من هناك
02-11-2007, 09:38 PM
السلام عليكم،
تعقيباً على موضوع التقريب الذي نوقش في المنتدى من فترة، احببت ان انقل إليكم ردة فعل احد الفرقاء الشيعة في المؤتمر.
لقد نوهت ببعض المقاطع إما لأنها خارج إطار المنطق التاريخي او لأنها إحدى المغالطات التاريخية ولكن للأسف فأن المؤلف يحاول إلصاقها بالطرف السني في المشروع (الشيخ القرضاوي) وكأن كل ما حدث هو بسبب تهجم السنة على الشيعة في المؤتمر وكأن تاريخ الشيعة صفحة بيضاء ناصعة البياض ولم يتربوا إلا على فكرة العدل ومذهب المعدلة ؟ ؟ ؟؟ ؟
رسالة جمعية التجديد الثقافية للمشرف العام
لمنتدى الحوار بين المذاهب الاسلامية
بعد مشاركتها في منتدى الحوار بين المذاهب الإسلامية في دولة قطر من 20-23 يناير 2007 ، بعثت جمعية التجديد الثقافية برسالة تحمل مجموعة من الملاحظات للمشرف العام على المنتدى الدكتورة عائشة المناعي، تنبه لحساسية المرحلة والمواضيع المطروحة، وبعد توجيه الشكر الجزيل على الإهتمام الذي ابدته دولة قطر بعقد المؤتمر والدعم الذي كان واضحاً خلال أيام المؤتمر، قالت الجمعية في رسالتها:
نود أن نسجّل أسفنا إليك على ما جرى في المؤتمر من أفعال وأقوال سارت بعيداً على عكس ما تريدين ويُريد المصلحون والعقلاء، فشحنت المؤتمر منذ أول ساعاته إلى آخرها بما سُمي مكاشفة ومصارحة، ونود بصفتنا مشاركين قد حضر منا اثنان طوال أيام المؤتمر أن نرفع لك ملاحظاتنا حول الأخطاء التي حدثت بغرض تلافيها في المرات القادمة بإذن الله وبجهودكم الطيّبة.
لقد كان هناك خلل في اختيار نوعية الأشخاص للمشاركة في المؤتمر خاصة في عناصر فريق الإخوة السنة العرب، فقد كان بعضُهم يحمل فكراً محافظاً ومنغلقاً على ذاته، ممن يمثلون الفكر الديني التقليدي، والذين لم يكتشفوا العالم الحديث وفكره، نحسب أنّك سيّدتي قد شخّصتهم بعد صولات المؤتمر وجولاته، وهذه النوعية بالطبع وفي ظل الإحماش الذي حدث في افتتاح المؤتمر وجدتْ الميدان مفتوحاً لإظهار تشدّدها المذهبيّ وتطرّفها في أحيان كثيرة، مع عدم الإفادة العلميّة الجديدة، فلجأت للأسئلة والمقولات المشحونة بالكراهية أحياناً، وأمثال هذه النوعية من الشيوخ والدكاترة كانت سبباً أساسياً في انتكاس المؤتمر إلى الوراء خطوات بعيداً عن التقريب والإخلاص له، إذ فرزت نفسها فريقًا محاميًا عن أهل السنّة والجماعة وحسب بدلاً من حال أمّة الإسلام جمعاء! مع أنّ سنّة العالَم وشيعته يعيشون في مناطق عدّة إخوةً وأقارب بلا أدنى حساسيّة ولم يعرفوا الأضغان قبل هذا، هذه الفئة لم تتّق الله في أمّة محمّد (ص) لإصلاح النفوس والقفز فوق خصوصيّاتها وتأزّمها، فلم تنظر لنفسها أبداً على أنها شريكٌ في التقريب بين المسلمين كواجبٍ شرعيّ يلزمها، فكانت تتصرّف كالخصم لا كالشريك، ما يجعلنا نشكّ أنّ هذه الفئة لم تكن تؤمن بأصل مبدأ التقريب أو لم تسعَ إليه بجدّ، فكان اختيارُها كارثةً على المؤتمر برمّته، مكنتها مع الأسف مداخلةُ فضيلة الشيخ القرضاوي وكثرةُ عددها ومواتاةُ المناخ معها، أنْ تسرف في مهاجمة شريكها الطرف الآخر من جهة، وأن تُخفت بل تُخفي أصوات بقيّة مفكّري وأفاضل السنة العرب المعتدلين الآخرين من جهة أخرى، ونحمد الله أنك لم تُخطئي سيّدتي في اختيار ممثّلي الطرف الشيعي وإلا لكانت فضائح المسلمين مجلجلة، ولتطاير الشرر من تقارع سيوف التعصّب ولربما أحرق الديار أو بعضها، ولاكتشف الأمريكان - وقد اكتشفوا- أنّ الوقت بات مؤاتيا لتفجير الطائفيّة البغيضة في كلّ بلد، ولضرب إيران (الشيعية)، فقلوب إخوانهم المسلمين قد نجح المكر في ملئها بالبغضاء والتعصّب.
كان من الأولى على رئاسة المؤتمر الموقّرة التدخّل منذ البداية لتغيير أسلوب اللغة التي استعملت فيما سمي بالشفافية والمكاشفة، والتي بدأها مع الأسف فضيلة الشيخ القرضاوي، الذي كُنّا نعدّه فيما مضى من أعمدة العقلاء وسادة التسامح وأخيار الدعاة إلى التوحيد وليس التقريب فحسب، فقد كانت لغةً محتقنة بالسخط والغضب والصخب، مشحونة بالمشاعر السلبيّة، وكانت تقريعاً لا عتاباً، واتّهاماً لا شكاية، كسرتْ أشرعة الإصلاح بعصفها، ونكأت جراحاً أُثخنتْ من أسنّة جهل التطرّف في الفريقين لمّا تندمل، لغةً لم تتوفّر على احترام الآخر (الشريك في المهمّة المقدّسة) ولم تقبل له عذراً...
وأضافت الرسالة في معرض ملاحظاتها على موقف الشيخ القرضاوي وقالت: لقد كان طرح الشيخ القرضاوي متحاملاً وغير موضوعي، وحَمَلَّ أخاه الشيخ التسخيري ما لا ذنب له فيه، فكان يطالبه بالقضاء على كل أخطاء متطرّفي الشيعة وسلوك عوامّهم وجهّالهم ومغاليهم وشطب أخطاء كتّابهم التاريخيّين الذين كانوا رُهناء ظروفهم المُظلمة منزوين ومنغلقين على فئاتهم، في الوقت الذي لم يتحمّل فضيلتُه -ولم يحمّله أخوه التسخيري- أخطاء بعض السنّة وتطرّفهم وسلوك جهّالهم ومغاليهم، فالمفروض أنهما شريكان لتقريب أتباع المذهبين وتطييب أنفسهما بالمشتركات لا تحميشهم بالممزّقات الجاهلة، وأنّهما شريكان لتوسعة دائرة الاعتدال والفضائل، فهما أصحاب قضيّة واحدة شريفة، ولكن الشيخ القرضاوي تحامل على شريكه دون أن يتحمّل هو أعباء مُخطئي السنة بل قد تجاهل أخطاءهم وتدارأ فيها، وكأنّهم لا تطرّف فيهم على مرّ التاريخ، فكان هذا موقفاً انفعالياً غير متعقّل ممّا أفسد صدقيّته في مطالبه، مع أنّها صحيحة في غالب أوجهها.
لقد كانت نقاط فضيلة الشيخ القرضاوي مهمّة وصحيحة في أصل عناوينها، من مثل ضرورة مواجهة الشتائم واللعن والتكفير والتبشير المذهبي الذي لا معنى له في هذه الأمّة الواحدة، ولكنه طرحها على الهواء، على ملايين المسلمين، في وقت ملغوم ومأزوم بالفتن يدع الحليم فيه حيرانَ، بأسلوبٍ بعيدٍ عن روح العتاب والمحبة والانصاف، وصيّرها في مناخ محتقن بالتحامل والفظاظة والسخرية، ممّا أفسد الأمر وعكس المطلوب، فكأنّه جاء للمؤتمر منفعلا بالأحداث -وهو أعقل من هذا وأجلّ- فصبّها على صاحبِه الفاضل التسخيري مكان إيران الشعب وإيران الدولة أيضاً ومكان كلّ متطرّفٍ شيعيّ وجاهل!
وكان على رئاسة المؤتمر المحترمة أن تتدّخل لإصلاح الخلل، ومطالبة الجميع بالتزام الموضوعيّة في الطرح، والاتّسام بروح المحبة والشراكة في تحقيق هدف التقريب الساميّ، ولو من وراء الكواليس، فكان بالإمكان عقد اجتماعات خلفية بين كبار الحضور من أمثال الشيخ الدكتور علي جمعة وغيره ممّن لم يفقدوا حلمهم ورشدهم لتلافي الأمر وإزالة الاحتقان.
إنّ الذي حدث مما سُمي بالشفافية والمكاشفة في بعض القضايا الحساسة مثل سبّ الصحابة (رض)، لم يكن إلاّ تشهيراً واتهاماً وفضحاً وتأليباً، مع البعد فيه عن الموضوعيّة والبحث العلمي الرصين اللازم لتحديد أبعاد المشكلة، ومن ثم البحث عن آليات إزالتها أو تخفيفها، فقد كانت هذه القضية تطرح في المداخلات طرح العوام فيظنّ السامع أنّ كلّ الشيعة سفهاء ومهنتهم السبّ واللّعن للصحابة ولزوجات النبيّ (ص)، وأنّ ما يقوم به بعضُ متطرّفيهم المحقونون باللّعن لهذا الصحابيّ أو ذاك هو كفرٌ من (جميع) الشيعة، لبغضهم (جميع) الصحابة، ومع أنّا نعتقد أنّ نبش هذه القبور حرام وإثارتها على الملأ حرامٌ آخر لا يخدم تقريباً ولا وحدةً، وسيتعصّى به وضع برامج تهذيبيّة عامّة لفرقاء المسلمين، إلاّ أنّ مثل هذا الطرح البسيط والمأساويّ بهذه الكيفيّة يُفاقم في تأزيم حلّها، فهذه القضية التي تبدو للغافل أنّها واضحة وبسيطة، هي في الواقع ذات جذور تاريخيّة وثقافية عميقة، يجب لمعالجتها أوّلاً البُعد عن الضغط والشحن الإعلاميّ، والبعد عن أجواء الخطابات المسيّسة وعدم الارتهان لأحداثها المريرة المفتعَلة، وتوفير جوّ بحثيّ متجرّد ونزيه مُخلص لوجه الله ولخدمة الأمّة، يسعه الخوض في أعماقها، ليخرج بتوصيات عاقلة تُقنع كلّ طرفٍ مغالٍ أن يُصحّح موقفه الاعتقاديّ أو السلوكيّ منها، ولتبيين بعض التسطيح الذي وقع في مناقشة القضايا الخلافية في المؤتمر، سنضرب مثالا حول مسألة سبّ الصحابة، والتي تبدو محسومة للناظر العابر.
فلأجل المشاركة في علاج مسألة لعن بعض الصحابة (رض) لدى البعض، ينبغي للباحثين المخلصين أن يعودوا لبحث أمور أخرى من مثل:
تحديد الموقف من عملية حقّ الأمة في محاكمة تاريخها ونقده، وبالخصوص تاريخ العهد النبوي والخلافة الراشدة وتاريخ الصحابة، فإنّ بعض السنة المحافظين يتّخذون موقف الستر والتغطية إكراماً لحقّ الصحابة ومقامهم حسب نظرهم، وبعض الشيعة يتّخذون موقف الكشف والمحاسبة إحقاقاً للحقّ في نظرهم، مع أنّ مواقف الصحابة والتابعين وصل تاريخيّاً إلى حدّ التناقض فبلغ حدّ الاقتتال والقذف والحبس والطرد والتشريد، فما هو الموقف الدينيّ والعلميّ والموضوعيّ لدراسة هذا التاريخ؟ هل نتّخذ موقف (عفا الله عما سلف) أو نتّخذ موقف المساءلة والتساؤل؟ هذا موقف ثقافيّ من التاريخ يجب الاتّفاق عليه أولاً، إن لم يسعنا الاتّفاق على تركه برمّته وراء ظهورنا حتى تزكو النفوس لبناء حاضرنا باحترامنا لبعضنا وتعاوننا على البرّ والتقوى وفق أخلاق النبوّة وقيمها، فإنّ الحال بلغ ببعضنا أن نترضّى عن القاتل والمقتول إذا كانا صحابيّين أو تابعيّين، فهل هذا موقف يخدم الوعي؟ أم أنّ هناك آلية أخرى ممكنة –في الجوّ الهادئ- لدراسة التاريخ وتحديد المواقف دون الوقوع في محاذير اللعن والسباب والافتراق؟ مثل هذا يحتاج إلى دراسة موضوعية هادئة، وهو أمر يتعدّى المواقف المذهبية لأنه يتعلق بحقوق الأمة وحرّية الفكر والبحث، وهي قضية تثار بين المفكرين القدامى والمحدثين وبين المحافظين قديما وحديثا، وهي ذات تأثير بالغ على تكوين عقل الأمة، خاصة ونحن أمّة تعيش في التاريخ.
لابدّ من دراسة أثر الفارق المعرفيّ الكلامي التاريخيّ الذي بنى عليه بعضُ الشيعة عقلهم والذي هو أقرب للمعتزلة في فهمهم لمنزلة العدل في الدين، حتى جعلوها من صفات الله اللازمة فعُرفوا بالمعدّلة، فهم لا يفهمون الله إلاّ عادلاً، ويجعلون للعدل قيمة ذاتية وحسن ذاتي، هذا الفهم المجدول بالسياسة يتأثّر بها يؤثر فيها، كان وليد موقف سياسيّ من الخلفاء غير العدول حسب نظرهم، ووليد مناداتهم بضرورة الإمام المعصوم العادل، فكان الله عندهم لا يمكن إلاّ أن يكون عادلاً، وكان العدل في نفسه معياراً للحق والباطل، فيكفي أن يكون الشيء فاسداً إذا كان ينافي العدالة، على عكس بعض أهل السنة من الأشاعرة الذين أنجدل موقفهم من الخلفاء مع موقفهم من الإلوهية والربوبية فآثروا إطلاق الحرية للسلطان وقبول صحّة ولايته بأيّ طريقة كانت، ووجوب الطاعة له التي هي من طاعة الله سبحانه، وكان الله عندهم مصدر العدل وعنوانه، فكلّ ما أمر به يكون عدلا وكلّ ما نهى عنه يكون قبحا، بمعنى أنه لا يوجد حسن ذاتي للعدل ولا وصف عقليّ مستقلّ له يمكن رصده باستقلال عن الشريعة، وبهذا كان ممكنا (حسب اعتقاد البعض) مصادرة العقل النقدي عند السنيّ بثبوت الأمر الشرعي، على عكس العقل النقديّ الشيعيّ –إن صحّ- الذي يرى (بعضُه) أنّ النصّ إذا خالف مقتضى العدل والعقل كان هو الباطل وتمسّك بالعقل.
وهذان الموقفان المعرفيّان ينبغي رصدهما وتلمّس آثارهما في موقف كثير من الشيعة والسنة من الصحبة والخلفاء، فإنّ (بعض) العقل المسلم السنيّ والأشعري قادر على استساغة أمثال "هذا قبر سيدنا حجر بن عديّ الذي قتله وأصحابه سيدُنا معاوية بن أبي سفيان" أو الأسوأ لدى فئة قليلة (أنّ سيّدنا يزيد قتل سيّدنا الحسين)! لأنّ الحُسْن والقبح ليس لهما ذلك الأثر في البناء العقلي المعرفيّ لهم، على عكس (بعض) العقل الشيعي الذي لا يستطيع فهم أو تقبّل أنّ القاتل والمقتول يمكن أن يكونا سيّدين للقلب والعقل، هذا الأمر إذا أخذ بعين الاعتبار حال دراسة الموقف (التاريخيّ) من الصحابة سيساعدنا على فهم الجذور العميقة للخلاف وبالتالي نتفهّم أنّ الأمر أعمق من أن يكون مجرّد تحامل وكراهية ونفاق، عندها يمكن أن نبحث عن حلول واقعية موضوعية يتقبّل على أساسها كلّ طرف الطرف الآخر عن وعي بأبعاد فكره مهما كان مُخطئاً أو آثماً.
ضرورة إعادة تقييم الموقف من معاوية بن أبي سفيان ودولة الملوك الأمويّة ما عدا عهد عمر بن عبد العزيز، في تأسيسها لسنّة السبّ واللعن، والذي مارسته مدة 80 عاماً، في كلّ صلاة جمعة وكلّ صلاة عيد، وبعد كل خطاب وفي كلّ محفل وعلى لسان كلّ خليفة وإمام جمعة وقائد ومتكلّم ووال، فيصعد الممثّل الرسميّ للدولة ليسبّ علياً ويلعنه ويتّهمه بقتل عثمان وإيذاء فاطمة وترك الصلاة وعدم الاغتسال عن الجنابة واتخاذ الدنيا لعباً ولهواً، هكذا في كلّ يوم ولمدة 80 عاماً حتى سقوط الدولة الأمويّة، وكان كثيرٌ من الشاتمين واللاعنين صحابة بالمقياس الدّارج للصحابة، دون أن يعترض عليه العلماء ودون أن تخرج في الناس خارجة احتجاج واعتراض، والتاريخ يحسب ذلك على ما عرف بعد ذلك بأهل السنة أو بعضهم، وبعض أهل السنّة اليوم يترحّمون ويترضّون على معاوية وسائر خلفاء بني أمية وعلمائهم وأنصارهم دون أن يعلنوا موقفاً صارماً من كلّ هذا السبّ العلني والرسمي الذي حدث، فمثل هذا قد ترك بلا شك ردود فعل مشابهة عند الطرف الآخر المحتقن هو الآخر والذي يعيش قابعاً في التاريخ أيضاً، فلابدّ لعلاج الجانب النفسيّ (والمعياريّ) من القضيّة وليكون (للسنة) إنصافٌ ومصداقيةٌ وفضل شرفٍ في طلبهم بترك سنّة السبّ، لابدّ من العودة لتحديد موقف صارم من مثل هذا السلوك المشين، لندين كلّ السبّ لأنّ الله تعالى وقرآنه نهيا عنه، ولأنّ خُلق نبيّنا الأكرم (ص) نهى عنه واسترذله، أيّاً كان المسبوب فكيف بعليّ وبصحابة النبيّ؟! لكنّها المذاهب حين تبتلع الإسلام بلعاً! أما أن نكتفي بإدانة (شيعة) على سبّ ولعن ثم نترضى عن الأمويّين مع لعنهم عليّا وتسبيبهم لسنّة السبّ والّلعن للصحابة أو لأحدهم، فمثل هذا يطعن في مصداقية المواقف، ولا يكفي في مثل هذا اتّخاذ المواقف المواربة والمترجرجة التي تشي بوجود حبّ ورضا للشاتم الأموي وكره وسخط للمشتوم العلوي، فالحقّ لا يتجزأ، والصدق له مداليله، والحبّ الحقيقي يظهر في الحمية عن الشيء، فعلينا أن نكون محمّديّين وهو يكفينا جميعاً لو أردنا.
لالتزام بالموضوعية في تحديد وزر الخطأ في اللعن والسب، فإنّ السابّ من الشيعة لبعض صحابة النبيّ (ص) اعتقاداً منهم بمخالفتهم لرسول الله (ص) ووصاياه حسب ما وصلهم من التاريخ، لا يُنكر دورَ سائر الصحابة العظيم والخالد في هداية الناس للحق والإسلام، وهذا يعني أنّ حتّى هذا الشقّ المتطرّف يشترك مع إخوانه السنّة في جذر الإيمان بوجوب إطاعة الله ورسوله وحبّ من أخلص الصحبة للرسول، ويفترقون في تشخيص بعض أفراد الصحابة في أنّهم أطاعوا وأخلصوا أم غيّروا وبدّلوا، وهذا لا يؤدي إلى الكفر، فيظل الأمر في حدود الإثم والوزر، والذي لا يختلف عليه عاقلان منصفان أنّ السبّ إثم وغير جائز لمسلم بل حتى لغير المسلم، ويعظم حرمته وإثمه حين تُصبح ممارسته أذىً للآخر وسبباً لفتنته وتمزيقاً لأمة النبيّ (ص) الواحدة، وانتهاكاً لأخلاقه (ص) وفضائله وغاياته، ومخالفةً لوصاياه (ص) بظنّ (هذا) أنّه يسبّ من خالف وصيّة النبيّ (ص) وهو أوّل مجترحٍ بانتهاك وصاياه (ص) بعدم البذاءة والسبّ وبذر الفتن وتمكين أعداء الأمّة منها.
فعليه، يمكن الاتفاق (في ظلّ العقل والتعقّل) على برنامج عمل محدّد تهذيبيّ لمعالجة مثل هذا الموقف من التاريخ ومن السبّ يُهذِّب عوائد المسلمين وأخلاقهم اليوم ويُكبر من احترامهم لموتاهم ولسلفهم الصالح من صحابة نبيّ الله (ص) مهما كانت مذاهبهم ومسالكهم.
ولك أن تقيسي سيّدتي الكريمة على هذا المنوال مدى التسطيح الآخر لمسألة (التقية) التي أُثيرت، ومدى تجاوز حقائق التاريخ عند ما قيل هناك على الملأ أنّ الشيعة أقليّة عاشت طوال تاريخها بين السنّة الأكثرية، لم يصادر عليها فكرها ولا عقيدتها ولا مالها، وأنّ الأكثرية السنّية كانت حاضنةً رحيمةً لهم، وهذا الكلام يرتكب مغالطات ضارّة، فعدا أنّه يجعل المذهبيّة وكأنّها مهيمنة بين المسلمين على مدى التاريخ كلّه، مع أنّها كانت غائرة ولم تُوظّف في أزمنةِ الانحطاط الكئيبة (كعصرنا) إلاّ لمراكب الساسة الذين لم يأبهوا بأمّة محمّد (ص)، فهو يتجاهل من جهةٍ أخرى قرون المعاناة الأولى من إباحة الدم (لدى متطرّفيّ الفريقين)، ومن الإقصاء والسجن والتعذيب التي مارسها الخلفاء -تستّراً بمذهب السنّة البريء- في الدولة الأمويّة ثمّ في الدولة العباسية حينما كان التشيّع غريماً سياسياً، فكان الشيعة حركات معارضة (للدولة) التي وللأسف اعتبرها جهلاً بعضُ السنة- غالباً- ممثّلة سياسيّة عنهم! وهذا خطأ فادح منزّه عنه الدّين والمذهب السنّي، فقد كانت الدولة تمارس السياسة وتركب المذاهب كما هي عادة السياسيين إلى اليوم، وكانت تُحاصر وتُؤذي معارضيها، علماءَ شيعةٍ كانوا أم سنّة، وينبغي دائماً التفريق بين موقف الدولة- الخليفة وموقف المذهب والدين، ولكن هذا لم يحدث في غالب تاريخ المذهب السنيّ المُصادَر فتلوّث التسنّن ظاهراً بأخطاء الخلفاء الذين تستّروا به، وواقع الحق أنه براء من هذا أو هكذا ينبغي أن يكون، وإذا أغفلنا اندماج السياسة بالمذاهب في دول الإسلام فلن نتمكّن من فهم مبدأ التقيّة عند الشيعة، فقد كان هذا المبدأ ضرورة أمنية، يحافظ به الشيعيّ على نفسه من القتل أو السجن أو الإقصاء ضدّ ظلَمة السلاطين لا ضدّ فرقائهم المسلمين من إخوتهم السنّة، الذين ذاق كثيرُهم وكابَد ويلَ الظلم الذي ذاقوه، ولكن فضيلة الشيخ القرضاوي طرح هذا المفهوم طرحاً معمِّياً، مشكّكاً على أساسه في نوايا وضمائر شركائه الشيعة الحاضرين في مشروع التقريب، وهذا ما يُؤسَف له أن يطرح من قبل علامة كبير معقود عليه أمل الإصلاح بصدره الرحب وعقله الجمّ، فمن أين نلتمس الأعذار لمن هم دونه من الفريقيْن؟!
وفي الختام وجهت الجمعية تحيتها للدكتورة المناعي قائلة: هذه ملاحظات عجولة لن يضيق بها صدرك سيّدتنا الفاضلة، نكتبها لا لأنّك لم تدركيها بعد تجربتك وخبرتك، ولكن لأنّك ممّن يستحقّون التواصل بالمناصحة والمباثثة، وينشرحون صدرًا بطيب المكاشفة، نسأل الله كاشف كلّ كربة أن يفرّج عن هذه الأمّة كربات جهلها، ويبصّرها ذخائر كنوزها ومكائد أعدائها، ودمت سالمةً وموفّقةً ومشكورةَ السعي والسلام عليكم ورحمة الله.
جمعية التجديد الثقافية
مملكة البحرين
11 فبراير 2007
تعقيباً على موضوع التقريب الذي نوقش في المنتدى من فترة، احببت ان انقل إليكم ردة فعل احد الفرقاء الشيعة في المؤتمر.
لقد نوهت ببعض المقاطع إما لأنها خارج إطار المنطق التاريخي او لأنها إحدى المغالطات التاريخية ولكن للأسف فأن المؤلف يحاول إلصاقها بالطرف السني في المشروع (الشيخ القرضاوي) وكأن كل ما حدث هو بسبب تهجم السنة على الشيعة في المؤتمر وكأن تاريخ الشيعة صفحة بيضاء ناصعة البياض ولم يتربوا إلا على فكرة العدل ومذهب المعدلة ؟ ؟ ؟؟ ؟
رسالة جمعية التجديد الثقافية للمشرف العام
لمنتدى الحوار بين المذاهب الاسلامية
بعد مشاركتها في منتدى الحوار بين المذاهب الإسلامية في دولة قطر من 20-23 يناير 2007 ، بعثت جمعية التجديد الثقافية برسالة تحمل مجموعة من الملاحظات للمشرف العام على المنتدى الدكتورة عائشة المناعي، تنبه لحساسية المرحلة والمواضيع المطروحة، وبعد توجيه الشكر الجزيل على الإهتمام الذي ابدته دولة قطر بعقد المؤتمر والدعم الذي كان واضحاً خلال أيام المؤتمر، قالت الجمعية في رسالتها:
نود أن نسجّل أسفنا إليك على ما جرى في المؤتمر من أفعال وأقوال سارت بعيداً على عكس ما تريدين ويُريد المصلحون والعقلاء، فشحنت المؤتمر منذ أول ساعاته إلى آخرها بما سُمي مكاشفة ومصارحة، ونود بصفتنا مشاركين قد حضر منا اثنان طوال أيام المؤتمر أن نرفع لك ملاحظاتنا حول الأخطاء التي حدثت بغرض تلافيها في المرات القادمة بإذن الله وبجهودكم الطيّبة.
لقد كان هناك خلل في اختيار نوعية الأشخاص للمشاركة في المؤتمر خاصة في عناصر فريق الإخوة السنة العرب، فقد كان بعضُهم يحمل فكراً محافظاً ومنغلقاً على ذاته، ممن يمثلون الفكر الديني التقليدي، والذين لم يكتشفوا العالم الحديث وفكره، نحسب أنّك سيّدتي قد شخّصتهم بعد صولات المؤتمر وجولاته، وهذه النوعية بالطبع وفي ظل الإحماش الذي حدث في افتتاح المؤتمر وجدتْ الميدان مفتوحاً لإظهار تشدّدها المذهبيّ وتطرّفها في أحيان كثيرة، مع عدم الإفادة العلميّة الجديدة، فلجأت للأسئلة والمقولات المشحونة بالكراهية أحياناً، وأمثال هذه النوعية من الشيوخ والدكاترة كانت سبباً أساسياً في انتكاس المؤتمر إلى الوراء خطوات بعيداً عن التقريب والإخلاص له، إذ فرزت نفسها فريقًا محاميًا عن أهل السنّة والجماعة وحسب بدلاً من حال أمّة الإسلام جمعاء! مع أنّ سنّة العالَم وشيعته يعيشون في مناطق عدّة إخوةً وأقارب بلا أدنى حساسيّة ولم يعرفوا الأضغان قبل هذا، هذه الفئة لم تتّق الله في أمّة محمّد (ص) لإصلاح النفوس والقفز فوق خصوصيّاتها وتأزّمها، فلم تنظر لنفسها أبداً على أنها شريكٌ في التقريب بين المسلمين كواجبٍ شرعيّ يلزمها، فكانت تتصرّف كالخصم لا كالشريك، ما يجعلنا نشكّ أنّ هذه الفئة لم تكن تؤمن بأصل مبدأ التقريب أو لم تسعَ إليه بجدّ، فكان اختيارُها كارثةً على المؤتمر برمّته، مكنتها مع الأسف مداخلةُ فضيلة الشيخ القرضاوي وكثرةُ عددها ومواتاةُ المناخ معها، أنْ تسرف في مهاجمة شريكها الطرف الآخر من جهة، وأن تُخفت بل تُخفي أصوات بقيّة مفكّري وأفاضل السنة العرب المعتدلين الآخرين من جهة أخرى، ونحمد الله أنك لم تُخطئي سيّدتي في اختيار ممثّلي الطرف الشيعي وإلا لكانت فضائح المسلمين مجلجلة، ولتطاير الشرر من تقارع سيوف التعصّب ولربما أحرق الديار أو بعضها، ولاكتشف الأمريكان - وقد اكتشفوا- أنّ الوقت بات مؤاتيا لتفجير الطائفيّة البغيضة في كلّ بلد، ولضرب إيران (الشيعية)، فقلوب إخوانهم المسلمين قد نجح المكر في ملئها بالبغضاء والتعصّب.
كان من الأولى على رئاسة المؤتمر الموقّرة التدخّل منذ البداية لتغيير أسلوب اللغة التي استعملت فيما سمي بالشفافية والمكاشفة، والتي بدأها مع الأسف فضيلة الشيخ القرضاوي، الذي كُنّا نعدّه فيما مضى من أعمدة العقلاء وسادة التسامح وأخيار الدعاة إلى التوحيد وليس التقريب فحسب، فقد كانت لغةً محتقنة بالسخط والغضب والصخب، مشحونة بالمشاعر السلبيّة، وكانت تقريعاً لا عتاباً، واتّهاماً لا شكاية، كسرتْ أشرعة الإصلاح بعصفها، ونكأت جراحاً أُثخنتْ من أسنّة جهل التطرّف في الفريقين لمّا تندمل، لغةً لم تتوفّر على احترام الآخر (الشريك في المهمّة المقدّسة) ولم تقبل له عذراً...
وأضافت الرسالة في معرض ملاحظاتها على موقف الشيخ القرضاوي وقالت: لقد كان طرح الشيخ القرضاوي متحاملاً وغير موضوعي، وحَمَلَّ أخاه الشيخ التسخيري ما لا ذنب له فيه، فكان يطالبه بالقضاء على كل أخطاء متطرّفي الشيعة وسلوك عوامّهم وجهّالهم ومغاليهم وشطب أخطاء كتّابهم التاريخيّين الذين كانوا رُهناء ظروفهم المُظلمة منزوين ومنغلقين على فئاتهم، في الوقت الذي لم يتحمّل فضيلتُه -ولم يحمّله أخوه التسخيري- أخطاء بعض السنّة وتطرّفهم وسلوك جهّالهم ومغاليهم، فالمفروض أنهما شريكان لتقريب أتباع المذهبين وتطييب أنفسهما بالمشتركات لا تحميشهم بالممزّقات الجاهلة، وأنّهما شريكان لتوسعة دائرة الاعتدال والفضائل، فهما أصحاب قضيّة واحدة شريفة، ولكن الشيخ القرضاوي تحامل على شريكه دون أن يتحمّل هو أعباء مُخطئي السنة بل قد تجاهل أخطاءهم وتدارأ فيها، وكأنّهم لا تطرّف فيهم على مرّ التاريخ، فكان هذا موقفاً انفعالياً غير متعقّل ممّا أفسد صدقيّته في مطالبه، مع أنّها صحيحة في غالب أوجهها.
لقد كانت نقاط فضيلة الشيخ القرضاوي مهمّة وصحيحة في أصل عناوينها، من مثل ضرورة مواجهة الشتائم واللعن والتكفير والتبشير المذهبي الذي لا معنى له في هذه الأمّة الواحدة، ولكنه طرحها على الهواء، على ملايين المسلمين، في وقت ملغوم ومأزوم بالفتن يدع الحليم فيه حيرانَ، بأسلوبٍ بعيدٍ عن روح العتاب والمحبة والانصاف، وصيّرها في مناخ محتقن بالتحامل والفظاظة والسخرية، ممّا أفسد الأمر وعكس المطلوب، فكأنّه جاء للمؤتمر منفعلا بالأحداث -وهو أعقل من هذا وأجلّ- فصبّها على صاحبِه الفاضل التسخيري مكان إيران الشعب وإيران الدولة أيضاً ومكان كلّ متطرّفٍ شيعيّ وجاهل!
وكان على رئاسة المؤتمر المحترمة أن تتدّخل لإصلاح الخلل، ومطالبة الجميع بالتزام الموضوعيّة في الطرح، والاتّسام بروح المحبة والشراكة في تحقيق هدف التقريب الساميّ، ولو من وراء الكواليس، فكان بالإمكان عقد اجتماعات خلفية بين كبار الحضور من أمثال الشيخ الدكتور علي جمعة وغيره ممّن لم يفقدوا حلمهم ورشدهم لتلافي الأمر وإزالة الاحتقان.
إنّ الذي حدث مما سُمي بالشفافية والمكاشفة في بعض القضايا الحساسة مثل سبّ الصحابة (رض)، لم يكن إلاّ تشهيراً واتهاماً وفضحاً وتأليباً، مع البعد فيه عن الموضوعيّة والبحث العلمي الرصين اللازم لتحديد أبعاد المشكلة، ومن ثم البحث عن آليات إزالتها أو تخفيفها، فقد كانت هذه القضية تطرح في المداخلات طرح العوام فيظنّ السامع أنّ كلّ الشيعة سفهاء ومهنتهم السبّ واللّعن للصحابة ولزوجات النبيّ (ص)، وأنّ ما يقوم به بعضُ متطرّفيهم المحقونون باللّعن لهذا الصحابيّ أو ذاك هو كفرٌ من (جميع) الشيعة، لبغضهم (جميع) الصحابة، ومع أنّا نعتقد أنّ نبش هذه القبور حرام وإثارتها على الملأ حرامٌ آخر لا يخدم تقريباً ولا وحدةً، وسيتعصّى به وضع برامج تهذيبيّة عامّة لفرقاء المسلمين، إلاّ أنّ مثل هذا الطرح البسيط والمأساويّ بهذه الكيفيّة يُفاقم في تأزيم حلّها، فهذه القضية التي تبدو للغافل أنّها واضحة وبسيطة، هي في الواقع ذات جذور تاريخيّة وثقافية عميقة، يجب لمعالجتها أوّلاً البُعد عن الضغط والشحن الإعلاميّ، والبعد عن أجواء الخطابات المسيّسة وعدم الارتهان لأحداثها المريرة المفتعَلة، وتوفير جوّ بحثيّ متجرّد ونزيه مُخلص لوجه الله ولخدمة الأمّة، يسعه الخوض في أعماقها، ليخرج بتوصيات عاقلة تُقنع كلّ طرفٍ مغالٍ أن يُصحّح موقفه الاعتقاديّ أو السلوكيّ منها، ولتبيين بعض التسطيح الذي وقع في مناقشة القضايا الخلافية في المؤتمر، سنضرب مثالا حول مسألة سبّ الصحابة، والتي تبدو محسومة للناظر العابر.
فلأجل المشاركة في علاج مسألة لعن بعض الصحابة (رض) لدى البعض، ينبغي للباحثين المخلصين أن يعودوا لبحث أمور أخرى من مثل:
تحديد الموقف من عملية حقّ الأمة في محاكمة تاريخها ونقده، وبالخصوص تاريخ العهد النبوي والخلافة الراشدة وتاريخ الصحابة، فإنّ بعض السنة المحافظين يتّخذون موقف الستر والتغطية إكراماً لحقّ الصحابة ومقامهم حسب نظرهم، وبعض الشيعة يتّخذون موقف الكشف والمحاسبة إحقاقاً للحقّ في نظرهم، مع أنّ مواقف الصحابة والتابعين وصل تاريخيّاً إلى حدّ التناقض فبلغ حدّ الاقتتال والقذف والحبس والطرد والتشريد، فما هو الموقف الدينيّ والعلميّ والموضوعيّ لدراسة هذا التاريخ؟ هل نتّخذ موقف (عفا الله عما سلف) أو نتّخذ موقف المساءلة والتساؤل؟ هذا موقف ثقافيّ من التاريخ يجب الاتّفاق عليه أولاً، إن لم يسعنا الاتّفاق على تركه برمّته وراء ظهورنا حتى تزكو النفوس لبناء حاضرنا باحترامنا لبعضنا وتعاوننا على البرّ والتقوى وفق أخلاق النبوّة وقيمها، فإنّ الحال بلغ ببعضنا أن نترضّى عن القاتل والمقتول إذا كانا صحابيّين أو تابعيّين، فهل هذا موقف يخدم الوعي؟ أم أنّ هناك آلية أخرى ممكنة –في الجوّ الهادئ- لدراسة التاريخ وتحديد المواقف دون الوقوع في محاذير اللعن والسباب والافتراق؟ مثل هذا يحتاج إلى دراسة موضوعية هادئة، وهو أمر يتعدّى المواقف المذهبية لأنه يتعلق بحقوق الأمة وحرّية الفكر والبحث، وهي قضية تثار بين المفكرين القدامى والمحدثين وبين المحافظين قديما وحديثا، وهي ذات تأثير بالغ على تكوين عقل الأمة، خاصة ونحن أمّة تعيش في التاريخ.
لابدّ من دراسة أثر الفارق المعرفيّ الكلامي التاريخيّ الذي بنى عليه بعضُ الشيعة عقلهم والذي هو أقرب للمعتزلة في فهمهم لمنزلة العدل في الدين، حتى جعلوها من صفات الله اللازمة فعُرفوا بالمعدّلة، فهم لا يفهمون الله إلاّ عادلاً، ويجعلون للعدل قيمة ذاتية وحسن ذاتي، هذا الفهم المجدول بالسياسة يتأثّر بها يؤثر فيها، كان وليد موقف سياسيّ من الخلفاء غير العدول حسب نظرهم، ووليد مناداتهم بضرورة الإمام المعصوم العادل، فكان الله عندهم لا يمكن إلاّ أن يكون عادلاً، وكان العدل في نفسه معياراً للحق والباطل، فيكفي أن يكون الشيء فاسداً إذا كان ينافي العدالة، على عكس بعض أهل السنة من الأشاعرة الذين أنجدل موقفهم من الخلفاء مع موقفهم من الإلوهية والربوبية فآثروا إطلاق الحرية للسلطان وقبول صحّة ولايته بأيّ طريقة كانت، ووجوب الطاعة له التي هي من طاعة الله سبحانه، وكان الله عندهم مصدر العدل وعنوانه، فكلّ ما أمر به يكون عدلا وكلّ ما نهى عنه يكون قبحا، بمعنى أنه لا يوجد حسن ذاتي للعدل ولا وصف عقليّ مستقلّ له يمكن رصده باستقلال عن الشريعة، وبهذا كان ممكنا (حسب اعتقاد البعض) مصادرة العقل النقدي عند السنيّ بثبوت الأمر الشرعي، على عكس العقل النقديّ الشيعيّ –إن صحّ- الذي يرى (بعضُه) أنّ النصّ إذا خالف مقتضى العدل والعقل كان هو الباطل وتمسّك بالعقل.
وهذان الموقفان المعرفيّان ينبغي رصدهما وتلمّس آثارهما في موقف كثير من الشيعة والسنة من الصحبة والخلفاء، فإنّ (بعض) العقل المسلم السنيّ والأشعري قادر على استساغة أمثال "هذا قبر سيدنا حجر بن عديّ الذي قتله وأصحابه سيدُنا معاوية بن أبي سفيان" أو الأسوأ لدى فئة قليلة (أنّ سيّدنا يزيد قتل سيّدنا الحسين)! لأنّ الحُسْن والقبح ليس لهما ذلك الأثر في البناء العقلي المعرفيّ لهم، على عكس (بعض) العقل الشيعي الذي لا يستطيع فهم أو تقبّل أنّ القاتل والمقتول يمكن أن يكونا سيّدين للقلب والعقل، هذا الأمر إذا أخذ بعين الاعتبار حال دراسة الموقف (التاريخيّ) من الصحابة سيساعدنا على فهم الجذور العميقة للخلاف وبالتالي نتفهّم أنّ الأمر أعمق من أن يكون مجرّد تحامل وكراهية ونفاق، عندها يمكن أن نبحث عن حلول واقعية موضوعية يتقبّل على أساسها كلّ طرف الطرف الآخر عن وعي بأبعاد فكره مهما كان مُخطئاً أو آثماً.
ضرورة إعادة تقييم الموقف من معاوية بن أبي سفيان ودولة الملوك الأمويّة ما عدا عهد عمر بن عبد العزيز، في تأسيسها لسنّة السبّ واللعن، والذي مارسته مدة 80 عاماً، في كلّ صلاة جمعة وكلّ صلاة عيد، وبعد كل خطاب وفي كلّ محفل وعلى لسان كلّ خليفة وإمام جمعة وقائد ومتكلّم ووال، فيصعد الممثّل الرسميّ للدولة ليسبّ علياً ويلعنه ويتّهمه بقتل عثمان وإيذاء فاطمة وترك الصلاة وعدم الاغتسال عن الجنابة واتخاذ الدنيا لعباً ولهواً، هكذا في كلّ يوم ولمدة 80 عاماً حتى سقوط الدولة الأمويّة، وكان كثيرٌ من الشاتمين واللاعنين صحابة بالمقياس الدّارج للصحابة، دون أن يعترض عليه العلماء ودون أن تخرج في الناس خارجة احتجاج واعتراض، والتاريخ يحسب ذلك على ما عرف بعد ذلك بأهل السنة أو بعضهم، وبعض أهل السنّة اليوم يترحّمون ويترضّون على معاوية وسائر خلفاء بني أمية وعلمائهم وأنصارهم دون أن يعلنوا موقفاً صارماً من كلّ هذا السبّ العلني والرسمي الذي حدث، فمثل هذا قد ترك بلا شك ردود فعل مشابهة عند الطرف الآخر المحتقن هو الآخر والذي يعيش قابعاً في التاريخ أيضاً، فلابدّ لعلاج الجانب النفسيّ (والمعياريّ) من القضيّة وليكون (للسنة) إنصافٌ ومصداقيةٌ وفضل شرفٍ في طلبهم بترك سنّة السبّ، لابدّ من العودة لتحديد موقف صارم من مثل هذا السلوك المشين، لندين كلّ السبّ لأنّ الله تعالى وقرآنه نهيا عنه، ولأنّ خُلق نبيّنا الأكرم (ص) نهى عنه واسترذله، أيّاً كان المسبوب فكيف بعليّ وبصحابة النبيّ؟! لكنّها المذاهب حين تبتلع الإسلام بلعاً! أما أن نكتفي بإدانة (شيعة) على سبّ ولعن ثم نترضى عن الأمويّين مع لعنهم عليّا وتسبيبهم لسنّة السبّ والّلعن للصحابة أو لأحدهم، فمثل هذا يطعن في مصداقية المواقف، ولا يكفي في مثل هذا اتّخاذ المواقف المواربة والمترجرجة التي تشي بوجود حبّ ورضا للشاتم الأموي وكره وسخط للمشتوم العلوي، فالحقّ لا يتجزأ، والصدق له مداليله، والحبّ الحقيقي يظهر في الحمية عن الشيء، فعلينا أن نكون محمّديّين وهو يكفينا جميعاً لو أردنا.
لالتزام بالموضوعية في تحديد وزر الخطأ في اللعن والسب، فإنّ السابّ من الشيعة لبعض صحابة النبيّ (ص) اعتقاداً منهم بمخالفتهم لرسول الله (ص) ووصاياه حسب ما وصلهم من التاريخ، لا يُنكر دورَ سائر الصحابة العظيم والخالد في هداية الناس للحق والإسلام، وهذا يعني أنّ حتّى هذا الشقّ المتطرّف يشترك مع إخوانه السنّة في جذر الإيمان بوجوب إطاعة الله ورسوله وحبّ من أخلص الصحبة للرسول، ويفترقون في تشخيص بعض أفراد الصحابة في أنّهم أطاعوا وأخلصوا أم غيّروا وبدّلوا، وهذا لا يؤدي إلى الكفر، فيظل الأمر في حدود الإثم والوزر، والذي لا يختلف عليه عاقلان منصفان أنّ السبّ إثم وغير جائز لمسلم بل حتى لغير المسلم، ويعظم حرمته وإثمه حين تُصبح ممارسته أذىً للآخر وسبباً لفتنته وتمزيقاً لأمة النبيّ (ص) الواحدة، وانتهاكاً لأخلاقه (ص) وفضائله وغاياته، ومخالفةً لوصاياه (ص) بظنّ (هذا) أنّه يسبّ من خالف وصيّة النبيّ (ص) وهو أوّل مجترحٍ بانتهاك وصاياه (ص) بعدم البذاءة والسبّ وبذر الفتن وتمكين أعداء الأمّة منها.
فعليه، يمكن الاتفاق (في ظلّ العقل والتعقّل) على برنامج عمل محدّد تهذيبيّ لمعالجة مثل هذا الموقف من التاريخ ومن السبّ يُهذِّب عوائد المسلمين وأخلاقهم اليوم ويُكبر من احترامهم لموتاهم ولسلفهم الصالح من صحابة نبيّ الله (ص) مهما كانت مذاهبهم ومسالكهم.
ولك أن تقيسي سيّدتي الكريمة على هذا المنوال مدى التسطيح الآخر لمسألة (التقية) التي أُثيرت، ومدى تجاوز حقائق التاريخ عند ما قيل هناك على الملأ أنّ الشيعة أقليّة عاشت طوال تاريخها بين السنّة الأكثرية، لم يصادر عليها فكرها ولا عقيدتها ولا مالها، وأنّ الأكثرية السنّية كانت حاضنةً رحيمةً لهم، وهذا الكلام يرتكب مغالطات ضارّة، فعدا أنّه يجعل المذهبيّة وكأنّها مهيمنة بين المسلمين على مدى التاريخ كلّه، مع أنّها كانت غائرة ولم تُوظّف في أزمنةِ الانحطاط الكئيبة (كعصرنا) إلاّ لمراكب الساسة الذين لم يأبهوا بأمّة محمّد (ص)، فهو يتجاهل من جهةٍ أخرى قرون المعاناة الأولى من إباحة الدم (لدى متطرّفيّ الفريقين)، ومن الإقصاء والسجن والتعذيب التي مارسها الخلفاء -تستّراً بمذهب السنّة البريء- في الدولة الأمويّة ثمّ في الدولة العباسية حينما كان التشيّع غريماً سياسياً، فكان الشيعة حركات معارضة (للدولة) التي وللأسف اعتبرها جهلاً بعضُ السنة- غالباً- ممثّلة سياسيّة عنهم! وهذا خطأ فادح منزّه عنه الدّين والمذهب السنّي، فقد كانت الدولة تمارس السياسة وتركب المذاهب كما هي عادة السياسيين إلى اليوم، وكانت تُحاصر وتُؤذي معارضيها، علماءَ شيعةٍ كانوا أم سنّة، وينبغي دائماً التفريق بين موقف الدولة- الخليفة وموقف المذهب والدين، ولكن هذا لم يحدث في غالب تاريخ المذهب السنيّ المُصادَر فتلوّث التسنّن ظاهراً بأخطاء الخلفاء الذين تستّروا به، وواقع الحق أنه براء من هذا أو هكذا ينبغي أن يكون، وإذا أغفلنا اندماج السياسة بالمذاهب في دول الإسلام فلن نتمكّن من فهم مبدأ التقيّة عند الشيعة، فقد كان هذا المبدأ ضرورة أمنية، يحافظ به الشيعيّ على نفسه من القتل أو السجن أو الإقصاء ضدّ ظلَمة السلاطين لا ضدّ فرقائهم المسلمين من إخوتهم السنّة، الذين ذاق كثيرُهم وكابَد ويلَ الظلم الذي ذاقوه، ولكن فضيلة الشيخ القرضاوي طرح هذا المفهوم طرحاً معمِّياً، مشكّكاً على أساسه في نوايا وضمائر شركائه الشيعة الحاضرين في مشروع التقريب، وهذا ما يُؤسَف له أن يطرح من قبل علامة كبير معقود عليه أمل الإصلاح بصدره الرحب وعقله الجمّ، فمن أين نلتمس الأعذار لمن هم دونه من الفريقيْن؟!
وفي الختام وجهت الجمعية تحيتها للدكتورة المناعي قائلة: هذه ملاحظات عجولة لن يضيق بها صدرك سيّدتنا الفاضلة، نكتبها لا لأنّك لم تدركيها بعد تجربتك وخبرتك، ولكن لأنّك ممّن يستحقّون التواصل بالمناصحة والمباثثة، وينشرحون صدرًا بطيب المكاشفة، نسأل الله كاشف كلّ كربة أن يفرّج عن هذه الأمّة كربات جهلها، ويبصّرها ذخائر كنوزها ومكائد أعدائها، ودمت سالمةً وموفّقةً ومشكورةَ السعي والسلام عليكم ورحمة الله.
جمعية التجديد الثقافية
مملكة البحرين
11 فبراير 2007