من هناك
03-01-2007, 01:32 AM
"مخاض عسيرٌ"
بين الموتور والرادياتور
المستقبل - الخميس 1 آذار 2007 - العدد 2544 - شباب - صفحة 10
جورج اسطفان
توجّه أبو كامل إلى وظيفته الساعة السابعة والنصف صباحاً، كعادته منذ ثلاثين عاماً. أم كامل تراقبه عن البلكون، وتدعو له بالعودة إلى البيت سالماً. في هذه الأيام، تطيل أم كامل أدعيتها ربع ساعة زيادة، مضيفةً إليها طلبات للأولياء والقديسين (كل حسب إختصاصه) للحماية من العبوات والقنابل والصواريخ والرصاص والأورانيوم المخصّب والمنضّب والأسلحة الكيميائية والجرثومية والعصي والهراوات والدواليب، وأيضاً من سمّات البدن والرجفة بعد سماعه أولى نشرات الأخبار على الراديو. أبو كامل لا يصل إلى عمله إلا وقد إستمع إلى أربع نشرات أخبار مختلفة "مينيموم".
إتّكل أبو كامل على الله، وأدار محرّك سيارته. سمع صوتاً مريباً تحت غطاء الموتور، صوتاً لم يسمعه من قبل. لمع شيءٌ ما في رأسه، جفّ ريقه وفغر فاهه، وبدأ شريط حياته يمرّ أمامه، أوقف أبو كامل الشريط و"مدري كيف" قفز من السيارة مثل الـ"روسّور".
أم كامل، التي كانت تُنهي شريط أدعيتها، جُحظت عيناها وصرخت ملء فمها "يا دلّي عبوة، عبووووةةةةةة" وعبَرَ صدى كلماتها كموج البحر هادراً من أول الشارع إلى آخره،"عبووةةةةةةة7-7- فصاح مَن صاح وهَرب من هَرب وغُطّ على قلب من غُطَّ على قلبها. حضرت القوى الأمنية، أغلقت الشارع وضربت طوقاً حول سيارة أبي كامل. بخطوات متأنّية، تقدّم الخبراء نحو السيارة للبحث عن العبوة وتفكيكها. العسكر أخذ الإحتياطات اللازمة، مانعاً الفضوليين من الإقتراب. رئيس البلدية والمختار يحاولان المرور، ممنوع. حضر غيرهما من الفعاليات. الكل يراقب صامتاً، زتّ القنبلة بتسمع رنّتها. على أكثر من مهل، فتح الخبراء غطاء المحرك. طلع صوت العبوة من تحت غطاء المحرك. "مياو". المياو نزلت على الجماهير مثل دوش ماءٍ بارد.
فُتح الغطاء "على مصراعيه". خلال الليل، هرة أنجبت صغارها بين الموتور والرادياتور. بسيطة يا جماعة، كل واحد على شغلو إذا بتريدو. أودِعَ صغار القطة في أقرب برميل سوكلين، وطُردت الأم المفجوعة من المنطقة.
أبو كامل إنطلق إلى عمله، ولكن الحادث العارض نبّه أم كامل لمخاطر التنقل في الظروف الراهنة. فلشت أم كامل خريطة لبنان قياس واحد على عشرة آلاف على طاولة السفرة. أجلست كامل أمام الكومبيوتر وأمرته أن يفتح google earth على لبنان. بدأت بوضع خطة أمنية وبرنامجاً لتنقُّل العائلة على طرقات بعيدة عن مناطق الخطر، ومن دون الكثير من المنعطفات والطلعات والنزلات. حسب دراسة إحصائية أجرتها أم كامل على السريع، إحتمال زرع عبوة هو الأعلى عند المنعطافات والمنحدرات.
حمرة وبودرة على السريع، وإنطلقت أم كامل للصبحية عند أم فريد. أشارت أم كامل إلى الباص. صفّ الباص على اليمين. مرّرت أم كامل المرآة التي إستحدثتها تحت الباص من كافة الجهات. يبدو آمناً وخالياً من العبوات. صعدت. إمتشقت صور المشتبه بهم. صارت تمشي في الممر ناظرةً يمنةً ويسرة. لا مشتبه بهم في الباص. مررت المرآة تحت المقاعد، لا شيء أيضاً. جلست أم كامل في مقعدها. إطلع يا إسطا، وسيري فعين الله ترعاكِ.
بين الموتور والرادياتور
المستقبل - الخميس 1 آذار 2007 - العدد 2544 - شباب - صفحة 10
جورج اسطفان
توجّه أبو كامل إلى وظيفته الساعة السابعة والنصف صباحاً، كعادته منذ ثلاثين عاماً. أم كامل تراقبه عن البلكون، وتدعو له بالعودة إلى البيت سالماً. في هذه الأيام، تطيل أم كامل أدعيتها ربع ساعة زيادة، مضيفةً إليها طلبات للأولياء والقديسين (كل حسب إختصاصه) للحماية من العبوات والقنابل والصواريخ والرصاص والأورانيوم المخصّب والمنضّب والأسلحة الكيميائية والجرثومية والعصي والهراوات والدواليب، وأيضاً من سمّات البدن والرجفة بعد سماعه أولى نشرات الأخبار على الراديو. أبو كامل لا يصل إلى عمله إلا وقد إستمع إلى أربع نشرات أخبار مختلفة "مينيموم".
إتّكل أبو كامل على الله، وأدار محرّك سيارته. سمع صوتاً مريباً تحت غطاء الموتور، صوتاً لم يسمعه من قبل. لمع شيءٌ ما في رأسه، جفّ ريقه وفغر فاهه، وبدأ شريط حياته يمرّ أمامه، أوقف أبو كامل الشريط و"مدري كيف" قفز من السيارة مثل الـ"روسّور".
أم كامل، التي كانت تُنهي شريط أدعيتها، جُحظت عيناها وصرخت ملء فمها "يا دلّي عبوة، عبووووةةةةةة" وعبَرَ صدى كلماتها كموج البحر هادراً من أول الشارع إلى آخره،"عبووةةةةةةة7-7- فصاح مَن صاح وهَرب من هَرب وغُطّ على قلب من غُطَّ على قلبها. حضرت القوى الأمنية، أغلقت الشارع وضربت طوقاً حول سيارة أبي كامل. بخطوات متأنّية، تقدّم الخبراء نحو السيارة للبحث عن العبوة وتفكيكها. العسكر أخذ الإحتياطات اللازمة، مانعاً الفضوليين من الإقتراب. رئيس البلدية والمختار يحاولان المرور، ممنوع. حضر غيرهما من الفعاليات. الكل يراقب صامتاً، زتّ القنبلة بتسمع رنّتها. على أكثر من مهل، فتح الخبراء غطاء المحرك. طلع صوت العبوة من تحت غطاء المحرك. "مياو". المياو نزلت على الجماهير مثل دوش ماءٍ بارد.
فُتح الغطاء "على مصراعيه". خلال الليل، هرة أنجبت صغارها بين الموتور والرادياتور. بسيطة يا جماعة، كل واحد على شغلو إذا بتريدو. أودِعَ صغار القطة في أقرب برميل سوكلين، وطُردت الأم المفجوعة من المنطقة.
أبو كامل إنطلق إلى عمله، ولكن الحادث العارض نبّه أم كامل لمخاطر التنقل في الظروف الراهنة. فلشت أم كامل خريطة لبنان قياس واحد على عشرة آلاف على طاولة السفرة. أجلست كامل أمام الكومبيوتر وأمرته أن يفتح google earth على لبنان. بدأت بوضع خطة أمنية وبرنامجاً لتنقُّل العائلة على طرقات بعيدة عن مناطق الخطر، ومن دون الكثير من المنعطفات والطلعات والنزلات. حسب دراسة إحصائية أجرتها أم كامل على السريع، إحتمال زرع عبوة هو الأعلى عند المنعطافات والمنحدرات.
حمرة وبودرة على السريع، وإنطلقت أم كامل للصبحية عند أم فريد. أشارت أم كامل إلى الباص. صفّ الباص على اليمين. مرّرت أم كامل المرآة التي إستحدثتها تحت الباص من كافة الجهات. يبدو آمناً وخالياً من العبوات. صعدت. إمتشقت صور المشتبه بهم. صارت تمشي في الممر ناظرةً يمنةً ويسرة. لا مشتبه بهم في الباص. مررت المرآة تحت المقاعد، لا شيء أيضاً. جلست أم كامل في مقعدها. إطلع يا إسطا، وسيري فعين الله ترعاكِ.