مشاهدة النسخة كاملة : التغيير الجذري في فكر الشهيد سيد قطب
ابو شجاع
05-01-2007, 01:19 PM
التغيير الجذري في فكر الشهيد سيد قطب
تأليف عبد الله الطرابلسي
الطبعة الأولى (1414هـ - 1993م )
دار البيارق
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الناشر
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وإمام المتقين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه وعمل لرفع راية ( لا إلـه إلا الله محمد رسول الله ) إلى يوم الدين .
وبعد ...
لماذا سيد قطب ؟
ألم تكفي الكتابات التي صدرت حول الشهيد لإلقاء الضوء على فكره ؟ ...
أسئلة كثيرة ربما راوضت معظم قراء هذا الكتاب ، وهي حقا أسئلة محقة وفي محلها ، فالكتابات كثيرة جدا حول سيد قطب وفكره . ولكن ما أردناه من وراء إصدار هذا الكتاب ليس كغيرنا ممن طرقوا هذا المجال وكتبوا الأبحاث الطويلة فيه ، إنما أردنا إلقاء الضوء على جوانب مهمة في فكر الشهيد أغفلتها معظم الأبحاث التي كتبت حول فكره ، وبالأخص الجوانب العملية منها والتي حددت مسار بعض الحركات الإسلامية التي نشأت على نهجه والتي أغفلت هذه الجوانب أو أخذت من فكر الشهيد ما يوافقها فقط .
لقد جمع المؤلف كتابه هذا من كتابات الشهيد دون إضافة وكان قد نشرها على حلقات في مجلة " الوعي " الصادرة في بيروت . فارتأينا جمعها وطباعتها نظرا لأهميتها وتعميما للفائدة .
جزى الله المؤلف عنّا وعنه كل خير ، وأن يكتبه لنا في خانة حسناتنا يوم لا ينفع إلا العمل الصالح .
سمير عزام
بيروت في 30 رمضان 1413 هـ
_____________________
مقدمة
لقد حجب بهرج الحضارة الغربية الرؤية الصحيحة عند الأمة ، وغشّى بصرها . فعاشت مختلطة الفكر ، مختلطة المشاعر وشاب ولاءها ألف شائبة . وتركت التحاكم لشرع الله القويم ، فسلط الله عليها حكاما جثمانهم جثمان إنس وقلوبهم قلوب شياطين . سلط عليها من لا يخافه ولا يرحمها . وأذاقها مرارة البعد عن شرعه الحنيف ، وألبسها لباس الخوف والجوع ، وسامها ذل الهوان ..وتحقق فيها قول الله تعالى : ( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا )
إنها آية تتضمن سنّة . ولكن سنة الله هذه ، والتي جعلها الله ماضية في عباده ، جعل فيها رحمة الأوبة الحميدة والتوبة لمن أراد أن يذكّر . فمن ترك أمرا من أمور الشرع أحوجه الله إليه . والله سبحانه أحوج هذه الأمة بعد أن أدركها ضنك البعد ن لأن تعي واقعها السيء ، وواقع الفكر الغربي الذي أرادها . وواقع الإسلام الذي فيه نجاتها في الدنيا والآخرة . لذلك نراها اليوم تعود ، بعد أن عمت وصحّت ، وعلى بصيرة ، إلى أمر ربها .
ولقد عاش ليل هذه الأمة ، بعض أفرادها . ولفرط إحساسهم كانوا الأكثر ألما . ولبعد نظرهم كانوا الأكثر أملا . استناروا في ظلمة الليل البهيم هذا ، بوحي الله الحنيف . فاقتبسوا منه نورا وأدركوا أنه لابد أن الليل سيدبر، وأن الصبح سيسفر . ونادوا الأمة ولات حين استجابة . نادوا فلم يسمعهم إلا القليل ، لا لعلة في الصوت ولكن لأنه ضرب على آذان الناس في الكهف سنين عددا .
غير أن كثرة الضربات ، وقوة الهزات التي أصابت الأمة وما تزال جعلها تفزع إلى الله من جديد ، وتصغي بعد طول انتظار إلى هؤلاء النفر الغرباء . فانفكت بذلك عنهم غربتهم ، وصاروا يحيون بين الناس بأفكارهم وإن فنيت أجسادهم وبليت عظامهم . وكان هذا دليل حياة ذلك أن فكرهم الحي لا يستسيغه إلا الأحياء .
ولئن كانت لحالة الانحطاط علماؤها المنهزمون الذين سعوا إلى تسويق أفكار الغرب وترويج بضاعته على أن الحكمة التي أمرنا الرسول بأخذها من أي وعاء خرجت . كذلك فقد كان لحالة الصحوة هذه رجالها الأبرار الذين قاموا ينادون في الظلمات أنه لا إلـه إلا الله . رجال قد فرغت نفوسهم من حظ نفوسهم . رجال قالوا كلمة الحق ولم يخافوا في الله لومة لائم ولم ينتظروا من الناس جزاء ولا شكورا .رجال لم يهمهم الموت طالما أن فيه حياة أمة . رجال ما زاغ بصرهم وما طغى . رجال لم يلههم بيع ولا تجارة عن ذكر الله رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا . رجال وعوا الحق وعملوا عل إحقاقه . فجن لهم الحكام ، وقاموا يساومونهم فلم يفلحوا . فعمدوا إلى النيل منهم جسدا وفكرا . فنالوا من الأول ولم يظفروا من الثاني بنائلة .
ومن هؤلاء النفر كان سيد قطب – رحمه الله –
فقد كانت كتاباته غنية متفجرة ، رقت فكرا وفاضت مشاعر . وامتازت بحيويتها حين تعرضت لمشاكل الناش القائمة وعالجت قضاياهم . وبعمقها حين جعلت العقيدة الإسلامية هي أساس المعالجة . وبشمولها حين عرضت عالمية العقيدة والدولة الإسلامية وإنسانية النظام . وبوعيها حين وضعت يدها على لب المشكلة وحقيقة العلاج ، وبمنهجيتها حين صبت كل اهتمامها على تحقيق فكرة الحاكمية لله ببعديها العقائدي ولعملي .
والدليل الاوفى على أن سيدا – رحمه الله – مازال حيا هو تنامي فكره بين المسلمين والرجوع إلى كتاباته ليسترشدوا بها في ظلمات ليلهم الحالك .
ولئن أخذ البعض على سيّد انفعاليته فإننا نحمل الطواغيت وزرها .
إن قراءة فكر سيّد يحتاج إلى روية وإمعان ليخرج منه منهجا فيه خصائص التغيير ، منهجا يتسم بالمعالجة الجذرية كما أراد ، منهجا يستغل الانفعالات فيضعها في إطارها الصحيح الذي يخدم صوابية الطرح ويكون ذخرا لإخلاص الأتباع ، منهجا يخضع للأصول والضوابط الفقهية ...
إن فكر سيد – رحمه الله – مهم ، خاصة في هذه المرحلة التي يحاول البعض التلبيس على الناس نظرتهم إلى الحكام ..
ومهم لأنه يضع الدعوة على صعيدها الصحيح ، فبرز الصراع الفكري والكفاح السياسي على حقيقتهما .
ومهم لأنه يبرز أن الدعوة اليوم هي تتمة لسلسة الدعوات السابقة ولا يجوز أن تختلف عنها بحال .
ومهم لأنه يضيف إلى الفكر التغييري الجذري الذي يحاول جاهدا أن يثبت موقعه في قلوب المسلمين ن ما عزز هذا الفكر ويسهل مروره إلى قلوبهم وعقولهم ..
من هنا كان اختيارنا لبعض المواضيع التي جمعناها من اماكن شتى من كتاباته وعسى أن يكون عملا صالحا لسيّد ولنا وللأمة في الدنيا والآخرة .
والله من وراء القصد . والحمد لله رب العالمين
عبد الله الطرابلسي
في 1 رمضان 1413هـ
يتبع
ابو شجاع
05-02-2007, 12:30 PM
الخلافة قضية الأمة المصيرية
منذ أن قضى الكافر المستعمر على دولة الخلافة عام 1342 هـ على يد الخائن أتاتورك أصبحت بلاد المسلمين دار كفر بل أصبح العالم كله دار كفر . وقد عمل الغرب على إبعاد فكرة الخلافة عن الأذهان وصار المسلمون يتحرجون من ذكرها مع أنه لا قيام للدين إلا بها كما قال ابن تيمية رحمه الله في كتاب " السياسة الشرعية " وكما قال القرطبي وكما قال جماهير العلماء في الأمة الإسلامية .
* * *
ظلت أهمية الدولة لإسلامية بعيدة عن وعي الأمة فترة من الزمن ن ولكنها وبعد النكبات الأليمة والهزات العنيفة التي أصابتها بدأت الحيوية تدب فيها وبدأت تصحو من غفوتها وبدأت الأصوات الخافتة تنطلق من هنا وهناك مطالبة بعودة الخلافة. وجن جنون الاستعمار ، وانطلقت الأفكار الظلامية مدافعة نفسها ، وسخرت الأقلام الرجعية للتشكيك بوجود الدولة في الإسلام ، ولكن أصوات الحق الخافتة – رغم الاضطهاد الوحشي الذي قاسته - ظلت تعلو وتتفاعل مع الأمة المنكوبة التي يئست من كل الطروحات ولم يعد عندها أمل ، إلا بعودة الخلافة . نعم لقد أصبحت الخلافة مطلبا عند الأمة رغم كل المحاولات التي بذلت لصرفها عن هذه القضية المصيرية سواء منها محاولات المعوقين الظلاميين الذين حاولوا التقليل من شأن الدولة الإسلامية من اجل إنزالها عن مستوى القضية المصيرية أو محاولة الطيبين البسطاء الذين آلمهم الداء ولكنهم أخطأوا في تشخيصه فمنهم من حسبه في الفقر والمرض ، ومنهم من حسبه كامنا في الأخلاق ، ومنهم من حسبه الشرك والكفر الفردي دون أن يفرقوا بين كفر المجتمع الناشئ عن إلغاء الخلافة وبين كفر الأفراد .
إن الحل لا يتأتى والنهضة لا تتحقق إلا بعودة الخلافة ، وهذا أصبح بديهيا عند الأمة لا يماري فيه إلا مأجور تحركه عمالته أو بائس سلبته ثقافة الغرب فكره ويائس عجز عن اللحاق بركب أمته .
إن الدولة في الإسلام ليست نافلة ولا تطوعا ولا موضع اختيار. وإنما هي الحياة الإسلامية بوجودها الواقعي ،
وبدونها ليست هناك حياة إسلامية ولا تعتبر بلاد المسلمين دار الإسلام بل تبقى دار كفر مهما كثرت مساجدها ومهما بلغت نسبة المسلمين فيها.
لنقرأ هذه المقتطفات من كتاب "ظلال القرآن" للشهيد سيد قطب رحمه الله ليخبرنا بأساس الداء الذي هو إقصاء شريعة الله عن الحكم، يقول الشهيد رحمه الله .
لا إسلام بدون دولة :
" الإسلام دين واقعي , يدرك أن النواهي والتوجيهات وحدها لا تكفي ، ويدرك أن الدين لا يقوم بدون دولة وبدون سلطة .
وأن الدين هو المنهج أو النظام الذي تقوم عليه حياة الناس العملية , وليس مجرد
مشاعر وجدانية تعيش في الضمير بلا سلطة ولا تشريع وبلا منهج محدد ودستور معلوم " في ظلال القرآن ج 1/601
" إن الدين منهج حياة . منهج حياة واقعية . بتشكيلاتها وتنظيماتها , وأوضاعها , وقيمها , وأخلاقها وآدابها . وعباداتها وشعائرها كذلك .
وهذا كله يقضي أن يكون للرسالة سلطان . سلطان يحقق المنهج , وتخضع له النفوس
... طاعة وتنفيذ
والله أرسل رسله ليطاعوا - بإذنه وفي حدود شرعه - في تحقيق منهج الدين . منهج الله الذي أراده لتصريف هذه الحياة . وما من رسول إلا أرسله الله , ليطاع , بإذن الله . فتكون طاعته طاعة لله (...) ومن هنا كان تاريخ الإسلام كما كان : كان دعوة وبلاغا . ونظام وحكما . وخلافة بعد ذلك عن رسول الله تقوم بقوة الشريعة والنظام , على تنفيذ الشريعة والنظام .لتحقيق الطاعة الدائمة للرسول . وتحقيق إرادة الله من إرسال الرسول . وليست هنالك صورة أخرى يقال لها : الإسلام . أو يقال لها : الدين . إلا أن تكون طاعة للرسول , محققة في وضع وفي تنظيم " ج2/696
"إنه إما حكم الله , وإما حكم الجاهلية . ولا وسط بين الطرفين ولا بديل . . حكم الله يقوم في الأرض , وشريعة الله تنفذ في حياة الناس , ومنهج الله يقود حياة البشر . . أو أنه حكم الجاهلية , وشريعة الهوى , ومنهج العبودية . . فأيهما يريدون ?
﴿أفحكم الجاهلية يبغون ? ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون؟ ﴾المائدة 50
(...) إنه مفرق الطريق , الذي لا معدى عنده من الاختيار ; ولا فائدة في المماحكة عنده ولا الجدال . .
إما إسلام وإما جاهلية .. إما إيمان وإما كفر. . إما حكم الله وإما حكم الجاهلية..
والذين لا يحكمون بما أنزل الله هم الكافرون الظالمون الفاسقون ،
والذين لا يقبلون حكم الله من المحكومين ما هم بمؤمنين . .
إن هذه القضية يجب أن تكون واضحة وحاسمة في ضمير المسلم ; وألا يتردد في تطبيقها على الأعدء واقع الناس في زمانه ; والتسليم بمقتضى هذه الحقيقة ونتيجة هذا التطبيق على والأصدقاء !
وما لم يحسم ضمير المسلم في هذه القضية , فلن يستقيم له ميزان ; ولن يتضح له منهج , ولن يفرق في ضميره بين الحق والباطل ; ولن يخطو خطوة واحدة في الطريق الصحيح . . وإذا جاز أن تبقى هذه القضية غامضة أو مائعة في نفوس الجماهير من الناس ; فما يجوز أن تبقى غامضة ولا مائعة في نفوس من يريدون أن يكونوا "المسلمين" وأن يحققوا لأنفسهم هذا الوصف العظيم . " ج2/904-905
دعاة الترقيع يطعنون الدين :
" إن بعض هؤلاء المتحمسين لهذا الدين ليشغلون بالهم وبال الناس ببيان إن كان هذا القانون , أو هذا الإجراء , أو هذا القول , منطبقاً على شريعة الله أو غير منطبق . . وتأخذهم الغيرة على بعض المخالفات هنا وهناك . . كأن الإسلام كله قائم , فلا ينقص وجوده وقيامه وكماله إلا أن تمتنع هذه المخالفات ! ! هؤلاء المتحمسون الغيورون على هذا الدين , يؤذون هذا الدين من حيث لا يشعرون . بل يطعنونه الطعنة النجلاء بمثل هذه الاهتمامات الجانبية الهزيلة . . . إنهم يؤدون شهادة ضمنية لهذه الأوضاع الجاهلية . شهادة بأن هذا الدين قائم فيها , لا ينقصه ليكمل إلا أن تصحح هذه المخالفات . بينما الدين كله متوقف عن "الوجود" أصلاً , ما دام لا يتمثل في نظام وأوضاع , الحاكمية فيها لله وحده من دون العباد .
إن وجود هذا الدين هو وجود حاكمية الله . فإذا انتفى هذا الأصل انتفى وجود هذا الدين . . وإن مشكلة هذا الدين في الأرض اليوم , لهي قيام الطواغيت التي تعتدي على ألوهية الله , وتغتصب سلطانه , وتجعل لأنفسها حق التشريع بالإباحة والمنع في الأنفس والأموال والأولاد . . وهي هي المشكلة التي كان يواجهها القرآن الكريم بهذا الحشد من المؤثرات والمقررات والبيانات , ويربطها بقضية الألوهية والعبودية , ويجعلها مناط الإيمان أو الكفر , وميزان الجاهلية أو الإسلام . "ج3/1216-1217
يتبع
ابو شجاع
05-05-2007, 01:05 PM
المشكلة الأساسية هي في وجود أنظمة الكفر:
" أحسب - والله أعلم - أنه كان من ثمرة اليأس من هذا الدين أن عدل اليهود والصهيونيون والنصارى الصليبيون عن مواجهة الإسلام جهرة عن طريق الشيوعية أو عن طريق التبشير ; فعدلوا إلى طرائق أخبث , وإلى حبائل أمكر . . لجأوا إلى إقامة أنظمة وأوضاع في المنطقة كلها تتزيا بزي الإسلام ; وتتمسح في العقيدة ; ولا تنكر الدين جملة . . ثم هي تحت هذا الستار الخادع , تنفذ جميع المشروعات التي أشارت بها مؤتمرات التبشير وبروتوكولات صهيون , ثم عجزت عن تنفيذها كلها في المدى الطويل !
إن هذه الأنظمة والأوضاع ترفع راية الإسلام - أو على الأقل تعلن احترامها للدين - بينما هي تحكم بغير ما أنزل الله ; وتقصي شريعة الله عن الحياة ; وتحل ما حرم الله ; وتنشر تصورات وقيما مادية عن الحياة والأخلاق تدمر التصورات والقيم الإسلامية ; وتسلط جميع أجهزة التوجيه والإعلام لتدمير القيم الأخلاقية الإسلامية , وسحق التصورات والاتجاهات الدينية ; وتنفذ ما نصت عليه مؤتمرات المبشرين وبروتوكولات الصهيونيين , من ضرورة إخراج المرأة المسلمة إلى الشارع , وجعلها فتنة للمجتمع , باسم التطور والتحضر ومصلحة العمل والإنتاج ; بينما ملايين الأيدي العاملة في هذه البلاد متعطلة لا تجد الكفاف ! وتيسر وسائل الانحلال وتدفع الجنسين إليها دفعا بالعمل والتوجيه . . كل ذلك وهي تزعم أنها مسلمة وأنها تحترم العقيدة ! والناس يتوهمون أنهم يعيشون في مجتمع "إسلامي" (....) , أليس الطيبون منهم يصلون ويصومون ? أما أن تكون الحاكمية لله وحده أو تكون للأرباب المتفرقة , فهذا ما قد خدعتهم عنه الصليبية والصهيونية والتبشير والاستعمار والاستشراق وأجهزة الإعلام الموجهة (...) وإمعانا في الخداع والتضليل ; وإمعانا من الصهيونية العالمية والصليبية العالمية في التخفي , فإنها تثير حروبا مصطنعة - باردة أو ساخنة - وعداوات مصطنعة في شتى الصور , بينها وبين هذه الأنظمة والأوضاع التي أقامتها والتي تكفلها بالمساعدات المادية والأدبية , وتحرسها بالقوى الظاهرة والخفية , وتجعل أقلام مخابراتها في خدمتها وحراستها المباشرة !
تثير هذه الحروب المصطنعة والعداوات المصطنعة , لتزيد من عمق الخدعة ; ولتبعد الشبهة عن العملاء , الذين يقومون لها بما عجزت هي عن إتمامه في خلال ثلاثة قرون أو تزيد ، من تدمير القيم "الإسلامية " ; وسحق العقائد والتصورات ; وتجريد المسلمين في هذه الرقعة العريضة من مصدر قوتهم الأول . . وهو قيام حياتهم على أساس دينهم وشريعتهم (...) فإذا بقيت بقية في هذه الرقعة لم تجز عليها الخدعة ; ولم تستسلم للتخدير باسم الدين المزيف ; وباسم الأجهزة الدينية المسخرة لتحريف الكلم عن مواضعه (...). إذا بقيت بقية كهذه سلطت عليها الحرب الساحقة الماحقة ; وصبت عليها التهم الكاذبة الفاجرة وسحقت سحقا , بينما وكالات الأنباء العالمية وأجهزة الإعلام العالمية خرساء صماء عمياء !!!
ذلك بينما الطيبون السذج من المسلمين يحسبون أنها معركة شخصية , أو طائفية , لا علاقة لها بالمعركة المشبوبة مع هذا الدين ; ويروحون يشتغلون في سذاجة بلهاء - من تأخذه الحمية للدين منهم وللأخلاق - بالتنبيه إلى مخالفات صغيرة , وإلى منكرات صغيرة , ويحسبون أنهم أدوا واجبهم كاملا بهذه الصيحات الخافتة . . بينما الدين كله يسحق سحقا , ويدمر من أساسه ; وبينما سلطان الله يغتصبه المغتصبون , وبينما الطاغوت - الذي أمروا أن يكفروا به - هو الذي يحكم حياة الناس جملة وتفصيلا ! " ج2/1033-1034
يجب البدء من الخلافة وتغيير المجتمع والانتهاء بالفرد وليس العكس :
إن الجهد الأصيل , والتضحيات النبيلة يجب أن تتجه أولا إلى إقامة المجتمع الخير . . والمجتمع الخير هو الذي يقوم على منهج الله . . قبل أن ينصرف الجهد والبذل والتضحية إلى إصلاحات جزئية , شخصية وفردية ; عن طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
إنه لا جدوى من المحاولات الجزئية حين يفسد المجتمع كله ; وحين تطغى الجاهلية , وحين يقوم المجتمع على غير منهج الله ; وحين يتخذ له شريعة غير شريعة الله . فينبغي عندئذ أن تبدأ المحاولة من الأساس , وأن تنبت من الجذور ; وأن يكون الجهد والجهاد لتقرير سلطان الله في الأرض . . وحين يستقر هذا السلطان يصبح الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شيئا يرتكن إلى أساس .
وهذا يحتاج إلى إيمان . وإلى إدراك لحقيقة هذا الإيمان ومجاله في نظام الحياة . فالإيمان على هذا المستوى هو الذي يجعل الاعتماد كله على الله ; والثقة كلها بنصرته للخير - مهما طال الطريق - واحتساب الأجر عنده , فلا ينتظر من ينهض لهذه المهمة جزاء في هذه الأرض , ولا تقديرا من المجتمع الضال , ولا نصرة من أهل الجاهلية في أي مكان !
إن كل النصوص القرآنية والنبوية التي ورد فيها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كانت تتحدث عن واجب المسلم في مجتمع مسلم . مجتمع يعترف ابتداء بسلطان الله , ويتحاكم إلى شريعته (...) فأما المجتمعات الجاهلية التي لا تتحاكم إلى شريعة الله , فالمنكر الأكبر فيها والأهم , فهو المنكر الذي تنبع منه كل المنكرات . . هو رفض ألوهية الله برفض شريعته للحياة . . وهذا المنكر الكبير الأساسي الجذري هو الذي يجب أن يتجه إليه الإنكار , قبل الدخول في المنكرات الجزئية , التي هي تبع لهذا المنكر الأكبر , وفرع عنه , وعرض له . .
إنه لا جدوى من ضياع الجهد . . جهد الخيرين الصالحين من الناس . . في مقاومة المنكرات الجزئية , الناشئة بطبيعتها من المنكر الأول : منكر الجرأة على الله وادعاء خصائص الألوهية , ورفض ألوهية الله , برفض شريعته للحياة . . لا جدوى من ضياع الجهد في مقاومة منكرات هي مقتضيات ذلك المنكر الأول وثمراته النكدة بلا جدال .
على أنه إلام نحاكم الناس في أمر ما يرتكبونه من منكرات ? بأي ميزان نزن أعمالهم لنقول لهم:إن هذا منكر فاجتنبوه ? أنت تقول:إن هذا منكر ; فيطلع عليك عشرة من هنا ومن هناك يقولون لك:كلا ! ليس هذا منكرا . لقد كان منكرا في الزمان الخالي ! والدنيا "تتطور" , والمجتمع "يتقدم" وتختلف الاعتبارات ! (...)
إنه لا بد من الاتفاق مبدئيا على حكم , وعلى ميزان , وعلى سلطان , وعلى جهة يرجع إليها المختلفون في الآراء والأهواء . .
لا بد من الأمر بالمعروف الأكبر وهو الاعتراف بسلطان الله ومنهجه للحياة . والنهي عن المنكر الأكبر وهو رفض ألوهية الله برفض شريعته للحياة . . وبعد إقامة الأساس يمكن أن يقام البنيان ! فلتوفر الجهود المبعثرة إذن , ولتحشد كلها في جبهة واحدة , لإقامة الأساس الذي عليه وحده يقام البنيان !
وإن الإنسان ليرثي أحيانا ويعجب لأناس طيبين , ينفقون جهدهم في "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" في الفروع ; بينما الأصل الذي تقوم عليه حياة المجتمع المسلم ; ويقوم عليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , مقطوع !
فما غناء أن تنهي الناس عن أكل الحرام مثلا في مجتمع يقوم اقتصاده كله على الربا ; فيستحيل ماله كله حراما ; ولا يملك فرد فيه أن يأكل من حلال . . لأن نظامه الاجتماعي والاقتصادي كله لا يقوم على شريعة الله . لأنه ابتداء يرفض ألوهية الله برفض شريعته للحياة ?!
وما غناء أن تنهي الناس عن الفسق مثلا في مجتمع قانونه لا يعتبر الزنا جريمة - إلا في حالة الإكراه - ولا يعاقب حتى في حالة الإكراه بشريعة الله . . لأنه ابتداء يرفض ألوهية الله برفض شريعته للحياة ?!
ما غناء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مثل هذه الأحوال ? ما غناء النهي عن هذه الكبائر - فضلا عن أن يكون النهي عن الصغائر - والكبيرة الكبرى لا نهي عنها . . كبيرة الكفر بالله ; برفض منهجه للحياة ?!
إن الأمر أكبر وأوسع وأعمق , مما ينفق فيه هؤلاء "الطيبون" جهدهم وطاقتهم واهتمامهم . . إنه - في هذه المرحلة - ليس أمر تتبع الفرعيات - مهما تكن ضخمة حتى ولو كانت هي حدود الله . فحدود الله تقوم ابتداء على الاعتراف بحاكمية الله دون سواه . فإذا لم يصبح هذا الاعتراف حقيقة واقعة ; تتمثل في اعتبار شريعة الله هي المصدر الوحيد للتشريع ; واعتبار ربوبية الله وقوامته هي المصدر الوحيد للسلطة . . فكل جهد في الفروع ضائع ; وكل محاولة في الفروع عبث . . والمنكر الأكبر أحق بالجهد والمحاولة من سائر المنكرات . ."ج2/949-951
ابو شجاع
05-08-2007, 01:23 PM
دور العقل في الشريعة الإسلامية
دور العقل:
" إن دور هذا العقل أن يتلقى عن الرسالة، ووظيفته أن يفهم ما يتلقاه عن الرسول(...) وليس دور العقل أن يكون حاكماً على الدين ومقرراته من حيث الصحة والبطلان، والقبول أو الرفض، بعد أن يتأكد من صحة صدورها عن الله، وبعد أن يفهم المقصود بها، أي المدلولات اللغوية والاصطلاحية للنص (...) فهذه الرسالة تخاطب العقل بمعنى أنها توقظه وتوجهه وتقيم له منهج النظر الصحيح... لا بمعنى أنه هو الذي يحكم بصحتها أو بطلانها وبقبولها أو رفضها. ومتى ثبت النص كان هو الحكم، وكان على العقل البشري أن يقبله ويطيعه وينفذه سواء كان مدلوله مألوفاً له أو غريباً عليه (...) فالمنهج الصحيح في التلقي عن الله هو ألا يواجه العقل مقررات الدين الصحيحة ـ بعد أن يدرك المقصود بها ـ بمقررات له سابقة عليها، كوَّنها لنفسه من مقولاته المنطقية أو من ملاحظاته المحدودة أو من تجاربه الناقصة… إنما المنهج الصحيح أن يتلقى النصوص الصحيحة، ويكون منها مقرراته هو، فهي أصح من مقرراته الذاتية ومنهجها أقوم من منهجه الذاتي، ومن ثم لا يحاكم العقل مقررات الدين ـ متى صح عنده أنها من الله ـ إلى أية مقررات أخرى من صنعه الخاص! فالعقل
ليس إلهاً ليحاكم بمقرراته الخاصة مقررات الله (...)…
فإذا قال الله سبحانه: " وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ " المائدة :44 ، " يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا " البقرة :278 ، " وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى " الأحزاب: 33" وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ " النور : 31َ
إلى آخر ما قال في شأن منهج الحياة البشرية فالحق هو ما قال سبحانه، وليس للعقل أن يقول ولكني أرى المصلحة في كذا وكذا. " ج2/806 ـ 808
" إنه لا بد من ضوابط للحياة… حياة المرء مع نفسه وحياته مع غيره من الناس ومن الأحياء والأشياء عامة… الناس من الأقربين والأبعدين، ومن الجماعة والأمة، ومن الأصدقاء والأعداء… والأحياء مما سخر للإنسان يسخر… والأشياء مما يحيط بالإنسان في هذا الكون العريض… ثم حياته مع ربه ومولاه وعلاقته به وهي أساس كل حياة. والإسلام يقيم هذه الضوابط في حياة الناس، يقيمها ويحدده بدقة ووضوح، ويربطها كلها بالله سبحانه فلا يكون الأمر فيها للأهواء والشهوات المتقلبة، ولا للمصالح العارضة التي يراها فرد أو تراها مجموعة أو تراها أمة أو يراها جيل من الناس فيحطمون في سبيلها تلك الضوابط؛ فهذه الضوابط التي أقامها الله وحددها هي «المصلحة» ما دام أن الله هو الذي أقامها للناس… هي المصلحة ولو رأى فرد أو رأت مجموعة أو رأت أمة من الناس أو جيل أن المصلحة غيرها! فالله يعلم والناس لا يعلمون! وما يقرره الله خير لهم مما يقررون! وأدنى مراتب الأدب مع الله سبحانه أن يتهم الإنسان تقديره الذاتي للمصلحة أمام تقدير الله. أما حقيقة الأدب فهي أن لا يكون له تقدير إلا ما قدر الله، وألا يكون له مع تقدير الله إلا الطاعة والقبول الاستسلام مع الرضى والثقة والاطمئنان. " ج2/835
مصلحة الدعوة:
" قد تدفع الحماسة والحرارة أصحاب الدعوات ـ بعد الرسل ـ والرغبة الملحة في انتشار الدعوات وانتصارها، تدفعهم إلى استمالة بعض الأشخاص أو بعض العناصر بالإغضاء في أول الأمر عن شيء من مقتضيات الدعوة يحسبونه هم ليس أصيلاً فيها، ومجاراتهم في بعض أمرهم كي لا ينفروا من الدعوة ويخاصموها! ولقد تدفعهم كذلك إلى اتخاذ وسائل وأساليب لا تستقيم مع موازين الدعوة الدقيقة ولا مع منهج الدعوة المستقيم، وذلك حرصاً على سرعة الدعوة وانتشارها، واجتهاداً في تحقيق " مصلحة الدعوة ".
ومصلحة الدعوة الحقيقية في استقامتها على النهج دون انحراف قليل أو كثير، أما النتائج فهي غيب لا يعلمه إلا الله، فلا يجوز أن يحسب حملة الدعوة حساب هذه النتائج، إنما يجب أن يمضوا على نهج الدعوة الواضح الصريح الدقيق، وأن يدعوا نتائج هذه الاستقامة لله، ولن تكون إلا خيراً في نهاية المطاف (...).
إن كلمة " مصلحة الدعوة" يجب أن ترتفع من قاموس أصحاب الدعوات، لأنها مزلة ومدخل للشيطان يأتيهم منه (...) إن على أصحاب الدعوة أن يستقيموا على نهجها ويتحروا هذا النهج دون التفات إلى ما يعقبه هذا التحري من نتائج قد يلوح لهم أن فيها خطراً على الدعوة وأصحابها! فالخطر الوحيد الذي يجب أن يتقوه هو خطر الانحراف كثيراً أو قليلاً. والله أعرف منهم بالمصلحة وهم ليسوا بها مكلفين، إنما هم مكلفون بأمر واحد: ألا ينحرفوا عن المنهج، وألا يحيدوا عن الطريق. " ج4/ 2435 ـ 2436
أصحاب الرسالات يرفضون المشاركة:
" إن التجمع الجاهلي بطبيعة تركيبه العضوي، لا يسمح لعنصر مسلم أن يعمل من داخله، إلا أن يكون عمل المسلم وجهده وطاقته لحساب التجمع الجاهلي، ولتوطيد جاهليته! والذين يخيل إليهم أنهم قادرون على العمل لدينهم من خلال التسرب في المجتمع الجاهلي والتميع في تشكيلاته وأجهزته هم ناسٌ لا يدركون الطبيعة العضوية للمجتمع هذه الطبيعة التي ترغم كل فرد داخل المجتمع أن يعمل لحساب هذا المجتمع ولحساب منهجه وتصوره... لذلك يرفض الرسل الكرام أن يعودوا في ملة قومهم بعد إذ نجاهم الله منها " . ج4/2092 " وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ " إبراهيم : 13 . فهم لا يقبلون من الرسل والذين آمنوا معهم أن يتميزوا وينفصلوا بعقيدتهم وبقيادتهم وبتجمعهم الخاص، إنما يطلبون إليهم أن يعودوا في ملتهم ويندمجوا في تجمعهم ويذوبوا في هذا المجتمع أو أن يطردوهم بعيداً وينفوهم من أرضهم. ولم يقبل الرسل الكرام أن يندمجوا في التجمع الجاهلي (...) ولم يقولوا ـ كما يقول ناسٌ ممن لا يدركون حقيقة الإسلام ولا حقيقة التركيب العضوي للمجتمعات -: " حسناً! فلنندمج في ملتهم كي نزاول دعوتنا ونخدم عقيدتنا من خلالهم " ج4/2101 . " لأن وجودهم على هذا النحو ـ مهما كثر عددهم ـ لا يمكن أن يؤدي إلى وجود فعلي للإسلام، لأن الأفراد " المسلمين نظرياً " الداخلين في التركيب العضوي للمجتمع الجاهلي سيظلون مضطرين حتماً للاستجابة لمطالب هذا المجتمع العضوية، سيتحركون ـ طوعاً أو كرهاً بوعي أو بغير وعي ـ لقضاء الحاجات الأساسية لحياة هذا المجتمع الضرورية لوجوده، وسيدافعون عن كيانه، وسيدفعون العوامل التي تهدد وجوده وكيانه، لأن الكائن العضوي يقوم بهذه الوظائف بكل أعضائه سواء أرادوا أم لم يريدوا.. أي أن الأفراد المسلمين " نظرياً " سيظلون يقومون " فعلا " بتقوية المجتمع الجاهلي الذي يعملون نظريا لإزالته، وسيظلون خلايا حية في كيانه تمده بعناصر البقاء والامتداد! وسيعطونه كفاياتهم وخبراتهم ونشاطهم ليحيا بها ويقوى، وذلك بدل أن تكون حركتهم في اتجاه تقويض هذا المجتمع الجاهلي لإقامة المجتمع الإسلامي " . ( معالم في الطريق: نشأة المجتمع وخصائصه)
يتبع
ابو شجاع
05-13-2007, 12:27 PM
الدين أساس التحرك وليس الواقع:
" الدين لا يواجه الواقع أياً كان ليقره ويبحث له عن سندٍ منه، وعن حكم شرعي يعلقه عليه كاللافتة المستعارة، إنما يواجه الواقع ليزنه بميزانه، فيقر منه ما يقر، ويلغي منه ما يلغي، وينشئ واقعاً غيره إن كان لا يرتضيه. " معالم في الطريق: (لا إله إلا الله) منهج حياة.
" إنه ليست هنالك مناهج متعددة للمؤمن أن يختار واحد منها، أو يخلط واحداً منها بواحد كلا! إنه من لا يدخل في السلم بكليته، ومن لا يسلم نفسه خالصة لقيادة الله وشريعته، ومن لا يتجرد من كل تصور آخر ومن كل منهج آخر ومن كل شرع آخر، إن هذا في سبيل الشيطان سائر على خطوات الشيطان. ليس هنالك حل وسط، لا منهج بين بين، ولا خطة نصفها من هنا ونصفها من هناك! إنما هناك حق وباطل، هدى ضلال، إسلام وجاهلية " ج1/211 . و " ليس هناك أنصاف حلول ولا التقاء في منتصف الطريق ولا إصلاح عيوب ولا ترقيع مناهج.. إنما هي الدعوة إلى الإسلام كالدعوة إليه أول ما كان، الدعوة بين الجاهلية، والتميز الكامل عن الجاهلية " لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ "الكافرون : 6.. وبغير هذه المفاصلة سيبقى الغبش وتبقى المداهنة ويبقى اللبس ويبقى الترقيع، والدعوة إلى الإسلام لا تقوم على هذه الأسس المدخولة الواهنة الضعيفة، إنها لا تقوم إلى على الحسم والصراحة والشجاعة والوضوح، وهذا هو طريق الدعوة الأول " لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ " . "ج6/3993
لسنا مسؤولين عن النتائج:
" ليس للدعاة في أنفسهم شيء، وليس لهم من أمرهم شيء، إنما هم وما ملكت أيديهم لله، يصرفهم كيف يشاء، ويختار لهم ما يريد، وإن هم إلا بعض هذا الوجود الذي يسير وفق الناموس العام. وخالق هذا الوجود ومدبره يحركهم مع حركة الوجود العام، ويقسم لهم دورهم في رواية الوجود الكبيرة ويقرر حركاتهم على مسرح الوجود العظيم. وليس لهم أن يختاروا الدول الذين يقومون به، لأنهم لا يعرفون الرواية كاملة وليس لهم أن يختاروا الحركة التي يحبونها لأن ما يحبونه قد لا يستقيم مع الدور الذي خصص لهم! وهم ليسوا أصحاب الرواية ولا المسرح، وإن هم إلا أجراء، لهم أجرهم على العمل، وليس لهم ولا عليهم في النتيجة " ج5/2866 . " إن عليهم أن يؤدوا واجبهم ثم يذهبوا، وواجبهم أن يختاروا الله، وأن يؤثروا العقيدة على الحياة، وأن يستعلوا بالإيمان على الفتنة، وأن يصدقوا الله بالعمل والنية، ثم يفعل الله بهم وبأعدائهم كما يفعل بدعوته ودينه ما يشاء، وينتهي بهم إلى نهاية من تلك النهايات التي عرفها تاريخ الإيمان أو إلى غيرها مما يعلمه هو يراه. إنهم أجراء عند الله، أينما وحيثما وكيفما أرادهم أن يعملوا عملوا وقبضوا الأجر المعلوم، وليس لهم ولا عليهم أن تتجه الدعوة إلى أي مصير فذلك شأن صاحب الأمر لا شأن الأجير. وهم يقبضون الدفعة الأولى طمأنينة في القلب، ورفعة في الشعور، وجمالاً في التصور، وانطلاقاً من الإرهاق والجواذب، وتحرراً من الخوف والقلق، في كل حال من الأحوال. وهم يقبضون الدفعة الثانية ثناء في الملأ الأعلى وذكراً وكرامة، وهم بعد في هذه الأرض الصغيرة. ثم هم يقبضون الدفعة الكبرى في الآخرة حساباً يسيراً ونعيماً كبيراً. ومع كل دفعة ما هو أكبر منها جميعاً: رضوان الله. " (معالم في الطريق: هذا هو الطريق )
يتبع
النصر قادم
10-08-2008, 09:37 PM
أخي الكريم : أبو شجاع
أصحاب العقول الكبيرة يناقشون الأفكار
وأصحاب العقول المتوسطة يناقشون الأحداث
وأصحاب العقول الصغيرة يناقشون الأشخاص
وهذا سيدي : سيد قطب رحمه الله من أصحاب العقول الكبيرة ... تماماً كما عهدناه دوماً عملاقاً ربانيا
رحم الله سيد قطب, ونسأل الله العظيم, رب العرش الكريم, أن يجمعنا وإياه في عليين مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا
ابو شجاع
10-09-2008, 01:15 PM
أخي الكريم : أبو شجاع
أصحاب العقول الكبيرة يناقشون الأفكار
وأصحاب العقول المتوسطة يناقشون الأحداث
وأصحاب العقول الصغيرة يناقشون الأشخاص
وهذا سيدي : سيد قطب رحمه الله من أصحاب العقول الكبيرة ... تماماً كما عهدناه دوماً عملاقاً ربانيا
رحم الله سيد قطب, ونسأل الله العظيم, رب العرش الكريم, أن يجمعنا وإياه في عليين مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا
اخي الحبيب النصر قادم
ما اجملها من حكم تلك التي خططتها بيدك
رحم الله الشهيد سيد صاحب العقل الكبير والفكر المستنير
اجمل التحايا