من لبنان
12-05-2006, 09:32 AM
نادر صباغ
صحيفة الأخبار 5 كانون الأول 2006
منذ قيامها، نجحت سوليدير في استقطاب استثمارات زادت قيمتها على 8 مليارات دولار أميركي، كما يؤكد مصدر مسؤول في الشركة. أما اليوم فحال وسط بيروت يبدو مختلفاً كلياً عما رسم له. فشلت سوليدير في استقطاب الاستثمارات منذ النصف الثاني من 2006، لكنها نجحت في المقابل في استقطاب عربات الكعك، والقهوة والشاي، والفستق المحلّى والأعلام والشارات الحزبية.
النرجيلة تلحق بزبائنها من حي ماضي إلى ساحة الشهداءمصدر مسؤول في سوليدير يقول لـ (الأخبار) أن جدلاً جدياً يدور بين أصحاب المؤسسات التجارية في الوسط حول فكرة الإقفال النهائي لمؤسساتهم. ويتساءل «ماذا تستطيع الشركة فعله في ظل وضع كهذا؟ قمنا بمبادرة بعد الحرب الاخيرة تمثلت بإعفاء المستأجرين من شهري إيجار، وماذا بعد، نعيش حالياً كل يوم بيومه ولا نعرف ماذا يخبئ المستقبل».
في اليوم الرابع للاعتصام المفتوح، بدا المشهد في منطقة سوليدير موحداً. واجهات فارغة، ورفوف هجرتها البضائع. الوصول إلى غالبية الشوارع ممنوع حتى على الصحافيين. إقفال تام لجميع المحال التجارية والمطاعم والمقاهي. وعشرات الشركات المالية والمصرفية اللبنانية والأجنبية. وحده محل السيجار الكوبي «لا كاسا ديل هابانو» كان فاتحاً أبوابه، إنما ليتمكن العاملون فيه من إفراغ محتوياته ونقل صناديق السيجار إلى شاحنة صغيرة متوقفة عند بابه، رفض مديره التعليق على ما يجري من حوله.
شلت الدورة الاقتصادية الرئيسة في وسط بيروت، وتعطلت الحركة التجارية في المحال والمؤسسات والشركات، لكن الاعتصام أفرز «سوقاً تجارية موازية»، أشبه بسوق أحد. احتلت البسطات والعربات والبضائع المكدسة على الارض أبواب المحال.
محمد دكروب المكنّى بـ«كلهان»، كان واضحاً: «محلي في حي ماضي في الضاحية الجنوبية، وزبائني من أهل المنطقة. منذ بداية الاعتصام انتقل الزبائن إلى وسط بيروت، فكان لا بد من أن أواكبهم. ضببت نراجيلي الخمسين، وتموضعت في زاوية من ساحة الشهداء. والفحم على النار».
يشدد محمد على أنه لا يستغل زبائنه بسبب الحالة، فهو لم يزد سعر النرجيلة، «بقيت بـ3000 ليرة، مثل حي ماضي»، ويضيف: «النرجيلة تختصر الوحدة الوطنية. حولها يجتمع الناس من مختلف الطوائف والمناطق، والجلسات عامرة حتى الصباح، الطلب ممتاز، ولا سيما من فتيات التيار العوني»، وهو يؤجر أكثر من 70 نرجيلة في اليوم. يكفي الهوية أو دفتر السيارة أو أية أوراق ثبوتية أخرى ضمانة، «والفحم مجاناً أينما كان الزبون في الساحة».
لم يتجاوز حسن تلي سنواته العشر. كان قد وصل للتو ظهر أمس من طرابلس مصطحباً أخاه: «المهنة بائع أقراص فستق وراحة، أهلي أخبروني أن هناك شغلاً أكثر في بيروت، جئنا».
أكثر من 250 كعكة يبيعها محمود في اليوم، ولو كانت دراجته الهوائية تسع لأكثر، لما تردد في زيادة حمولتها، فالطلب على الكعك بات كبيراً في وسط بيروت هذه الأيام. لمحمود محل لبيع العصير في برج البراجنة، لكن الاعتصام دفعه إلى تغيير مهنته، ترك دكانه وجاء إلى سوليدير بائعاً للكعك، ومعتصماً بعد نفاذ الكمية.
يفترش ربيع بونخلة زاوية على جانب الطريق المؤدية إلى ساحة الشهداء. عند مدخل «بوابة بيروت». المشروع المقدرة كلفته بأكثر من 600 مليون دولار أميركي، والذي بيع متر الارض فيه بأكثر من 3000 دولار أميركي «بونخلة دشن المشروع»، ترك عمله في أحد المخازن الكبرى منذ يومين واشترى صناديق عصير ومشروبات غازية وماء ونزل إلى الاعتصام. «أسعارنا عادية، العصير وقنينة الماء الصغيرة والبيبسي بألف ليرة فقط، أبيع بأكثر من 100 دولار في اليوم، والربح الصافي للجيبة 40 ألف ليرة. ودوام العمل مريح من العاشرة قبل الظهر حتى الثامنة ليلاً. ماذا أريد أكثر»؟
يكتفي عدنان عقيل بالنوم ساعتين في اليوم فقط، فالفرصة قد لا تتكرر. يعمل عدنان أساساً «شيف مطبخ»، لكنه كغيره من أصحاب المهن الحرة المستجدة في سوليدير منذ أربعة أيام، غيّر حرفته وبات يبيع القهوة والشاي والنسكافيه. يشكو عدنان مزاحمة الباعة السوريين: «بضاعتهم غير جيدة. أنا مياهي مكررة، ومع ذلك أبيع فنجان القهوة والشاي بـ500 ليرة والنسكافيه بألف».
ليوسف القادم من حلب قصة تشبه قصة عدنان، غيّر مهنته الاصلية في الدهان، وهو يبيع حالياً أكثر من 250 فنجان قهوة في اليوم، لكنه لا يشكو من مزاحمة الباعة االسوريين.
شعارات وأعلام وعصبات وبيوت هواتف خلوية وأزرار وصور لقياديين من المعارضة تتوزع بسطات احتلت نواصي الطرقات في شوارع وسط بيروت الرئيسة. أسعار الصور والأعلام تتراوح بين 1000 و3000 ليرة بحسب حجمها وحجم صاحبها، والبيع «أكثر من ممتاز» كما يقول صاحب إحدى البسطات وهو مندوب لمؤسسة بنت الهدى في منطقة بئر العبد.
وسط بيروت اليوم لا يشبه نفسه قبل أيام معدودة. خطط لسوليدير أن يكون مكاناً لكل شيء إلا لما تشهده اليوم . «ولو طال الوقت حتى سقوط الحكومة»، كما قال أمس أحد الباعة المتجولين، «سنفتح فيها (منطقة سوليدير) مسلخاً ومسمكة، وستصير كسوق الحميدية حتى رحيل السنيورة».
صحيفة الأخبار 5 كانون الأول 2006
منذ قيامها، نجحت سوليدير في استقطاب استثمارات زادت قيمتها على 8 مليارات دولار أميركي، كما يؤكد مصدر مسؤول في الشركة. أما اليوم فحال وسط بيروت يبدو مختلفاً كلياً عما رسم له. فشلت سوليدير في استقطاب الاستثمارات منذ النصف الثاني من 2006، لكنها نجحت في المقابل في استقطاب عربات الكعك، والقهوة والشاي، والفستق المحلّى والأعلام والشارات الحزبية.
النرجيلة تلحق بزبائنها من حي ماضي إلى ساحة الشهداءمصدر مسؤول في سوليدير يقول لـ (الأخبار) أن جدلاً جدياً يدور بين أصحاب المؤسسات التجارية في الوسط حول فكرة الإقفال النهائي لمؤسساتهم. ويتساءل «ماذا تستطيع الشركة فعله في ظل وضع كهذا؟ قمنا بمبادرة بعد الحرب الاخيرة تمثلت بإعفاء المستأجرين من شهري إيجار، وماذا بعد، نعيش حالياً كل يوم بيومه ولا نعرف ماذا يخبئ المستقبل».
في اليوم الرابع للاعتصام المفتوح، بدا المشهد في منطقة سوليدير موحداً. واجهات فارغة، ورفوف هجرتها البضائع. الوصول إلى غالبية الشوارع ممنوع حتى على الصحافيين. إقفال تام لجميع المحال التجارية والمطاعم والمقاهي. وعشرات الشركات المالية والمصرفية اللبنانية والأجنبية. وحده محل السيجار الكوبي «لا كاسا ديل هابانو» كان فاتحاً أبوابه، إنما ليتمكن العاملون فيه من إفراغ محتوياته ونقل صناديق السيجار إلى شاحنة صغيرة متوقفة عند بابه، رفض مديره التعليق على ما يجري من حوله.
شلت الدورة الاقتصادية الرئيسة في وسط بيروت، وتعطلت الحركة التجارية في المحال والمؤسسات والشركات، لكن الاعتصام أفرز «سوقاً تجارية موازية»، أشبه بسوق أحد. احتلت البسطات والعربات والبضائع المكدسة على الارض أبواب المحال.
محمد دكروب المكنّى بـ«كلهان»، كان واضحاً: «محلي في حي ماضي في الضاحية الجنوبية، وزبائني من أهل المنطقة. منذ بداية الاعتصام انتقل الزبائن إلى وسط بيروت، فكان لا بد من أن أواكبهم. ضببت نراجيلي الخمسين، وتموضعت في زاوية من ساحة الشهداء. والفحم على النار».
يشدد محمد على أنه لا يستغل زبائنه بسبب الحالة، فهو لم يزد سعر النرجيلة، «بقيت بـ3000 ليرة، مثل حي ماضي»، ويضيف: «النرجيلة تختصر الوحدة الوطنية. حولها يجتمع الناس من مختلف الطوائف والمناطق، والجلسات عامرة حتى الصباح، الطلب ممتاز، ولا سيما من فتيات التيار العوني»، وهو يؤجر أكثر من 70 نرجيلة في اليوم. يكفي الهوية أو دفتر السيارة أو أية أوراق ثبوتية أخرى ضمانة، «والفحم مجاناً أينما كان الزبون في الساحة».
لم يتجاوز حسن تلي سنواته العشر. كان قد وصل للتو ظهر أمس من طرابلس مصطحباً أخاه: «المهنة بائع أقراص فستق وراحة، أهلي أخبروني أن هناك شغلاً أكثر في بيروت، جئنا».
أكثر من 250 كعكة يبيعها محمود في اليوم، ولو كانت دراجته الهوائية تسع لأكثر، لما تردد في زيادة حمولتها، فالطلب على الكعك بات كبيراً في وسط بيروت هذه الأيام. لمحمود محل لبيع العصير في برج البراجنة، لكن الاعتصام دفعه إلى تغيير مهنته، ترك دكانه وجاء إلى سوليدير بائعاً للكعك، ومعتصماً بعد نفاذ الكمية.
يفترش ربيع بونخلة زاوية على جانب الطريق المؤدية إلى ساحة الشهداء. عند مدخل «بوابة بيروت». المشروع المقدرة كلفته بأكثر من 600 مليون دولار أميركي، والذي بيع متر الارض فيه بأكثر من 3000 دولار أميركي «بونخلة دشن المشروع»، ترك عمله في أحد المخازن الكبرى منذ يومين واشترى صناديق عصير ومشروبات غازية وماء ونزل إلى الاعتصام. «أسعارنا عادية، العصير وقنينة الماء الصغيرة والبيبسي بألف ليرة فقط، أبيع بأكثر من 100 دولار في اليوم، والربح الصافي للجيبة 40 ألف ليرة. ودوام العمل مريح من العاشرة قبل الظهر حتى الثامنة ليلاً. ماذا أريد أكثر»؟
يكتفي عدنان عقيل بالنوم ساعتين في اليوم فقط، فالفرصة قد لا تتكرر. يعمل عدنان أساساً «شيف مطبخ»، لكنه كغيره من أصحاب المهن الحرة المستجدة في سوليدير منذ أربعة أيام، غيّر حرفته وبات يبيع القهوة والشاي والنسكافيه. يشكو عدنان مزاحمة الباعة السوريين: «بضاعتهم غير جيدة. أنا مياهي مكررة، ومع ذلك أبيع فنجان القهوة والشاي بـ500 ليرة والنسكافيه بألف».
ليوسف القادم من حلب قصة تشبه قصة عدنان، غيّر مهنته الاصلية في الدهان، وهو يبيع حالياً أكثر من 250 فنجان قهوة في اليوم، لكنه لا يشكو من مزاحمة الباعة االسوريين.
شعارات وأعلام وعصبات وبيوت هواتف خلوية وأزرار وصور لقياديين من المعارضة تتوزع بسطات احتلت نواصي الطرقات في شوارع وسط بيروت الرئيسة. أسعار الصور والأعلام تتراوح بين 1000 و3000 ليرة بحسب حجمها وحجم صاحبها، والبيع «أكثر من ممتاز» كما يقول صاحب إحدى البسطات وهو مندوب لمؤسسة بنت الهدى في منطقة بئر العبد.
وسط بيروت اليوم لا يشبه نفسه قبل أيام معدودة. خطط لسوليدير أن يكون مكاناً لكل شيء إلا لما تشهده اليوم . «ولو طال الوقت حتى سقوط الحكومة»، كما قال أمس أحد الباعة المتجولين، «سنفتح فيها (منطقة سوليدير) مسلخاً ومسمكة، وستصير كسوق الحميدية حتى رحيل السنيورة».