخصية عظيمة ..!!! رغم علمي أن موافقتها معجزة لم تحدث إلا بتيسير من الله عزوجل ..!!
أتممت الفصل الثاني بمشقة .. فقد كنت أعمل وأدرس في آنٍ واحد ..
كنت أحضر نصف المحاضرات حتى بلغت حدَّ الحرمان في إحدى المواد .. ولكن لأن الحرمان نظامٌ شكليٌ في الماجستير تغاضوا عنه .. نجحتُ أيضاً بامتياز وبتفوق أعلى من السابق .. وكان تفوقي هذا معجزة تفوقُ كل المعجزات .. ولكن الحمد لله .. سبحانه .. بمقاديره تجري الأمور على نحوٍ لايتخيله إنسان .
لم يبقَ لي سوى الزواج ..
بعينِ والدتي أنا غزالٌ شاردٌ .. وحوريةٌ .. أو إنسانةُ بحر .. تنتظِرُ لي والدتي زوجاً غنيا ًوسيماً ملتزماً خلوقاً .....
الزواجُ ليس طموحاً لي أبداً .. فأنا وبلا مواربة .. أراهُ مشروعاً فاسداً يقتل عفاف المرأة .. ويكشف مستورها بكل وقاحة بل وسط فرحٍ وزغاريد ..
تضلُ الفتاة تسترُ جسدها وتلفه وسط مايواريه .. ثمَّ يرميها أهلها فرحين مستبشرين لرجلٍ وقِحٍ يأتي بكل جرأة ليطلب هتك ستر فتاتهم مقابل مالٍ جمعه بكد وتعب .. ولايكتفون بهذا بل ويشهدون على هذا ويعلنون للملأ نبأ هذا الزواج !!
سبحان الله مع أنهم يظلون في خوفٍ على هذا الستر أن يفضح .. هل نحن نشبه الحيوانات .. أم أنها الفطرة ؟؟
ليس لي سوى الزواج .. لأن أمي دائماً تهددني بأني إن لم أتزوج لن يرحمني إخوتي وزوجاتهم وسيتحولون إلا أشباح .. !!
هذه هي سنة الحياة .. الزواج ميثاقُ شرف .. لبقاءِ الحياةِ البشرية .. ونمائها .. وليس فقط لهتكِ الستر وفضح الفتاة ..هو بطاريةٌ تحرك الحياة .. لايمكن لها أن تعمل دون عنصرين متناقضين ...!!
الفتاةُ سعيدة لأنها تتسلَمُ مبلغاً كبيراً تبعثرهُ في شراء حاجيات جمالها .. لتشبع فم الرياض الناهم .. وأسواقه المتلاصقة .. !!
جاءني العريسُ أخيراً..
ولكنه سيءٌ كماحُكيَ لي .. لم أسمع يوماً عنه كلمة مدح أوثناء غير نسبه المتكافئ مع نسبي , أما هو فهو شخصٌ سيء
يحب السفر كثيراً
يسمونه لضحالة خلقه .. وثِقلِ دمِّهِ ( الصعب ) لأنه لايجيد حتى الابتسام ..
وظيفته في القرية .. لذلك يسكن فيها ..
حينما أفكر بسفرهِ الكثير المتواصل أعلمُ أنه شابٌ سعوديٌ لايسافر وحده بحثاً عن الطبيعة والآثار والمساجد التاريخية .. وحينما أسمع مايقرضه الآخرون حول سوء خلقه أشعر بالغثيان .. وحين أفكر بأني أترك عاصمة الترف والحياة إلى قرية الحسد والأسرار المكشوفة أرفضهُ بكلِ إصرار ..!!
لم أستخر
.. ولم أستسِغه .. فطموحي رجل بلحية .. أورجل ذو خزائن لاتنفد ..
رفضتهُ ولم أقبل المساومة ..
وحين جرت أحداث متلاحقة عرفتُ أن أهلي يخجلون من أمرِ التزويج أو يستصعِبونه .. أو لاأدري ...
استخرت .. فحدثت النقلة ..
يومها كتبت
(( سبحان الله كيف يبدل الله بقدرته قناعتنا .. ويبدو المستحيل ممكنا .. والحرام مستحبا .. هل يتراءى لنا النصيبُ شبحاً ثم فجأة يظهر إنساناً يمكن التعايش معه ؟!
ياألله بجاهك العظيم وسلطانك المنيف دلني على الخير واجعله زيادة لي في طاعتك وقلة في الغفلة عنك ))
وفكرتُ فيهِ بطريقةٍ مختلِفةِ
شاب ذو نسب لم يسبق له الزواج ..
يفرقني بخمسة أعوام
موظفٌ حكومي .. معتمد على نفسه ..
مقبول من ناحية الشكل ..
كريم ..
كما أن العيش في القرية يعني التضحية .. وربما أصبح معيدة في كلية القرية فتصبح رسالتي أنبل ..
سأكمل الرسالة في ظرفِ عام .. كما أنَّ السفر لايعني بالضرورة ارتكاب الفاحشة .. أو الزواج الصيفي المهم أن لايكون مصاباً بالإيدز ..وأيضاً فإن موافقتي عليه ردٌّ لجميل الذي يخطبني له الآن .. وإلا فهو في سفره يقضي إجازته الممتعة والمليئة بالإثارة حتى تكون تجربة خالدة ..!!
وليه الذي خطبني له كأنما أيس مني .. ولازلت أعاود الاستخارة دون أن أستقر على رأي ..
وافقتُ بشروط تعجيزية ربما .. مهرٌ يبلغ مائة ألف .. ووظيفة في الكلية .. وطبعاً دراستي حتى الموت .. فمن يدخل في معمعة الدراسات العليا لايستطيعُ الخروج منها ..
لم تنقل هذه الموافقة ولا الشروط .. ولم أقلها وأنا مقتنعة بها لأني لستُ مادية إلى هذه الدرجة .. ولكني حين أعاود الفكر أقول إنه لايعجزه هذا المبلغ مادام يدفع ثلثه في سفرة واحدة .. وهذا دليل تمسك ..
أعاود الاستخارة فأقع في التردد .. المثير في هكذا خطبة .. أن العريس لم يدرِ عن مشروع الخطبة هذه .. وإنما حيكت له دون علمه .. ولعله يرفضها بعد الإقناعِ المميت للفتاة !!![/
كنتُ أتمنى أن أبقى طِفلةً حتى ولو في خيالي .. لكن لاأدري لمَ أعجزُ عن محوِ تجاعيدِ النضج أو المسؤولية
بعدما تخرجتْ .. وأنا التي أُعْتَبَرُ ناجحةً ومُتَفَوِّقةً .. كان ينتظر مني أن أجد وظيفةً تنتظرني
ليسَ لأن أهلي عاجزون عن الصرفِ علي .. ولكن لأني صرتُ مسؤولة عن نفسي .. وينبغي أن أكفيَهُم المؤونة
أو أساعِدَهُم على ترَفِيَّةِ الحياة .. والعيش ِ في وسطِ المدينة , أو بالأصح في شمالها .
أردد دوماً في نفسي أن الرياض لاتصلح إلا للأغنياء .. بالمعنى الصحيح للغنى .. فكيف بشمالها ؟؟
هذا بعد أن جربتُ العيش في بيتٍ شعبيٍ في الطائف وسط مزارع الرمان واليشموم , والجبال المكسوة بالخضرة الطائفية
هناك لايحتاجُ الفردُ إلى أن ينفق .. ولاأن يطلب وجبة سريعة .. أو يستريح في مطعم .. أثناء بحثه عن حاجياته من أرقى الماركات العالمية .. ولاحتى ليؤثث بيته من أرقى محالٍّ الأثاث .. أو يشتري له سيارة فارهة وجوالاً متميزاً وووو من الكماليات غير المنقضية !!
حين عدتُ للرياض بعد تلك السفرة الطويلة نوعاً ما .. بهرت بها كأني لم أرها من قبل .. كما أني شعرت بالحسرة بعد أيامٍ قليلة من العيشِ بلا راتب ولا وظيفة ..!!
عدت ولم يبقَ على الدراسة إلا أيامٌ قلائل .. وأنا التي قدمتُ على مرحلة الماجستير ولم أُعِدَّ لها العدة .. لأني غيرُ مستعدة فكرياً ولانفسياً .. وربما حتى عائلياً وأسرياً .. ولكني استخرتُ مراراً ولم أرَها بعد كل مرة إلا تتسهلُ لي وتفرج لي ..
لاأنسى أن التي بشرتني بقبولي كانت فرحة مبتهجة .. وكنتُ أنا مكتئبة حزينة .. كنت واثقة من قبولي .. وكنتُ أتمنى الفرار .. وكانت تقول لي إن كثيراتٍ غيري لم يتحصل لهن هذا القبول الذي لم أعبأ به ...!!!
كانت مكافأةُ الدراسة أجمل مافيها .. صرتُ مادية بما يكفي .. لأني دخلتها وأنا فارغة ذهنياً .. ومعطلة القوى فكرياً
كنت أعلمُ أنه ماهكذا يُقْبِلُ دارسوا الماجستير عليها .. ولكني لم أستطع مجابهة خمولي وإشعالِ فتيل الهمة لدي .. ولذلك كنت أعزِمُ في كل أسبوعٍ على أن أترك الدراسة .. فتعيدني الاستخارة ..
قبل نهايةِ النصفِ الأولِ من السنةِ المنهجية .. طلبت مني أختي ملفي الوظيفي كي تقدم لي على مؤسسة نسوية حديثة الإنشاء .. حلمت بالعمل فيها منذ افتتاحها .. وقبل التحاقي بالماجستير .. ولكن أوراقي لن تدخل إلا بعد قطعي لشوطٍ كبيرٍ من السنة المنهجية .. لابأس فأنا لم أُطِق الدراسة أصلاً ..
بعد أسبوع تقريباً اتصلت بي قريبتنا لتخبرني بأنَّ أحضر إليهم غذا لأجل المقابلة الشخصية مع المديرة .. المديرة التي هي مجهولة بالنسبة لي .. هذ الغدُ هو موعدُ الامتحانٍ الأول من الأعمال الفصلية للسنة المنهجية .. ولست ممن يضيعوا امتحاناتهم أو يتغيبوا عنها .. لم أعتد هذا .. كما أني رغم كل شيء لاأضمن هذه الوظيفة ..!!
كان الخيارُ صعباً .. لم أكن ذاكرتُ المادة جيدأ .. ولكني لاأضمنُ قبول القسم إعادة الامتحانِ لي .. استخرت وبعد مداولاتٍ عديدة واستخارة تلو أخرى تركت الامتحان وذهبتُ للمقابلة ..!!
دخلتُ في مكانٍ متطور جميل أنيق .. لم يكن كأي مؤسسة حكومية أخرى .. الاستقبالُ فيها مريح .. وسكرتيرةُ المديرة فائقةٌُ في حسن التعامل والضيافة ..
دخلتُ على المديرة .. صعقت حين رأيتها .. أعرفها جيداً .. عمليةٌ جداً .. وحازمة .. وموقفٌ مشينٌ حدث بيني وبينها .. رغم أنه لم يكن جريمة عظيمة .. إلا أني لاأنسى طريقة تعاملها معي آنذاك .. كل ماأعرفه أني لاأطيقها .. وبالتأكيد هي تبادلني نفس الشعور .. إذن لاقبول ..
تحدثتُ معها وأنا آيسة .. كما أنها أعطتني يأساً تاماً بالقبول .. وقدمت لي خيارات عديدة غير أن تقبلني لديها.. وتساءَلَتْ لماذا لم أدرس الماجستير .. ولكني لم أخبرها بالحقيقة كي لاتزيد الطين بلة .. خرجت وأنا مستاءةٌ منها وواثقة بأن الوظيفة طارت من يدي كما أطرتُ الامتحان .
حاولتُ الاعتذار للدكتور ولم أصرح بالسبب .. أحالني للمشرفة .. ولم أصرح لها أيضاً .. ورغم أنها حاولت المماطلة إلا أن الدعاء الصادق يحل كل المشاكل .. الدكتور أعاد لزميلاتي الامتحان .. وأوراق الامتحانِ الأول فُقِدَتْ .. !!
حين لم يبقَ لي في الفصل الأول سوى الامتحانات النهائية .. اتصلت بي قريبتي يوم الثلاثاء .. وأخبرتني بأن عليَّ أن أباشر يوم السبت .. فقد قُبِلْتُ في وظيفة إدارية براتب 4000 , ولكنها غيرُ رسمية ..!!
غداً لدي امتحان أعمال فصلية أخير .. كيف أترك فصلاً قطعتهُ حتى لم يبقَ غير امتحانه .. ؟؟!!
باشرتُ العمل السبت .. كان عليَّ الدخولُ على المديرة قبل مباشرتي العمل كي تُعْلِمَنِي بمهامي .. تأخرتُ يومها لأني لم أجد من يوصلني للعمل في الوقتِ المحدد .ولم أكن أعرف ماهي وظيفتي بالتحديد .. الكل يسألني وأنا أجيب بكل بلاهة ربما هنا .. أو لعلي هناك .. الكل يضحك .. ويقول في نفسه : الواسطات تفعل العجائب !!
قابلتني المديرة بامتعاض .. وقابلتها بابتسامة .. إلا أني كنت محبطة ..
أوصتني ومن معي بأن نحب المكان ومن فيه .. ولكني قرأت فيها مقتي .. وحاولت من يومها أن أحبها ...!!!
كان المكان الذي سأعملُ فيها كومة من غبار وأوراق متراكمة وكان علي والموظفة التي معي أن نجعلهُ مؤهلاً للحياة والسكنى .. كانَ العملُ صعباً .. ولاأنسى يومها أني وقعتُ مريضة في بيتنا .. ولم يكن بإمكاني الغيابُ من ثاني يوم .. وباشرت وأنا لاأكادُ أقوى على القيام .. كان الغبار مشجعا لسلسلة متواصلة من الأمراض .. رغم الكمامات التي نضعها كي نتحاشى الغبار ..
في الأماكن التي تقدر موظفيها ينظف مثل هذا المكان قبل أن يقدم له الموظفين من قبل شركة أو عمال نظافة .. ولكن في هذه المؤسسة التي تريد صبراً بجبل .. فإنها لاتفعل ..!!
لم أعمل غير أسبوعين ثم جاءت إجازة الحج .. ارتحتُ كثيراً .. ولكني كنت قلقلة لاأعلم كيف ستوافق لي هذه المديرة التي تحبني كثيراً بحضورها .. وكيف ستتقبلُ عدم إخباري لها .. والفصل القادم .
دعوتُ كثيراً واستخرتُ كثيراً .. سألتُ قريبتي فهونت علي كثيراً .. وأخبرتني أن كثيرات يدرسن .. فقط أحضر مايثبت مع خطابٍ مرفق ..
قدمت ماطلبت .. وطلبتني المديرة .. وخاطبتني بغضبٍ واسع .. وحاولتُ إقناعها بأنها أيامٌ قلائلِ والفصلُ القادم سيكون مسائياً ... ودعوتُ في نفسي كثيراً .. والحمد لله وافقت بمشقة ..!!
حضرتُ الامتحانات .. ونجحتُ بتفوق .. كان تفوقي معجزة .. وكله بفضل من الله ..!!
بقيتُ في عملي وذقت عسيلة الراتب الأول .. 4000 دفعة واحدة من عرق جبيني .. شعرت بأن لها طعماً آخر رغم أني لاأذكر حتى الآن في أي داهية ذهبت .. !!
حين بدأ الفصل الدراسي الثاني لم يحولوا دراستنا مسائية .. ورغم أني دعوتُ كثيراً إلا أنه لم يحصل .. ولم يبقَ أمامي سوى تأجيل الفصل كما أخبرني بذلك وكيل القسم ... استخرت ودعوت ولم أجد سوى التأجيل ,, عدت لأتصل على الوكيل .. ولكني آثرت الحديث مع رئيس القسم مباشرة .. كان عالياً في التفاهم .. وبث التفاؤل .. نصحني بأن أجاهد ولا أؤجل .. فالقسم سيغلق السنة القادمة .. ولايُعلَمُ متى سيُفتح .. كانت معضلة .
عدت للاستخارة ,, ولم يكن أمامي غير الدخول على مديرتي التي ستحبني أكثر من أي وقتٍ مضى ..
رفضت بالتأكيد ...
ثمة من هن مثلي .. هي واحدة ساندتني كثيراً حتى سمحت لي مديرتي العزيزة بالخروج للدراسة ساعتين ثم العودة لممارسة العمل .. كان هذا لطفاً بالغاً منها .. ذاكَ لأنها رغم كرهها لي .. تؤمن بالعدل والمساواة في الحقوق .. فلي الحق بالاستئذان للدراسة يوماً ونصف .. من يومها زال الكره من قلبي تجاهها .. وشعرت بأنها شخصية عظيمة ..!!! رغم علمي أن موافقتها معجزة لم تحدث إلا بتيسير من الله عزوجل ..!!
أتممت الفصل الثاني بمشقة .. فقد كنت أعمل وأدرس في آنٍ واحد ..
كنت أحضر نصف المحاضرات حتى بلغت حدَّ الحرمان في إحدى المواد .. ولكن لأن الحرمان نظامٌ شكليٌ في الماجستير تغاضوا عنه .. نجحتُ أيضاً بامتياز وبتفوق أعلى من السابق .. وكان تفوقي هذا معجزة تفوقُ كل المعجزات .. ولكن الحمد لله .. سبحانه .. بمقاديره تجري الأمور على نحوٍ لايتخيله إنسان .
لم يبقَ لي سوى الزواج ..
بعينِ والدتي أنا غزالٌ شاردٌ .. وحوريةٌ .. أو إنسانةُ بحر .. تنتظِرُ لي والدتي زوجاً غنيا ًوسيماً ملتزماً خلوقاً .....
الزواجُ ليس طموحاً لي أبداً .. فأنا وبلا مواربة .. أراهُ مشروعاً فاسداً يقتل عفاف المرأة .. ويكشف مستورها بكل وقاحة بل وسط فرحٍ وزغاريد ..
تضلُ الفتاة تسترُ جسدها وتلفه وسط مايواريه .. ثمَّ يرميها أهلها فرحين مستبشرين لرجلٍ وقِحٍ يأتي بكل جرأة ليطلب هتك ستر فتاتهم مقابل مالٍ جمعه بكد وتعب .. ولايكتفون بهذا بل ويشهدون على هذا ويعلنون للملأ نبأ هذا الزواج !!
سبحان الله مع أنهم يظلون في خوفٍ على هذا الستر أن يفضح .. هل نحن نشبه الحيوانات .. أم أنها الفطرة ؟؟
ليس لي سوى الزواج .. لأن أمي دائماً تهددني بأني إن لم أتزوج لن يرحمني إخوتي وزوجاتهم وسيتحولون إلا أشباح .. !!
هذه هي سنة الحياة .. الزواج ميثاقُ شرف .. لبقاءِ الحياةِ البشرية .. ونمائها .. وليس فقط لهتكِ الستر وفضح الفتاة ..هو بطاريةٌ تحرك الحياة .. لايمكن لها أن تعمل دون عنصرين متناقضين ...!!
الفتاةُ سعيدة لأنها تتسلَمُ مبلغاً كبيراً تبعثرهُ في شراء حاجيات جمالها .. لتشبع فم الرياض الناهم .. وأسواقه المتلاصقة .. !!
جاءني العريسُ أخيراً..
ولكنه سيءٌ كماحُكيَ لي .. لم أسمع يوماً عنه كلمة مدح أوثناء غير نسبه المتكافئ مع نسبي , أما هو فهو شخصٌ سيء
يحب السفر كثيراً
يسمونه لضحالة خلقه .. وثِقلِ دمِّهِ ( الصعب ) لأنه لايجيد حتى الابتسام ..
وظيفته في القرية .. لذلك يسكن فيها ..
حينما أفكر بسفرهِ الكثير المتواصل أعلمُ أنه شابٌ سعوديٌ لايسافر وحده بحثاً عن الطبيعة والآثار والمساجد التاريخية .. وحينما أسمع مايقرضه الآخرون حول سوء خلقه أشعر بالغثيان .. وحين أفكر بأني أترك عاصمة الترف والحياة إلى قرية الحسد والأسرار المكشوفة أرفضهُ بكلِ إصرار ..!!
لم أستخر
.. ولم أستسِغه .. فطموحي رجل بلحية .. أورجل ذو خزائن لاتنفد ..
رفضتهُ ولم أقبل المساومة ..
وحين جرت أحداث متلاحقة عرفتُ أن أهلي يخجلون من أمرِ التزويج أو يستصعِبونه .. أو لاأدري ...
استخرت .. فحدثت النقلة ..
يومها كتبت
(( سبحان الله كيف يبدل الله بقدرته قناعتنا .. ويبدو المستحيل ممكنا .. والحرام مستحبا .. هل يتراءى لنا النصيبُ شبحاً ثم فجأة يظهر إنساناً يمكن التعايش معه ؟!
ياألله بجاهك العظيم وسلطانك المنيف دلني على الخير واجعله زيادة لي في طاعتك وقلة في الغفلة عنك ))
وفكرتُ فيهِ بطريقةٍ مختلِفةِ
شاب ذو نسب لم يسبق له الزواج ..
يفرقني بخمسة أعوام
موظفٌ حكومي .. معتمد على نفسه ..
مقبول من ناحية الشكل ..
كريم ..
كما أن العيش في القرية يعني التضحية .. وربما أصبح معيدة في كلية القرية فتصبح رسالتي أنبل ..
سأكمل الرسالة في ظرفِ عام .. كما أنَّ السفر لايعني بالضرورة ارتكاب الفاحشة .. أو الزواج الصيفي المهم أن لايكون مصاباً بالإيدز ..وأيضاً فإن موافقتي عليه ردٌّ لجميل الذي يخطبني له الآن .. وإلا فهو في سفره يقضي إجازته الممتعة والمليئة بالإثارة حتى تكون تجربة خالدة ..!!
وليه الذي خطبني له كأنما أيس مني .. ولازلت أعاود الاستخارة دون أن أستقر على رأي ..
وافقتُ بشروط تعجيزية ربما .. مهرٌ يبلغ مائة ألف .. ووظيفة في الكلية .. وطبعاً دراستي حتى الموت .. فمن يدخل في معمعة الدراسات العليا لايستطيعُ الخروج منها ..
لم تنقل هذه الموافقة ولا الشروط .. ولم أقلها وأنا مقتنعة بها لأني لستُ مادية إلى هذه الدرجة .. ولكني حين أعاود الفكر أقول إنه لايعجزه هذا المبلغ مادام يدفع ثلثه في سفرة واحدة .. وهذا دليل تمسك ..
أعاود الاستخارة فأقع في التردد .. المثير في هكذا خطبة .. أن العريس لم يدرِ عن مشروع الخطبة هذه .. وإنما حيكت له دون علمه .. ولعله يرفضها بعد الإقناعِ المميت للفتاة !!![/