فـاروق
02-05-2007, 08:31 AM
http://www.almustaqbal.com/images/blank/blank.gif
غزة ـ ميسرة شعبان
يبدأ بها الكبار ويقع فيها الصغار.. فتداعيات الصراع الداخلي التي تخيم على محافظات مدينة غزة من عنف واقتتال لا تقع على الكبار فقط بل تنعكس على العاب الصغار، إذ بعد أن كانت اللعبة الشهيرة لدى الأطفال الفلسطينيين "عرب ويهود" الذين يلهون في إجازاتهم المدرسية بها ويتخذونها الوسيلة الوحيدة للتفريغ عمابداخلهم من حقد وغلٍ تجاه العدو الاسرائيلي، يفاجأ العديد من الآباء باستبدال أولادهم تلك اللعبة وتسميتها باسم "فتح" و"القوة التنفيذية".
يصرخ الطفل محمود معتز (10 أعوام) على 3 من اقرانه في حي الرمال الجنوبي، جنوب غرب مدينة غزة، ويطلب منهم الانقسام إلى فريقين، ليشكل هو وأحد منهم فريقاً والاثنان الآخران يمثلان فريقا آخر، ويقول لهم: "خليل وهشام يروحوا يعملوا من القوة التنفيذية، وأنا ورامي من فتح".
يقتنع الأطفال الثلاثة بلعبة محمود ويحمل كل منهم سلاحاً بلاستيكياً ويستعدون لبدء المعركة ويتخذ كل فريق موقعه، ويقول محمود: "يالله يا تنفيذية ورونا حالكم (أرونا حالكم) كيف راح اطخوا (تطلقوا النار) علينا". وبكل رشاقة وبراءة، ينطلق هشام (8 سنوات) من "التنفيذية" ويعدو كالفراشة ويقول وهو يصوب سلاحه على محمود: "ارمي سلاحك لقد حاصرناكم من جميع الجهات، ويضربه ضربا حقيقياً حتى يأتي رفيق محمود الآخر الممثل بحركة "فتح" ويقول لهشام: "أنت سلم سلاحك أو بموتك (اقتلك)".
ويتبادل الفريقان ضرب بعضهما البعض حتى يبكون، ثم يوقفون اللعبة ويتوجهون الى منازلهم متوعدين: "غدا سوف نكمل اللعبة".
هكذا بات لعب الطفل الفلسطيني في غزة، الذي يعيش في الفقر ويفتقر إلى الألعاب التي يحصل عليها الاطفال الاخرون، حيث يرى أطفال فلسطين أهلهم يعانون الأمرين من الصعوبة والاذلال المفروض من اسرائيل، والاقتتال والفلتان من الداخل الذي يشاهدونه أمامهم ليل نهار وتسيطر على عقولهم، ما يدفع الطفل نحو اليأس والكراهية والتي انعكست على ألعابهم ليفرغوا ما يعانون من مشكلات كثيرة مثل الانطواء والخوف والعنف والعصبية.
ويقول أبو رامي، "لا يمكن إخفاء بشاعة القتل والعنف من أمام ناظري أطفالنا، نحاول كآباء وامهات لتربية أطفالنا في بيئة طبيعية بعيدا عن الانتماء الحزبي والسياسي، لكن هذا ضرب من المستحيل، قدرة الواقع الحقيقي على الأرض ومشاهدة الصغار الأحداث المؤسفة في القطاع قبل الكبار أقوى وأشد وهي التي تؤثر على كل مناح الحياة"، لافتا إلى ان "الطفل الفلسطيني محروم من ابسط حقوقه الطفولية في اللعب والتعبير عن مواهبه المكبوتة، وهو يقول: أبناؤنا لا يرون إلى الاقتتال". يضيف ابو رامي "لقد تنفسنا الصعداء عند رحيل الاحتلال الاسرائيلي عن القطاع واستبشرنا خيراً في جيلٍ يستنبط مواهبه بنفسه، وطفولة تأخذ كامل حقوقها البريئة، لنجد الصراع الداخلي يفرق بين براءة أطفالنا ويحولها الى تعصب وانتماء حزبي حتى في ألعابهم".
وتعقب أم محمود بأسى، قائلة "آخر ما كنا نتوقعه أن يحول الاقتتال الداخلي ألعاب أطفالنا.. بدل من أن كانوا يلعبون عرب ويهود، باتوا يلعبون حماس وفتح"، مشيرة إلى أنها تحاول إشغال طفلها بشيء ما في المنزل بعيدا عن العنف وخوفا من الرصاص المتطاير في الشوارع، لكنها تبوء بالفشل كون المنزل ضيقاً وصغيراً وابنها يختنق من الجلوس في البيت فترة الإجازة.
وتعرب أم محمود عن خشيتها أن يتحول اللعب الى حقيقة بحيث يعادي كل طفل رفيق حارته، وتقول "اصبحت أخشى لعب أولادي في الشارع، كل يوم يأتي ابني ملابسه متسخة ووجهه محمر والتعب يُغلف قلبه، يدخل المنزل وهو يتمتم ويقول والله حتشوفوا يا أولاد التنفيذية.. سنفوز عليكم"، مضيفة ان "غالبية اطفال الحارة يدخلون في تلك اللعبة التي تحاول دب الكراهية والعنف بين الأطفال".
وتقول الاخصائية النفسية الباحثة جولتان حجازي في دراسة لها إن "تكرار الأحداث العنيفة التي يشاهدها الأطفال على ارض الواقع في قطاع غزة وعلى شاشات التلفزيون أكسبتهم خبرات صادمة جديدة وأعادت الى أذهانهم ذكريات رشق الحجارة على الاحتلال الإسرائيلي أثناء تواجده في القطاع، كل هذا أثر على تشكيل شخصية الطفل الذي خرج بخبرة مفادها ضرورة اعتماد على قدراته الشخصية لحماية نفسه في ظل عجز الآباء عن توفير الأمن والاستقرار لهم. ان مرحلة الطفولة هامة جدا من حيث تشكيل حياة الإنسان المستقبلية ويكتسب الطفل خلالها العادات والتقاليد والميول والاستعدادات المستقبلية".
وحذر "برنامج غزة للصحة النفسية" و"مركز الميزان لحقوق الإنسان"، من خطورة الاقتتال الداخلي والواقع الدموي الذي يشاهده الأطفال في الشارع.
واصدرا بيانات تشير إلى ان "هذا الواقع المرير يصيب نفسية وسلوك الطفل. ان التأثيرات النفسية للاقتتال على الأطفال، الذين عانوا وما زالوا من آثار نفسية بالغة السوء لعمليات عدوانية إسرائيلية سابقة، تزيد من فرص ظهور اضطرابات معرفية وانفعالية وسلوكية، مثل ازدياد حالات الخوف وارتفاع مستويات القلق والتوتر والتحفز الدائم وضعف التركيز، ومشكلة التبول اللاإرادي وتنامي مظاهر العدوانية والعنف".
وقد يكون من النادر أن تجد طفلا في مكان آخر في العالم وفي التاسعة من العمر يؤمن بمبادئ سياسية قوية، لكن في فلسطين، حين يبلغ الطفل التاسعة من العمر تبدأ ميوله السياسية نحو "فتح" أو "حماس"، حيث اطفال فلسطين ككل اطفال العالم يحلمون بأن يصبحوا رجالا، ولهذه الغاية يحاولون إثبات رجولتهم من خلال التماهي بما يقوم به الكبار من حولهم، والكبار هنا يقتتلون
غزة ـ ميسرة شعبان
يبدأ بها الكبار ويقع فيها الصغار.. فتداعيات الصراع الداخلي التي تخيم على محافظات مدينة غزة من عنف واقتتال لا تقع على الكبار فقط بل تنعكس على العاب الصغار، إذ بعد أن كانت اللعبة الشهيرة لدى الأطفال الفلسطينيين "عرب ويهود" الذين يلهون في إجازاتهم المدرسية بها ويتخذونها الوسيلة الوحيدة للتفريغ عمابداخلهم من حقد وغلٍ تجاه العدو الاسرائيلي، يفاجأ العديد من الآباء باستبدال أولادهم تلك اللعبة وتسميتها باسم "فتح" و"القوة التنفيذية".
يصرخ الطفل محمود معتز (10 أعوام) على 3 من اقرانه في حي الرمال الجنوبي، جنوب غرب مدينة غزة، ويطلب منهم الانقسام إلى فريقين، ليشكل هو وأحد منهم فريقاً والاثنان الآخران يمثلان فريقا آخر، ويقول لهم: "خليل وهشام يروحوا يعملوا من القوة التنفيذية، وأنا ورامي من فتح".
يقتنع الأطفال الثلاثة بلعبة محمود ويحمل كل منهم سلاحاً بلاستيكياً ويستعدون لبدء المعركة ويتخذ كل فريق موقعه، ويقول محمود: "يالله يا تنفيذية ورونا حالكم (أرونا حالكم) كيف راح اطخوا (تطلقوا النار) علينا". وبكل رشاقة وبراءة، ينطلق هشام (8 سنوات) من "التنفيذية" ويعدو كالفراشة ويقول وهو يصوب سلاحه على محمود: "ارمي سلاحك لقد حاصرناكم من جميع الجهات، ويضربه ضربا حقيقياً حتى يأتي رفيق محمود الآخر الممثل بحركة "فتح" ويقول لهشام: "أنت سلم سلاحك أو بموتك (اقتلك)".
ويتبادل الفريقان ضرب بعضهما البعض حتى يبكون، ثم يوقفون اللعبة ويتوجهون الى منازلهم متوعدين: "غدا سوف نكمل اللعبة".
هكذا بات لعب الطفل الفلسطيني في غزة، الذي يعيش في الفقر ويفتقر إلى الألعاب التي يحصل عليها الاطفال الاخرون، حيث يرى أطفال فلسطين أهلهم يعانون الأمرين من الصعوبة والاذلال المفروض من اسرائيل، والاقتتال والفلتان من الداخل الذي يشاهدونه أمامهم ليل نهار وتسيطر على عقولهم، ما يدفع الطفل نحو اليأس والكراهية والتي انعكست على ألعابهم ليفرغوا ما يعانون من مشكلات كثيرة مثل الانطواء والخوف والعنف والعصبية.
ويقول أبو رامي، "لا يمكن إخفاء بشاعة القتل والعنف من أمام ناظري أطفالنا، نحاول كآباء وامهات لتربية أطفالنا في بيئة طبيعية بعيدا عن الانتماء الحزبي والسياسي، لكن هذا ضرب من المستحيل، قدرة الواقع الحقيقي على الأرض ومشاهدة الصغار الأحداث المؤسفة في القطاع قبل الكبار أقوى وأشد وهي التي تؤثر على كل مناح الحياة"، لافتا إلى ان "الطفل الفلسطيني محروم من ابسط حقوقه الطفولية في اللعب والتعبير عن مواهبه المكبوتة، وهو يقول: أبناؤنا لا يرون إلى الاقتتال". يضيف ابو رامي "لقد تنفسنا الصعداء عند رحيل الاحتلال الاسرائيلي عن القطاع واستبشرنا خيراً في جيلٍ يستنبط مواهبه بنفسه، وطفولة تأخذ كامل حقوقها البريئة، لنجد الصراع الداخلي يفرق بين براءة أطفالنا ويحولها الى تعصب وانتماء حزبي حتى في ألعابهم".
وتعقب أم محمود بأسى، قائلة "آخر ما كنا نتوقعه أن يحول الاقتتال الداخلي ألعاب أطفالنا.. بدل من أن كانوا يلعبون عرب ويهود، باتوا يلعبون حماس وفتح"، مشيرة إلى أنها تحاول إشغال طفلها بشيء ما في المنزل بعيدا عن العنف وخوفا من الرصاص المتطاير في الشوارع، لكنها تبوء بالفشل كون المنزل ضيقاً وصغيراً وابنها يختنق من الجلوس في البيت فترة الإجازة.
وتعرب أم محمود عن خشيتها أن يتحول اللعب الى حقيقة بحيث يعادي كل طفل رفيق حارته، وتقول "اصبحت أخشى لعب أولادي في الشارع، كل يوم يأتي ابني ملابسه متسخة ووجهه محمر والتعب يُغلف قلبه، يدخل المنزل وهو يتمتم ويقول والله حتشوفوا يا أولاد التنفيذية.. سنفوز عليكم"، مضيفة ان "غالبية اطفال الحارة يدخلون في تلك اللعبة التي تحاول دب الكراهية والعنف بين الأطفال".
وتقول الاخصائية النفسية الباحثة جولتان حجازي في دراسة لها إن "تكرار الأحداث العنيفة التي يشاهدها الأطفال على ارض الواقع في قطاع غزة وعلى شاشات التلفزيون أكسبتهم خبرات صادمة جديدة وأعادت الى أذهانهم ذكريات رشق الحجارة على الاحتلال الإسرائيلي أثناء تواجده في القطاع، كل هذا أثر على تشكيل شخصية الطفل الذي خرج بخبرة مفادها ضرورة اعتماد على قدراته الشخصية لحماية نفسه في ظل عجز الآباء عن توفير الأمن والاستقرار لهم. ان مرحلة الطفولة هامة جدا من حيث تشكيل حياة الإنسان المستقبلية ويكتسب الطفل خلالها العادات والتقاليد والميول والاستعدادات المستقبلية".
وحذر "برنامج غزة للصحة النفسية" و"مركز الميزان لحقوق الإنسان"، من خطورة الاقتتال الداخلي والواقع الدموي الذي يشاهده الأطفال في الشارع.
واصدرا بيانات تشير إلى ان "هذا الواقع المرير يصيب نفسية وسلوك الطفل. ان التأثيرات النفسية للاقتتال على الأطفال، الذين عانوا وما زالوا من آثار نفسية بالغة السوء لعمليات عدوانية إسرائيلية سابقة، تزيد من فرص ظهور اضطرابات معرفية وانفعالية وسلوكية، مثل ازدياد حالات الخوف وارتفاع مستويات القلق والتوتر والتحفز الدائم وضعف التركيز، ومشكلة التبول اللاإرادي وتنامي مظاهر العدوانية والعنف".
وقد يكون من النادر أن تجد طفلا في مكان آخر في العالم وفي التاسعة من العمر يؤمن بمبادئ سياسية قوية، لكن في فلسطين، حين يبلغ الطفل التاسعة من العمر تبدأ ميوله السياسية نحو "فتح" أو "حماس"، حيث اطفال فلسطين ككل اطفال العالم يحلمون بأن يصبحوا رجالا، ولهذه الغاية يحاولون إثبات رجولتهم من خلال التماهي بما يقوم به الكبار من حولهم، والكبار هنا يقتتلون