ابو شجاع
06-20-2007, 02:52 PM
أَأَبو دُجَانَةَ قدوتكم أمْ رَامْبُو...؟
لا يمكن لأحد أن ينكر ما تتركه الكلمة أو الصورة من أثر في النفس والشعور. بغض النظر عن نوعية هذا الأثر، وعن تعامل العقل معه سلبا أو إيجابا. لا يهمنا ذلك الآن. المهم هو ما تلتقطه حاستا السمع والبصر، أي هاتان الحاستان التي تكلم عنهما الله سبحانه وتعالى في أكثر من آية في كتابه العزيز فقال " أَفَلَا تَسْمَعُونَ"، "أَفَلَا تُبْصِرُونَ ". ولهذا وددت أن أبدأ هذا الموضوع باختبار بسيط نجريه على أنفسنا لنرى عمليا كيف أن الكلمة أو الصورة تترك لمستها وبصمتها فينا. ولإجراء هذا الاختبار أخي السامع أو القارئ اخترت لك هذا العنوان المميز لتنظر فيه بنفسك إن كان ملفتا لانتباهك أو مسترعيا لاهتمامك. وبالطبع لا أسألك هنا عن رأيك فيه أو عن انطباعك نحوه، وإنما عن شعورك الأول لحظة سماعك أو قرأتك له قبل غوصك في الموضوع. فإن كنت قد وجدت في نفسك شيئا ما نحوه وبقيت تنظر فيه، فسؤالي إليك : ماذا فيه ليلفت انتباهك. وأي شيء يحويه حتى يثير فيك، إما التساؤل أو الاستفهام أو الاستغراب أو التعجب، حسب ما دار في بالك عنه؟. ألأنه اشتمل على هذين الاسمين الأجنبيين عن بعضهما، أم هو الاستفسار عن القدوة وعلاقتها بـ" رامبو"، أم ماذا؟ على كل، مهما كان تساؤلك أخي؛ فإنني شبه متأكد أن الذي شد انتباهك، أو أثار تساؤلك أو استغرابك، هو حضور اسم " رامبو " فيه وليس " أبو دجانة ". فإن صدق حدسي وكان هذا صحيحا، وخالجك هذا الشعور، وسكنك هذا التساؤل، وقلت في نفسك ماذا يعني هذا العنوان، وإلى ماذا يرمي، وما المراد به، وما المناسبة التي جمعت بين هذين الاسمين، وما علاقة " رامبو" بموضوع القدوة، وما المقصود من ربط الحقيقة بالخيال؟. فتأكد أخي أن ما قلناه سابقا عن مخلفات وأثر الكلمة والصورة هي حقيقة حسية وليست مسألة افتراضية. ولك أن تدرك هنا أن الإعلام الذي يستعمل الكلمة والصورة له القدرة على اختراقك واختراقي واختراق باقي الأمة. لأن هذا الإعلام له حجم وثقل وتأثير كبير على الناس، لا يمكن أن تستهين به أو تتجاهله. سواء أكنت تبالي بهذا الأمر أم لا. وسواء أكنت مكترثا به أم لا. فإن هذا الإعلام المؤثر موجود وحاضر معنا. فهو داخل غرف نومنا، وفي محلاتنا وأسواقنا، وفي مواطن عيشنا. وهو يصاحبنا حيث ما كنا، راجلين أم راكبين، ماشين أم جالسين. فهو يعمل فينا بمؤثراته صباحا ومساء، ويخرب عقولنا ويفسد أذواقنا، ويملأنا بالأكاذيب والأوهام، ويخفي عنا الحقائق، ويزيف لنا الأباطيل في كل لحظة. والدليل على ذلك ما حصل لك مع هذا العنوان؛ فإن كان فعلا قد استوقفك لبعض الثواني كما كنت أتوقع، وبقيت تحوم حوله وتتجول بفكرك فيه، وتغوص في أعماقه بحثا عن مغزى له، أو عن الرسالة التي أريد توجيهها إليك عبر هذه الوسيلة الإعلامية الجادة. فيمكنني هنا أن أقول، إن محاولتي معك في هذا الاختبار قد نجحت، وأني وصلت بك إلى المقصود، ومسكت بالخيط الذي سأسحبك به وبلطف نحو ما أريد. لأنك أخي السامع أو القارئ، من حيث كنت تشعر أم لا، فإنك بمجرد التقاطك لاسم " رامبو" قد استحضرت في ذهنك صورة ذاك الجندي الأمريكي الخيالي. وهذا يحدث معك عفويا بالرغم عنك، حتى وإن كنت تقر بسخافة هذه الأمور، ولا تهتم بها وتترفع عنها. إلا أن السؤال هنا: من الذي طبع في أذهاننا صورة هذا البطل الوهمي حتى نستحضره بمجرد سماعنا لاسمه. وما الذي دفعنا إلى الحديث عنه مع أنه ضرب من ضروب الخيال الإعلامي. ومن هو هذا " رامبو" حتى نذكره في مثل هذا المقام؟. على كل لا أريد وضع المزيد من نقاط الاستفهام. ولا أريد الآن فتح ملف الإعلام والتوسع فيه، وإن كان له علاقة مباشرة بموضوعنا، وإنما الذي قصدته وأردت أن أصل إليه من خلال هذه الكلمات، هو لفت انتباهك أخي إلى هذه المسألة المتعلقة بالإعلام ومؤثراته. ولذا فإني أطالبك بالاحتفاظ بهذه النقطة حتى نعود إليها بعد حين.
ولنقف الآن مع بطلنا الوهمي. أو بالأحرى مع هذا البطل الذي صنعته شاشات " هيوليود" السينمائية، وصورته لنا بصورة ذاك الجندي الأمريكي الذي لا يقهر، وأنه إذا ما غضب اعتصب بعصابة سوداء وزحف بمفرده على العدو ليدمر جيشا بأكمله. فهذه الصورة البطولية لهذا الجندي الوهمي، الذي صنعته السينما الأمريكية، أو لنقل الإعلام الأمريكي، هو في الحقيقة ترجمة إعلامية صادقة تعبر عن جملة من الأمراض النفسية التي يعاني منها المجتمع الأمريكي.
فهذا المجتمع يعاني من مرض الكبرياء والاستعلاء، ومصاب بجنون العظمة. غير أنه مني بالخيبة والفشل، وأحبطت مشاريعه الاستعمارية في أكثر من مناسبة. فجاء هذا الإنتاج الإعلامي الأكثر انتشارا في العالم، كمحاولة لجبر الكسور من ناحية، ولاستبقاء صورة هذه العظمة عالقة بالأذهان من الناحية الأخرى. أي ينجز بإعلامه الخيالي ما عجز عن إنجازه على أرض الحقيقة. ويعالج بإعلامه آثار الصعقات المؤلمة والركلات المخزية. فلا تنسوا إخوتي أن هذا الشعب مهووس بحب الهيمنة والاستعلاء على بقية الشعوب. ولا تنسوا كذلك مروره على أراضي الشوك، وحصاده لثمارها المرة. فهذا الشعب مَكْلومٌ ولازال كَلِمُهُ ينزف. فعنجهيته وغطرسته خلفت له أخاديد في ذاكرته لم تردم بعد. كمخلفات حربه لفيتنام، التي خرج منها مَذْؤُوماً مَّدْحُوراً، ومخلفات فاجعة لبنان التي وَلَّى مُدْبِراً منها وَلَمْ يُعَقِّب، ومخلفات الصومال التي غادرها وهو يجر ذيول الخيبة. وهاهو اليوم بين أيدي المجاهدين الأبطال في العراق وأفغانستان، يتقلب على الجمر ويتطاير مع شظايا الألغام.
فأمريكا التي تتخيل نفسها سيدة الدنيا وزعيمة الأمم. ها نحن نراها على أرض الواقع على خلاف ذلك. وجنودها على عكس ما يصوره لنا إعلامها الهوليودي. إذ الجندي الأمريكي، كما تصوره الحقيقة وليس الخيال، إذا كان يحلق في السماء أعانته آلاته الحربية على حرق الأخضر واليابس. ولكنه إذا ما نزل على سطح الأرض، ودخل ساحة المعركة، فإنه لا يقوى على الصمود في وجه الأشاوس. بل لا تفيده أسلحته المتطورة وتكنولوجياته المتقدمة في تحقيق الغلبة المطلقة على هذه الشعوب المستضعفة. لأن السلاح مهما كان، متطورا أو كلاسيكيا، فإنه لا يقاتل بنفسه، ولا يحمي من يختبئ وراءه، وإنما يحتاج إلى الرجال الأفذاذ الذين يحسنون استعماله. ولكن من أين لأمريكا بمثل هؤلاء الأبطال الأشاوس، حتى تأتي بهم إلى ساحات القتال. اللهم إلا على شاشات التلفزيون والسينما.
فشخصية الجندي الأمريكي شخصية خربة. قد نخرتها حضارتهم المنحلة، بما فيها من الشهوات والملذات والتسيب والتفسخ الخلقي. وقد كشفوا لنا بأنفسهم عن هذه الحقيقة. ولكم أن تعودوا إلى تحقيقاتهم وإحصائياتهم واستطلاعاتهم، لتنظروا ما يقولون عن النسب المرتفعة في جيوشهم من المخنثين واللواطيين والشاذين جنسيا، والمدمنين على المخدرات والكحول، ومجانين الموسيقى الصاخبة، وأصحاب الديانات والمذاهب الغريبة، وأتباع الجماعات والفرق السخيفة. فهل من الحنكة العسكرية أن يكون مثل هؤلاء الشواذ في الجيش المقاتل؟ وهل مثل هؤلاء يصلحون لحمل السلاح وخوض المعارك؟ بالقطع لا، غير أن أمريكا ليس لها أي خيار في ذلك. إذ لا تجد ساعة التعبئة والتجنيد في مجتمعها المنحل، إلا تلك الأصناف، فيتم جمعهم وضمهم إلى الجيش المقاتل.
وحتى الأيديولوجية التي تربت عليها الشعوب الرأسمالية، هي كذلك لها النصيب الأوفر في تخريب شخصية هذا الجندي، لأنها لا تحمل في جوفها أي قوة عقائدية روحية، حتى توفر له التربية الصحيحة، ليفهم بها جوهر ومعنى هذه الحياة. أو لتبعث فيه حب الآخرة والتعلق بما بعد الحياة. بل هذه الأيديولوجية الوضعية هي من صنع أيديهم، ولا تزيدهم إلا تشبثا وتعلقا بالحياة الدنيا وإخلادا إلى الأرض. لأنها تصور لهم الحياة بالصورة التي أرادوها هم. أي تصورها لهم تصويرا ماديا نفعيا. فصارت الدنيا في نظرهم هي قطب الحياة وهي المبتغى. ومن هنا كان من الطبيعي أن تكون الصورة الحاضرة في ذهن الجندي وهو يقاتل؛ هي صورة هذه الدنيا والبقاء فيها على قيد الحياة، وليس الموت في سبيل سعادة الآخرين. لأنه لا يطمع في شيء من الآخرة ولما بعد الحياة. بل كل همه وهو يحارب، أن يعود إلى وطنه وأهله سالما لينغمس من جديد في ملذات الدنيا التي حرم منها في أشهر القتال التعيسة. فكيف إذا لهذا الجندي الذي تربى على هذه الأيديولوجية، ودُفِعَ إلى القتال دفعا، أن يصبر ويستميت عليه وعقليته لا تفهم معاني الصبر. وكيف له أن يقوى على الصمود أمام خصمه ونفسيته خاوية من الحوافز التي تُفعّل فيه هذه الطاقة القتالية والاستماتة على القتال. وكيف له أن لا يجثو على ركبتيه مهزوما مدحورا وهو يحمل في أحشائه ما يكفي لتدميره. وهذا لعمري خلاف ما عليه المجاهد المسلم.
فالمجاهد المسلم يندفع بنفسه إلى مقاتلة العدو. وحتى وإن خذلته الأنظمة العميلة، وحرمته من الأسلحة، وسدت عليه المنافذ، فهو يلتحق بميدان القتال، ويدخل المعركة، وعقليته خصبة بمفاهيم الجهاد. ويقاتل عدوه ونفسيته مشبعة بمعاني الشهادة في سبيل الله. وذلك بفضل العقيدة الإسلامية التي تُفعّل فيه هذه المفاهيم وهذه المعاني. فلا تجد في ذهنه ساعة القتال إلا تصورا واحدا ليس غير، إما النصر وإما الشهادة. وهذه العقلية والنفسية التي تربى عليها المجاهد المسلم عجزت الدراسات والتحليلات النفسية عن فهم أسرارها. أو لنقل تحاول أن تتجاهلها، وتلغيها من حساباتها، وتعتم عليها وتشوهها، حتى لا يتفطن الناس إلى مفعولها وأثرها على المجاهدين المسلمين. ولذلك تأبى أمريكا أن تسمي الجهاد بالجهاد وترضى بتسميته بالمقاومة. وتأبى أن تسمي المجاهدين بالمجاهدين وتسميهم بالإرهابيين. ولكن هل يفيدها هذا المكر وهذا التزوير وهذا الخداع في شيء، وهل يخفف عنها هذا التوصيف الخبيث الحِمْل الذي أرهق عاتقها. أوَ لا ترون أنه بعد تورطها في الحرب مع المجاهدين الأبطال؛ وما لاقت على أيديهم، سواء في العراق أو أفغانستان، قد دفع بها إلى التراجع عن فكرة توسيع رقعة الحرب والزحف على البلاد الإسلامية الأخرى. أوَ لا ترون أنها صارت تستنجد بمن أعرضت عنهم بالأمس وتناشدهم الوقوف إلى جنبها وانتشالها من المستنقع الذي تتخبط فيه، ليحفظوا لها ما تبقى من ماء الوجه.
فالعالم اليوم يرى رأي العين أن " رامبو" أمريكا لا أثر له على أرض المعارك. وأن حقيقة الجندي الأمريكي ليس كما تصوره لنا عدسات هوليود. والأعجب من ذلك ما يشيعه حكام البلاد العربية عن ذاك الجندي الإسرائيلي، الأقل شأنا وأكثر وهْنًا من الجندي الهوليودي. فدولنا العميلة تصور لنا الجندي الإسرائيلي على أنه "رامبو" الشرق، وأنه جندي لا يقهر، وجيش لا يهزم. إلا أن فضيحته الأخيرة في معركته مع حزب الله، كشفت للأمة عن حقيقة هذا الجيش الجبان.
فها إنكم يا أبناء خير أمة أخرجت للناس ترون على أرض الواقع وليس على شاشات الإعلام السينمائي والتلفزي، كيف أن هذه الأمة ولادة للأبطال، وأن قدرتها على القتال أذهلت الأعداء. وها هي فئة قليلة هنا وهناك ليس معها من العتاد والأسلحة إلا ما يشبه الأسلحة البيضاء، قد استطاعت دحر العدو. وأعادت إلى هذه الأمة كرامتها وثقتها بنفسها. وبعثت فيها الحياة من جديد بعدما قاربت على الهلاك. ولولا خيانة الخائنين، وعمالة الحكام المأجورين، واستنكاف المستنكفين، لعادت هذه الأمة إلى مكانها الطبيعي، ولتربعت ثانية على رؤوس الأمم، لتحميهم من ظلم أنفسهم واستكبار بعضهم على بعض.
فنحن يا مسلمون لسنا أحفاد قوم موسى عليه السلام الذين قالوا له ( يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ ) وقالوا له ( يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ) ولسنا كذلك من أحفاد جند طالوت الذين قالوا له ( لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ ). وإنما نحن أحفاد خالد بن الوليد والقعقاع والمثنى وصلاح الدين الأيوبي وقطز وبيبرس ومحمد الفاتح والكثير من أمثالهم. نحن أحفاد الأبطال المغاوير، وعقيدتنا هي عقيدتهم، ونظرتنا للحياة ولما بعدها هي نظرتهم، وأملنا وتوكلنا على الله في تحصيل النصر والتمكين في الأرض هو نفس أملهم وتوكلهم عليه سبحانه وتعالى. فنحن يا أبناء الإسلام أحفاد أبي " دجانة " صاحب العصابة الحمراء، ولسنا أحفاد " رامبو" الخيالي، صاحب العصابة السوداء.
لا يمكن لأحد أن ينكر ما تتركه الكلمة أو الصورة من أثر في النفس والشعور. بغض النظر عن نوعية هذا الأثر، وعن تعامل العقل معه سلبا أو إيجابا. لا يهمنا ذلك الآن. المهم هو ما تلتقطه حاستا السمع والبصر، أي هاتان الحاستان التي تكلم عنهما الله سبحانه وتعالى في أكثر من آية في كتابه العزيز فقال " أَفَلَا تَسْمَعُونَ"، "أَفَلَا تُبْصِرُونَ ". ولهذا وددت أن أبدأ هذا الموضوع باختبار بسيط نجريه على أنفسنا لنرى عمليا كيف أن الكلمة أو الصورة تترك لمستها وبصمتها فينا. ولإجراء هذا الاختبار أخي السامع أو القارئ اخترت لك هذا العنوان المميز لتنظر فيه بنفسك إن كان ملفتا لانتباهك أو مسترعيا لاهتمامك. وبالطبع لا أسألك هنا عن رأيك فيه أو عن انطباعك نحوه، وإنما عن شعورك الأول لحظة سماعك أو قرأتك له قبل غوصك في الموضوع. فإن كنت قد وجدت في نفسك شيئا ما نحوه وبقيت تنظر فيه، فسؤالي إليك : ماذا فيه ليلفت انتباهك. وأي شيء يحويه حتى يثير فيك، إما التساؤل أو الاستفهام أو الاستغراب أو التعجب، حسب ما دار في بالك عنه؟. ألأنه اشتمل على هذين الاسمين الأجنبيين عن بعضهما، أم هو الاستفسار عن القدوة وعلاقتها بـ" رامبو"، أم ماذا؟ على كل، مهما كان تساؤلك أخي؛ فإنني شبه متأكد أن الذي شد انتباهك، أو أثار تساؤلك أو استغرابك، هو حضور اسم " رامبو " فيه وليس " أبو دجانة ". فإن صدق حدسي وكان هذا صحيحا، وخالجك هذا الشعور، وسكنك هذا التساؤل، وقلت في نفسك ماذا يعني هذا العنوان، وإلى ماذا يرمي، وما المراد به، وما المناسبة التي جمعت بين هذين الاسمين، وما علاقة " رامبو" بموضوع القدوة، وما المقصود من ربط الحقيقة بالخيال؟. فتأكد أخي أن ما قلناه سابقا عن مخلفات وأثر الكلمة والصورة هي حقيقة حسية وليست مسألة افتراضية. ولك أن تدرك هنا أن الإعلام الذي يستعمل الكلمة والصورة له القدرة على اختراقك واختراقي واختراق باقي الأمة. لأن هذا الإعلام له حجم وثقل وتأثير كبير على الناس، لا يمكن أن تستهين به أو تتجاهله. سواء أكنت تبالي بهذا الأمر أم لا. وسواء أكنت مكترثا به أم لا. فإن هذا الإعلام المؤثر موجود وحاضر معنا. فهو داخل غرف نومنا، وفي محلاتنا وأسواقنا، وفي مواطن عيشنا. وهو يصاحبنا حيث ما كنا، راجلين أم راكبين، ماشين أم جالسين. فهو يعمل فينا بمؤثراته صباحا ومساء، ويخرب عقولنا ويفسد أذواقنا، ويملأنا بالأكاذيب والأوهام، ويخفي عنا الحقائق، ويزيف لنا الأباطيل في كل لحظة. والدليل على ذلك ما حصل لك مع هذا العنوان؛ فإن كان فعلا قد استوقفك لبعض الثواني كما كنت أتوقع، وبقيت تحوم حوله وتتجول بفكرك فيه، وتغوص في أعماقه بحثا عن مغزى له، أو عن الرسالة التي أريد توجيهها إليك عبر هذه الوسيلة الإعلامية الجادة. فيمكنني هنا أن أقول، إن محاولتي معك في هذا الاختبار قد نجحت، وأني وصلت بك إلى المقصود، ومسكت بالخيط الذي سأسحبك به وبلطف نحو ما أريد. لأنك أخي السامع أو القارئ، من حيث كنت تشعر أم لا، فإنك بمجرد التقاطك لاسم " رامبو" قد استحضرت في ذهنك صورة ذاك الجندي الأمريكي الخيالي. وهذا يحدث معك عفويا بالرغم عنك، حتى وإن كنت تقر بسخافة هذه الأمور، ولا تهتم بها وتترفع عنها. إلا أن السؤال هنا: من الذي طبع في أذهاننا صورة هذا البطل الوهمي حتى نستحضره بمجرد سماعنا لاسمه. وما الذي دفعنا إلى الحديث عنه مع أنه ضرب من ضروب الخيال الإعلامي. ومن هو هذا " رامبو" حتى نذكره في مثل هذا المقام؟. على كل لا أريد وضع المزيد من نقاط الاستفهام. ولا أريد الآن فتح ملف الإعلام والتوسع فيه، وإن كان له علاقة مباشرة بموضوعنا، وإنما الذي قصدته وأردت أن أصل إليه من خلال هذه الكلمات، هو لفت انتباهك أخي إلى هذه المسألة المتعلقة بالإعلام ومؤثراته. ولذا فإني أطالبك بالاحتفاظ بهذه النقطة حتى نعود إليها بعد حين.
ولنقف الآن مع بطلنا الوهمي. أو بالأحرى مع هذا البطل الذي صنعته شاشات " هيوليود" السينمائية، وصورته لنا بصورة ذاك الجندي الأمريكي الذي لا يقهر، وأنه إذا ما غضب اعتصب بعصابة سوداء وزحف بمفرده على العدو ليدمر جيشا بأكمله. فهذه الصورة البطولية لهذا الجندي الوهمي، الذي صنعته السينما الأمريكية، أو لنقل الإعلام الأمريكي، هو في الحقيقة ترجمة إعلامية صادقة تعبر عن جملة من الأمراض النفسية التي يعاني منها المجتمع الأمريكي.
فهذا المجتمع يعاني من مرض الكبرياء والاستعلاء، ومصاب بجنون العظمة. غير أنه مني بالخيبة والفشل، وأحبطت مشاريعه الاستعمارية في أكثر من مناسبة. فجاء هذا الإنتاج الإعلامي الأكثر انتشارا في العالم، كمحاولة لجبر الكسور من ناحية، ولاستبقاء صورة هذه العظمة عالقة بالأذهان من الناحية الأخرى. أي ينجز بإعلامه الخيالي ما عجز عن إنجازه على أرض الحقيقة. ويعالج بإعلامه آثار الصعقات المؤلمة والركلات المخزية. فلا تنسوا إخوتي أن هذا الشعب مهووس بحب الهيمنة والاستعلاء على بقية الشعوب. ولا تنسوا كذلك مروره على أراضي الشوك، وحصاده لثمارها المرة. فهذا الشعب مَكْلومٌ ولازال كَلِمُهُ ينزف. فعنجهيته وغطرسته خلفت له أخاديد في ذاكرته لم تردم بعد. كمخلفات حربه لفيتنام، التي خرج منها مَذْؤُوماً مَّدْحُوراً، ومخلفات فاجعة لبنان التي وَلَّى مُدْبِراً منها وَلَمْ يُعَقِّب، ومخلفات الصومال التي غادرها وهو يجر ذيول الخيبة. وهاهو اليوم بين أيدي المجاهدين الأبطال في العراق وأفغانستان، يتقلب على الجمر ويتطاير مع شظايا الألغام.
فأمريكا التي تتخيل نفسها سيدة الدنيا وزعيمة الأمم. ها نحن نراها على أرض الواقع على خلاف ذلك. وجنودها على عكس ما يصوره لنا إعلامها الهوليودي. إذ الجندي الأمريكي، كما تصوره الحقيقة وليس الخيال، إذا كان يحلق في السماء أعانته آلاته الحربية على حرق الأخضر واليابس. ولكنه إذا ما نزل على سطح الأرض، ودخل ساحة المعركة، فإنه لا يقوى على الصمود في وجه الأشاوس. بل لا تفيده أسلحته المتطورة وتكنولوجياته المتقدمة في تحقيق الغلبة المطلقة على هذه الشعوب المستضعفة. لأن السلاح مهما كان، متطورا أو كلاسيكيا، فإنه لا يقاتل بنفسه، ولا يحمي من يختبئ وراءه، وإنما يحتاج إلى الرجال الأفذاذ الذين يحسنون استعماله. ولكن من أين لأمريكا بمثل هؤلاء الأبطال الأشاوس، حتى تأتي بهم إلى ساحات القتال. اللهم إلا على شاشات التلفزيون والسينما.
فشخصية الجندي الأمريكي شخصية خربة. قد نخرتها حضارتهم المنحلة، بما فيها من الشهوات والملذات والتسيب والتفسخ الخلقي. وقد كشفوا لنا بأنفسهم عن هذه الحقيقة. ولكم أن تعودوا إلى تحقيقاتهم وإحصائياتهم واستطلاعاتهم، لتنظروا ما يقولون عن النسب المرتفعة في جيوشهم من المخنثين واللواطيين والشاذين جنسيا، والمدمنين على المخدرات والكحول، ومجانين الموسيقى الصاخبة، وأصحاب الديانات والمذاهب الغريبة، وأتباع الجماعات والفرق السخيفة. فهل من الحنكة العسكرية أن يكون مثل هؤلاء الشواذ في الجيش المقاتل؟ وهل مثل هؤلاء يصلحون لحمل السلاح وخوض المعارك؟ بالقطع لا، غير أن أمريكا ليس لها أي خيار في ذلك. إذ لا تجد ساعة التعبئة والتجنيد في مجتمعها المنحل، إلا تلك الأصناف، فيتم جمعهم وضمهم إلى الجيش المقاتل.
وحتى الأيديولوجية التي تربت عليها الشعوب الرأسمالية، هي كذلك لها النصيب الأوفر في تخريب شخصية هذا الجندي، لأنها لا تحمل في جوفها أي قوة عقائدية روحية، حتى توفر له التربية الصحيحة، ليفهم بها جوهر ومعنى هذه الحياة. أو لتبعث فيه حب الآخرة والتعلق بما بعد الحياة. بل هذه الأيديولوجية الوضعية هي من صنع أيديهم، ولا تزيدهم إلا تشبثا وتعلقا بالحياة الدنيا وإخلادا إلى الأرض. لأنها تصور لهم الحياة بالصورة التي أرادوها هم. أي تصورها لهم تصويرا ماديا نفعيا. فصارت الدنيا في نظرهم هي قطب الحياة وهي المبتغى. ومن هنا كان من الطبيعي أن تكون الصورة الحاضرة في ذهن الجندي وهو يقاتل؛ هي صورة هذه الدنيا والبقاء فيها على قيد الحياة، وليس الموت في سبيل سعادة الآخرين. لأنه لا يطمع في شيء من الآخرة ولما بعد الحياة. بل كل همه وهو يحارب، أن يعود إلى وطنه وأهله سالما لينغمس من جديد في ملذات الدنيا التي حرم منها في أشهر القتال التعيسة. فكيف إذا لهذا الجندي الذي تربى على هذه الأيديولوجية، ودُفِعَ إلى القتال دفعا، أن يصبر ويستميت عليه وعقليته لا تفهم معاني الصبر. وكيف له أن يقوى على الصمود أمام خصمه ونفسيته خاوية من الحوافز التي تُفعّل فيه هذه الطاقة القتالية والاستماتة على القتال. وكيف له أن لا يجثو على ركبتيه مهزوما مدحورا وهو يحمل في أحشائه ما يكفي لتدميره. وهذا لعمري خلاف ما عليه المجاهد المسلم.
فالمجاهد المسلم يندفع بنفسه إلى مقاتلة العدو. وحتى وإن خذلته الأنظمة العميلة، وحرمته من الأسلحة، وسدت عليه المنافذ، فهو يلتحق بميدان القتال، ويدخل المعركة، وعقليته خصبة بمفاهيم الجهاد. ويقاتل عدوه ونفسيته مشبعة بمعاني الشهادة في سبيل الله. وذلك بفضل العقيدة الإسلامية التي تُفعّل فيه هذه المفاهيم وهذه المعاني. فلا تجد في ذهنه ساعة القتال إلا تصورا واحدا ليس غير، إما النصر وإما الشهادة. وهذه العقلية والنفسية التي تربى عليها المجاهد المسلم عجزت الدراسات والتحليلات النفسية عن فهم أسرارها. أو لنقل تحاول أن تتجاهلها، وتلغيها من حساباتها، وتعتم عليها وتشوهها، حتى لا يتفطن الناس إلى مفعولها وأثرها على المجاهدين المسلمين. ولذلك تأبى أمريكا أن تسمي الجهاد بالجهاد وترضى بتسميته بالمقاومة. وتأبى أن تسمي المجاهدين بالمجاهدين وتسميهم بالإرهابيين. ولكن هل يفيدها هذا المكر وهذا التزوير وهذا الخداع في شيء، وهل يخفف عنها هذا التوصيف الخبيث الحِمْل الذي أرهق عاتقها. أوَ لا ترون أنه بعد تورطها في الحرب مع المجاهدين الأبطال؛ وما لاقت على أيديهم، سواء في العراق أو أفغانستان، قد دفع بها إلى التراجع عن فكرة توسيع رقعة الحرب والزحف على البلاد الإسلامية الأخرى. أوَ لا ترون أنها صارت تستنجد بمن أعرضت عنهم بالأمس وتناشدهم الوقوف إلى جنبها وانتشالها من المستنقع الذي تتخبط فيه، ليحفظوا لها ما تبقى من ماء الوجه.
فالعالم اليوم يرى رأي العين أن " رامبو" أمريكا لا أثر له على أرض المعارك. وأن حقيقة الجندي الأمريكي ليس كما تصوره لنا عدسات هوليود. والأعجب من ذلك ما يشيعه حكام البلاد العربية عن ذاك الجندي الإسرائيلي، الأقل شأنا وأكثر وهْنًا من الجندي الهوليودي. فدولنا العميلة تصور لنا الجندي الإسرائيلي على أنه "رامبو" الشرق، وأنه جندي لا يقهر، وجيش لا يهزم. إلا أن فضيحته الأخيرة في معركته مع حزب الله، كشفت للأمة عن حقيقة هذا الجيش الجبان.
فها إنكم يا أبناء خير أمة أخرجت للناس ترون على أرض الواقع وليس على شاشات الإعلام السينمائي والتلفزي، كيف أن هذه الأمة ولادة للأبطال، وأن قدرتها على القتال أذهلت الأعداء. وها هي فئة قليلة هنا وهناك ليس معها من العتاد والأسلحة إلا ما يشبه الأسلحة البيضاء، قد استطاعت دحر العدو. وأعادت إلى هذه الأمة كرامتها وثقتها بنفسها. وبعثت فيها الحياة من جديد بعدما قاربت على الهلاك. ولولا خيانة الخائنين، وعمالة الحكام المأجورين، واستنكاف المستنكفين، لعادت هذه الأمة إلى مكانها الطبيعي، ولتربعت ثانية على رؤوس الأمم، لتحميهم من ظلم أنفسهم واستكبار بعضهم على بعض.
فنحن يا مسلمون لسنا أحفاد قوم موسى عليه السلام الذين قالوا له ( يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ ) وقالوا له ( يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ) ولسنا كذلك من أحفاد جند طالوت الذين قالوا له ( لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ ). وإنما نحن أحفاد خالد بن الوليد والقعقاع والمثنى وصلاح الدين الأيوبي وقطز وبيبرس ومحمد الفاتح والكثير من أمثالهم. نحن أحفاد الأبطال المغاوير، وعقيدتنا هي عقيدتهم، ونظرتنا للحياة ولما بعدها هي نظرتهم، وأملنا وتوكلنا على الله في تحصيل النصر والتمكين في الأرض هو نفس أملهم وتوكلهم عليه سبحانه وتعالى. فنحن يا أبناء الإسلام أحفاد أبي " دجانة " صاحب العصابة الحمراء، ولسنا أحفاد " رامبو" الخيالي، صاحب العصابة السوداء.