علي عقيل الحمروني
02-05-2007, 09:52 PM
ما هو السبب الحقيقي الكامن وراء عدم تسليم (( الفرقة المجانبة للحق )) لأدلة ، وبراهين (( الفرقة صاحبة الحق)) واستمرار تركها للعمل بمقتضى تلك الأدلة ؟
ونحن هنا لسنا بصدد الانتصار لهذه الفرقة ، أو تلك، إنما نحن بصدد البيان ، والتوضيح لهذه الإشكالية المركبة التي تحتاج منا إلى مجهود أكبر من المجهود الذي نبذله، ونصر بعد ذلك على اعتباره كافياً ومجزياً ، ومبرئاً للذمة...وسيكون مدخلنا في ذلك هو طرح الاحتمالات التي ربما تساعدنا في تفهم صعوبة هذه المسألة ، وإدراك مدى خطورتها كما سيتبين .
بداية نقول :
إنه مادام السؤال متعلق بالبراهين ، والأدلة، والتسليم بها من عدمه، فإنه من السهل علينا أن نفترض بأنه قد يكون للأسباب علاقة بالأدلة ، والبراهين ، وقد لا يكون، وبالتالي يمكننا أن ننطلق من هذا الموطن بالذات لبسط هذه المسألة ، فنقرر بأن عدم تسليم الفرقة ((المجانبة للحق)) بالبراهين ، والأدلة إما:
(*) أن يكون عدم تسليمهم "مع غياب" الدلائل القاطعات ، والبراهين الواضحات الملزمات.
(**) وإما أن يكون عدم تسليمهم "مع وجود" الدلائل القاطعات ، والبراهين الواضحات الملزمات...، وليس وراء ذلك حبة خردل.
ولنفترض أن القسم الثاني هو الصواب...ومادام أن الأمر كذلك، فلا بد لنا أن نفترض أسباباً معينة لعدم تسليم المخالفين مع وجود الدلائل ، والقواطع، وهذه الأسباب يمكن حصرها في خمس وهي:
(1) إما أنهم لم يتسنَّ لهم سماع أدلة أهل الحق ، ولا الاطلاع عليها وهي بالتالي كالمعدوم حكماً في حقهم.
(2) وإما أنهم تسنى لهم سماعها ، ولكنهم أعرضوا عنها ،ولم يتموا معناها، وبالتالي فليس لهم أن يفهموها ، ولا أن يحيطوا بها.
(3) وإما أنهم اطلعوا عليها ، وأتموا معناها ، ولكنهم مروا عليها سريعاً ولم يتأملوا فيها ، وبالتالي لم يفقهوها ولم يعوها.
(4) وإما أنهم تأملوا، ونظروا فيها، ولكنهم لم يفهموا حجتها ، ولامرادها ، ولامكمن الحق فيها لضعف تحصيلهم ، وقلة علمهم ، و قصورهم عن إدراك الخطاب.
(5) وإما أنهم تأملوا ، ونظروا ، وفهموا ، واقتنعوا ، ولكنهم أنكروا، وجحدوا ، وتمالأوا ، وتواطأوا.
وقبل مناقشة هذه الفروض فإنه يتعين هنا علينا ، أن نسوق جملة من المسلمات التي لابد لنا من التذكير بها ، ولأهميتها في هذا المقام، وهي كالتالي :
المسلمة الأولى :
إنه تمشياً مع ما هو معلوم من رأي علماء الفرقتين بعضهما مع بعض فإنه ليس منهم من هو أقل من مستوى الخطاب ، إذ لا يعقل أن يقال عن البخاري ، ومسلم ، وهما من ( السلف) أنهما أقل من مستوى الخطاب، وهل يقال ذلك ، وهما صاحبا أكبر مصنفات الحديث، وأكثرها شهرة ، واحتراماً عند أهل السنة ؟؟
أم هل يقال ذلك عن النووي ، وابن حجر، وهما أكبر شراح الصحيحين وأجلهم شأناً وهما (أشعريان) ..كما لا يقال ذلك عن ابن تيمية ، وابن القيم ، أوالآمدي ، وأبو بكر الباقلاني..
إذن فكلا الطرفين ليسا أقل من مستوى الخطاب.
المسلمة الثانية :
إنه تمشياً مع الواقع الملموس فإنه لا يمكننا القول بأن أحد الطرفين لم يسمع عن حجة الآخر، وكتابات الطرفين ، ومصنفاتهم تشهد بذلك.
المسلمة الثالثة :
إنه تمشياً مع الواقع الملموس أيضاً، فإنه لا يمكننا القول بأن أحد الطرفين قد أعرض عن حجة الآخر، ولم يستمع إليها ، وكتابات الطرفين تضج بأقاويل بعضهما البعض في هذا الخصوص.
المسلمة الرابعة :
إن تمشياً مع الواقع الملموس كذلك، فإنه لايمكننا القول بأن أحد الطرفين قد مر بعجالة ، على أدلة الآخر، وحججه ولم يقم بتأملها ، أو النظر فيها...لأن كتب الطرفين ، ومصنفاتهم مليئة بالردود ، والمساجلات ، وطرح الأدلة ، وتفنيد البراهين.
المسلمة الخامسة :
تمشياً مع شهادة بعضهم لبعض بظاهر التقوى ، والعدالة ، والورع فإنه يستحيل أن يكون من هذا حاله منكراً ، وجاحداً لحق الله تعالى واصفاً إياه بما لا يجوز في حقه تعالى ، غير مبال أين سيضع أقدامه أفي حق واضح ، أم في باطل مدلهم، غير متورع في جر هذه الجماهير الغفيرة وراءه إلى هاوية الشرك ، والكفران.
وبعد أن تم لنا سوق هذه المسلمات فلم يبق لنا إلا أن نوازن بينها وبين ما أوردناه سالفاً من فروض واحتمالات...وقد ترشح لنا من هذه الموازنة ثلاث أمور قاطعة وهي :
"أ" إما أن نقرر صحة هذه المسلمات جميعاً ...وبالتالي لامناص لنا من القول بِ ( أن أدلة أصحاب الحق ضعيفة ، وغير واضحة، وغير ملزمة بمقتضاها ).
"ب" وإما أن نشكك في المسلمات بعضها ، أو جميعها، وهذا يترتب عليه التشكيك في الواقع الملموس المعاين ، وشهادة أهل العلم من الطرفين .
"ج" أو أن نرد الأمر إلى الغيب، وحسب، فنقول: " إن الله يهدي من يشاء " وهذه حجة مشتركة الإلزام لأنها صالحة لأن يحتج بها كل طرف، لأنه يرى في نفسه أنه على الهداية ، والمحجة البيضاء.
إذن فالقضية مشكل بالفعل ولن يفيدنا شيئاً هذا التبسيط المخل الذي نتحصن به منها !!
ولنا أن نسأل هنا سؤالاً خطيراً ، وكبيراً ينبغي لنا تدبر الإجابة عليه وهو :
كيف توصل الواحد منا إلى (الحق المبين ) الذي نزعم أنه ضل فيه كثير من العلماء النحارير ممن لا يعوزهم علماً ، ولا ورعاً ، ولا استقامة ، ولا زهداً ولا حرصاً على أمور الديانة ؟؟
هل نحن نساويهم في ذلك أو نضاهيهم أو نقاربهم أو ندانيهم ؟؟
فبأي شيء توصلنا ؟؟
أبالعلم وزادنا منه القليل...أم بالورع وحالنا حال العليل ؟؟؟
فإن كنا قد فهمنا اللغة فهم أهلها ، ومستقرها ، ومستودعها ...وإن كنا قد وعينا الأصول فهم من نظَّره ، وحرره ، وسطره..وإن كنا قد احتوينا الفقه، والتفسير..... فعلى علمهم يدور، وهم فيه السادة العظام ، والأئمة الأعلام وهم في علمها كركبتي بعير ينزلان معاً ، ويقومان معا ... أم لعله بالعبادة والاتباع ، أم بالزهد ، والتقشف ، والهروب من زخارف الدنيا ، وحالنا شاهد علينا ؟؟
والحق...إن الاتهام بالجهل ، أو الإعراض ، أو الإنكار، والجحود...الخ من النعوت التي قد تصدق على واحد ، أو اثنين، أو ثلاث...أو عشرة...أو مائة...ولكنها لايمكن أن تصدق على ألوف مؤلفة من العلماء في كل العصور، مع اختلاف أعمارهم ، وأمصارهم ، وأنسابهم ، وأعصارهم وعلومهم ، ومذاهبهم ، وألو انهم...الخ حتى كانوا في كل عصر ومصر...فكيف تسنى لهم أن يتفقوا على اتباع الهوى، وركوب متن الضلالات ، والإضراب عن الحجة ، وغش الأمة، والخوض بها في لجة الغواية، مع وضوح البرهان القاطع ، الأحد من السنان، زيادة على ما عرف منهم من ظاهر الورع والزهد والحرص على أمور الديانة ؟؟
باطنوا مودتي ، وتحياتي
ونحن هنا لسنا بصدد الانتصار لهذه الفرقة ، أو تلك، إنما نحن بصدد البيان ، والتوضيح لهذه الإشكالية المركبة التي تحتاج منا إلى مجهود أكبر من المجهود الذي نبذله، ونصر بعد ذلك على اعتباره كافياً ومجزياً ، ومبرئاً للذمة...وسيكون مدخلنا في ذلك هو طرح الاحتمالات التي ربما تساعدنا في تفهم صعوبة هذه المسألة ، وإدراك مدى خطورتها كما سيتبين .
بداية نقول :
إنه مادام السؤال متعلق بالبراهين ، والأدلة، والتسليم بها من عدمه، فإنه من السهل علينا أن نفترض بأنه قد يكون للأسباب علاقة بالأدلة ، والبراهين ، وقد لا يكون، وبالتالي يمكننا أن ننطلق من هذا الموطن بالذات لبسط هذه المسألة ، فنقرر بأن عدم تسليم الفرقة ((المجانبة للحق)) بالبراهين ، والأدلة إما:
(*) أن يكون عدم تسليمهم "مع غياب" الدلائل القاطعات ، والبراهين الواضحات الملزمات.
(**) وإما أن يكون عدم تسليمهم "مع وجود" الدلائل القاطعات ، والبراهين الواضحات الملزمات...، وليس وراء ذلك حبة خردل.
ولنفترض أن القسم الثاني هو الصواب...ومادام أن الأمر كذلك، فلا بد لنا أن نفترض أسباباً معينة لعدم تسليم المخالفين مع وجود الدلائل ، والقواطع، وهذه الأسباب يمكن حصرها في خمس وهي:
(1) إما أنهم لم يتسنَّ لهم سماع أدلة أهل الحق ، ولا الاطلاع عليها وهي بالتالي كالمعدوم حكماً في حقهم.
(2) وإما أنهم تسنى لهم سماعها ، ولكنهم أعرضوا عنها ،ولم يتموا معناها، وبالتالي فليس لهم أن يفهموها ، ولا أن يحيطوا بها.
(3) وإما أنهم اطلعوا عليها ، وأتموا معناها ، ولكنهم مروا عليها سريعاً ولم يتأملوا فيها ، وبالتالي لم يفقهوها ولم يعوها.
(4) وإما أنهم تأملوا، ونظروا فيها، ولكنهم لم يفهموا حجتها ، ولامرادها ، ولامكمن الحق فيها لضعف تحصيلهم ، وقلة علمهم ، و قصورهم عن إدراك الخطاب.
(5) وإما أنهم تأملوا ، ونظروا ، وفهموا ، واقتنعوا ، ولكنهم أنكروا، وجحدوا ، وتمالأوا ، وتواطأوا.
وقبل مناقشة هذه الفروض فإنه يتعين هنا علينا ، أن نسوق جملة من المسلمات التي لابد لنا من التذكير بها ، ولأهميتها في هذا المقام، وهي كالتالي :
المسلمة الأولى :
إنه تمشياً مع ما هو معلوم من رأي علماء الفرقتين بعضهما مع بعض فإنه ليس منهم من هو أقل من مستوى الخطاب ، إذ لا يعقل أن يقال عن البخاري ، ومسلم ، وهما من ( السلف) أنهما أقل من مستوى الخطاب، وهل يقال ذلك ، وهما صاحبا أكبر مصنفات الحديث، وأكثرها شهرة ، واحتراماً عند أهل السنة ؟؟
أم هل يقال ذلك عن النووي ، وابن حجر، وهما أكبر شراح الصحيحين وأجلهم شأناً وهما (أشعريان) ..كما لا يقال ذلك عن ابن تيمية ، وابن القيم ، أوالآمدي ، وأبو بكر الباقلاني..
إذن فكلا الطرفين ليسا أقل من مستوى الخطاب.
المسلمة الثانية :
إنه تمشياً مع الواقع الملموس فإنه لا يمكننا القول بأن أحد الطرفين لم يسمع عن حجة الآخر، وكتابات الطرفين ، ومصنفاتهم تشهد بذلك.
المسلمة الثالثة :
إنه تمشياً مع الواقع الملموس أيضاً، فإنه لا يمكننا القول بأن أحد الطرفين قد أعرض عن حجة الآخر، ولم يستمع إليها ، وكتابات الطرفين تضج بأقاويل بعضهما البعض في هذا الخصوص.
المسلمة الرابعة :
إن تمشياً مع الواقع الملموس كذلك، فإنه لايمكننا القول بأن أحد الطرفين قد مر بعجالة ، على أدلة الآخر، وحججه ولم يقم بتأملها ، أو النظر فيها...لأن كتب الطرفين ، ومصنفاتهم مليئة بالردود ، والمساجلات ، وطرح الأدلة ، وتفنيد البراهين.
المسلمة الخامسة :
تمشياً مع شهادة بعضهم لبعض بظاهر التقوى ، والعدالة ، والورع فإنه يستحيل أن يكون من هذا حاله منكراً ، وجاحداً لحق الله تعالى واصفاً إياه بما لا يجوز في حقه تعالى ، غير مبال أين سيضع أقدامه أفي حق واضح ، أم في باطل مدلهم، غير متورع في جر هذه الجماهير الغفيرة وراءه إلى هاوية الشرك ، والكفران.
وبعد أن تم لنا سوق هذه المسلمات فلم يبق لنا إلا أن نوازن بينها وبين ما أوردناه سالفاً من فروض واحتمالات...وقد ترشح لنا من هذه الموازنة ثلاث أمور قاطعة وهي :
"أ" إما أن نقرر صحة هذه المسلمات جميعاً ...وبالتالي لامناص لنا من القول بِ ( أن أدلة أصحاب الحق ضعيفة ، وغير واضحة، وغير ملزمة بمقتضاها ).
"ب" وإما أن نشكك في المسلمات بعضها ، أو جميعها، وهذا يترتب عليه التشكيك في الواقع الملموس المعاين ، وشهادة أهل العلم من الطرفين .
"ج" أو أن نرد الأمر إلى الغيب، وحسب، فنقول: " إن الله يهدي من يشاء " وهذه حجة مشتركة الإلزام لأنها صالحة لأن يحتج بها كل طرف، لأنه يرى في نفسه أنه على الهداية ، والمحجة البيضاء.
إذن فالقضية مشكل بالفعل ولن يفيدنا شيئاً هذا التبسيط المخل الذي نتحصن به منها !!
ولنا أن نسأل هنا سؤالاً خطيراً ، وكبيراً ينبغي لنا تدبر الإجابة عليه وهو :
كيف توصل الواحد منا إلى (الحق المبين ) الذي نزعم أنه ضل فيه كثير من العلماء النحارير ممن لا يعوزهم علماً ، ولا ورعاً ، ولا استقامة ، ولا زهداً ولا حرصاً على أمور الديانة ؟؟
هل نحن نساويهم في ذلك أو نضاهيهم أو نقاربهم أو ندانيهم ؟؟
فبأي شيء توصلنا ؟؟
أبالعلم وزادنا منه القليل...أم بالورع وحالنا حال العليل ؟؟؟
فإن كنا قد فهمنا اللغة فهم أهلها ، ومستقرها ، ومستودعها ...وإن كنا قد وعينا الأصول فهم من نظَّره ، وحرره ، وسطره..وإن كنا قد احتوينا الفقه، والتفسير..... فعلى علمهم يدور، وهم فيه السادة العظام ، والأئمة الأعلام وهم في علمها كركبتي بعير ينزلان معاً ، ويقومان معا ... أم لعله بالعبادة والاتباع ، أم بالزهد ، والتقشف ، والهروب من زخارف الدنيا ، وحالنا شاهد علينا ؟؟
والحق...إن الاتهام بالجهل ، أو الإعراض ، أو الإنكار، والجحود...الخ من النعوت التي قد تصدق على واحد ، أو اثنين، أو ثلاث...أو عشرة...أو مائة...ولكنها لايمكن أن تصدق على ألوف مؤلفة من العلماء في كل العصور، مع اختلاف أعمارهم ، وأمصارهم ، وأنسابهم ، وأعصارهم وعلومهم ، ومذاهبهم ، وألو انهم...الخ حتى كانوا في كل عصر ومصر...فكيف تسنى لهم أن يتفقوا على اتباع الهوى، وركوب متن الضلالات ، والإضراب عن الحجة ، وغش الأمة، والخوض بها في لجة الغواية، مع وضوح البرهان القاطع ، الأحد من السنان، زيادة على ما عرف منهم من ظاهر الورع والزهد والحرص على أمور الديانة ؟؟
باطنوا مودتي ، وتحياتي