علي سليم
03-02-2007, 11:10 AM
إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد.
كان من الله سبحانه في علاه ان يختبر عباده ليميز بين الخبيث و الطيب و الصادق من الكاذب فكانت الامراض على نوعيها امراض عضوية و اخرى روحية تتعلق بالسحر و المس.....
و كان السحر و المس بظلم الانس لبني جنسه او بظلم الجن للانس و هذا يعرفه اهله لا خلاف حوله....
و الذي اردته من هذه الرسالة تصحيح مفهوم تلقاه بعضا من اهل العلم فحزنت للجهل القائم بين اوساط هذا الصنف منهم ....
فمعلوم من الدين بضرورة انواع الظلم و احكامه و لا يخفى هذا عن العامة فضلا عن الخاصة منهم و الذي يهمني الان هو ان الظلم واقع من الجن كما واقع من الانس و من فرّق بين هذا فعليه بالدليل....
ثم الجن منهم مؤمن و منهم كافر كحال بني آدم فقال تعالى كما في سورة الجن (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (2) وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (3)
و من قال عن كتاب ربنا بمقولة النفر المذكورين فهو مؤمن قطعا ثم تتأكد القطعية بنفي الشرك مستقبلا ثم تنزيه المولى عن الولد و الصاحبة...انه التوحيد بعينه....
اذا كما في الانس مؤمنون موحدون كذلك في الجن امثالهم.....
ثم قال تعالى عنهم:
وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا
فالكذب ثابت هنا و هناك....كما في الجن هو في الانس و هذا معلوم ملموس بين اوساطنا فتنبه لهذا لانني ساعوّل عليه كثيرا....
ثم قال تعالى:
وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6)
و هنا ذكر المولى سبب الرهق الذي اصاب الانس و ذلك بطلب العون و العوذ منهم و الرهق على حسب اعتقاد العائذ....
فمن اعتقد عونهم هو المطلوب تاركا عون المولى و الطلب منه فهذا كفر ابتداء و انتهاء قولا واحد,,,,
و من اعتقد عكس هذا و طلب العون منهم فجرمه اخف اتفاقا حيث كانت خطيئته انه تعامل مع (صدقك و هو كذوب ....و سياتي معنا تصحيح هذا المفهوم)
ثم قال تعالى:
وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا (7)
و هنا يأتي التأكيد على التشابه القائم بين الصنفين, فكما ان الانس ظنوا بالله سوءا فكذلك كان حال الجن....و من حكم على الكل فليحكم على كلا الطرفين و هذا لا يقوله عاقل بله مجنون فتنبه!!!!
ثم قال تعالى:
وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا (11)
اذا لا مجال للنقاش بعد الان فمنهم كما منا صالحون و دون ذلك في الصلاح......
ثم قال تعالى:
وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آَمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا (13)
و كذلك منهم المؤمن و منهم الخائف الوجل و لا فرق بين الجن و الانس في كل هذه الصفات و لله الحمد....
ثم قال تعالى:
وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14)
فكذلك منهم المسلمون و منهم القاسطون الظالمون و هل حالنا ليس كحالهم؟؟؟؟؟ فكن على هذا من بصيرة و الاّ ستكون مكذبا للكتاب من حيث لا تدري!!!!!
و من تأمل في سورة الجن لوجد انهم اي الجن اثبتوا ان منهم المحسنون و منهم المؤمنون و منهم المسلمون ثم دون ذلك الى مراتب الكفر و حطب جهنم.....
و بعذ هذه المقدمة فمن الظلم بمكان ان نحكم على صنفهم بالظلم ابتداء من الظلم العظيم و هو الشرك كما في سورة لقمان و انتهاء بظلم الجن لنفسه....
و من الرجم بالغيب ان نحكم على عدد منهم بالظلم و الذي هو الشرك بمجرد انهم جان!!!!!
و من الظلم ان نحكم على جان بعينه بانه كافر بمجرد دخوله بدن الانس!!!
و هذا الذي دونته على عجالة تلفظ به كثير من طلبة العلم في بلادنا تناسو او نسوا انه من فرّق بيننا و بينهم يلزمه الدليل لا العكس!!!!!
و رأفة بهم و رحمة كتبنا ما بوسعنا حتى نحسن اليهم و اننا على يقين ان احساننا سيقابله اساءة و هذا اثبتناه بالخبرة و التجربة......
و سازيد الامر وضوحا لارقي اعلى مراتب الرأفة و الرحمة بهم و معهم و لهم....
نحن نحكم على بني جنسنا بالظاهر بمعنى من رأيناه يصلي حكما عليه اسلاما و ايمانا و من رأيناه يحلف بالله صدقا كذلك و قس على هذا بقية الخصال....
و من قرأ القرآن كان حكمنا عليه بالظاهر انه مؤمن مسلم....
ربما هو تال له تقية و خشيه و كفرا....و ما يدرينا هلا شققنا عن قلبه؟؟؟؟ ام اننا مطالبون شرعا بالحكم على الباطن حيث هو الغيب بعينه؟؟؟؟ و لولا وحي السماء ما ادراه صلى الله عليه و سلم ان من اصحابه منافقون حيث كان الحكم عليهم بالصحبة حكما ظاهرا ثم تعليلا (حتى لا يقال ان محمدا يقتل اصحابه) قالها في المنافقون....
هذا هو الحكم على الظاهر و حديث اسامة مع ذاك المقاتل كما في صحيح مسلم عن أسامة بن زيد قال : بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية ، فصبحنا الحرقات من جهينة فأدركت رجلا فقال : لا إله إلا الله ، فطعنته فوقع في نفسي من ذلك ، فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أقال لا إله إلا الله وقتلته ؟ قال : قلت يا رسول الله إنما قالها خوفا من السلاح . قال : أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم : أقالها أم لا . فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ ) . وفي رواية ( فلما قدمنا بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال لي : يا أسامة ، أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله ؟ قلت يا رسول الله إنما كان متعوذا ، قال ، فقال : أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله ؟ قال فمازال يكررها علي حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم ) . وفي رواية ( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بعثا من المسلمين إلى قوم من المشركين ، وإنهم التقوا فكان رجل من المشركين إذا شاء أن يقصد إلى رجل من المسلمين قصد له فقتله ، وإن رجلا من المسلمين قصد غفلته ، فقال : وكنا نتحدث أنه أسامة بن زيد ، فلما رجع إليه السيف قال لا إله إلا الله ، فقتله ، فجاء البشير إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فسأله فأخبره ، حتى أخبره خبر الرجل كيف صنع ، فدعاه فسأله ، فقال : لم قتلته ؟ قال : يا رسول الله أوجع في المسلمين ، وقتل فلانا وفلانا وسمى له نفرا ، وإني حملت عليه ، فلما رأى السيف قال لا إله إلا الله . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أقتلته ؟ قال : نعم . قال : فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة ؟ قال : يا رسول الله استغفر لي ، قال : فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة ؟ فقال : فجعل لا يزيده على أن يقول : كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة( .
اذا هذا كان كافرا و يقاتل في صف المشركين و تلفظ بالشهادة تحت الموت و مع هذه العوامل كان من ديننا ان نعامله معاملة اهل الاسلام و نحكم عليه بالظاهر....
فمن باب اولى ان نحكم على جن ما عندما يقرأ كتاب ربنا اثناء الرقية بانه مسلم او مؤمن و هو حكم بالظاهر....
و من فرّق يعوذه الدليل!!!! و انى له ذلك.....
قالوا: كيف يكون مسلم و هو اعتدى على مسلم و دخل جسده؟؟؟؟
و هل الظلم و الايمان لا يلتقيان!!!! ام تبنوا قول المعتزلة و قالوا بمنزلة بين المنزلتين!!!!
اليس هذا الظلم واقع من بني آدم لا محالة....فمن منّا لم يظلم؟؟؟ ابتداء بظلمه لنفسه!!!!!
قالوا: لا يجوز ان نصدقهم في شيئ؟؟؟؟
لانهم من صنف صدقك و هو كذبوب.....
و هل يعني هذا انه لا يوجد بينهم كذبك و هو صدوقّّّّّّ!!!!
اليس من الظلم ان نجعل قوله صلى الله عليه و سلم عامة في صنف الجن و قالها صلى الله عليه و سلم في حادثة عين!!!!!
الجن كالانس يدورن بين اربعة اصناف لا خامس لها:
صدقك و هو صدوق
صدقك و هو كذوب
كذبك و هو صدوق
كذبك و هو كذوب...
ثم انه صلوات ربي و لامه عليه حكم على ذك الجني بان صدقك و هو كذبوب اما بوحي من السماء و هذا هو الراجح كما في القصة او بتكرارالكذب الصادر منه حيث تعاهد بان لا يعود و كرر العهد و الاخلاف به ثلاثا فكان من البديهي ان نحكم عليه بانه كذوب....
عن أبي هريرة قال: (وَكَّلَنِي رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آتٍ فجعل يحثو من الطعام، فأخذته وقلت: والله لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إني محتاج وعليَّ عيالٌ ولي حاجةٌ شديدة، قال: فخليت عنه، فأصبحت فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة؟ قال: قلت: يا رسول الله! شكا حاجةً شديدة وعيالاً فرحمته فخليت سبيله، قال: أما إنه قد كذبك وسيعود، فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه سيعود. فرصدته فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: دعني فإني محتاج وعلي عيالٌ ولن أعود، فرحمته فخليت سبيله، فأصبحت، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا هريرة ما فعل أسيرك؟ قلت: يا رسول الله! شكا حاجةً شديدةً وعيالاً فرحمته فخليت سبيله، قال: أما إنه قد كذبك وسيعود. فرصدته الثالثة فجاء يحثو من الطعام، فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذه ثلاث مرات تزعم أنك لا تعود ثم تعود، قال: دعني وسوف أعلمك كلماتٍ ينفعك الله بها، قلت: ما هي؟ قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي – {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّوم } [البقرة:255]- حتى تختم الآية، فإنه لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربنك شيطانٌ حتى تصبح؛ فخليت سبيله. فأصبحت، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما فعل أسيرك البارحة؟ قلت: يا رسول الله! زعم أنه يعلمني كلماتٍ ينفعني الله بها، فخليت سبيله، قال: وما هي؟ قلت: قال لي: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية: - {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّوم} [البقرة:255]- وقال لي: لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطانٌ حتى تصبح -وكانوا أحرص شيءٍ على الخير- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما إنه قد صدقك وهو كذوب، أتعلم من تخاطب منذ ثلاث ليالٍ يا أبا هريرة ؟ قال: لا. قال: ذاك الشيطان).
) هذا الحديث أخرجه البخاري رحمه الله تعالى في كتاب: الوكالة، باب: إذا وكل الموكل رجلاً فترك الوكيل شيئاً فأجازه الموكل فهو جائز.
ثم قرر كتابنا قاعدة عظيمة حيث يلزمنا الثبت مع مقولة اهل الفسق فقال تعالى) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)
و لذا كان تعاملنا مع الجن كتعاملنا مع الانس من ناحية التثبت....
فلا يصح ان نبني القصور و البروج لهتفات هتف بها جني ما....فان اخبرنا بوجود مادة سحرية ما في مكان ما...فليزمنا التثبت و تثبتنا هو في البحث عنها فان حصل تكرار الصدق و اتيان التثبت ثمارها فيكون جننا هذا صدقك و هو صدوق عملا بالظاهر و حكما عليه....
مواقف متفرقة للصحابة مع الجن:
و هذه نماذج تبين صدقهم فخذها ندية طرية....
لقد حصل لعددٍ من الصحابة مواقف مثل موقف أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، فمن هذه المواقف:
1- أن أبا أيوب الأنصاري حدَّث أنه كانت له عكة فيها تمر، وكانت تجيء الغيلان من الجن -ومنه قول الصحابي: [إذا تغولت الغيلان فعليكم بالأذان] إذا تراءت الغيلان أمامكم وظهرت فعليكم بالأذان؛ لأن الأذان يطردها- وتأخذ منه، وفي الرواية: أنها علمته آية الكرسي، وأنه لا يقربه شيطان، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صدقك وهو كذوب).
2- كذلك قصة أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه: أن أباه كعباً أخبره أنه كان له جرين فيه تمر -والجرين: هو البيدر الذي يجمع فيه الطعام- وكان يتعاهده، وكلما جاء يتعاهد هذا البيدر وجده قد نقص، فحرسه ذات ليلة فإذا هو بدابةٍ كهيئة الغلام المحتلم، قال: فسلم فرد السلام، فقال: ما أنت جنٌ أم إنس؟ قال: جنٌ، فقلت: ناولني يدك، فإذا هي يد كلب وعليها شعر كلب، فقلت أهذا خلق الجن؟ قال: لقد علمت الجن أن فيهم من هو أشد مني، فقلت: ما يحملك على ما صنعت؟ قال: بلغني أنك تحب الصدقة فأحببت أن أصيب من طعامك. فقلت: ما الذي يحرزنا منكم؟ قال: هذه الآية -آية الكرسي- فتركته ثم غديت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته قال: صدق الخبيث. رواه ابن حبان في صحيحه .
3- وحدثت كذلك حادثة أخرى رواها عبد الله بن مسعود قال: لقي رجلٌ من أصحاب محمدٍ صلى الله عليه وسلم رجلاً من الجن فصارعه فصرعه الإنسي، فقال له الإنسي: إني لأراك ضئيلاً شخيتاً كأن ذريعتيك ذريعتا كلب -تصغير ذراع- فكذلك أنتم معشر الجن أم أنت من بينهم كذلك؟ قال: لا والله. إني منهم لضليع. يقول الإنسي: أنا أراك ضئيلاًً -أي: دقيق الجسم- شخيتاً -أي: مهزولاً- فهل أنتم الجن هكذا أم أنك أنت ضعيف من بينهم؟ قال: لا والله إني من بينهم لضليع- أي: جيد الأضلاع، ولكن عاودني الثانية فإن صرعتني علمتك شيئاً ينفعك، قال: نعم. فصارعه فصرعه قال: تقرأ: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّوم [البقرة:255] فإنك لا تقرأها في بيتٍ إلا خرج منه الشيطان له خبجٌ -أي: ريحٌ- كخبج الحمار، ثم لا يدخله حتى يصبح. وهذه الروايات في بعض أسانيدها ضعف، لكن ثبت أن عمر رضي الله عنه صارع جنياً فصرعه، وهذا من قوة عمر رضي الله عنه، وعاوده فصارعه فصرعه.
4- وجاء في بعض الروايات كذلك: أن أبا هريرة رضي الله عنه عندما كان يحرس تمر الصدقة اشتكى لما رأى ذلك الرجل يأخذ منه، قال: فأخذته فالتفت يدي على وسطه فقلت: يا عدو الله! وثبت إلى تمر الصدقة فأخذته وكانوا أحق به منك، لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيفضحك، وفي رواية قال: ما أدخلك بيتي تأكل التمر؟ قال: أنا شيخ كبير فقير ذو عيال، وما أتيتك إلا من حاجة، ولو أصبت شيئاً دونك ما أتيتك، ولقد كنا في مدينتكم هذه حتى بُعث صاحبكم، فلما نزلت عليه آيتان تفرقنا منها، فإن خليت سبيلي علمتكهما، قلت: نعم. قال: آية الكرسي، وآخر سورة البقرة من قوله: آمَنَ الرَّسُولُ .. [البقرة:285] إلى آخرها.
هذا ما دونته على عجل من امري فاسال الله الصواب و السداد و العفو و الغفران عند الزلل....
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد.
كان من الله سبحانه في علاه ان يختبر عباده ليميز بين الخبيث و الطيب و الصادق من الكاذب فكانت الامراض على نوعيها امراض عضوية و اخرى روحية تتعلق بالسحر و المس.....
و كان السحر و المس بظلم الانس لبني جنسه او بظلم الجن للانس و هذا يعرفه اهله لا خلاف حوله....
و الذي اردته من هذه الرسالة تصحيح مفهوم تلقاه بعضا من اهل العلم فحزنت للجهل القائم بين اوساط هذا الصنف منهم ....
فمعلوم من الدين بضرورة انواع الظلم و احكامه و لا يخفى هذا عن العامة فضلا عن الخاصة منهم و الذي يهمني الان هو ان الظلم واقع من الجن كما واقع من الانس و من فرّق بين هذا فعليه بالدليل....
ثم الجن منهم مؤمن و منهم كافر كحال بني آدم فقال تعالى كما في سورة الجن (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (2) وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (3)
و من قال عن كتاب ربنا بمقولة النفر المذكورين فهو مؤمن قطعا ثم تتأكد القطعية بنفي الشرك مستقبلا ثم تنزيه المولى عن الولد و الصاحبة...انه التوحيد بعينه....
اذا كما في الانس مؤمنون موحدون كذلك في الجن امثالهم.....
ثم قال تعالى عنهم:
وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا
فالكذب ثابت هنا و هناك....كما في الجن هو في الانس و هذا معلوم ملموس بين اوساطنا فتنبه لهذا لانني ساعوّل عليه كثيرا....
ثم قال تعالى:
وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6)
و هنا ذكر المولى سبب الرهق الذي اصاب الانس و ذلك بطلب العون و العوذ منهم و الرهق على حسب اعتقاد العائذ....
فمن اعتقد عونهم هو المطلوب تاركا عون المولى و الطلب منه فهذا كفر ابتداء و انتهاء قولا واحد,,,,
و من اعتقد عكس هذا و طلب العون منهم فجرمه اخف اتفاقا حيث كانت خطيئته انه تعامل مع (صدقك و هو كذوب ....و سياتي معنا تصحيح هذا المفهوم)
ثم قال تعالى:
وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا (7)
و هنا يأتي التأكيد على التشابه القائم بين الصنفين, فكما ان الانس ظنوا بالله سوءا فكذلك كان حال الجن....و من حكم على الكل فليحكم على كلا الطرفين و هذا لا يقوله عاقل بله مجنون فتنبه!!!!
ثم قال تعالى:
وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا (11)
اذا لا مجال للنقاش بعد الان فمنهم كما منا صالحون و دون ذلك في الصلاح......
ثم قال تعالى:
وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آَمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا (13)
و كذلك منهم المؤمن و منهم الخائف الوجل و لا فرق بين الجن و الانس في كل هذه الصفات و لله الحمد....
ثم قال تعالى:
وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14)
فكذلك منهم المسلمون و منهم القاسطون الظالمون و هل حالنا ليس كحالهم؟؟؟؟؟ فكن على هذا من بصيرة و الاّ ستكون مكذبا للكتاب من حيث لا تدري!!!!!
و من تأمل في سورة الجن لوجد انهم اي الجن اثبتوا ان منهم المحسنون و منهم المؤمنون و منهم المسلمون ثم دون ذلك الى مراتب الكفر و حطب جهنم.....
و بعذ هذه المقدمة فمن الظلم بمكان ان نحكم على صنفهم بالظلم ابتداء من الظلم العظيم و هو الشرك كما في سورة لقمان و انتهاء بظلم الجن لنفسه....
و من الرجم بالغيب ان نحكم على عدد منهم بالظلم و الذي هو الشرك بمجرد انهم جان!!!!!
و من الظلم ان نحكم على جان بعينه بانه كافر بمجرد دخوله بدن الانس!!!
و هذا الذي دونته على عجالة تلفظ به كثير من طلبة العلم في بلادنا تناسو او نسوا انه من فرّق بيننا و بينهم يلزمه الدليل لا العكس!!!!!
و رأفة بهم و رحمة كتبنا ما بوسعنا حتى نحسن اليهم و اننا على يقين ان احساننا سيقابله اساءة و هذا اثبتناه بالخبرة و التجربة......
و سازيد الامر وضوحا لارقي اعلى مراتب الرأفة و الرحمة بهم و معهم و لهم....
نحن نحكم على بني جنسنا بالظاهر بمعنى من رأيناه يصلي حكما عليه اسلاما و ايمانا و من رأيناه يحلف بالله صدقا كذلك و قس على هذا بقية الخصال....
و من قرأ القرآن كان حكمنا عليه بالظاهر انه مؤمن مسلم....
ربما هو تال له تقية و خشيه و كفرا....و ما يدرينا هلا شققنا عن قلبه؟؟؟؟ ام اننا مطالبون شرعا بالحكم على الباطن حيث هو الغيب بعينه؟؟؟؟ و لولا وحي السماء ما ادراه صلى الله عليه و سلم ان من اصحابه منافقون حيث كان الحكم عليهم بالصحبة حكما ظاهرا ثم تعليلا (حتى لا يقال ان محمدا يقتل اصحابه) قالها في المنافقون....
هذا هو الحكم على الظاهر و حديث اسامة مع ذاك المقاتل كما في صحيح مسلم عن أسامة بن زيد قال : بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية ، فصبحنا الحرقات من جهينة فأدركت رجلا فقال : لا إله إلا الله ، فطعنته فوقع في نفسي من ذلك ، فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أقال لا إله إلا الله وقتلته ؟ قال : قلت يا رسول الله إنما قالها خوفا من السلاح . قال : أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم : أقالها أم لا . فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ ) . وفي رواية ( فلما قدمنا بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال لي : يا أسامة ، أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله ؟ قلت يا رسول الله إنما كان متعوذا ، قال ، فقال : أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله ؟ قال فمازال يكررها علي حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم ) . وفي رواية ( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بعثا من المسلمين إلى قوم من المشركين ، وإنهم التقوا فكان رجل من المشركين إذا شاء أن يقصد إلى رجل من المسلمين قصد له فقتله ، وإن رجلا من المسلمين قصد غفلته ، فقال : وكنا نتحدث أنه أسامة بن زيد ، فلما رجع إليه السيف قال لا إله إلا الله ، فقتله ، فجاء البشير إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فسأله فأخبره ، حتى أخبره خبر الرجل كيف صنع ، فدعاه فسأله ، فقال : لم قتلته ؟ قال : يا رسول الله أوجع في المسلمين ، وقتل فلانا وفلانا وسمى له نفرا ، وإني حملت عليه ، فلما رأى السيف قال لا إله إلا الله . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أقتلته ؟ قال : نعم . قال : فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة ؟ قال : يا رسول الله استغفر لي ، قال : فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة ؟ فقال : فجعل لا يزيده على أن يقول : كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة( .
اذا هذا كان كافرا و يقاتل في صف المشركين و تلفظ بالشهادة تحت الموت و مع هذه العوامل كان من ديننا ان نعامله معاملة اهل الاسلام و نحكم عليه بالظاهر....
فمن باب اولى ان نحكم على جن ما عندما يقرأ كتاب ربنا اثناء الرقية بانه مسلم او مؤمن و هو حكم بالظاهر....
و من فرّق يعوذه الدليل!!!! و انى له ذلك.....
قالوا: كيف يكون مسلم و هو اعتدى على مسلم و دخل جسده؟؟؟؟
و هل الظلم و الايمان لا يلتقيان!!!! ام تبنوا قول المعتزلة و قالوا بمنزلة بين المنزلتين!!!!
اليس هذا الظلم واقع من بني آدم لا محالة....فمن منّا لم يظلم؟؟؟ ابتداء بظلمه لنفسه!!!!!
قالوا: لا يجوز ان نصدقهم في شيئ؟؟؟؟
لانهم من صنف صدقك و هو كذبوب.....
و هل يعني هذا انه لا يوجد بينهم كذبك و هو صدوقّّّّّّ!!!!
اليس من الظلم ان نجعل قوله صلى الله عليه و سلم عامة في صنف الجن و قالها صلى الله عليه و سلم في حادثة عين!!!!!
الجن كالانس يدورن بين اربعة اصناف لا خامس لها:
صدقك و هو صدوق
صدقك و هو كذوب
كذبك و هو صدوق
كذبك و هو كذوب...
ثم انه صلوات ربي و لامه عليه حكم على ذك الجني بان صدقك و هو كذبوب اما بوحي من السماء و هذا هو الراجح كما في القصة او بتكرارالكذب الصادر منه حيث تعاهد بان لا يعود و كرر العهد و الاخلاف به ثلاثا فكان من البديهي ان نحكم عليه بانه كذوب....
عن أبي هريرة قال: (وَكَّلَنِي رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آتٍ فجعل يحثو من الطعام، فأخذته وقلت: والله لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إني محتاج وعليَّ عيالٌ ولي حاجةٌ شديدة، قال: فخليت عنه، فأصبحت فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة؟ قال: قلت: يا رسول الله! شكا حاجةً شديدة وعيالاً فرحمته فخليت سبيله، قال: أما إنه قد كذبك وسيعود، فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه سيعود. فرصدته فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: دعني فإني محتاج وعلي عيالٌ ولن أعود، فرحمته فخليت سبيله، فأصبحت، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا هريرة ما فعل أسيرك؟ قلت: يا رسول الله! شكا حاجةً شديدةً وعيالاً فرحمته فخليت سبيله، قال: أما إنه قد كذبك وسيعود. فرصدته الثالثة فجاء يحثو من الطعام، فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذه ثلاث مرات تزعم أنك لا تعود ثم تعود، قال: دعني وسوف أعلمك كلماتٍ ينفعك الله بها، قلت: ما هي؟ قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي – {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّوم } [البقرة:255]- حتى تختم الآية، فإنه لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربنك شيطانٌ حتى تصبح؛ فخليت سبيله. فأصبحت، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما فعل أسيرك البارحة؟ قلت: يا رسول الله! زعم أنه يعلمني كلماتٍ ينفعني الله بها، فخليت سبيله، قال: وما هي؟ قلت: قال لي: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية: - {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّوم} [البقرة:255]- وقال لي: لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطانٌ حتى تصبح -وكانوا أحرص شيءٍ على الخير- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما إنه قد صدقك وهو كذوب، أتعلم من تخاطب منذ ثلاث ليالٍ يا أبا هريرة ؟ قال: لا. قال: ذاك الشيطان).
) هذا الحديث أخرجه البخاري رحمه الله تعالى في كتاب: الوكالة، باب: إذا وكل الموكل رجلاً فترك الوكيل شيئاً فأجازه الموكل فهو جائز.
ثم قرر كتابنا قاعدة عظيمة حيث يلزمنا الثبت مع مقولة اهل الفسق فقال تعالى) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)
و لذا كان تعاملنا مع الجن كتعاملنا مع الانس من ناحية التثبت....
فلا يصح ان نبني القصور و البروج لهتفات هتف بها جني ما....فان اخبرنا بوجود مادة سحرية ما في مكان ما...فليزمنا التثبت و تثبتنا هو في البحث عنها فان حصل تكرار الصدق و اتيان التثبت ثمارها فيكون جننا هذا صدقك و هو صدوق عملا بالظاهر و حكما عليه....
مواقف متفرقة للصحابة مع الجن:
و هذه نماذج تبين صدقهم فخذها ندية طرية....
لقد حصل لعددٍ من الصحابة مواقف مثل موقف أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، فمن هذه المواقف:
1- أن أبا أيوب الأنصاري حدَّث أنه كانت له عكة فيها تمر، وكانت تجيء الغيلان من الجن -ومنه قول الصحابي: [إذا تغولت الغيلان فعليكم بالأذان] إذا تراءت الغيلان أمامكم وظهرت فعليكم بالأذان؛ لأن الأذان يطردها- وتأخذ منه، وفي الرواية: أنها علمته آية الكرسي، وأنه لا يقربه شيطان، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صدقك وهو كذوب).
2- كذلك قصة أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه: أن أباه كعباً أخبره أنه كان له جرين فيه تمر -والجرين: هو البيدر الذي يجمع فيه الطعام- وكان يتعاهده، وكلما جاء يتعاهد هذا البيدر وجده قد نقص، فحرسه ذات ليلة فإذا هو بدابةٍ كهيئة الغلام المحتلم، قال: فسلم فرد السلام، فقال: ما أنت جنٌ أم إنس؟ قال: جنٌ، فقلت: ناولني يدك، فإذا هي يد كلب وعليها شعر كلب، فقلت أهذا خلق الجن؟ قال: لقد علمت الجن أن فيهم من هو أشد مني، فقلت: ما يحملك على ما صنعت؟ قال: بلغني أنك تحب الصدقة فأحببت أن أصيب من طعامك. فقلت: ما الذي يحرزنا منكم؟ قال: هذه الآية -آية الكرسي- فتركته ثم غديت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته قال: صدق الخبيث. رواه ابن حبان في صحيحه .
3- وحدثت كذلك حادثة أخرى رواها عبد الله بن مسعود قال: لقي رجلٌ من أصحاب محمدٍ صلى الله عليه وسلم رجلاً من الجن فصارعه فصرعه الإنسي، فقال له الإنسي: إني لأراك ضئيلاً شخيتاً كأن ذريعتيك ذريعتا كلب -تصغير ذراع- فكذلك أنتم معشر الجن أم أنت من بينهم كذلك؟ قال: لا والله. إني منهم لضليع. يقول الإنسي: أنا أراك ضئيلاًً -أي: دقيق الجسم- شخيتاً -أي: مهزولاً- فهل أنتم الجن هكذا أم أنك أنت ضعيف من بينهم؟ قال: لا والله إني من بينهم لضليع- أي: جيد الأضلاع، ولكن عاودني الثانية فإن صرعتني علمتك شيئاً ينفعك، قال: نعم. فصارعه فصرعه قال: تقرأ: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّوم [البقرة:255] فإنك لا تقرأها في بيتٍ إلا خرج منه الشيطان له خبجٌ -أي: ريحٌ- كخبج الحمار، ثم لا يدخله حتى يصبح. وهذه الروايات في بعض أسانيدها ضعف، لكن ثبت أن عمر رضي الله عنه صارع جنياً فصرعه، وهذا من قوة عمر رضي الله عنه، وعاوده فصارعه فصرعه.
4- وجاء في بعض الروايات كذلك: أن أبا هريرة رضي الله عنه عندما كان يحرس تمر الصدقة اشتكى لما رأى ذلك الرجل يأخذ منه، قال: فأخذته فالتفت يدي على وسطه فقلت: يا عدو الله! وثبت إلى تمر الصدقة فأخذته وكانوا أحق به منك، لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيفضحك، وفي رواية قال: ما أدخلك بيتي تأكل التمر؟ قال: أنا شيخ كبير فقير ذو عيال، وما أتيتك إلا من حاجة، ولو أصبت شيئاً دونك ما أتيتك، ولقد كنا في مدينتكم هذه حتى بُعث صاحبكم، فلما نزلت عليه آيتان تفرقنا منها، فإن خليت سبيلي علمتكهما، قلت: نعم. قال: آية الكرسي، وآخر سورة البقرة من قوله: آمَنَ الرَّسُولُ .. [البقرة:285] إلى آخرها.
هذا ما دونته على عجل من امري فاسال الله الصواب و السداد و العفو و الغفران عند الزلل....