حسن الخلق
02-19-2007, 10:19 PM
الدكتورة مضاوي الرشيد - صحيفة القدس العربي
19 / 2 / 2007م - 12:18 م
وقعت الاقلية الشيعية السعودية في ازدواجية صعبة فمن جهة لا تمل اجهزة الاعلام من تعداد المبادرات الحكومية لتحسين اوضاعهم المعيشية وتلبية احتياجاتهم الحياتية وتطوير البنية التحتية لمناطقهم وايجاد فرص العمل والبعثات الدراسية لشبابهم الذين يعانون من البطالة كغيرهم من الشباب. وفي نفس الوقت اطلقت السلطات العنان لفتاوي التكفير الجماعي والتي تصور وكأنها آراء شخصية لا تمثل الموقف الديني الرسمي ولا موقف السلطة ذاتها.
يقف النظام متفرجا علي بيانات وفتاوي التكفير بل ربما يعتبرها حرية فكرية واجتهادات لا يمكن اقفال الباب في وجهها رغم انه لا يتردد في قمع اي فكر آخر خاصة وان كان هذا الفكر يشكك في قراراته ويستعرض اخطاءه. فجزرة النظام الموهوبة من القيادة تقابلها عصا الفتاوي المتداولة والتي تهيج المشاعر وتحقن النفوس وربما تستعمل وتفعل هذه الفتاوي في المستقبل خاصة وان امتدت الحرب العراقية الي دول الجوار.
تبدو هذه السياسة وكأنها استراتيجية مدروسة ومخطط لها اذ ان العفوية تنعدم في بلد كالسعودية والبيانات التي تصدر من جهات تسمي مستقلة او شعبية لا تري النور عادة الا بعد ان يأتيها الضوء الاخضر من احد اطراف النظام وكذلك هي الحال اليوم مع فتاوي التكفير.
سياسة النظام السعودي لها سوابق تاريخية قديمة. واستعمال الاقليات من قبل الانظـمة الشمولية او الاستعمارية لها تجربة طويلة ومتشعبة. يعتمد الحاكم المستبد دوما علي الاقلية العددية اما في ضبط وضعه الاقتصادي او العسكري او الاستخباراتي. بحكم كون المجموعة اقلية نجدها دوما تخاف من الكثرة العددية للآخر كما نجد ان الحاكم ذاته يجد في الاقلية من الاضطراب ما يجعلها تعتمد عليه اعتمادا كليا لحمايتها من سخط الاكثرية.
وتقوم السلطة المستبدة الخارجة عن ارادة الاكثرية رغم انها ربما تنتمي للأكثرية باستغلال هذا الاضطراب لتخلق أقلية تعتمد عليها كليا من اجل حماية نفسها. فالسلطة والاقلية ذاتها ترتبط حينها بلحمة عضوية وتنشأ عادة علاقة حميمة بين الطرفين. خذ مثلا كيف اعتمد الاستعمار البريطاني في الهند علي السيخ والغورغا ليخلق القوة العسكرية التي تؤدب بها القوة الاستعمارية الاكثرية المغلوبة علي امرها.
وطبق الاستعمار البريطاني نفس السياسة في العراق في فترة ما بعد الحرب العالمية الاولي اذ خلق ألوية عسكرية من الآشوريين القادمين الي العراق من ايران وتركيا وبنفس الاسلوب استعمل الاستعمار الفرنسي مجموعات اقلية في سورية ولبنان والمغرب العربي لتدبير شؤون المستعمرات. وقد تمادي هذا الاستعمار في استعماله لهذه الاقليات حتي تحول وجودها في مرحلة ما بعد الاستعمار الي كابوس يقلقها ويقلق الاكثرية واضطرت مجموعات جزائرية ان ترحل مع المستعمر الي فرنسا حيث استوطنت باديء الامر في مخيمات خاصة عرفت بمخيمات الحركي تماما كما اضطرت المجموعات الآشورية الي الهجرة الي بريطانيا بعد استقلال العراق.
وبعد استقلال الدول العربية بقيت ممارسات الاستعمار كمثل تحتذيه حكومات المنطقة. فكم أمير وسلطان ورئيس اعتمد علي اقليات تضبط اموال الدولة واجهزتها العسكرية والاستخباراتية بل ان هناك نظاما عربيا اعتمد علي اقليات مهاجرة من الشيشان وداغستان لتضبط مخابراته وثانيا سلم خزينته للهندوس وثالثا اعتمد حتي علي اليهود مستغلا خبرتهم في جمع الاموال وحفظها وتكثر الامثلة. وهاهي السعودية تنضم الي المجموعة العربية وتفعل أقليتها الشيعية علها تلعب دورا ما لمواجهة المرحلة المقبلة بكل تداعياتها. تستغل السلطة السعودية الاقلية الشيعية وخاصة اقلام المثقفين لتشن حربها علي ما تسميه التطرف ووجدت السلطة اقلاما كثيرة عند هذه الاقلية مستعدة لتخوض الحرب علي الارهاب مع السلطة ضد تيار نشأ في حضن الاكثرية وفي مقابل انخراط الشيعة في هذه الحرب تأتي مقابلها متطلبات السلطة وهي متعددة لكن اهمها الانفصال عن اغراء ايران وقطع الروابط الدينية والطموحات السياسية التي قد تحتضنها الاقلية الشيعية او تطمح لان تفعلها في حال نشوب حرب اقليمية علي ضفاف الخليج.
وتتعالي اصوات سعودية داعية الشيعة الي تفعيل الانتماء الي الوطن علي حساب الروابط الدينية الشيعية المعولمة وكأن هذه الاصوات تستجدي شيعة المملكة وتتزلف لها وترجوها ان تنظر الي واقعها وتذكرها بالأمن والرخاء في منطقتها الشرقية وتنهاها عن الاستجابة الي روابط الطائفة والمذهب. ولكن في نفس الوقت تجد هذه الاقلية نفسها محطة لتلقي فتاوي التكفير والتي قد تهدد امنها وتنذر باقتتال مرير. وتعلم جيدا انها لن تكسب المعركة ان هي حصلت علي ارض المملكة. اغراء الحاكم قد يفتح المجال لهذه الاقلية ان تحقق بعض المكاسب المادية الآنية ولكن عاقبة الاتصال بسلطة قمعية تبقي وخيمة وتكون عادة نهايتها مأساوية.
يؤدي ارتباط الاقليات بالسلطة المطلقة حيث تتحول الي اداة بيد هذه السلطة تجندها ضد الاكثرية الي صعود بطيء نحو الهاوية لن تحصد منه الاقلية سوي التهجير والقتل والدمار ساعة تغير المعادلة او انقلاب السلطة نفسها علي الاقلية في محاولة لارضاء الاكثرية واستجابة لمطالبها.
يبدو ان النظام السعودي فضل الازدواجية فمن جهة هو يحاول تحييد هذه الاقلية خاصة بعد ان انكشفت الاوراق علي طاولة العراق ومن جهة اخري يريد ارضاء الاكثرية والتي تنادي بأصوات متعالية بنصرة اخوان لهم في العراق، وبما ان هذا النظام لم يتخذ ولن يتخذ موقفا واضحا وصريحا مما يحصل في العراق فهو مضطر ان يلوح بالجزرة من جهة ويسمح لعلمائه بتلويح العصا من جهة اخري. وسيبقي الحال هكذا حتي تقرر الولايات المتحدة مصير سياستها الجديدة في المنطقة وترسل برؤوس اقلامها الي الحكومة السعودية وستظل العلاقة بين الاقلية والاكثرية متشجنة الي اشعار آخر.
سيعتقد الشيعة في السعودية ان النظام هو الدرع الواقي في وجه تسلط الاكثرية حيث تبدو السلطة وكأنها الحامي الاول والاخير لهذه الاقلية من اضطهاد الاكثرية ولكن من المعروف ان ليس للاستبداد مذهب او دين او طائفة. مصلحته الاولي والاخيرة هي التفتيت والتشرذم الكفيلان ببقائه متربعا علي السلطة. وستكتشف هذه الاقلية انها بقربها من السلطة وانخراطها في لعبة النظام مع الاكثرية والتي بدأت تتمرد علي مخططات حاكمها ستتحول يوما ما الي كبش فداء قد تضطر السلطة الي تقديمه كقربان لكسب ود الاكثرية.
تعرف السلطة السعودية كيف تلعب بطاقة الطائفية وكيف تفعل هذه البطاقة عند الضرورة. وظفت القيادة السعودية فتاوي تكفير الشيعة لتبرر استيلاءها علي الاحساء في بداية القرن العشرين ووظفت نفس الفتاوي عندما اندلعت الحرب العراقية ـ الايرانية في الثمانينات. وها هي اليوم توظف نفس الفتاوي في حال تطور الوضع العراقي والاقتتال الطائفي فيه الي ما وراء الحدود. يعرف الشيعة جيدا ان التناغم الذي حصل بينهم وبين السلطة خلال فترة التسعينات كان قائما علي خلفية صعود التيار الاسلامي السني في السعودية ذاتها والمصالحة التي تمت بينهم وبين النظام لم تكن الا محاولة لامتصاص نقمة هذه الاقلية في مرحلة ظهرت فيها معارضات اسلامية منبثقة من مجتمع الاكثرية السنية. ولعبت قيادة ايران دورا مهما أولا في اشعال القضية الشيعية وثانيا في اطفائها عندما تحسنت العلاقة مع النظام السعودي في مرحلة التسعينات.
ومن مصلحة النظام السعودي ان تبقي فتاوي التكفير مؤججة لانها بالفعل تجعل شيعة المملكة يعتقدون ان النظام هو حاميهم والمدافع عنهم امام هذا الزخم وقدرته علي تأجيج العنف الطائفي.
تتفق سياسة الاستعمار وسياسة الدول القمعية في امور كثيرة ولكن يبدو ان التعامل مع الاقليات هو المحطة التي توضح استمرارية تاريخية واستراتيجية مدروسة هدفها الوحيد هو ديمومة نظام لا يقوم علي عقد اجتماعي بل يقوم علي القهر والعنف المنظم. المستعمر والدولة القمعية يشتركان في صفات تجعل استراتيجيتهما متناغمة ومتناسقة من اجل تحقيق الهدف الاول والاخير كاطالة عمر الاستعمار او اطالة عمر المستبد واستئثاره بالسلطة. لذلك نجد ان الاقتتال بين الاكثرية والاقلية هو نتيجة حتمية لرحيل الاستعمار كما حصل في الهند بعد انهاء الاستعمار البريطاني او بعد تفتت السلطة المطلقة ونهايتها كما حصل في العراق او كما حصل في فلسطين منذ نصف قرن.
يتلازم رحيل المستعمر او انهيار السلطة المطلقة المحلية مع تفجر المكبوت والتارات حيث يبحث الجميع بما فيها الاكثرية والاقلية عن حقوق سلبت وعدالة همشت. يحارب الجميع من اجل غنيمة لطالما انتظروها وكانت توزع عليهم حسب الاهواء ومتطلبات المرحلة السياسية وضغوطها. والنتيجة الحاصلة ان السلطة المطلقة لا تعرف عدوا دائما او كافرا دائما او مشركا دائما، كل ما تعرفه ان لديها القدرة علي اسكات اصوات ورفع اصوات اخري ان كان هذا في مصلحة بقائها علي العرش.
وتعرف هذه السلطة اللعب علي الحبال بشكل بهلواني وسريع ولكن معطيات المنطقة العربية قد تؤدي الي تشابك هذه الحبال لدرجة يصعب علي السلطة ذاتها ان تفكك عقدها وتحل طلاسمها وان استعانت بأكبر طاقم من المحللين الاستراتيجيين والمستشارين المحنكين او النفاثات في العقد.
19 / 2 / 2007م - 12:18 م
وقعت الاقلية الشيعية السعودية في ازدواجية صعبة فمن جهة لا تمل اجهزة الاعلام من تعداد المبادرات الحكومية لتحسين اوضاعهم المعيشية وتلبية احتياجاتهم الحياتية وتطوير البنية التحتية لمناطقهم وايجاد فرص العمل والبعثات الدراسية لشبابهم الذين يعانون من البطالة كغيرهم من الشباب. وفي نفس الوقت اطلقت السلطات العنان لفتاوي التكفير الجماعي والتي تصور وكأنها آراء شخصية لا تمثل الموقف الديني الرسمي ولا موقف السلطة ذاتها.
يقف النظام متفرجا علي بيانات وفتاوي التكفير بل ربما يعتبرها حرية فكرية واجتهادات لا يمكن اقفال الباب في وجهها رغم انه لا يتردد في قمع اي فكر آخر خاصة وان كان هذا الفكر يشكك في قراراته ويستعرض اخطاءه. فجزرة النظام الموهوبة من القيادة تقابلها عصا الفتاوي المتداولة والتي تهيج المشاعر وتحقن النفوس وربما تستعمل وتفعل هذه الفتاوي في المستقبل خاصة وان امتدت الحرب العراقية الي دول الجوار.
تبدو هذه السياسة وكأنها استراتيجية مدروسة ومخطط لها اذ ان العفوية تنعدم في بلد كالسعودية والبيانات التي تصدر من جهات تسمي مستقلة او شعبية لا تري النور عادة الا بعد ان يأتيها الضوء الاخضر من احد اطراف النظام وكذلك هي الحال اليوم مع فتاوي التكفير.
سياسة النظام السعودي لها سوابق تاريخية قديمة. واستعمال الاقليات من قبل الانظـمة الشمولية او الاستعمارية لها تجربة طويلة ومتشعبة. يعتمد الحاكم المستبد دوما علي الاقلية العددية اما في ضبط وضعه الاقتصادي او العسكري او الاستخباراتي. بحكم كون المجموعة اقلية نجدها دوما تخاف من الكثرة العددية للآخر كما نجد ان الحاكم ذاته يجد في الاقلية من الاضطراب ما يجعلها تعتمد عليه اعتمادا كليا لحمايتها من سخط الاكثرية.
وتقوم السلطة المستبدة الخارجة عن ارادة الاكثرية رغم انها ربما تنتمي للأكثرية باستغلال هذا الاضطراب لتخلق أقلية تعتمد عليها كليا من اجل حماية نفسها. فالسلطة والاقلية ذاتها ترتبط حينها بلحمة عضوية وتنشأ عادة علاقة حميمة بين الطرفين. خذ مثلا كيف اعتمد الاستعمار البريطاني في الهند علي السيخ والغورغا ليخلق القوة العسكرية التي تؤدب بها القوة الاستعمارية الاكثرية المغلوبة علي امرها.
وطبق الاستعمار البريطاني نفس السياسة في العراق في فترة ما بعد الحرب العالمية الاولي اذ خلق ألوية عسكرية من الآشوريين القادمين الي العراق من ايران وتركيا وبنفس الاسلوب استعمل الاستعمار الفرنسي مجموعات اقلية في سورية ولبنان والمغرب العربي لتدبير شؤون المستعمرات. وقد تمادي هذا الاستعمار في استعماله لهذه الاقليات حتي تحول وجودها في مرحلة ما بعد الاستعمار الي كابوس يقلقها ويقلق الاكثرية واضطرت مجموعات جزائرية ان ترحل مع المستعمر الي فرنسا حيث استوطنت باديء الامر في مخيمات خاصة عرفت بمخيمات الحركي تماما كما اضطرت المجموعات الآشورية الي الهجرة الي بريطانيا بعد استقلال العراق.
وبعد استقلال الدول العربية بقيت ممارسات الاستعمار كمثل تحتذيه حكومات المنطقة. فكم أمير وسلطان ورئيس اعتمد علي اقليات تضبط اموال الدولة واجهزتها العسكرية والاستخباراتية بل ان هناك نظاما عربيا اعتمد علي اقليات مهاجرة من الشيشان وداغستان لتضبط مخابراته وثانيا سلم خزينته للهندوس وثالثا اعتمد حتي علي اليهود مستغلا خبرتهم في جمع الاموال وحفظها وتكثر الامثلة. وهاهي السعودية تنضم الي المجموعة العربية وتفعل أقليتها الشيعية علها تلعب دورا ما لمواجهة المرحلة المقبلة بكل تداعياتها. تستغل السلطة السعودية الاقلية الشيعية وخاصة اقلام المثقفين لتشن حربها علي ما تسميه التطرف ووجدت السلطة اقلاما كثيرة عند هذه الاقلية مستعدة لتخوض الحرب علي الارهاب مع السلطة ضد تيار نشأ في حضن الاكثرية وفي مقابل انخراط الشيعة في هذه الحرب تأتي مقابلها متطلبات السلطة وهي متعددة لكن اهمها الانفصال عن اغراء ايران وقطع الروابط الدينية والطموحات السياسية التي قد تحتضنها الاقلية الشيعية او تطمح لان تفعلها في حال نشوب حرب اقليمية علي ضفاف الخليج.
وتتعالي اصوات سعودية داعية الشيعة الي تفعيل الانتماء الي الوطن علي حساب الروابط الدينية الشيعية المعولمة وكأن هذه الاصوات تستجدي شيعة المملكة وتتزلف لها وترجوها ان تنظر الي واقعها وتذكرها بالأمن والرخاء في منطقتها الشرقية وتنهاها عن الاستجابة الي روابط الطائفة والمذهب. ولكن في نفس الوقت تجد هذه الاقلية نفسها محطة لتلقي فتاوي التكفير والتي قد تهدد امنها وتنذر باقتتال مرير. وتعلم جيدا انها لن تكسب المعركة ان هي حصلت علي ارض المملكة. اغراء الحاكم قد يفتح المجال لهذه الاقلية ان تحقق بعض المكاسب المادية الآنية ولكن عاقبة الاتصال بسلطة قمعية تبقي وخيمة وتكون عادة نهايتها مأساوية.
يؤدي ارتباط الاقليات بالسلطة المطلقة حيث تتحول الي اداة بيد هذه السلطة تجندها ضد الاكثرية الي صعود بطيء نحو الهاوية لن تحصد منه الاقلية سوي التهجير والقتل والدمار ساعة تغير المعادلة او انقلاب السلطة نفسها علي الاقلية في محاولة لارضاء الاكثرية واستجابة لمطالبها.
يبدو ان النظام السعودي فضل الازدواجية فمن جهة هو يحاول تحييد هذه الاقلية خاصة بعد ان انكشفت الاوراق علي طاولة العراق ومن جهة اخري يريد ارضاء الاكثرية والتي تنادي بأصوات متعالية بنصرة اخوان لهم في العراق، وبما ان هذا النظام لم يتخذ ولن يتخذ موقفا واضحا وصريحا مما يحصل في العراق فهو مضطر ان يلوح بالجزرة من جهة ويسمح لعلمائه بتلويح العصا من جهة اخري. وسيبقي الحال هكذا حتي تقرر الولايات المتحدة مصير سياستها الجديدة في المنطقة وترسل برؤوس اقلامها الي الحكومة السعودية وستظل العلاقة بين الاقلية والاكثرية متشجنة الي اشعار آخر.
سيعتقد الشيعة في السعودية ان النظام هو الدرع الواقي في وجه تسلط الاكثرية حيث تبدو السلطة وكأنها الحامي الاول والاخير لهذه الاقلية من اضطهاد الاكثرية ولكن من المعروف ان ليس للاستبداد مذهب او دين او طائفة. مصلحته الاولي والاخيرة هي التفتيت والتشرذم الكفيلان ببقائه متربعا علي السلطة. وستكتشف هذه الاقلية انها بقربها من السلطة وانخراطها في لعبة النظام مع الاكثرية والتي بدأت تتمرد علي مخططات حاكمها ستتحول يوما ما الي كبش فداء قد تضطر السلطة الي تقديمه كقربان لكسب ود الاكثرية.
تعرف السلطة السعودية كيف تلعب بطاقة الطائفية وكيف تفعل هذه البطاقة عند الضرورة. وظفت القيادة السعودية فتاوي تكفير الشيعة لتبرر استيلاءها علي الاحساء في بداية القرن العشرين ووظفت نفس الفتاوي عندما اندلعت الحرب العراقية ـ الايرانية في الثمانينات. وها هي اليوم توظف نفس الفتاوي في حال تطور الوضع العراقي والاقتتال الطائفي فيه الي ما وراء الحدود. يعرف الشيعة جيدا ان التناغم الذي حصل بينهم وبين السلطة خلال فترة التسعينات كان قائما علي خلفية صعود التيار الاسلامي السني في السعودية ذاتها والمصالحة التي تمت بينهم وبين النظام لم تكن الا محاولة لامتصاص نقمة هذه الاقلية في مرحلة ظهرت فيها معارضات اسلامية منبثقة من مجتمع الاكثرية السنية. ولعبت قيادة ايران دورا مهما أولا في اشعال القضية الشيعية وثانيا في اطفائها عندما تحسنت العلاقة مع النظام السعودي في مرحلة التسعينات.
ومن مصلحة النظام السعودي ان تبقي فتاوي التكفير مؤججة لانها بالفعل تجعل شيعة المملكة يعتقدون ان النظام هو حاميهم والمدافع عنهم امام هذا الزخم وقدرته علي تأجيج العنف الطائفي.
تتفق سياسة الاستعمار وسياسة الدول القمعية في امور كثيرة ولكن يبدو ان التعامل مع الاقليات هو المحطة التي توضح استمرارية تاريخية واستراتيجية مدروسة هدفها الوحيد هو ديمومة نظام لا يقوم علي عقد اجتماعي بل يقوم علي القهر والعنف المنظم. المستعمر والدولة القمعية يشتركان في صفات تجعل استراتيجيتهما متناغمة ومتناسقة من اجل تحقيق الهدف الاول والاخير كاطالة عمر الاستعمار او اطالة عمر المستبد واستئثاره بالسلطة. لذلك نجد ان الاقتتال بين الاكثرية والاقلية هو نتيجة حتمية لرحيل الاستعمار كما حصل في الهند بعد انهاء الاستعمار البريطاني او بعد تفتت السلطة المطلقة ونهايتها كما حصل في العراق او كما حصل في فلسطين منذ نصف قرن.
يتلازم رحيل المستعمر او انهيار السلطة المطلقة المحلية مع تفجر المكبوت والتارات حيث يبحث الجميع بما فيها الاكثرية والاقلية عن حقوق سلبت وعدالة همشت. يحارب الجميع من اجل غنيمة لطالما انتظروها وكانت توزع عليهم حسب الاهواء ومتطلبات المرحلة السياسية وضغوطها. والنتيجة الحاصلة ان السلطة المطلقة لا تعرف عدوا دائما او كافرا دائما او مشركا دائما، كل ما تعرفه ان لديها القدرة علي اسكات اصوات ورفع اصوات اخري ان كان هذا في مصلحة بقائها علي العرش.
وتعرف هذه السلطة اللعب علي الحبال بشكل بهلواني وسريع ولكن معطيات المنطقة العربية قد تؤدي الي تشابك هذه الحبال لدرجة يصعب علي السلطة ذاتها ان تفكك عقدها وتحل طلاسمها وان استعانت بأكبر طاقم من المحللين الاستراتيجيين والمستشارين المحنكين او النفاثات في العقد.