عبد الله بوراي
11-11-2006, 05:45 PM
[color=black:9fa1d950ad] إخترت لكم إخوانى هذا الموضوع لما إستشعرت مسيس الحاجة اليه
والموضوع _ طويل_
ولكنه شيق للغاية ومفيد
وعلنى أكون قد وفقت فى الإختيار
burai[/color:9fa1d950ad]
ل[size=24:9fa1d950ad][color=darkblue:9fa1d950ad]ماذا وكيف نتحاور؟
الشيخ الدكتور علي بن عمر بادحدح
المحتويات :
* المقدمة .
* أسباب الحوار وبواعثه .
* فوائد الحوار .
* أسس الحوار وضوابطه .
* آداب الحوار .
لماذا وكيف نتحاور
المقدمة :
والعنوان يدل على مضمون هذا الموضوع ، وأنه يتركز في الإجابة على هذين السؤالين :
أولاً : لماذا الحوار ؟
ثانياً : كيف يكون الحوار
وقبل ذلك وقفة يسيرة مع معنى الحوار
الحوار لغة : المحاورة في اللغة هي المجاوبة والتحاور التجاوب، ويقال : كلَّمته فما أحار جواباً ! أي ما رد جواباً وتحاور القوم أي تراجعوا الكلام بينهم .
ويتضح من هذه ا لإلماحات السريعة أن المقصود بالمحاورة والتحاور هو تراجع الكلام مخاطبةً وجواباً ؛ فهناك كلام وجواب بمعنى أنه قد يكون سؤالاً وجواباً أو رأي أو إعتراض فأخذ ورد، ويكون هذا بين الأطراف المتعددة، قد يكون هناك اثنين يتحاوران أو أكثر من اثنين، والله جل وعلا قد قص علينا من القرآن الكريم كثيراً من القصص التي أورد فيها الحوار وذكرت الآيات القول ورده والسؤال وجوابه، كما قال جل وعلا في سورة الكهف في قصة الرجلين : { قال له صاحبه وهو يحاوره }
قال أهل التفسير أي يخاطبه ويكلمه، فهذا بيان معنى المحاورة أي أنها هي المخاطبة والتكليم .
أسباب الحوار وبواعثه
الباعث الأول : أنموذج الحوار المنطقي
يعتبر الحوار في القرآن والسنة أنموذج نستقي منه ونعرج عليه، وقد قص الله علينا في قصص الأنبياء و المرسلين كثيراً من المحاورات التي وقعت بين الرسل والأنبياء وبين أقوامهم أو بين المعارضين لهم من الكبراء والطغاة، فقد قص الله جل وعلا علينا قصة إبراهيم عليه السلام خليل الله { ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك ... }
وذكر لنا أسلوب الحوار والرد الرائع ، والأدب الجم ، والحجة القوية ، والوصول إلى إحقاق الحق ، وإبطال الباطل في بضع آيات وقع الحديث عنها بين إبراهيم عليه السلام وبين هذا النمروذ - بالذال أو بالدال كما ذكر ابن كثير وغيره من المفسرين - وأيضاً قص الله جل وعلا في القرآن الكريم قصص كثيرة في حوار موسى عليه السلام مع فرعون ، وأيضاً في حواره مع قومه، وليس المقام هنا مقام ذكر هذه الآيات والتطويل فيها وإنما إشارة إلى ورودها وذكرها، ونعلم ذلك الحوار الذي جرى بين موسى وفرعون لما قال : { وما رب العالمين }
وتواصل الحوار حتى لجأ فرعون إلى حيلة العاجز واستعمال الأساليب التي تتخذ حينما يصل المحاور درجة العجز حيث قال : { لئن اتخذت إلهاً غيري لأجعلنك من المسجونين } .
فهنا لم تعد محاورة وإنما صارت صراع ، وانتهى الحوار ، وجاء منطق آخر غير علمي ولا منطقي ، ولا نافع للأطراف التي قد تختلف في الرأي بصورة أو بأخرى .
وقصة نوح ذكر الله جل وعلا في ثناياها أن قومه قالوا : { يانوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا } .
والمجادلة والمناظرة معاني قريبة من المحاورة، فالمجادلة مشتقة من الجدل، جدل الحبل أي فتله والمراد ان المجادل يريد أن يجدل صاحبه وأن يفتل مجادِله ليأخذه إلى رأيه وليقنعه بفكرته، والمناظرة هو النظر في الأمر بين اثنين رغبة في أن يكون نظر أحدهم هو الذي يقدَّم عند الآخر أو يقبل عند الآخر، والمجادلة والمحاورة أيضاً بمعنى قريب من هذا، وفي السنة وردت محاورات كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكرها يطول أيضاً، لكن أذكر - على سبيل المثال - مثالاً واحداً عارضاً في قصة الرجل الذي جاء النبي صلى الله عليه وسلم ومعه غلام أسود وقال : إن امرأتي جاءت بهذا لغلام السواد .
فهو كان في نفسه من ذلك ريبة وكأنه يخشى أن يكون هذا الولد ليس منه، وليس فيه ولا في زوجته ولا بعض أهله من له هذا اللون، فأدار النبي عليه الصلاة والسلام حواراً جميلاً مقنعاً ومطيِّباً للنفوس ومقيماً للحجة، قال له النبي صلى الله عليه وسلم : ( أليس لك إبل ؟ ) قال : بلى، قال : ( فما لونها ؟ ) ، قال : حمراء ، قال : ( هل فيها من أورق ؟ ) ، قال : نعم، قال : ( فمن أين جاء ؟ ) ، قال : لعله نزعه عرق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( فلعله ) أي فلعل ابنك هذا نزعه عرق .
وهذا معلوم في علم الوراثة يُعلم أن الصفات الوراثية قد تختفي جيلاً ، وتظهر في جيل آخر، فانظر إلى هذا الحوار اللطيف وإلى هذا الأخذ والرد والسؤال والجواب والإقناع الذي يحصل به قناعة العقل وطيبة النفس ومحبة القلب معاً، فهذا من الأسباب والبواعث للحوار، ما دام الله جل وعلا قد قص علينا والنبي صلى الله عليه وسلم قد قام بهذا الحوار وأجراه بينه وبين الناس من معاند ومخالف ومن موافق ومخالف، فلماذا لا نتعلم وننتفع بهذا الحوار .
الباعث الثاني : الحوار بين الإستحباب والفرض
أن أهل العلم ذكروا في حكم المناظرة أنه في كثير من الأحوال مستحبة ، وفي بعض الأحوال يتأكد إستحبابها بل فرضيته - على سبيل الكفاية - عند حصول المخالفة والمعاندة لدين الإسلام، يلزم أن يكون من أهل الإسلام من يقيم الحجة ويناظر أهل الكفر والباطل ويدحض حجتهم ويندد بشبهتهم، ولذا قال الشنقيطي رحمة الله عليه، في شأن المناظرة، قال :
" أقل مراتب حكمها الجواز إن كانت على الوجه المطلوب، وقال بعضهم بإستحبابه، وقيل : إن القدْر الذي يلزم لإبطال شبهة خصوم الحق فرض كفاية " .
وليس ببعيد أي لا يبعد أن يكون هذا فرض كفاية لأنه مما تحتاج إليه الأمة .
الباعث الثالث : وجود الإختلاف في الآراء وفي الطباع
وهذا أمر فطري بشري وهذا من إعجاز خلق الله سبحانه وتعالى، لا تجد إنسان يتطابق مع إنسان آخر في كل شي ء بل لا يتحقق ذلك في الإخوة الأشقاء بل لا يتحقق حتى في التوأم الذين يغلب عليهم صفات كثيرة من الشبه ؛ حتى إن بعض الناس لا يفرق بينهم لكنك تجد هذا حليماً متأداً أي ذا تؤدة وذلك سريع الغضب منفعلاً وتجد إختلاف في طريقة التفكير وفي سعة الذاكرة وفي توقد الذهن وفي سرعة الفهم .
ولذلك الله عز وجل خلق الناس مختلفين في أفهامهم وفي مداركهم وتصوراتهم وعقولهم ؛ وهذا بالتالي ينتج عنه إختلاف بين الناس ومادام وُجد الإختلاف فلا بد من وجود التحاور ، ولا بد من الأخذ و الرد ، وإقامة الحجة والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة ، وقد قال الله عز وجل : { وجادلهم بالتي هي أحسن } .
وهذا الإختلاف قال الله عز وجل عنه : { ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين * إلا ما رحم ربك ولذلك خلقهم } .
فلا يمكن مهما كان بيني وبينك من ود وألفة ومهما كان بيني وبينك من اشتراك في طلب العلم ومعايشةً في بيئة واحدة إلا أن الله جل وعلا قد جعل هذه فطرة بشرية في إختلاف آراء الناس يترتب عليها الإحتياج إلى مثل هذا الحوار .
الباعث الرابع : طبيعة بعض النصوص الشرعية
وقبولها لإختلاف الأفهام والأنظار، فنصوص الشرع ليست كلها قطعية بل فيها نصوص ظنية تحتمل معاني متعددة وتختلف فيها الأفهام وتتعدد فيها الإجتهادات، ومن ثم وجد أيضاً إختلاف في بعض المسائل والأحكام الشرعية في الأبواب التي يسوغ فيها الإجتهاد ولمن كان مؤهلاً وفق الضوابط الشرعية للاجتهاد الذي ذكرها أهل العلم، وهذا كما قال الشاطبي من رحمة الله عز وجل وحكمته، يقول الشاطبي في الإعتصام :
" إن الله تعالى حكم بحكمته أن تكون فروع هذه الملة قابلة للأنظار، ومجالاً للظنون - لا يفهم من معنى الظنون أي الظن الفاسد يعني المسائل الظنية -، وقد ثبت عند النظار أن النظريات لا يمكن الاتفاق فيها عادة، فالظنيات عريقة في إمكان الاختلاف، لكن في الفروع دون الأصول، وفي الجزئيات دون الكليات "
وحسبنا أن نضرب مثلاً واحداً في مسألة من مسائل الإختلاف التي يظهر فيها أن هناك ما يسوغ مثل هذا الإختلاف :
الله جل وعلا قال في شأن المطلقات { يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء }.
والقرء هو من الأضداد اللغوية يطلق على الحيض ويطلق على الطهر، فقائل بأن المقصود هي أن العدة هي ثلاث حيضات وقائل ثلاث أطهار، وهذا القول في الواقع العمل الذي يترتب عليه غير العمل الذي يترتب على القول الآخر، وهناك أسباب كثيرة ذكرها أهل العلم ولخصها وأوجزها شيخ الإسلام ابن تيمية في رفع الملام عن الأئمة الأعلام عندما ذكر أسباب الإختلاف من ذلك : " أنه قد لا يبلغه النص أو قد يبلغه النص ، ويختلف الإجتهاد في التصحيح والتضعيف ،أو قد يتفق الإثنان على التصحيح لنص ما لكن يختلفان في دلالته ! وثالث أو رابع قد يتفقان في الدلالة ولكن يظن بعضهم أن بهذا النص ناسخ .. إلى غير ذلك لما ورد ووقع فيه الإختلاف في الآراء " .
الباعث الخامس : واقع الحوار
إن واقع الحوار غير مرضي وغير متطابق مع الضوابط الشرعية وآداب الإسلام في كثير من الأحوال، وكما قلت كثيراً ما ينقلب الحوار إلى مجادلة وقد تتحول المجادلة إلى مخاصمة ، وقد تنتقل المخاصمة إلى مضاربة أو مصارعة وأحياناً تجد اثنين قد اختلفا في أمر من الأمور فجاءا ليتفهما فلم تلبث إلا جزيئة أو جزء من الدقيقة ، فإذا بك تسمع صوتاً محتداً وكلمات متبادلة واتهامات تطير من هنا وهناك، وهذا الواقع لا شك أنه لا يليق بالمسلمين من بذاءة في الألفاظ أو قذف بالإتهامات أو وجود لإضمار السوء بالنوايا أو نحو ذلك .
فلما وجدت بعض هذه الصور التي فيها خلل وخطل و خطأ كان من المناسب أن يكون مثل الحديث، وأظن أنه قد سلف أحاديث بعضها يمس هذا الموضوع من قريب أو بصورة غير مباشرة، وأحسب أن هناك من الأحاديث والمحاضرات في هذه الموضوع ما هو جدير بأن يستفاد منه ويحرص عليه، لماذا نتحاور ؟ لوجود هذه الأسباب .
وللحديت تكملة
burai[/color:9fa1d950ad][/size:9fa1d950ad]
والموضوع _ طويل_
ولكنه شيق للغاية ومفيد
وعلنى أكون قد وفقت فى الإختيار
burai[/color:9fa1d950ad]
ل[size=24:9fa1d950ad][color=darkblue:9fa1d950ad]ماذا وكيف نتحاور؟
الشيخ الدكتور علي بن عمر بادحدح
المحتويات :
* المقدمة .
* أسباب الحوار وبواعثه .
* فوائد الحوار .
* أسس الحوار وضوابطه .
* آداب الحوار .
لماذا وكيف نتحاور
المقدمة :
والعنوان يدل على مضمون هذا الموضوع ، وأنه يتركز في الإجابة على هذين السؤالين :
أولاً : لماذا الحوار ؟
ثانياً : كيف يكون الحوار
وقبل ذلك وقفة يسيرة مع معنى الحوار
الحوار لغة : المحاورة في اللغة هي المجاوبة والتحاور التجاوب، ويقال : كلَّمته فما أحار جواباً ! أي ما رد جواباً وتحاور القوم أي تراجعوا الكلام بينهم .
ويتضح من هذه ا لإلماحات السريعة أن المقصود بالمحاورة والتحاور هو تراجع الكلام مخاطبةً وجواباً ؛ فهناك كلام وجواب بمعنى أنه قد يكون سؤالاً وجواباً أو رأي أو إعتراض فأخذ ورد، ويكون هذا بين الأطراف المتعددة، قد يكون هناك اثنين يتحاوران أو أكثر من اثنين، والله جل وعلا قد قص علينا من القرآن الكريم كثيراً من القصص التي أورد فيها الحوار وذكرت الآيات القول ورده والسؤال وجوابه، كما قال جل وعلا في سورة الكهف في قصة الرجلين : { قال له صاحبه وهو يحاوره }
قال أهل التفسير أي يخاطبه ويكلمه، فهذا بيان معنى المحاورة أي أنها هي المخاطبة والتكليم .
أسباب الحوار وبواعثه
الباعث الأول : أنموذج الحوار المنطقي
يعتبر الحوار في القرآن والسنة أنموذج نستقي منه ونعرج عليه، وقد قص الله علينا في قصص الأنبياء و المرسلين كثيراً من المحاورات التي وقعت بين الرسل والأنبياء وبين أقوامهم أو بين المعارضين لهم من الكبراء والطغاة، فقد قص الله جل وعلا علينا قصة إبراهيم عليه السلام خليل الله { ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك ... }
وذكر لنا أسلوب الحوار والرد الرائع ، والأدب الجم ، والحجة القوية ، والوصول إلى إحقاق الحق ، وإبطال الباطل في بضع آيات وقع الحديث عنها بين إبراهيم عليه السلام وبين هذا النمروذ - بالذال أو بالدال كما ذكر ابن كثير وغيره من المفسرين - وأيضاً قص الله جل وعلا في القرآن الكريم قصص كثيرة في حوار موسى عليه السلام مع فرعون ، وأيضاً في حواره مع قومه، وليس المقام هنا مقام ذكر هذه الآيات والتطويل فيها وإنما إشارة إلى ورودها وذكرها، ونعلم ذلك الحوار الذي جرى بين موسى وفرعون لما قال : { وما رب العالمين }
وتواصل الحوار حتى لجأ فرعون إلى حيلة العاجز واستعمال الأساليب التي تتخذ حينما يصل المحاور درجة العجز حيث قال : { لئن اتخذت إلهاً غيري لأجعلنك من المسجونين } .
فهنا لم تعد محاورة وإنما صارت صراع ، وانتهى الحوار ، وجاء منطق آخر غير علمي ولا منطقي ، ولا نافع للأطراف التي قد تختلف في الرأي بصورة أو بأخرى .
وقصة نوح ذكر الله جل وعلا في ثناياها أن قومه قالوا : { يانوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا } .
والمجادلة والمناظرة معاني قريبة من المحاورة، فالمجادلة مشتقة من الجدل، جدل الحبل أي فتله والمراد ان المجادل يريد أن يجدل صاحبه وأن يفتل مجادِله ليأخذه إلى رأيه وليقنعه بفكرته، والمناظرة هو النظر في الأمر بين اثنين رغبة في أن يكون نظر أحدهم هو الذي يقدَّم عند الآخر أو يقبل عند الآخر، والمجادلة والمحاورة أيضاً بمعنى قريب من هذا، وفي السنة وردت محاورات كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكرها يطول أيضاً، لكن أذكر - على سبيل المثال - مثالاً واحداً عارضاً في قصة الرجل الذي جاء النبي صلى الله عليه وسلم ومعه غلام أسود وقال : إن امرأتي جاءت بهذا لغلام السواد .
فهو كان في نفسه من ذلك ريبة وكأنه يخشى أن يكون هذا الولد ليس منه، وليس فيه ولا في زوجته ولا بعض أهله من له هذا اللون، فأدار النبي عليه الصلاة والسلام حواراً جميلاً مقنعاً ومطيِّباً للنفوس ومقيماً للحجة، قال له النبي صلى الله عليه وسلم : ( أليس لك إبل ؟ ) قال : بلى، قال : ( فما لونها ؟ ) ، قال : حمراء ، قال : ( هل فيها من أورق ؟ ) ، قال : نعم، قال : ( فمن أين جاء ؟ ) ، قال : لعله نزعه عرق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( فلعله ) أي فلعل ابنك هذا نزعه عرق .
وهذا معلوم في علم الوراثة يُعلم أن الصفات الوراثية قد تختفي جيلاً ، وتظهر في جيل آخر، فانظر إلى هذا الحوار اللطيف وإلى هذا الأخذ والرد والسؤال والجواب والإقناع الذي يحصل به قناعة العقل وطيبة النفس ومحبة القلب معاً، فهذا من الأسباب والبواعث للحوار، ما دام الله جل وعلا قد قص علينا والنبي صلى الله عليه وسلم قد قام بهذا الحوار وأجراه بينه وبين الناس من معاند ومخالف ومن موافق ومخالف، فلماذا لا نتعلم وننتفع بهذا الحوار .
الباعث الثاني : الحوار بين الإستحباب والفرض
أن أهل العلم ذكروا في حكم المناظرة أنه في كثير من الأحوال مستحبة ، وفي بعض الأحوال يتأكد إستحبابها بل فرضيته - على سبيل الكفاية - عند حصول المخالفة والمعاندة لدين الإسلام، يلزم أن يكون من أهل الإسلام من يقيم الحجة ويناظر أهل الكفر والباطل ويدحض حجتهم ويندد بشبهتهم، ولذا قال الشنقيطي رحمة الله عليه، في شأن المناظرة، قال :
" أقل مراتب حكمها الجواز إن كانت على الوجه المطلوب، وقال بعضهم بإستحبابه، وقيل : إن القدْر الذي يلزم لإبطال شبهة خصوم الحق فرض كفاية " .
وليس ببعيد أي لا يبعد أن يكون هذا فرض كفاية لأنه مما تحتاج إليه الأمة .
الباعث الثالث : وجود الإختلاف في الآراء وفي الطباع
وهذا أمر فطري بشري وهذا من إعجاز خلق الله سبحانه وتعالى، لا تجد إنسان يتطابق مع إنسان آخر في كل شي ء بل لا يتحقق ذلك في الإخوة الأشقاء بل لا يتحقق حتى في التوأم الذين يغلب عليهم صفات كثيرة من الشبه ؛ حتى إن بعض الناس لا يفرق بينهم لكنك تجد هذا حليماً متأداً أي ذا تؤدة وذلك سريع الغضب منفعلاً وتجد إختلاف في طريقة التفكير وفي سعة الذاكرة وفي توقد الذهن وفي سرعة الفهم .
ولذلك الله عز وجل خلق الناس مختلفين في أفهامهم وفي مداركهم وتصوراتهم وعقولهم ؛ وهذا بالتالي ينتج عنه إختلاف بين الناس ومادام وُجد الإختلاف فلا بد من وجود التحاور ، ولا بد من الأخذ و الرد ، وإقامة الحجة والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة ، وقد قال الله عز وجل : { وجادلهم بالتي هي أحسن } .
وهذا الإختلاف قال الله عز وجل عنه : { ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين * إلا ما رحم ربك ولذلك خلقهم } .
فلا يمكن مهما كان بيني وبينك من ود وألفة ومهما كان بيني وبينك من اشتراك في طلب العلم ومعايشةً في بيئة واحدة إلا أن الله جل وعلا قد جعل هذه فطرة بشرية في إختلاف آراء الناس يترتب عليها الإحتياج إلى مثل هذا الحوار .
الباعث الرابع : طبيعة بعض النصوص الشرعية
وقبولها لإختلاف الأفهام والأنظار، فنصوص الشرع ليست كلها قطعية بل فيها نصوص ظنية تحتمل معاني متعددة وتختلف فيها الأفهام وتتعدد فيها الإجتهادات، ومن ثم وجد أيضاً إختلاف في بعض المسائل والأحكام الشرعية في الأبواب التي يسوغ فيها الإجتهاد ولمن كان مؤهلاً وفق الضوابط الشرعية للاجتهاد الذي ذكرها أهل العلم، وهذا كما قال الشاطبي من رحمة الله عز وجل وحكمته، يقول الشاطبي في الإعتصام :
" إن الله تعالى حكم بحكمته أن تكون فروع هذه الملة قابلة للأنظار، ومجالاً للظنون - لا يفهم من معنى الظنون أي الظن الفاسد يعني المسائل الظنية -، وقد ثبت عند النظار أن النظريات لا يمكن الاتفاق فيها عادة، فالظنيات عريقة في إمكان الاختلاف، لكن في الفروع دون الأصول، وفي الجزئيات دون الكليات "
وحسبنا أن نضرب مثلاً واحداً في مسألة من مسائل الإختلاف التي يظهر فيها أن هناك ما يسوغ مثل هذا الإختلاف :
الله جل وعلا قال في شأن المطلقات { يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء }.
والقرء هو من الأضداد اللغوية يطلق على الحيض ويطلق على الطهر، فقائل بأن المقصود هي أن العدة هي ثلاث حيضات وقائل ثلاث أطهار، وهذا القول في الواقع العمل الذي يترتب عليه غير العمل الذي يترتب على القول الآخر، وهناك أسباب كثيرة ذكرها أهل العلم ولخصها وأوجزها شيخ الإسلام ابن تيمية في رفع الملام عن الأئمة الأعلام عندما ذكر أسباب الإختلاف من ذلك : " أنه قد لا يبلغه النص أو قد يبلغه النص ، ويختلف الإجتهاد في التصحيح والتضعيف ،أو قد يتفق الإثنان على التصحيح لنص ما لكن يختلفان في دلالته ! وثالث أو رابع قد يتفقان في الدلالة ولكن يظن بعضهم أن بهذا النص ناسخ .. إلى غير ذلك لما ورد ووقع فيه الإختلاف في الآراء " .
الباعث الخامس : واقع الحوار
إن واقع الحوار غير مرضي وغير متطابق مع الضوابط الشرعية وآداب الإسلام في كثير من الأحوال، وكما قلت كثيراً ما ينقلب الحوار إلى مجادلة وقد تتحول المجادلة إلى مخاصمة ، وقد تنتقل المخاصمة إلى مضاربة أو مصارعة وأحياناً تجد اثنين قد اختلفا في أمر من الأمور فجاءا ليتفهما فلم تلبث إلا جزيئة أو جزء من الدقيقة ، فإذا بك تسمع صوتاً محتداً وكلمات متبادلة واتهامات تطير من هنا وهناك، وهذا الواقع لا شك أنه لا يليق بالمسلمين من بذاءة في الألفاظ أو قذف بالإتهامات أو وجود لإضمار السوء بالنوايا أو نحو ذلك .
فلما وجدت بعض هذه الصور التي فيها خلل وخطل و خطأ كان من المناسب أن يكون مثل الحديث، وأظن أنه قد سلف أحاديث بعضها يمس هذا الموضوع من قريب أو بصورة غير مباشرة، وأحسب أن هناك من الأحاديث والمحاضرات في هذه الموضوع ما هو جدير بأن يستفاد منه ويحرص عليه، لماذا نتحاور ؟ لوجود هذه الأسباب .
وللحديت تكملة
burai[/color:9fa1d950ad][/size:9fa1d950ad]