no saowt
08-11-2002, 12:02 PM
فهمي هويدي - جريدة الأهرام 6/8/2002
ينتابني شعور بالإثم حين استطرد في السياحة خارج المكان والزمان, متوقفا هذه المرة في أذربيجان, بينما مكاننا وزماننا غارقان في الدم الفلسطيني, حتي تبدو مثل هذه الإطلالة في الظرف الراهن من قبيل الترف الذي لانملكه, ويحرم علي مثلي أن يقدم عليه. لذلك تراودني الرغبة في تقديم إعتذار عما ذهبت إليه في هذا الصدد, وأن كنت أتمني ألا أكون قد ذهبت بعيدا, أكثر مما ينبغي, كما أتمني أن تجد في حصاد الرحلة بعضا من الخبرات والدروس المفيدة, التي أرجو أن تشفع لي ذلك الغياب المؤقت, في الدنيا والآخرة.
(1)
لست غريبا علي أذربيجان, فقد زرتها خمس مرات قبل أنهيار الاتحاد السوفيتي وبعده, لكنني استشعرت بعض الغربة هذه المرة, في اللحظة التي وقفت فيها أمام ضابط الجوازات في المطار, الذي ماأن أدرك أنني عربي حتي بدت علي وجهة علامات التركيز والحذر, وراح يفتش في قائمة طويلة من الأسماء إستخرجها من ملف جانبي,( عرفت لاحقا أنها تتضمن3 آلاف اسم), لكي يتأكد مما إذا كنت واحدا من المطلوبين أم لا. ذلك أن أذربيجان, ومنطقة القوقاز بشكل عام, هي البوابة الرئيسية لمنطقة آسيا الوسطي, الموصلة إلي أفغانستان, وماأدراك ماهي. ثم أن أذربيجان تعد إحدي بوابات بلاد الشيشان. من ثم فإن قدوم عربي إلي باكو خصوصا بعد11 سبتمبر, أصبح أمرا يستوقف كل المعنيين بالأمن, ويستحق التحقيق والتدقيق. وقد أصبحت القاعدة بعد11 ستبمبر أن يرحل العرب من أذربيجان إلي أقطارهم في أحسن الفروض, أو إلي جوانتانامو في أسوئها. أما أن يحدث العكس فذلك لم يعد مألوفا, وماصار يلفت الانتباه ويثير التساؤل.
بعدما اطمأن الضابط المختص إلي براءتي, وجدت نفسي في الشارع, بينما الساعة الثالثة والنصف صباحا.
أدهشني أن أجد سيدة مسنة متسولة تمد يدها إلي القادمين في ذلك التوقيت الغريب.
إذ لم أتوقع أن تقطع سيدة في عمرها الذي تجاوز الستين المسافة من المدينة إلي المطار في تلك الساعة, لكي تستجديهم أن يعطوها شيئا. وضاعف من دهشتي أن ذلك يحدث في بلد نفطي يتنافس عليه أصحاب المصالح في الدول الكبري, بله أول بلد اكتشف فيه النفط بمنطقة الشرق الأوسط( تم ذلك عام1848 م), وهو البلد الغني الذي عرف في الأزمنة القديمة بأنه أرض النيران, لكثرة منابع الغاز الطبيعي والنفط فيه. لم يكن الموقف في ذلك الوقت يسمح بتأمل النموذج, لكني أدركت بعد ذلك انه يجسد محنة أكثر شعوب وأقطار العالم الثالث, التي تعرضت للنهب في ظل الاستعمار( في المرحلة السوفيتية كانت أذربيجان تحصل علي1% فقط من عائد نفطها, وبالباقي كان يذهب إلي موسكو) ـ وبعد زوال الاحتلال وتسليم السلطة إلي النخبة الوطنية, فإن النهب استمر, لصالح فريق جديد. وأصبحت تلك النخبة تستأثر بالثروة فضلا عن السلطة( تتنافس أذربيجان مع نيجيريا علي المرتبة الأولي في قائمة الدول الأكثر فسادا في العالم).
(2)
رائحتان نفاذتان يشمهما المرء في باكو( العاصمة) طوال الوقت. رائحة النفط ورائحة الفساد. الأول مبرر ومفهوم وله تداعياته التي سنتوقف عندها بعد قليل. أما الفساد فهو عنوان كبير تقرؤه حيثما ذهبت في المدينة, ذلك أن كل شئ فيها له ثمن تحت الطاولة, وكثيرا مايكون فوقها. وذلك كله لايذهب إلي خزينة الدولة, وإنما إلي جيوب المسئولين, فالمنصب الكبير له ثمن, وإلتحاق الطالب بالكلية التي يريدها له ثمن, وكذلك العلاج الذي يفترض أنه بالمجان. وقس علي ذلك كله ماتتصوره ويخطر علي بالك من أنشطة أو مصالح. حتي سمعت من أحدهم قوله إنه في كل بلاد العالم ترعي الحكومة الشعب وتنفق عليه, بإستثناء أذربيجان التي ينفق فيها الشعب علي الحكومة. وتصبح المفارقة أشد حين يكون الشعب هو الفقير بينما الحكومة التي ينفق عليها غنية.
نتيجة انتشار الرشوة علي ذلك النحو أن الفقراء إزدادوا فقرا بينما الأغنياء أصبحوا أكثر ثراء, بطريقة فاحشة للغاية. وهو مالاحظته هذه المرة بوضوح علي شكل مدينة باكو, التي بدت تظهر في قلبها قصور الأثرياء الجدد, معلنة عن نفسها بتصميمات فجة وخالية من الذوق, تعبر عن رغبة متوحشة في إشهار التميز والاستمتاع بلذائد الحياة ومغرياتها. هذه القصور تحولت إلي علامات استفهام وتعجب كبري, حيث انتصبت وسط الأبنية العتيقة والبائسة التي شيدت لتخزين البشر في المرحلة السوفيتية. وبدت باكو بها اقرب إلي شخص شاحب الوجه وممزق الثياب وحافي القدمين, لكنه رصع أصابعه بعدة خواتم من الألماس!
هذا الفساد الاقتصادي يمثل الوجه الآخر للفساد السياسي, الذي يعد احتكار السلطة مصدرا أساسيا له, رغم أن أذربيجان من هذه الناحية تعد أفضل من دول أخري في آسيا الوسطي. اتسم فيها الحكم بالاستبداد والقسوة, وأن كان الجميع يشتركون في أن قيادات المرحلة الشيوعية, أصبحت هي ذاتها قيادات المرحلة التي أعقبتها.
وجدتهم يتحدثون الآن عن مسعي الرئيس حيدر عالييف(79 سنة) لتوريث السلطة إلي ابنه إلهام, عضو البرلمان ورئيس شركة النفط الأذرية, حيث يبدو أن وباء توريث الأبناء كان له صداه في القوقاز, بعدما فعلها كيم ايل سونج في كوريا الشمالية, وشاعت البدعة في جمهوريات أخري كثيرة, لكني وجدت جديدا فيما يجري هناك. ذلك إنه طبقا للدستور فإن رئيس البرلمان هوالذي يدير شئون البلاد في حالة وفاة الرئيس أو عجزه عن القيام بمهامة, وقد جرت محاولة تعيين الابن( الهام) رئيسا للبرلمان, ولكن العملية واجهتها صعوبات من جانب أحزاب المعارضة التسعة الممثلة فيه( أقواها حزب المساواة), ولذلك لجأ عباقرة اللعبة السياسية إلي حيلة أخري, حيث اقترحوا أن يعدل الدستور بحيث يصبح رئيس الوزراء هو الذي يدير شئون البلاد في حالة وفاة الرئيس, وليس رئيس البرلمان. وفي هذه الحالة سيكون الأمر أيسر, لأن تعيين رئيس الوزراء من سلطة الرئيس, بينما لايملك تلك السلطة في تعيين رئيس البرلمان. ومن المفترض أن يطرح الأمر للاستفتاء العام, الذي يعرف الجميع نتيجته مسبقا.
(3)
تبدو أذربيجان بلدا مهموما وحائرا, رغم أن الجميع يحسدونه لما توفر له من نفط ومكانة استراتيجية. الهم الأول الذي يحدثك فيه كل مسئول يتمثل في احتلال أرمينيا المجاورة لمنطقة قرة باغ ـ معناها في التركية الغابة السوداء ـ التي تمثل20% من أراضيه, وتشريد مليون شخص من سكانها.( يشبهونها بفلسطين القوقاز). وهي المشكلة التي عجزت الحكومة عن حلها, لأن أرمينيا مؤيدة من جانب روسيا ومدعومة من إيران, كما أن اللوبي الأرمني في الولايات المتحدة يضغط لصالحها بإستمرار, الأمر الذي يدفع الإدارة الامريكية إلي الوقوف ضد التطلعات الأذربيجانية في هذه القضية. من عجائب القدر في هذا الصدد أن حكومة باكو أرادت أن تستعين بالأوروبيين في محاولتها استعادة أرضها المحتلة, فانضمت إلي منظمة الأمن والتعاون الأوروبية لهذا الغرض, غير أن الأوروبيين لم يهتموا بالقضية, وإنما ركزوا إهتمامهم علي أمور مختلفة تماما, من بينها مطالبة أذربيجان بتطبيق المعايير الأوروبية في التعامل مع المجتمع, لهذا السبب فإن إطلاق حرية الشاذين جنسيا أصبحت إحدي المشاكل المعلقة بين الطرفين. إذ ما أن تلقي الحكومة القبض علي نفر من أولئك الشاذين الذني يتنطعون علي نواصي بعض شوارع العاصمة, حتي تنهال الضغوط عليها, مطالبة بإطلاق سراحهم, ومتهمة إياها بمخالفة التزاماتها كعضو في المنظمة الأوروبية.
سمعت هذا الكلام من أحد الدبوماسيين الأذريين, الذي قال بمرارة: لقد إلتحقنا بالمنظمة لكي نحرر قرة باغ, فإذا بنا نفاجأ بأننا مطالبون بإطلاق حرية الشذوذ الجنسي! أما الحيرة في أذربيجان فراجعة إلي أن البلد يتجاذبه مختلف الدول ذات المصلحة فيها, روسيا من ناحية وإيران من ناحية ثانية وتركيا من ناحية ثالثة, والولايات المتحدة قبل الجميع. في السابق كانت النخبة تتجه إلي موسكو وتتعلم الروسية, وكان المستعربون من الفئات المميزة بين عناصر النخبة للأسباب التي نعرفها. الآن إختلف الوضع, وأصبحت النخبة تتجه إلي أوروبا أولا ثم الولايات المتحدة بعد ذلك, والمستعربون تراجع دورهم وأكثرهم أصبحوا عاطلين عن العمل, وبعدما أصبحت الاذرية المكتوبة بالحروف اللاتينية هي اللغة الرسمية للبلاد, فإن انقلابا ثقافيا حدث في البلاد. الآباء ذوو الثقافة الروسية أصبحوا عاجزين عن التواصل مع أبنائهم الذين يدرسون الأذربيجانية ويتكلمون بها. كما أنهم أصبحوا عاجزين عن مشاهدة تليفزيون باكو. أما الأجيال الجديدة التي تتكلم الاذرية, فقد أصبحت عاجزة بدورها عن مطالعة كل التراث الثقافي في البلاد المكتوب بالروسية وبالحروف الكريلية.
ينتابني شعور بالإثم حين استطرد في السياحة خارج المكان والزمان, متوقفا هذه المرة في أذربيجان, بينما مكاننا وزماننا غارقان في الدم الفلسطيني, حتي تبدو مثل هذه الإطلالة في الظرف الراهن من قبيل الترف الذي لانملكه, ويحرم علي مثلي أن يقدم عليه. لذلك تراودني الرغبة في تقديم إعتذار عما ذهبت إليه في هذا الصدد, وأن كنت أتمني ألا أكون قد ذهبت بعيدا, أكثر مما ينبغي, كما أتمني أن تجد في حصاد الرحلة بعضا من الخبرات والدروس المفيدة, التي أرجو أن تشفع لي ذلك الغياب المؤقت, في الدنيا والآخرة.
(1)
لست غريبا علي أذربيجان, فقد زرتها خمس مرات قبل أنهيار الاتحاد السوفيتي وبعده, لكنني استشعرت بعض الغربة هذه المرة, في اللحظة التي وقفت فيها أمام ضابط الجوازات في المطار, الذي ماأن أدرك أنني عربي حتي بدت علي وجهة علامات التركيز والحذر, وراح يفتش في قائمة طويلة من الأسماء إستخرجها من ملف جانبي,( عرفت لاحقا أنها تتضمن3 آلاف اسم), لكي يتأكد مما إذا كنت واحدا من المطلوبين أم لا. ذلك أن أذربيجان, ومنطقة القوقاز بشكل عام, هي البوابة الرئيسية لمنطقة آسيا الوسطي, الموصلة إلي أفغانستان, وماأدراك ماهي. ثم أن أذربيجان تعد إحدي بوابات بلاد الشيشان. من ثم فإن قدوم عربي إلي باكو خصوصا بعد11 سبتمبر, أصبح أمرا يستوقف كل المعنيين بالأمن, ويستحق التحقيق والتدقيق. وقد أصبحت القاعدة بعد11 ستبمبر أن يرحل العرب من أذربيجان إلي أقطارهم في أحسن الفروض, أو إلي جوانتانامو في أسوئها. أما أن يحدث العكس فذلك لم يعد مألوفا, وماصار يلفت الانتباه ويثير التساؤل.
بعدما اطمأن الضابط المختص إلي براءتي, وجدت نفسي في الشارع, بينما الساعة الثالثة والنصف صباحا.
أدهشني أن أجد سيدة مسنة متسولة تمد يدها إلي القادمين في ذلك التوقيت الغريب.
إذ لم أتوقع أن تقطع سيدة في عمرها الذي تجاوز الستين المسافة من المدينة إلي المطار في تلك الساعة, لكي تستجديهم أن يعطوها شيئا. وضاعف من دهشتي أن ذلك يحدث في بلد نفطي يتنافس عليه أصحاب المصالح في الدول الكبري, بله أول بلد اكتشف فيه النفط بمنطقة الشرق الأوسط( تم ذلك عام1848 م), وهو البلد الغني الذي عرف في الأزمنة القديمة بأنه أرض النيران, لكثرة منابع الغاز الطبيعي والنفط فيه. لم يكن الموقف في ذلك الوقت يسمح بتأمل النموذج, لكني أدركت بعد ذلك انه يجسد محنة أكثر شعوب وأقطار العالم الثالث, التي تعرضت للنهب في ظل الاستعمار( في المرحلة السوفيتية كانت أذربيجان تحصل علي1% فقط من عائد نفطها, وبالباقي كان يذهب إلي موسكو) ـ وبعد زوال الاحتلال وتسليم السلطة إلي النخبة الوطنية, فإن النهب استمر, لصالح فريق جديد. وأصبحت تلك النخبة تستأثر بالثروة فضلا عن السلطة( تتنافس أذربيجان مع نيجيريا علي المرتبة الأولي في قائمة الدول الأكثر فسادا في العالم).
(2)
رائحتان نفاذتان يشمهما المرء في باكو( العاصمة) طوال الوقت. رائحة النفط ورائحة الفساد. الأول مبرر ومفهوم وله تداعياته التي سنتوقف عندها بعد قليل. أما الفساد فهو عنوان كبير تقرؤه حيثما ذهبت في المدينة, ذلك أن كل شئ فيها له ثمن تحت الطاولة, وكثيرا مايكون فوقها. وذلك كله لايذهب إلي خزينة الدولة, وإنما إلي جيوب المسئولين, فالمنصب الكبير له ثمن, وإلتحاق الطالب بالكلية التي يريدها له ثمن, وكذلك العلاج الذي يفترض أنه بالمجان. وقس علي ذلك كله ماتتصوره ويخطر علي بالك من أنشطة أو مصالح. حتي سمعت من أحدهم قوله إنه في كل بلاد العالم ترعي الحكومة الشعب وتنفق عليه, بإستثناء أذربيجان التي ينفق فيها الشعب علي الحكومة. وتصبح المفارقة أشد حين يكون الشعب هو الفقير بينما الحكومة التي ينفق عليها غنية.
نتيجة انتشار الرشوة علي ذلك النحو أن الفقراء إزدادوا فقرا بينما الأغنياء أصبحوا أكثر ثراء, بطريقة فاحشة للغاية. وهو مالاحظته هذه المرة بوضوح علي شكل مدينة باكو, التي بدت تظهر في قلبها قصور الأثرياء الجدد, معلنة عن نفسها بتصميمات فجة وخالية من الذوق, تعبر عن رغبة متوحشة في إشهار التميز والاستمتاع بلذائد الحياة ومغرياتها. هذه القصور تحولت إلي علامات استفهام وتعجب كبري, حيث انتصبت وسط الأبنية العتيقة والبائسة التي شيدت لتخزين البشر في المرحلة السوفيتية. وبدت باكو بها اقرب إلي شخص شاحب الوجه وممزق الثياب وحافي القدمين, لكنه رصع أصابعه بعدة خواتم من الألماس!
هذا الفساد الاقتصادي يمثل الوجه الآخر للفساد السياسي, الذي يعد احتكار السلطة مصدرا أساسيا له, رغم أن أذربيجان من هذه الناحية تعد أفضل من دول أخري في آسيا الوسطي. اتسم فيها الحكم بالاستبداد والقسوة, وأن كان الجميع يشتركون في أن قيادات المرحلة الشيوعية, أصبحت هي ذاتها قيادات المرحلة التي أعقبتها.
وجدتهم يتحدثون الآن عن مسعي الرئيس حيدر عالييف(79 سنة) لتوريث السلطة إلي ابنه إلهام, عضو البرلمان ورئيس شركة النفط الأذرية, حيث يبدو أن وباء توريث الأبناء كان له صداه في القوقاز, بعدما فعلها كيم ايل سونج في كوريا الشمالية, وشاعت البدعة في جمهوريات أخري كثيرة, لكني وجدت جديدا فيما يجري هناك. ذلك إنه طبقا للدستور فإن رئيس البرلمان هوالذي يدير شئون البلاد في حالة وفاة الرئيس أو عجزه عن القيام بمهامة, وقد جرت محاولة تعيين الابن( الهام) رئيسا للبرلمان, ولكن العملية واجهتها صعوبات من جانب أحزاب المعارضة التسعة الممثلة فيه( أقواها حزب المساواة), ولذلك لجأ عباقرة اللعبة السياسية إلي حيلة أخري, حيث اقترحوا أن يعدل الدستور بحيث يصبح رئيس الوزراء هو الذي يدير شئون البلاد في حالة وفاة الرئيس, وليس رئيس البرلمان. وفي هذه الحالة سيكون الأمر أيسر, لأن تعيين رئيس الوزراء من سلطة الرئيس, بينما لايملك تلك السلطة في تعيين رئيس البرلمان. ومن المفترض أن يطرح الأمر للاستفتاء العام, الذي يعرف الجميع نتيجته مسبقا.
(3)
تبدو أذربيجان بلدا مهموما وحائرا, رغم أن الجميع يحسدونه لما توفر له من نفط ومكانة استراتيجية. الهم الأول الذي يحدثك فيه كل مسئول يتمثل في احتلال أرمينيا المجاورة لمنطقة قرة باغ ـ معناها في التركية الغابة السوداء ـ التي تمثل20% من أراضيه, وتشريد مليون شخص من سكانها.( يشبهونها بفلسطين القوقاز). وهي المشكلة التي عجزت الحكومة عن حلها, لأن أرمينيا مؤيدة من جانب روسيا ومدعومة من إيران, كما أن اللوبي الأرمني في الولايات المتحدة يضغط لصالحها بإستمرار, الأمر الذي يدفع الإدارة الامريكية إلي الوقوف ضد التطلعات الأذربيجانية في هذه القضية. من عجائب القدر في هذا الصدد أن حكومة باكو أرادت أن تستعين بالأوروبيين في محاولتها استعادة أرضها المحتلة, فانضمت إلي منظمة الأمن والتعاون الأوروبية لهذا الغرض, غير أن الأوروبيين لم يهتموا بالقضية, وإنما ركزوا إهتمامهم علي أمور مختلفة تماما, من بينها مطالبة أذربيجان بتطبيق المعايير الأوروبية في التعامل مع المجتمع, لهذا السبب فإن إطلاق حرية الشاذين جنسيا أصبحت إحدي المشاكل المعلقة بين الطرفين. إذ ما أن تلقي الحكومة القبض علي نفر من أولئك الشاذين الذني يتنطعون علي نواصي بعض شوارع العاصمة, حتي تنهال الضغوط عليها, مطالبة بإطلاق سراحهم, ومتهمة إياها بمخالفة التزاماتها كعضو في المنظمة الأوروبية.
سمعت هذا الكلام من أحد الدبوماسيين الأذريين, الذي قال بمرارة: لقد إلتحقنا بالمنظمة لكي نحرر قرة باغ, فإذا بنا نفاجأ بأننا مطالبون بإطلاق حرية الشذوذ الجنسي! أما الحيرة في أذربيجان فراجعة إلي أن البلد يتجاذبه مختلف الدول ذات المصلحة فيها, روسيا من ناحية وإيران من ناحية ثانية وتركيا من ناحية ثالثة, والولايات المتحدة قبل الجميع. في السابق كانت النخبة تتجه إلي موسكو وتتعلم الروسية, وكان المستعربون من الفئات المميزة بين عناصر النخبة للأسباب التي نعرفها. الآن إختلف الوضع, وأصبحت النخبة تتجه إلي أوروبا أولا ثم الولايات المتحدة بعد ذلك, والمستعربون تراجع دورهم وأكثرهم أصبحوا عاطلين عن العمل, وبعدما أصبحت الاذرية المكتوبة بالحروف اللاتينية هي اللغة الرسمية للبلاد, فإن انقلابا ثقافيا حدث في البلاد. الآباء ذوو الثقافة الروسية أصبحوا عاجزين عن التواصل مع أبنائهم الذين يدرسون الأذربيجانية ويتكلمون بها. كما أنهم أصبحوا عاجزين عن مشاهدة تليفزيون باكو. أما الأجيال الجديدة التي تتكلم الاذرية, فقد أصبحت عاجزة بدورها عن مطالعة كل التراث الثقافي في البلاد المكتوب بالروسية وبالحروف الكريلية.