ابو شجاع
05-20-2007, 01:44 PM
كتاب اساسيات تربية الاطفال
تأليف نجاح السباتين
المقدمة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهوادنه أو ينصرانه أو يمجسانه للوالدين تأثير كبير على نشأة الأبناء فاذا كانا مسلمين نشأ الولد مسلما، واذا كانا يهوديين نشأ يهوديا، واذا كانا نصرانيين نشأ نصرانيا ... فأيا كان اعتقاد الوالدين نشأ الولد على دينهما وذلك بسبب ما للوالدين من سلطة وتأثير عميق في تشكيل مفاهيم الأولاد وميولهم وبالتالي صناعة سلوكهم. من اجل ذلك بحثت في هذا الكتاب الأساليب والوسائل التي يستطيع الوالدان الافادة منها في تربية الابناء من عمر سنة حتالى عشر سنوات، في اربعة فصول.
- في الفصل الأول بينت الاساس الذي يجب الرجوع اليه في تحديد السلوك الحسن والسلوك السيء الا وهو القرآن الكريم والسنة النبوية ، كما بينت القيم التي يجب ان تحقق في سلوك الابناء (القيم الروحية والمادية والحلقية والانسانية).
- في الفصل الثاني بحثت في الحاجات المادية والانفعالية والاجتماعية والعقلية التي يجب تلبيتها حتى يكون سلوك الطفل سلوكا سويا.
- في الفصل الثالث ذكرت جانبا من الاساليب التي يجب اتباعها لاحداث التأثير المطلوب في الأولاد حتى يصبح تقيدهم بالسلوك الجيد تقيدا ذاتيا نابعا من داخلهم وليس خوفا من عقاب مفروض عليهم.
- في الفصل الرابع ذكرت فيه بعض الاساليب المفيدة في تعديل السلوك المعوج ومنها اسلوب التعزيز( المكافآت).
والحقيقة ان موضوع تربية الابناء وطرق التعامل معه ليس امرا سهلا بل هو امر شاق ويحتاج للتروي والاناة. فالطفل كالغرسة الصغيرة تحتاج لشفافية التعامل والعناية الفائقة حتى يشتد عوده وتقوى عزيمته ويضع نفسه على بداية الطريق المستقيم.
نجاح السباتين
الفصل الأول
الاتفاق بين الوالدين على تحديد السلوك الجيد والسلوك السيء
الاختلاف بين الوالدين
يختلف كثير من الاباء على تحديد السلوك المرغوب فيه الذي يجب على الاولاد الالتزام به او تحديد السلوك غير المرغوب فيه الذي يجب على الأولاد البعد عنه. وينطلقون في اختلافاتهم هذه من منطلقات عدة منها العادات والتقاليد والرأي العام السائد، والانظمة والقوانين المعمول بها، وقد ينطلقون من خلال نظرتهم للحياة وتفسيرهم للخير والشر والحسن والقبح فيحكمون على الاشياء والافعال خيرا او شرا حسنا او قبحا من خلال حبهم او كراهيتهم لهذه الاشياء والافعال، فما يحبونه يصفونه بالجيد وما يكرهونه يصفونه بالقبيح.
او قد ينطلقون في احكامهم من خلال النفع والضرر الذي يصيبهم، فاذا عاد عليهم الشيء او الفعل بالفائدة حكموا عليه بالحسن والصلاح واذا عاد عليهم بالضرر وصفوه بالقبح والسوء. ومثل هذه الاحكام عرضة للاختلاف والتناقض والتفاوت والتأثر بالبيئة والظروف.
1- الاختلاف يتمثل في ان يحكم الاب على سلوك ما بانه جيد بينما تحكم الام عليه بانه سيء، كأن يرى الاب ان كثرة مشاكل ابنه مع ابناء الجيران دليل القوة والرجولة بينما ترى الام عكس ذلك.
2- التناقض نتيجة لنقص المعلومات عن موضوع ما، فقد يكون لدى الام معلومات عن انواع الطعام الصحي وكيفية تناوله اكثر مما لدى الاب، فاذا حاولت الام ان تفرض على الابناء نمطا معينا في الطعام والشراب قام الاب بنسفه.
3- التفاوت ويعني التفاوت في القدرة على ادراك الواقع بالربط بينه وبين المعلومات ،نتيجة الفروق الفردية بين الاباء في الذكاء وتحصيل المعلومات وسلامة الحواس والاعصاب وبالتالي تفاوت الاحكام الصادرة ، كأن ترى الام دراسة ابنها في الفرع الادبي هو الافضل له مستقبلا بينما يرى الاب ان دراسة ابنه في الفرع العلمي هو الافضل له في المستقبل والمناسب لقدراته في الحاضر.
4- التأثر بالبيئة والظروف ، تختلف الاحكام تبعا للبيئة التي نشأ فيها الآباء ، فقد يرى الاب ان لعب ابنته الصغيرة مع الاولاد في الشارع عيبا ومخالفا للأعراف والتقاليد، بينما ترى الام ان لعبها ضروري لبناء جسمها.
اثر هذه الخلافات
ومثل هذه الخلافات بين الاباء والامهات تؤثر على الاولاد سلبا، فمن الظلم ان يعاقب الطفل ويثاب على نفس السلوك. فاذا اختلف الابوان وخلت حياتهما من الوفاق والوئام في تربية الاولاد، فان اطفالهما يعانون من ذلك كثيرا ويميلون الى العدوانية والمشاكسة ويكثرون من النزاع والخصام، وهذا يغذي بدوره التوتر بين الابوين ويصبح جو المنزل ثقيلا ومملا بسبب المشاكل التي تحدث فيه، وتراكم الحقد والكراهية بين ابناء الاسرة الواحدة، خاصة عندما يصر كل منهم على موقفه المعتاد عليه. عندما تقول الام شيئا ويقول الاب شيئا آخر ينزعج الطفل لانه بحاجة الى ان ينال الاستحسان من كليهما، واذا حاول الانفصال عن احدهما للاقتراب من الاخر لارضائه شعر بالضياع والاضطراب لابتعاده عن احد والديه. ان الاتفاق بين الوالدين في اساليب معاملة الطفل وتحديد السلوك السيء والسلوك الجيد يقي الطفل من ازدواجية الشخصية ومن الصراع النفسي الذي لا لزوم له.
الخروج من دائرة الاختلاف.
من اجل ذلك لا بد ان يكون هناك مرجع واحد يرجع اليه الآباء في اصدار احكامهم وتقييمهم للسلوك، وهذا المرجع هو القرآن والسنة، فما اعتبره الاسلام سلوكا سيئا وجب على الوالدين اعتباره كذلك، وما اعتبره سلوكا جيدا وجب على الوالدين اعتباره كذلك ايضا، فالاسلام هو المحك الذي نرجع اليه في تقييمنا للسلوك. اذ لا يمكن تفجير طاقات ابنائنا الا باستخدام النظام الذي وضعه الخالق لنا، فان أي جهاز لا يمكنك تشغيله والاستفادة من كامل طاقاته الا اذا عرفت الكتالوج الخاص بتنظيم عمله وتطبيق التعليمات الواردة فيه بحذافيرها. وكذلك الانسان خلقه الله وانزل له كتابا سماويا( القرآن الكريم) لتنظيم شؤون حياته، فاذا طبقه اخرج طاقاته الكامنة جميعا ليعم الخير البشرية كلها، واذا تخلى عنه عطل طاقاته او اخرجها عن مسارها الصحيح.
السلوك تفاعل بين المفاهيم والميول
ان السلوك نتاج تفاعل بين الافكار والمشاعر، بين المفاهيم والميول ، فاذا احسن الوالدين اصلاح الأفكار والمشاعر، المفاهيم والميول اصلحا السلوك حتما، فبدلا من اصلاح هذا السلوك او ذاك اصلح ما وراء السلوك من مفاهيم وميول ، وقبل ان تصلح مفاهيم ابنك وميوله اصلح مفاهيمك وميولك لانك قدوة لابنك وما يراه فيك يتشربه.
اما المفاهيم فهي الافكار التي لها واقع مدرك في الذهن ولهذا يؤمن بها الانسان ويصدقها وتؤثر في سلوكه، فمثلا فكرة الغش حرام لها واقع مدرك في ذهن المسلم ، أي ان اخفاء العيب وعدم اظهاره امر حرمه الاسلام لقول الرسول صلى الله عليه وسلم من غش فليس منا فهذه فكرة آمن بها المسلم وصدقها فهي مفهوم لديه.
اما الميول فتأتي نتيجة لربط الدوافع بالمفاهيم ، فرغبة الانسان بالربح هو دافع يدفعه نحو الغش في البضاعة، لكن اذا ربط بين دافعه نحو الربح وبين المفهوم الذي لديه عن حرمة الغش كون لديه ميلا نحو كراهية الغش وعدم ارتكابه، وهذا الميل يدفعه لتجنب سلوك الغش في المعاملات.
صدور المفاهيم والميول عن قاعدة واحدة
وهنا يجب الانتباه الى ان تصدر مفاهيمنا وميولنا( افكارنا ومشاعرنا) عن قاعدة واحدة، حتى تتكون لدينا شخصية متميزة، يدرك الاطفال كيفية التعامل معها، فاذا كانت المفاهيم والميول (الافكار والمشاعر) تصدر من الاسلام كانت الشخصية شخصية اسلامية مميزة، ترى هذا لسلوك جيد فتحبه وترى هذا السلوك سيء فتكرهه. لماذا؟ لانها اتخذت الاسلام مصدرا للحكم على السلوك بالحلال والحرام ، كما تخذت الاسلام مصدرا للحب والكراهية، فما امر به الاسلام يجب ان تحبه، حتى لو كرهته أو أصابك ضرر منه.
قال تعالى كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى ان تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وانتم لا تعلمون البقرة :216
وما حرمه الاسلام يجب ان تكرهه حتى لو كان فيه بعض الفائدة. قال تعالى يسألونك عن الخمر والميسر قل فيمها اثم كبير ومنافع للناس واثمهما اكبر من نفعهما البقرة 219
ولهذا يجب التحكم بالمشاعر وتوجيهها الاتجاه الصحيح المنضبط باحكام الاسلام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يؤمن احدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به ومن هنا وجب على الوالدين ان تكون افكارهما ومشاعرهما ومفاهيمها وميولهما صادرة عن الاسلام واحكامه حتى يعرف الطفل ما الذي يرضيهما وما الذي يغضبهما فيحسن التعامل معهما.
اما اذا كانت مفاهيم الوالدين في واد وميولهما في واد آخر فان شخصيتهما لا لون لها ولا طعم، شخصية مائعة متخبطة ، وهذا ينعكس بدوره على الابناء فيتخبطون في التعامل مع الوالدين ، وستكون معرفتهم بردود الافعال آبائهم غامضة فتصيبهم الحيرة والاضطراب. اما اذا عرفوا ان الاسلام هو مصدر أحكامهم ومشاعرهم عند ذلك يؤمنون بصحة القواعد السلوكية التي يضعها الوالدان، ويثقون بها فيحرصون على الالتزام بها وعدم الاعتراض عليها.
وضع القواعد السلوكية
ان وضع قواعد سلوكية للاطفال متفق عليها بين الام والاب يجب ان يراعى فيها عمر الطفل ، فما نتوقعه من طفل ما قبل السابعة غير السلوك الذي نتوقعه من طفل ما بعد السابعة.
طفل ما قبل المدرسة
لا يميز الطفل الصغير بين العمل واللعب ، فهو ينهمك في كل عمل يقوم به من تلقاء نفسه مثل استماعه الى قصة او لعبه بدمية او وهو يراقب فراشة تحوم حوله، وهو لا يشعر بمواعيد الاكل او الوقت ولا يستطيع التوقف عن نشاط يمارسه اذا كان يثيره، وهو يلعب بأي شيء يصادفه، فاذا وقع في يدع ملعقة كبيرة ومقلى فانه يتذوقها بلسانه ويضرب المقلى بالملعقة ويستمع للصوت الناتج عن ذلك، ويحاول ان يضع المقلى بالملعقة ، ويقلب المقلى ليخبئ الملعقة تحته، ثم يخرج الملعقة من تحت المقلى، واذا لم يجد اكتشافا جديدا فانه يمل ، ويحاول ايجاد اشياء اخرى ليلعب بها، ويزداد نشاطه اذا اضيف اشياء اخرى ليلعب بها مثل الرمل او الماء او الحصى او الدمى او ملاقط الغسيل او اغطية القناني او... الخ. والطفل بلعبه هذا يتعرف على الخصائص الظاهرة للاشياء، فيعرف كيف تتحرك وكيف تتدحرج الى اعلى والى اسفل، وكيف يتلاءم معها، ويدخل بعضها في بعض .. الخ ويتعلم كيف يستخدم اعضاء جسمه، كيف يحرك ذراعيه ورجليه وجذعه في اتجاهات مختلفة، وكيف يستعمل اصابعه ويديه. وكلما ازداد النشاط الحركي للطفل ازداد ميله للبحث والتعرف على البيئة، ويجب ان يشجع على ذلك الى ابعد الحدود ، ويجب عدم ايقافه دون ضرورة عن ممارسة انشطته التي تشبع حب استطلاعه الا في حالتين:
1- اذا حاول ان يقوم بعمل خطر او مزعج لنفسه او للاخرين
2- اذا حاول ان يتلف ممتلكات الغير او اشياء ثمينة.
في هاتين الحالتين يجب ايقافه فورا وبحزم، وعلى الام او من يقوم مقامها ان تراقب الطفل باستمرار وهو يتحرك في بيئته، وكما يجب ان توفر له شروط السلامة وان تهيء له مواقف يمارس فيها انشطة مثيرة له.
وافضل طريقة لايقاف عمله الخطر في سن اقل من سنة هو تشتيت انتباهه عن القيام بعمله وتوجيه انتباهه لشيء آخر او نشاط بديل.
فاذا حاول الطفل لمس شيء ممنوع فيجب سحب يده بلطف بعيدا عن ذلك الشيء وان يقال له كلاما يفهم منه ان عمله هذا يؤذيه او يؤذي غيره.
اما اذا كان الطفل في السنة الثانية او الثالثة وقام يسلوك خطر على نفسه او غيره فعلى الام ان تثير انتباهه لسلوكه هذا وتحاول ردعه بما لديها من وسائل مثل استخدام تعبيرات وجهها ولهجة صوتها، واذا استمر في سلوكه عليها ان تنقله الى مكان آخر، وفي جميع الاحوال عليها الالتزام بهدوءها وان لا تلجأ الى الضرب.
وافضل وسيلة للتعامل معه هو عزله لوقت قصير في مكان يخلو من أي وسيلة ممتعة له(الاقصاء) وهذا ما سيأتي الحديث عنه لاحقا.
في بداية السنة الثانية يعاني الطفل من نوبة انفجارات انفعالية شديدة، في هذه الفترة يمكن للام ان توجه طفلها وتعلمه السلوك الجيد ولكنها في نفس الوقت لا تستطيع اجباره على ان ينفذ تماما ما تريده منه او ينفذه بشكل تام لانه لا يدرك مفهوم القواعد السلوكية التي يجب التعامل على اساسها. فهو لا يعقل مثلا قول امه له كن لطيفا مع القطة الصغيرة، ولا يدرك سوء عمله اذا ركض في شارع مزدحم بالسيارات، او اذا ابتعد عن جدته التي تريد تقبيله، فهو لا يدرك معنى السلوك السيء وهو يتصرف بعفوية دون ان يدرك عاقبة الامور، فافعاله تلقائية مرتبطة بدوافعه الآنية التي تظهر في الحال. ولا يتوانى عن اشباعها دون تفكير وقد تستغرق هذه الحالة سنوات، وكل ما على الام ان تفعله ان توجهه بشكل حازم مع مراعاة عدم حرمانه من محبتها وحنانها في أي لحظة من اللحظات. لان حب الام واحترامها لطفلها هو المنبع الذي يستمد منه حبه واحترامه لنفسه وللاخرين.
يتبع
تأليف نجاح السباتين
المقدمة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهوادنه أو ينصرانه أو يمجسانه للوالدين تأثير كبير على نشأة الأبناء فاذا كانا مسلمين نشأ الولد مسلما، واذا كانا يهوديين نشأ يهوديا، واذا كانا نصرانيين نشأ نصرانيا ... فأيا كان اعتقاد الوالدين نشأ الولد على دينهما وذلك بسبب ما للوالدين من سلطة وتأثير عميق في تشكيل مفاهيم الأولاد وميولهم وبالتالي صناعة سلوكهم. من اجل ذلك بحثت في هذا الكتاب الأساليب والوسائل التي يستطيع الوالدان الافادة منها في تربية الابناء من عمر سنة حتالى عشر سنوات، في اربعة فصول.
- في الفصل الأول بينت الاساس الذي يجب الرجوع اليه في تحديد السلوك الحسن والسلوك السيء الا وهو القرآن الكريم والسنة النبوية ، كما بينت القيم التي يجب ان تحقق في سلوك الابناء (القيم الروحية والمادية والحلقية والانسانية).
- في الفصل الثاني بحثت في الحاجات المادية والانفعالية والاجتماعية والعقلية التي يجب تلبيتها حتى يكون سلوك الطفل سلوكا سويا.
- في الفصل الثالث ذكرت جانبا من الاساليب التي يجب اتباعها لاحداث التأثير المطلوب في الأولاد حتى يصبح تقيدهم بالسلوك الجيد تقيدا ذاتيا نابعا من داخلهم وليس خوفا من عقاب مفروض عليهم.
- في الفصل الرابع ذكرت فيه بعض الاساليب المفيدة في تعديل السلوك المعوج ومنها اسلوب التعزيز( المكافآت).
والحقيقة ان موضوع تربية الابناء وطرق التعامل معه ليس امرا سهلا بل هو امر شاق ويحتاج للتروي والاناة. فالطفل كالغرسة الصغيرة تحتاج لشفافية التعامل والعناية الفائقة حتى يشتد عوده وتقوى عزيمته ويضع نفسه على بداية الطريق المستقيم.
نجاح السباتين
الفصل الأول
الاتفاق بين الوالدين على تحديد السلوك الجيد والسلوك السيء
الاختلاف بين الوالدين
يختلف كثير من الاباء على تحديد السلوك المرغوب فيه الذي يجب على الاولاد الالتزام به او تحديد السلوك غير المرغوب فيه الذي يجب على الأولاد البعد عنه. وينطلقون في اختلافاتهم هذه من منطلقات عدة منها العادات والتقاليد والرأي العام السائد، والانظمة والقوانين المعمول بها، وقد ينطلقون من خلال نظرتهم للحياة وتفسيرهم للخير والشر والحسن والقبح فيحكمون على الاشياء والافعال خيرا او شرا حسنا او قبحا من خلال حبهم او كراهيتهم لهذه الاشياء والافعال، فما يحبونه يصفونه بالجيد وما يكرهونه يصفونه بالقبيح.
او قد ينطلقون في احكامهم من خلال النفع والضرر الذي يصيبهم، فاذا عاد عليهم الشيء او الفعل بالفائدة حكموا عليه بالحسن والصلاح واذا عاد عليهم بالضرر وصفوه بالقبح والسوء. ومثل هذه الاحكام عرضة للاختلاف والتناقض والتفاوت والتأثر بالبيئة والظروف.
1- الاختلاف يتمثل في ان يحكم الاب على سلوك ما بانه جيد بينما تحكم الام عليه بانه سيء، كأن يرى الاب ان كثرة مشاكل ابنه مع ابناء الجيران دليل القوة والرجولة بينما ترى الام عكس ذلك.
2- التناقض نتيجة لنقص المعلومات عن موضوع ما، فقد يكون لدى الام معلومات عن انواع الطعام الصحي وكيفية تناوله اكثر مما لدى الاب، فاذا حاولت الام ان تفرض على الابناء نمطا معينا في الطعام والشراب قام الاب بنسفه.
3- التفاوت ويعني التفاوت في القدرة على ادراك الواقع بالربط بينه وبين المعلومات ،نتيجة الفروق الفردية بين الاباء في الذكاء وتحصيل المعلومات وسلامة الحواس والاعصاب وبالتالي تفاوت الاحكام الصادرة ، كأن ترى الام دراسة ابنها في الفرع الادبي هو الافضل له مستقبلا بينما يرى الاب ان دراسة ابنه في الفرع العلمي هو الافضل له في المستقبل والمناسب لقدراته في الحاضر.
4- التأثر بالبيئة والظروف ، تختلف الاحكام تبعا للبيئة التي نشأ فيها الآباء ، فقد يرى الاب ان لعب ابنته الصغيرة مع الاولاد في الشارع عيبا ومخالفا للأعراف والتقاليد، بينما ترى الام ان لعبها ضروري لبناء جسمها.
اثر هذه الخلافات
ومثل هذه الخلافات بين الاباء والامهات تؤثر على الاولاد سلبا، فمن الظلم ان يعاقب الطفل ويثاب على نفس السلوك. فاذا اختلف الابوان وخلت حياتهما من الوفاق والوئام في تربية الاولاد، فان اطفالهما يعانون من ذلك كثيرا ويميلون الى العدوانية والمشاكسة ويكثرون من النزاع والخصام، وهذا يغذي بدوره التوتر بين الابوين ويصبح جو المنزل ثقيلا ومملا بسبب المشاكل التي تحدث فيه، وتراكم الحقد والكراهية بين ابناء الاسرة الواحدة، خاصة عندما يصر كل منهم على موقفه المعتاد عليه. عندما تقول الام شيئا ويقول الاب شيئا آخر ينزعج الطفل لانه بحاجة الى ان ينال الاستحسان من كليهما، واذا حاول الانفصال عن احدهما للاقتراب من الاخر لارضائه شعر بالضياع والاضطراب لابتعاده عن احد والديه. ان الاتفاق بين الوالدين في اساليب معاملة الطفل وتحديد السلوك السيء والسلوك الجيد يقي الطفل من ازدواجية الشخصية ومن الصراع النفسي الذي لا لزوم له.
الخروج من دائرة الاختلاف.
من اجل ذلك لا بد ان يكون هناك مرجع واحد يرجع اليه الآباء في اصدار احكامهم وتقييمهم للسلوك، وهذا المرجع هو القرآن والسنة، فما اعتبره الاسلام سلوكا سيئا وجب على الوالدين اعتباره كذلك، وما اعتبره سلوكا جيدا وجب على الوالدين اعتباره كذلك ايضا، فالاسلام هو المحك الذي نرجع اليه في تقييمنا للسلوك. اذ لا يمكن تفجير طاقات ابنائنا الا باستخدام النظام الذي وضعه الخالق لنا، فان أي جهاز لا يمكنك تشغيله والاستفادة من كامل طاقاته الا اذا عرفت الكتالوج الخاص بتنظيم عمله وتطبيق التعليمات الواردة فيه بحذافيرها. وكذلك الانسان خلقه الله وانزل له كتابا سماويا( القرآن الكريم) لتنظيم شؤون حياته، فاذا طبقه اخرج طاقاته الكامنة جميعا ليعم الخير البشرية كلها، واذا تخلى عنه عطل طاقاته او اخرجها عن مسارها الصحيح.
السلوك تفاعل بين المفاهيم والميول
ان السلوك نتاج تفاعل بين الافكار والمشاعر، بين المفاهيم والميول ، فاذا احسن الوالدين اصلاح الأفكار والمشاعر، المفاهيم والميول اصلحا السلوك حتما، فبدلا من اصلاح هذا السلوك او ذاك اصلح ما وراء السلوك من مفاهيم وميول ، وقبل ان تصلح مفاهيم ابنك وميوله اصلح مفاهيمك وميولك لانك قدوة لابنك وما يراه فيك يتشربه.
اما المفاهيم فهي الافكار التي لها واقع مدرك في الذهن ولهذا يؤمن بها الانسان ويصدقها وتؤثر في سلوكه، فمثلا فكرة الغش حرام لها واقع مدرك في ذهن المسلم ، أي ان اخفاء العيب وعدم اظهاره امر حرمه الاسلام لقول الرسول صلى الله عليه وسلم من غش فليس منا فهذه فكرة آمن بها المسلم وصدقها فهي مفهوم لديه.
اما الميول فتأتي نتيجة لربط الدوافع بالمفاهيم ، فرغبة الانسان بالربح هو دافع يدفعه نحو الغش في البضاعة، لكن اذا ربط بين دافعه نحو الربح وبين المفهوم الذي لديه عن حرمة الغش كون لديه ميلا نحو كراهية الغش وعدم ارتكابه، وهذا الميل يدفعه لتجنب سلوك الغش في المعاملات.
صدور المفاهيم والميول عن قاعدة واحدة
وهنا يجب الانتباه الى ان تصدر مفاهيمنا وميولنا( افكارنا ومشاعرنا) عن قاعدة واحدة، حتى تتكون لدينا شخصية متميزة، يدرك الاطفال كيفية التعامل معها، فاذا كانت المفاهيم والميول (الافكار والمشاعر) تصدر من الاسلام كانت الشخصية شخصية اسلامية مميزة، ترى هذا لسلوك جيد فتحبه وترى هذا السلوك سيء فتكرهه. لماذا؟ لانها اتخذت الاسلام مصدرا للحكم على السلوك بالحلال والحرام ، كما تخذت الاسلام مصدرا للحب والكراهية، فما امر به الاسلام يجب ان تحبه، حتى لو كرهته أو أصابك ضرر منه.
قال تعالى كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى ان تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وانتم لا تعلمون البقرة :216
وما حرمه الاسلام يجب ان تكرهه حتى لو كان فيه بعض الفائدة. قال تعالى يسألونك عن الخمر والميسر قل فيمها اثم كبير ومنافع للناس واثمهما اكبر من نفعهما البقرة 219
ولهذا يجب التحكم بالمشاعر وتوجيهها الاتجاه الصحيح المنضبط باحكام الاسلام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يؤمن احدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به ومن هنا وجب على الوالدين ان تكون افكارهما ومشاعرهما ومفاهيمها وميولهما صادرة عن الاسلام واحكامه حتى يعرف الطفل ما الذي يرضيهما وما الذي يغضبهما فيحسن التعامل معهما.
اما اذا كانت مفاهيم الوالدين في واد وميولهما في واد آخر فان شخصيتهما لا لون لها ولا طعم، شخصية مائعة متخبطة ، وهذا ينعكس بدوره على الابناء فيتخبطون في التعامل مع الوالدين ، وستكون معرفتهم بردود الافعال آبائهم غامضة فتصيبهم الحيرة والاضطراب. اما اذا عرفوا ان الاسلام هو مصدر أحكامهم ومشاعرهم عند ذلك يؤمنون بصحة القواعد السلوكية التي يضعها الوالدان، ويثقون بها فيحرصون على الالتزام بها وعدم الاعتراض عليها.
وضع القواعد السلوكية
ان وضع قواعد سلوكية للاطفال متفق عليها بين الام والاب يجب ان يراعى فيها عمر الطفل ، فما نتوقعه من طفل ما قبل السابعة غير السلوك الذي نتوقعه من طفل ما بعد السابعة.
طفل ما قبل المدرسة
لا يميز الطفل الصغير بين العمل واللعب ، فهو ينهمك في كل عمل يقوم به من تلقاء نفسه مثل استماعه الى قصة او لعبه بدمية او وهو يراقب فراشة تحوم حوله، وهو لا يشعر بمواعيد الاكل او الوقت ولا يستطيع التوقف عن نشاط يمارسه اذا كان يثيره، وهو يلعب بأي شيء يصادفه، فاذا وقع في يدع ملعقة كبيرة ومقلى فانه يتذوقها بلسانه ويضرب المقلى بالملعقة ويستمع للصوت الناتج عن ذلك، ويحاول ان يضع المقلى بالملعقة ، ويقلب المقلى ليخبئ الملعقة تحته، ثم يخرج الملعقة من تحت المقلى، واذا لم يجد اكتشافا جديدا فانه يمل ، ويحاول ايجاد اشياء اخرى ليلعب بها، ويزداد نشاطه اذا اضيف اشياء اخرى ليلعب بها مثل الرمل او الماء او الحصى او الدمى او ملاقط الغسيل او اغطية القناني او... الخ. والطفل بلعبه هذا يتعرف على الخصائص الظاهرة للاشياء، فيعرف كيف تتحرك وكيف تتدحرج الى اعلى والى اسفل، وكيف يتلاءم معها، ويدخل بعضها في بعض .. الخ ويتعلم كيف يستخدم اعضاء جسمه، كيف يحرك ذراعيه ورجليه وجذعه في اتجاهات مختلفة، وكيف يستعمل اصابعه ويديه. وكلما ازداد النشاط الحركي للطفل ازداد ميله للبحث والتعرف على البيئة، ويجب ان يشجع على ذلك الى ابعد الحدود ، ويجب عدم ايقافه دون ضرورة عن ممارسة انشطته التي تشبع حب استطلاعه الا في حالتين:
1- اذا حاول ان يقوم بعمل خطر او مزعج لنفسه او للاخرين
2- اذا حاول ان يتلف ممتلكات الغير او اشياء ثمينة.
في هاتين الحالتين يجب ايقافه فورا وبحزم، وعلى الام او من يقوم مقامها ان تراقب الطفل باستمرار وهو يتحرك في بيئته، وكما يجب ان توفر له شروط السلامة وان تهيء له مواقف يمارس فيها انشطة مثيرة له.
وافضل طريقة لايقاف عمله الخطر في سن اقل من سنة هو تشتيت انتباهه عن القيام بعمله وتوجيه انتباهه لشيء آخر او نشاط بديل.
فاذا حاول الطفل لمس شيء ممنوع فيجب سحب يده بلطف بعيدا عن ذلك الشيء وان يقال له كلاما يفهم منه ان عمله هذا يؤذيه او يؤذي غيره.
اما اذا كان الطفل في السنة الثانية او الثالثة وقام يسلوك خطر على نفسه او غيره فعلى الام ان تثير انتباهه لسلوكه هذا وتحاول ردعه بما لديها من وسائل مثل استخدام تعبيرات وجهها ولهجة صوتها، واذا استمر في سلوكه عليها ان تنقله الى مكان آخر، وفي جميع الاحوال عليها الالتزام بهدوءها وان لا تلجأ الى الضرب.
وافضل وسيلة للتعامل معه هو عزله لوقت قصير في مكان يخلو من أي وسيلة ممتعة له(الاقصاء) وهذا ما سيأتي الحديث عنه لاحقا.
في بداية السنة الثانية يعاني الطفل من نوبة انفجارات انفعالية شديدة، في هذه الفترة يمكن للام ان توجه طفلها وتعلمه السلوك الجيد ولكنها في نفس الوقت لا تستطيع اجباره على ان ينفذ تماما ما تريده منه او ينفذه بشكل تام لانه لا يدرك مفهوم القواعد السلوكية التي يجب التعامل على اساسها. فهو لا يعقل مثلا قول امه له كن لطيفا مع القطة الصغيرة، ولا يدرك سوء عمله اذا ركض في شارع مزدحم بالسيارات، او اذا ابتعد عن جدته التي تريد تقبيله، فهو لا يدرك معنى السلوك السيء وهو يتصرف بعفوية دون ان يدرك عاقبة الامور، فافعاله تلقائية مرتبطة بدوافعه الآنية التي تظهر في الحال. ولا يتوانى عن اشباعها دون تفكير وقد تستغرق هذه الحالة سنوات، وكل ما على الام ان تفعله ان توجهه بشكل حازم مع مراعاة عدم حرمانه من محبتها وحنانها في أي لحظة من اللحظات. لان حب الام واحترامها لطفلها هو المنبع الذي يستمد منه حبه واحترامه لنفسه وللاخرين.
يتبع