طرابلسي
09-29-2006, 09:28 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: مسألة تقديم وقت أذان الفجر، وتأخير توقيت العشاء.
الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
أما بعد:
فمنذ فترة من الزمن والناس في قيل وقال، وأخذ ورد في موضوع صحة وقت الفجر في التقاويم المتداولة، فذهب فريق من العلماء والباحثين إلى خطأ هذه التقاويم، وأن فيها اختلافاً عن الواقع المشاهد من قبل العشرات من طلبة العلم، والخبراء في الفلك الموثوق بهم.
وكان المدافعون عن التقاويم يردون على المصححين ,ويرون صحة هذه التقاويم ,رغم عدم المعرفة التامة عن واضعيها ,وعن علمهم الشرعي.
أصل المسألة :
لقد تتبعت هذه المسألة منذ أكثر من خمس وعشرين سنة وتبين لي ما يلي :
عدم التفريق بين الفجرين :
مما هو معلوم في الشرع والفلك، أن ثمة فجرين فجر كاذب، وفجر صادق، والكاذب يطلع قبل الصادق بـ(20) دقيقة، تزيد قليلاً أو تنقص، حسب فصول السنة.
والكاذب يُحل الطعام للصائم، ويُحرم صلاة الفجر، والصادق يحرم الطعام، ويحل صلاة الفجر.
قال صلى الله عليه وسلم: (( إن بلالاً يؤذن بليل ( وهو أذان الفجر الكاذب )ä، فكلوا، واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم ))( ) (وهو أذان الفجر الصادق ) ä ودليل أن هذا الليل الذي يؤذن فيه بلال هو الفجر الكاذب رغم أن فيه نوراً , ما رواه مسلم عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يغرنكم أذان بلال ولاهذا البياض لعمود الصبح حتى يستطير " ففيه دليل صريح أن النور الذي يخرج أفقيًا ليس هو الفجر المعتمد الصادق ، بل هو الفجر الكاذب الذي لا يعتد به ... ومع ذلك فقد اعتد به واضعوا التقاويم ، لعدم معرفتهم بالسنة, كما سنبين ذلك لاحقًا .
ويؤيد هذا قول ابن عمر في الحديث نفسه: وكان – أي ابن أم مكتوم – رجلاً أعمى لا ينادي حتى يقال أصبحت أصبحت ، أي : حتى يظهر النور لكل من يتوجه إلى المسجد فيخبرون ابن أم مكتوم بطلوع الصبح لكي يؤذن . فأين هذا من أذان الناس اليوم
وقال صلى الله عليه وسلم: (( الفجر فجران: فجر يحرم فيه الطعام، وتحلُّ فيه الصلاة، وفجر تَحرمُ فيهِ الصلاة، ويحلُّ فيه الطعامُ)) .
كلام أهل العلم في مسألة الطعام والفجرين :
قال النووي -رحمه الله-: قال أصحابنا: والأحكام كلها معلقة بالفجر الثاني، فيه يدخل وقت صلاة الصبح ,ويخرج وقت العشاء ,ويدخل في الصوم ,ويحرم به الطعام والشراب على الصائم ,وبه ينقضي الليل ويدخل النهار ,ولا يتعلق بالفجر الأول ((الكاذب)) شيء من الأحكام بإجماع المسلمين)). [المجموع (3/44)]
وقال أبو عمر بن عبد البر: ((أجمع العلماء ؛ على أن وقت صلاة الصبح طلوع الفجر الثاني إذا تبين طلوعه، وهو البياض المنتشر من أفق المشرق، والذي لا ظلمة بعده)). [الإجماع ص46]
وقال ابن حزم: ((ولا يجزئ لها الأذان الذي كان قبل الفجر، لأنه أذان سحور، لا أذان للصلاة، ولا يجوز أن يؤذن لها قبل المقدار الذي ذكرناه.
وروى بسنده عن الحسن البصري أن رجلاً قال: يا أبا سعيد، الرجل يؤذن قبل الفجر يوقظ الناس؟ فغضب وقال: علوج فراغ، لو أدركهم عمر بن الخطاب لأوجع جنوبهم! من أذن قبل الفجر فإنما صلى أهل ذلك المسجد بإقامة لا أذان فيه)) وفي رواية: ((أنه سمع مؤذناً أذن بليل فقال: ((علوج تباري الديوك، وهل كان الأذان على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا بعد ما يطلع الفجر)).
وعن إبراهيم النخعي قال: سمع علقمة ابن قيس مؤذناً بليل فقال: لقد خالف هذا سنة من سنة أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لو نام على فراشه لكان خيراً له))، وفي رواية عن النخعي قال: كانوا إذا أذن المؤذن بليل قالوا له: اتق الله وأعد أذانك)). [المحلى 3/117-118]
وقال محمد بن رشد: ((واختلفوا في أوله (الإمساك)، فقال الجمهور: هو طلوع الفجر الثاني المستطير الأبيض، لثبوت ذلك عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعني ,حده بالمستطير [بداية المجتهد (1/288)].
قال ابن قدامة : وجملته ؛ أن وقت الصبح يدخل بطلوع الفجر الثاني إجماعاً، وقد دلت عليه أخبار المواقيت، وهو البياض المنتشر في الأفق، ويسمى الفجر الصادق, لأنه صدقك عن الصبح وبينه لك. [المغني (1/385) طبعة دار الإفتاء]
وقال شمس الدين السرخسي: ((والفجر فجران؛كاذب تسميه العرب ذنب السرحان، وهو البياض الذي يبدو في السماء طولاً، ويعقبه ظلام، والفجر الصادق وهو البياض المنتشر في الأفق، فبطلوع الفجر الكاذب لا يدخل وقت الصلاة, ولا يحرم الأكل على الصائم مالم يطلع الفجر الصادق...)). [كتاب المبسوط (1/141) طبعة دار الفكر]
وقال كمال الدين بن الهمام: ولا معتبر بالفجر الكاذب، وهو البياض الذي يبدو طولاً ثم يعقبه الظلام لقوله عليه الصلاة والسلام: (( لا يغرنكم أذان بلال ولا الفجر المستطيل)) وإنما الفجر في الأفق)) أي المنتشر فيه. [فتح القدير (1/219)] وقال قبل ذلك: ثم صلى الفجر حين برق الفجر، وحرم الطعام على الصائم (1/218).
التقاويم وضعت على وقت الفجر الكاذب .
والمشكلة نشأت من أن معظم الفلكيين والخبراء الجغرافيين والعسكريين لا يفرقون بين الفجرين، لأن هذا لا يهمهم ، ولأنهم يرون أن أول ضوء هو الفجر عندهم، فلذلك وضعوا التقاويم بناءً على ذلك.
وأما في الشرع؛ فالضوء الأول هو الفجر الكاذب، ومن هنا وقع الخطأ، وكان مقداره مقدار ما بين الفجرين، وهو عشرون دقيقة، تزيد ثلاثة دقائق أو تنقص حسب طول الليل والنهار.
وقد قامت عدة مشاهدات وشهادات من فضلاء ، وتمت عدة دراسات تبين بالدليل العلمي، والرؤية الواقعية، أن معظم التقاويم ومنها تقويم أم القرى، قد وقعت في هذا الخطأ، إذ وُقِّت الفجر فيها على الفجر الكاذب .
وهذا أمر بالغ الخطورة، حيث يصلي كثير من المسلمين ـ وبخاصة النساء في البيوت ـ والمتعجلون من الأئمة، يصلون بُعيد أذان الفجر الكاذب، أي: قبل طلوع الفجر الصادق، مما يترتب على ذلك فساد الصلاة على من علم ذلك، كما لا يخفى على كل مسلم.
لذا وجب على المسلم التنبه إلى هذه المسألة، والنظر فيها نظر علم، واتباع، وتمحيص، لا نظر تقليد، لا يفرق بين دليل وتزيين، واتباع وتقليد، ولا يجوز له الاعتماد على تقويـم مُعَدٍّ على حساب فلكي، لا يُدرى عن واضعيه، مقدار علمهم الشرعي، واتباعهم للسنة، بخاصة وقد تبين بالدليل القطعي خطؤه، وشهد على ذلك العلماء العدول.
أدلة الذين يرون خطأ التقاويم وشهاداتهم على ذلك:
الأول: شهادة الحافظ العسقلاني في ذلك:
وهو دليل واضح قوي، يبين فيه سبب الـخطأ، وبدايته، وهو ما قاله الـحافظ ابن حجر في [فتح الباري: ( 4/ 199)]: (تنبيه)من البدع المنكرة ما أحدث في هذا الزمان من إيقاع الأذان الثاني قبل الفجر بنحو ثلث ساعة في رمضان، وإطفاء المصابيح التي جعلت علامة لتحريم الأكل والشرب على من يريد الصيام، زعماً ممن أحدثه: أنه للاحتياط في العبادة، ولا يعلم بذلك إلا آحاد الناس، وقد جرهم ذلك إلى أن صاروا لا يؤذنون إلا بعد الغروب بدرجة، لتمكين الوقت زعموا، فأخروا الفطر، وعجلوا السحور، وخالفوا السنة، فلذلك قل عنهم الخير، وكثر فيهم الشر، والله المستعان ))، والدرجة تقدر من 4- 4.45 دقيقة.
الثاني: شهادة العلامة القرافي -رحمه الله- قال:
((جرت عادة المؤذنين, وأرباب المواقيت بتسيير درج الفلك إذا شاهدوا المتوسط من درج الفلك, أو غيره من درج الفلك الذي يقتضي أن درجة الشمس قربت من الأفق قرباً يقتضي أن الفجر طلع، أمروا الناس بالصلاة والصوم مع أن الأفق يكون صاحياً لا يخفى فيه طلوع الفجر لو طلع، ومع ذلك لا يجد الإنسان للفجر أثراً البتة، وهذا لا يجوز، فإن الله تعالى إنما نصب سبب وجوب الصلاة ظهور الفجر فوق الأفق ولم يظهر، فلا تجوز الصلاة حينئذ، فإنه إيقاع للصلاة قبل وقتها، وبدون سببها)). [الفروق (2/3)، 301]
الثالث: شهادة العلامة محمد رشيد رضا:
قد قرر هذه الحقيقة، وأشار إلى أن هذا الخطأ وقع حين وُضع التقويم: الشيخ محمد رشيد رضا في تفسيره "المنار" عند قوله تعالى: )حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر(. [البقرة(187)]، قال (2/184 ): ( ومن مبالغة الخلف في تحديد الظواهر مع التفريط في إصلاح الباطن من البـر والتقوى، أنهم حددوا الفجر، وضبطوه بالدقائق، وزادوا عليه في الصيام، إمساك عشرين دقيقة تقريباً، وأما وقت المغرب، فيزيدون فيه على وقت الغروب التام خمس دقائق على الأقل، ويشترط بعض الشيعة فيه ظهور بعض النجوم. وهذا نوع من اعتداء على حدود الله تعالى.... بيد أنه يجب إعلام المسلميـن... بأن وقت الإمساك الذي يرونه في التقاويم ( النتائج ) والصحف، إنما وضع لتنبيه الناس إلى قرب طلوع الفجر الذي يجب في بدء الصيام... وأن من أكل، وشرب حتى طلوع الفجر الذي تصح فيه صلاته، ولو بدقيقة واحدة، فإن صيامه صحيح.. )).
قلت: والذي يظهر من كلام الحافظ، وكلام محمد رشيد رضا أن تقديم الأذان إلى الفجر الكاذب كان في رمضان أول الأمر، ثم صار مع مرور الزمن في أشهر السنة كافة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
الرابع: شهادة العلامة تقي الدين الهلالي:
قام بعض العلماء في بلاد المغرب, وفي مقدمتهم الشيخ تقي الدين الهلالي باستطلاع الفجر, وتبين لهم كما تبين لإخوانهم, وقد أصدر الشيخ الهلالي بيانًا بذلك.
((اكتشفت بما لا مزيد عليه من البحث والتحقيق، والمشاهد المتكررة من صحيح البصر .. أن التوقيت لأذان الصبح لا يتفق مع التوقيت الشرعي، وذلك أن المؤذن يؤذن قبل تبين الفجر تبيناً شرعياً)). [رسالة بيان الفجر الصادق وامتيازه عن الفجر الكذاب ص2]
الخامس: شهادة الشيخ الألباني:
قام أخوة في بلاد الشام، وعلى رأسهم العلامة الألباني -رحمه الله - باستطلاع الفجر، وتبيـن لهم ما ذكرنا، وصرح الشيخ بذلك في شريط مسجل وذكر ذلك في كتابه سلسلة الأحاديث الصحيحة (5/52) رقم (2031) .
((وقد رأيت ذلك بنفسي مراراً من داري في جبل هملان -جنوب شرق عمان- ومكنني ذلك من التأكد من صحة ما ذكره بعض الغيورين على تصحيح عبادة المسلمين ؛ أن أذان الفجر في بعض البلاد العربية يرفع قبل الفجر الصادق بزمن يتراوح بين العشرين والثلاثين دقيقة، أي قبل الفجر الكاذب أيضاً، وكثيراً ما سمعت إقامة صلاة الفجر من بعض المساجد مع طلوع الفجر الصادق، وهم يؤذنون قبلها بنحو نصف ساعة، وعلى ذلك فقد صلوا سنة الفجر قبل وقتها، وقد يستعجلون بأداء الفريضة قبل وقتها في شهر رمضان...
وفي ذلك تضييق على الناس بالتعجيل بالإمساك عن الطعام، وتعريض لصلاة الفجر للبطلان، وما ذلك إلا بسبب اعتمادهم على التوقيت الفلكي , وإعراضهم عن التوقيت الشرعي , كما جاء في قوله سبحانه وتعالى: ((وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر)) وحديث: ((فكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر))، وهذه ذكرى والذكرى تنفع المؤمنين)). [السلسلة الصحيحة (5/52) حديث رقم (2031)]
الموضوع: مسألة تقديم وقت أذان الفجر، وتأخير توقيت العشاء.
الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
أما بعد:
فمنذ فترة من الزمن والناس في قيل وقال، وأخذ ورد في موضوع صحة وقت الفجر في التقاويم المتداولة، فذهب فريق من العلماء والباحثين إلى خطأ هذه التقاويم، وأن فيها اختلافاً عن الواقع المشاهد من قبل العشرات من طلبة العلم، والخبراء في الفلك الموثوق بهم.
وكان المدافعون عن التقاويم يردون على المصححين ,ويرون صحة هذه التقاويم ,رغم عدم المعرفة التامة عن واضعيها ,وعن علمهم الشرعي.
أصل المسألة :
لقد تتبعت هذه المسألة منذ أكثر من خمس وعشرين سنة وتبين لي ما يلي :
عدم التفريق بين الفجرين :
مما هو معلوم في الشرع والفلك، أن ثمة فجرين فجر كاذب، وفجر صادق، والكاذب يطلع قبل الصادق بـ(20) دقيقة، تزيد قليلاً أو تنقص، حسب فصول السنة.
والكاذب يُحل الطعام للصائم، ويُحرم صلاة الفجر، والصادق يحرم الطعام، ويحل صلاة الفجر.
قال صلى الله عليه وسلم: (( إن بلالاً يؤذن بليل ( وهو أذان الفجر الكاذب )ä، فكلوا، واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم ))( ) (وهو أذان الفجر الصادق ) ä ودليل أن هذا الليل الذي يؤذن فيه بلال هو الفجر الكاذب رغم أن فيه نوراً , ما رواه مسلم عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يغرنكم أذان بلال ولاهذا البياض لعمود الصبح حتى يستطير " ففيه دليل صريح أن النور الذي يخرج أفقيًا ليس هو الفجر المعتمد الصادق ، بل هو الفجر الكاذب الذي لا يعتد به ... ومع ذلك فقد اعتد به واضعوا التقاويم ، لعدم معرفتهم بالسنة, كما سنبين ذلك لاحقًا .
ويؤيد هذا قول ابن عمر في الحديث نفسه: وكان – أي ابن أم مكتوم – رجلاً أعمى لا ينادي حتى يقال أصبحت أصبحت ، أي : حتى يظهر النور لكل من يتوجه إلى المسجد فيخبرون ابن أم مكتوم بطلوع الصبح لكي يؤذن . فأين هذا من أذان الناس اليوم
وقال صلى الله عليه وسلم: (( الفجر فجران: فجر يحرم فيه الطعام، وتحلُّ فيه الصلاة، وفجر تَحرمُ فيهِ الصلاة، ويحلُّ فيه الطعامُ)) .
كلام أهل العلم في مسألة الطعام والفجرين :
قال النووي -رحمه الله-: قال أصحابنا: والأحكام كلها معلقة بالفجر الثاني، فيه يدخل وقت صلاة الصبح ,ويخرج وقت العشاء ,ويدخل في الصوم ,ويحرم به الطعام والشراب على الصائم ,وبه ينقضي الليل ويدخل النهار ,ولا يتعلق بالفجر الأول ((الكاذب)) شيء من الأحكام بإجماع المسلمين)). [المجموع (3/44)]
وقال أبو عمر بن عبد البر: ((أجمع العلماء ؛ على أن وقت صلاة الصبح طلوع الفجر الثاني إذا تبين طلوعه، وهو البياض المنتشر من أفق المشرق، والذي لا ظلمة بعده)). [الإجماع ص46]
وقال ابن حزم: ((ولا يجزئ لها الأذان الذي كان قبل الفجر، لأنه أذان سحور، لا أذان للصلاة، ولا يجوز أن يؤذن لها قبل المقدار الذي ذكرناه.
وروى بسنده عن الحسن البصري أن رجلاً قال: يا أبا سعيد، الرجل يؤذن قبل الفجر يوقظ الناس؟ فغضب وقال: علوج فراغ، لو أدركهم عمر بن الخطاب لأوجع جنوبهم! من أذن قبل الفجر فإنما صلى أهل ذلك المسجد بإقامة لا أذان فيه)) وفي رواية: ((أنه سمع مؤذناً أذن بليل فقال: ((علوج تباري الديوك، وهل كان الأذان على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا بعد ما يطلع الفجر)).
وعن إبراهيم النخعي قال: سمع علقمة ابن قيس مؤذناً بليل فقال: لقد خالف هذا سنة من سنة أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لو نام على فراشه لكان خيراً له))، وفي رواية عن النخعي قال: كانوا إذا أذن المؤذن بليل قالوا له: اتق الله وأعد أذانك)). [المحلى 3/117-118]
وقال محمد بن رشد: ((واختلفوا في أوله (الإمساك)، فقال الجمهور: هو طلوع الفجر الثاني المستطير الأبيض، لثبوت ذلك عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعني ,حده بالمستطير [بداية المجتهد (1/288)].
قال ابن قدامة : وجملته ؛ أن وقت الصبح يدخل بطلوع الفجر الثاني إجماعاً، وقد دلت عليه أخبار المواقيت، وهو البياض المنتشر في الأفق، ويسمى الفجر الصادق, لأنه صدقك عن الصبح وبينه لك. [المغني (1/385) طبعة دار الإفتاء]
وقال شمس الدين السرخسي: ((والفجر فجران؛كاذب تسميه العرب ذنب السرحان، وهو البياض الذي يبدو في السماء طولاً، ويعقبه ظلام، والفجر الصادق وهو البياض المنتشر في الأفق، فبطلوع الفجر الكاذب لا يدخل وقت الصلاة, ولا يحرم الأكل على الصائم مالم يطلع الفجر الصادق...)). [كتاب المبسوط (1/141) طبعة دار الفكر]
وقال كمال الدين بن الهمام: ولا معتبر بالفجر الكاذب، وهو البياض الذي يبدو طولاً ثم يعقبه الظلام لقوله عليه الصلاة والسلام: (( لا يغرنكم أذان بلال ولا الفجر المستطيل)) وإنما الفجر في الأفق)) أي المنتشر فيه. [فتح القدير (1/219)] وقال قبل ذلك: ثم صلى الفجر حين برق الفجر، وحرم الطعام على الصائم (1/218).
التقاويم وضعت على وقت الفجر الكاذب .
والمشكلة نشأت من أن معظم الفلكيين والخبراء الجغرافيين والعسكريين لا يفرقون بين الفجرين، لأن هذا لا يهمهم ، ولأنهم يرون أن أول ضوء هو الفجر عندهم، فلذلك وضعوا التقاويم بناءً على ذلك.
وأما في الشرع؛ فالضوء الأول هو الفجر الكاذب، ومن هنا وقع الخطأ، وكان مقداره مقدار ما بين الفجرين، وهو عشرون دقيقة، تزيد ثلاثة دقائق أو تنقص حسب طول الليل والنهار.
وقد قامت عدة مشاهدات وشهادات من فضلاء ، وتمت عدة دراسات تبين بالدليل العلمي، والرؤية الواقعية، أن معظم التقاويم ومنها تقويم أم القرى، قد وقعت في هذا الخطأ، إذ وُقِّت الفجر فيها على الفجر الكاذب .
وهذا أمر بالغ الخطورة، حيث يصلي كثير من المسلمين ـ وبخاصة النساء في البيوت ـ والمتعجلون من الأئمة، يصلون بُعيد أذان الفجر الكاذب، أي: قبل طلوع الفجر الصادق، مما يترتب على ذلك فساد الصلاة على من علم ذلك، كما لا يخفى على كل مسلم.
لذا وجب على المسلم التنبه إلى هذه المسألة، والنظر فيها نظر علم، واتباع، وتمحيص، لا نظر تقليد، لا يفرق بين دليل وتزيين، واتباع وتقليد، ولا يجوز له الاعتماد على تقويـم مُعَدٍّ على حساب فلكي، لا يُدرى عن واضعيه، مقدار علمهم الشرعي، واتباعهم للسنة، بخاصة وقد تبين بالدليل القطعي خطؤه، وشهد على ذلك العلماء العدول.
أدلة الذين يرون خطأ التقاويم وشهاداتهم على ذلك:
الأول: شهادة الحافظ العسقلاني في ذلك:
وهو دليل واضح قوي، يبين فيه سبب الـخطأ، وبدايته، وهو ما قاله الـحافظ ابن حجر في [فتح الباري: ( 4/ 199)]: (تنبيه)من البدع المنكرة ما أحدث في هذا الزمان من إيقاع الأذان الثاني قبل الفجر بنحو ثلث ساعة في رمضان، وإطفاء المصابيح التي جعلت علامة لتحريم الأكل والشرب على من يريد الصيام، زعماً ممن أحدثه: أنه للاحتياط في العبادة، ولا يعلم بذلك إلا آحاد الناس، وقد جرهم ذلك إلى أن صاروا لا يؤذنون إلا بعد الغروب بدرجة، لتمكين الوقت زعموا، فأخروا الفطر، وعجلوا السحور، وخالفوا السنة، فلذلك قل عنهم الخير، وكثر فيهم الشر، والله المستعان ))، والدرجة تقدر من 4- 4.45 دقيقة.
الثاني: شهادة العلامة القرافي -رحمه الله- قال:
((جرت عادة المؤذنين, وأرباب المواقيت بتسيير درج الفلك إذا شاهدوا المتوسط من درج الفلك, أو غيره من درج الفلك الذي يقتضي أن درجة الشمس قربت من الأفق قرباً يقتضي أن الفجر طلع، أمروا الناس بالصلاة والصوم مع أن الأفق يكون صاحياً لا يخفى فيه طلوع الفجر لو طلع، ومع ذلك لا يجد الإنسان للفجر أثراً البتة، وهذا لا يجوز، فإن الله تعالى إنما نصب سبب وجوب الصلاة ظهور الفجر فوق الأفق ولم يظهر، فلا تجوز الصلاة حينئذ، فإنه إيقاع للصلاة قبل وقتها، وبدون سببها)). [الفروق (2/3)، 301]
الثالث: شهادة العلامة محمد رشيد رضا:
قد قرر هذه الحقيقة، وأشار إلى أن هذا الخطأ وقع حين وُضع التقويم: الشيخ محمد رشيد رضا في تفسيره "المنار" عند قوله تعالى: )حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر(. [البقرة(187)]، قال (2/184 ): ( ومن مبالغة الخلف في تحديد الظواهر مع التفريط في إصلاح الباطن من البـر والتقوى، أنهم حددوا الفجر، وضبطوه بالدقائق، وزادوا عليه في الصيام، إمساك عشرين دقيقة تقريباً، وأما وقت المغرب، فيزيدون فيه على وقت الغروب التام خمس دقائق على الأقل، ويشترط بعض الشيعة فيه ظهور بعض النجوم. وهذا نوع من اعتداء على حدود الله تعالى.... بيد أنه يجب إعلام المسلميـن... بأن وقت الإمساك الذي يرونه في التقاويم ( النتائج ) والصحف، إنما وضع لتنبيه الناس إلى قرب طلوع الفجر الذي يجب في بدء الصيام... وأن من أكل، وشرب حتى طلوع الفجر الذي تصح فيه صلاته، ولو بدقيقة واحدة، فإن صيامه صحيح.. )).
قلت: والذي يظهر من كلام الحافظ، وكلام محمد رشيد رضا أن تقديم الأذان إلى الفجر الكاذب كان في رمضان أول الأمر، ثم صار مع مرور الزمن في أشهر السنة كافة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
الرابع: شهادة العلامة تقي الدين الهلالي:
قام بعض العلماء في بلاد المغرب, وفي مقدمتهم الشيخ تقي الدين الهلالي باستطلاع الفجر, وتبين لهم كما تبين لإخوانهم, وقد أصدر الشيخ الهلالي بيانًا بذلك.
((اكتشفت بما لا مزيد عليه من البحث والتحقيق، والمشاهد المتكررة من صحيح البصر .. أن التوقيت لأذان الصبح لا يتفق مع التوقيت الشرعي، وذلك أن المؤذن يؤذن قبل تبين الفجر تبيناً شرعياً)). [رسالة بيان الفجر الصادق وامتيازه عن الفجر الكذاب ص2]
الخامس: شهادة الشيخ الألباني:
قام أخوة في بلاد الشام، وعلى رأسهم العلامة الألباني -رحمه الله - باستطلاع الفجر، وتبيـن لهم ما ذكرنا، وصرح الشيخ بذلك في شريط مسجل وذكر ذلك في كتابه سلسلة الأحاديث الصحيحة (5/52) رقم (2031) .
((وقد رأيت ذلك بنفسي مراراً من داري في جبل هملان -جنوب شرق عمان- ومكنني ذلك من التأكد من صحة ما ذكره بعض الغيورين على تصحيح عبادة المسلمين ؛ أن أذان الفجر في بعض البلاد العربية يرفع قبل الفجر الصادق بزمن يتراوح بين العشرين والثلاثين دقيقة، أي قبل الفجر الكاذب أيضاً، وكثيراً ما سمعت إقامة صلاة الفجر من بعض المساجد مع طلوع الفجر الصادق، وهم يؤذنون قبلها بنحو نصف ساعة، وعلى ذلك فقد صلوا سنة الفجر قبل وقتها، وقد يستعجلون بأداء الفريضة قبل وقتها في شهر رمضان...
وفي ذلك تضييق على الناس بالتعجيل بالإمساك عن الطعام، وتعريض لصلاة الفجر للبطلان، وما ذلك إلا بسبب اعتمادهم على التوقيت الفلكي , وإعراضهم عن التوقيت الشرعي , كما جاء في قوله سبحانه وتعالى: ((وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر)) وحديث: ((فكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر))، وهذه ذكرى والذكرى تنفع المؤمنين)). [السلسلة الصحيحة (5/52) حديث رقم (2031)]