no saowt
10-30-2006, 02:10 AM
[size=16:737530acb9]
[b:737530acb9]حتى لا ننسى: مذبحة كفرقاسم والعدوان الثلاثي على مصر[/b:737530acb9]
طلال سلمان
لا أحد يعرف كيف امتلأت شوارع بيروت التي طالما اتسعت بعد ذلك للبنانيين جميعاً وللقضايا العربية جميعاً، بتلك الحشود التي تقاطرت من الجهات الأربع، وسارت تهتف لمصر ولقائدها جمال عبد الناصر، وتنادي بالموت للثلاثي أنطوني إيدن وغي موليه ودافيد بن غوريون..
لم يكن ثمة من وسائل الإعلام إلا الراديو ثابتاً أو متحركاً (الترانزيستور) الذي لعب آنذاك دوراً خطيراً في توسيع دائرة المعرفة بما يدور من حولنا في العالم، لا سيما ما يخصنا كعرب.
كان الناس يعيشون تطور الأحداث لحظة بلحظة منذ أن أقدم قائد ثورة 23 يوليو (تموز) جمال عبد الناصر على الخطوة التي ستغيّر مجرى التاريخ في هذه المنطقة، بل وفي العالم كله: لقد أعلن في خطاب جماهيري في الإسكندرية صار من بعد كالأيقونة المقدسة القرار بتأميم <الشركة العالمية لقناة السويس> رداً على سحب العرض الأميركي بتمويل مشروع بناء السد العالي، واستعادة هذا المرفق الحيوي إلى أهله.
هاج الغرب كله اعتراضاً على استعادة مصر حقوقها المشروعة في القناة التي دفن في حفرها عشرات الألوف من العمال المصريين، والتي كان مردودها المالي المؤثر يذهب إلى الشركة الأجنبية (البريطانية الفرنسية مع شركاء غربيين آخرين).. وتوالت التهديدات لمصر وثورتها الفتية. وأطلقت على عبد الناصر أبشع النعوت، وصوّر كأنه عدو التقدم الإنساني والتواصل بين الحضارات، و<المعتدي> على <الحقوق التي تضمنها معاهدات دولية> إلخ... وكانت بريطانيا وفرنسا على رأس الهائجين، وقد انضمت إليهما إسرائيل بطبيعة الحال.
وُجهت الإنذارات بالحرب إلى مصر، والتقى سراً رؤساء حكومات الدول الثلاث: أنطوني ايدن (بريطانيا) وغي موليه (فرنسا) ودافيد بن غوريون (إسرائيل)، ومعهم جنرالاتهم واتخذوا قرارهم بشن الحرب على مصر.
وفي 29 تشرين الأول من العام 1956 باشرت هذه الدول عدوانها الثلاثي ضد مصر: تقدمت القوات الإسرائيلية في سيناء قاصدة القناة، ووجهت بريطانيا وفرنسا إنذاراً إلى عبد الناصر بإخلاء منطقة القناة لأنهما ستتوليان <الأمن> فيها ضماناً لسلامة الملاحة في هذا المرفق الدولي... وبدأت الغارات الجوية بمشاركة ثلاثية من قبل أن يصل الإنذار!
كان لإسرائيل <ثأرها> على جمال عبد الناصر الذي احتضن قضية فلسطين وشعبها المشرّد.. وربما من باب توكيد الرابط بين حرية أي قطر عربي والقضية الفلسطينية جاء إقدام إسرائيل في اليوم ذاته، 29 تشرين الأول ,1956 على تنظيم مذبحة كفرقاسم.
قرّر بن غوريون ونفذ موشي دايان: عند الرابعة والنصف عصراً أبلغ ضابط إسرائيلي مختار كفرقاسم قرار حظر التجول في البلدة ابتداء من الساعة الخامسة. كان الأهالي في حقولهم أو يسعون إلى رزقهم خارج البلدة، وكان مستحيلاً إبلاغهم بالقرار الهمايوني. وهكذا فقد حصدهم الرصاص الإسرائيلي عند عودتهم، ثم أكمل الجنود المهمة داخل البلدة فقتلوا كل من صادفوه من النساء والأطفال والرجال... وسقط 49 شهيداً في الطرقات أو على أبواب منازلهم، إضافة إلى عشرات الجرحى. وبالطبع منعت الرقابة نشر أي خبر عن المذبحة. وليس إلا بعد أيام حتى عرف الناس داخل فلسطين، أساساً، ثم خارجها بأخبار هذه الجريمة الجماعية، وخصوصاً أن الكل كان منهمكاً بمتابعة أخبار العدوان الثلاثي على مصر والصمود العظيم للشعب المصري تحت الشعار المجيد الذي أطلقه جمال عبد الناصر من الجامع الأزهر: سنقاتل، سنقاتل، سنقاتل! ولن نستسلم!
.. وكان لفرنسا <ثأرها> على عبد الناصر الذي كان قد احتضن الثورة في الجزائر، وأمدها بما تحتاج من وسائل دعم عسكري وسياسي، ممّا مكّنها من مواجهة الوحشية الزائدة عن أي توقع التي مارسها جيش الاحتلال الفرنسي ضد النساء والرجال والأطفال، فأباد فيها قرى، وهجّر عشرات الآلاف، وانتهك الحرمات جميعاً تحت شعار أن <الجزائر جزء من فرنسا> وما يجري فيها <تمرد> ومن حقها أن تقمعه مع رفضها أي تدخل
<خارجي>، فكيف بأن يتحرك العرب جميعاً، وتحت قيادة عبد الناصر، لنصرتها؟ ولا سيما أن هذه الثورة كانت تحظى بتعاطف واسع من المغاربة والتوانسة الطامحين بدورهم إلى التحرر من الاستعمار الفرنسي.
وكان لبريطانيا <ثأرها> على جمال عبد الناصر، فهو فضلاً عن أنه أخرجها من مصر، فإنه ينصر الحركات الثورية المنادية بالتحرر، يرفض الأحلاف الأجنبية التي كانت تستدرج إليها بعض الحكومات (العراق والأردن) ويدعم المناضلين في جنوب اليمن وفي عمان والبحرين، ويرعى النهوض الوطني في أقطار الخليج ثم إنه يرفع راية فلسطين...
تلاقت الأهداف بين الثلاثي ايدن غي موليه وبن غوريون، فكان العدوان الثلاثي على مصر، الذي وجدت فيه الولايات المتحدة الأميركية فرصة للتعجيل بتنفيذ خطة معدة لطرد <الاستعمار القديم> من هذه المنطقة، بأمل أن تحل بهيمنتها مكانه، بينما وجد فيه الاتحاد السوفياتي مناسبة ذهبية لتوطيد العلاقة التي كانت في بداياتها مع مصر الثورة بقيادة عبد الناصر، وتحقيق حلم الوصول إلى <المياه الدافئة>...
بالمقابل نزلت الشعوب العربية إلى الشوارع تأييداً لمصر ومساندة لها، وهوجمت المصالح البريطانية والفرنسية في العديد من الأقطار العربية أبرزها سوريا، كما جهر العرب بتأييدهم لثورة الجزائر، وعادت فلسطين تحتل موقعها في اهتماماتهم.
كانت لحظة ثورية نادرة في التاريخ العربي الحديث أسّست للكثير من التطورات في اتجاه التحرر والتحرير وتحقيق حلم الوحدة. لكن ذلك موضوع آخر.
? ? ?
ذلك كان في الماضي...
لكن الحاضر يشهد ما هو أفظع من العدوان الثلاثي: فالمذبحة الإسرائيلية ضد فلسطين وأهلها مستمرة، ومذبحة الاحتلال الأميركي ضد شعب العراق أبادت حتى هذه اللحظة الدولة ومؤسساتها والروابط بين أبناء الشعب الواحد فضلاً عن أكثر من 655 ألف شهيد فيهم رجال ونساء وأطفال وأجنّة...
ولبنان يكاد يغرق في أزماته، سواء ما هو نتيجة تراكم سوء إدارة السلطة، أو نتيجة افتراق أهله إلى شوارع متقابلة بسبب الموقف من الحرب الإسرائيلية على لبنان.
ليبيا ضاعت، والسودان يتمزق، والجزائر غارقة في أزماتها والمغرب خارج السمع واليمن مشغول بذاته، والخليج يعاني من تخمة الأموال التي تغطي الهيمنة الأجنبية...
المخاطر ما تزال قائمة، ولعلها الآن داهمة وستكون نتائجها قاسية على المجتمعات العربية.
وبين ما يحزن أن يكون <الشارع> قد أفرغ من أهله في معظم الأقطار العربية بالمخابرات والمباحث أما في لبنان فهو يعاني من انقسام يحوّله إلى مصدر خطر بدل أن يكون مرشداً للحاكم إلى الطريق الصح.
... وهذه الكلمات تحية لذكرى انتصار عظيم في مصر شكّل نقطة تحوّل مضيئة في تاريخنا العربي، لكن مياهاً كثيرة جرت في نهر الأحداث فأضاعت الانتصار والمنتصرين.
[/size:737530acb9]
[b:737530acb9]حتى لا ننسى: مذبحة كفرقاسم والعدوان الثلاثي على مصر[/b:737530acb9]
طلال سلمان
لا أحد يعرف كيف امتلأت شوارع بيروت التي طالما اتسعت بعد ذلك للبنانيين جميعاً وللقضايا العربية جميعاً، بتلك الحشود التي تقاطرت من الجهات الأربع، وسارت تهتف لمصر ولقائدها جمال عبد الناصر، وتنادي بالموت للثلاثي أنطوني إيدن وغي موليه ودافيد بن غوريون..
لم يكن ثمة من وسائل الإعلام إلا الراديو ثابتاً أو متحركاً (الترانزيستور) الذي لعب آنذاك دوراً خطيراً في توسيع دائرة المعرفة بما يدور من حولنا في العالم، لا سيما ما يخصنا كعرب.
كان الناس يعيشون تطور الأحداث لحظة بلحظة منذ أن أقدم قائد ثورة 23 يوليو (تموز) جمال عبد الناصر على الخطوة التي ستغيّر مجرى التاريخ في هذه المنطقة، بل وفي العالم كله: لقد أعلن في خطاب جماهيري في الإسكندرية صار من بعد كالأيقونة المقدسة القرار بتأميم <الشركة العالمية لقناة السويس> رداً على سحب العرض الأميركي بتمويل مشروع بناء السد العالي، واستعادة هذا المرفق الحيوي إلى أهله.
هاج الغرب كله اعتراضاً على استعادة مصر حقوقها المشروعة في القناة التي دفن في حفرها عشرات الألوف من العمال المصريين، والتي كان مردودها المالي المؤثر يذهب إلى الشركة الأجنبية (البريطانية الفرنسية مع شركاء غربيين آخرين).. وتوالت التهديدات لمصر وثورتها الفتية. وأطلقت على عبد الناصر أبشع النعوت، وصوّر كأنه عدو التقدم الإنساني والتواصل بين الحضارات، و<المعتدي> على <الحقوق التي تضمنها معاهدات دولية> إلخ... وكانت بريطانيا وفرنسا على رأس الهائجين، وقد انضمت إليهما إسرائيل بطبيعة الحال.
وُجهت الإنذارات بالحرب إلى مصر، والتقى سراً رؤساء حكومات الدول الثلاث: أنطوني ايدن (بريطانيا) وغي موليه (فرنسا) ودافيد بن غوريون (إسرائيل)، ومعهم جنرالاتهم واتخذوا قرارهم بشن الحرب على مصر.
وفي 29 تشرين الأول من العام 1956 باشرت هذه الدول عدوانها الثلاثي ضد مصر: تقدمت القوات الإسرائيلية في سيناء قاصدة القناة، ووجهت بريطانيا وفرنسا إنذاراً إلى عبد الناصر بإخلاء منطقة القناة لأنهما ستتوليان <الأمن> فيها ضماناً لسلامة الملاحة في هذا المرفق الدولي... وبدأت الغارات الجوية بمشاركة ثلاثية من قبل أن يصل الإنذار!
كان لإسرائيل <ثأرها> على جمال عبد الناصر الذي احتضن قضية فلسطين وشعبها المشرّد.. وربما من باب توكيد الرابط بين حرية أي قطر عربي والقضية الفلسطينية جاء إقدام إسرائيل في اليوم ذاته، 29 تشرين الأول ,1956 على تنظيم مذبحة كفرقاسم.
قرّر بن غوريون ونفذ موشي دايان: عند الرابعة والنصف عصراً أبلغ ضابط إسرائيلي مختار كفرقاسم قرار حظر التجول في البلدة ابتداء من الساعة الخامسة. كان الأهالي في حقولهم أو يسعون إلى رزقهم خارج البلدة، وكان مستحيلاً إبلاغهم بالقرار الهمايوني. وهكذا فقد حصدهم الرصاص الإسرائيلي عند عودتهم، ثم أكمل الجنود المهمة داخل البلدة فقتلوا كل من صادفوه من النساء والأطفال والرجال... وسقط 49 شهيداً في الطرقات أو على أبواب منازلهم، إضافة إلى عشرات الجرحى. وبالطبع منعت الرقابة نشر أي خبر عن المذبحة. وليس إلا بعد أيام حتى عرف الناس داخل فلسطين، أساساً، ثم خارجها بأخبار هذه الجريمة الجماعية، وخصوصاً أن الكل كان منهمكاً بمتابعة أخبار العدوان الثلاثي على مصر والصمود العظيم للشعب المصري تحت الشعار المجيد الذي أطلقه جمال عبد الناصر من الجامع الأزهر: سنقاتل، سنقاتل، سنقاتل! ولن نستسلم!
.. وكان لفرنسا <ثأرها> على عبد الناصر الذي كان قد احتضن الثورة في الجزائر، وأمدها بما تحتاج من وسائل دعم عسكري وسياسي، ممّا مكّنها من مواجهة الوحشية الزائدة عن أي توقع التي مارسها جيش الاحتلال الفرنسي ضد النساء والرجال والأطفال، فأباد فيها قرى، وهجّر عشرات الآلاف، وانتهك الحرمات جميعاً تحت شعار أن <الجزائر جزء من فرنسا> وما يجري فيها <تمرد> ومن حقها أن تقمعه مع رفضها أي تدخل
<خارجي>، فكيف بأن يتحرك العرب جميعاً، وتحت قيادة عبد الناصر، لنصرتها؟ ولا سيما أن هذه الثورة كانت تحظى بتعاطف واسع من المغاربة والتوانسة الطامحين بدورهم إلى التحرر من الاستعمار الفرنسي.
وكان لبريطانيا <ثأرها> على جمال عبد الناصر، فهو فضلاً عن أنه أخرجها من مصر، فإنه ينصر الحركات الثورية المنادية بالتحرر، يرفض الأحلاف الأجنبية التي كانت تستدرج إليها بعض الحكومات (العراق والأردن) ويدعم المناضلين في جنوب اليمن وفي عمان والبحرين، ويرعى النهوض الوطني في أقطار الخليج ثم إنه يرفع راية فلسطين...
تلاقت الأهداف بين الثلاثي ايدن غي موليه وبن غوريون، فكان العدوان الثلاثي على مصر، الذي وجدت فيه الولايات المتحدة الأميركية فرصة للتعجيل بتنفيذ خطة معدة لطرد <الاستعمار القديم> من هذه المنطقة، بأمل أن تحل بهيمنتها مكانه، بينما وجد فيه الاتحاد السوفياتي مناسبة ذهبية لتوطيد العلاقة التي كانت في بداياتها مع مصر الثورة بقيادة عبد الناصر، وتحقيق حلم الوصول إلى <المياه الدافئة>...
بالمقابل نزلت الشعوب العربية إلى الشوارع تأييداً لمصر ومساندة لها، وهوجمت المصالح البريطانية والفرنسية في العديد من الأقطار العربية أبرزها سوريا، كما جهر العرب بتأييدهم لثورة الجزائر، وعادت فلسطين تحتل موقعها في اهتماماتهم.
كانت لحظة ثورية نادرة في التاريخ العربي الحديث أسّست للكثير من التطورات في اتجاه التحرر والتحرير وتحقيق حلم الوحدة. لكن ذلك موضوع آخر.
? ? ?
ذلك كان في الماضي...
لكن الحاضر يشهد ما هو أفظع من العدوان الثلاثي: فالمذبحة الإسرائيلية ضد فلسطين وأهلها مستمرة، ومذبحة الاحتلال الأميركي ضد شعب العراق أبادت حتى هذه اللحظة الدولة ومؤسساتها والروابط بين أبناء الشعب الواحد فضلاً عن أكثر من 655 ألف شهيد فيهم رجال ونساء وأطفال وأجنّة...
ولبنان يكاد يغرق في أزماته، سواء ما هو نتيجة تراكم سوء إدارة السلطة، أو نتيجة افتراق أهله إلى شوارع متقابلة بسبب الموقف من الحرب الإسرائيلية على لبنان.
ليبيا ضاعت، والسودان يتمزق، والجزائر غارقة في أزماتها والمغرب خارج السمع واليمن مشغول بذاته، والخليج يعاني من تخمة الأموال التي تغطي الهيمنة الأجنبية...
المخاطر ما تزال قائمة، ولعلها الآن داهمة وستكون نتائجها قاسية على المجتمعات العربية.
وبين ما يحزن أن يكون <الشارع> قد أفرغ من أهله في معظم الأقطار العربية بالمخابرات والمباحث أما في لبنان فهو يعاني من انقسام يحوّله إلى مصدر خطر بدل أن يكون مرشداً للحاكم إلى الطريق الصح.
... وهذه الكلمات تحية لذكرى انتصار عظيم في مصر شكّل نقطة تحوّل مضيئة في تاريخنا العربي، لكن مياهاً كثيرة جرت في نهر الأحداث فأضاعت الانتصار والمنتصرين.
[/size:737530acb9]