ابو شجاع
07-03-2007, 01:21 PM
بسم الله الرّحمن الرحيم
نظرية الحقّ الطبيعي
الكاتب: ياسين بن علي
تقوم نظرية الحقوق الطبيعية للإنسان، كالحرية والمساواة، على أساس أن هذه الحقوق فطرية في الإنسان وموروثة، لا يجوز له التفريط فيها ولا التنازل عنها، كما لا يجوز لأي سلطة أن تغتصبها منه أو تنتزعها.
ولقد تبنى جمع من الفلاسفة مفهوم الحق الطبيعي للإنسان، وأكدوا عليه في صراعهم من أجل النهضة الغربية. وتعتبر مساهمات (جون لوك) و(فولتير) و(مونتسيكيو) بارزة في مجال تمهيد الطريق أمام الاعتراف بحقوق الإنسان الطبيعية التي عرفت فيما بعد باسم "حقوق الإنسان"، فقد قال الفيلسوف الإنكليزي جون لوك (1632-1704): "إن الحرية والمساواة الطبيعية منظمة بواسطة العقل الفطري، ومتضمنة في قانون الطبيعة نفسه الذي يمنع أي فرد من إلحاق الضرر بالآخرين"(1).
ولقد كان أثر فكرة الحقوق الطبيعية للإنسان كبيرا حتى إنّ الثورات الغربية قامت عليها واستلهمت قواعدها وأفكارها منها. فقد ورد في "مقدمة وثيقة إعلان استقلال الولايات المتحدة 1776م: (إن من الحقائق البديهية أن جميع الناس خلقوا متساوين، وقد وهبهم الله حقوقا معينة لا تنتزع منهم، ومن هذه الحقوق حقهم في الحياة والحرية والسعي لبلوغ السعادة، وكلما سارت أية حكومة من الحكومات هادمة لهذه الغايات، فمن حق الشعب أن يغيرها أو يلزمها، وأن ينشئ حكومة جديدة، ترسي أسس تلك المبادئ، وأن تنظم سلطاتها على الشكل الذي يبدو للشعب أنه أوفى من سواه لضمان أمنه وسعادته).
وفي السادس والعشرين من آب 1789م نشرت الجمعية التأسيسية المنبثقة أبان الثورة الفرنسية (إعلان حقوق الإنسان والمواطن) الذي جاء نتاجا لتلك الثورة التي اقترنت كلمتا الحرية والمساواة بها، كما عززت عام 1793م كلمات الدستور، القانون، حقوق الإنسان، المواطن، وغيرها من الكلمات التي أسهمت في التمسك بالثورة والدفاع عنها.
... ومما جاء في مقدمة الإعلان: (إن ممثلي شعب فرنسا مشكلين في هيئة جمعية وطنية قد رأوا أن الجهل والإهمال واحتقار حقوق الإنسان هي الأسباب الوحيدة للمصائب العامة ولفساد الحكومات.. وقد قرروا أن يطرحوا في الإعلان هذه الحقوق الطبيعية الثابتة التي لا يجوز الانتقاص منها)"(2).
ولما كان الإنسان، بناء على هذه النظرة الغربية إليه، مفطورا على طبيعة معينة تتمثّل في جملة من الأمور أطلق عليها اسم الحقوق كالحرية، والمساواة، والكرامة وغير ذلك، فقد وجب المحافظة عليها وتدعيمها. وكقاعدة فكرية وسلوكية تضمن الحفاظ على هذه الحقوق وما تفرع عنها، نشأت نظرية التسامح. لذلك، فنظرية التسامح التي تفيد قبول الآخر على ما هو عليه تنسجم في التصور الغربي مع النظرة إلى الإنسان المبنية على حقوقه الطبيعية عامة، وعلى حق الحرية خاصة. فللإنسان أن يدين بما يشاء، وأن يفكر كما يشاء، وأن يعبر عما يشاء، وأن يميل إلى ما يشاء، وعلى الآخر أن يقبل هذا ويحترمه. ومن حق الإنسان الطبيعي أن يختار كيفية إشباعه الجنسي، فإن شاء مع رجل أو مع امرأة، ومن حقه أيضا المساواة وعدم التفرقة والعنصرية، وعلى الآخر أن يقبل هذا ويحترمه.
وتعبير "الحق الطبيعي" الذي بنيت عليه رؤية الغرب إلى الإنسان وما ترتب عليها من إلزامات أخلاقية، وسياسية، ومجتمعية، وحقوقية وغير ذلك، هو في واقعه تعبير حقوقي تشريعي عن رؤية فكرية فلسفية للإنسان تقوم على فكرة القانون الطبيعي. لذا، فإن الحق الطبيعي هو تشريع للقانون الطبيعي.
"فقد ذهب معظم المفكرين والفلاسفة إلى اعتبار القانون الطبيعي مصدرا أساسيا للحقوق الثابتة للأفراد، ووصفه بعضهم بأنه جزء من القانون الإلهي، ولكن القانوني الهولندي هوغو [الكبير De Groot والمشهور بـ] غروسيوس Grotius (1583-1645م) قام بعملية فصل بين القانون الطبيعي والقانون الإلهي، وجعل الأول مصدرا أساسيا للقوانين الدنيوية، التي ارتأى أنها تقوم على المنطق والعقلانية، وانتهى (غروسيوس) إلى أن كل ما يتفق مع طبيعة الأمور فهو شرعي عادل، وكل ما يخالفها غير شرعي وغير عادل. وعرف القانون الطبيعي بأنه: (مجموعة القواعد القانونية الآمرة التي يفرضها المنطق السليم، والتي تجد أساسها في الأخلاق أو الضرورات الأخلاقية)"(3). وعليه فإنّ القانون الطبيعي هو القانون الأخلاقي الذي يستمده الإنسان من طبيعة الأشياء في ذاتها ومن متطلباتها، وهو تعبير عن المعنى الأخلاقي الأصيل الذي يمكن الإنسان من التمييز بين الخير والشرّ، والحقّ والباطل.
بناء على هذه الرؤية قال مفكرو الغرب بالحقّ الطبيعي كتشريع يرسخ القانون الطبيعي ويثبته، ويجعل منه قيمة تحقّق وتطلب. ثمّ قالوا بالحق الوضعي ( Droit positif ) باعتباره جملة من القواعد المنظمة للعلاقة بين الأفراد فيما بينهم، وللعلاقة بين الأفراد ومؤسسات المجتمع ككل، أو باعتباره تحديدا لما هو الحق ولما هو الواجب بالنسبة للجماعة، وهذا من باب التشريع المجتمعي للقانون الطبيعي.
وأما الخطأ في هذه الرؤية فيعود إلى أمور ثلاثة هي:
أولا: إنّ منطلق هذه النظرة هو الطبيعة الخيرة للإنسان(4) المتمثلة في ضميره الحي الذي يمكنه من الاختيار بين الخير والشر. فالضمير بتعبير جان جاك روسو Rousseau هو "...الحكم الذي لا يفشل أبدا في تحديد الخير والشر، والذي يجعل من الإنسان شبيها بالرب..."(5)، وبتعبير برجسون Bergson هو "القدرة على الاختيار التي يتمتع بها الكائن الحي..."(6). والحقيقة، أنّ الإنسان بطبيعته ليس خيّرا ولا شريرا، إنما فيه قابلية لأن يكون كذلك. ذلك، أنّ طبيعة الإنسان هي غرائزه وحاجاته العضوية: فالغرائز هي: غريزة حبّ البقاء التي من مظاهرها الخوف، وحب التملك، وحب السيطرة، وغير ذلك مما يخدم بقاء الإنسان، وغريزة النوع التي من مظاهرها الميل الجنسي، والأمومة، والأبوة، وإغاثة الملهوف وغير ذلك مما يخدم بقاء النوع الإنساني، وغريزة التدين التي من مظاهرها الشعور بالنقص والعجز والاحتياج، والتقديس الذي هو منتهى الاحترام القلبي لشيء ما وغير ذلك مما يدفع الإنسان للبحث عن كنه وجوده وحلّ عقدته الكبرى المتمثلة في الأسئلة المصيرية من أين وإلى أين ولماذا. وأما الحاجات العضوية، كالأكل والشرب والنوم وغير ذلك مما يرتبط بجسم الإنسان، فهي شأنها شأن الغرائز المذكورة دوافع للسلوك الإنساني المتمثّل في سعيه لإشباعها، إلاّ أنها تختلف عن الغرائز من حيث حتمية الإشباع. فإن لم تشبع هلك الإنسان، وذلك بخلاف الغرائز التي يؤدي عدم إشباعها إلى القلق والاضطراب لا إلى الهلاك. فعدم الأكل يؤدي إلى الهلاك، وأما عدم ممارسة الجنس فيؤدي إلى القلق وليس إلى الهلاك.
هذه هي طبيعة الإنسان، والملاحظ أنها حيادية لا توصف بالخير والشر في ذاتها إنما من عوامل خارجة عنها. فالميل الجنسي مثلا لا يوصف بأنه خير أو شرّ إلا إذا اقترن بكيفية إشباع ومحله. من ذلك اللواط، ممارسة الرجل الجنس مع رجل يعتبر عند الغرب خيرا مسموحا به، وأما البيدوفيليا Pedophilia أي ممارسة الجنس مع الأطفال فتعتبر شرا غير مسموح بها، مع أن الميل الجنسي هو نفسه لم يتغير، وإنما الذي تغير محل الإشباع والنظرة إليه. ومن ذلك أيضا ممارسة الرجل الجنس مع فتاة بلغت السن القانونية يعتبر عند الغرب خيرا مسموحا به، وأما ممارسته مع تلك الفتاة ولما تبلغ السن القانونية بعد، ولو بيوم واحد، يعتبر جرما في حق قاصر وشرا غير مسموح به وإن كان عبر زواج، مع أن الميل الجنسي هو نفسه، ومحلّ الإشباع هو نفسه ولكن الذي اختلف النظرة إليه المبنية على نظام معين حدد كيفية الإشباع.
وعليه، فإن الطبيعة الإنسانية لا توصف بالخير والشر في ذاتها، إنما من عوامل خارجة عنها هي النظام الذي اختاره الإنسان ليحدد له كيفية الإشباع ومحله.
نظرية الحقّ الطبيعي
الكاتب: ياسين بن علي
تقوم نظرية الحقوق الطبيعية للإنسان، كالحرية والمساواة، على أساس أن هذه الحقوق فطرية في الإنسان وموروثة، لا يجوز له التفريط فيها ولا التنازل عنها، كما لا يجوز لأي سلطة أن تغتصبها منه أو تنتزعها.
ولقد تبنى جمع من الفلاسفة مفهوم الحق الطبيعي للإنسان، وأكدوا عليه في صراعهم من أجل النهضة الغربية. وتعتبر مساهمات (جون لوك) و(فولتير) و(مونتسيكيو) بارزة في مجال تمهيد الطريق أمام الاعتراف بحقوق الإنسان الطبيعية التي عرفت فيما بعد باسم "حقوق الإنسان"، فقد قال الفيلسوف الإنكليزي جون لوك (1632-1704): "إن الحرية والمساواة الطبيعية منظمة بواسطة العقل الفطري، ومتضمنة في قانون الطبيعة نفسه الذي يمنع أي فرد من إلحاق الضرر بالآخرين"(1).
ولقد كان أثر فكرة الحقوق الطبيعية للإنسان كبيرا حتى إنّ الثورات الغربية قامت عليها واستلهمت قواعدها وأفكارها منها. فقد ورد في "مقدمة وثيقة إعلان استقلال الولايات المتحدة 1776م: (إن من الحقائق البديهية أن جميع الناس خلقوا متساوين، وقد وهبهم الله حقوقا معينة لا تنتزع منهم، ومن هذه الحقوق حقهم في الحياة والحرية والسعي لبلوغ السعادة، وكلما سارت أية حكومة من الحكومات هادمة لهذه الغايات، فمن حق الشعب أن يغيرها أو يلزمها، وأن ينشئ حكومة جديدة، ترسي أسس تلك المبادئ، وأن تنظم سلطاتها على الشكل الذي يبدو للشعب أنه أوفى من سواه لضمان أمنه وسعادته).
وفي السادس والعشرين من آب 1789م نشرت الجمعية التأسيسية المنبثقة أبان الثورة الفرنسية (إعلان حقوق الإنسان والمواطن) الذي جاء نتاجا لتلك الثورة التي اقترنت كلمتا الحرية والمساواة بها، كما عززت عام 1793م كلمات الدستور، القانون، حقوق الإنسان، المواطن، وغيرها من الكلمات التي أسهمت في التمسك بالثورة والدفاع عنها.
... ومما جاء في مقدمة الإعلان: (إن ممثلي شعب فرنسا مشكلين في هيئة جمعية وطنية قد رأوا أن الجهل والإهمال واحتقار حقوق الإنسان هي الأسباب الوحيدة للمصائب العامة ولفساد الحكومات.. وقد قرروا أن يطرحوا في الإعلان هذه الحقوق الطبيعية الثابتة التي لا يجوز الانتقاص منها)"(2).
ولما كان الإنسان، بناء على هذه النظرة الغربية إليه، مفطورا على طبيعة معينة تتمثّل في جملة من الأمور أطلق عليها اسم الحقوق كالحرية، والمساواة، والكرامة وغير ذلك، فقد وجب المحافظة عليها وتدعيمها. وكقاعدة فكرية وسلوكية تضمن الحفاظ على هذه الحقوق وما تفرع عنها، نشأت نظرية التسامح. لذلك، فنظرية التسامح التي تفيد قبول الآخر على ما هو عليه تنسجم في التصور الغربي مع النظرة إلى الإنسان المبنية على حقوقه الطبيعية عامة، وعلى حق الحرية خاصة. فللإنسان أن يدين بما يشاء، وأن يفكر كما يشاء، وأن يعبر عما يشاء، وأن يميل إلى ما يشاء، وعلى الآخر أن يقبل هذا ويحترمه. ومن حق الإنسان الطبيعي أن يختار كيفية إشباعه الجنسي، فإن شاء مع رجل أو مع امرأة، ومن حقه أيضا المساواة وعدم التفرقة والعنصرية، وعلى الآخر أن يقبل هذا ويحترمه.
وتعبير "الحق الطبيعي" الذي بنيت عليه رؤية الغرب إلى الإنسان وما ترتب عليها من إلزامات أخلاقية، وسياسية، ومجتمعية، وحقوقية وغير ذلك، هو في واقعه تعبير حقوقي تشريعي عن رؤية فكرية فلسفية للإنسان تقوم على فكرة القانون الطبيعي. لذا، فإن الحق الطبيعي هو تشريع للقانون الطبيعي.
"فقد ذهب معظم المفكرين والفلاسفة إلى اعتبار القانون الطبيعي مصدرا أساسيا للحقوق الثابتة للأفراد، ووصفه بعضهم بأنه جزء من القانون الإلهي، ولكن القانوني الهولندي هوغو [الكبير De Groot والمشهور بـ] غروسيوس Grotius (1583-1645م) قام بعملية فصل بين القانون الطبيعي والقانون الإلهي، وجعل الأول مصدرا أساسيا للقوانين الدنيوية، التي ارتأى أنها تقوم على المنطق والعقلانية، وانتهى (غروسيوس) إلى أن كل ما يتفق مع طبيعة الأمور فهو شرعي عادل، وكل ما يخالفها غير شرعي وغير عادل. وعرف القانون الطبيعي بأنه: (مجموعة القواعد القانونية الآمرة التي يفرضها المنطق السليم، والتي تجد أساسها في الأخلاق أو الضرورات الأخلاقية)"(3). وعليه فإنّ القانون الطبيعي هو القانون الأخلاقي الذي يستمده الإنسان من طبيعة الأشياء في ذاتها ومن متطلباتها، وهو تعبير عن المعنى الأخلاقي الأصيل الذي يمكن الإنسان من التمييز بين الخير والشرّ، والحقّ والباطل.
بناء على هذه الرؤية قال مفكرو الغرب بالحقّ الطبيعي كتشريع يرسخ القانون الطبيعي ويثبته، ويجعل منه قيمة تحقّق وتطلب. ثمّ قالوا بالحق الوضعي ( Droit positif ) باعتباره جملة من القواعد المنظمة للعلاقة بين الأفراد فيما بينهم، وللعلاقة بين الأفراد ومؤسسات المجتمع ككل، أو باعتباره تحديدا لما هو الحق ولما هو الواجب بالنسبة للجماعة، وهذا من باب التشريع المجتمعي للقانون الطبيعي.
وأما الخطأ في هذه الرؤية فيعود إلى أمور ثلاثة هي:
أولا: إنّ منطلق هذه النظرة هو الطبيعة الخيرة للإنسان(4) المتمثلة في ضميره الحي الذي يمكنه من الاختيار بين الخير والشر. فالضمير بتعبير جان جاك روسو Rousseau هو "...الحكم الذي لا يفشل أبدا في تحديد الخير والشر، والذي يجعل من الإنسان شبيها بالرب..."(5)، وبتعبير برجسون Bergson هو "القدرة على الاختيار التي يتمتع بها الكائن الحي..."(6). والحقيقة، أنّ الإنسان بطبيعته ليس خيّرا ولا شريرا، إنما فيه قابلية لأن يكون كذلك. ذلك، أنّ طبيعة الإنسان هي غرائزه وحاجاته العضوية: فالغرائز هي: غريزة حبّ البقاء التي من مظاهرها الخوف، وحب التملك، وحب السيطرة، وغير ذلك مما يخدم بقاء الإنسان، وغريزة النوع التي من مظاهرها الميل الجنسي، والأمومة، والأبوة، وإغاثة الملهوف وغير ذلك مما يخدم بقاء النوع الإنساني، وغريزة التدين التي من مظاهرها الشعور بالنقص والعجز والاحتياج، والتقديس الذي هو منتهى الاحترام القلبي لشيء ما وغير ذلك مما يدفع الإنسان للبحث عن كنه وجوده وحلّ عقدته الكبرى المتمثلة في الأسئلة المصيرية من أين وإلى أين ولماذا. وأما الحاجات العضوية، كالأكل والشرب والنوم وغير ذلك مما يرتبط بجسم الإنسان، فهي شأنها شأن الغرائز المذكورة دوافع للسلوك الإنساني المتمثّل في سعيه لإشباعها، إلاّ أنها تختلف عن الغرائز من حيث حتمية الإشباع. فإن لم تشبع هلك الإنسان، وذلك بخلاف الغرائز التي يؤدي عدم إشباعها إلى القلق والاضطراب لا إلى الهلاك. فعدم الأكل يؤدي إلى الهلاك، وأما عدم ممارسة الجنس فيؤدي إلى القلق وليس إلى الهلاك.
هذه هي طبيعة الإنسان، والملاحظ أنها حيادية لا توصف بالخير والشر في ذاتها إنما من عوامل خارجة عنها. فالميل الجنسي مثلا لا يوصف بأنه خير أو شرّ إلا إذا اقترن بكيفية إشباع ومحله. من ذلك اللواط، ممارسة الرجل الجنس مع رجل يعتبر عند الغرب خيرا مسموحا به، وأما البيدوفيليا Pedophilia أي ممارسة الجنس مع الأطفال فتعتبر شرا غير مسموح بها، مع أن الميل الجنسي هو نفسه لم يتغير، وإنما الذي تغير محل الإشباع والنظرة إليه. ومن ذلك أيضا ممارسة الرجل الجنس مع فتاة بلغت السن القانونية يعتبر عند الغرب خيرا مسموحا به، وأما ممارسته مع تلك الفتاة ولما تبلغ السن القانونية بعد، ولو بيوم واحد، يعتبر جرما في حق قاصر وشرا غير مسموح به وإن كان عبر زواج، مع أن الميل الجنسي هو نفسه، ومحلّ الإشباع هو نفسه ولكن الذي اختلف النظرة إليه المبنية على نظام معين حدد كيفية الإشباع.
وعليه، فإن الطبيعة الإنسانية لا توصف بالخير والشر في ذاتها، إنما من عوامل خارجة عنها هي النظام الذي اختاره الإنسان ليحدد له كيفية الإشباع ومحله.