الحسني
02-27-2007, 09:36 AM
الشهال: هكذا بدأ العمل السلفي في لبنان
بيروت/ محمد مصطفى علوش 8/2/1428
26/02/2007
ربما يعتبر الشيخ داعي الإسلام الشهال هو مؤسس الفكر السلفي في لبنان، حيث صُنف أثناء الوجود السوري في لبنان بأنه رجل خطير يهدد السلم الأهلي. تخرّج من الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1984م، وطلب العلم عند علماء من السعودية كالشيخ أبو بكر الجزائري والشيخ عبد الله الغنيمان. وتأثر بالشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين بعد أن التقاهما غير مرة قبل أن يعود إلى لبنان ليؤسس أول عمل سلفي منظم من خلال تأسيس "نواة الجيش الإسلامي" أثناء الحرب الأهلية في لبنان للدفاع عن أهل السنة عقائدياً واجتماعياً في وجه "الأحباش" والفرق الباطنية.
أُخرج قسراً من طرابلس عام 1986م، لكنه عاد إليها بعد خمس سنوات ليؤسس عدة معاهد شرعية على امتداد رقعة الوجود السني، كما أسس إذاعة القرآن الكريم، وشرع في بناء المساجد تحت جمعية "الهداية والإحسان"، واستمر في العمل حتى عام 1996م حين حلّ مجلس الوزراء الجمعية، وسحب منها الترخيص بناء على طلب من وزير الداخلية ميشال المر، ويُرجع الشيخ السبب إلى رغبة غازي كنعان وزير الداخلية السوري حين كان يمسك بالملف اللبناني، وتوالت الأحداث وتفاقمت الأزمة بين الحكومة اللبنانية التي كانت تحت الوصاية السورية وبين الشيخ داعي؛ إذ اُتّهم بالتحريض على الفتنة المذهبية، وحُكم عليه بالإعدام، وتم مصادرة أموال الجمعية كلها، ودام هذا التضييق والملاحقة من عام 2000م حتى عام 2005م.
عاد إلى العمل من جديد بعد أن أُسقطت عنه التهم التي أُلحقت به، وأُعيد لجمعية "الهداية والإحسان" الاعتبار من قبل مجلس شورى الدولة، ليستأنف العمل على تحصين "أهل السنة والجماعة في لبنان" من خلال الإذاعة، وفتح المعاهد، وأسس مع شخصيات إسلامية أخرى "اللقاء الإسلامي المستقل".
التقته شبكة (الإسلام اليوم) في مكتبه في مدينة طرابلس، وحاورته حول بداية الوجود السلفي في لبنان وظروف نشأته وما لعبه من دور لحماية سنة لبنان... فإلى تفاصيل الحوار.
بداية لو تحدثنا عن أول ظهور عمل منظم للحركات السلفية في لبنان، وما الظروف التي واكبتها؟
الحقيقة في خضم الأحداث التي كانت موجودة في السبعينيات والنصف الأول من الثمانينيات كانت الأوضاع والأحداث والرؤية فيها كثير من الضبابية على صعيد لبنان ككل، فمنذ الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982م والذي وصل إلى العاصمة بيروت بدأ العد العكسي لقوة أهل السنة في لبنان بالتراجع. لقد كانت الطائفة السنية على ما فيها من دخن وغبش من جهة المبادئ والالتزام والانتماء كان لها الدور الريادي في مقاتلة العدو الإسرائيلي وقيادة الأحزاب والمنظمات التي تقف في وجه المخطط الأمريكي والإسرائيلي، إلاّ أن هذه القوات السنية كانت ضعيفة ومهمشة إعلامياً، هذا في الشمال أما في بيروت فلم يكن هناك وجود للعمل الإسلامي أصلاً.
الشاهد نحن بدأنا الدعوة السنية الجهادية في أواخر السبعينيات، وبحمده تعالى بدأنا ننتشر ونتمدد في أوائل الثمانيات. بدأنا العمل من دون غطاء رسمي لعدم وجود الحاجة لذلك في ظل الأوضاع التي كانت سائدة؛ إذ كان لبنان يعيش حالة فوضى والمجال فيه مفتوح، فأنشأنا "نواة الجيش الإسلامي" في السبعينيات، وقد ظهر بشكل واضح في الثمانينيات، وكانت نشأته في عام 1977م وبقي غير معلن بضع سنين، وإن كان يُعرف بشكل ضيق، لكن أول بيان صدر باسم الجيش الإسلامي كان سنة 1974، أمّا ظهوره للعلن فقد كان في عام 1983م أثناء معركة "أبو عمار" التي كان أحد أطرافها الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، كما أنّ معرفة الجماعات الإسلامية كانت قد بدأت في أوائل الثمانينيات.
هل كان "نواة الجيش الإسلامي" أول عمل سلفي منظم؟ وهل اقتصر دوره على العمل المسلح فقط؟
نعم ، كان الجيش الإسلامي أول عمل سلفي منظم، ولم يقتصر دوره على القتال فقط بل كان جسماً عسكرياً يتعاطى الشأن الدعوي والتربوي والسياسي. فنحن نؤمن بالشمولية، وحاولنا أن نعمل تحت إطار الشمولية والتوازن.
ماذا كانت أولويات "نواة الجيش الإسلامي" الذي أسستموه في تلك الحقبة؟
تقوية شوكة أهل السنة بشكل عام، ومواجهة هجمة الفساد الخلقي التي ظهرت بوضوح آنذاك بسبب الأحداث، ومواجهة الأحزاب من شيوعية ونُصيريّة، أي القوى غير الإسلامية المعادية للعمل الإسلامي في طرابلس.
هذا بداية ، فعملنا لم يكن ميلشيوياً، وإنما قوة للدفاع عن النفس والعقيدة والدين، كنا قوة دفع وليس قوة هجوم. ولم يكن لدينا متفرغون بالمعنى الميلشيوي كـ"حركة التوحيد" وغيرها، وإنما كنا كخط دفاع. من جهة أخرى كنّا نخوض معركة فكرية وعقائدية في الحفاظ على عقيدة أهل السنة والجماعة في وجه جمعية "الأحباش" أولا ثم التشيع ثانياً.
نحن لا نعلم أن هناك تشييعاً في مدينة طرابلس!
بل هناك، كان هناك مخطط لتشييع أهل السنة في لبنان، وقد جاء هذا التشيع إلى طرابلس على يد الشيخ سعيد شعبان أمير "حركة التوحيد الإسلامية" السنية التي حكمت طرابلس في تلك الفترة. ونحن تاريخياً نشأنا قبل "حركة التوحيد" إلاّ أن الحركة المذكورة آنفاً دُعمت من قبل "ياسر عرفات"، ومن قبل إيران، وجاء الدعم لها على كل الأصعدة مالياً وعسكرياً. نحن كنا نرفض الارتباط بأي عمل غير إسلامي، وبالتالي لم يتيسر لنا الدعم كما تيسر لغيرنا، فأهل السنة خُذلوا من إخوانهم في الخارج فلم يتلقوا الدعم المالي ولا السياسي لتقوية عملنا في الداخل، لكن الحمد لله كان لدينا امتداد معقول وهيبة جيدة، وكانت عناصرنا فاعلة.
هل كان أثر "نواة الجيش الإسلامي" محصوراً في طرابلس أم تعدى لمناطق أخرى من لبنان؟
بعد عام 1985م انتقلنا إلى العاصمة بيروت، والى إقليم الخروب، وثم إلى صيدا، ولكن ليس باسم "نواة الجيش الإسلامي"، وإنما باسم "الجماعة والدعوة السلفية"؛ فقد تركنا العمل العسكري، وفي شهر أيلول دخلت القوات السورية إلى طرابلس ومعها الأحزاب، فغيرنا الخطة، وكان من الأخوة الذين اغتيلوا هو الشيخ أسامة القصاص، وهو أحد الإخوة النشيطين في الدعوة، وهو أحد المؤسسين للجمعية، اغتيل على يد الأحباش الذين حاربوا الدعوة السلفية في لبنان.
كيف تطورتم إلى ما يُعرف بـ"جمعية الهداية والإحسان"؟
بعد أن بدأت الأمور تتجه إلى السلام وخصوصاً بعد اتفاق الطائف، أنشأنا عام 1988م "جمعية الهداية"، ورُخص لنا سنة 1989م، وكان عملها يشمل الجانب الدعوي والتربوي من جهة والعمل الاجتماعي والخدماتي من جهة أخرى. عملنا حقيقة اقتصر على سد حاجات أهل السنة والجماعة في هذين المجالين. وكانت خدماتنا من أقصى شمال لبنان إلى أقصى الجنوب، ككفالة أيتام، دعوة، منشورات، مساجد، عملنا كان دعوياً وتربوياً وخدماتياً.
لماذا تم سحب الترخيص من الجمعية؟
كنا قد أنشأنا معهد الهداية عام 1991م، في السنة الخامسة وبعد سعي حثيث من الأحباش وحقد من المخابرات السورية على الدعوة السلفية، أمر غازي كنعان الذي انتحر في مكتبه في دمشق؛ إذ كان وزيراً للداخلية السورية، وكان قبلها مدير الملف اللبناني وأعلى مسؤول في القوات والمخابرات السورية في لبنان، أمر بإغلاق الجمعية. والذي قدم الطلب وزير الداخلية ميشال المر، ووافق على ذلك مجلس الوزراء، وتم سحب الترخيص بأول سنة 1996م .
هل كانت جمعية الهداية هي الجمعية السلفية الوحيدة في لبنان في تلك الفترة؟
جمعية الهداية هي الأم لما نشأ من جمعيات سلفية تُعنى بأهل السنة والجماعة، وكانت الجمعية هي الأكثر انتشاراً جغرافياً ودعوياً في الأراضي اللبنانية. وفي طرابلس خصوصاً حيث الثقل السني في لبنان لم يوجد غيرها من جمعيات لها أنشطة.
تمويل الجمعية من أين كان يأتي؟
من مؤسسات وأفراد خيّرين في الخليج.
لو تُسمي لنا بعض هذه المؤسسات التي كانت تُغطيكم مالياً؟
"دار البر" في دبي،"إحياء التراث" في الكويت، "مؤسسة الحرمين" في الرياض، وأحياناً "هيئة الإغاثة". أما الدعم الحقيقي والكافي فلم يكن من أي أحد.
هل كنتم تعملون وفق إحصاءات دقيقة عن واقع أهل السنة، وهل كنتم تراعون التوازن في رعايتهم على اختلاف مناطقهم؟
كان لنا أولويات وعلى رأسها الدفاع عن عقيدة أهل السنة والجماعة والعمل على تنقية العقيدة مما علق بها من شوائب، وخصوصاً في وجه جمعية المشاريع المشبوهة(الأحباش) التي كانت تناصب العداء لعقيدة أهل السنة، والتي كان لها باع طويل في التعامل مع المخابرات السورية في تتبع وقمع السلفيين. كنا ضعفاء محاصرين أمنياً واقتصادياً من الداخل ومن الخارج.
حتى إن إخواننا في الخارج كانوا لا يأبهون بوضع أهل السنة في لبنان بالشكل المطلوب مع تعدد الزيارات.
ماذا كان لديكم من طرق ووسائل لتحصين أهل السنة في لبنان؟ وكيف كنتم توصلون دعوتكم إليهم؟
أنشأنا إذاعة وكانت تغطي شمال لبنان بالكامل والساحل السوري، وتصل حتى تركيا ومصر، وكانت سياستنا في الإذاعة تقوية أهل السنة في عقيدتهم، وفي توعيتهم لمواجهة المخططات. وكان هذا كافياً ليُحسب جريمة عند السياسيين.
كما كان لدينا خمسة معاهد شرعية في طرابلس والضنية وصيدا مع قسم داخلي للطلبة، وعدد الطلاب فيها فاق (700) طالب وطالبة، بدوامين صباحي ومسائي.
تحت أي غطاء رسمي تعملون الآن؟
نحن نعمل تحت وقف مرخص، أما بخصوص "جمعية الهداية" فقد حكم مجلس شورى الدولة لصالحنا بعد أن رفعنا دعوة ضد قرار مجلس الوزراء في حل الجمعية. ونحن الآن بصدد الإجراءات المتبعة لأجل إعادة الجمعية بالكلية.
هل تعملون على إعادة دور الجمعية كسابق عهدها في العمل الدعوي والإغاثي؟
نعم، عاودنا فتح الإذاعة تحت اسم"الكلم الطيب" وثنينا بالمعهد، وهذه المشاريع هي جزء من مشروع عام لخدمة أهل السنة في لبنان.
خلال محنتكم تلك، ظهرت كثير من الجمعيات والوقفيات السلفية، ما حدود العلاقة التي تربطكم بهذه الجمعيات؟
نحن نمد أيدينا للتعامل مع الجميع تحت مظلة الدفاع عن عقيدة أهل السنة والجماعة والطائفة السنية في لبنان، إلا أن هذه الجمعيات هي محدودة العدد والعطاء لأسباب مختلفة، وبالتالي وضع أهل السنة في لبنان وضع مزرٍ للغاية على الرغم من وجود الكثير من الجمعيات التي تحاول العناية بهم.
ما الذي يميز جمعيتكم عن سائر الجمعيات الأخرى؟
نحن تعاملنا بشمولية ولم يقتصر عملنا على الدعوة، بل حاولنا الدفاع عن أهل السنة بكل الطرق والوسائل؛ إعلاميا وخطابياً ودعوياً وسجلنا مواقف سياسية عن طريق المنشورات والبيانات، وحين تعرضت مدينة طرابلس أكبر مدينة لأهل السنة في لبنان إلى التدمير دافعنا عنها بأرواحنا وأجسادنا، وكان منا الشهداء والحمد لله.
في الشأن السياسي عُرف عنكم أنكم كنتم مع"جبهة العمل الإسلامي" التي يرأسها الشيخ فتحي يكن ثم انسحبتم منها. ما الأسباب التي دفعتكم لذلك؟
بعد حادثة الأشرفية التي زُج بالمئات من الشباب الملتزمين في السجون على خلفية المظاهرات التي خرجت لنصرة الرسول الأكرم بعد الإساءات الدانمركية، حيث اندس مخابراتيون لحرف التظاهرة عن مسارها، وشعر أهل السنة أنهم مستهدفون، دُعيت من قبل الشيخ فتحي يكن والشيخ هاشم منقارة والشيخ بلال شعبان مع مشايخ وإخوة آخرين لتدارس الوضع، لكن الذي حصل أن القوم ذهبوا لتأسيس ما عُرف بقوى العمل الإسلامي الذي تطور فيما بعد الى حزب "جبهة العمل الإسلامي" الذي يترأسه الشيخ فتحي يكن. أنا لم أكن جزءاً من هذا العمل، ولا يمكن أن أكون؛ لأنه من الواضح أن هؤلاء -ومنذ اللحظة الأولى للتحرك- كانوا يتحركون تحت أجندة معينة، ويعملون لمحور سوري إيراني واضح، وأنا لا أجد نفسي في هكذا محور.
بعد ذلك اتجهتم لتأسيس "اللقاء الإسلامي المستقل" مع علماء وقيادات سنية أخرى. أليس كذلك؟
أنا دُعيت إلى "اللقاء الإسلامي المستقل" ولم أكن من المؤسسين، وأنا مستعد لتقديم أي شيء يخدم الطائفة السنية وأهل السنة في لبنان، وأنا تمنيت على الإخوة في "اللقاء الإسلامي" أن نكون مستقلين ولا نمضي إلى أي محور من المحاور المتصارعة في لبنان. وأنا عضو في "اللقاء" إلاّ أن اللقاء حتى الآن لا رأس له، وقد أُعلن عنه قبل أن ينضج، وهناك كثير من الأمور تحتاج إلى بحث داخل "اللقاء". وأمانة السر هي مداورة، كل شهر تنتقل من شخص لآخر بين الأعضاء المشاركين، وسنناقش موضوع الناطق الرسمي، هل سيكون مداورة أم لا، وإن كان بدا للجميع أن النائب السابق خالد ضاهر هو الناطق الرسمي له.
بعض المتابعين يرى أن "اللقاء الإسلامي المستقل" يتشكل من طيف واحد، وأن معظم كوادره هم من "السلفية الجهادية" بخلاف السلفية العلمية، ما تعليقكم على هذا؟
"اللقاء الإسلامي المستقل" لم يتشكل من طيف واحد، كما أنه غير متنافر، فهناك شخصيات كثيرة لم تكن يوماً صاحبة نهج سلفي أو محسوبة عليه، وإن كان لها باع في العمل الإسلامي، مثل فواز خضر آغا مؤسس حركة "جند الله" في طرابلس، وكذلك كنعان ناجي وهو غير سلفي كما تعلم، كما أن الشيخ بلال بارودي شيخ قّراء طرابلس قال بلسان الحال أكثر من مرّة بأنه ليس سلفياً، وهؤلاء وغيرهم شخصيات فاعلة داخل "اللقاء".
أما بخصوص التقسيم "سلفي جهادي" أو "سلفي علمي" فهذا تصنيف استخباراتي، يرحمك الله. هذا التصنيف الاستخباراتي الذي تدعمه جهات خارجية يُقصد منه زيادة الشرخ في الطائفة السنية حتى لا يكون هناك أي أحد في الوسط؛ لأن من يكون في الوسط هو من يمثل الخطر الحقيقي على المؤامرات الغربية لبلداننا العربية والإسلامية.
أما بالنسبة للسلفيين في لبنان فهم ليسوا على نهج واحد ولا على لون واحد، كما أنهم على تنوعهم يرون العمل الجهادي ويؤمنون به، أما توقيته وأسلوبه فقد يختلف من فئة أو من جماعة الى أخرى، وأظن أن هذا هو الفرق بين الجمعيات السلفية في لبنان.
المتابع لتصريحات "اللقاء الإسلامي المستقل" يراه في مواقفه السياسية قريباً جداً من موقف 14 آذار، لا سيما تيار المستقبل، وخصوصاً حول الأزمة القائمة في لبنان.. هل ترى هذا الكلام صحيحاً؟
إذا كنت تقصد في الشأن السياسي فهذا صحيح إلى حد ما، الأمر التقليدي أن أي شخصية إسلامية سنية ينبغي أن يكون موقعها السياسي مع خطاب 14 آذار الذي يتصدره من الجانب السني الرئيس الحريري والرئيس السنيورة، الجميع متفق داخل "اللقاء الإسلامي المستقل" على ضرورة نصرة الطائفة السنية واتخاذ التدابير الوقائية، حتى لا يحصل لهم في لبنان ما يحصل لأهل السنة في العراق.
تيار المستقبل يمثل السنة الآن على الصعيد السياسي، ولا يستطيع أحد أن ينكر ذلك، بدليل أن جميع نواب السنة في البرلمان هم من التيار، ووجود التيار يخدمنا، ووجودنا أيضاً يخدمه، وهو وإن كان حزباً علمانياً إلاّ أنه لا يكن العداء لنا، ولم يعلن علينا الحرب، وبالتالي أي مصلحة لنا في فتح جبهة معه؟
ممّ تخشون على الطائفة السنية في لبنان؟
خشينا في السابق ونخشى اليوم أكثر، وأنا قلت سابقاً وما زلت أقول إننا -كأهل سنة والجماعة- مستهدفون من الفرق الباطنية والشيعية في لبنان؛ لأن المشروع الذي يقوم به هؤلاء مشبوه، هو في ظاهره خط سياسي إلاّ أن الذي دفعهم لذلك هو الجذور العقدية، وهذا المشروع يظهر في المحور الإيراني السوري في المنطقة. فلو لم تكن الجذور العقدية وراء هذا المحور ما الذي يدفع سوريا وهي الدولة العربية الوحيدة لنصرة إيران والدوران في محورها. نحن نرى أن كلا النظامين السوري والإيراني يخشيان على نفسيهما من نفوذ أهل السنة في المنطقة.
كما نخشى على أهل السنة من المخطط الغربي التآمري، وهذا المخطط قديم وحديث، وإن بدا عنيفاً. لكن الشديد الآن على أهل السنة هو التشييع، فالتشييع في سوريا يقوم على قدم وساق وبغطاء من النظام السوري النُصيري، ونحن نعلم أن مدينة طرابلس كبرى مدن لبنان، والتي فيها ثقل أهل السنة دُمّرت من قبل النظام السوري عن عمد وقصد، في حين أن الشيعة دُعموا إلى أبعد الحدود سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وإعلامياً من نفس المحور بناءً على اتفاق مسبق بينهما. أمّا الموارنة فقد تيسر لهم الحد الأدنى من الغطاء الغربي، فحافظوا على حد أدنى من وجودهم وكيانهم وقدراتهم الأمنية والسياسية والإعلامية والعسكرية ضمن الجيش وضمن المؤسسات. أما أهل السنة فطُحنوا طحناً من النظام السوري والنظام الإيراني.
هل ترى أن الجمعيات السلفية على كثرتها تقوم بدورها في رعاية أهل السنة؟
لو كانت تقوم بالدور المنوط بها هل كنت سترى هذه الحالة المزرية لأهل السنة في لبنان، الجمعيات والوقفيات السنية يزيد عددها عن ثلاثين جمعية ووقفاً، ولكن لا تقوم بالدور المطلوب لأسباب عديدة بعضها خارج عن إرادتها، وكثير من هذه الجمعيات والوقفيات عملها ضيق جداً، ويبتعد عن الشمولية في الطرح والعمل.
هل ترى أنه من الأفضل تشكيل جبهة موحدة تجمع كل التيارات السلفية في لبنان؟ وهل من معوقات تحول دون ذلك؟
أنا أرى أن السلفيين في لبنان بينهم وبين توحيد الصف ضمن جبهة واحدة كما بين الجنة والنار، سهل وصعب في آن، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: "الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، النار مثل ذلك". أما المعوقات فهي أن الخط السلفي تأثر بهذه الأوضاع وتضعضع، وهو بحاجة إلى مراجعة إيمانية ثم مراجعة فكرية.
بيروت/ محمد مصطفى علوش 8/2/1428
26/02/2007
ربما يعتبر الشيخ داعي الإسلام الشهال هو مؤسس الفكر السلفي في لبنان، حيث صُنف أثناء الوجود السوري في لبنان بأنه رجل خطير يهدد السلم الأهلي. تخرّج من الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1984م، وطلب العلم عند علماء من السعودية كالشيخ أبو بكر الجزائري والشيخ عبد الله الغنيمان. وتأثر بالشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين بعد أن التقاهما غير مرة قبل أن يعود إلى لبنان ليؤسس أول عمل سلفي منظم من خلال تأسيس "نواة الجيش الإسلامي" أثناء الحرب الأهلية في لبنان للدفاع عن أهل السنة عقائدياً واجتماعياً في وجه "الأحباش" والفرق الباطنية.
أُخرج قسراً من طرابلس عام 1986م، لكنه عاد إليها بعد خمس سنوات ليؤسس عدة معاهد شرعية على امتداد رقعة الوجود السني، كما أسس إذاعة القرآن الكريم، وشرع في بناء المساجد تحت جمعية "الهداية والإحسان"، واستمر في العمل حتى عام 1996م حين حلّ مجلس الوزراء الجمعية، وسحب منها الترخيص بناء على طلب من وزير الداخلية ميشال المر، ويُرجع الشيخ السبب إلى رغبة غازي كنعان وزير الداخلية السوري حين كان يمسك بالملف اللبناني، وتوالت الأحداث وتفاقمت الأزمة بين الحكومة اللبنانية التي كانت تحت الوصاية السورية وبين الشيخ داعي؛ إذ اُتّهم بالتحريض على الفتنة المذهبية، وحُكم عليه بالإعدام، وتم مصادرة أموال الجمعية كلها، ودام هذا التضييق والملاحقة من عام 2000م حتى عام 2005م.
عاد إلى العمل من جديد بعد أن أُسقطت عنه التهم التي أُلحقت به، وأُعيد لجمعية "الهداية والإحسان" الاعتبار من قبل مجلس شورى الدولة، ليستأنف العمل على تحصين "أهل السنة والجماعة في لبنان" من خلال الإذاعة، وفتح المعاهد، وأسس مع شخصيات إسلامية أخرى "اللقاء الإسلامي المستقل".
التقته شبكة (الإسلام اليوم) في مكتبه في مدينة طرابلس، وحاورته حول بداية الوجود السلفي في لبنان وظروف نشأته وما لعبه من دور لحماية سنة لبنان... فإلى تفاصيل الحوار.
بداية لو تحدثنا عن أول ظهور عمل منظم للحركات السلفية في لبنان، وما الظروف التي واكبتها؟
الحقيقة في خضم الأحداث التي كانت موجودة في السبعينيات والنصف الأول من الثمانينيات كانت الأوضاع والأحداث والرؤية فيها كثير من الضبابية على صعيد لبنان ككل، فمنذ الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982م والذي وصل إلى العاصمة بيروت بدأ العد العكسي لقوة أهل السنة في لبنان بالتراجع. لقد كانت الطائفة السنية على ما فيها من دخن وغبش من جهة المبادئ والالتزام والانتماء كان لها الدور الريادي في مقاتلة العدو الإسرائيلي وقيادة الأحزاب والمنظمات التي تقف في وجه المخطط الأمريكي والإسرائيلي، إلاّ أن هذه القوات السنية كانت ضعيفة ومهمشة إعلامياً، هذا في الشمال أما في بيروت فلم يكن هناك وجود للعمل الإسلامي أصلاً.
الشاهد نحن بدأنا الدعوة السنية الجهادية في أواخر السبعينيات، وبحمده تعالى بدأنا ننتشر ونتمدد في أوائل الثمانيات. بدأنا العمل من دون غطاء رسمي لعدم وجود الحاجة لذلك في ظل الأوضاع التي كانت سائدة؛ إذ كان لبنان يعيش حالة فوضى والمجال فيه مفتوح، فأنشأنا "نواة الجيش الإسلامي" في السبعينيات، وقد ظهر بشكل واضح في الثمانينيات، وكانت نشأته في عام 1977م وبقي غير معلن بضع سنين، وإن كان يُعرف بشكل ضيق، لكن أول بيان صدر باسم الجيش الإسلامي كان سنة 1974، أمّا ظهوره للعلن فقد كان في عام 1983م أثناء معركة "أبو عمار" التي كان أحد أطرافها الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، كما أنّ معرفة الجماعات الإسلامية كانت قد بدأت في أوائل الثمانينيات.
هل كان "نواة الجيش الإسلامي" أول عمل سلفي منظم؟ وهل اقتصر دوره على العمل المسلح فقط؟
نعم ، كان الجيش الإسلامي أول عمل سلفي منظم، ولم يقتصر دوره على القتال فقط بل كان جسماً عسكرياً يتعاطى الشأن الدعوي والتربوي والسياسي. فنحن نؤمن بالشمولية، وحاولنا أن نعمل تحت إطار الشمولية والتوازن.
ماذا كانت أولويات "نواة الجيش الإسلامي" الذي أسستموه في تلك الحقبة؟
تقوية شوكة أهل السنة بشكل عام، ومواجهة هجمة الفساد الخلقي التي ظهرت بوضوح آنذاك بسبب الأحداث، ومواجهة الأحزاب من شيوعية ونُصيريّة، أي القوى غير الإسلامية المعادية للعمل الإسلامي في طرابلس.
هذا بداية ، فعملنا لم يكن ميلشيوياً، وإنما قوة للدفاع عن النفس والعقيدة والدين، كنا قوة دفع وليس قوة هجوم. ولم يكن لدينا متفرغون بالمعنى الميلشيوي كـ"حركة التوحيد" وغيرها، وإنما كنا كخط دفاع. من جهة أخرى كنّا نخوض معركة فكرية وعقائدية في الحفاظ على عقيدة أهل السنة والجماعة في وجه جمعية "الأحباش" أولا ثم التشيع ثانياً.
نحن لا نعلم أن هناك تشييعاً في مدينة طرابلس!
بل هناك، كان هناك مخطط لتشييع أهل السنة في لبنان، وقد جاء هذا التشيع إلى طرابلس على يد الشيخ سعيد شعبان أمير "حركة التوحيد الإسلامية" السنية التي حكمت طرابلس في تلك الفترة. ونحن تاريخياً نشأنا قبل "حركة التوحيد" إلاّ أن الحركة المذكورة آنفاً دُعمت من قبل "ياسر عرفات"، ومن قبل إيران، وجاء الدعم لها على كل الأصعدة مالياً وعسكرياً. نحن كنا نرفض الارتباط بأي عمل غير إسلامي، وبالتالي لم يتيسر لنا الدعم كما تيسر لغيرنا، فأهل السنة خُذلوا من إخوانهم في الخارج فلم يتلقوا الدعم المالي ولا السياسي لتقوية عملنا في الداخل، لكن الحمد لله كان لدينا امتداد معقول وهيبة جيدة، وكانت عناصرنا فاعلة.
هل كان أثر "نواة الجيش الإسلامي" محصوراً في طرابلس أم تعدى لمناطق أخرى من لبنان؟
بعد عام 1985م انتقلنا إلى العاصمة بيروت، والى إقليم الخروب، وثم إلى صيدا، ولكن ليس باسم "نواة الجيش الإسلامي"، وإنما باسم "الجماعة والدعوة السلفية"؛ فقد تركنا العمل العسكري، وفي شهر أيلول دخلت القوات السورية إلى طرابلس ومعها الأحزاب، فغيرنا الخطة، وكان من الأخوة الذين اغتيلوا هو الشيخ أسامة القصاص، وهو أحد الإخوة النشيطين في الدعوة، وهو أحد المؤسسين للجمعية، اغتيل على يد الأحباش الذين حاربوا الدعوة السلفية في لبنان.
كيف تطورتم إلى ما يُعرف بـ"جمعية الهداية والإحسان"؟
بعد أن بدأت الأمور تتجه إلى السلام وخصوصاً بعد اتفاق الطائف، أنشأنا عام 1988م "جمعية الهداية"، ورُخص لنا سنة 1989م، وكان عملها يشمل الجانب الدعوي والتربوي من جهة والعمل الاجتماعي والخدماتي من جهة أخرى. عملنا حقيقة اقتصر على سد حاجات أهل السنة والجماعة في هذين المجالين. وكانت خدماتنا من أقصى شمال لبنان إلى أقصى الجنوب، ككفالة أيتام، دعوة، منشورات، مساجد، عملنا كان دعوياً وتربوياً وخدماتياً.
لماذا تم سحب الترخيص من الجمعية؟
كنا قد أنشأنا معهد الهداية عام 1991م، في السنة الخامسة وبعد سعي حثيث من الأحباش وحقد من المخابرات السورية على الدعوة السلفية، أمر غازي كنعان الذي انتحر في مكتبه في دمشق؛ إذ كان وزيراً للداخلية السورية، وكان قبلها مدير الملف اللبناني وأعلى مسؤول في القوات والمخابرات السورية في لبنان، أمر بإغلاق الجمعية. والذي قدم الطلب وزير الداخلية ميشال المر، ووافق على ذلك مجلس الوزراء، وتم سحب الترخيص بأول سنة 1996م .
هل كانت جمعية الهداية هي الجمعية السلفية الوحيدة في لبنان في تلك الفترة؟
جمعية الهداية هي الأم لما نشأ من جمعيات سلفية تُعنى بأهل السنة والجماعة، وكانت الجمعية هي الأكثر انتشاراً جغرافياً ودعوياً في الأراضي اللبنانية. وفي طرابلس خصوصاً حيث الثقل السني في لبنان لم يوجد غيرها من جمعيات لها أنشطة.
تمويل الجمعية من أين كان يأتي؟
من مؤسسات وأفراد خيّرين في الخليج.
لو تُسمي لنا بعض هذه المؤسسات التي كانت تُغطيكم مالياً؟
"دار البر" في دبي،"إحياء التراث" في الكويت، "مؤسسة الحرمين" في الرياض، وأحياناً "هيئة الإغاثة". أما الدعم الحقيقي والكافي فلم يكن من أي أحد.
هل كنتم تعملون وفق إحصاءات دقيقة عن واقع أهل السنة، وهل كنتم تراعون التوازن في رعايتهم على اختلاف مناطقهم؟
كان لنا أولويات وعلى رأسها الدفاع عن عقيدة أهل السنة والجماعة والعمل على تنقية العقيدة مما علق بها من شوائب، وخصوصاً في وجه جمعية المشاريع المشبوهة(الأحباش) التي كانت تناصب العداء لعقيدة أهل السنة، والتي كان لها باع طويل في التعامل مع المخابرات السورية في تتبع وقمع السلفيين. كنا ضعفاء محاصرين أمنياً واقتصادياً من الداخل ومن الخارج.
حتى إن إخواننا في الخارج كانوا لا يأبهون بوضع أهل السنة في لبنان بالشكل المطلوب مع تعدد الزيارات.
ماذا كان لديكم من طرق ووسائل لتحصين أهل السنة في لبنان؟ وكيف كنتم توصلون دعوتكم إليهم؟
أنشأنا إذاعة وكانت تغطي شمال لبنان بالكامل والساحل السوري، وتصل حتى تركيا ومصر، وكانت سياستنا في الإذاعة تقوية أهل السنة في عقيدتهم، وفي توعيتهم لمواجهة المخططات. وكان هذا كافياً ليُحسب جريمة عند السياسيين.
كما كان لدينا خمسة معاهد شرعية في طرابلس والضنية وصيدا مع قسم داخلي للطلبة، وعدد الطلاب فيها فاق (700) طالب وطالبة، بدوامين صباحي ومسائي.
تحت أي غطاء رسمي تعملون الآن؟
نحن نعمل تحت وقف مرخص، أما بخصوص "جمعية الهداية" فقد حكم مجلس شورى الدولة لصالحنا بعد أن رفعنا دعوة ضد قرار مجلس الوزراء في حل الجمعية. ونحن الآن بصدد الإجراءات المتبعة لأجل إعادة الجمعية بالكلية.
هل تعملون على إعادة دور الجمعية كسابق عهدها في العمل الدعوي والإغاثي؟
نعم، عاودنا فتح الإذاعة تحت اسم"الكلم الطيب" وثنينا بالمعهد، وهذه المشاريع هي جزء من مشروع عام لخدمة أهل السنة في لبنان.
خلال محنتكم تلك، ظهرت كثير من الجمعيات والوقفيات السلفية، ما حدود العلاقة التي تربطكم بهذه الجمعيات؟
نحن نمد أيدينا للتعامل مع الجميع تحت مظلة الدفاع عن عقيدة أهل السنة والجماعة والطائفة السنية في لبنان، إلا أن هذه الجمعيات هي محدودة العدد والعطاء لأسباب مختلفة، وبالتالي وضع أهل السنة في لبنان وضع مزرٍ للغاية على الرغم من وجود الكثير من الجمعيات التي تحاول العناية بهم.
ما الذي يميز جمعيتكم عن سائر الجمعيات الأخرى؟
نحن تعاملنا بشمولية ولم يقتصر عملنا على الدعوة، بل حاولنا الدفاع عن أهل السنة بكل الطرق والوسائل؛ إعلاميا وخطابياً ودعوياً وسجلنا مواقف سياسية عن طريق المنشورات والبيانات، وحين تعرضت مدينة طرابلس أكبر مدينة لأهل السنة في لبنان إلى التدمير دافعنا عنها بأرواحنا وأجسادنا، وكان منا الشهداء والحمد لله.
في الشأن السياسي عُرف عنكم أنكم كنتم مع"جبهة العمل الإسلامي" التي يرأسها الشيخ فتحي يكن ثم انسحبتم منها. ما الأسباب التي دفعتكم لذلك؟
بعد حادثة الأشرفية التي زُج بالمئات من الشباب الملتزمين في السجون على خلفية المظاهرات التي خرجت لنصرة الرسول الأكرم بعد الإساءات الدانمركية، حيث اندس مخابراتيون لحرف التظاهرة عن مسارها، وشعر أهل السنة أنهم مستهدفون، دُعيت من قبل الشيخ فتحي يكن والشيخ هاشم منقارة والشيخ بلال شعبان مع مشايخ وإخوة آخرين لتدارس الوضع، لكن الذي حصل أن القوم ذهبوا لتأسيس ما عُرف بقوى العمل الإسلامي الذي تطور فيما بعد الى حزب "جبهة العمل الإسلامي" الذي يترأسه الشيخ فتحي يكن. أنا لم أكن جزءاً من هذا العمل، ولا يمكن أن أكون؛ لأنه من الواضح أن هؤلاء -ومنذ اللحظة الأولى للتحرك- كانوا يتحركون تحت أجندة معينة، ويعملون لمحور سوري إيراني واضح، وأنا لا أجد نفسي في هكذا محور.
بعد ذلك اتجهتم لتأسيس "اللقاء الإسلامي المستقل" مع علماء وقيادات سنية أخرى. أليس كذلك؟
أنا دُعيت إلى "اللقاء الإسلامي المستقل" ولم أكن من المؤسسين، وأنا مستعد لتقديم أي شيء يخدم الطائفة السنية وأهل السنة في لبنان، وأنا تمنيت على الإخوة في "اللقاء الإسلامي" أن نكون مستقلين ولا نمضي إلى أي محور من المحاور المتصارعة في لبنان. وأنا عضو في "اللقاء" إلاّ أن اللقاء حتى الآن لا رأس له، وقد أُعلن عنه قبل أن ينضج، وهناك كثير من الأمور تحتاج إلى بحث داخل "اللقاء". وأمانة السر هي مداورة، كل شهر تنتقل من شخص لآخر بين الأعضاء المشاركين، وسنناقش موضوع الناطق الرسمي، هل سيكون مداورة أم لا، وإن كان بدا للجميع أن النائب السابق خالد ضاهر هو الناطق الرسمي له.
بعض المتابعين يرى أن "اللقاء الإسلامي المستقل" يتشكل من طيف واحد، وأن معظم كوادره هم من "السلفية الجهادية" بخلاف السلفية العلمية، ما تعليقكم على هذا؟
"اللقاء الإسلامي المستقل" لم يتشكل من طيف واحد، كما أنه غير متنافر، فهناك شخصيات كثيرة لم تكن يوماً صاحبة نهج سلفي أو محسوبة عليه، وإن كان لها باع في العمل الإسلامي، مثل فواز خضر آغا مؤسس حركة "جند الله" في طرابلس، وكذلك كنعان ناجي وهو غير سلفي كما تعلم، كما أن الشيخ بلال بارودي شيخ قّراء طرابلس قال بلسان الحال أكثر من مرّة بأنه ليس سلفياً، وهؤلاء وغيرهم شخصيات فاعلة داخل "اللقاء".
أما بخصوص التقسيم "سلفي جهادي" أو "سلفي علمي" فهذا تصنيف استخباراتي، يرحمك الله. هذا التصنيف الاستخباراتي الذي تدعمه جهات خارجية يُقصد منه زيادة الشرخ في الطائفة السنية حتى لا يكون هناك أي أحد في الوسط؛ لأن من يكون في الوسط هو من يمثل الخطر الحقيقي على المؤامرات الغربية لبلداننا العربية والإسلامية.
أما بالنسبة للسلفيين في لبنان فهم ليسوا على نهج واحد ولا على لون واحد، كما أنهم على تنوعهم يرون العمل الجهادي ويؤمنون به، أما توقيته وأسلوبه فقد يختلف من فئة أو من جماعة الى أخرى، وأظن أن هذا هو الفرق بين الجمعيات السلفية في لبنان.
المتابع لتصريحات "اللقاء الإسلامي المستقل" يراه في مواقفه السياسية قريباً جداً من موقف 14 آذار، لا سيما تيار المستقبل، وخصوصاً حول الأزمة القائمة في لبنان.. هل ترى هذا الكلام صحيحاً؟
إذا كنت تقصد في الشأن السياسي فهذا صحيح إلى حد ما، الأمر التقليدي أن أي شخصية إسلامية سنية ينبغي أن يكون موقعها السياسي مع خطاب 14 آذار الذي يتصدره من الجانب السني الرئيس الحريري والرئيس السنيورة، الجميع متفق داخل "اللقاء الإسلامي المستقل" على ضرورة نصرة الطائفة السنية واتخاذ التدابير الوقائية، حتى لا يحصل لهم في لبنان ما يحصل لأهل السنة في العراق.
تيار المستقبل يمثل السنة الآن على الصعيد السياسي، ولا يستطيع أحد أن ينكر ذلك، بدليل أن جميع نواب السنة في البرلمان هم من التيار، ووجود التيار يخدمنا، ووجودنا أيضاً يخدمه، وهو وإن كان حزباً علمانياً إلاّ أنه لا يكن العداء لنا، ولم يعلن علينا الحرب، وبالتالي أي مصلحة لنا في فتح جبهة معه؟
ممّ تخشون على الطائفة السنية في لبنان؟
خشينا في السابق ونخشى اليوم أكثر، وأنا قلت سابقاً وما زلت أقول إننا -كأهل سنة والجماعة- مستهدفون من الفرق الباطنية والشيعية في لبنان؛ لأن المشروع الذي يقوم به هؤلاء مشبوه، هو في ظاهره خط سياسي إلاّ أن الذي دفعهم لذلك هو الجذور العقدية، وهذا المشروع يظهر في المحور الإيراني السوري في المنطقة. فلو لم تكن الجذور العقدية وراء هذا المحور ما الذي يدفع سوريا وهي الدولة العربية الوحيدة لنصرة إيران والدوران في محورها. نحن نرى أن كلا النظامين السوري والإيراني يخشيان على نفسيهما من نفوذ أهل السنة في المنطقة.
كما نخشى على أهل السنة من المخطط الغربي التآمري، وهذا المخطط قديم وحديث، وإن بدا عنيفاً. لكن الشديد الآن على أهل السنة هو التشييع، فالتشييع في سوريا يقوم على قدم وساق وبغطاء من النظام السوري النُصيري، ونحن نعلم أن مدينة طرابلس كبرى مدن لبنان، والتي فيها ثقل أهل السنة دُمّرت من قبل النظام السوري عن عمد وقصد، في حين أن الشيعة دُعموا إلى أبعد الحدود سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وإعلامياً من نفس المحور بناءً على اتفاق مسبق بينهما. أمّا الموارنة فقد تيسر لهم الحد الأدنى من الغطاء الغربي، فحافظوا على حد أدنى من وجودهم وكيانهم وقدراتهم الأمنية والسياسية والإعلامية والعسكرية ضمن الجيش وضمن المؤسسات. أما أهل السنة فطُحنوا طحناً من النظام السوري والنظام الإيراني.
هل ترى أن الجمعيات السلفية على كثرتها تقوم بدورها في رعاية أهل السنة؟
لو كانت تقوم بالدور المنوط بها هل كنت سترى هذه الحالة المزرية لأهل السنة في لبنان، الجمعيات والوقفيات السنية يزيد عددها عن ثلاثين جمعية ووقفاً، ولكن لا تقوم بالدور المطلوب لأسباب عديدة بعضها خارج عن إرادتها، وكثير من هذه الجمعيات والوقفيات عملها ضيق جداً، ويبتعد عن الشمولية في الطرح والعمل.
هل ترى أنه من الأفضل تشكيل جبهة موحدة تجمع كل التيارات السلفية في لبنان؟ وهل من معوقات تحول دون ذلك؟
أنا أرى أن السلفيين في لبنان بينهم وبين توحيد الصف ضمن جبهة واحدة كما بين الجنة والنار، سهل وصعب في آن، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: "الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، النار مثل ذلك". أما المعوقات فهي أن الخط السلفي تأثر بهذه الأوضاع وتضعضع، وهو بحاجة إلى مراجعة إيمانية ثم مراجعة فكرية.