مقاوم
03-24-2007, 10:26 AM
برنامج حماس وثوابتها السياسية...ما الذي تبقى؟
هشام منور/ كاتب وباحث فلسطيني
ما كان للحكومة الفلسطينية الحادية عشرة (منذ إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية 1991م) والرابعة تحت قيادة رئيس للوزراء (منذ استحداث هذا المنصب عام 2003م)، أن تشهد النور وتنعم "ببركة" ثقة المجلس التشريعي، المهيمن عليه من قبل الفصيلين الأساسيين في الحكومة (فتح وحماس)، لولا تدخل الوصاية العربية وما تمخض عنها من اتفاق مكة المكرمة.
وإذ يعد الكثيرون الاتفاق على تشكيل الحكومة إنجازاً تاريخياً فلسطينياً وعربياً، فإن المتابع لتاريخ نضال الشعب الفلسطيني، والمدقق في تفاصيل أحداثه، وحجم التضحيات التي قدمها أحد أعرق شعوب الأرض قاطبة في مقاومة الاستعمار الحديث وأذياله، ليلحظ مدى التراجع المريع والأذى الرهيب الذي انتاب القضية المركزية لأمة العرب والمسلمين، إذ بات أصحاب القضية أنفسهم "يهللون" لاتفاقهم على حقن دمهم (نعم دمهم!)، ويكيلون المديح والإعجاب لحكومة، جمعت فئات من شتات شعب مشتت في بقاع الأرض، ليس له دون الاعتصام بحبل الله عز وجل والتوحد على رؤية موحدة، من مناص أو سبيل، "إنجازاً" تاريخياً قلّ نظيره!؟
لست معنياً في هذا السياق ببحث دوافع وتوجهات الفصيل المشارك في الحكومة بعد طول عناء (فتح)، فما أراده أبو مازن وفئته المعزولة فتحاوياً، قد تحقق وربما بما يفوق المتوقع منهم، لكن الغريب في هذا السياق هو مواقف حركة حماس، الشريك الأكبر في الحكومة، والتي رضخت، بعد طول معاناة وحصار دولي وعربي، لشرط المشاركة السياسية مع فتح، تحت شعار الوحدة الوطنية وحقن الدم الفلسطيني والحفاظ على السلم الأهلي المتداعي أصلاً.
ولكن هل كانت موافقة (حماس) على المشاركة السياسية دون تنازلات جوهرية، تعدت فيها على برنامجها السياسي، الذي انتخبها الشعب الفلسطيني على أساسه في الأرض المحتلة، وثوابتها المعلنة قبل خوضها غمار العمل السياسي؟
إن المدقق في خطاب رئيس الوزراء الفلسطيني (إسماعيل هنية)، ليهوله حجم التنازلات التي قدمتها حركته في سبيل الحفاظ على موقعها السياسي المكتسب في الانتخابات الأخيرة، فبعد أن كانت حركة حماس ترفض الاعتراف بقرارات الشرعية الدولية والاتفاقيات التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية، وفي مقدمتها اتفاقات أوسلو سيئة الصيت، نص الخطاب الوزاري على كون الحكومة الجديدة "تحترم" هذه الاتفاقات، وأنها سوف تتعامل معها "بمسؤولية وطنية عالية، بما يخدم مصالح شعبنا وحقوقه الثابتة".
وقد أعجب المهرولون للسلام مع العدو بهذا "الإنجاز" والتقدم الكبير في رؤية الحركة، وعدوه نتاجاً طبيعياً لسلسلة الضغوطات التي ألمت بالحركة خلال انفرادها بالسلطة، وشكل من وجهة نظرهم تراجعاً براغماتياً حمساوياً عن المشروع المعلن للحركة وثوابتها السياسية، ولا يهم بعد ذلك سيل "الترقيعات"، التي ساقتها الحركة ذاتها وخصومها السياسيون على حد سواء.
فسواء كان المقصود أن "الاحترام" غير "الالتزام"، والتلاعب بالألفاظ لتمرير هذا البند، أو أن "الاحترام" يدل على رضا ضمني بتلك الاتفاقات، وهو ما يشكل مرتبة أرفع من "الالتزام"، الذي يشوبه الاضطرار من وجهة نظر خصوم الحركة، فإن المؤكد أن هذا البند قد اعتبر تراجعاً خطيراً في فكر (حماس) وثوابتها المعروفة.
بالمقابل، فقد نص البيان الوزاري فيما يتعلق بمواجهة الاحتلال على نوع جديد من المقاومة، لا يحدد ماهيتها ولا نوعها، ويكتفي بتسميتها "بالمقاومة الشعبية الجماهيرية"، مما يعدّ تراجعاً عن موقف الحكومة والحركة في تبني شرعية المقاومة بكافة أشكالها، سيما المسلح، ويبرز كمحاولة براغماتية للتأقلم مع شروط الرباعية الدولية بما يسمى "نبذ العنف"، "تؤكد الحكومة بأن المقاومة بكافة أشكالها بما فيها المقاومة الشعبية الجماهيرية ضد الاحتلال حق مشروع للشعب الفلسطيني كفلته الأعراف والمواثيق الدولية كافة، ومن حق شعبنا الدفاع عن نفسه أمام العدوان الإسرائيلي المتواصل".
وهذا يتساوق بالطبع مع البند التالي من الجانب المتعلق بمواجهة الاحتلال في البيان الوزاري، والداعي إلى التهدئة وتثبيتها وتوسيعها.
وبالرغم من إبراز البيان الوزاري للمقاومة الشعبية الجماهيرية على حساب الكفاح المسلح، فإن الولايات المتحدة الأمريكية أبدت تحفظها على هذا البند، وكأنها بذلك تريد إلغاء حق الشعب الفلسطيني في مقاومة المحتل بكافة أشكاله؟!
أما الحديث عن تثبيت التهدئة وتوسيعها لتصبح تهدئة شاملة ومتبادلة ومتزامنة. فإن ذلك يبدو سيراً وفق رؤية حركة حماس في السعي لعقد هدنة مع "إسرائيل: دون الاعتراف بها. وهو الاتجاه الذي بدأ يجد صدى في الأوساط الأوروبية وحتى الإسرائيلية.
ولكن التساؤل المطروح: هل عقد مثل هذه الهدنة، من الناحية الشرعية والسياسية، هي في صالح الشعب الفلسطيني؟ أم أن الطرف الآخر سيمنح بذلك الوقت الكافي لتثبيت الحقائق على الأرض وصولاً إلى تهويدها، وينسجم مع رؤية (شارون)، و(أولمرت) من بعده، نحو المرحلية في الحل السياسي وليس حلاً نهائياً للصراع، أي تجنب حل القضايا المصيرية حلاً شاملاً.
وللمرء أن يتساءل هنا عن مصير مشروع المقاومة، الذي شاركت به حركة حماس في النظام السياسي الفلسطيني من أجل حمايته والدفع به، والمستقبل السياسي لحركة جهادية بالأساس. وعن مآل حكومة محاصصة فصائلية، وخطر رضوخ موظفي الوزارات لانتماءاتهم الحزبية سواء في التعيين أو في المعاملة، وأثر ذلك على مصالح الشعب الفلسطيني، المعني بمقاومة الاحتلال قبل هموم النزاعات الفصائلية الضيقة.
ويبقى أن أسلوب المناورة اللفظية الذي تتبعه حركة حماس منذ خوضها المستنقع السياسي، للتملص من الاتفاقات الموقعة سابقاً مع سلطة أوسلو، وبراغماتية الأطروحات السياسية التي تزعم استنادها إلى الواقع الفلسطيني، ليطرح التساؤل مجدداً حول رؤية الحركة لمستقبل الصراع مع العدو، ومدى تباينها مع رؤية فصائل سابقة اجترحت التعامل السياسي مع العدو ورضخت للشروط الدولية المنحازة له، ويثير الاستفهام عن مدى تمسكها به، بعد كل ما تقدم من تنازلات وتراجعات استراتيجيه، وتالياً مدى قدرة حركة حماس على مقاومة الضغوطات الخارجية ووقف مسلسل التنازلات السياسية، بعدما اعتزلت المقاومة المسلحة فعلياً، رغم مناكفتها وامتناعها عن التصريح به.
هشام منور/ كاتب وباحث فلسطيني
ما كان للحكومة الفلسطينية الحادية عشرة (منذ إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية 1991م) والرابعة تحت قيادة رئيس للوزراء (منذ استحداث هذا المنصب عام 2003م)، أن تشهد النور وتنعم "ببركة" ثقة المجلس التشريعي، المهيمن عليه من قبل الفصيلين الأساسيين في الحكومة (فتح وحماس)، لولا تدخل الوصاية العربية وما تمخض عنها من اتفاق مكة المكرمة.
وإذ يعد الكثيرون الاتفاق على تشكيل الحكومة إنجازاً تاريخياً فلسطينياً وعربياً، فإن المتابع لتاريخ نضال الشعب الفلسطيني، والمدقق في تفاصيل أحداثه، وحجم التضحيات التي قدمها أحد أعرق شعوب الأرض قاطبة في مقاومة الاستعمار الحديث وأذياله، ليلحظ مدى التراجع المريع والأذى الرهيب الذي انتاب القضية المركزية لأمة العرب والمسلمين، إذ بات أصحاب القضية أنفسهم "يهللون" لاتفاقهم على حقن دمهم (نعم دمهم!)، ويكيلون المديح والإعجاب لحكومة، جمعت فئات من شتات شعب مشتت في بقاع الأرض، ليس له دون الاعتصام بحبل الله عز وجل والتوحد على رؤية موحدة، من مناص أو سبيل، "إنجازاً" تاريخياً قلّ نظيره!؟
لست معنياً في هذا السياق ببحث دوافع وتوجهات الفصيل المشارك في الحكومة بعد طول عناء (فتح)، فما أراده أبو مازن وفئته المعزولة فتحاوياً، قد تحقق وربما بما يفوق المتوقع منهم، لكن الغريب في هذا السياق هو مواقف حركة حماس، الشريك الأكبر في الحكومة، والتي رضخت، بعد طول معاناة وحصار دولي وعربي، لشرط المشاركة السياسية مع فتح، تحت شعار الوحدة الوطنية وحقن الدم الفلسطيني والحفاظ على السلم الأهلي المتداعي أصلاً.
ولكن هل كانت موافقة (حماس) على المشاركة السياسية دون تنازلات جوهرية، تعدت فيها على برنامجها السياسي، الذي انتخبها الشعب الفلسطيني على أساسه في الأرض المحتلة، وثوابتها المعلنة قبل خوضها غمار العمل السياسي؟
إن المدقق في خطاب رئيس الوزراء الفلسطيني (إسماعيل هنية)، ليهوله حجم التنازلات التي قدمتها حركته في سبيل الحفاظ على موقعها السياسي المكتسب في الانتخابات الأخيرة، فبعد أن كانت حركة حماس ترفض الاعتراف بقرارات الشرعية الدولية والاتفاقيات التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية، وفي مقدمتها اتفاقات أوسلو سيئة الصيت، نص الخطاب الوزاري على كون الحكومة الجديدة "تحترم" هذه الاتفاقات، وأنها سوف تتعامل معها "بمسؤولية وطنية عالية، بما يخدم مصالح شعبنا وحقوقه الثابتة".
وقد أعجب المهرولون للسلام مع العدو بهذا "الإنجاز" والتقدم الكبير في رؤية الحركة، وعدوه نتاجاً طبيعياً لسلسلة الضغوطات التي ألمت بالحركة خلال انفرادها بالسلطة، وشكل من وجهة نظرهم تراجعاً براغماتياً حمساوياً عن المشروع المعلن للحركة وثوابتها السياسية، ولا يهم بعد ذلك سيل "الترقيعات"، التي ساقتها الحركة ذاتها وخصومها السياسيون على حد سواء.
فسواء كان المقصود أن "الاحترام" غير "الالتزام"، والتلاعب بالألفاظ لتمرير هذا البند، أو أن "الاحترام" يدل على رضا ضمني بتلك الاتفاقات، وهو ما يشكل مرتبة أرفع من "الالتزام"، الذي يشوبه الاضطرار من وجهة نظر خصوم الحركة، فإن المؤكد أن هذا البند قد اعتبر تراجعاً خطيراً في فكر (حماس) وثوابتها المعروفة.
بالمقابل، فقد نص البيان الوزاري فيما يتعلق بمواجهة الاحتلال على نوع جديد من المقاومة، لا يحدد ماهيتها ولا نوعها، ويكتفي بتسميتها "بالمقاومة الشعبية الجماهيرية"، مما يعدّ تراجعاً عن موقف الحكومة والحركة في تبني شرعية المقاومة بكافة أشكالها، سيما المسلح، ويبرز كمحاولة براغماتية للتأقلم مع شروط الرباعية الدولية بما يسمى "نبذ العنف"، "تؤكد الحكومة بأن المقاومة بكافة أشكالها بما فيها المقاومة الشعبية الجماهيرية ضد الاحتلال حق مشروع للشعب الفلسطيني كفلته الأعراف والمواثيق الدولية كافة، ومن حق شعبنا الدفاع عن نفسه أمام العدوان الإسرائيلي المتواصل".
وهذا يتساوق بالطبع مع البند التالي من الجانب المتعلق بمواجهة الاحتلال في البيان الوزاري، والداعي إلى التهدئة وتثبيتها وتوسيعها.
وبالرغم من إبراز البيان الوزاري للمقاومة الشعبية الجماهيرية على حساب الكفاح المسلح، فإن الولايات المتحدة الأمريكية أبدت تحفظها على هذا البند، وكأنها بذلك تريد إلغاء حق الشعب الفلسطيني في مقاومة المحتل بكافة أشكاله؟!
أما الحديث عن تثبيت التهدئة وتوسيعها لتصبح تهدئة شاملة ومتبادلة ومتزامنة. فإن ذلك يبدو سيراً وفق رؤية حركة حماس في السعي لعقد هدنة مع "إسرائيل: دون الاعتراف بها. وهو الاتجاه الذي بدأ يجد صدى في الأوساط الأوروبية وحتى الإسرائيلية.
ولكن التساؤل المطروح: هل عقد مثل هذه الهدنة، من الناحية الشرعية والسياسية، هي في صالح الشعب الفلسطيني؟ أم أن الطرف الآخر سيمنح بذلك الوقت الكافي لتثبيت الحقائق على الأرض وصولاً إلى تهويدها، وينسجم مع رؤية (شارون)، و(أولمرت) من بعده، نحو المرحلية في الحل السياسي وليس حلاً نهائياً للصراع، أي تجنب حل القضايا المصيرية حلاً شاملاً.
وللمرء أن يتساءل هنا عن مصير مشروع المقاومة، الذي شاركت به حركة حماس في النظام السياسي الفلسطيني من أجل حمايته والدفع به، والمستقبل السياسي لحركة جهادية بالأساس. وعن مآل حكومة محاصصة فصائلية، وخطر رضوخ موظفي الوزارات لانتماءاتهم الحزبية سواء في التعيين أو في المعاملة، وأثر ذلك على مصالح الشعب الفلسطيني، المعني بمقاومة الاحتلال قبل هموم النزاعات الفصائلية الضيقة.
ويبقى أن أسلوب المناورة اللفظية الذي تتبعه حركة حماس منذ خوضها المستنقع السياسي، للتملص من الاتفاقات الموقعة سابقاً مع سلطة أوسلو، وبراغماتية الأطروحات السياسية التي تزعم استنادها إلى الواقع الفلسطيني، ليطرح التساؤل مجدداً حول رؤية الحركة لمستقبل الصراع مع العدو، ومدى تباينها مع رؤية فصائل سابقة اجترحت التعامل السياسي مع العدو ورضخت للشروط الدولية المنحازة له، ويثير الاستفهام عن مدى تمسكها به، بعد كل ما تقدم من تنازلات وتراجعات استراتيجيه، وتالياً مدى قدرة حركة حماس على مقاومة الضغوطات الخارجية ووقف مسلسل التنازلات السياسية، بعدما اعتزلت المقاومة المسلحة فعلياً، رغم مناكفتها وامتناعها عن التصريح به.