لبنان اولا
06-13-2007, 01:18 PM
الأسد يواجه القرار 1757 خوفاً من لجوء براميرتس إلى الـ1636
http://www.free-syria.com/images/articles/19379.jpg
تختلف رؤية الدول إلى الأسلوب الواجب اتباعه مع النظام السوري، ولكن يكاد قادة هذه الدول يتلاقون على توصيف واحد لسلوكية الرئيس السوري بشار الأسد. في اعتقاد هؤلاء أنّ "حاكم سوريا" قدّم كل الأدلة على أنه "أعجز" من الوفاء بأي وعد يقطعه.
في القراءة المتأنية للأمور، يظهر الأسد "كريماً" في استعداداته الإيجابية لدى استقباله أي مبعوث دولي أو لدى زيارته أي رئيس عربي، لكنّه ما أن تدق ساعة التنفيذ، حتى يتراجع كلياً عما وعد به.
تجربة الأسد مع القرارات الدولية
وهذه هي حال الأسد أيضاً مع شعبه. عندما صدر القرار 1559 الذي يطلب من النظام السوري إخراج جيشه من لبنان، أطلّ الأسد والناطقون بلسانه على السوريين واللبنانيين في آن، ليبلغوهم بأنّ هذا القرار "سخيف" وأن مصيره مشابه لكثير من القرارات الصادرة عن مجلس الأمن، لكن بعد فترة وجيزة أمر الأسد بسحب آخر جندي سوري من لبنان، ووقف على الملأ يتحدث مع العالم: "ها هي سوريا تُنفِّذ الجزء المطلوب منها في القرار 1559".
وعندما وضعت لجنة التحقيق الدولية في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري النظام السوري على قائمة الشبهات طالبة الاستماع إلى الأسد بصفة شاهد وكذلك استجواب عدد من المسؤولين السوريين ـ سياسيين وأمنيين ـ في ظروف "ملائمة"، قامت قيامة الأسد وقاد حملة شعواء ضد اللجنة ورئيسها آنذاك الألماني ديتليف ميليس. قال إنه يستحيل أن يستقبل هذه اللجنة حتى للتعارف وليس لأخذ إفادته. ابتسم منتصراً لأولئك "الأشاوس" في "اتحاد المحامين العرب" الذين صرخوا للمطلِّ عليهم من فوق أن الاستجابة لهذا المطلب "غير السيادي" بمثابة "خيانة". ودفع ببعض أدواته في لبنان ليطلّوا بشكل مبرمج على الشاشات المحلية والعربية ليؤكدوا أنّ أحداً عليه "ألا يحلم برؤية وفد من لجنة التحقيق بحضرة الرئيس القائد الدكتور بشار الأسد".
.. ولكن، بعيد صدور القرار 1636 تحت الفصل السابع، دخلت لجنة التحقيق الدولية الى "قصر المهاجرين" وخرج مسؤولون أمنيون ليتم التحقيق معهم خارج سوريا، وتباهى النظام بأنه "بات متعاوناً".
وحال الأسد وقيادته مع القرار 1757 الذي أنشأ المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، لن يكون بأي حال مختلفاً عن حاله مع القرارين 1559 و1636. كل الكلام السوري، سواء نطق به بشار الأسد أم فاروق الشرع أم وليد المعلم أم من يدور في فلكهم من عرب وحملة هويات لبنانية، لا قيمة له. هو مجرد لهو في الوقت الضائع و"خربشة" على هامش.. الأمان. ذلك أن كل ما يتم النطق به لا قيمة له، طالما أن عمل المحكمة لم يبدأ بعد، فهي في انتظار استكمال تشكيلها، وطالما أن التحقيق الدولي لم ينته بعد، فالقرار الاتهامي في طور الإعداد.
انتهاء زمن الصفقات
طبعاً من حق الأسد أن يحلم بتسوية دولية على جناح القبول بسلام الضعفاء مع الكيان الصهيوني، ومؤكداً أنه لن يسمح لشركائه المعنيين بالمحاكمة المقبلة أن يشعروا باستفرادهم، وربما من "واجبه" أن يرفع معنويات الأبرياء المحيطين به خوفاً من التخلي المبكر، إلا أنّ ذلك كله لا يغيّر شيئاً في واقع الحال.
هذه المعطيات ليست وليدة التمني بل هي خارجة من رحم الواقع الدقيق. قد تكون دول العالم راغبة بعقد صفقة مع النظام السوري على حساب دماء النخبة الاستقلالية التي سقطت في مسيرة تحرير لبنان من الوصاية ومعادلاتها، لكنها لم تعد قادرة على ذلك. منطق الصفقة انتهى، ليس مع تشكيل المحكمة تحت الفصل السابع بل بمجرد أن تمّ تثبيت منطق التحقيق الدولي بتعيين سيرج براميرتس، على إثر تنحي ديتليف ميليس عن "كرسي الرئاسة" ليتربّع على "عرش المراقبة".
قبل نحو خمسة أشهر، عاشت عشر دول كابوساً حقيقياً، لمجرد أنّ براميرتس نوّه في تقرير رفعه إلى مجلس الأمن بأنها لا تقدم للجنته التعاون المطلوب. هو لم يسمّها، ومع ذلك استشعرت بتداعيات فضيحة تنتظرها. كل المعلومات كانت تشير إلى أن هذه الدول ـ وبعضها أعضاء في مجلس الأمن ـ إنما تسعى، متحجّجة بسيادتها، إلى إخفاء معلومات عن التحقيق في سياق خدمة تُسديها إلى النظام السوري. الخوف من الفضيحة، وليس التعلّق بالعدالة، كان الدافع لتتراجع الدول العشر المعنية عن موقفها وتُقدّم لبراميرتس الأجوبة والمستندات التي طالب بها. يومها بالذات، ثبُت أنّ منطق الصفقة قد تمّ دفنه في مأتم لم يحضره أحد سوى سيرج براميرتس. لأول مرة تبدو الديموقراطيات أعجز من أن تلعب تحت الطاولة مع "ديكتاتورية" ناشطة. الصفقة مع ليبيا انتهت بمحاكمة "جزئية" بعد قبولها بتحمل مسؤولية كاملة عن جرائم كانت الأحدث بينها تعود إلى الثمانينات، وليس كما هي عليه الحال مع النظام السوري الذي يبدو مسؤولاً عن جرائم إرهابية ارتكبت بعد نحو أربع سنوات، على ذاك الحادي عشر من أيلول 2001.
الأسد و"تراجيديا" منطق المسؤولية
إذاً انتهى منطق الصفقة لمصلحة منطق المسؤولية. هذا ما يمكن أن يُقرأ من المسار الدولي في التعاطي مع جريمة اغتيال الرئيس الحريري منذ دوّى الانفجار بموكبه في الأولى إلا خمس دقائق من بعد ظهر ذاك الرابع عشر من شباط 2005. كان مطلوباً من أحمد أبو عدس أن يطوي صفحة الاهتمام الدولي، فجاءت لجنة تقصي الحقائق برئاسة بتر فيتزجيرالد. كان مطلوباً من مسلسل التفجيرات الذي بدأ في نيو جديدة في السابع عشر من شباط 2005 وانفتح على اغتيال الصحافي الشهيد سمير قصير في الثاني من حزيران 2005، أن يطوي "مخاطر" تقرير المفوّض الايرلندي، فوصل إلى لبنان ديتليف ميليس. كان مطلوباً من "القنبلة القذرة" التي فجّرها حسام طاهر حسام عشيّة تفجير العبوة الناسفة بجسد النائب والصحافي الشهيد جبران تويني وغداة نواح الأسد في القاهرة والرياض أن تنتهي الصفحات الواضحة في تقارير المدعي العام الألماني، فجاء القاضي البلجيكي الذي حمل بالتوازي مع انكشاف الحقائق أمامه همّ العدالة بالتنويه المتكرر والمستمر بحاجته إلى محكمة دولية.
مزيد من الجهد السوري لطي الصفحة لن يؤدي إلى النتيجة. حقيقة الأسد كحقيقة ذاك الذي اختار النزول إلى الحفرة. الخروج منها يقتضي أن يتوقف عن الحفر. هو يستمر في الحفر. هؤلاء المهرجون المقنّعون بالهوية اللبنانية الذين يتنقلون من وسيلة إعلام تابعة لقوى الثامن من آذار إلى وسيلة إعلام تابعة للحكومة السورية، أعجز من أن يغيّروا اتجاه المسار المستقيم . أصلاً "فجور" هؤلاء ـ وألبير منصور في مقدمتهم ـ مدعوماً بإرهاب النظام الأمني اللبناني ـ السوري، لم يسمح لهم بالصمود في السلطة أكثر من أسبوعين على تاريخ وقوع جريمة اغتيال الرئيس الحريري.
القرار 1636: بوابة المحكمة
بعيداً من القراءة السياسية للمعطيات الثابتة، ليس في الوسط القانوني الجدي متخصص واحد يفهم ما يقوله الأسد ومن يدور في حلقته، عن عدم علاقة النظام السوري بالمحكمة الدولية الخاصة بلبنان. لا يصل هؤلاء حتى إلى تفسير معاني صدور القرار 1757 تحت الفصل السابع، ولا يتطرّقون إلى تفوّق السيادة الدولية على السيادة الوطنية الحامية للإجرام والخروج عن القانون. إنهم يرفضون تجاوز فترة التحقيق الدولي.
في اعتقاد هؤلاء أنّ على القيادة السورية الحالية، قبل أن تناقش واجباتها تجاه القرار 1757 أن تنظر جيداً إلى واجباتها تجاه القرار 1636 الذي لا تنهي مفاعيله إلا في ذاك اليوم الذي يتم الالتزام المطلق بها.
هم يؤكدون أنّ النظام السوري يكون غير معني بالمحكمة الدولية في حالة واحدة، وهي ثبوت عدم علاقته بأي جريمة من الجرائم التي تدخل ضمن اختصاص المحكمة ذات الطابع الدولي، ولكن في بالمقابل يكون هذا النظام معنياً إلى حدِّ الانصياع للمحكمة، في حال توصل سيرج براميرتس إلى اقتناع بتورط مسؤولين فيه، كباراً كانوا أم صغاراً، رؤساء كانوا أم مرؤوسين، في الجرائم موضوع اختصاصه.
ويلفت هؤلاء النظر إلى القرار 1636 الذي أعلن الأسد التزامه به. هذا القرار، بحسب قراءة هؤلاء هو المدخل الطبيعي إلى باحة المحكمة الدولية. هم يشيرون إلى أنّ تحديد المتهمين الواجب تسليمهم إلى المحكمة الدولية يمرّ حتماً بمرحلة تحديد المشتبه بهم ورسم الخارطة الواجبة للتعاطي معهم.
يفصّل هؤلاء أن القرار 1636 يلزم سوريا ـ بالاسم ـ أن تعتقل "المسؤولين أو الأشخاص السوريين الذين تعتبر اللجنة أنه يشتبه بضلوعهم في التخطيط أو التمويل أو التنظيم أو التنفيذ، وأن تجعلهم متاحين للجنة بشكل كامل"، على أن تكون للجنة "سلطة تقرير مكان وأساليب إجراء المقابلات" معهم، على اعتبار أنّ اللجنة أصبحت تتمتع بعلاقتها مع سوريا، بفعل هذا القرار "بالحقوق والسلطات نفسها" التي لها على لبنان بموجب القرار 1595 (الذي أنشأ لجنة التحقيق الدولية)، وتالياً "على سوريا أن تتعاون مع اللجنة بالكامل ومن دون شروط".
براميرتس
أمام هذه المعطيات الثابتة، ثمة سؤال عن الخطوات المقبلة لسيرج براميرتس. تقريره الأخير أثبت أنّه حسم الجهة التي ينتمي إليها قتلة الرئيس الحريري. تقريره الآتي قريباً يمكن أن يكون أوضح. نوعية الرد السوري على طلبه إيداع اللجنة زياد رمضان الذي "يعرف كثيراً" عن أحمد ابو عدس ستظهر موقفه العميق من حقيقة التعاون السوري حيال مطالب اللجنة، التي انتقلت في هذه المرحلة إلى مستويات نوعية.
ثمة من يعتقد أنّ الجواب عن سؤال موقف سوريا من متطلبات المحكمة لاحقاً، سوف يبدأ بالظهور في هذه المرحلة.
لبنان وحاجة الأسد إلى صفقة
الأسد بحاجة إلى استدعاء صفقة الآن. لهذا السبب هناك اعتقاد جدي بأنّ النظام السوري سيسارع إلى "إشعال لبنان" على كل الجبهات: إرهاب شعبي هنا ومعارك عسكرية هناك واغتيالات نوعية هنالك.
ولأنّ المسألة كذلك، لا مفاجأة إن ظهرت "عصابة العبسي" بقوة الجيش السوري، وإن اعتمدت سلوكيات حربية شبيهة بتكتيكات مواجهة الجيش السوري للجيش اللبناني حين كان تحت قيادة العماد ميشال عون "بطل حرب التحرير"، ولا أحجية في السؤال عن الجهة التي توزع العبوات الناسفة على المناطق اللبنانية، ولا عبقرية في السؤال عن ذاك الذي يمكن أن يكون خليفة الوزير بيار الجميل في مسيرة الاستشهاد.
http://www.free-syria.com/images/articles/19379.jpg
تختلف رؤية الدول إلى الأسلوب الواجب اتباعه مع النظام السوري، ولكن يكاد قادة هذه الدول يتلاقون على توصيف واحد لسلوكية الرئيس السوري بشار الأسد. في اعتقاد هؤلاء أنّ "حاكم سوريا" قدّم كل الأدلة على أنه "أعجز" من الوفاء بأي وعد يقطعه.
في القراءة المتأنية للأمور، يظهر الأسد "كريماً" في استعداداته الإيجابية لدى استقباله أي مبعوث دولي أو لدى زيارته أي رئيس عربي، لكنّه ما أن تدق ساعة التنفيذ، حتى يتراجع كلياً عما وعد به.
تجربة الأسد مع القرارات الدولية
وهذه هي حال الأسد أيضاً مع شعبه. عندما صدر القرار 1559 الذي يطلب من النظام السوري إخراج جيشه من لبنان، أطلّ الأسد والناطقون بلسانه على السوريين واللبنانيين في آن، ليبلغوهم بأنّ هذا القرار "سخيف" وأن مصيره مشابه لكثير من القرارات الصادرة عن مجلس الأمن، لكن بعد فترة وجيزة أمر الأسد بسحب آخر جندي سوري من لبنان، ووقف على الملأ يتحدث مع العالم: "ها هي سوريا تُنفِّذ الجزء المطلوب منها في القرار 1559".
وعندما وضعت لجنة التحقيق الدولية في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري النظام السوري على قائمة الشبهات طالبة الاستماع إلى الأسد بصفة شاهد وكذلك استجواب عدد من المسؤولين السوريين ـ سياسيين وأمنيين ـ في ظروف "ملائمة"، قامت قيامة الأسد وقاد حملة شعواء ضد اللجنة ورئيسها آنذاك الألماني ديتليف ميليس. قال إنه يستحيل أن يستقبل هذه اللجنة حتى للتعارف وليس لأخذ إفادته. ابتسم منتصراً لأولئك "الأشاوس" في "اتحاد المحامين العرب" الذين صرخوا للمطلِّ عليهم من فوق أن الاستجابة لهذا المطلب "غير السيادي" بمثابة "خيانة". ودفع ببعض أدواته في لبنان ليطلّوا بشكل مبرمج على الشاشات المحلية والعربية ليؤكدوا أنّ أحداً عليه "ألا يحلم برؤية وفد من لجنة التحقيق بحضرة الرئيس القائد الدكتور بشار الأسد".
.. ولكن، بعيد صدور القرار 1636 تحت الفصل السابع، دخلت لجنة التحقيق الدولية الى "قصر المهاجرين" وخرج مسؤولون أمنيون ليتم التحقيق معهم خارج سوريا، وتباهى النظام بأنه "بات متعاوناً".
وحال الأسد وقيادته مع القرار 1757 الذي أنشأ المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، لن يكون بأي حال مختلفاً عن حاله مع القرارين 1559 و1636. كل الكلام السوري، سواء نطق به بشار الأسد أم فاروق الشرع أم وليد المعلم أم من يدور في فلكهم من عرب وحملة هويات لبنانية، لا قيمة له. هو مجرد لهو في الوقت الضائع و"خربشة" على هامش.. الأمان. ذلك أن كل ما يتم النطق به لا قيمة له، طالما أن عمل المحكمة لم يبدأ بعد، فهي في انتظار استكمال تشكيلها، وطالما أن التحقيق الدولي لم ينته بعد، فالقرار الاتهامي في طور الإعداد.
انتهاء زمن الصفقات
طبعاً من حق الأسد أن يحلم بتسوية دولية على جناح القبول بسلام الضعفاء مع الكيان الصهيوني، ومؤكداً أنه لن يسمح لشركائه المعنيين بالمحاكمة المقبلة أن يشعروا باستفرادهم، وربما من "واجبه" أن يرفع معنويات الأبرياء المحيطين به خوفاً من التخلي المبكر، إلا أنّ ذلك كله لا يغيّر شيئاً في واقع الحال.
هذه المعطيات ليست وليدة التمني بل هي خارجة من رحم الواقع الدقيق. قد تكون دول العالم راغبة بعقد صفقة مع النظام السوري على حساب دماء النخبة الاستقلالية التي سقطت في مسيرة تحرير لبنان من الوصاية ومعادلاتها، لكنها لم تعد قادرة على ذلك. منطق الصفقة انتهى، ليس مع تشكيل المحكمة تحت الفصل السابع بل بمجرد أن تمّ تثبيت منطق التحقيق الدولي بتعيين سيرج براميرتس، على إثر تنحي ديتليف ميليس عن "كرسي الرئاسة" ليتربّع على "عرش المراقبة".
قبل نحو خمسة أشهر، عاشت عشر دول كابوساً حقيقياً، لمجرد أنّ براميرتس نوّه في تقرير رفعه إلى مجلس الأمن بأنها لا تقدم للجنته التعاون المطلوب. هو لم يسمّها، ومع ذلك استشعرت بتداعيات فضيحة تنتظرها. كل المعلومات كانت تشير إلى أن هذه الدول ـ وبعضها أعضاء في مجلس الأمن ـ إنما تسعى، متحجّجة بسيادتها، إلى إخفاء معلومات عن التحقيق في سياق خدمة تُسديها إلى النظام السوري. الخوف من الفضيحة، وليس التعلّق بالعدالة، كان الدافع لتتراجع الدول العشر المعنية عن موقفها وتُقدّم لبراميرتس الأجوبة والمستندات التي طالب بها. يومها بالذات، ثبُت أنّ منطق الصفقة قد تمّ دفنه في مأتم لم يحضره أحد سوى سيرج براميرتس. لأول مرة تبدو الديموقراطيات أعجز من أن تلعب تحت الطاولة مع "ديكتاتورية" ناشطة. الصفقة مع ليبيا انتهت بمحاكمة "جزئية" بعد قبولها بتحمل مسؤولية كاملة عن جرائم كانت الأحدث بينها تعود إلى الثمانينات، وليس كما هي عليه الحال مع النظام السوري الذي يبدو مسؤولاً عن جرائم إرهابية ارتكبت بعد نحو أربع سنوات، على ذاك الحادي عشر من أيلول 2001.
الأسد و"تراجيديا" منطق المسؤولية
إذاً انتهى منطق الصفقة لمصلحة منطق المسؤولية. هذا ما يمكن أن يُقرأ من المسار الدولي في التعاطي مع جريمة اغتيال الرئيس الحريري منذ دوّى الانفجار بموكبه في الأولى إلا خمس دقائق من بعد ظهر ذاك الرابع عشر من شباط 2005. كان مطلوباً من أحمد أبو عدس أن يطوي صفحة الاهتمام الدولي، فجاءت لجنة تقصي الحقائق برئاسة بتر فيتزجيرالد. كان مطلوباً من مسلسل التفجيرات الذي بدأ في نيو جديدة في السابع عشر من شباط 2005 وانفتح على اغتيال الصحافي الشهيد سمير قصير في الثاني من حزيران 2005، أن يطوي "مخاطر" تقرير المفوّض الايرلندي، فوصل إلى لبنان ديتليف ميليس. كان مطلوباً من "القنبلة القذرة" التي فجّرها حسام طاهر حسام عشيّة تفجير العبوة الناسفة بجسد النائب والصحافي الشهيد جبران تويني وغداة نواح الأسد في القاهرة والرياض أن تنتهي الصفحات الواضحة في تقارير المدعي العام الألماني، فجاء القاضي البلجيكي الذي حمل بالتوازي مع انكشاف الحقائق أمامه همّ العدالة بالتنويه المتكرر والمستمر بحاجته إلى محكمة دولية.
مزيد من الجهد السوري لطي الصفحة لن يؤدي إلى النتيجة. حقيقة الأسد كحقيقة ذاك الذي اختار النزول إلى الحفرة. الخروج منها يقتضي أن يتوقف عن الحفر. هو يستمر في الحفر. هؤلاء المهرجون المقنّعون بالهوية اللبنانية الذين يتنقلون من وسيلة إعلام تابعة لقوى الثامن من آذار إلى وسيلة إعلام تابعة للحكومة السورية، أعجز من أن يغيّروا اتجاه المسار المستقيم . أصلاً "فجور" هؤلاء ـ وألبير منصور في مقدمتهم ـ مدعوماً بإرهاب النظام الأمني اللبناني ـ السوري، لم يسمح لهم بالصمود في السلطة أكثر من أسبوعين على تاريخ وقوع جريمة اغتيال الرئيس الحريري.
القرار 1636: بوابة المحكمة
بعيداً من القراءة السياسية للمعطيات الثابتة، ليس في الوسط القانوني الجدي متخصص واحد يفهم ما يقوله الأسد ومن يدور في حلقته، عن عدم علاقة النظام السوري بالمحكمة الدولية الخاصة بلبنان. لا يصل هؤلاء حتى إلى تفسير معاني صدور القرار 1757 تحت الفصل السابع، ولا يتطرّقون إلى تفوّق السيادة الدولية على السيادة الوطنية الحامية للإجرام والخروج عن القانون. إنهم يرفضون تجاوز فترة التحقيق الدولي.
في اعتقاد هؤلاء أنّ على القيادة السورية الحالية، قبل أن تناقش واجباتها تجاه القرار 1757 أن تنظر جيداً إلى واجباتها تجاه القرار 1636 الذي لا تنهي مفاعيله إلا في ذاك اليوم الذي يتم الالتزام المطلق بها.
هم يؤكدون أنّ النظام السوري يكون غير معني بالمحكمة الدولية في حالة واحدة، وهي ثبوت عدم علاقته بأي جريمة من الجرائم التي تدخل ضمن اختصاص المحكمة ذات الطابع الدولي، ولكن في بالمقابل يكون هذا النظام معنياً إلى حدِّ الانصياع للمحكمة، في حال توصل سيرج براميرتس إلى اقتناع بتورط مسؤولين فيه، كباراً كانوا أم صغاراً، رؤساء كانوا أم مرؤوسين، في الجرائم موضوع اختصاصه.
ويلفت هؤلاء النظر إلى القرار 1636 الذي أعلن الأسد التزامه به. هذا القرار، بحسب قراءة هؤلاء هو المدخل الطبيعي إلى باحة المحكمة الدولية. هم يشيرون إلى أنّ تحديد المتهمين الواجب تسليمهم إلى المحكمة الدولية يمرّ حتماً بمرحلة تحديد المشتبه بهم ورسم الخارطة الواجبة للتعاطي معهم.
يفصّل هؤلاء أن القرار 1636 يلزم سوريا ـ بالاسم ـ أن تعتقل "المسؤولين أو الأشخاص السوريين الذين تعتبر اللجنة أنه يشتبه بضلوعهم في التخطيط أو التمويل أو التنظيم أو التنفيذ، وأن تجعلهم متاحين للجنة بشكل كامل"، على أن تكون للجنة "سلطة تقرير مكان وأساليب إجراء المقابلات" معهم، على اعتبار أنّ اللجنة أصبحت تتمتع بعلاقتها مع سوريا، بفعل هذا القرار "بالحقوق والسلطات نفسها" التي لها على لبنان بموجب القرار 1595 (الذي أنشأ لجنة التحقيق الدولية)، وتالياً "على سوريا أن تتعاون مع اللجنة بالكامل ومن دون شروط".
براميرتس
أمام هذه المعطيات الثابتة، ثمة سؤال عن الخطوات المقبلة لسيرج براميرتس. تقريره الأخير أثبت أنّه حسم الجهة التي ينتمي إليها قتلة الرئيس الحريري. تقريره الآتي قريباً يمكن أن يكون أوضح. نوعية الرد السوري على طلبه إيداع اللجنة زياد رمضان الذي "يعرف كثيراً" عن أحمد ابو عدس ستظهر موقفه العميق من حقيقة التعاون السوري حيال مطالب اللجنة، التي انتقلت في هذه المرحلة إلى مستويات نوعية.
ثمة من يعتقد أنّ الجواب عن سؤال موقف سوريا من متطلبات المحكمة لاحقاً، سوف يبدأ بالظهور في هذه المرحلة.
لبنان وحاجة الأسد إلى صفقة
الأسد بحاجة إلى استدعاء صفقة الآن. لهذا السبب هناك اعتقاد جدي بأنّ النظام السوري سيسارع إلى "إشعال لبنان" على كل الجبهات: إرهاب شعبي هنا ومعارك عسكرية هناك واغتيالات نوعية هنالك.
ولأنّ المسألة كذلك، لا مفاجأة إن ظهرت "عصابة العبسي" بقوة الجيش السوري، وإن اعتمدت سلوكيات حربية شبيهة بتكتيكات مواجهة الجيش السوري للجيش اللبناني حين كان تحت قيادة العماد ميشال عون "بطل حرب التحرير"، ولا أحجية في السؤال عن الجهة التي توزع العبوات الناسفة على المناطق اللبنانية، ولا عبقرية في السؤال عن ذاك الذي يمكن أن يكون خليفة الوزير بيار الجميل في مسيرة الاستشهاد.