March14
06-17-2007, 09:48 AM
دخلت المحكمة الدولية حيز التنفيذ، فكان الردّ بليغاً في الفعل وفي المعنى: تفجير إرهابي في قلب العاصمة، عند الواجهة البحرية يودي بحياة قاض لبناني. هذا، على الأقل، حرص متفان من قبل القتلة على ايصال رسالة شديدة الوضوح الى اللبنانيين، رسالة عقابية قاسية بسبب مطالبتهم بالعدالة. وللمزيد من "التوضيح" انتقى القتلة قاضياً هو في الوقت نفسه من أصدقاء الرئيس الشهيد رفيق الحريري. ثم انهم، ومنعاً للالتباس ومنعاً للانحراف في التأويلات والتحليلات، انتقوا نائباً في البرلمان اللبناني، الملعون بأكثريته، واختاروا أحد وجوه قوى 14 آذار.
اغتالوا وليد عيدو ونجله ومرافقيه ومعهم عدد من المدنيين ولاعبي كرة القدم، في تفجير هو ايضاً في المكان وفي الهدف وفي الأسلوب، محاولة ناجحة من القتلة للتوضيح: تذكروا كيف قتلنا الرئيس رفيق الحريري.
ثمة تجنب لأي غموض سياسي حول الغاية من القتل: نحن الذين قتلنا رفيق الحريري وباسل فليحان وسمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني وبيار الجميل، والمهدَدون بالمحكمة، لم نرتدع ولن نحيد عن سياستنا و"استراتيجيتنا".
بهذا المعنى، لم تصح توقعات الناس بأن قيام المحكمة الدولية سيردع تماماً القتلة، بل صحت توقعات قوى التحالف الحزب اللهي ـ السوري، المعترضة على قيام المحكمة. فقيامها بحسبهم سيجلب على لبنان وعلى المطالبين بها الويلات وعظائم الأمور. كذلك تحققت تنبؤات النظام السوري من أن إقرار المحكمة في مجلس الأمن الدولي سيسبب الكوارث والفوضى.
سوريا وحزب الله (ومن معه) يقولون للمطالبين بالمحكمة الدولية وللذين سيعملون معها: اتعظوا. ونحبذ القول، على سبيل التمييز: بالطبع، لا تؤيد مبدئياً قوى "الانقلاب" على الدولة عمليات الاغتيال التي يتعرض لها قادة 14 آذار، إلا انها (وهذا لبّ معارضتها للحكومة) تنتهج سياسة مفادها يجب عدم إغضاب القتلة. واذا أمكن مصالحتهم ومُداراتهم والوصول معهم إلى تفاهم "استراتيجي". فمناوءة النظام السوري ليست من مصلحة لبنان حتى لو عمد هذا النظام في تعامله مع اللبنانيين إلى استخدام كل الوسائل الارهابية وأغلظ اساليب القتل.
قوى "الانقلاب" هذه (بغض النظر عن النوايا) مؤمنة بأنه، من أجل مصلحة لبنان، لا يجوز حتى اعلان الاتهام ولا الشكوى من النظام السوري.
يجب التعامل معه بالحسنى وبوصفه سلطاناً جائراً لكن بصبر وطاعة وخنوع (وبقبلات على يديه). فمسايرته والخضوع لمشيئته وحدهما يجنبنا العقاب وعدم الاستقرار والموت.
قوى "الاعتراض" هذه لديها وجهة نظر سياسية تقول إن العيش مع طغيان الشقيق أفضل من العيش مع عدالة العالم. وتذهب في سياستها إلى حد التمرد على الدولة والقانون والنظام من أجل إطاحة استقلال تم بغير رضى النظام السوري، اذ بحسبها فلتجر التضحية بالاستقلال وبالسيادة وليعد جهاز الاستخبارات السوري لـ "يمسك بالأمن" اللبناني وساعتها لن يكون لدينا إرهاب، ولا بأس بعودة نظام النهب والقمع والخوف. ولا بأس من عودة الجنوب ساحة قتال وصندوق بريد حربي، ولا بأس بإذلال اللبنانيين وضياع حرياتهم، فهذا بحسبهم "قدر وقضاء" لا ينبغي الوقوف بوجههما.
ما يحفّز القوى الانقلابية، ليس فقط ضيقها من أصول النظام الديموقراطي وازدرائها لإرادة أكثرية اللبنانيين، وليس فقط حنينها للسلطة وللعهد السابق... بل أيضاً وجهة نظر تقول "اعفوا عن القتلة" كي نرتاح. بالتأكيد هذا ليس مستلاً لا من ثقافة "المقاومة" ولا من عقليتها، بل هو مأخوذ من تراث آخر، هو عينه التراث المظلم السابق حتى على الديكتاتورية، اي زمن السيّاف. وزمن قتل "أهل البيت" الخ.
يأسف زملاء الشهيد وليد عيدو من نواب المعارضة لمقتله وينددون بالإرهاب. هذا موقف اخلاقي يترجمونه سياسياً كالتالي: نحن لا نتهم غير سوريا بهذا العمل، لكننا لن نتهم سوريا ابداً. بل ان "الزميل.. وليد عيدو كان بامكانه ان يتجنب موته لو أصغى الينا وقبل بنظريتنا. لبنان يحكم من دمشق أولاً، ثم انه عليه ان يغض النظر هو وأصحابه عن 30 سنة من الإرهاب الذي مارسته المخابرات السورية وسياساتها".
وهم يقولون ضمناً: لقد دفع جزاء إزعاج الأخ الأكبر، الذي لا يجوز إزعاجه. لقد دفع ثمن عدم السكوت عن مسلسل الاجرام. ودفع ثمن انحيازه الى مطالبة اللبنانيين بالحرية والعدالة.
كان عليه أن يقتدي بزملائه من المعارضة: مهادنة القاتل ومراضاته بل والتحالف معه إذا أمكن.
تقوم سياسة حزب الله وحلفائه في التعامل مع الإرهاب الآتي من دمشق، وفق النظرية نفسها التي اعلنتها احدى الصحف السورية غداة اغتيال النائب وليد عيدو: "لقد ضحت به قوى 14 آذار للاستمرار في نهجها التدميري للبنان".
تماماً كالنظرية التي تقول إن الرئيس رفيق الحريري قتل نفسه لإحراج سوريا والتآمر عليها.
لست خبيراً أمنياً، ولا محققاً جنائياً ولكنْ لدي أسئلة وظنون: ان مراقبة 68 نائباً من الأكثرية و17 وزيراً وعشرات الشخصيات القيادية والإعلامية والثقافية... بغية الانتقاء منهم للاغتيال، او للتنصت عليهم او لمتابعة ما يفعلونه، والعثور على ثغرة أمنية ونقاط ضعف في احتياطات سلامتهم الشخصية... ثم التحضير والتنفيذ على أفضل وجه وبدقة وضمان نجاح العملية والهروب...
كل هذا يستلزم، حسب معرفتي المتواضعة، مئات الأشخاص القادرين على التنقل بحرية والعارفين بجغرافيا المدن والشوارع والمدربين على المطاردة السرية والمراقبة، والخبراء في المتفجرات والذين باستطاعتهم اختراق التدابير الأمنية، بل والاختلاط بالسكان دون إثارة الشبهات... كل هذا لا يمكن أن يتم من دون وجود جهاز يستوطن لبنان، هو بضخامة مؤسسة أمنية كاملة، تستطيع التغلب على كل الأجهزة الأمنية اللبنانية مجتمعة.
الأسوأ من ذلك أن الارهاب يجد مناصرين له بين اللبنانيين، فالمذيعة سوسن درويش، التي كاد صبرها ينفد لبقاء وليد عيدو على قيد الحياة مدة أطول مما تمنت، والتي تنتظر قتل الوزير أحمد فتفت على أحر من الجمر، هي ابنة بيئة وزعت الحلوى لحظة اغتيال جبران تويني واطلقت المفرقعات لحظة قتل الوزير بيار الجميل، بيئة سياسية تنتهز لحظة اغتيال وليد عيدو لتقول: حان الوقت لتستسلموا لنا، ونحن إذاك سنجلب لكم الأمان من دمشق. فهم يسوّقون نظرية مؤداها: لو كان هناك "حكومة وفاق وطني" لما قتل النائب وليد عيدو ولما حصلت كل هذه التفجيرات الليلية. هكذا هم يودون التناسي ان اغتيالات وتفجيرات حصلت أثناء وجود حكومة وفاق وطني حاصلة على ثقة مجلس النواب بأغلبية قياسية وتاريخية. يتناسون انه في عز مشاركتهم بالحكومة تم قتل زميل لهم في مجلس الوزراء وزميل لهم في الندوة البرلمانية.
بمعنى آخر، تستنكر المعارضة (بألفاظ أدبية) عمليات الاغتيال، لكنها لا تتحفظ ولا تبتعد عن هدف القتلة: اسقاط حركة 14 آذار مهما كان ثمن وبأي وسيلة ممكنة.
بعد هذا، هل يمكن القول ان للنظام السوري "أدوات" محلية في لبنان، من دون أن نخجل أو نرتبك؟ هل يمكن القول إن حزب الله وحلفاءه لا يجد، لا في ما حصل يوم 14 شباط 2005 ولا في ما حدث طوال أكثر من سنتين من اغتيالات وتفجيرات، سبباً كافياً حتى للزعل او للعتب من حليفه السوري؟ نعرف أن التعزية بالراحل الشهيد وليد عيدو صادقة، لكن يجوز لنا القول بـ "لاأخلاقية سياسية" تشوب خطاب هؤلاء المعزين.
اغتالوا وليد عيدو ونجله ومرافقيه ومعهم عدد من المدنيين ولاعبي كرة القدم، في تفجير هو ايضاً في المكان وفي الهدف وفي الأسلوب، محاولة ناجحة من القتلة للتوضيح: تذكروا كيف قتلنا الرئيس رفيق الحريري.
ثمة تجنب لأي غموض سياسي حول الغاية من القتل: نحن الذين قتلنا رفيق الحريري وباسل فليحان وسمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني وبيار الجميل، والمهدَدون بالمحكمة، لم نرتدع ولن نحيد عن سياستنا و"استراتيجيتنا".
بهذا المعنى، لم تصح توقعات الناس بأن قيام المحكمة الدولية سيردع تماماً القتلة، بل صحت توقعات قوى التحالف الحزب اللهي ـ السوري، المعترضة على قيام المحكمة. فقيامها بحسبهم سيجلب على لبنان وعلى المطالبين بها الويلات وعظائم الأمور. كذلك تحققت تنبؤات النظام السوري من أن إقرار المحكمة في مجلس الأمن الدولي سيسبب الكوارث والفوضى.
سوريا وحزب الله (ومن معه) يقولون للمطالبين بالمحكمة الدولية وللذين سيعملون معها: اتعظوا. ونحبذ القول، على سبيل التمييز: بالطبع، لا تؤيد مبدئياً قوى "الانقلاب" على الدولة عمليات الاغتيال التي يتعرض لها قادة 14 آذار، إلا انها (وهذا لبّ معارضتها للحكومة) تنتهج سياسة مفادها يجب عدم إغضاب القتلة. واذا أمكن مصالحتهم ومُداراتهم والوصول معهم إلى تفاهم "استراتيجي". فمناوءة النظام السوري ليست من مصلحة لبنان حتى لو عمد هذا النظام في تعامله مع اللبنانيين إلى استخدام كل الوسائل الارهابية وأغلظ اساليب القتل.
قوى "الانقلاب" هذه (بغض النظر عن النوايا) مؤمنة بأنه، من أجل مصلحة لبنان، لا يجوز حتى اعلان الاتهام ولا الشكوى من النظام السوري.
يجب التعامل معه بالحسنى وبوصفه سلطاناً جائراً لكن بصبر وطاعة وخنوع (وبقبلات على يديه). فمسايرته والخضوع لمشيئته وحدهما يجنبنا العقاب وعدم الاستقرار والموت.
قوى "الاعتراض" هذه لديها وجهة نظر سياسية تقول إن العيش مع طغيان الشقيق أفضل من العيش مع عدالة العالم. وتذهب في سياستها إلى حد التمرد على الدولة والقانون والنظام من أجل إطاحة استقلال تم بغير رضى النظام السوري، اذ بحسبها فلتجر التضحية بالاستقلال وبالسيادة وليعد جهاز الاستخبارات السوري لـ "يمسك بالأمن" اللبناني وساعتها لن يكون لدينا إرهاب، ولا بأس بعودة نظام النهب والقمع والخوف. ولا بأس من عودة الجنوب ساحة قتال وصندوق بريد حربي، ولا بأس بإذلال اللبنانيين وضياع حرياتهم، فهذا بحسبهم "قدر وقضاء" لا ينبغي الوقوف بوجههما.
ما يحفّز القوى الانقلابية، ليس فقط ضيقها من أصول النظام الديموقراطي وازدرائها لإرادة أكثرية اللبنانيين، وليس فقط حنينها للسلطة وللعهد السابق... بل أيضاً وجهة نظر تقول "اعفوا عن القتلة" كي نرتاح. بالتأكيد هذا ليس مستلاً لا من ثقافة "المقاومة" ولا من عقليتها، بل هو مأخوذ من تراث آخر، هو عينه التراث المظلم السابق حتى على الديكتاتورية، اي زمن السيّاف. وزمن قتل "أهل البيت" الخ.
يأسف زملاء الشهيد وليد عيدو من نواب المعارضة لمقتله وينددون بالإرهاب. هذا موقف اخلاقي يترجمونه سياسياً كالتالي: نحن لا نتهم غير سوريا بهذا العمل، لكننا لن نتهم سوريا ابداً. بل ان "الزميل.. وليد عيدو كان بامكانه ان يتجنب موته لو أصغى الينا وقبل بنظريتنا. لبنان يحكم من دمشق أولاً، ثم انه عليه ان يغض النظر هو وأصحابه عن 30 سنة من الإرهاب الذي مارسته المخابرات السورية وسياساتها".
وهم يقولون ضمناً: لقد دفع جزاء إزعاج الأخ الأكبر، الذي لا يجوز إزعاجه. لقد دفع ثمن عدم السكوت عن مسلسل الاجرام. ودفع ثمن انحيازه الى مطالبة اللبنانيين بالحرية والعدالة.
كان عليه أن يقتدي بزملائه من المعارضة: مهادنة القاتل ومراضاته بل والتحالف معه إذا أمكن.
تقوم سياسة حزب الله وحلفائه في التعامل مع الإرهاب الآتي من دمشق، وفق النظرية نفسها التي اعلنتها احدى الصحف السورية غداة اغتيال النائب وليد عيدو: "لقد ضحت به قوى 14 آذار للاستمرار في نهجها التدميري للبنان".
تماماً كالنظرية التي تقول إن الرئيس رفيق الحريري قتل نفسه لإحراج سوريا والتآمر عليها.
لست خبيراً أمنياً، ولا محققاً جنائياً ولكنْ لدي أسئلة وظنون: ان مراقبة 68 نائباً من الأكثرية و17 وزيراً وعشرات الشخصيات القيادية والإعلامية والثقافية... بغية الانتقاء منهم للاغتيال، او للتنصت عليهم او لمتابعة ما يفعلونه، والعثور على ثغرة أمنية ونقاط ضعف في احتياطات سلامتهم الشخصية... ثم التحضير والتنفيذ على أفضل وجه وبدقة وضمان نجاح العملية والهروب...
كل هذا يستلزم، حسب معرفتي المتواضعة، مئات الأشخاص القادرين على التنقل بحرية والعارفين بجغرافيا المدن والشوارع والمدربين على المطاردة السرية والمراقبة، والخبراء في المتفجرات والذين باستطاعتهم اختراق التدابير الأمنية، بل والاختلاط بالسكان دون إثارة الشبهات... كل هذا لا يمكن أن يتم من دون وجود جهاز يستوطن لبنان، هو بضخامة مؤسسة أمنية كاملة، تستطيع التغلب على كل الأجهزة الأمنية اللبنانية مجتمعة.
الأسوأ من ذلك أن الارهاب يجد مناصرين له بين اللبنانيين، فالمذيعة سوسن درويش، التي كاد صبرها ينفد لبقاء وليد عيدو على قيد الحياة مدة أطول مما تمنت، والتي تنتظر قتل الوزير أحمد فتفت على أحر من الجمر، هي ابنة بيئة وزعت الحلوى لحظة اغتيال جبران تويني واطلقت المفرقعات لحظة قتل الوزير بيار الجميل، بيئة سياسية تنتهز لحظة اغتيال وليد عيدو لتقول: حان الوقت لتستسلموا لنا، ونحن إذاك سنجلب لكم الأمان من دمشق. فهم يسوّقون نظرية مؤداها: لو كان هناك "حكومة وفاق وطني" لما قتل النائب وليد عيدو ولما حصلت كل هذه التفجيرات الليلية. هكذا هم يودون التناسي ان اغتيالات وتفجيرات حصلت أثناء وجود حكومة وفاق وطني حاصلة على ثقة مجلس النواب بأغلبية قياسية وتاريخية. يتناسون انه في عز مشاركتهم بالحكومة تم قتل زميل لهم في مجلس الوزراء وزميل لهم في الندوة البرلمانية.
بمعنى آخر، تستنكر المعارضة (بألفاظ أدبية) عمليات الاغتيال، لكنها لا تتحفظ ولا تبتعد عن هدف القتلة: اسقاط حركة 14 آذار مهما كان ثمن وبأي وسيلة ممكنة.
بعد هذا، هل يمكن القول ان للنظام السوري "أدوات" محلية في لبنان، من دون أن نخجل أو نرتبك؟ هل يمكن القول إن حزب الله وحلفاءه لا يجد، لا في ما حصل يوم 14 شباط 2005 ولا في ما حدث طوال أكثر من سنتين من اغتيالات وتفجيرات، سبباً كافياً حتى للزعل او للعتب من حليفه السوري؟ نعرف أن التعزية بالراحل الشهيد وليد عيدو صادقة، لكن يجوز لنا القول بـ "لاأخلاقية سياسية" تشوب خطاب هؤلاء المعزين.