FreeMuslim
04-04-2007, 06:11 AM
لماذا تتدخل مرجعيات النجف في قضايا سياسية وتصدر فتاوى وبيانات انتخابية مؤيدة لاحزاب وتنظيمات معروفة بارتباطاتها الايرانية ومناهجها الطائفي ؟
2007-04-03 :
بقلم : هارون محمد
عندما تتدخل المرجعية الشيعية في النجف في قضايا سياسية وتصدر فتاوي وبيانات انتخابية مؤيدة لاحزاب وتنظيمات معروفة بارتباطاتها الايرانية ومناهجها الطائفية، وتعلن رأيها في القوانين والتشريعات الجديدة، خصوصا ذات الطابع السياسي، وتفصح عن موقفها الفقهي والمذهبي ازاء موضوعات لها مساس بالشعب العراقي، فان ذلك يعني ببساطة ان هناك توجهات وتحضيرات تجري علي قدم وساق لجر العراق نحو هاوية جمهورية ولاية الفقيه، علي غرار السائد في ايران، العاصمة الرسمية طهران والعاصمة الفعلية قم، يقابلها عراقيا، بغداد العاصمة الحكومية، والنجف عاصمة القرار والتوجيه والرأي الاخير.
ولعل أخطر تلك التدخلات ان يذهب أحمد الجلبي الذي بات صفرا علي الشمال سياسيا ولم يبق لديه شغل غير رئاسة هيئة قطع الاعناق والارزاق معا، الي النجف ليعرض علي (المراجع) قانونا جديدا لم يحظ بموافقته الشخصية، يحمل اسم (المساءلة والمصالحة) ليكون بديلا لقانون اجتثاث البعث سييء الصيت، وبعد ان دار علي الرباعي المرجعي وهم من اصول ايرانية وافغانية وباكستانية كما هو معروف ورئيسهم استنكف من التشرف بالجنسية العراقية التي منحها له مجلس محافظة النجف تكريما وتقديرا كما جاء في قرار المجلس المذكور، خرج علي العراقيين امام عدسات التصوير وشاشات التلفزة ليزف بشري فرح ، ملخصها ان سماحة المرجع الاعلي لا يقبل بعودة البعثيين المفصولين والمشردين الي وظائفهم، كما نص عليه القانون الجديد..!؟
علما بان هؤلاء المواطنين البعثيين طردوا من وظائفهم عقب الاحتلال بقرارات ظالمة اصدرها الحاكم الامريكي السابق السفير بريمر وهيئته الاجتثاثية التي ضمت في عضويتها عددا من قيادات حزب الدعوة ومنهم نوري المالكي رئيس الحكومة الحالي، والمجلس الاعلي ويمثله جلال كجك الصغير المشرف علي حسينية براثا التي تحولت في عهده الميمون الي مركز تحقيق وجلد وخنق حتي اضطرت القوات الامريكية الي مداهمتها مرتين في غضون اربعة ايام وكشفت (بلاوي) فيها، وفي الهيئة ايضا أعضاء مجندون في جيش المرتزقة الذي دربته وزارة الدفاع الامريكية (البنتاغون) في جمهورية المجر قبل الحرب الاخيرة علي العراق، من ضمنهم اثنان مطلوبان للسلطات القضائية الالمانية في قضايا سطو.
ورغم ان قانون المساءلة والمصالحة الجديد وقع عليه طالباني والمالكي وأحالاه الي مجلس النواب لاقراره كما ذكرت البيانات الحكومية في بغداد وقالت انه يأتي في اطار ما يسمي بالمصالحة الوطنية، الا ان الجلبي لم ترق له فكرة تشريعه لانه يسلبه منصبه الوحيد الذي بقي له، ويحرمه من ملايين الدولارات المخصصة لهيئته، ويعرضه وجوقته الي مساءلات قانونية لاحقا عن قضايا فساد واختلاسات وانتهاكات موثقة، لذلك استنجد بالمرجعية الشيعية لتمد له حبل النجاة من الملاحقات القضائية التي تنتظره مستقبلا ـ كما يتوهم ـ ويطلب منها ان تعلن رفض القانون والابقاء علي هيئته الملوثة بقطع ارزاق العراقيين، والغريب ان المرجعية لم تكذب خبرا ووافقت علي طروحات رئيس الهيئة الاجتثاثية الذي قال بملء الفم عقب انتهاء اجتماعاته مع الرباعي المرجعي ان القانون الجديد ليس نهائيا، وان المرجعية لها تحفظات عليه. ماذا يعني هذا القول وما هي مدلولاته؟
لا يحتاج الجواب الي التفكير طويلا ولا الي عناء في التفسير، والخلاصة ان المرجعية الشيعية الموقرة تحارب العراقيين في عيشهم وارزاقهم ولا تريد ان يحصلوا علي حقوقهم المشروعة ولا ترغب في اعادتهم الي اعمالهم ووظائفهم التي طردوا منها ظلما وعدوانا، وهكذا زج المراجع الذين يفترض بهم ان يكونوا عدولا في مواقفهم وتوجهاتهم، أنفسهم في قضية انسانية قبل ان تكون سياسية، تتعلق بمصائر الاف العوائل العراقية التي هضمت حقوقها وهي تعيش منذ اربعة اعوام في ضنك وعوز واضطهاد.
وتدخلات المرجعية الشيعية في القضايا السياسية العراقية لا تقتصر علي رفض هذا القانون او التحفظ علي آخر، وانما وصل الامر بحكومتي الجعفري السابقة والمالكي الحالية علي عرض القرارات والاجراءات قبل اصدارها علي المرجعية لتقول رأيها فيها، بل ان الاثنين حصلا علي مباركتها قبل ان يباشرا عملهما، وهذا تقليد متبع في ايران، فالرئيس المنتخب والوزراء الجدد عليهم التوجه الي المرشد الاعلي آية الله خامنئي وتقبيل يديه للحصول علي بركاته وموافقته، ويبدو ان الجماعة في العراق يسعون الي نقل هذا التقليد اليه وتطبيقه، في محاولة تمهيدية لتنفيذ نظرية ولاية الفقيه تدريجيا وعلي مراحل، ومن شاهد وزير التربية وهو قيادي في حزب الدعوة عاش اكثر من عشرين عاما في ايران، يصرح في قناة تلفزيونية محلية ان المناهج التعليمية الجديدة في المدارس العراقية وضعت بالتعاون والتنسيق مع ارشادات وتوجيهات المرجعية (الرشيدة) لا بد ان يقتنع ان العراق تحول الي جمهورية او ولاية شيعية ملحقة بايران..
والا ما علاقة المرجعية الشيعية بمناهج تدريسية عامة يشترك في تلقيها طلبة من أديان ومذاهب واطياف عدة، خصوصا وان هذه المناهج لا تشمل كتب الدين، وانما التأريخ والتربية التي رفعت منها (الوطنية) التي اقترنت بها سبعين عاما، والجغرافيا والعلوم. وللمعلومات فقط فان قسما من المناهج التعليمية المشوهة الجديدة التي ارسلت الي عدد من مراكز المحافظات والاقضية أهملت واحرقت بعد ان رفض المعلمون والاساتذة والطلبة التعاطي معها، لانها موبوءة بالدجل والخرافات.
وعندما تصل تدخلات المرجعية الشيعية في الشؤون السياسية العراقية الي حد ان يدعو وكيلها في بغداد واسمه علي واعظي - لاحظوا الاسم جيدا- حكومة المالكي الي رفع الحصانة البرلمانية عن نواب مشتبه بتعاونهم مع الارهابيين حسب قوله ويقصد بعض النواب من السنة العرب، فهذا يعني عدم احترام حتي لدستورهم الذي وضعوه بانفسهم وبمباركة من المرجعية ذاتها كما اعلن في حينه، وفي بعض بنوده اجراءات يجب ان تتبع في كيفية رفع الحصانة النيابية لا علاقة للحكومة بها، اي ان الوكيل المرجعي ينبه الحكومة الي الاخذ بما تدعو اليه المرجعية وما تقرره وليس ما ينص عليه الدستور، وهذا تدخل سافر آخر في الشأن العراقي من اناس غير عراقيين، وقبل أيام كشف النقاب عن تصريحات كان عبد المجيد الخوئي قد أدلي بها الي تلفزيون ابو ظبي في التاسع من نيسان (ابريل) 2003 وهو في طريقه الي النجف قبل مقتله فيها بيوم واحد، قال فيها انه تسلم فتوي من المرجعية تنص علي عدم التصدي لقوات الاحتلال ودعوة الناس الي الحياد !
ان المعلومات التي تتناقلها الاوساط الشيعية الحزبية الان تشير الي ان عددا من القيادات الشيعية ذهبت الي المرجعية في النجف للاستئناس برأيها وموقفها من السفير الامريكي الجديد في العراق ايان كروكر الذي تتهمه تلك القيادات بانه عارض اسقاط النظام السابق في احدي لجان الاستماع في الكونغرس قبل حرب آذار (مارس) 2003 وانه رفض العمل تحت امرة بريمر عندما عين مساعدا له واعترض علي قراراته في حل الجيش العراقي وانشاء هيئة اجتثاث البعث، وثمة اشاعة تتردد في النجف بان ثلاثة من المراجع الاربعة اقترحوا اصدار فتوي تطلب من الشيعة القيام بتظاهرات احتجاجية ضد السفير الجديد شخصيا وليس علي امريكا الدولة المحتلة، اذا بدرت منه حركة او اجراء معين ضد الطائفة (المظلومة) واحزابها وميليشياتها ودكاكينها...!؟
والحقيقة ان السفير كروكر اشتغل مساعدا للحاكم الامريكي فترة وجيزة، سرعان ما اختلفا علي قضايا اساسية، وعاد الي دائرته في وزارة الخارجية بواشنطن، وقد استدعي الي لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس للاستماع الي شهادته في منتصف الشهر الاول من عام 2004 حول أداء بريمر في العراق وملاحظاته عليه، ومما قاله كروكر كما نقلت عنه مجلة نيويوركر بعد عامين من تلك الجلسة انه اعترض علي جميع القرارات التي اصدرها بريمر خلال الاشهر الاربعة الاولي من عمله في العراق ومنها حل الجيش العراقي وتدمير المؤسسات وترسيخ المحاصصات الطائفية والعرقية وانشاء مجلس الحكم الانتقالي وهيئة اجتثاث البعث وغيرها من التشكيلات المتسرعة، ومما قاله ايضا ويبدو ان التنظيمات والمرجعيات الشيعية لم يرق لها هذا القول: ان السنة في العراق هم (قوام السيادة) علي عكس الفئات الاخري التي لا تعنيها من قريب او بعيد السيادة في العراق، مضيفا انه حذر بريمر من مغبة سياساته المنحازة الي التنظيمات الشيعية والاحزاب الكردية لانها تنتج آثارا كارثية علي مصالح الولايات المتحدة الامريكية ومستقبلها في العراق والمنطقة..ولما ابلغه بريمر ـ والقول لكروكر ـ انه ينفذ ما يأتيه من البنتاغون المسؤول عن الملف العراقي يومذاك، ودعته بعد ان قلت له انا دبلوماسي ولست جنرالا، ولا مكان لي في سلطتك، يقصد سلطة الائتلاف كما كانت تسمي.
وواضح من كلام كروكر انه عندما تحدث امام الكونغرس وابدي ملاحظاته علي أداء بريمر، لم ينطلق من انحيازه للسنة العرب في العراق، كما يحاول الطائفيون الشيعة تفسيره لصالحهم، وانما انطلاقا من مسؤولياته كموظف امريكي يضع مصالح بلاده وحكومته فوق اي اعتبار آخر، وهو عندما عارض اجراءات بريمر في حل الجيش العراقي لم يكن حبا بهذا الجيش الوطني أو تقربا من السنة العرب، وانما ادراكا منه وهو الدبلوماسي المخضرم الذي عمل في بغداد نهاية السبعينات ثم في سورية والسعودية واليمن ولبنان واخيرا الباكستان، بان الجيش العراقي كان عامل توازن استراتيجي ازاء قوي ودول في المنطقة، وحله يخل بهذا التوازن كما حصل منذ اربع سنوات الي الان، وعندما يعلن ان السنة العرب قوام السيادة في العراق فهو يقول ذلك ليس حبا بسواد عيون السنة العرب او دفاعا عنهم، بل لانه يعرف جيدا من خبراته المتراكمة وتجاربه الدبلوماسية الميدانية، ان التنظيمات الشيعية والاحزاب الكردية التي منحها الاحتلال الامريكي امتيازات وتسهيلات ومساعدات وسلطات ليس لها ولاء للعراق، وانما لكل منها اجندة خاصة بها لا ترتبط بالعراق، وهذا ما يشهده العراق حقيقة منذ نيسان (ابريل) 2003 والي يومنا الراهن.
ان المرحلة التي يمر بها العراق اليوم بعد ان تكشفت الادوار وبرزت الاوراق وظهرت اللعبات بلا اغطية، تستدعي من القوي العراقية الحية المقاومة والمعارضة للاحتلال وعملائه واصدقائه وحلفائه، ان تستثمر الانهيار الامريكي المتزايد في العراق وتوظيف الانقسام الواسع في الساحة الامريكية بين الرئيس بوش والجمهور الامريكي، خصوصا وان قضية الانسحاب من العراق باتت الآن، العنوان الابرز في مداولات الكونغرس وشاشات التلفزة وصفحات الصحف وصدارة المنابر والمحافل والاجتماعات وهموم الرأي العام في طول امريكا وعرضها، وعلي القوي العراقية ان تتقدم خطوة ضرورية الي الامام عبر توحدها في حركة تحرير وطني بعيدا عن المشاريع الهلامية والخيالية، كمشروع الامارة او الرديف لمشروع ولاية الفقيه لصاحبه الملا طباطبائي، وعلي المقاومين الاشاوس الذين سجلوا أشرف ملحمة وطنية وقومية واسلامية في العراق، ان يأخذوا الحذر من أطراف تسعي الي سرقة تضحياتهم ودماء شهدائهم لاغراض ليست عراقية ولا عربية، وانما تخدم اهدافا ومصالح لا علاقة لها بالعراق البلد والسيادة والحاضر والمستقبل..
2007-04-03 :
بقلم : هارون محمد
عندما تتدخل المرجعية الشيعية في النجف في قضايا سياسية وتصدر فتاوي وبيانات انتخابية مؤيدة لاحزاب وتنظيمات معروفة بارتباطاتها الايرانية ومناهجها الطائفية، وتعلن رأيها في القوانين والتشريعات الجديدة، خصوصا ذات الطابع السياسي، وتفصح عن موقفها الفقهي والمذهبي ازاء موضوعات لها مساس بالشعب العراقي، فان ذلك يعني ببساطة ان هناك توجهات وتحضيرات تجري علي قدم وساق لجر العراق نحو هاوية جمهورية ولاية الفقيه، علي غرار السائد في ايران، العاصمة الرسمية طهران والعاصمة الفعلية قم، يقابلها عراقيا، بغداد العاصمة الحكومية، والنجف عاصمة القرار والتوجيه والرأي الاخير.
ولعل أخطر تلك التدخلات ان يذهب أحمد الجلبي الذي بات صفرا علي الشمال سياسيا ولم يبق لديه شغل غير رئاسة هيئة قطع الاعناق والارزاق معا، الي النجف ليعرض علي (المراجع) قانونا جديدا لم يحظ بموافقته الشخصية، يحمل اسم (المساءلة والمصالحة) ليكون بديلا لقانون اجتثاث البعث سييء الصيت، وبعد ان دار علي الرباعي المرجعي وهم من اصول ايرانية وافغانية وباكستانية كما هو معروف ورئيسهم استنكف من التشرف بالجنسية العراقية التي منحها له مجلس محافظة النجف تكريما وتقديرا كما جاء في قرار المجلس المذكور، خرج علي العراقيين امام عدسات التصوير وشاشات التلفزة ليزف بشري فرح ، ملخصها ان سماحة المرجع الاعلي لا يقبل بعودة البعثيين المفصولين والمشردين الي وظائفهم، كما نص عليه القانون الجديد..!؟
علما بان هؤلاء المواطنين البعثيين طردوا من وظائفهم عقب الاحتلال بقرارات ظالمة اصدرها الحاكم الامريكي السابق السفير بريمر وهيئته الاجتثاثية التي ضمت في عضويتها عددا من قيادات حزب الدعوة ومنهم نوري المالكي رئيس الحكومة الحالي، والمجلس الاعلي ويمثله جلال كجك الصغير المشرف علي حسينية براثا التي تحولت في عهده الميمون الي مركز تحقيق وجلد وخنق حتي اضطرت القوات الامريكية الي مداهمتها مرتين في غضون اربعة ايام وكشفت (بلاوي) فيها، وفي الهيئة ايضا أعضاء مجندون في جيش المرتزقة الذي دربته وزارة الدفاع الامريكية (البنتاغون) في جمهورية المجر قبل الحرب الاخيرة علي العراق، من ضمنهم اثنان مطلوبان للسلطات القضائية الالمانية في قضايا سطو.
ورغم ان قانون المساءلة والمصالحة الجديد وقع عليه طالباني والمالكي وأحالاه الي مجلس النواب لاقراره كما ذكرت البيانات الحكومية في بغداد وقالت انه يأتي في اطار ما يسمي بالمصالحة الوطنية، الا ان الجلبي لم ترق له فكرة تشريعه لانه يسلبه منصبه الوحيد الذي بقي له، ويحرمه من ملايين الدولارات المخصصة لهيئته، ويعرضه وجوقته الي مساءلات قانونية لاحقا عن قضايا فساد واختلاسات وانتهاكات موثقة، لذلك استنجد بالمرجعية الشيعية لتمد له حبل النجاة من الملاحقات القضائية التي تنتظره مستقبلا ـ كما يتوهم ـ ويطلب منها ان تعلن رفض القانون والابقاء علي هيئته الملوثة بقطع ارزاق العراقيين، والغريب ان المرجعية لم تكذب خبرا ووافقت علي طروحات رئيس الهيئة الاجتثاثية الذي قال بملء الفم عقب انتهاء اجتماعاته مع الرباعي المرجعي ان القانون الجديد ليس نهائيا، وان المرجعية لها تحفظات عليه. ماذا يعني هذا القول وما هي مدلولاته؟
لا يحتاج الجواب الي التفكير طويلا ولا الي عناء في التفسير، والخلاصة ان المرجعية الشيعية الموقرة تحارب العراقيين في عيشهم وارزاقهم ولا تريد ان يحصلوا علي حقوقهم المشروعة ولا ترغب في اعادتهم الي اعمالهم ووظائفهم التي طردوا منها ظلما وعدوانا، وهكذا زج المراجع الذين يفترض بهم ان يكونوا عدولا في مواقفهم وتوجهاتهم، أنفسهم في قضية انسانية قبل ان تكون سياسية، تتعلق بمصائر الاف العوائل العراقية التي هضمت حقوقها وهي تعيش منذ اربعة اعوام في ضنك وعوز واضطهاد.
وتدخلات المرجعية الشيعية في القضايا السياسية العراقية لا تقتصر علي رفض هذا القانون او التحفظ علي آخر، وانما وصل الامر بحكومتي الجعفري السابقة والمالكي الحالية علي عرض القرارات والاجراءات قبل اصدارها علي المرجعية لتقول رأيها فيها، بل ان الاثنين حصلا علي مباركتها قبل ان يباشرا عملهما، وهذا تقليد متبع في ايران، فالرئيس المنتخب والوزراء الجدد عليهم التوجه الي المرشد الاعلي آية الله خامنئي وتقبيل يديه للحصول علي بركاته وموافقته، ويبدو ان الجماعة في العراق يسعون الي نقل هذا التقليد اليه وتطبيقه، في محاولة تمهيدية لتنفيذ نظرية ولاية الفقيه تدريجيا وعلي مراحل، ومن شاهد وزير التربية وهو قيادي في حزب الدعوة عاش اكثر من عشرين عاما في ايران، يصرح في قناة تلفزيونية محلية ان المناهج التعليمية الجديدة في المدارس العراقية وضعت بالتعاون والتنسيق مع ارشادات وتوجيهات المرجعية (الرشيدة) لا بد ان يقتنع ان العراق تحول الي جمهورية او ولاية شيعية ملحقة بايران..
والا ما علاقة المرجعية الشيعية بمناهج تدريسية عامة يشترك في تلقيها طلبة من أديان ومذاهب واطياف عدة، خصوصا وان هذه المناهج لا تشمل كتب الدين، وانما التأريخ والتربية التي رفعت منها (الوطنية) التي اقترنت بها سبعين عاما، والجغرافيا والعلوم. وللمعلومات فقط فان قسما من المناهج التعليمية المشوهة الجديدة التي ارسلت الي عدد من مراكز المحافظات والاقضية أهملت واحرقت بعد ان رفض المعلمون والاساتذة والطلبة التعاطي معها، لانها موبوءة بالدجل والخرافات.
وعندما تصل تدخلات المرجعية الشيعية في الشؤون السياسية العراقية الي حد ان يدعو وكيلها في بغداد واسمه علي واعظي - لاحظوا الاسم جيدا- حكومة المالكي الي رفع الحصانة البرلمانية عن نواب مشتبه بتعاونهم مع الارهابيين حسب قوله ويقصد بعض النواب من السنة العرب، فهذا يعني عدم احترام حتي لدستورهم الذي وضعوه بانفسهم وبمباركة من المرجعية ذاتها كما اعلن في حينه، وفي بعض بنوده اجراءات يجب ان تتبع في كيفية رفع الحصانة النيابية لا علاقة للحكومة بها، اي ان الوكيل المرجعي ينبه الحكومة الي الاخذ بما تدعو اليه المرجعية وما تقرره وليس ما ينص عليه الدستور، وهذا تدخل سافر آخر في الشأن العراقي من اناس غير عراقيين، وقبل أيام كشف النقاب عن تصريحات كان عبد المجيد الخوئي قد أدلي بها الي تلفزيون ابو ظبي في التاسع من نيسان (ابريل) 2003 وهو في طريقه الي النجف قبل مقتله فيها بيوم واحد، قال فيها انه تسلم فتوي من المرجعية تنص علي عدم التصدي لقوات الاحتلال ودعوة الناس الي الحياد !
ان المعلومات التي تتناقلها الاوساط الشيعية الحزبية الان تشير الي ان عددا من القيادات الشيعية ذهبت الي المرجعية في النجف للاستئناس برأيها وموقفها من السفير الامريكي الجديد في العراق ايان كروكر الذي تتهمه تلك القيادات بانه عارض اسقاط النظام السابق في احدي لجان الاستماع في الكونغرس قبل حرب آذار (مارس) 2003 وانه رفض العمل تحت امرة بريمر عندما عين مساعدا له واعترض علي قراراته في حل الجيش العراقي وانشاء هيئة اجتثاث البعث، وثمة اشاعة تتردد في النجف بان ثلاثة من المراجع الاربعة اقترحوا اصدار فتوي تطلب من الشيعة القيام بتظاهرات احتجاجية ضد السفير الجديد شخصيا وليس علي امريكا الدولة المحتلة، اذا بدرت منه حركة او اجراء معين ضد الطائفة (المظلومة) واحزابها وميليشياتها ودكاكينها...!؟
والحقيقة ان السفير كروكر اشتغل مساعدا للحاكم الامريكي فترة وجيزة، سرعان ما اختلفا علي قضايا اساسية، وعاد الي دائرته في وزارة الخارجية بواشنطن، وقد استدعي الي لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس للاستماع الي شهادته في منتصف الشهر الاول من عام 2004 حول أداء بريمر في العراق وملاحظاته عليه، ومما قاله كروكر كما نقلت عنه مجلة نيويوركر بعد عامين من تلك الجلسة انه اعترض علي جميع القرارات التي اصدرها بريمر خلال الاشهر الاربعة الاولي من عمله في العراق ومنها حل الجيش العراقي وتدمير المؤسسات وترسيخ المحاصصات الطائفية والعرقية وانشاء مجلس الحكم الانتقالي وهيئة اجتثاث البعث وغيرها من التشكيلات المتسرعة، ومما قاله ايضا ويبدو ان التنظيمات والمرجعيات الشيعية لم يرق لها هذا القول: ان السنة في العراق هم (قوام السيادة) علي عكس الفئات الاخري التي لا تعنيها من قريب او بعيد السيادة في العراق، مضيفا انه حذر بريمر من مغبة سياساته المنحازة الي التنظيمات الشيعية والاحزاب الكردية لانها تنتج آثارا كارثية علي مصالح الولايات المتحدة الامريكية ومستقبلها في العراق والمنطقة..ولما ابلغه بريمر ـ والقول لكروكر ـ انه ينفذ ما يأتيه من البنتاغون المسؤول عن الملف العراقي يومذاك، ودعته بعد ان قلت له انا دبلوماسي ولست جنرالا، ولا مكان لي في سلطتك، يقصد سلطة الائتلاف كما كانت تسمي.
وواضح من كلام كروكر انه عندما تحدث امام الكونغرس وابدي ملاحظاته علي أداء بريمر، لم ينطلق من انحيازه للسنة العرب في العراق، كما يحاول الطائفيون الشيعة تفسيره لصالحهم، وانما انطلاقا من مسؤولياته كموظف امريكي يضع مصالح بلاده وحكومته فوق اي اعتبار آخر، وهو عندما عارض اجراءات بريمر في حل الجيش العراقي لم يكن حبا بهذا الجيش الوطني أو تقربا من السنة العرب، وانما ادراكا منه وهو الدبلوماسي المخضرم الذي عمل في بغداد نهاية السبعينات ثم في سورية والسعودية واليمن ولبنان واخيرا الباكستان، بان الجيش العراقي كان عامل توازن استراتيجي ازاء قوي ودول في المنطقة، وحله يخل بهذا التوازن كما حصل منذ اربع سنوات الي الان، وعندما يعلن ان السنة العرب قوام السيادة في العراق فهو يقول ذلك ليس حبا بسواد عيون السنة العرب او دفاعا عنهم، بل لانه يعرف جيدا من خبراته المتراكمة وتجاربه الدبلوماسية الميدانية، ان التنظيمات الشيعية والاحزاب الكردية التي منحها الاحتلال الامريكي امتيازات وتسهيلات ومساعدات وسلطات ليس لها ولاء للعراق، وانما لكل منها اجندة خاصة بها لا ترتبط بالعراق، وهذا ما يشهده العراق حقيقة منذ نيسان (ابريل) 2003 والي يومنا الراهن.
ان المرحلة التي يمر بها العراق اليوم بعد ان تكشفت الادوار وبرزت الاوراق وظهرت اللعبات بلا اغطية، تستدعي من القوي العراقية الحية المقاومة والمعارضة للاحتلال وعملائه واصدقائه وحلفائه، ان تستثمر الانهيار الامريكي المتزايد في العراق وتوظيف الانقسام الواسع في الساحة الامريكية بين الرئيس بوش والجمهور الامريكي، خصوصا وان قضية الانسحاب من العراق باتت الآن، العنوان الابرز في مداولات الكونغرس وشاشات التلفزة وصفحات الصحف وصدارة المنابر والمحافل والاجتماعات وهموم الرأي العام في طول امريكا وعرضها، وعلي القوي العراقية ان تتقدم خطوة ضرورية الي الامام عبر توحدها في حركة تحرير وطني بعيدا عن المشاريع الهلامية والخيالية، كمشروع الامارة او الرديف لمشروع ولاية الفقيه لصاحبه الملا طباطبائي، وعلي المقاومين الاشاوس الذين سجلوا أشرف ملحمة وطنية وقومية واسلامية في العراق، ان يأخذوا الحذر من أطراف تسعي الي سرقة تضحياتهم ودماء شهدائهم لاغراض ليست عراقية ولا عربية، وانما تخدم اهدافا ومصالح لا علاقة لها بالعراق البلد والسيادة والحاضر والمستقبل..