عبد الله بوراي
04-29-2007, 03:50 AM
الجوزو: لبنان مُختطفٌ من أُمَراء الحَرْب
القاهرة/ عبد الرحمن أبو عوف 6/4/1428
23/04/2007
لا يبدو الشيخ "محمد علي الجوزو" مفتي جبل لبنان متفائلاً على الإطلاق تجاه التوصل لحل قريب للأزمة الحالية في لبنان، واصفاً لبنان بأنه مُختطف من قِبل أمراء الحرب، الذين حوّلوه إلى ساحةٍ لابتزاز الفصائل؛ من أجل مصالحهم، ومصالح قوى أجنبية ترغب في استمرار إخضاعه لهيمنتِها، وإعادة الحرب الأهليّة إلى ربوعه. الجوزو يتخذ موقفاً واضحاً في دعم ما يُسمّى الأكثرية، نافياً الاتهامات التي توجهها لها المعارضة، ويتساءل في حدة: ماذا قدّمت واشنطن لهذا الفريق؟ هل دعمته بالمال, أو بالسلاح مثلما تفعل إيران وسوريا؟
تصريحات الجوزو حول الأزمة السياسية في لبنان دائماً ما تثير ردود فعل متباينة، فهو يبدو حاداً في توجيه سهام النقد لتيار المعارضة، ولا يتردّد مثلاً في اتهام حزب الله، وحركة أمل بتعطيل المؤسسات الدستورية في لبنان. وفي السطور التالية نناقش مع د. محمد علي الجوزو مفتي جبل لبنان العديد من القضايا.
http://www2.0zz0.com/2007/04/29/03/89469588.jpg
تسود الساحة اللبنانية حالياً موجةٌ من الاضطرابات السياسية مع وجود احتمالات لتفجير الأوضاع. فما تعليقكم؟
لبنان الآن مُختطف من قِبل حزب الله، الذي وضعه في الإقامة الجبريّة، حيثُ يرغب في السيطرة عليه؛ بحجّة أن "انتصاره" على إسرائيل يسمح له بتغيير الواقع اللبناني، متجاهلاً ما آلت إليه الأوضاع من خرابٍ ودمارٍ لحق ببنيته الأساسية وموارده، و على الرغم من هذا فقد استمرّ الحزب في مساعيه للهيمنة على لبنان وفرض إرادته، بعد أن أدخل البلاد في طور أزمةٍ سياسية، بعد استقالة وزراء الحزب, وحركة أمل؛ لإعطاء إيحاء بأن الحكومة تفتقدُ الشرعيّة الدستوريّة بشكلٍ يجعلها عاجزةً عن إقرار المحكمة الدوليّة الخاصة باغتيال رئيس الوزراء السابق "رفيق الحريري"، وعدد من الشخصيات اللبنانيّة، خدمةً للفريق الذي قاد عمليات التصفية الجسديّة، التي بدأت بالحريري, ولم تنتهِ باغتيال بيّار الجميل، فحزب الله ينفِّذ في لبنان مُخططاً جهنّميًّا المقصود منه خدمة الأجندتين السورية والإيرانية، دون الوضع في الاعتبار مصلحة لبنان، وهو بذلك يكرِّس مخططات النظام السوري الذي حول لبنان إلى ساحة للابتزاز وتصفية الحسابات، وهو ما يمثّل العجرفة التي أصبح يتعامل بها حزب الله مع القوى الوطنية في لبنان، وإلاّ فبماذا تفسِّر دخول اعتصام حزب الله في بيروت شهره الثالث؟
هل يحدث هذا في دولة ديموقراطية؟ وهل يقبل النظام السوري ظهور اعتصامٍ ولو لنصف ساعة في أحد ساحات دمشق؟
هذا ما يؤكد أن هناك نيةً سيئةً من وراء هذا الاعتصام، الذي يرغب في إرباك الحكومة اللبنانيّة، وتعطيلِ المؤسسات التشريعيّة والرئاسيّة، والإضرار بصورة مُدبّرة بالاقتصاد. فهل هذا هو الانتصار الذي حققه حزب الله؟ وهل كان لزاماً على لبنان أن يسدِّدَ فاتورة "الانتصار" الذي حققه حزب الله مرتين؟
كأنك لا توافق على أن حزب الله قد انتصر؟
لا أعتقد بأيِّ حالٍ من الأحوال أن حزب الله قد انتصر، ولكنِّي أعتقد أن الهيمنة الأمريكية, والعجرفة الصهيونية هي التي خسرت جولة من جولات الصراع، فالمتتبّع لخسائر الطرفين يجدُ أن لبنان قد أُصيب بكارثةٍ سياسيّة واقتصاديّة وإستراتيجية. ومن يحدِّثنا عن صمود حزب الله، عليه أن يدركَ أن الحزب لم يصمدْ إلاّ أسبوعاً واحدًا بعد انتهاء القصف الجوي، الذي دمّر البنية التحتيّة اللبنانيّة فقد قُتل (4000) مدني لبناني، في حين لقي (80) مدنياً إسرائيلياً مصرعهم. وخسر حزب الله (600) من عناصره في حين قُتِل (120) جنديّاً إسرائيليّاً فقط، ثم دعني أؤكد لك شيئًا، وهو أن حزب الله كان مصرًّا على وقف إطلاق النار في الأيام الأخيرة بشكلٍ يتسم بالإلحاح الشديد عبر نبيه بري، الذي طلب من فؤاد السنيورة - رئيس الوزراء - التدخّل بكلِّ الطرق؛ لوقف الحرب غيرَ أن جهد السنيورة كوفئ بالتمرُّد عليه، وتخوينِه، والمطالبة بإسقاطه.
لكن حزب الله يدّعي أنه نجح في إعمار جزءٍ كبيرٍ مما دمّرته آلة الحرب الصهيونية؟
ليس حزب الله وحده من يقومُ بتعمير لبنان, بل إن الدول العربية قد دعمت هذه المساعي بشكلٍ سخي، غير أن هذا الإعمار يحتاج إلى وقتٍ طويل، فمثلاً يكتفي حزب الله بدفع مبلغ ستة آلاف دولار قادمة من إيران إلى أصحاب الفيلات والمباني الفخمة التي دُمِّرت في الجنوب، على الرغم من أن أصحابها أنفقوا عليها أكثر من (400) ألف دولار، فإذا أراد حزب الله أن يزعُمَ أنه عمّر الجنوب فعليه أن يعوِّض حقيقيّاً, وليس رمزيّاً.
تستغرب بشدّة الضجَّة التي أُثيرت حول حزب الله، وتقول: إن هناك من هم أولى بالدعمِ منه.. ماذا تقصد؟
هناك حلفٌ إيراني أمريكي إسرائيلي ضدّ السنّة العرب في المنطقة، وهذا الحلف خطيرٌ جداً, ولم ينتبه لهذه الخطورة كثيرون، بل إن الأمر يزداد سوءًا عندما نرى أن أغلب شعوب المنطقة قد صفّقوا بشدّة لحسن نصر الله بعدَ حربِ تمُّوز، ولم يفعلوا نفسَ الشيء لحارث الضاري، على الرغم من أن الأخير أولى بهذا التصفيق، وبمراحلٍ نجد أن المقاومة العراقية السنيّة أذلّت أعناق أمريكا، ودمّرت سمعتها العسكرية، ومعها البريطانيون, والإسرائيليون، وألحقت بإيران الخزيَ والعارَ هي وحلفائِها من شيعة العراق، غيرَ أن مظاهرة واحدة لم تخرجْ في العالم الإسلامي؛ لدعمِ هذه المقاومة, وأنا أسوق هذا الأمر لمن يتحدثون عن غياب شمس السنّة العرب، وأؤكد لك مطمْئِنًا وبملء الفمِ أن السنّة العرب في العراق سيُجبِرون واشنطن على الخروجِ وهي تجرُّ أذيالَ الخيبة من العراق, ومعها حفاؤها من البريطانيين, والإيرانيين الصفويين.
لهجتُك الصارمة ضدّ حزب الله توحي بأنك تحمِّله مسئولية ما يحدث في لبنان كأنه المسؤولُ الوحيد؟
حزب الله تحوّل إلى دولة داخل الدولة اللبنانيّة حتى قبل حرب تمُّوز, وعلى الرغم من هذا فإنه أحدُ أهمِّ مظاهر المشكلة في لبنان، يُضاف إلى ذلك أن لبنان حالياً يحكمه أمراء الحرب مثل عون، جعجع، جنبلاط، نبيه بري، وحسن نصر الله فهؤلاء من أجّجوا الحرب الأهلية, وأذاقوا الشعب اللبناني المرّ, وبعدها ذهبوا إلى الطائف تحت مظلّة واحدة؛ لوقفِ الحرب, وجني ثمارِها، وأخذ كلٌ نصيبَه في الحُكم ما عدا عون, وجعجع؛ لأنهما تمرّدا على النظام السوري؛ لذا فأنا غيرُ متفائلٍ بقدرة هؤلاء على خلخلة الأزمة اللبنانية، فهؤلاء, وكما يقول السياسيون: (مظهر من مظاهر الأزمة, وليس جزءاً من الحل).
كلامُك يشير إلى أجواء تشاؤمية، على الرغم من عقد لقاءاتٍ بين بري والحريري، و هناك القمّتان اللتان جمعتا القيادة السعودية مع نجاد, والأسد؟
على الرغم من أنني أُثمِّن بشدّةِ الجَهدِ السُعودي، إلاّ أنني لا أشاركُك هذا التفاؤل؛ ففي اليوم التالي لقمّة (نجاد – الملك عبد الله) رفض حزبُ الله إقرار المحكمة، قبل الدخول في مفاوضاتٍ لتشكيل الحكومة، وهو ما يعني عودة الأزمة للمربّع الأول، وأنا لا أفهم تقلُّب نصر الله, وبري إلاّ من خلال الجزم بأن دمشق وطهران لم تتخذا قراراً بتغيير موقفِهما حيال لبنان، وخصوصاً حيال المحكمة التي ستكون لها أثار سلبية جداً على النظام في سوريا، ومن ثَمَّ فأنا أعتقد أن فكرة الانقلاب على الدولة هو المُسيطر على نهجِ برِّي, ونصر الله حتى الآن، وهو ما يجعلني أخشى معه من انزلاق لبنان إلى النفقِ المُظلِم, والدخول في حرب أهلية جديدة.
تتحدث وكأن تيّار الرابع عشر من آذار ملائكة على الرغمَ من أن الكثيرين ينظرون إليهم كأحد مظاهر المدِّ الأمريكي الصهيوني في المِنطقة؟
هذه اتهامات فريق المعارضة حيثُ يحاولون إلصاق تُهمةِ العمالةِ بهذا التيّار؛ لحرقه غير أنني أتساءل: ماذا قدّمت واشنطن لهذا التيار؟ هل أعطتهم الأسلحة ,والطائرات؛ لمواجهة عبث حزب الله؟ وهل أمدّتهم بالأموال الطائلة كي تفعلَ إيران مع حزب الله...؟ ، فواشنطن لا يهمُّها إلاّ مصالحَها ومن مصلحتها إذكاء الخلافات, والصراعات الدينية القومية, والمذهبية في المنطقة، وِفْق ما يُطلق عليه "الفوضى الخلّاقة"، على الرغْمَ من أنها ستكون المتضرِّر الأول من هذه الفوضى، وسينقلب السحرُّ على الساحِر.
قد يقول قائلٌ: لماذا يصرُّ فريقُ الأكثرية, ومن خلفِه القوى الدوليّة على إنشاء محكمة ذات طابعٍ دولي، فيما يخصّ اغتيال الحريري، على الرغم من أن قضايا عديدة في المِنطقة كان آخرها اغتيال ياسر عرفات، ولم يتحدَّث أحدٌ عنها مُطلقاً؟
الوضع هنا مختلف فنحنُ لا نُصرُّ على هذه المحكمة من أجلِ الحريري فقط، ولكن من أجلِ كثيرين، مثل اغتيال سمير قصير, وجورج حادي, وبيّار الجميل، ومحاولة تصفية مروان حمادة، ألا يستحقُ دَمُ هؤلاء أن تُعقدَ هذه المحكمة حتى يرتدِعَ من تورَّطوا في حملة الاغتيالات؟ ولمن يردِّدون هذا الطرح أؤكد لهم أن حزبَ الله أدخل لبنانَ في حربٍ ضروس "لا ناقةَ لهُ فيها, ولا جَمَل"؛ من أجلِ أسيرٍ واحدٍ هو سمير القنطار، من ثَمَّ أفلا تستحقُ دماءُ هؤلاء إقامةَ محكمة؟ ـ ذاتِ طابعٍ دَوْلِي ـ يبذُل حزب الله الغالي, والنفيس من أجلِ تعطيلِها, وتعطيلِ كُلِّ مؤسسات الشرعيَّة اللُبنانيَّة لهدفٍ واحدٍ هو حِماية نظامِ الأسد في دمشق.
على ذِكر نظام الأسد لماذا تُصِرُّون على تحميلِ سوريا مسؤوليةَ ما يحدُثُ في لبنانَ على الرغْمَ من انسحابِها من الأراضي اللُبنانيَّة منذُ فترة؟
سوريا لم تنسحبْ من لُبنان بشكلٍ كاملٍ، بل إن عملاءها يملؤون الساحة اللُبنانيّة، ويدبّرون لكلِّ ما يهددُ استقرار لُبنان، بل إن أجهزة استخباراتها لا تكفُّ عن تكليفِ جِهاتٍ مشبوهة للإضرارِ بلُبنان، وكان آخر هذه المحاولات جماعةُ (فتحِ الإسلام)، بل إن هناك تقاريرَ أكدت أن سوريا تُجهِّزُ لانقلاب في لُبنان؛ للسيطرة على الأوضاعِ, والقبضِ على الزعامات اللُبنانيَّة الوطنيَّة, والذهاب بهم إلى دمشق؛ لمواجهة عدالة محاكم نظامِ الأسد، وهو ما يُعدُّ دليلاً على أن سوريا مازالت لها "أيادٍ خفِيَّة" تلعبُ في الداخل اللبناني، وهو ما يجعلني أقول إن العلاقات اللبنانية السورية لن تكونَ طبيعيةً طالما استمرَّ نظام "بشّار الأسد" جاثماً على صدرِ الشعبِ السوري؛ فهذا النظام يقفُ وراء ما يحدثُ في لُبنانَ عبرَ إصرارِه, وحلفائِه على الهيمنة، ورفضِ جميعِ المحاولات لإعادةِ الاستقرار للبنان، انطلاقاً من قاعدة (لا فائز, ولا مهزوم).
الهموم في لبنان وسوريا والعراق ينقلنا إلى ملفٍّ قلق، هو تنامي النُفُوذ الشيعي في المِنطقة، كيف تنظرُ لهذا الأمر؟
هذا الخطرُ يهدِّدنا جميعاً, ويجعل احتمالات تَكرار السيناريو العراقي مُرشَّحاً في مُعظمِ الدُول العربيَّة، وما يحدث في اليمن ليسَ ببعيد، فمحاولات الشيعة مستمرَّة لنشرِ مذاهبِهم حتى في دُول ذات أغلبيّةٍ سُنيّة ساحقة مثل مصر، وهو ما يجعلُ الدُول العربيّة مُطالَبة بالتوحيد؛ لمواجهةِ هذا الخطر، وأنا لا أقصدُ بسند التوحيد التحالف ضدّ الشيعة ، بل نريدُ منه حماية أهلِ السنّة في هذه البلدان، فضلاً عن إصدار قراراتٍ تُحرِّم التشيُّع بأيِّ حالٍ من الأحوال، وتقديمِ من يسلُك هذا الطريق لمحاكمةٍ عاجلة، خصوصاً أن هذا الخطر يُهدِّد بفتنةٍ كبيرة، نحنُ لسنا على استعدادٍ لمواجهتِها.
باعتقادك هل الهيمنَة الشِيعيّة في العراق مُرشَّحَة للاستمرار؟
لن تستمرَّ بل ستسقُط ـ عاجلاً أم أجلاً ـ فعلى مدى التاريخ لم يُحكمْ العراق إلاّ من قِبَل السُنَّة، الذين كانوا كما يُقال عاملَ استقرار، لذا فلا بُدَّ من إعادة التوازن بين السُنَّة, والشيعة في العراق، وآمُل أن يعودَ الشيعةُ إلى رُشدِهم, ويدركوا أن كسرَ إرادةِ سُنَّة العراق, والهيمنة عليهم أمرٌ شديدُ الصعوبة، وهو أمرٌ يثبتُه التاريخ.
ما دمنا في ساحة صراع، فهل تعتقدُ أن واشنطن ستوجِّه ضربة عسكرية لإيران؟
لا أعتقد, المسألة لن تخرجَ عن تصعيدِ الضغوط, والتهديد باستخدام القوّة، غيرَ أنني لا أعتقدُ أن الأمرَ قد يتطور إلى مواجهة مُسلّحة؛ فالطرفان حليفان، وسيصلان إلى حلٍّ وسط.
القاهرة/ عبد الرحمن أبو عوف 6/4/1428
23/04/2007
لا يبدو الشيخ "محمد علي الجوزو" مفتي جبل لبنان متفائلاً على الإطلاق تجاه التوصل لحل قريب للأزمة الحالية في لبنان، واصفاً لبنان بأنه مُختطف من قِبل أمراء الحرب، الذين حوّلوه إلى ساحةٍ لابتزاز الفصائل؛ من أجل مصالحهم، ومصالح قوى أجنبية ترغب في استمرار إخضاعه لهيمنتِها، وإعادة الحرب الأهليّة إلى ربوعه. الجوزو يتخذ موقفاً واضحاً في دعم ما يُسمّى الأكثرية، نافياً الاتهامات التي توجهها لها المعارضة، ويتساءل في حدة: ماذا قدّمت واشنطن لهذا الفريق؟ هل دعمته بالمال, أو بالسلاح مثلما تفعل إيران وسوريا؟
تصريحات الجوزو حول الأزمة السياسية في لبنان دائماً ما تثير ردود فعل متباينة، فهو يبدو حاداً في توجيه سهام النقد لتيار المعارضة، ولا يتردّد مثلاً في اتهام حزب الله، وحركة أمل بتعطيل المؤسسات الدستورية في لبنان. وفي السطور التالية نناقش مع د. محمد علي الجوزو مفتي جبل لبنان العديد من القضايا.
http://www2.0zz0.com/2007/04/29/03/89469588.jpg
تسود الساحة اللبنانية حالياً موجةٌ من الاضطرابات السياسية مع وجود احتمالات لتفجير الأوضاع. فما تعليقكم؟
لبنان الآن مُختطف من قِبل حزب الله، الذي وضعه في الإقامة الجبريّة، حيثُ يرغب في السيطرة عليه؛ بحجّة أن "انتصاره" على إسرائيل يسمح له بتغيير الواقع اللبناني، متجاهلاً ما آلت إليه الأوضاع من خرابٍ ودمارٍ لحق ببنيته الأساسية وموارده، و على الرغم من هذا فقد استمرّ الحزب في مساعيه للهيمنة على لبنان وفرض إرادته، بعد أن أدخل البلاد في طور أزمةٍ سياسية، بعد استقالة وزراء الحزب, وحركة أمل؛ لإعطاء إيحاء بأن الحكومة تفتقدُ الشرعيّة الدستوريّة بشكلٍ يجعلها عاجزةً عن إقرار المحكمة الدوليّة الخاصة باغتيال رئيس الوزراء السابق "رفيق الحريري"، وعدد من الشخصيات اللبنانيّة، خدمةً للفريق الذي قاد عمليات التصفية الجسديّة، التي بدأت بالحريري, ولم تنتهِ باغتيال بيّار الجميل، فحزب الله ينفِّذ في لبنان مُخططاً جهنّميًّا المقصود منه خدمة الأجندتين السورية والإيرانية، دون الوضع في الاعتبار مصلحة لبنان، وهو بذلك يكرِّس مخططات النظام السوري الذي حول لبنان إلى ساحة للابتزاز وتصفية الحسابات، وهو ما يمثّل العجرفة التي أصبح يتعامل بها حزب الله مع القوى الوطنية في لبنان، وإلاّ فبماذا تفسِّر دخول اعتصام حزب الله في بيروت شهره الثالث؟
هل يحدث هذا في دولة ديموقراطية؟ وهل يقبل النظام السوري ظهور اعتصامٍ ولو لنصف ساعة في أحد ساحات دمشق؟
هذا ما يؤكد أن هناك نيةً سيئةً من وراء هذا الاعتصام، الذي يرغب في إرباك الحكومة اللبنانيّة، وتعطيلِ المؤسسات التشريعيّة والرئاسيّة، والإضرار بصورة مُدبّرة بالاقتصاد. فهل هذا هو الانتصار الذي حققه حزب الله؟ وهل كان لزاماً على لبنان أن يسدِّدَ فاتورة "الانتصار" الذي حققه حزب الله مرتين؟
كأنك لا توافق على أن حزب الله قد انتصر؟
لا أعتقد بأيِّ حالٍ من الأحوال أن حزب الله قد انتصر، ولكنِّي أعتقد أن الهيمنة الأمريكية, والعجرفة الصهيونية هي التي خسرت جولة من جولات الصراع، فالمتتبّع لخسائر الطرفين يجدُ أن لبنان قد أُصيب بكارثةٍ سياسيّة واقتصاديّة وإستراتيجية. ومن يحدِّثنا عن صمود حزب الله، عليه أن يدركَ أن الحزب لم يصمدْ إلاّ أسبوعاً واحدًا بعد انتهاء القصف الجوي، الذي دمّر البنية التحتيّة اللبنانيّة فقد قُتل (4000) مدني لبناني، في حين لقي (80) مدنياً إسرائيلياً مصرعهم. وخسر حزب الله (600) من عناصره في حين قُتِل (120) جنديّاً إسرائيليّاً فقط، ثم دعني أؤكد لك شيئًا، وهو أن حزب الله كان مصرًّا على وقف إطلاق النار في الأيام الأخيرة بشكلٍ يتسم بالإلحاح الشديد عبر نبيه بري، الذي طلب من فؤاد السنيورة - رئيس الوزراء - التدخّل بكلِّ الطرق؛ لوقف الحرب غيرَ أن جهد السنيورة كوفئ بالتمرُّد عليه، وتخوينِه، والمطالبة بإسقاطه.
لكن حزب الله يدّعي أنه نجح في إعمار جزءٍ كبيرٍ مما دمّرته آلة الحرب الصهيونية؟
ليس حزب الله وحده من يقومُ بتعمير لبنان, بل إن الدول العربية قد دعمت هذه المساعي بشكلٍ سخي، غير أن هذا الإعمار يحتاج إلى وقتٍ طويل، فمثلاً يكتفي حزب الله بدفع مبلغ ستة آلاف دولار قادمة من إيران إلى أصحاب الفيلات والمباني الفخمة التي دُمِّرت في الجنوب، على الرغم من أن أصحابها أنفقوا عليها أكثر من (400) ألف دولار، فإذا أراد حزب الله أن يزعُمَ أنه عمّر الجنوب فعليه أن يعوِّض حقيقيّاً, وليس رمزيّاً.
تستغرب بشدّة الضجَّة التي أُثيرت حول حزب الله، وتقول: إن هناك من هم أولى بالدعمِ منه.. ماذا تقصد؟
هناك حلفٌ إيراني أمريكي إسرائيلي ضدّ السنّة العرب في المنطقة، وهذا الحلف خطيرٌ جداً, ولم ينتبه لهذه الخطورة كثيرون، بل إن الأمر يزداد سوءًا عندما نرى أن أغلب شعوب المنطقة قد صفّقوا بشدّة لحسن نصر الله بعدَ حربِ تمُّوز، ولم يفعلوا نفسَ الشيء لحارث الضاري، على الرغم من أن الأخير أولى بهذا التصفيق، وبمراحلٍ نجد أن المقاومة العراقية السنيّة أذلّت أعناق أمريكا، ودمّرت سمعتها العسكرية، ومعها البريطانيون, والإسرائيليون، وألحقت بإيران الخزيَ والعارَ هي وحلفائِها من شيعة العراق، غيرَ أن مظاهرة واحدة لم تخرجْ في العالم الإسلامي؛ لدعمِ هذه المقاومة, وأنا أسوق هذا الأمر لمن يتحدثون عن غياب شمس السنّة العرب، وأؤكد لك مطمْئِنًا وبملء الفمِ أن السنّة العرب في العراق سيُجبِرون واشنطن على الخروجِ وهي تجرُّ أذيالَ الخيبة من العراق, ومعها حفاؤها من البريطانيين, والإيرانيين الصفويين.
لهجتُك الصارمة ضدّ حزب الله توحي بأنك تحمِّله مسئولية ما يحدث في لبنان كأنه المسؤولُ الوحيد؟
حزب الله تحوّل إلى دولة داخل الدولة اللبنانيّة حتى قبل حرب تمُّوز, وعلى الرغم من هذا فإنه أحدُ أهمِّ مظاهر المشكلة في لبنان، يُضاف إلى ذلك أن لبنان حالياً يحكمه أمراء الحرب مثل عون، جعجع، جنبلاط، نبيه بري، وحسن نصر الله فهؤلاء من أجّجوا الحرب الأهلية, وأذاقوا الشعب اللبناني المرّ, وبعدها ذهبوا إلى الطائف تحت مظلّة واحدة؛ لوقفِ الحرب, وجني ثمارِها، وأخذ كلٌ نصيبَه في الحُكم ما عدا عون, وجعجع؛ لأنهما تمرّدا على النظام السوري؛ لذا فأنا غيرُ متفائلٍ بقدرة هؤلاء على خلخلة الأزمة اللبنانية، فهؤلاء, وكما يقول السياسيون: (مظهر من مظاهر الأزمة, وليس جزءاً من الحل).
كلامُك يشير إلى أجواء تشاؤمية، على الرغم من عقد لقاءاتٍ بين بري والحريري، و هناك القمّتان اللتان جمعتا القيادة السعودية مع نجاد, والأسد؟
على الرغم من أنني أُثمِّن بشدّةِ الجَهدِ السُعودي، إلاّ أنني لا أشاركُك هذا التفاؤل؛ ففي اليوم التالي لقمّة (نجاد – الملك عبد الله) رفض حزبُ الله إقرار المحكمة، قبل الدخول في مفاوضاتٍ لتشكيل الحكومة، وهو ما يعني عودة الأزمة للمربّع الأول، وأنا لا أفهم تقلُّب نصر الله, وبري إلاّ من خلال الجزم بأن دمشق وطهران لم تتخذا قراراً بتغيير موقفِهما حيال لبنان، وخصوصاً حيال المحكمة التي ستكون لها أثار سلبية جداً على النظام في سوريا، ومن ثَمَّ فأنا أعتقد أن فكرة الانقلاب على الدولة هو المُسيطر على نهجِ برِّي, ونصر الله حتى الآن، وهو ما يجعلني أخشى معه من انزلاق لبنان إلى النفقِ المُظلِم, والدخول في حرب أهلية جديدة.
تتحدث وكأن تيّار الرابع عشر من آذار ملائكة على الرغمَ من أن الكثيرين ينظرون إليهم كأحد مظاهر المدِّ الأمريكي الصهيوني في المِنطقة؟
هذه اتهامات فريق المعارضة حيثُ يحاولون إلصاق تُهمةِ العمالةِ بهذا التيّار؛ لحرقه غير أنني أتساءل: ماذا قدّمت واشنطن لهذا التيار؟ هل أعطتهم الأسلحة ,والطائرات؛ لمواجهة عبث حزب الله؟ وهل أمدّتهم بالأموال الطائلة كي تفعلَ إيران مع حزب الله...؟ ، فواشنطن لا يهمُّها إلاّ مصالحَها ومن مصلحتها إذكاء الخلافات, والصراعات الدينية القومية, والمذهبية في المنطقة، وِفْق ما يُطلق عليه "الفوضى الخلّاقة"، على الرغْمَ من أنها ستكون المتضرِّر الأول من هذه الفوضى، وسينقلب السحرُّ على الساحِر.
قد يقول قائلٌ: لماذا يصرُّ فريقُ الأكثرية, ومن خلفِه القوى الدوليّة على إنشاء محكمة ذات طابعٍ دولي، فيما يخصّ اغتيال الحريري، على الرغم من أن قضايا عديدة في المِنطقة كان آخرها اغتيال ياسر عرفات، ولم يتحدَّث أحدٌ عنها مُطلقاً؟
الوضع هنا مختلف فنحنُ لا نُصرُّ على هذه المحكمة من أجلِ الحريري فقط، ولكن من أجلِ كثيرين، مثل اغتيال سمير قصير, وجورج حادي, وبيّار الجميل، ومحاولة تصفية مروان حمادة، ألا يستحقُ دَمُ هؤلاء أن تُعقدَ هذه المحكمة حتى يرتدِعَ من تورَّطوا في حملة الاغتيالات؟ ولمن يردِّدون هذا الطرح أؤكد لهم أن حزبَ الله أدخل لبنانَ في حربٍ ضروس "لا ناقةَ لهُ فيها, ولا جَمَل"؛ من أجلِ أسيرٍ واحدٍ هو سمير القنطار، من ثَمَّ أفلا تستحقُ دماءُ هؤلاء إقامةَ محكمة؟ ـ ذاتِ طابعٍ دَوْلِي ـ يبذُل حزب الله الغالي, والنفيس من أجلِ تعطيلِها, وتعطيلِ كُلِّ مؤسسات الشرعيَّة اللُبنانيَّة لهدفٍ واحدٍ هو حِماية نظامِ الأسد في دمشق.
على ذِكر نظام الأسد لماذا تُصِرُّون على تحميلِ سوريا مسؤوليةَ ما يحدُثُ في لبنانَ على الرغْمَ من انسحابِها من الأراضي اللُبنانيَّة منذُ فترة؟
سوريا لم تنسحبْ من لُبنان بشكلٍ كاملٍ، بل إن عملاءها يملؤون الساحة اللُبنانيّة، ويدبّرون لكلِّ ما يهددُ استقرار لُبنان، بل إن أجهزة استخباراتها لا تكفُّ عن تكليفِ جِهاتٍ مشبوهة للإضرارِ بلُبنان، وكان آخر هذه المحاولات جماعةُ (فتحِ الإسلام)، بل إن هناك تقاريرَ أكدت أن سوريا تُجهِّزُ لانقلاب في لُبنان؛ للسيطرة على الأوضاعِ, والقبضِ على الزعامات اللُبنانيَّة الوطنيَّة, والذهاب بهم إلى دمشق؛ لمواجهة عدالة محاكم نظامِ الأسد، وهو ما يُعدُّ دليلاً على أن سوريا مازالت لها "أيادٍ خفِيَّة" تلعبُ في الداخل اللبناني، وهو ما يجعلني أقول إن العلاقات اللبنانية السورية لن تكونَ طبيعيةً طالما استمرَّ نظام "بشّار الأسد" جاثماً على صدرِ الشعبِ السوري؛ فهذا النظام يقفُ وراء ما يحدثُ في لُبنانَ عبرَ إصرارِه, وحلفائِه على الهيمنة، ورفضِ جميعِ المحاولات لإعادةِ الاستقرار للبنان، انطلاقاً من قاعدة (لا فائز, ولا مهزوم).
الهموم في لبنان وسوريا والعراق ينقلنا إلى ملفٍّ قلق، هو تنامي النُفُوذ الشيعي في المِنطقة، كيف تنظرُ لهذا الأمر؟
هذا الخطرُ يهدِّدنا جميعاً, ويجعل احتمالات تَكرار السيناريو العراقي مُرشَّحاً في مُعظمِ الدُول العربيَّة، وما يحدث في اليمن ليسَ ببعيد، فمحاولات الشيعة مستمرَّة لنشرِ مذاهبِهم حتى في دُول ذات أغلبيّةٍ سُنيّة ساحقة مثل مصر، وهو ما يجعلُ الدُول العربيّة مُطالَبة بالتوحيد؛ لمواجهةِ هذا الخطر، وأنا لا أقصدُ بسند التوحيد التحالف ضدّ الشيعة ، بل نريدُ منه حماية أهلِ السنّة في هذه البلدان، فضلاً عن إصدار قراراتٍ تُحرِّم التشيُّع بأيِّ حالٍ من الأحوال، وتقديمِ من يسلُك هذا الطريق لمحاكمةٍ عاجلة، خصوصاً أن هذا الخطر يُهدِّد بفتنةٍ كبيرة، نحنُ لسنا على استعدادٍ لمواجهتِها.
باعتقادك هل الهيمنَة الشِيعيّة في العراق مُرشَّحَة للاستمرار؟
لن تستمرَّ بل ستسقُط ـ عاجلاً أم أجلاً ـ فعلى مدى التاريخ لم يُحكمْ العراق إلاّ من قِبَل السُنَّة، الذين كانوا كما يُقال عاملَ استقرار، لذا فلا بُدَّ من إعادة التوازن بين السُنَّة, والشيعة في العراق، وآمُل أن يعودَ الشيعةُ إلى رُشدِهم, ويدركوا أن كسرَ إرادةِ سُنَّة العراق, والهيمنة عليهم أمرٌ شديدُ الصعوبة، وهو أمرٌ يثبتُه التاريخ.
ما دمنا في ساحة صراع، فهل تعتقدُ أن واشنطن ستوجِّه ضربة عسكرية لإيران؟
لا أعتقد, المسألة لن تخرجَ عن تصعيدِ الضغوط, والتهديد باستخدام القوّة، غيرَ أنني لا أعتقدُ أن الأمرَ قد يتطور إلى مواجهة مُسلّحة؛ فالطرفان حليفان، وسيصلان إلى حلٍّ وسط.