سلطان المجايري
01-21-2007, 11:48 AM
البهائيه دين
لا خلاف أن غاية الدين هي الوفاقوالوداد بين البشر,ومع ذلك جعله الناس منذ بداية الخليقةمصدرا للشقاق والجدال والقتال,علي الرغم من تناقض ذلك معالطبيعة الروحانية لجميع الأديان التي يركز جوهرها علي التراحموالبر والإحسان,فالدين يفرض حسن معاملة الغير.وقد يكون السببوراء التحيز والتعصب ما تلقيه قداسة الدين في روع أتباعه منامتناع البحث الحر في معتقداته,إلي جانب ما يفرضه التقليدالمتوارث من أخذ تعاليم الدين عن رجال متخصصين دون تحليل أوتمحيص,وكلا الأمرين معدوم الأساس,ومؤداهما ضعف نفوذ الدينذاته,وتسلط التعصب علي أفكار الناس.ولو واجه كل فرد نفسهاليوم باحثا عما حمله علي اعتناق دين دون غيره,وعما يثبتصدق الدين الذي اعتنقه لأدهشه الجواب.وقبل أن يفيق من دهشتهيأتيه سؤال آخر وهو:إن كان هذا الدين الذي اعتنقه حقافلماذا لم يؤمن به الآخرون؟ ولماذا يعترض عليه أصحاب الدياناتالأخري؟.
إنالناظر في تاريخ الأديان,والمدقق في تسلسلها يري أن التاريخيعيد نفسه,وأن الاعتراض علي الأديان يسير علي نفس المنوالوالنسق,ويدرك أن رؤساء الدين السابق في كل زمان هم أول منيقومون بالاعتراض,ولا يسعهم إلا تكفير كل من يؤمن بهذاالدين,فهم يؤمنون فقط بما سبقهم من رسالات,لأنها جاءت صريحةفي كتابهم,أما ما يأتي من بعدها فيعتبرونه ضلالا وافتراء,هذاعلي الرغم مما في كتبهم المقدسة من تحذير بأن لا يسلكوامسالك التكذيب والعصيان,وأن لا يكونوا حائلا بين اللهوعباده,كما امتلأت الكتب السماوية بقصص الأقوام الغابرة,وكيفكانت عاقبة تكذيبهم لرسلهم واعتراضهم عليهم,مع التلميح إليالكوارث التي حاقت بهم لرفضهم الدين الجديد من دون بينة ولاكتاب منير.ولكن مازالت المأساة تتكرر في كل ظهور فيقيسونالرسالة التالية بما تهوي أنفسهم ويسعون للقضاءعليها.
وهكذا نريأن ما دأبت عليه الأوساط الدينية هو نبذ معتقدات الغير دونترو في بحثها,وذلك نتيجة لعدم تطبيق معايير موضوعية لتعريفالدين علي نحو علمي,ولتمييزه عن غيره من الحركاتالفكرية,والمذاهب الفلسفية.فغياب المقاييس العقلية المجردة يسهلسيطرة العواطف والميول الشخصية في الحكم علي ما يدور فيوجدان الآخرين.ومن هذه الأحكام ما خرجت به بعض الصحف مؤخراعن البهائية,وعلاقتها بالأديان الأخري في أعقاب حكم القضاءالإداري باستلزام القانون إثبات الدين البهائي كغيره من الأديانفي شهادات الميلاد والبطاقات الشخصية للتعرف علي حقيقة الانتماءالديني لصاحب البطاقة.فأثار هذا الرأي القانوني التساؤل عماإذا كانت البهائية دينا,أم مذهبا,أم حركة فكرية؟ ولذلك نبادربعرض بعض المعايير التي يمكن الاعتماد عليها في التعرف عليالطبيعة الروحانية لهذا الدين,مع الإقرار سلفا بصعوبة الاعتمادعلي الأدلة العقلية وحدها في مجال يختص به الفؤاد,ويحكم عليهالضمير,وتطوف حوله مشاعر الحب والولاء:
1- أهم ما يميز الدين -أي دين- هو الإيمان بوجود خالق مدبر للكون فوق عالم الطبيعة,مسيطرعلي العالم المشهود,إله لا شريك له ولا نظير,وجوده المهيمنعزيز علي الوصف,ومستعص علي الإدراك,وجود فريد ممتنع عليالعقل البشري المحدود,لأن البون الفاصل بين علو الواجد ودنوالموجود مانع للإدراك,وهذا في صلب ما يعتقده البهائيون,وقدأوجزه عبد البهاء -المبين لرسالة بهاء الله- بشكل مبسط فيمقتطف نشرته مجلة وادي النيل في الثاني من محرم سنة 1330:
فإذا كانتحقيقة الجماد والنبات والحيوان والإنسان حال كونها كلها من حيزالإمكان,ولكن تفاوت المراتب مانع أن يدرك الجماد كمالالنبات,والنبات قوي الحيوان,والحيوان فضائل الإنسان,فهل منالممكن أن يدرك الحادث حقيقة القديم ويعرف الصنع هوية الصانعالعظيم؟
2- ومعذلك التفاوت بين الغيب والشهود يركز الدين علي دوام الرابطةالوثيقة بين الله والخلق,فمنه تستمد الكائنات نشوءها وبقاءهاومنتهاها بتبعية لا تعرف الاستقلال,ومن عليائه يتنزل الهديللإنسان,وعليه اعتماده,وبه رجاؤه,وله مآله,ولكن التلقي المباشرممتنع,والواسطة بينهما رسل مرسلة تحكي عن الحقيقةالخافية,وتظهر مشيئتها وتفرض عبادتها,وتحذر من عاقبة العصيانفي الآخرة والأولي.فهل يوجد في البهائية خلاف هذا؟ يقول بهاءالله:
إن جميعالأنبياء هم هياكل أمر الله الذين ظهروا في أقمصةمختلفة,وإذا ما نظرت إليهم بنظر لطيف لتراهم جميعا ساكنين فيرضوان واحد,وطائرين في هواء واحد,وجالسين علي بساطواحد,وناطقين بكلام واحد,وآمرين بأمر واحد.وهذا هو اتحادجواهر الوجود والشموس غير المحدودة والمعدودة.
3- وعبودية الإنسان لخالقه واعتمادهعليه تستلزم ذكره وعبادته وتقواه فيجعل الدين مواقيت لهاوشروطا,ومناسك لأدائها,فهي جوهر علاقة العبد بربه,لذا نجدللعبادات في كل دين أركانا أساسية يقوم عليها,مثل الصلاةولكنها تختلف من دين إلي دين,والصوم أيضا يختلف في كل دينعن الآخر,وهكذا في الزكاة والحج,فهذه الأركان مع أنها منالثوابت,ولكن طريقة أدائها تختلف من دين إلي آخر وتغييرأسلوبها من دين إلي دين رغم ثبوتها هو تأكيد لاستقلاله,حيثإن لكل دين أماكنه المقدسة,ومناسباته الخاصةبه.
لقد جاء فيالكتاب الأقدس:قد فرض عليكم الصلاة والصوم من أول البلوغأمرا من لدي الله ربكم ورب آبائكمالأولين.
4- ويشرعالدين -فضلا عن العبادات والأوامر والنواهي- أحكاما للأحوالالشخصية وما يتبعها من روابط ضرورية لبناء الأسرة,التي هيالوحدة الأساسية في كل المجتمعات,وعلي قدر قوة بنائها وتماسكهايتوقف البناء الاجتماعي للأمة بأسرها.والمطلع علي الأحكام التيجاء بها الدين البهائي بخصوص الزواج والأسرة يجد أنها لاتختلف كثيرا عن المعمول به في معظم الشرائع,فهي تشترط رضاءالطرفين,ووالديهما,ولكن تفرض الاكتفاء بزوجة واحدة,وإبعاداحتمالات الطلاق وإتاحة الفرص للتوفيق بين الزوجين وذلك بإرجاءالطلاق لمدة سنة كاملة.
5- ويشترط الدين أن يكون الانتماءإليه عن رضا حر دون إكراه أو إغراء أوتأثير,بعد البحثوالاستقصاء بالقدر الذي يجلب الاطمئنان لقلب كل فرد.ولو أنحقيقة الدين لا تقاس بتعداد أتباعه,إلا أن انتشار الدينالبهائي خلال قرن ونصف القرن في أقصر بقاع الأرض,وتأثيركلمته الخلاقة وقدرتها علي اقتلاع جذور الشحناء والبغضاء منبين الذين آمنوا به,وبعثهم في خلق جديد تسوده إخوةصادقة,هو خير شاهد علي تأثير الكلمة الإلهية الموحدة,وعلينفوذ القدرة الكامنة في تعاليم هذا الدين,وهو خير مذكر لحاجةعالم يئن من تفتت وحدته وتشتت أفكاره إلي الهداية التي جاءبها هذا الدين,والتي هي في حقيقتها الدرياق الشافي لمايعتريه من أمراض.
6- ومن أسس الدين أن الإنسان مسئول عن أعماله خيراكانت أم شرا,ولو أنه قد يلقي بعض الثواب أو العقاب فيالحياة الدنيا,ولكن حسابه الكامل يكون بعد الموت.فلنتأمل ماتفضل به حضرة بهاء الله في الكلمات المكنونة:حاسب نفسك فيكل يوم من قبل أن تحاسب لأن الموت يأتيك بغتة وتقوم عليالحساب في نفسك.
7- ومن خصائص الدين أيضا إخباره عن أحداث الماضيوالإفصاح عن رؤاه للمستقبل مخبرا بيقين راسخ عن نبوءات تزدادبتحقيقها قلوب المؤمنين اطمئنانا,ويري فيها المتشككون بينةقاطعة.وقد أنبأ بهاء الله في ألواحه المرسلة إلي ملوك الأرضورؤسائها في عام 1868 وهو في سجن عكا بما ستؤول إليه أحوالهموالانقلابات التي ستقع في العالم سواء بضياع الملك من أيديأولئك الملوك الذين لم يستجيبوا للنداء الإلهي,أو بانقضاء عهدالكهنوت الذي حال بين الناس وبين التوجه إلي الله.ولنأخذ عليسبيل المثال إنذاره لنابليون الثالث بأن عزه زائل وأن الذلةتسعي عن ورائه,إلا أن يتمسك بحبل الله المتين,وقد تحقق هذاقبل مضي عامين علي هذا التحذير,حيث خسر نابليون الحربالبروسية واستسلم لبسمارك في أوائل سبتمبر 1870 وثارت باريس عليهبعد ذلك بيومين وخلعته,وبقي سجينا حتي عام 1871 ثم قضي نحبهفي منفاه,ومن بعده فقد بيوس التاسع السلطة لنفسه ولخلفائهوانحسر سلطانه في مدينة الفاتيكان,كما فقد السلطان عبد الحميدالخلافة والملك,وقتل ناصر الدين شاه علي يد واحد من أنصارالأفغاني,وهكذا هتكت حرمة سلاطين ذلك الزمان واجتث ملكهم وزالإلي غير رجعة.
خلاصة القول إن أحداث العالم وأحواله سارت في الوجهةالتي عينها بهاء الله فتحررت الشعوب واستقلت,وفقدت أوربامنزلتها القديمة,وتشكلت المنظمات الدولية,وتأسست محاكم لحلالمنازعات بين الدول بالطرق السلمية,والتزمت الحكومات دولياباحترام حقوق الأفراد الموجودين علي أراضيها,وانقضي عهد الرقونظام الإقطاع والسخرة والاستعمار,وبدت في الآفاق نواة لنظامعالمي علي النحو الذي رسمته رؤية حضرة بهاء الله.ومازالتأمور العالم توالي هذه المسيرة بخطي حثيثة حتي تستكمل الشوطوتؤول إلي ما أنبأ به.ولكن حذار من أن يظن الناس أن هذاالبناء المادي مهما بلغ من الدقة والإتقان أنه ما جاء الدينالبهائي لتحقيقه فقط,وإنما هو هيكله الخارجي وأداتهالمادية,أما جوهره الذي أسماه بهاء الله الصلح الأعظم فلايتحقق إلا بإقبال أهل العالم طواعية إلي إسلام الوجه للهوالاستجابة إلي ندائه والسلوك في سبيله علي النحو الذي أنزلهعلي لسان مبعوثه إلي العالم في هذا العصر.
هذه أساسيات أية رسالة سماوية,ولكنلا يعني ذلك تسليم السلطات بحقيقتها في وقت ظهورها,سواءأكانت تلك السلطة دينية أم سياسية,فقد رفض فرعون رسالة موسيمحذرا قومه بأن موسي جاء ليبدل دينهم,وحرض علي قتله مدعياأن يوسف عليه السلام هو خاتم المرسلين,فهل أوقف اعتراض فرعونوحكمائه انتشار الشريعة الموسوية وشيوعها؟ ولكن ما لبث قومموسي أن كرروا الخطأ نفسه عند ظهور المسيح فهاج علماؤهموماجوا,ورفضوا قبوله وحكموا عليه بالكفر,وعلي رسالتهبالبطلان.وبالنظر إلي الرسالة المحمدية,من الذي رفضها ولايزاليحكم بعدم سماويتها حتي الآن؟.ونخرج من ذلك بأن الديانةاليهودية تأسست بناء علي قول موسي وحده إلي أن شهد لهاالمسيح,كما تأسست المسيحية بقول المسيح وحده إلي إن شهدالإسلام بصدقها كديانة سماوية,لذا فإن الديانة البهائية لاتتوقع أن يشهد لها الرؤساء ورجال الدين,لأنهم يعترفون بماسبق دينهم من أديان,ويرفضون كل ما يأتي من بعد,وهذه سنةالله ولن تجد لسنة الله تبديلا.
لا خلاف أن غاية الدين هي الوفاقوالوداد بين البشر,ومع ذلك جعله الناس منذ بداية الخليقةمصدرا للشقاق والجدال والقتال,علي الرغم من تناقض ذلك معالطبيعة الروحانية لجميع الأديان التي يركز جوهرها علي التراحموالبر والإحسان,فالدين يفرض حسن معاملة الغير.وقد يكون السببوراء التحيز والتعصب ما تلقيه قداسة الدين في روع أتباعه منامتناع البحث الحر في معتقداته,إلي جانب ما يفرضه التقليدالمتوارث من أخذ تعاليم الدين عن رجال متخصصين دون تحليل أوتمحيص,وكلا الأمرين معدوم الأساس,ومؤداهما ضعف نفوذ الدينذاته,وتسلط التعصب علي أفكار الناس.ولو واجه كل فرد نفسهاليوم باحثا عما حمله علي اعتناق دين دون غيره,وعما يثبتصدق الدين الذي اعتنقه لأدهشه الجواب.وقبل أن يفيق من دهشتهيأتيه سؤال آخر وهو:إن كان هذا الدين الذي اعتنقه حقافلماذا لم يؤمن به الآخرون؟ ولماذا يعترض عليه أصحاب الدياناتالأخري؟.
إنالناظر في تاريخ الأديان,والمدقق في تسلسلها يري أن التاريخيعيد نفسه,وأن الاعتراض علي الأديان يسير علي نفس المنوالوالنسق,ويدرك أن رؤساء الدين السابق في كل زمان هم أول منيقومون بالاعتراض,ولا يسعهم إلا تكفير كل من يؤمن بهذاالدين,فهم يؤمنون فقط بما سبقهم من رسالات,لأنها جاءت صريحةفي كتابهم,أما ما يأتي من بعدها فيعتبرونه ضلالا وافتراء,هذاعلي الرغم مما في كتبهم المقدسة من تحذير بأن لا يسلكوامسالك التكذيب والعصيان,وأن لا يكونوا حائلا بين اللهوعباده,كما امتلأت الكتب السماوية بقصص الأقوام الغابرة,وكيفكانت عاقبة تكذيبهم لرسلهم واعتراضهم عليهم,مع التلميح إليالكوارث التي حاقت بهم لرفضهم الدين الجديد من دون بينة ولاكتاب منير.ولكن مازالت المأساة تتكرر في كل ظهور فيقيسونالرسالة التالية بما تهوي أنفسهم ويسعون للقضاءعليها.
وهكذا نريأن ما دأبت عليه الأوساط الدينية هو نبذ معتقدات الغير دونترو في بحثها,وذلك نتيجة لعدم تطبيق معايير موضوعية لتعريفالدين علي نحو علمي,ولتمييزه عن غيره من الحركاتالفكرية,والمذاهب الفلسفية.فغياب المقاييس العقلية المجردة يسهلسيطرة العواطف والميول الشخصية في الحكم علي ما يدور فيوجدان الآخرين.ومن هذه الأحكام ما خرجت به بعض الصحف مؤخراعن البهائية,وعلاقتها بالأديان الأخري في أعقاب حكم القضاءالإداري باستلزام القانون إثبات الدين البهائي كغيره من الأديانفي شهادات الميلاد والبطاقات الشخصية للتعرف علي حقيقة الانتماءالديني لصاحب البطاقة.فأثار هذا الرأي القانوني التساؤل عماإذا كانت البهائية دينا,أم مذهبا,أم حركة فكرية؟ ولذلك نبادربعرض بعض المعايير التي يمكن الاعتماد عليها في التعرف عليالطبيعة الروحانية لهذا الدين,مع الإقرار سلفا بصعوبة الاعتمادعلي الأدلة العقلية وحدها في مجال يختص به الفؤاد,ويحكم عليهالضمير,وتطوف حوله مشاعر الحب والولاء:
1- أهم ما يميز الدين -أي دين- هو الإيمان بوجود خالق مدبر للكون فوق عالم الطبيعة,مسيطرعلي العالم المشهود,إله لا شريك له ولا نظير,وجوده المهيمنعزيز علي الوصف,ومستعص علي الإدراك,وجود فريد ممتنع عليالعقل البشري المحدود,لأن البون الفاصل بين علو الواجد ودنوالموجود مانع للإدراك,وهذا في صلب ما يعتقده البهائيون,وقدأوجزه عبد البهاء -المبين لرسالة بهاء الله- بشكل مبسط فيمقتطف نشرته مجلة وادي النيل في الثاني من محرم سنة 1330:
فإذا كانتحقيقة الجماد والنبات والحيوان والإنسان حال كونها كلها من حيزالإمكان,ولكن تفاوت المراتب مانع أن يدرك الجماد كمالالنبات,والنبات قوي الحيوان,والحيوان فضائل الإنسان,فهل منالممكن أن يدرك الحادث حقيقة القديم ويعرف الصنع هوية الصانعالعظيم؟
2- ومعذلك التفاوت بين الغيب والشهود يركز الدين علي دوام الرابطةالوثيقة بين الله والخلق,فمنه تستمد الكائنات نشوءها وبقاءهاومنتهاها بتبعية لا تعرف الاستقلال,ومن عليائه يتنزل الهديللإنسان,وعليه اعتماده,وبه رجاؤه,وله مآله,ولكن التلقي المباشرممتنع,والواسطة بينهما رسل مرسلة تحكي عن الحقيقةالخافية,وتظهر مشيئتها وتفرض عبادتها,وتحذر من عاقبة العصيانفي الآخرة والأولي.فهل يوجد في البهائية خلاف هذا؟ يقول بهاءالله:
إن جميعالأنبياء هم هياكل أمر الله الذين ظهروا في أقمصةمختلفة,وإذا ما نظرت إليهم بنظر لطيف لتراهم جميعا ساكنين فيرضوان واحد,وطائرين في هواء واحد,وجالسين علي بساطواحد,وناطقين بكلام واحد,وآمرين بأمر واحد.وهذا هو اتحادجواهر الوجود والشموس غير المحدودة والمعدودة.
3- وعبودية الإنسان لخالقه واعتمادهعليه تستلزم ذكره وعبادته وتقواه فيجعل الدين مواقيت لهاوشروطا,ومناسك لأدائها,فهي جوهر علاقة العبد بربه,لذا نجدللعبادات في كل دين أركانا أساسية يقوم عليها,مثل الصلاةولكنها تختلف من دين إلي دين,والصوم أيضا يختلف في كل دينعن الآخر,وهكذا في الزكاة والحج,فهذه الأركان مع أنها منالثوابت,ولكن طريقة أدائها تختلف من دين إلي آخر وتغييرأسلوبها من دين إلي دين رغم ثبوتها هو تأكيد لاستقلاله,حيثإن لكل دين أماكنه المقدسة,ومناسباته الخاصةبه.
لقد جاء فيالكتاب الأقدس:قد فرض عليكم الصلاة والصوم من أول البلوغأمرا من لدي الله ربكم ورب آبائكمالأولين.
4- ويشرعالدين -فضلا عن العبادات والأوامر والنواهي- أحكاما للأحوالالشخصية وما يتبعها من روابط ضرورية لبناء الأسرة,التي هيالوحدة الأساسية في كل المجتمعات,وعلي قدر قوة بنائها وتماسكهايتوقف البناء الاجتماعي للأمة بأسرها.والمطلع علي الأحكام التيجاء بها الدين البهائي بخصوص الزواج والأسرة يجد أنها لاتختلف كثيرا عن المعمول به في معظم الشرائع,فهي تشترط رضاءالطرفين,ووالديهما,ولكن تفرض الاكتفاء بزوجة واحدة,وإبعاداحتمالات الطلاق وإتاحة الفرص للتوفيق بين الزوجين وذلك بإرجاءالطلاق لمدة سنة كاملة.
5- ويشترط الدين أن يكون الانتماءإليه عن رضا حر دون إكراه أو إغراء أوتأثير,بعد البحثوالاستقصاء بالقدر الذي يجلب الاطمئنان لقلب كل فرد.ولو أنحقيقة الدين لا تقاس بتعداد أتباعه,إلا أن انتشار الدينالبهائي خلال قرن ونصف القرن في أقصر بقاع الأرض,وتأثيركلمته الخلاقة وقدرتها علي اقتلاع جذور الشحناء والبغضاء منبين الذين آمنوا به,وبعثهم في خلق جديد تسوده إخوةصادقة,هو خير شاهد علي تأثير الكلمة الإلهية الموحدة,وعلينفوذ القدرة الكامنة في تعاليم هذا الدين,وهو خير مذكر لحاجةعالم يئن من تفتت وحدته وتشتت أفكاره إلي الهداية التي جاءبها هذا الدين,والتي هي في حقيقتها الدرياق الشافي لمايعتريه من أمراض.
6- ومن أسس الدين أن الإنسان مسئول عن أعماله خيراكانت أم شرا,ولو أنه قد يلقي بعض الثواب أو العقاب فيالحياة الدنيا,ولكن حسابه الكامل يكون بعد الموت.فلنتأمل ماتفضل به حضرة بهاء الله في الكلمات المكنونة:حاسب نفسك فيكل يوم من قبل أن تحاسب لأن الموت يأتيك بغتة وتقوم عليالحساب في نفسك.
7- ومن خصائص الدين أيضا إخباره عن أحداث الماضيوالإفصاح عن رؤاه للمستقبل مخبرا بيقين راسخ عن نبوءات تزدادبتحقيقها قلوب المؤمنين اطمئنانا,ويري فيها المتشككون بينةقاطعة.وقد أنبأ بهاء الله في ألواحه المرسلة إلي ملوك الأرضورؤسائها في عام 1868 وهو في سجن عكا بما ستؤول إليه أحوالهموالانقلابات التي ستقع في العالم سواء بضياع الملك من أيديأولئك الملوك الذين لم يستجيبوا للنداء الإلهي,أو بانقضاء عهدالكهنوت الذي حال بين الناس وبين التوجه إلي الله.ولنأخذ عليسبيل المثال إنذاره لنابليون الثالث بأن عزه زائل وأن الذلةتسعي عن ورائه,إلا أن يتمسك بحبل الله المتين,وقد تحقق هذاقبل مضي عامين علي هذا التحذير,حيث خسر نابليون الحربالبروسية واستسلم لبسمارك في أوائل سبتمبر 1870 وثارت باريس عليهبعد ذلك بيومين وخلعته,وبقي سجينا حتي عام 1871 ثم قضي نحبهفي منفاه,ومن بعده فقد بيوس التاسع السلطة لنفسه ولخلفائهوانحسر سلطانه في مدينة الفاتيكان,كما فقد السلطان عبد الحميدالخلافة والملك,وقتل ناصر الدين شاه علي يد واحد من أنصارالأفغاني,وهكذا هتكت حرمة سلاطين ذلك الزمان واجتث ملكهم وزالإلي غير رجعة.
خلاصة القول إن أحداث العالم وأحواله سارت في الوجهةالتي عينها بهاء الله فتحررت الشعوب واستقلت,وفقدت أوربامنزلتها القديمة,وتشكلت المنظمات الدولية,وتأسست محاكم لحلالمنازعات بين الدول بالطرق السلمية,والتزمت الحكومات دولياباحترام حقوق الأفراد الموجودين علي أراضيها,وانقضي عهد الرقونظام الإقطاع والسخرة والاستعمار,وبدت في الآفاق نواة لنظامعالمي علي النحو الذي رسمته رؤية حضرة بهاء الله.ومازالتأمور العالم توالي هذه المسيرة بخطي حثيثة حتي تستكمل الشوطوتؤول إلي ما أنبأ به.ولكن حذار من أن يظن الناس أن هذاالبناء المادي مهما بلغ من الدقة والإتقان أنه ما جاء الدينالبهائي لتحقيقه فقط,وإنما هو هيكله الخارجي وأداتهالمادية,أما جوهره الذي أسماه بهاء الله الصلح الأعظم فلايتحقق إلا بإقبال أهل العالم طواعية إلي إسلام الوجه للهوالاستجابة إلي ندائه والسلوك في سبيله علي النحو الذي أنزلهعلي لسان مبعوثه إلي العالم في هذا العصر.
هذه أساسيات أية رسالة سماوية,ولكنلا يعني ذلك تسليم السلطات بحقيقتها في وقت ظهورها,سواءأكانت تلك السلطة دينية أم سياسية,فقد رفض فرعون رسالة موسيمحذرا قومه بأن موسي جاء ليبدل دينهم,وحرض علي قتله مدعياأن يوسف عليه السلام هو خاتم المرسلين,فهل أوقف اعتراض فرعونوحكمائه انتشار الشريعة الموسوية وشيوعها؟ ولكن ما لبث قومموسي أن كرروا الخطأ نفسه عند ظهور المسيح فهاج علماؤهموماجوا,ورفضوا قبوله وحكموا عليه بالكفر,وعلي رسالتهبالبطلان.وبالنظر إلي الرسالة المحمدية,من الذي رفضها ولايزاليحكم بعدم سماويتها حتي الآن؟.ونخرج من ذلك بأن الديانةاليهودية تأسست بناء علي قول موسي وحده إلي أن شهد لهاالمسيح,كما تأسست المسيحية بقول المسيح وحده إلي إن شهدالإسلام بصدقها كديانة سماوية,لذا فإن الديانة البهائية لاتتوقع أن يشهد لها الرؤساء ورجال الدين,لأنهم يعترفون بماسبق دينهم من أديان,ويرفضون كل ما يأتي من بعد,وهذه سنةالله ولن تجد لسنة الله تبديلا.