الحسني
02-27-2007, 11:15 AM
’’اللعبة الطائفية’’ جوهر الاستراتيجية الأميركية الجديدة في المنطقة
بقلم:محمد أبو رمان
في مقاله الأخير "تحول استراتيجي: هل سياسة الإدارة الجديدة تخدم أعداءنا في الحرب على الإرهاب؟"، في صحيفة نيويوركر (25-2-2007)، يقدّم الصحافي المحقق الأميركي سيمور هيرش، كعادته، سبقاً كبيراً في كشفه عن التحول الكبير في الاستراتيجية الأميركية في المنطقة، وبعبارة أدق الانقلاب الجديد الذي يقوده نائب الرئيس الأميركي، ديك تشيني، وفقاً لهيرش.
فحوى التحول الاستراتيجي قناعة جديدة بدأت تترسّخ، لدى القادة الأميركيين، مؤداها أولاً أنّ إيران هي المستفيد الأكبر من الأوضاع الراهنة في العراق، ثانياً أنّ الخطر الإيراني أشد من خطر الجماعات السنية "المتطرفة"، وثالثاً أنّ الأوضاع الحالية في العراق ليست انعكاساً للفشل الأميركي بقدر ما هي نتاج الدور التخربيي الإيراني. بناء على ذلك فإنّ التركيز على الخطر الإيراني والوقوف في وجه الصعود الشيعي سيكون محور السياسة الأميركية الجديدة ليس فقط في العراق، بل في المنطقة بأسرها، وهذا الهاجس، كما يذكر هيرش، يمثل موضع اتفاق كامل بين الإدارة الأميركية وإسرائيل وبعض النظم العربية الصديقة والحليفة، التي تشعر بقلق شديد وكبير من النشاط الإيراني في السنوات الأخيرة.
يذكّر هيرش بالتحولات الاستراتيجية الأميركية في المسألة الطائفية في المنطقة؛ فبعد الثورة الإيرانية 1979 انقلبت السياسة الأميركية من التحالف مع الشاه إلى دعم النظم العربية السنيّة، لكن التحالف السني- الأميركي الوثيق والكبير اهتز جذرياً مع أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، فمن قاموا بالعمل كانوا من "المتطرفين السنة" والجماعات السلفية التي دعمتها أميركا مسبقا، وأغلبهم من السعودية – الحليف الكبير للولايات المتحدة في المنطقة-. نتج عن أحداث أيلول تيار جديد في الإدارة الأميركية ومن المحافظين الجدد يدعو إلى إعادة بناء التحالف مع القوى الشيعية "المعتدلة" ضد "التطرف" السني، ورفض هذا التيار فكرة وجود علاقات متينة بين الشيعة العرب وبين إيران.
إلاّ أنّ تدهور الوضع في العراق والبرنامج النووي الإيراني دفع مرة أخرى إلى إعادة تقويم، ورجوع المحافظين الجدد أنفسهم إلى فكرة التحالف السني، وهي الفرضية التي تتبلور في الإدارة الأميركية حالياً، ويرى هيرش أنها تعكس نجاح الجناح السعودي، وثمرة لجهود الأمير بندر بن سلطان في إعادة بناء التحالف بين السعودية والولايات المتحدة في مواجهة النفوذ الإيراني في العراق، وفي المنطقة بأسرها، بما في ذلك السعودية حيث توجد أقلية شيعية نشطة.
التحول الاستراتيجي الأميركي ظهرت أول تداعياته في العراق، إذ يرصد هيرش أوامر مشددة صدرت للجنود الأميركيين في العراق باعتقال الإيرانيين الموجودين في العراق، وينقل عن مسؤولين أميركيين وجود مئات من المعتقلين الإيرانيين. كما أعلن الجيش الأميركي أنّ المعدات التي استولى عليها من المقاتلين في العراق قادمة من إيران، ويبدو الرهان الأميركي على المالكي يتمثل بعزله عن المنظمات الشيعية المتطرفة (جيش المهدي) وعن إيران.
يشكك هيرش في تأكيد عدد من المسؤولين الأميركيين، في مقدمتهم وزير الدفاع الجديد، على عدم وجود نية بضرب إيران، مقدماً أدلة متعددة على رؤيته، منها تشكيل مجموعة تفكير في البنتاغون تدرس إمكانية توجيه ضربة أميركية صاروخية لإيران، والأبعاد المتوقعة لذلك. كما يشير هيرش إلى حاملتي الطائرات الأميركيتين اللتين أرسلتا إلى الخليج العربي، كإحدى علامات التفكير الاستراتيجي الجديد. وينقل هيرش عن أحد المسؤولين الأميركيين أنّ خطة الضربة تتمثل باستفزاز إيران أو دفعها إلى رد فعل معين يفتح الباب واسعاً أمام ضربة أميركية ضدها، في حين أنّ القضية التي يؤسس لها اليوم تيار في الإدارة الأميركية تتمثل بأنّ إيران تساهم بدورها وعملها بقتل أميركيين في العراق.
أخطر ما في الاستراتيجية الأميركية الجديدة يتمثل بأنّ حجر الرحى فيها هو "الحرب الطائفية" في المنطقة. إذ يؤكد مارتن أنديك، الخبير والسياسي الأميركي المعروف، أنّ الشرق الأوسط قادم على حرب طائفية باردة عميقة. لكن المفارقة - التي يتحدث عنها أنديك- أن الرئيس بوش ينظِّر أنّ التحالفات في المنطقة مبنية على الصراع بين "المعتدلين" و"المتطرفين"، إلاّ أنّ حلفاء وأصدقاء أميركا العرب ينظرون إليها على أنّها حرب بين السنة والشيعة.
في هذا السياق المقلق من التفكير الاستراتيجي ثمة مناظرة قوية في أروقة الإدارة الأميركية ولدى الحلفاء والأصدقاء العرب، ما يؤكد الهواجس التي ذكرتها في مقالات سابقة، وتتمثل في عملية توظيف الجماعات الدينية السلفية ضد النفوذ الإيراني والنشاط الشيعي. ولا يستبعد كثير من الخبراء العرب والأميركيين استخدام "القاعدة" في المواجهة الأميركية- الإيرانية، من خلال توفير دعم مالي عربي ولوجستي أميركي، ويدلل المؤيدون على هذه الاستراتيجية الناجحة بالتجربة الأفغانية (احتواء السوفيت)، إذ تم توظيف الجماعات السلفية، وهي التي تمثل التيار الحاضن للقاعدة وزعيمها أسامة بن لادن. في المقابل يتخوف عدد من الخبراء من "اللعبة الطائفية" ومآلاتها على المنطقة ومدى القدرة في السيطرة على مخرجاتها.
لبنان مجال حيوي آخر لاختبار الصراع الأميركي- الإيراني، ولأبعاد اللعبة الطائفية. ووفقاً لهيرش، فالإدارة الأميركية تدعم بقوة حكومة السنيورة في مواجهة حزب الله الذي تنظر إليه الإدارة كحليف وثيق لإيران. إذ تتخوف الإدارة الأميركية أنّ سقوط حكومة السنيورة بمثابة رسالة على القوة الإيرانية في مواجهة الإدارة الأميركية. وينقل هيرش عن بعض المسؤولين اللبنانيين أنّ الحكومة اللبنانية تدعم بعض الجماعات السنية والسلفية المتطرفة للوقوف في وجه حزب الله، ويدللون على ذلك بعصبة الأنصار وجيش الفتح المنشق عن فتح الانتفاضة.
وفي سياق اللعبة الطائفية والدينية، يذكر هيرش أنّ الزعيم اللبناني جنبلاط أخبر الإدارة الأميركية أنها إذا أرادت التحرك ضد سورية فعليها الحديث مع جماعة الإخوان المسلمين - وهو ما قد يغضب حلفاء عربا للإدارة الأميركية كمصر- وإلاّ فإن الإدارة الأميركية لن تنجح في تغيير الأوضاع، حتى في لبنان، وسيبقى الصراع قائماً مع حزب الله، وليس من المؤكد نجاح الحكومة والحلفاء في حسم الصراع لصالحهم.
على الجهة المقابلة، يرى حسن نصرالله (الذي التقاه هيرش) أنّ هدف الإدارة الأميركية هو اللعب على التناقضات الإثنية والطائفية والدينية، وأنها تسعى إلى تجزئة جديدة للمنطقة تقوم على تقسيم العراق (على خلاف ما يزعم بوش) وكذلك لبنان وسورية، والسعودية ودول شمال إفريقيا، لتعزيز قوة اسرائيل الإقليمية في مقابل محيط عربي ضعيف ومجزأ.
لا يمكن الجزم بكل ما ورد من مقال هيرش من تفصيلات ومعلومات هائلة، وربما بعضها بمثابة رؤى وادعاءات وقراءات خاصة، أو روايات لم يتم التأكد منها، لكن ما يثبته التحقيق، بامتياز، أنّ هنالك تحولاً بنيوياً في الاستراتيجية الأميركية تجاه المنطقة، تقع اللعبة الطائفية في صميم هذا التحول.
بقلم:محمد أبو رمان
في مقاله الأخير "تحول استراتيجي: هل سياسة الإدارة الجديدة تخدم أعداءنا في الحرب على الإرهاب؟"، في صحيفة نيويوركر (25-2-2007)، يقدّم الصحافي المحقق الأميركي سيمور هيرش، كعادته، سبقاً كبيراً في كشفه عن التحول الكبير في الاستراتيجية الأميركية في المنطقة، وبعبارة أدق الانقلاب الجديد الذي يقوده نائب الرئيس الأميركي، ديك تشيني، وفقاً لهيرش.
فحوى التحول الاستراتيجي قناعة جديدة بدأت تترسّخ، لدى القادة الأميركيين، مؤداها أولاً أنّ إيران هي المستفيد الأكبر من الأوضاع الراهنة في العراق، ثانياً أنّ الخطر الإيراني أشد من خطر الجماعات السنية "المتطرفة"، وثالثاً أنّ الأوضاع الحالية في العراق ليست انعكاساً للفشل الأميركي بقدر ما هي نتاج الدور التخربيي الإيراني. بناء على ذلك فإنّ التركيز على الخطر الإيراني والوقوف في وجه الصعود الشيعي سيكون محور السياسة الأميركية الجديدة ليس فقط في العراق، بل في المنطقة بأسرها، وهذا الهاجس، كما يذكر هيرش، يمثل موضع اتفاق كامل بين الإدارة الأميركية وإسرائيل وبعض النظم العربية الصديقة والحليفة، التي تشعر بقلق شديد وكبير من النشاط الإيراني في السنوات الأخيرة.
يذكّر هيرش بالتحولات الاستراتيجية الأميركية في المسألة الطائفية في المنطقة؛ فبعد الثورة الإيرانية 1979 انقلبت السياسة الأميركية من التحالف مع الشاه إلى دعم النظم العربية السنيّة، لكن التحالف السني- الأميركي الوثيق والكبير اهتز جذرياً مع أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، فمن قاموا بالعمل كانوا من "المتطرفين السنة" والجماعات السلفية التي دعمتها أميركا مسبقا، وأغلبهم من السعودية – الحليف الكبير للولايات المتحدة في المنطقة-. نتج عن أحداث أيلول تيار جديد في الإدارة الأميركية ومن المحافظين الجدد يدعو إلى إعادة بناء التحالف مع القوى الشيعية "المعتدلة" ضد "التطرف" السني، ورفض هذا التيار فكرة وجود علاقات متينة بين الشيعة العرب وبين إيران.
إلاّ أنّ تدهور الوضع في العراق والبرنامج النووي الإيراني دفع مرة أخرى إلى إعادة تقويم، ورجوع المحافظين الجدد أنفسهم إلى فكرة التحالف السني، وهي الفرضية التي تتبلور في الإدارة الأميركية حالياً، ويرى هيرش أنها تعكس نجاح الجناح السعودي، وثمرة لجهود الأمير بندر بن سلطان في إعادة بناء التحالف بين السعودية والولايات المتحدة في مواجهة النفوذ الإيراني في العراق، وفي المنطقة بأسرها، بما في ذلك السعودية حيث توجد أقلية شيعية نشطة.
التحول الاستراتيجي الأميركي ظهرت أول تداعياته في العراق، إذ يرصد هيرش أوامر مشددة صدرت للجنود الأميركيين في العراق باعتقال الإيرانيين الموجودين في العراق، وينقل عن مسؤولين أميركيين وجود مئات من المعتقلين الإيرانيين. كما أعلن الجيش الأميركي أنّ المعدات التي استولى عليها من المقاتلين في العراق قادمة من إيران، ويبدو الرهان الأميركي على المالكي يتمثل بعزله عن المنظمات الشيعية المتطرفة (جيش المهدي) وعن إيران.
يشكك هيرش في تأكيد عدد من المسؤولين الأميركيين، في مقدمتهم وزير الدفاع الجديد، على عدم وجود نية بضرب إيران، مقدماً أدلة متعددة على رؤيته، منها تشكيل مجموعة تفكير في البنتاغون تدرس إمكانية توجيه ضربة أميركية صاروخية لإيران، والأبعاد المتوقعة لذلك. كما يشير هيرش إلى حاملتي الطائرات الأميركيتين اللتين أرسلتا إلى الخليج العربي، كإحدى علامات التفكير الاستراتيجي الجديد. وينقل هيرش عن أحد المسؤولين الأميركيين أنّ خطة الضربة تتمثل باستفزاز إيران أو دفعها إلى رد فعل معين يفتح الباب واسعاً أمام ضربة أميركية ضدها، في حين أنّ القضية التي يؤسس لها اليوم تيار في الإدارة الأميركية تتمثل بأنّ إيران تساهم بدورها وعملها بقتل أميركيين في العراق.
أخطر ما في الاستراتيجية الأميركية الجديدة يتمثل بأنّ حجر الرحى فيها هو "الحرب الطائفية" في المنطقة. إذ يؤكد مارتن أنديك، الخبير والسياسي الأميركي المعروف، أنّ الشرق الأوسط قادم على حرب طائفية باردة عميقة. لكن المفارقة - التي يتحدث عنها أنديك- أن الرئيس بوش ينظِّر أنّ التحالفات في المنطقة مبنية على الصراع بين "المعتدلين" و"المتطرفين"، إلاّ أنّ حلفاء وأصدقاء أميركا العرب ينظرون إليها على أنّها حرب بين السنة والشيعة.
في هذا السياق المقلق من التفكير الاستراتيجي ثمة مناظرة قوية في أروقة الإدارة الأميركية ولدى الحلفاء والأصدقاء العرب، ما يؤكد الهواجس التي ذكرتها في مقالات سابقة، وتتمثل في عملية توظيف الجماعات الدينية السلفية ضد النفوذ الإيراني والنشاط الشيعي. ولا يستبعد كثير من الخبراء العرب والأميركيين استخدام "القاعدة" في المواجهة الأميركية- الإيرانية، من خلال توفير دعم مالي عربي ولوجستي أميركي، ويدلل المؤيدون على هذه الاستراتيجية الناجحة بالتجربة الأفغانية (احتواء السوفيت)، إذ تم توظيف الجماعات السلفية، وهي التي تمثل التيار الحاضن للقاعدة وزعيمها أسامة بن لادن. في المقابل يتخوف عدد من الخبراء من "اللعبة الطائفية" ومآلاتها على المنطقة ومدى القدرة في السيطرة على مخرجاتها.
لبنان مجال حيوي آخر لاختبار الصراع الأميركي- الإيراني، ولأبعاد اللعبة الطائفية. ووفقاً لهيرش، فالإدارة الأميركية تدعم بقوة حكومة السنيورة في مواجهة حزب الله الذي تنظر إليه الإدارة كحليف وثيق لإيران. إذ تتخوف الإدارة الأميركية أنّ سقوط حكومة السنيورة بمثابة رسالة على القوة الإيرانية في مواجهة الإدارة الأميركية. وينقل هيرش عن بعض المسؤولين اللبنانيين أنّ الحكومة اللبنانية تدعم بعض الجماعات السنية والسلفية المتطرفة للوقوف في وجه حزب الله، ويدللون على ذلك بعصبة الأنصار وجيش الفتح المنشق عن فتح الانتفاضة.
وفي سياق اللعبة الطائفية والدينية، يذكر هيرش أنّ الزعيم اللبناني جنبلاط أخبر الإدارة الأميركية أنها إذا أرادت التحرك ضد سورية فعليها الحديث مع جماعة الإخوان المسلمين - وهو ما قد يغضب حلفاء عربا للإدارة الأميركية كمصر- وإلاّ فإن الإدارة الأميركية لن تنجح في تغيير الأوضاع، حتى في لبنان، وسيبقى الصراع قائماً مع حزب الله، وليس من المؤكد نجاح الحكومة والحلفاء في حسم الصراع لصالحهم.
على الجهة المقابلة، يرى حسن نصرالله (الذي التقاه هيرش) أنّ هدف الإدارة الأميركية هو اللعب على التناقضات الإثنية والطائفية والدينية، وأنها تسعى إلى تجزئة جديدة للمنطقة تقوم على تقسيم العراق (على خلاف ما يزعم بوش) وكذلك لبنان وسورية، والسعودية ودول شمال إفريقيا، لتعزيز قوة اسرائيل الإقليمية في مقابل محيط عربي ضعيف ومجزأ.
لا يمكن الجزم بكل ما ورد من مقال هيرش من تفصيلات ومعلومات هائلة، وربما بعضها بمثابة رؤى وادعاءات وقراءات خاصة، أو روايات لم يتم التأكد منها، لكن ما يثبته التحقيق، بامتياز، أنّ هنالك تحولاً بنيوياً في الاستراتيجية الأميركية تجاه المنطقة، تقع اللعبة الطائفية في صميم هذا التحول.