من هناك
07-04-2007, 04:04 AM
كتاب جديد يكشف سر اغتيال رفيق الحريري
حبيب الكل 22-6-2007
كما عوّدنا في كتابه الأول الذي حمل عنوان "الخديعة الكبرى"، وقد كشف فيه أكاذيب رواية الأميركان لحقيقة ما حدث في "سبتمبر 2001" جاء الكتاب الثاني الذي أصدره الصحافي الفرنسي تييري ميسان مؤخراً مليئاً بكشف الحقائق المخفية وراء استهداف لبنان واغتيال الحريري، وقد حمل عنوان "الخديعة المرعبة..2" كما حملت نسخته العربية عنوان "تدمير لبنان وهدف الهيمنة على الشرق الأوسط".
مواقف ومنطلقات الكاتب لم تتغير من كافة النواحي، خصوصاً فيما يتعلق بالدور التخريبي الذي تقوم به الولايات المتحدة واعتمادها الكذب والتضليل وتشويه الحقائق وتحريف الأنباء من أجل الوصول إلى تحقيق استراتيجيتها التاريخية والحالية. إلا أن المعلومات التي أوردها في مؤتمره الصحفي بباريس يوم 29 أيار الماضي لم تكن معظمها غريبة علينا في السياق العام، كما أنها لم تصل إلى مستوى تحدّيه الأميركان في كتابه الأول إثبات وجود أي دليل على قيام طائرة بضرب البنتاغون كما قيل، لأن البنتاغون نفسه لم يُضرب، بل كل ما في الأمر أن عملاً استعراضياً قد نُفّذ واستهدف ضرب جزء تحت التجديد ليس فيه إلا بعض العمال الأجانب، وضُرب من الأرض وليس عبر طائرة أو ما شابه، بدليل بقاء كل الأشجار وأسلاك الكهرباء والهاتف حول البنتاغون على حالها دون أن يصيبها أي أذى، عدا عن أن الأميركان أنفسهم رغم سخطهم على الكاتب الذي تُرجم كتابه إلى 26 لغة لم يستطيعوا الردّ عليه ولا الإتيان بالدليل الذي يدحض أقواله..
والكلام نفسه أيضاً يُقال فيما طرحه حول استحالة انهيار البرجين من مجرد ضرب طوابقهما العليا بالطائرات، مؤكداً أنه لا بدّ من وجود متفجرات في أسفل البرجين أدّى انفجارهما المتزامن مع ضرب الطائرات إلى عملية الانهيار، فضلاً عن عشرات الملاحظات الأساسية الأخرى.
المهم بالنسبة لما تضمّنه كتابه الجديد من معلومات وَصَفَها هُوَ بأنها مغايرة لما هو سائد ومتداول بين الناس، قوله في بداية حديثه أن نظرته لأحداث الشرق الأوسط والحرب في لبنان واستهداف سورية، ثم الهدف من وراء اغتيال الحريري تختلف عن القراءات الرائجة.
بداية أكّد ميسان قناعته التي لا شك فيها – كما قال- بأن الأميركان هم الذين رتّبوا عملية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري(مباشرة أو بالواسطة أو عن طريق الحلفاء)، وأن هدفهم من وراء ذلك لم يكن الرجل نفسه بل ضرب لبنان وسورية، وأنهم كانوا يتحيّنون الفرص منذ سنوات من أجل ضرب البلدين وصولاً للسيطرة على المشرق العربي، ظنّاً منهم أن العراق سينتهي أمره بعد فترة وجيزة من احتلاله.
لكن الأمور لم تتسهّل لهم في البداية، عندما استطاع الرئيس الفرنسي شيراك إيقاف هذه الضربة لأجل صديقه الحريري الذي كانت تربطه به صلات شخصية قويّة جداً طغت على العلاقة الرسمية بين البلدين. ولفت ميسان الانتباه إلى أن سياسة فرنسا كانت تستند على الدوام إلى نهج التواصل والحوار مع جميع الأطراف في لبنان، غير أن شيراك غيّر هذه المعادلة عندما بدأ يقتصر حديثه مع أطراف معيّنة دون أخرى، ثم "ألغى" بعض هذه الأطراف بالتدريج إلى أن قطع صلاته بالجميع (وكذلك مع سورية) مكتفياً بالإبقاء على قناة واحدة فقط هي قناة الحريري شخصياً، واستمر على هذه الحال التي أضرّت كثيراً بفرنسا ولبنان وبه شخصياً.
وهذا في رأيي – والكلام لميسان – خطأ سياسي كبير ارتكبه شيراك. ولهذا كان من الطبيعي أن تؤدي عملية اغتيال الحريري إلى هزّة، وأن تتجه أصابع اتهام البعض إلى "المتضرّرين" من قطع قنوات الاتصال معهم، لكن اللافت والغريب معاً أن الحريري قد اغتيل قرابة الظهر في بيروت فيما كانت الولايات المتحدة تغطّ في النوم. ورغم إعلان سائر وكالات الأنباء في العالم لهذا الخبر فوراً دون اتهام أحد بالمسؤولية عن الحدث، إلا أن وسائل الإعلام الأميركية قامت على الفور باتهام سورية والرئيس اللبناني اميل لحود منذ اللحظة الأولى. وتساءل تيري ميسان عن سبب هذه السرعة في الاتهام ومصدرها الحقيقي قبل أن يبزغ فجر النهار في واشنطن؟ وأجاب على ذلك بقوله أن هذا يدلّ على أنهم كانوا في صورة الحدث قبل وقوعه، وأنهم كانوا قد أعدّوا سيناريو الاتهام لكي يصبّ في خانة هدفهم المتمثل بـ"خربطة" الساحة اللبنانية الداخلية ومن بعدها العربية .
في هذا السياق، وعلى طريق تحقيق الهدف الأميركي نفسه حصل ما حصل في الحرب التي شنتّها إسرائيل ضد لبنان/ تموز 2006، والحقيقة أن هذه الحرب لم يكن مخططاً لها بالفعل أن تتم هكذا سريعاً، وفي هذا التوقيت ، بل كانت أوسع وأشمل وتستهدف لبنان وسورية معاً، وكان الجيش الإسرائيلي يتدرّب ويُعدّ العدّة لها. غير أن اختطاف الجنديين الإسرائيليين من قبل "حزب الله" دفع الأمور إلى اتخاذ قرار انفعالي ببدء الهجوم قبل أوانه، فكانت حرب تموز التي أجهضت الحرب الأكبر منها، والتي كان من المفترض أن تُشن في أكتوبر /تشرين الأول من العام نفسه.
أما الأسباب التي سيقت كذباً لتبرير هذه الحرب فقد كانت سخيفة ولا يمكن لأي عاقل أن يُصدّقها، فالجنديان الإسرائيليان تم اعتقالهما داخل الأراضي اللبنانية وليس الإسرائيلية، وهو ما ينفي كلياً ادعاءات حكومة أولمرت حول قيام حزب الله بالعدوان وممارسة الإرهاب، ويكذّب روايتها أيضاً. ويكفينا التساؤل هنا: أين مسؤولية حزب الله في ذلك، وما هو الإرهاب الذي ارتكبه في هذه الحالة. هذه الحرب التي أوعز الأميركان بضرورة شنّها وأصرّوا على استمرارها حتى تحقّق أهدافها رغم كل الخسائر التي لحقت بالجيش الإسرائيلي تثبت حقيقة دور إسرائيل في المنطقة، ولماذا أُوجدت أصلاً.
إنني أرى في هذا الجانب عكس ما يُطرح في العادة بالنسبة لنشوء "دولة إسرائيل"، فلقد اعتدنا منذ قرون أن نُردّد المقولة السائدة بأن الحركة الصهيونية هي التي عملت على لمّ شتات اليهود فوق هذه الأرض التي أسموها "إسرائيل"، اعتماداً على أرضية دينية، لكنني أختلف مع هذا الطرح. صحيح أن اليهود يردّدون على الدوام أن لهم جذوراً في هذه المنطقة تعود لألفي سنة، وأنها "أرض الميعاد"، وما شابه، لكنني أرى أن الأميركان والبريطانيين، أي"الانغلوساكسون" هم الذين أدركوا ضرورة وجود كيان تابع لهم في هذه المنطقة الحساسة و الحبلى بالنفط من العالم ، وكان أول من دعا إلى هذه الفكرة اللورد كرومويل، وهكذا أوجدوا "إسرائيل".
وبناء عليه يمكن التأكيد أن إنشاءها لم يأتِ استناداً إلى اتفاقية سايكس بيكو فقط، ولا على قاعدة تعويض اليهود عن جرائم النازية بحقهم – كما يتردد - ، بل لتكون اليد العسكرية الضاربة لهم. وباختصار، إنني أرى أن إسرائيل دولة أنغلوساكسونية، يقطنها اليهود، وهي ليست إلا قاعدة للأميركان و الإنجليز، يلعب اليهود فيها دورهم وينفّذون المهام الموكلة إليهم على الأرض التي أصبحت تحمل "اسمهم".
وفي ضوء هذه المهمة الاستثنائية والدائمة لإسرائيل يمكننا أن نفهم السبب وراء انقضاء ستين عاماً من الصراع حول مشكلة الشرق الأوسط دون التمكن من الوصول إلى أي حل، بل على العكس نرى حرباً تلو أخرى على الدوام، ونرى كيف يُهدر الوقت في محاولات فاشلة تلو أخرى من أجل التوصل إلى سلام دون نتيجة. لقد فشلت كل محاولات التوصّل إلى تسوية سياسية حتى الآن، ولا بدّ أن يكون سبب ذلك مفهوماً من قبلنا. لقد فشلت كلها لأنه لم يجر وضع مسألة الصراع في حقيقته قيد البحث الصريح، ولم تجر دراسة أساس المشكلة وجذورها بالجرأة المطلوبة. (وهو أمر مقصود).
إن الهدف الأميركي من كل ما يجري ليس سراً، سواء في العراق أو لبنان أو "قضية الشرق الأوسط"، وكل ما تُردّده الولايات المتحدة حول بذل الجهود من أجل تحقيق الشرق الأوسط الكبير، أو الجديد، على أساس ديمقراطي، لا تهدف من ورائه في الحقيقة غير إعادة رسم حدود المنطقة، أي تحويرها بما يخدم استراتيجيتها ومصالحها على الدوام. وأعني بذلك التحكم الكامل بالثروة النفطية، التحكم بضخّه وكمياته، وتوزيعه...الخ، وليس الهدف الأساسي من وراء ذلك تحقيق الربح كما يتصوّر البعض، بل التحكم الدائم بهذه المادة الاستراتيجية.
انهم يريدون أن يكون لهم وحدهم حق احتكار النفط والإشراف على "سيره"، أي أن يعطوه لمن يشاءون و يحجبونه عمن يشاءون، يُصنّعوك إن أرادوا أو لا يُصنّعوك، أي يضعونك دوماً تحت رحمتهم! لقد كانت هذه الأهداف بالنسبة لهم بحكم المحقّقة دون أدنى شك في بداية غزوهم للعراق، ولم يكن أحد يتصوّر يومها أن صمود المقاومة العراقية سيصل إلى هذا الحد العجائبي وسيقلب المعادلة و"يخربط" مشروعهم.
أميركا كانت قبل اجتياح العراق تتحفّز للحرب هنا وهناك، لكن ما اعتبروه زيارة خاطفة لهذا البلد انقلب إلى النقيض عندما وجدوا فيه أقوى مقاومة على الإطلاق. لقد غاصوا من حيث لم يتوقعوا في الوحل ولم يعد أمامهم أي قدرة على وضع برامج لحروب جديدة مع الدول التي كانوا يريدون استهدافها في السابق. هذا هو الوضع الأميركي على حقيقته الآن، ولكن ذلك لا يعني أن استراتيجية الولايات المتحدة قد تغيّرت في الأساس. وهذا الأمر ينطبق على كل من الديمقراطيين والجمهوريين.
فرغم الاختلافات المعلنة بينهما إلا أن استراتيجية الأميركيين لم تتغيّر، وبقيت مصلحة الولايات المتحدة واحدة عند الاثنين، والتي تتمثل في الشرق الأوسط بالتحكم في النفط للتحكم بسير الاقتصاد العالمي، مع استمرار وضع لافتة الديمقراطية والتغيير وإقامة شرق جديد.. وكبير...الخ، إلى جانب التمسّك داخل هذه المعادلة كلها بسياسة قسِّم لكي تتحكّم أكثر! لعلّ أبرز دليل على جدّية هذا التوجّه وثباته مهما تبدّلت الظروف، قيام الولايات المتحدة الآن بإقامة أكبر سفارة لها في العالم بالعراق، ثم بناء قواعد عسكرية كبيرة جداً على أرضه! وتعزيزاً لهذا الثقل تقوم الولايات المتحدة التي تحتفظ بما لا يقل عن 130 ألف جندي في العراق بتجنيد ما لا يقل عن مائة ألف مرتزق يعملون ليل نهار. لقد أصبح المرتزقة، الذين يعملون لصالح الولايات المتحدة، يتحكّمون في كل جوانب الحياة من قتل وخطف و اجتياحات، أكثر مما يتحكم بها الجيش الأميركي النظامي، وهذه حالة جديدة في التاريخ تدلّ على أن الحروب "الحديثة" أصبحت تُدار أيضاً من قبل جيوش خاصة مأجورة بالمال، ولم تعد مقتصرة – كما هو معروف تاريخياً- على جيوش نظامية تقاتل وحدها فقط!
وبالعودة إلى لبنان الذي يستهدف تدميره إشاعة الفوضى في المنطقة، يقول الصحافي الفرنسي أن هذا الوضع يدركه جيداً الزعماء اللبنانيون – خصوصاً حلفاء أميركا – وفي مقدمتهم ابن الحريري سعد، ومع ذلك، لا يمكنك أن تناقشه حول هذا الموضوع.
إن عقل الرجل مقفل لأنه متحالف مع الولايات المتحدة ، وليس مستعداً لسماع أي كلمة تحمّلها المسؤولية عمّا يجري..
إنه مصاب بالعمى ولا مجال للحديث معه، مع أن المعلومات التي لم تعد سرّاً تؤكد أن عملية اغتيال والده التي تمّت في ظل تعطيل كل أجهزة الحماية التي تتمتع بها سيارته وركبه المرافق، يقف وراءها بكل تأكيد إما أولئك الذين قاموا بتصنيع هذه الأجهزة، أو شاركوا في إنتاجها، أو أولئك الذين يعرفون سرّها، وهم محدودون في الأساس.
إسرائيل لها أيضاً علاقة معروفة بالتصنيع و الإنتاج وسرّ الأجهزة وطريقة تعطيلها (وخصوصاً أجهزة سيارة الحريري بالذات). وفي نهاية استعراضه لخزنة معلوماته وما استجدّ في الأيام الأخيرة التي تلت طباعة كتابه الجديد توقّف ميسان أمام ظاهرة لبنانية وصفها بالغريبة والشاذة.
وهي أن السائد عادة في التاريخ أن يتولّى المنتصر في أي حرب دفّة الحكم في بلده، وأن يجلس المتفرجون جانباً. ولكننا نرى في لبنان اليوم أن المتفرجين على الحرب، والذين لم يشاركوا في الدفاع عن بلدهم، بل كان موقفهم سلبياً منها، هم الذين يحكمون هذا البلد لأن وراءهم أميركا وبريطانيا وفرنسا وتابعيهم..!
وثمة ظاهرة غريبة أخرى يراها في قانون المحكمة ذات الطابع الدولي التي تم إقرارها من تحت أيدي الأمين العام للأمم المتحدة (أي عملياً من تحت يد الأميركان) وهي أن هذه المحكمة لا تأخذ بالاعتبار قرارات المحكمة اللبنانية، وتستند إلى قوانين أجنبية وقضاة أجانب أيضاً! رأيها أهم ما يرسمه القانون اللبناني والقانون الدولي أيضاً. إنها حالة خاصة وغريبة وشاذة. والأخطر والأهم من كل ذلك أن الولايات المتحدة لا ترمي من ورائها التوصل إلى إدانة قتلة الحريري ومعرفة الحقيقة و إنزال العقوبة بهم، بل ترمي إلى تحقيق أهدافها الاستراتيجية في تفتيت المنطقة والتحكم بها وهو الأساس. أما فرنسا فستبقى على حالها بالنسبة إلى لبنان، غير أن رئيسها الجديد نيكولا سركوزي الذي سبق له يوم أن كان وزيراً للداخلية أن أعلن تضامنه مع الولايات المتحدة، وعبّر في تموز الماضي عن أمله في أن تواصل إسرائيل حربها حتى تنظّف لبنان من "حزب الله" و الإرهاب، فإنه لم يستطع الاستمرار في تبنّي هذه اللهجة، وأغلب الظنّ – حسبما يرى ميسان – أنه سيعيش أسير تناقضاته، وقد يعتمد سياسة أكثر "واقعية"، وربما يغمض عينيه عن أي شيء جديد يرتّب لهذا البلد وللمنطقة بأكملها، فيقفل فمه ولا يتكلّم تاركاً الأميركان و الإسرائيليين على راحتهم يتصرفون.
و الآن الرأي لكم
1
حبيب الكل 22-6-2007
كما عوّدنا في كتابه الأول الذي حمل عنوان "الخديعة الكبرى"، وقد كشف فيه أكاذيب رواية الأميركان لحقيقة ما حدث في "سبتمبر 2001" جاء الكتاب الثاني الذي أصدره الصحافي الفرنسي تييري ميسان مؤخراً مليئاً بكشف الحقائق المخفية وراء استهداف لبنان واغتيال الحريري، وقد حمل عنوان "الخديعة المرعبة..2" كما حملت نسخته العربية عنوان "تدمير لبنان وهدف الهيمنة على الشرق الأوسط".
مواقف ومنطلقات الكاتب لم تتغير من كافة النواحي، خصوصاً فيما يتعلق بالدور التخريبي الذي تقوم به الولايات المتحدة واعتمادها الكذب والتضليل وتشويه الحقائق وتحريف الأنباء من أجل الوصول إلى تحقيق استراتيجيتها التاريخية والحالية. إلا أن المعلومات التي أوردها في مؤتمره الصحفي بباريس يوم 29 أيار الماضي لم تكن معظمها غريبة علينا في السياق العام، كما أنها لم تصل إلى مستوى تحدّيه الأميركان في كتابه الأول إثبات وجود أي دليل على قيام طائرة بضرب البنتاغون كما قيل، لأن البنتاغون نفسه لم يُضرب، بل كل ما في الأمر أن عملاً استعراضياً قد نُفّذ واستهدف ضرب جزء تحت التجديد ليس فيه إلا بعض العمال الأجانب، وضُرب من الأرض وليس عبر طائرة أو ما شابه، بدليل بقاء كل الأشجار وأسلاك الكهرباء والهاتف حول البنتاغون على حالها دون أن يصيبها أي أذى، عدا عن أن الأميركان أنفسهم رغم سخطهم على الكاتب الذي تُرجم كتابه إلى 26 لغة لم يستطيعوا الردّ عليه ولا الإتيان بالدليل الذي يدحض أقواله..
والكلام نفسه أيضاً يُقال فيما طرحه حول استحالة انهيار البرجين من مجرد ضرب طوابقهما العليا بالطائرات، مؤكداً أنه لا بدّ من وجود متفجرات في أسفل البرجين أدّى انفجارهما المتزامن مع ضرب الطائرات إلى عملية الانهيار، فضلاً عن عشرات الملاحظات الأساسية الأخرى.
المهم بالنسبة لما تضمّنه كتابه الجديد من معلومات وَصَفَها هُوَ بأنها مغايرة لما هو سائد ومتداول بين الناس، قوله في بداية حديثه أن نظرته لأحداث الشرق الأوسط والحرب في لبنان واستهداف سورية، ثم الهدف من وراء اغتيال الحريري تختلف عن القراءات الرائجة.
بداية أكّد ميسان قناعته التي لا شك فيها – كما قال- بأن الأميركان هم الذين رتّبوا عملية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري(مباشرة أو بالواسطة أو عن طريق الحلفاء)، وأن هدفهم من وراء ذلك لم يكن الرجل نفسه بل ضرب لبنان وسورية، وأنهم كانوا يتحيّنون الفرص منذ سنوات من أجل ضرب البلدين وصولاً للسيطرة على المشرق العربي، ظنّاً منهم أن العراق سينتهي أمره بعد فترة وجيزة من احتلاله.
لكن الأمور لم تتسهّل لهم في البداية، عندما استطاع الرئيس الفرنسي شيراك إيقاف هذه الضربة لأجل صديقه الحريري الذي كانت تربطه به صلات شخصية قويّة جداً طغت على العلاقة الرسمية بين البلدين. ولفت ميسان الانتباه إلى أن سياسة فرنسا كانت تستند على الدوام إلى نهج التواصل والحوار مع جميع الأطراف في لبنان، غير أن شيراك غيّر هذه المعادلة عندما بدأ يقتصر حديثه مع أطراف معيّنة دون أخرى، ثم "ألغى" بعض هذه الأطراف بالتدريج إلى أن قطع صلاته بالجميع (وكذلك مع سورية) مكتفياً بالإبقاء على قناة واحدة فقط هي قناة الحريري شخصياً، واستمر على هذه الحال التي أضرّت كثيراً بفرنسا ولبنان وبه شخصياً.
وهذا في رأيي – والكلام لميسان – خطأ سياسي كبير ارتكبه شيراك. ولهذا كان من الطبيعي أن تؤدي عملية اغتيال الحريري إلى هزّة، وأن تتجه أصابع اتهام البعض إلى "المتضرّرين" من قطع قنوات الاتصال معهم، لكن اللافت والغريب معاً أن الحريري قد اغتيل قرابة الظهر في بيروت فيما كانت الولايات المتحدة تغطّ في النوم. ورغم إعلان سائر وكالات الأنباء في العالم لهذا الخبر فوراً دون اتهام أحد بالمسؤولية عن الحدث، إلا أن وسائل الإعلام الأميركية قامت على الفور باتهام سورية والرئيس اللبناني اميل لحود منذ اللحظة الأولى. وتساءل تيري ميسان عن سبب هذه السرعة في الاتهام ومصدرها الحقيقي قبل أن يبزغ فجر النهار في واشنطن؟ وأجاب على ذلك بقوله أن هذا يدلّ على أنهم كانوا في صورة الحدث قبل وقوعه، وأنهم كانوا قد أعدّوا سيناريو الاتهام لكي يصبّ في خانة هدفهم المتمثل بـ"خربطة" الساحة اللبنانية الداخلية ومن بعدها العربية .
في هذا السياق، وعلى طريق تحقيق الهدف الأميركي نفسه حصل ما حصل في الحرب التي شنتّها إسرائيل ضد لبنان/ تموز 2006، والحقيقة أن هذه الحرب لم يكن مخططاً لها بالفعل أن تتم هكذا سريعاً، وفي هذا التوقيت ، بل كانت أوسع وأشمل وتستهدف لبنان وسورية معاً، وكان الجيش الإسرائيلي يتدرّب ويُعدّ العدّة لها. غير أن اختطاف الجنديين الإسرائيليين من قبل "حزب الله" دفع الأمور إلى اتخاذ قرار انفعالي ببدء الهجوم قبل أوانه، فكانت حرب تموز التي أجهضت الحرب الأكبر منها، والتي كان من المفترض أن تُشن في أكتوبر /تشرين الأول من العام نفسه.
أما الأسباب التي سيقت كذباً لتبرير هذه الحرب فقد كانت سخيفة ولا يمكن لأي عاقل أن يُصدّقها، فالجنديان الإسرائيليان تم اعتقالهما داخل الأراضي اللبنانية وليس الإسرائيلية، وهو ما ينفي كلياً ادعاءات حكومة أولمرت حول قيام حزب الله بالعدوان وممارسة الإرهاب، ويكذّب روايتها أيضاً. ويكفينا التساؤل هنا: أين مسؤولية حزب الله في ذلك، وما هو الإرهاب الذي ارتكبه في هذه الحالة. هذه الحرب التي أوعز الأميركان بضرورة شنّها وأصرّوا على استمرارها حتى تحقّق أهدافها رغم كل الخسائر التي لحقت بالجيش الإسرائيلي تثبت حقيقة دور إسرائيل في المنطقة، ولماذا أُوجدت أصلاً.
إنني أرى في هذا الجانب عكس ما يُطرح في العادة بالنسبة لنشوء "دولة إسرائيل"، فلقد اعتدنا منذ قرون أن نُردّد المقولة السائدة بأن الحركة الصهيونية هي التي عملت على لمّ شتات اليهود فوق هذه الأرض التي أسموها "إسرائيل"، اعتماداً على أرضية دينية، لكنني أختلف مع هذا الطرح. صحيح أن اليهود يردّدون على الدوام أن لهم جذوراً في هذه المنطقة تعود لألفي سنة، وأنها "أرض الميعاد"، وما شابه، لكنني أرى أن الأميركان والبريطانيين، أي"الانغلوساكسون" هم الذين أدركوا ضرورة وجود كيان تابع لهم في هذه المنطقة الحساسة و الحبلى بالنفط من العالم ، وكان أول من دعا إلى هذه الفكرة اللورد كرومويل، وهكذا أوجدوا "إسرائيل".
وبناء عليه يمكن التأكيد أن إنشاءها لم يأتِ استناداً إلى اتفاقية سايكس بيكو فقط، ولا على قاعدة تعويض اليهود عن جرائم النازية بحقهم – كما يتردد - ، بل لتكون اليد العسكرية الضاربة لهم. وباختصار، إنني أرى أن إسرائيل دولة أنغلوساكسونية، يقطنها اليهود، وهي ليست إلا قاعدة للأميركان و الإنجليز، يلعب اليهود فيها دورهم وينفّذون المهام الموكلة إليهم على الأرض التي أصبحت تحمل "اسمهم".
وفي ضوء هذه المهمة الاستثنائية والدائمة لإسرائيل يمكننا أن نفهم السبب وراء انقضاء ستين عاماً من الصراع حول مشكلة الشرق الأوسط دون التمكن من الوصول إلى أي حل، بل على العكس نرى حرباً تلو أخرى على الدوام، ونرى كيف يُهدر الوقت في محاولات فاشلة تلو أخرى من أجل التوصل إلى سلام دون نتيجة. لقد فشلت كل محاولات التوصّل إلى تسوية سياسية حتى الآن، ولا بدّ أن يكون سبب ذلك مفهوماً من قبلنا. لقد فشلت كلها لأنه لم يجر وضع مسألة الصراع في حقيقته قيد البحث الصريح، ولم تجر دراسة أساس المشكلة وجذورها بالجرأة المطلوبة. (وهو أمر مقصود).
إن الهدف الأميركي من كل ما يجري ليس سراً، سواء في العراق أو لبنان أو "قضية الشرق الأوسط"، وكل ما تُردّده الولايات المتحدة حول بذل الجهود من أجل تحقيق الشرق الأوسط الكبير، أو الجديد، على أساس ديمقراطي، لا تهدف من ورائه في الحقيقة غير إعادة رسم حدود المنطقة، أي تحويرها بما يخدم استراتيجيتها ومصالحها على الدوام. وأعني بذلك التحكم الكامل بالثروة النفطية، التحكم بضخّه وكمياته، وتوزيعه...الخ، وليس الهدف الأساسي من وراء ذلك تحقيق الربح كما يتصوّر البعض، بل التحكم الدائم بهذه المادة الاستراتيجية.
انهم يريدون أن يكون لهم وحدهم حق احتكار النفط والإشراف على "سيره"، أي أن يعطوه لمن يشاءون و يحجبونه عمن يشاءون، يُصنّعوك إن أرادوا أو لا يُصنّعوك، أي يضعونك دوماً تحت رحمتهم! لقد كانت هذه الأهداف بالنسبة لهم بحكم المحقّقة دون أدنى شك في بداية غزوهم للعراق، ولم يكن أحد يتصوّر يومها أن صمود المقاومة العراقية سيصل إلى هذا الحد العجائبي وسيقلب المعادلة و"يخربط" مشروعهم.
أميركا كانت قبل اجتياح العراق تتحفّز للحرب هنا وهناك، لكن ما اعتبروه زيارة خاطفة لهذا البلد انقلب إلى النقيض عندما وجدوا فيه أقوى مقاومة على الإطلاق. لقد غاصوا من حيث لم يتوقعوا في الوحل ولم يعد أمامهم أي قدرة على وضع برامج لحروب جديدة مع الدول التي كانوا يريدون استهدافها في السابق. هذا هو الوضع الأميركي على حقيقته الآن، ولكن ذلك لا يعني أن استراتيجية الولايات المتحدة قد تغيّرت في الأساس. وهذا الأمر ينطبق على كل من الديمقراطيين والجمهوريين.
فرغم الاختلافات المعلنة بينهما إلا أن استراتيجية الأميركيين لم تتغيّر، وبقيت مصلحة الولايات المتحدة واحدة عند الاثنين، والتي تتمثل في الشرق الأوسط بالتحكم في النفط للتحكم بسير الاقتصاد العالمي، مع استمرار وضع لافتة الديمقراطية والتغيير وإقامة شرق جديد.. وكبير...الخ، إلى جانب التمسّك داخل هذه المعادلة كلها بسياسة قسِّم لكي تتحكّم أكثر! لعلّ أبرز دليل على جدّية هذا التوجّه وثباته مهما تبدّلت الظروف، قيام الولايات المتحدة الآن بإقامة أكبر سفارة لها في العالم بالعراق، ثم بناء قواعد عسكرية كبيرة جداً على أرضه! وتعزيزاً لهذا الثقل تقوم الولايات المتحدة التي تحتفظ بما لا يقل عن 130 ألف جندي في العراق بتجنيد ما لا يقل عن مائة ألف مرتزق يعملون ليل نهار. لقد أصبح المرتزقة، الذين يعملون لصالح الولايات المتحدة، يتحكّمون في كل جوانب الحياة من قتل وخطف و اجتياحات، أكثر مما يتحكم بها الجيش الأميركي النظامي، وهذه حالة جديدة في التاريخ تدلّ على أن الحروب "الحديثة" أصبحت تُدار أيضاً من قبل جيوش خاصة مأجورة بالمال، ولم تعد مقتصرة – كما هو معروف تاريخياً- على جيوش نظامية تقاتل وحدها فقط!
وبالعودة إلى لبنان الذي يستهدف تدميره إشاعة الفوضى في المنطقة، يقول الصحافي الفرنسي أن هذا الوضع يدركه جيداً الزعماء اللبنانيون – خصوصاً حلفاء أميركا – وفي مقدمتهم ابن الحريري سعد، ومع ذلك، لا يمكنك أن تناقشه حول هذا الموضوع.
إن عقل الرجل مقفل لأنه متحالف مع الولايات المتحدة ، وليس مستعداً لسماع أي كلمة تحمّلها المسؤولية عمّا يجري..
إنه مصاب بالعمى ولا مجال للحديث معه، مع أن المعلومات التي لم تعد سرّاً تؤكد أن عملية اغتيال والده التي تمّت في ظل تعطيل كل أجهزة الحماية التي تتمتع بها سيارته وركبه المرافق، يقف وراءها بكل تأكيد إما أولئك الذين قاموا بتصنيع هذه الأجهزة، أو شاركوا في إنتاجها، أو أولئك الذين يعرفون سرّها، وهم محدودون في الأساس.
إسرائيل لها أيضاً علاقة معروفة بالتصنيع و الإنتاج وسرّ الأجهزة وطريقة تعطيلها (وخصوصاً أجهزة سيارة الحريري بالذات). وفي نهاية استعراضه لخزنة معلوماته وما استجدّ في الأيام الأخيرة التي تلت طباعة كتابه الجديد توقّف ميسان أمام ظاهرة لبنانية وصفها بالغريبة والشاذة.
وهي أن السائد عادة في التاريخ أن يتولّى المنتصر في أي حرب دفّة الحكم في بلده، وأن يجلس المتفرجون جانباً. ولكننا نرى في لبنان اليوم أن المتفرجين على الحرب، والذين لم يشاركوا في الدفاع عن بلدهم، بل كان موقفهم سلبياً منها، هم الذين يحكمون هذا البلد لأن وراءهم أميركا وبريطانيا وفرنسا وتابعيهم..!
وثمة ظاهرة غريبة أخرى يراها في قانون المحكمة ذات الطابع الدولي التي تم إقرارها من تحت أيدي الأمين العام للأمم المتحدة (أي عملياً من تحت يد الأميركان) وهي أن هذه المحكمة لا تأخذ بالاعتبار قرارات المحكمة اللبنانية، وتستند إلى قوانين أجنبية وقضاة أجانب أيضاً! رأيها أهم ما يرسمه القانون اللبناني والقانون الدولي أيضاً. إنها حالة خاصة وغريبة وشاذة. والأخطر والأهم من كل ذلك أن الولايات المتحدة لا ترمي من ورائها التوصل إلى إدانة قتلة الحريري ومعرفة الحقيقة و إنزال العقوبة بهم، بل ترمي إلى تحقيق أهدافها الاستراتيجية في تفتيت المنطقة والتحكم بها وهو الأساس. أما فرنسا فستبقى على حالها بالنسبة إلى لبنان، غير أن رئيسها الجديد نيكولا سركوزي الذي سبق له يوم أن كان وزيراً للداخلية أن أعلن تضامنه مع الولايات المتحدة، وعبّر في تموز الماضي عن أمله في أن تواصل إسرائيل حربها حتى تنظّف لبنان من "حزب الله" و الإرهاب، فإنه لم يستطع الاستمرار في تبنّي هذه اللهجة، وأغلب الظنّ – حسبما يرى ميسان – أنه سيعيش أسير تناقضاته، وقد يعتمد سياسة أكثر "واقعية"، وربما يغمض عينيه عن أي شيء جديد يرتّب لهذا البلد وللمنطقة بأكملها، فيقفل فمه ولا يتكلّم تاركاً الأميركان و الإسرائيليين على راحتهم يتصرفون.
و الآن الرأي لكم
1