مقاوم
09-26-2006, 10:53 AM
هل مات 'بن لادن' حقا؟!
جمال سلطان
الخبر الذي تم تسريبه قبل يومين عن وفاة زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن بمرض التيفويد، كان عملا استخباريا فجا، رغم محاولة إخراجه بصورة تبعده عن الشبهة، محاولة التمويه الأساسية كانت عن طريق نسبته إلى الاستخبارات الفرنسية، في حين أن الملف بكامله أو في معظمه في يد الاستخبارات الأمريكية ثم البريطانية، كما أن الخبرات الأمنية بملف الحركة الإسلامية في آسيا هو في يد هذين الجهازين أكثر من أي جهاز أمني غربي آخر على الإطلاق، الفرنسيون بشكل خاص خبراتهم بالملف الإسلامي في المشرق وفي آسيا ضحلة وسطحية إلى حد بعيد، على عكس خبراتهم بملف الحركات الإسلامية المغاربية، فهو الأفضل.
وكل هذه المعاني والملامح يستشفها القريب من ملفات الإسلاميين بحكم الاحتكاك الدائم بالباحثين والصحفيين والمراسلين الأجانب المشغولين بهذه القضايا، ولذلك كانت غريبة أن يكون تسريب خبر بمعلومة عن وفاة "بن لادن"، صادرة عن وثيقة قيل إنه تم تسريبها إلى الصحافة من قبل مجهولين منسوبة إلى الاستخبارات الفرنسية.
ولكن يبدو أن أصحاب الشأن الأساسيين عندما أرادوا أن يخرجوا بندائهم، لعل الرجل المختفي من شهور طويلة يطل برأسه ويعطيهم أي إشارة عن كونه حيا أو ميتا، يبدو أنهم أرادوا أن يعتموا على "اللعبة" فنسبوها إلى الفرنسيين، وذلك أنه لو كانت منسوبة إلى مصادر استخبارية أمريكية أو بريطانية، لكان الأمر مفضوحا إلى حد كبير.
وقصة موت "بن لادن" أو حياته في الحقيقة لم تعد هي الأهم والأخطر في ملف العنف المروع الذي يجتاح العالم اليوم، بفضل الهدايا الأمريكية الثمينة التي يتم منحها "بغشومية" لكل من ينزع إلى التشدد والعنف، فلا يوجد عنف أو نار في أي مكان في العالم اليوم ـ تقريبا ـ إلا وكانت وراءه حماقة أمريكية أو قرار أمريكي أو تدخل أمريكي أو إرهاب أمريكي، وكل ذلك يصب في صالح التيارات التي تنزع إلى العنف والعمل المسلح، ويهمش إمكانيات أي فعل إسلامي سياسي أو فكري يؤسس للاعتدال أو التعايش أو الحوار.
مسألة وجود "بن لادن" أو عدم وجوده لم تعد هي الأهم، لأن تنظيم القاعدة تحول اليوم إلى فكرة وإلهام، أكثر منه تنظيم حقيقي بخلايا مترابطة، ومن غير أن يصدر "بن لادن" أوامر لقطاعات من الشباب هنا أو هناك للقيام بعمل ما، فإن هناك من يعملون اليوم من تلقاء أنفسهم، ويشعرون بالفخر عندما تنسب التقارير الأمنية أو الإعلامية أعمالهم إلى تنظيم القاعدة.
والأمر الطريف أن بعض الأجهزة الأمنية العربية تشعر بنفس المتعة في نسبة أي عمل عنيف إلى تنظيم القاعدة، وحتى إذا كانت احتمالات نسبته للقاعدة شديدة الضعف إلا أنهم يحاولون التأكيد على أنها خلايا للقاعدة. ربما يعود السبب إلى "سباق" الحصول على الثقة الأمريكية أو "التبريكات" الأمريكية، التي تطول أذنها، وربما يطول سخاؤها أيضا، كلما سمعت اسم "القاعدة" في أي مكان، ورغم أن الترويج لوجود القاعدة في هذا البلد أو ذاك من شأنه أن يربك جزءا مهما من المنظومة الاقتصادية، وخاصة في قطاع حيوي مثل قطاع السياحة، إلا أن الرغبة المحمومة في إثبات النجاح ـ ولو الوهمي ـ في مطاردة تنظيم القاعدة تهون في سبيلها كل هذه التضحيات.
وفي كل الأحوال، على الأمريكيين أن لا يشغلوا بالهم كثيرا بالبحث عن "بن لادن"، إن كانوا يريدون خيرا للإنسانية، وعليهم أن يبحثوا على النيران التي أشعلوها في كل مكان وأن يمتلكوا الجرأة والشجاعة على إطفائها كما أشعلوها، وأن يوقفوا مسلسل استباحة الشعوب والحريات ودعم نظم القمع في كل مكان، إن كانوا يريدون حقا أن ينهوا "دور" بن لادن، حتى لو ظل حيا لمائة عام مقبلة.
مجلة العصر بالاتفاق مع "المصريون"
جمال سلطان
الخبر الذي تم تسريبه قبل يومين عن وفاة زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن بمرض التيفويد، كان عملا استخباريا فجا، رغم محاولة إخراجه بصورة تبعده عن الشبهة، محاولة التمويه الأساسية كانت عن طريق نسبته إلى الاستخبارات الفرنسية، في حين أن الملف بكامله أو في معظمه في يد الاستخبارات الأمريكية ثم البريطانية، كما أن الخبرات الأمنية بملف الحركة الإسلامية في آسيا هو في يد هذين الجهازين أكثر من أي جهاز أمني غربي آخر على الإطلاق، الفرنسيون بشكل خاص خبراتهم بالملف الإسلامي في المشرق وفي آسيا ضحلة وسطحية إلى حد بعيد، على عكس خبراتهم بملف الحركات الإسلامية المغاربية، فهو الأفضل.
وكل هذه المعاني والملامح يستشفها القريب من ملفات الإسلاميين بحكم الاحتكاك الدائم بالباحثين والصحفيين والمراسلين الأجانب المشغولين بهذه القضايا، ولذلك كانت غريبة أن يكون تسريب خبر بمعلومة عن وفاة "بن لادن"، صادرة عن وثيقة قيل إنه تم تسريبها إلى الصحافة من قبل مجهولين منسوبة إلى الاستخبارات الفرنسية.
ولكن يبدو أن أصحاب الشأن الأساسيين عندما أرادوا أن يخرجوا بندائهم، لعل الرجل المختفي من شهور طويلة يطل برأسه ويعطيهم أي إشارة عن كونه حيا أو ميتا، يبدو أنهم أرادوا أن يعتموا على "اللعبة" فنسبوها إلى الفرنسيين، وذلك أنه لو كانت منسوبة إلى مصادر استخبارية أمريكية أو بريطانية، لكان الأمر مفضوحا إلى حد كبير.
وقصة موت "بن لادن" أو حياته في الحقيقة لم تعد هي الأهم والأخطر في ملف العنف المروع الذي يجتاح العالم اليوم، بفضل الهدايا الأمريكية الثمينة التي يتم منحها "بغشومية" لكل من ينزع إلى التشدد والعنف، فلا يوجد عنف أو نار في أي مكان في العالم اليوم ـ تقريبا ـ إلا وكانت وراءه حماقة أمريكية أو قرار أمريكي أو تدخل أمريكي أو إرهاب أمريكي، وكل ذلك يصب في صالح التيارات التي تنزع إلى العنف والعمل المسلح، ويهمش إمكانيات أي فعل إسلامي سياسي أو فكري يؤسس للاعتدال أو التعايش أو الحوار.
مسألة وجود "بن لادن" أو عدم وجوده لم تعد هي الأهم، لأن تنظيم القاعدة تحول اليوم إلى فكرة وإلهام، أكثر منه تنظيم حقيقي بخلايا مترابطة، ومن غير أن يصدر "بن لادن" أوامر لقطاعات من الشباب هنا أو هناك للقيام بعمل ما، فإن هناك من يعملون اليوم من تلقاء أنفسهم، ويشعرون بالفخر عندما تنسب التقارير الأمنية أو الإعلامية أعمالهم إلى تنظيم القاعدة.
والأمر الطريف أن بعض الأجهزة الأمنية العربية تشعر بنفس المتعة في نسبة أي عمل عنيف إلى تنظيم القاعدة، وحتى إذا كانت احتمالات نسبته للقاعدة شديدة الضعف إلا أنهم يحاولون التأكيد على أنها خلايا للقاعدة. ربما يعود السبب إلى "سباق" الحصول على الثقة الأمريكية أو "التبريكات" الأمريكية، التي تطول أذنها، وربما يطول سخاؤها أيضا، كلما سمعت اسم "القاعدة" في أي مكان، ورغم أن الترويج لوجود القاعدة في هذا البلد أو ذاك من شأنه أن يربك جزءا مهما من المنظومة الاقتصادية، وخاصة في قطاع حيوي مثل قطاع السياحة، إلا أن الرغبة المحمومة في إثبات النجاح ـ ولو الوهمي ـ في مطاردة تنظيم القاعدة تهون في سبيلها كل هذه التضحيات.
وفي كل الأحوال، على الأمريكيين أن لا يشغلوا بالهم كثيرا بالبحث عن "بن لادن"، إن كانوا يريدون خيرا للإنسانية، وعليهم أن يبحثوا على النيران التي أشعلوها في كل مكان وأن يمتلكوا الجرأة والشجاعة على إطفائها كما أشعلوها، وأن يوقفوا مسلسل استباحة الشعوب والحريات ودعم نظم القمع في كل مكان، إن كانوا يريدون حقا أن ينهوا "دور" بن لادن، حتى لو ظل حيا لمائة عام مقبلة.
مجلة العصر بالاتفاق مع "المصريون"