تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : ما ترك لي الحق صديقاً



مقاوم
03-27-2007, 09:40 AM
ما ترك لي الحق صديقاً

بقلم: د. باسم عبد الله عالِم (محامِ ومستشار قانوني)


ما ترك لي الحق صديقاً ، إنها كلمات سيدنا على بن أبي طالب (عليه وعلى آل بيت نبينا السلام)، تنزل على المرء نزول الصاعقة، ينتبه بعدها إلى ظلمة الليل البهيم المخيم على إنسانية تتفلت من الحق وتأباه. إن طريق الحق لموحش مقفر، يجوزه المرء وحيدا أو في صحبه نفر قليل من أهل الثبات والريادة. إنه طريق ينتظر كل صادع بالحق وصادح به. ليت شعرى كيف تكون شكوى سيدنا على، وهو من هو، ولكنه ألم الثبات وشوك المثابرة وجمرة التمسك بهذا الحق.
وتختلف منهجية الثبات في نظر البعض فيرون في المواقف المؤيدة تارة والمناهضة تارة أخرى تجاه جهة بعينها حالة من التذبذب، فلا ينبغي (في نظرهم) أن يكون الحق إلا في التأيد المطلق أو المناهضة المطلقة الدائمة، وأن الأمران لا يجتمعان. وقد وقع الكثيرون في شرك الثبات المزيف هذا، مكابرة منهم عن إتخاذ موقف مغاير تجاه شخص أو جهة كانوا قد أيّدوها أو عارضوها سابقاً. ولأننا نعيش في إطار منظومة فكرية حديثة ألّهت الأشخاص وعبّدت الشعوب في إطار القائد الملهم المعصوم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فأصبحنا دون وعي ننساق في هذا التيار وهذه المنظومة. وأصبحت الشخصانية والذاتية هي محور المقياس والمؤشر الذي يبين للناس الحقيقة ومسارها.

إن تأيد موقف ما لدولة أو لجهة لا بد (في إطار المنظومة الفكرية العربية الحديثة) أن يعني تحالف عملي وتماهي فكري وتلك الدولة أو الجهة. ويوسم الإنسان أو يوصم (بحسب الحال) بأنه من أتباع تلك الدولة أو الجهة. وهذه الحالة من المواقف الجامدة المرتبطة بالأشخاص، سواء كانوا أشخاص طبيعيين أو إعتباريين، ترفع درجة التوتر على نحو خطير داخل المجتمع أو الأمة، ويصبح إختلاف المشارب الفكرية، أساسا لمواقف حادة وعالية التوتر بين الفرقاء الفكريين.
والذي يبدل موقفه لأي سبب من الأسباب لابد وأن يكون ميكافيلليا ومنافقا وصاحب مصلحة أو متنكب عن طريق الحق. إن هذا الوصف هو السائد في عالمنا العربي اليوم عملا بأسلوب العصبية القبلية التي تحورت مع تعاقب الأزمنة في المجتمعات العربية لتصبح في زمن الإنحطاط العربي عصبية جهوية أو سخصانية، وكذا في زمن الريادة المادية في المجتمعات الغربية لتصبح عصبية فكرية.

ويعضد ذلك مبدأ الشخصنة الذي لا يربط الموقف بالإنسان ويقف عند هذا الحد، ولكنه يدمج الإنسان والموقف فيصبحا جزء لا يتجزأ فإذا ما تبدل حال أحدهما، كان لزاما على صاحب هذا المبدأ أن يدور مع الشخص حيث دار أو ينعته بأقذع التهم. وآخرون يرون في التذبب الحقيقي شرعة سمحاء وميكافيللية محمودة لأنها أهملت المبادئ وتمسكت بالمصالح المطلقة كعنصر أوحد لا يدانيه عنصر أو مرتكز آخر. فالقوم بين مطرقة الشخصانية وسندان الميكافيللية المعتمدة في الغرب كسياسة آمرة تجاه التوابع الذين يدورون في فلكه.

ولا غرابة في أن يقع الإنسان العربي فريسة لتنازع المصالح والإقناع السطحي الذي يعتمد على العاطفة وإستنهاض المروءة والمواقف البطولية والشخصانية الملهمة. والسبب في ذلك هو فقدان البوصلة الحقيقية لدى الإنسان العربي والمسلم، مما أدى إلى إستصحاب الأخلاقيات والثقافة العربية الراقية دون مرشد أو رؤية معاصرة، فتم توظيفها التوظيف الأخطر الذي من شأنه أن يودي بالأمم إلى مهاوي الردى.

وقد يتسائل المرء عن سبب هذا التردي الفكري، ويتعجب إذا ما علم أن أسبابه الرئيسة تكمن في غياب الحريات في عالمنا العربي والإسلامي. فكلما رفضت النصيحة وأستبد الحاكم بالأمر، أطلق العنان لماكينته الإعلامية لتصوغ الأحداث والمواقف بحرية وبدون مسائلة. وهكذا، عندما توقف الزمان عن وجود من يقوّم عمر بالسيف، أو يقول كلمة حق، أصبح الحاكم، شبه إله إغريقي، يجوز له أن يقترف أعظم الآثام الخاصة والعامة دون رادع ويظل مع ذلك في نظر القوم إله، لا يجوز المساس به أو نقده أو تقويمه. فلا يخالف أحد خليفة الله في الأرض، ولا يناقش أحد ظل الله في الأرض، ولا يسائل الزعيم الملهم، ولا يستدرك على قائد المسيرة.....إلخ.

إن مناط الأمر لا يخرج عن أحد أمرين بعد الرجوع إلى الهدف الأسمى في حياة الإنسان والأمم. فإن كان الهدف يغلب عليه الأنا، فإن الحق يتوارى كلما ظهرت المصلحة والشخصانية، وفي سبيل ذلك الهدف، تحوّر المبادئ ويعاد تزيينها لتتلاءم مع الحاجة الآنية. وأما إن كان الهدف هو تحقيق مراد الله في الأرض والتمسك بالحق والعدالة بشكل مطلق في سبيل تحقيق الرسالة الإنسانية التي من أجلها خلق الله الأرض ومن عليها، فإنه لا يسع المرء في سبيل ذلك سوى التحرر من كل قيد، دون قيد الحق وعقاله. فلا شخصانية، تمثل الحق، فالمطلق الأبدي لا يقيد بزمان منصرم أو مكان يدرس أو إنسان يفنى. ويمكن للمرء الذي جعل الحق هدفه والعدالة مرشده، أن يعلن صراحة عن موقف مستقل تماما عن الأشخاص والجهات. يمكن للمرء الناشد للحق والحقيقة، أن يعلن تحالفه مع جهة أو دولة أو شخص رأي في أحدها موافقة للحق في أمر ما، ويمكنه في أمر آخر أن يتخذ موقفا مناوئا لذات الأشخاص أو الجهات أو الدول.

إن مبدأ أن تقول للمصيب أصبت لا يتنافى ومبدأ أن تقول له أخطأت إن أخطأ. وإن كان المعنِيّ بذلك لا يقبل بهذه المفارقة فمعنى ذلك أنه (عملا بحسن الظن) لا يرى الحق والصواب إلا في ما يقوم به ويفعل أو (بالمقابل) فإنه يتخذ المواقف تبعا لهدف مغاير للحق وهو الهدف الشخصي الأناني دون إعتبار لحقوق الآخرن، وفي هذه الحالة يغضب إذا ما أهدى إليه أحدهم عيوبه وذكره بخطأه.

ولعلنا نذكر هاهنا رقي الحضارة الإنسانية الوحيدة في التاريخ المدون، التي طبقت مبادئها على نفسها قبل غيرها في قصة إنسحاب جيش المسلمين من أرض لم ينبذوا إلى أهلها ولم يخيروهم. لقد إنسحب الجيش بأمر السلطة التنفيذية، بالرغم من الخسائر التي تكبدها في الأموال والأرواح وبالرغم مما يمكن أن يعاود تكبده، لأن الحق كان أحق أن يتبع. ولم ترض السلطة التنفيذية أن تستغل تشغيل الماكينة الإعلامية لتبرير ومنطقة الحدث وخلق الإستثناءات المعهودة في عالمنا العربي والتي بدأت مع تلك المقولة المشؤمة "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة" وإن كان صوت صدق وحق وإخلاص. إنها المأساة بعينها أن يستغل عدونا تنكبنا عن طريق الحق ضدنا ويعين أتباعه على الإيغال في ذلك وإضطهاد الشعوب في سبيل مصالحه العليا ومصالح شعوبه.

وعودا على بدء وكلمة أمير المؤمنين سيدنا على بن أبي طالب (عليه وعلى آل بيت نبينا السلام)، فالأمر بكل ثقله وآلامه، يجعل من الإنسان ومن المجتمع ومن الأمة عنصر ثبات وركن وموئل في خضم الأمواج المتلاطمة وبحر السياسة اللجّي القذر. وإذا ما أفاق الكون يوما طلبا لمن يثقون بصدق توجههم، فلن تقودهم فطرتهم إلا إلى أصحاب الثبات على المبدأ والتمسك بالحق مهما كان وكيفما كان. وأما الزبد فيذهب جفاءاً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.

فـاروق
03-27-2007, 09:45 AM
مقال اكثر من مميز...

ولكن المشكلة تكمن في تعريف الحق هذه الايام...او لكي اكون اكثر دقة...المشكلة تكمن في اسقاط المبادئ على الواقع...

FreeMuslim
03-27-2007, 10:34 AM
ولكن المشكلة تكمن في تعريف الحق هذه الايام...او لكي اكون اكثر دقة...المشكلة تكمن في اسقاط المبادئ على الواقع...


صدقت أخي فاروق ..

الحق لا يتجزأ وبالتالي فهو واضح وجلي ولكن تفسير الناس لهذا الحق هو المشكلة الكبرى وهو ما يجعل الحليم حيرانا ..

عبد الله بوراي
03-27-2007, 10:46 AM
صدقت أخي فاروق ..

الحق لا يتجزأ وبالتالي فهو واضح وجلي ولكن تفسير الناس لهذا الحق هو المشكلة الكبرى وهو ما يجعل الحليم حيرانا ..

الحق هو الحقيقة الكبرى التى لا تتناهى
والبعض يريد أن يطلع على كُنهها بعقلهِ
المُتناهى

عبد الله بوراى

http://www3.0zz0.com/2007/03/13/10/64043115.gif

مقاوم
03-27-2007, 10:52 AM
في زمن الفتن .... وتنوع أوجه الحق ... وادعاء الكثيرون أنهم عليه

لا بد أن يكرر الواحد منا قول الله عز وجل:

"قال رب احكم بالحق. وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون"

شاكر لكم المرور والتعليق!

عبد الله بوراي
03-27-2007, 11:13 AM
في زمن الفتن .... وتنوع أوجه الحق ... وادعاء الكثيرون أنهم عليه

لا بد أن يكرر الواحد منا قول الله عز وجل:

"قال رب احكم بالحق. وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون"

شاكر لكم المرور والتعليق!


قَالَ رَبِّ احْكُم بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ

صدق الله العظيم

بارك الله فيكَ أخى مُقاوم

ولعبد الدنيا مقام جد طويل
بين يدى أحكم الحاكمين

قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لاَّ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنسَى

http://www3.0zz0.com/2007/03/13/10/64043115.gif