ابو سياف
02-09-2007, 07:44 AM
هناك علاقة تاريخية متجذرة في القدم. تربطنا بالفرس جيراننا، مهما حاولنا التنكر لها وتغطيتها بالمقولات الفارغة والتحريضية التي أصبحت لغة التخاطب العربية وياللأسف... لا أحد يستطيع نكران عظمة بلاد الفرس ومساهمتها في حضارة العالم القديم... فقد كان الفرس واليونان ومن ثم الفرس والرومان أسياد العالم القديم بلا منازع يوم كنا نحن في بداوتنا وجاهليتنا... قديماً لم تحدثنا كتب التاريخ عن أية مواجهة أو إساءة حلت بنا من جيراننا هؤلاء بل على العكس من ذلك، فكسرى أنوشروان، الملك الفارسي العادل، ناصَرَ سيف بن ذي يزن، بطلنا القومي اليمني الذي دحر الأحباش عندما تجرأوا وغزوا جزيرة العرب، ولولا معونة فارس لما استطاع سيف إحراز النصر على الأحباش وطردهم من بلاده... وهذه الواقعة ليست قديمة، فسيف توفي عام 574 اي بعد مولد الرسول «صلعم» بأربع سنوات. وقد كان ملوك الفرس يجالسون الوفود العربية ويحترمون أسيادها ويحاورونهم محاورة الأنداد. ومحاورة اكثم بن صيفي الذي توفي سنة 630م مع كسرى انوشروان معروفة في أدبياتنا، فقد كان أكثم سديد الرأي قوي الحجة وأعجب كسرى بشخصيته، وكرمه والوفد المرافق له وقال «لو لم يكن للعرب غيره لكفى»، وهذه الواقعة تدل عما كان الفرس يكنونه من إعجاب للعرب ممن يستحقون الإعجاب... ثم جاء الإسلام وقهرْنا، نحن العرب، الفرس وأزلنا دولتهم، وبعنا بنات ملكهم يزدجرد، حفيد كسرى الثاني في اسواق النخاسة، وقد كن ثلاثاً، وعندما عرضن للبيع تدخل علي بن أبي طالب وقال «إن بنات الملوك لا يُبعن بل يُخيّرن فيمن يردن من الرجال، فاختارت احداهن الحسين بن علي بن ابي طالب وولدت له الإمام علي بن الحسين «زين العابدين». اما الاثنتان الباقيتان فكانت احداهن من نصيب عبد الله بن عمر بن الخطاب، فأولدها سالم، والأخرى تزوجها محمد بن ابي بكر فأولدها القاسم بن محمد... وانقضى عهد الخلفاء الراشدين، وجاء حكم بني أمية الذي انتهجوا فيه سياسة التمييز العنصري، فأبعدوا الفرس عن الجيش ومناصب الدولة وعاملوهم كمواطنين من الدرجة الثانية، بل الثالثة، وألحقوهم بالقبائل كأنه لا اصل لهم. وقد صبر الفرس والألم يعتصر قلوبهم، وهم الذين أسلموا إيمانا منهم بعدالة الاسلام وأدبياته... الناس كلهم سواسية كأسنان المشط، لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى الخ... .. لم يثر الفرس على العرب ولم يحاربوهم كالزنج والروم البيزنطيين، بل انصرفوا الى العلم والأدب وكل فنون المعرفة فبرعوا فيها. فكان منهم سالم الكاتب مولى هشام بن عبد الملك ثم خلفه عبد الحميد... وعندما قامت الثورة العباسية بدعوتها الى «الرضا من اهل بيت النبي» آزرها الفرس وجعلوا خراسان منطلقاً للدعوة، ولولا مؤازرة أبي مسلم الخراساني لما استطاع الثائرون تحقيق النصر، وبعد ان ثبتت الدولة الجديدة أقدامها وأصبح أبو مسلم لا حاجة اليه قتله ابو جعفر المنصور وأوعز الى واليه على البصرة بقتل الأديب الفذ عبد الله بن المقفع الذي اغنى الثقافة العربية بكتابه المميز «كليلة ودمنة» وبالأدبين الكبير والصغير، وقد اماته ميتة تأنف النفس من سردها. ورغم ذلك فقد تابع الفرس مسيرتهم في إغناء الثقافة العربية، فكان منهم أعلام تضيق الصفحات عن تعداد أسمائهم وتسجيل إنجازاتهم. فكان منهم النحاة والمؤرخون والفلاسفة والأطباء، ومعظم الاسماء اللامعة في تراثنا العربي من الفرس كسيبويه وابن سينا والبيروني والخوارزميون الثلاثة والرازي وابن الأثير والطبري وغيرهم كثر. ورغم انصراف الفرس الى العلم فانهم لم يسلموا من كيد الخلفاء، فكانت من جديد نكبة البرامكة دون وجه حق وقتل بشار بن برد تحت وقع السياط، كل ذلك بتهمة الزندقة والمجوسية، ونسي الخلفاء ان كل انسان حر في ان يعتنق ما يشاء من الأديان وأنه «لا إكراه في الدين». .. أما هذه المجوسية التي اعتبرها خلفاؤنا الأمويون والعباسيون «جريمة يعاقب عليها» قديماً، واستخدمها صدام حسين حديثاً، كاحدى الذرائع لينقضّ على الثورة الإيرانية الفتية، فتعالوا نرَ ما كتب المؤرخون عنها. «يقول وهيب ابي فاضل في كتابه القيّم «حضارات الشرق القديم» ص303 تحت عنوان «الزرادشتية ديانة الفرس المجوس». «كانت ديانة الفرس رحبة الصدر، قبلت ديانات الشعوب الأخرى واحترمتها ولم تفرض نفسها محل ديانة الآخرين، ودعت الى الصدق والأمانة والرحمة بالضعفاء، وأعطت الإنسان الأمل بالحياة الثانية وبالقيامة، وشددت على اعمال الخير، فأوصت بقول الحقيقة، وبالخير ينال الانسان الخلاص، ويساهم في خلاص الجماعة، وفي انتصار الخير على الشر، والإنسان عليه ان يصلي ويخدم الحق حتى ينتصر إله الخير». وفي العصور الحديثة لم يسئ الينا الفرس ولا هم حكموا بلادنا، الأتراك حكمونا وكان حكمهم ظالماً، باعتراف الجميع، وانتزعوا منا لواء الاسكندرونة وأقاموا علاقات حميمة مع اسرائيل، عدوتنا، الى حد التحالف ولا زالوا. ورغم ذلك فلا احد من العرب يذكر تركيا بسوء، ولا احد يخاف من نفوذها. وحده الخطر الإيراني يقضّ مضاجع الجميع والقنبلة الإيرانية إن وجدت فخطرها اكبر وأعتى من القنبلة الإسرائيلية. أن تمتلك اسرائيل السلاح النووي ومنذ عام 1948 فلا خطر في ذلك، وأما امتلاكه من قبل إيران فمسألة خطيرة وعويصة تعقد من أجلها المؤتمرات وتقام التحالفات، ومسألة فيها تأمل ونظر وتدقيق وحسابات ونسي الحريصون على العزة والكرامة العربيتين ان ايران لم تجلب الأميركان وكل جيوش الارض الى الخليج، وأن العراق احتل انطلاقاً من السعودية والكويت وقطر والبحرين، وأن إيران لم تحوّل الخليج منفذها البحري الوحيد ومنفذنا نحن ايضا الأغبياء الى بحيرة اميركية يعيث فيها الاسطول الاميركي وجنوده تهديداً وتلويثاً وفساداً، وبعد كل ذلك فلا يجوز لإيران ان تدافع عن نفسها وتمتلك السلاح النووي، وأصبح خطر محبي علي بن ابي طالب أمرّ وأدهى من خطر بني خيبر وصهيون، وكأن إيران هي التي انتزعت ارضنا وشردت شعب فلسطين وأذلته وتذله كل يوم... قد يقول قائل ولكن إيران تحتل 3 جزر عربية، طمب الكبرى وطمب الصغرى وأبو موسى، على مثل هؤلاء أرد فأقول: إن إيران احتلت هذه الجزر أيام الشاه، يومئذ لم يفتح احد من العرب فمه، بل على العكس من ذلك، قام وزير خارجية مصر بزيارة عاجلة الى طهران واجتمع بوزير خارجيتها امير عباس هويدا «البهائي» فاستبشرنا خيراً ومن ثم أصدرا بياناً مشتركاً يشيد بالعلاقات التاريخية المميزة التي تربط القاهرة بطهران... في ذلك الوقت بكيت أنا العربية العاملية قهراً وكتبت مقالاً في مجلة «البلاغ» تحت عنوان: «العرب الى أين» ولم يطالب احد بالجزر حتى قامت الثورة الإيرانية؟! وأقول بصراحة إنني لم اعد اليوم آسفة على احتلال إيران لهذه الجزر، فلو كانت لا زالت في أيدينا لأهديناها لقمة سائغة الى الأميركان يقيمون عليها القواعد العسكرية ويدمرون منها ما تبقى من بلادنا فأيهما أحسن؟! والمال السايب يعلم الناس الحرام. في كل الاحوال هناك غلطتان كبيرتان ارتكبتهما إيران ولن يغفر لها ذلك الأشاوسة العرب... الغلطة الأولى تاريخية، فقد جعل الملوك الصفويون المذهب الشيعي الجعفري دين الدولة الرسمي، وهذا ما أنسى فضائية «الزوراء» العراقية كل جرائم الاحتلال الاميركي ومخازيه، وجعلها لا برامج لها إلا مهاجمة «الصفويين»، وجعل في لبنان النصر الحلم الذي طالما انتظره العرب الشرفاء ضد العدو الإسرائيلي موضوع مساومة في زواريب السياسة اللبنانية، ذلك ان حكومة «الملالي» تدعم حزب الله. أما الذين يدعمهم مجرم الحرب بوش فلا جناح عليهم ولا هم يُساءلون؟ أما الغلطة الثانية فهي أمرّ وأدهى، فقد حوّلت إيران سفارة إسرائيل الى سفارة لفلسطين واستقبلت ياسر عرفات رحمه الله استقبال الأبطال وآلت على نفسها أن تحرر القدس ومسجدها الأقصى، فقام صدام حسين بإيعاز من الدوائر المعروفة بشن الحرب على إيران الثورة لمنعها من التطاول على الكرامة العربية والتدخل فيما لا يعنيها والنهاية يعرفها الجميع؟! وهكذا أصبح الهلال الشيعي أشد خطراً من أرض الميعاد الصهيونية، اما نحن الشيعة العرب المطعون في وطنيتنا، وبأن ولاءنا ليس لأوطاننا فلن نرد على الخائفين من الهلال الشيعي، ولا على المشككين في ولائنا لأوطاننا، فهم اصغر من أن يُرد عليهم، فشعوبهم كفيلة بتدبر امرها معهم، وإن غداً لناظره قريب...