FreeMuslim
09-17-2006, 10:25 AM
شريط البابا المسلح
16-9-2006
د. أكرم حجازي/ كاتب وأستاذ جامعي
[email protected]
http://www.alasr.ws/images/asr-spacer.gif
ولكن لماذا يشن رجل دين يوصف بالحبر الأعظم ورمز المسيحية ويمثل أزيد من مليار كاثوليكي هجوما شرسا على الإسلام وعلى نبيه، ألأنه الدين الحق الذي ينافس الأديان الشريرة ويفضح الأكاذيب والتزوير والتزييف الذي يعيش عليه بسطاء الناس، أم لأنه الدين الذي يغزو أوروبا والولايات المتحدة بعد هجمات سبتمبر تحديدا، وهو ما يجب وقفه والتصدي له من قبل الغرب
http://www.alasr.ws/myfiles/news/aaaacon.jpg
لفت انتباهي حقا رد الإدارة الأمريكية وبعض القوى الأوروبية على شريط عزام الأمريكي الذي بثته القاعدة بعنوان: "دعوة للإسلام" في الثاني من شهر أيلول/سبتمبر الجاري، ودعت فيه الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة للدخول في الإسلام والكف عن الضلال والتضليل والتجهيل المتعمد للعامة من قبل المفكرين والسياسيين واللاهوتيين الغربيين.
إلا أن الولايات المتحدة التي تجاهلت بالكامل وعن سبق إصرار القضايا الأمنية والسياسية التي تضمنها الشريط، والأرجح أنها فشلت في ذلك، لم تستطع الرد على المناظرة العقلية بين الإسلام والمسيحية والتي وردت في الشريط، خاصة وأنها وركزت على رؤية الغرب للإسلام وفندتها كموضوعات: الجهل للإسلام؛ وحقيقة الدعوة للإسلام؛ ورؤية أهل الكتاب للنجاة؛ وطريق الجنة؛ والديمقراطية؛ وعقائد المسيحية؛ والساعة ونهاية الدنيا؛ وحين يجب الإسلام ما قبله، فضلا عن دعوات خاصة لشخصيات غربية مناصرة للمسلمين وأخرى خاصة للجنود الأمريكيين الصائلين في بلاد المسلمين.
وكل ما استطاعت فعله أنها انتقدت الدعوة إلى الإسلام، وتعمدت الغش لما صرحت بأن الشريط تحت الدراسة، فإذا بنا نفاجأ بالرد الوحشي لبينيديكت على مضمون الشريط وجوهره بعد عشرة أيام بالضبط من ظهوره.
فبلسان مؤسسة "دويتشه فيله": صوت ألمانيا المرئي والمسموع والمقروء إلى العالم الخارجي، كما تقدم نفسها، نقتبس بعض تصريحات بينديكت على هامش زيارته لألمانيا، وردت في المحاضرة الرئيسية التي ألقاها في جامعة ريغينسبورغ في مقاطعة بافاريا، والتي كان يدرّس فيها علم اللاهوت بين عامي 1969 و1977:
• دعا البابا بنديكت المسلمين أول أمس الأربعاء إلى الدخول في حوار للحضارات، الذي يقوم على اعتبار الحرب المقدسة أو "الجهاد" الإسلامي مفهوما غير مقبول يخالف "الطبيعة الإلهية".
• قال البابا: إن المسيحية "ترتبط بصورة وثيقة بالعقل"، وهو الرأي الذي يتباين مع أولئك الذين يعتقدون "بنشر دينهم عن طريق السيف"، في إشارة إلى الإسلام.
• كما أن البابا اقتبس في محاضرته قولاً على لسان إمبراطور بيزنطي في القرن الرابع عشر في حوار مع "مثقف فارسي" حول الإسلام. ونقل البابا قول الإمبراطور في أن: "النبي محمد جلب أشياء شريرة للإنسانية مثل أمره بنشر دينه بالسيف". وكرر اقتباساته عدة مرات في مواضع أخرى من محاضرته، كقوله: "إن نشر الدين عن طريق العنف غير منطقي، وأن العمل بشكل غير عقلاني يعتبر ضد طبيعة الخالق". إلا أنه لم يتناول رد عالم الدين الفارسي على كلام الإمبراطور. كما لم يتناول إدانة كثير من رجال الدين المسلمين للتشدد الإسلامي على أساس إنه انحراف عن الدين".
بطبيعة الحال، أثارت التصريحات البابوية الفريدة من نوعها العالم الإسلامي بمختلف مذاهبه وطوائفه وفرقه الدينية ومفكريه وكتابه وفقهائه وعلمائه احتجاجا على بشاعة التصريحات وعدائيتها الشديدة. وبلغت الردود المفندة لها مبلغا عميقا، واستقر الرأي على دعوة المؤسسة الكنيسية الكاثوليكية والبابا إلى الاعتذار الفوري للإسلام والمسلمين والتبرؤ من هذه التصريحات المخالفة للحقيقة والتاريخ. وركن البعض إلى التهديد والوعيد والتحذير من مغبة تكرار سيناريو الرسوم الدنماركية في صحيفة اليولاند بوسطن، إن لم يقدم الفاتيكان اعتذارا صريحا.
ولا نشك البتة في وجاهة الردود وصحتها بقطع النظر عن أصحابها وتوجهاتهم أو انتماءاتهم أو نواياهم، غير أننا أصبحنا نتعرض لهجمات مماثلة ضد الإسلام والمسلمين عامة، وبتنا نصم آذاننا ونتعامى ونتجاهل، ونحذر من الغلو والتطرف، ولا نسمع ردا حازما ولو مرة واحدة دفاعا عن إسلامنا ومسلمينا ونبينا وخير الخلق أجمعين، بل إننا نسمع الكثير من أصحاب النوايا الحسنة ممن يتداعون لإطلاق دعوات التعقل والحكمة واحترام القانون والتسامح الذي ولد في بيئة غربية دموية، استوجب ظهوره، وليس في بيئة إسلامية.
لقد سبق ونادى الكثير من زعماء الغرب، وفي مقدمتهم الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش، بحرب صليبية جهارا نهارا، ولو كانت دعوته زلة لسان لما كررها زعماء آخرون آخرون مثل بيرلسكوني وتاتشر وغيرهم، مدججين بمئات المفكرين، أمثال دانيال بايبس وفوكوياما وبرنارد لويس وهنتنجتون وأشباههم، وأهانت صحيفة اليولاند بوسطن الرسول الأكرم في رسوماتها الساخرة والمليئة حقدا وبغضا، ولاقت الدنمارك تعاطفا وتضامنا رسميا وشعبيا في كافة أنحاء أوروبا ولم تتنازل حتى عن مجرد اعتذار، بل إن صحفا أخرى تداولت صفحاتها الرسوم.
ثم التقط بوش ثانية عبارة فوكوياما عن الأصولية الإسلامية الفاشية، فقدم عبارته الشهيرة ليتحدث عن "فاشية إسلامية"، وها هو بينيديكت السادس عشر يتحدث عن الجهاد كحد بين الإسلام والمسيحية، وعن لا عقلانية الإسلام وعن رسول شرير لم يأت بجديد للإنسانية إلا الشر، وعن إسلام لا يتفق مع العقل كما هو حال المسيحية.
نحن المسلمين نعرف بينيديكت جيدا، ونعرف تزمته وتعصبه للمسيحية وشراهته في التبشير بالنصرانية وحبه لليهود وحتى عنصريته تجاه أتباعه من العالم الثالث والرابع والخامس، وهو يعرف أن ما قاله لا يمت لأية حقيقة بصلة، ويعرف عن الإسلام ربما أكثر من أي شخص آخر في الغرب، ويعرف أيضا أنه ما من حقبة في الزمن أظلمت فيها أوروبا إلا وأضاءها الإسلام، ويعرف بينيديكت أننا نعرف عنه الكثير، وأنه بابا شرير حتى قبل أن يقع انتخابه.
ويعرف أننا نقول الحقيقة، ويعرف أكثر من غيره هو وأسلافه من الذي أنشأ محاكم التفتيش في إسبانيا، ويعرف جرائم الكنيسة وتغذيتها للتطهير العرقي والعرقي والديني في قبرص ومالطا والبلقان، ومن الذي أشعل الحروب في أوروبا؟ ومن الذي منع وحدة بلدانها؟ ومن الذي اضطهد سكانها؟ ويعرف من الذي شن الحروب الصليبية؟ وغذى القتل على مدار عشرات السنين؟ ومن الذي أصدر صكوك الغفران لسلب ونهب البسطاء من الناس بحجة التطهر وبديلا عن المشاركة في الحروب؟ وليقل للعالم المسيحي الذي يمثله من أين تأتي ثروة الفاتيكان، التي لا توازيها ثروة في العالم أجمع؟
ولكننا لا نعرف على وجه الحقيقة من منا يرغب في إدانته ويصر على مطالبته بالاعتذار، ومن لا يرغب في تصعيد الموقف مع الغرب أو التسبب له بالحرج، مع أن جريمته أبشع من جريمة اليولاند بوسطن.
ليس الهجوم على الإسلام والمسلمين وليد اليوم، فهو عدوان قديم، ولكنه بات ثابتا وجنونيا وعنصريا منذ مائتي عام، وتحديدا منذ مؤتمر الأمم الأوروبية الأول 1815، والذي نصّب من الإسلام والمسلمين أعداءه الأزليين. ونحن نتحدث عن التسامح وحوار الأديان تارة وحوار الحضارات تارة أخرى، فعلام نتحاور إذا كنا لاعقلانيين، أو إرهابيين، أو شريرين، بدءا برسولنا الذي جاء بدين مخالف لما يسميه بينيديكت بـ"الطبيعة الإلهية" وإلى اليوم؟ وهل التاريخ الدموي للكنيسة في أوروبا من العقلانية أو الأخلاق؟ وهل ظواهر النازية والفاشية ومحاكم التفتيش وتجويع الشعوب والاستعمار والقتل الجماعي والقصف الذري للمدن وشهوة القتل، والدعوات المتكررة لها في التوراة والأناجيل المزورة، التي تمجد وتحث على قتل الشيوخ والنساء والأطفال وإبادة الحرث والزرع والنسل، والإفتاء بعدم وجود أبرياء في الحروب من "الطبيعة الإلهية"؟ ثم أية طبيعة إلهية يتحدث عنها هذا؟
كنت قبل بضعة سنوات قد قدمت بحثا عن حوار الحضارات في جامعة عربية، واستعنت بإحصائية أوردها الباحث مجدي أحمد حسين في دراسة له قال فيها: "عندما تأسست دولة المدينة خاض المسلمون في عشر سنوات خمسين مواجهة عسكرية، لم يتجاوز عدد ضحاياها بأجمعها 9 رجل في المعسكرين, في حين هلك 3% من السكان في وسط أوروبا بسبب الحروب الدينية بين الكاثوليك والبروتستانت، والتي عرفت بحرب الثلاثين سنة (1618-1648).
وعندما غزا الأوروبيون المشرق العربي في إطار الحروب الصليبية قتلوا في القدس وحدها نحو 70 ألفا من سكانها. أما عن سياسة الاستئصال حتى لمسلمي أوروبا الذين أسلموا طواعية فحدث ولا حرج، فقد حدث هذا بنسبة 100% في الأندلس وفي مناطق كثيرة بشرق أوروبا، وفي بلغاريا بنسبة 50% من السكان ما بين القرن19 وإحصاء 1982، حيث أصبحوا يمثلون 17% من السكان! وفي اليونان كان عدد المسلمين نحو 50% من السكان حتى عام 1832، أما الآن فهم يمثلون 3% فقط، وفى جزيرة كريت كان المسلمون يشكلون الأغلبية الساحقة من سكانها حتى منتصف القرن19، وظلوا موجودين حتى عام 1913, أما الآن فلا وجود لأي مسلم في الجزيرة في وقتنا الحاضر!؟" .
ولكن لماذا يشن رجل دين يوصف بالحبر الأعظم ورمز المسيحية ويمثل أزيد من مليار كاثوليكي هجوما شرسا على الإسلام وعلى نبيه، أ لأنه الدين الحق الذي ينافس الأديان الشريرة ويفضح الأكاذيب والتزوير والتزييف الذي يعيش عليه بسطاء الناس، أم لأنه الدين الذي يغزو أوروبا والولايات المتحدة بعد هجمات سبتمبر تحديدا، وهو ما يجب وقفه والتصدي له من قبل الغرب، أم لأنه الدين الذي يستعصي على الاحتواء أو التنصير كما يتمنون، أم لأن الغرب الذي يأبى الاعتراف بعدائه السافر للإسلام، وهذه هي الحقيقة الآن، نراه يفقد عقلانيته ويكشر عن أنيابه، ويستحضر حقده الدفين مشهرا عداء صريحا ضد الرسول الكريم تارة وضد الإسلام والمسلمين تارة أخرى، وضد ما يسميه بالفاشية الإسلامية حينا، وبصدام الحضارات حينا آخر، وها هو يتحدث من أعلى المنابر والرموز الدينية، بلا ذرة عقل أو حكمة، عن نبي شرير ودين همجي لا عقل فيه؟
نحن نعرف أن المسيح عليه السلام ليس كذلك، وليس بينيديكت بأحق منا، نحن المسلمين، بالمسيح، ولكن على ما يبدو أننا نشاهد شريط البابا المسلح؟
16-9-2006
د. أكرم حجازي/ كاتب وأستاذ جامعي
[email protected]
http://www.alasr.ws/images/asr-spacer.gif
ولكن لماذا يشن رجل دين يوصف بالحبر الأعظم ورمز المسيحية ويمثل أزيد من مليار كاثوليكي هجوما شرسا على الإسلام وعلى نبيه، ألأنه الدين الحق الذي ينافس الأديان الشريرة ويفضح الأكاذيب والتزوير والتزييف الذي يعيش عليه بسطاء الناس، أم لأنه الدين الذي يغزو أوروبا والولايات المتحدة بعد هجمات سبتمبر تحديدا، وهو ما يجب وقفه والتصدي له من قبل الغرب
http://www.alasr.ws/myfiles/news/aaaacon.jpg
لفت انتباهي حقا رد الإدارة الأمريكية وبعض القوى الأوروبية على شريط عزام الأمريكي الذي بثته القاعدة بعنوان: "دعوة للإسلام" في الثاني من شهر أيلول/سبتمبر الجاري، ودعت فيه الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة للدخول في الإسلام والكف عن الضلال والتضليل والتجهيل المتعمد للعامة من قبل المفكرين والسياسيين واللاهوتيين الغربيين.
إلا أن الولايات المتحدة التي تجاهلت بالكامل وعن سبق إصرار القضايا الأمنية والسياسية التي تضمنها الشريط، والأرجح أنها فشلت في ذلك، لم تستطع الرد على المناظرة العقلية بين الإسلام والمسيحية والتي وردت في الشريط، خاصة وأنها وركزت على رؤية الغرب للإسلام وفندتها كموضوعات: الجهل للإسلام؛ وحقيقة الدعوة للإسلام؛ ورؤية أهل الكتاب للنجاة؛ وطريق الجنة؛ والديمقراطية؛ وعقائد المسيحية؛ والساعة ونهاية الدنيا؛ وحين يجب الإسلام ما قبله، فضلا عن دعوات خاصة لشخصيات غربية مناصرة للمسلمين وأخرى خاصة للجنود الأمريكيين الصائلين في بلاد المسلمين.
وكل ما استطاعت فعله أنها انتقدت الدعوة إلى الإسلام، وتعمدت الغش لما صرحت بأن الشريط تحت الدراسة، فإذا بنا نفاجأ بالرد الوحشي لبينيديكت على مضمون الشريط وجوهره بعد عشرة أيام بالضبط من ظهوره.
فبلسان مؤسسة "دويتشه فيله": صوت ألمانيا المرئي والمسموع والمقروء إلى العالم الخارجي، كما تقدم نفسها، نقتبس بعض تصريحات بينديكت على هامش زيارته لألمانيا، وردت في المحاضرة الرئيسية التي ألقاها في جامعة ريغينسبورغ في مقاطعة بافاريا، والتي كان يدرّس فيها علم اللاهوت بين عامي 1969 و1977:
• دعا البابا بنديكت المسلمين أول أمس الأربعاء إلى الدخول في حوار للحضارات، الذي يقوم على اعتبار الحرب المقدسة أو "الجهاد" الإسلامي مفهوما غير مقبول يخالف "الطبيعة الإلهية".
• قال البابا: إن المسيحية "ترتبط بصورة وثيقة بالعقل"، وهو الرأي الذي يتباين مع أولئك الذين يعتقدون "بنشر دينهم عن طريق السيف"، في إشارة إلى الإسلام.
• كما أن البابا اقتبس في محاضرته قولاً على لسان إمبراطور بيزنطي في القرن الرابع عشر في حوار مع "مثقف فارسي" حول الإسلام. ونقل البابا قول الإمبراطور في أن: "النبي محمد جلب أشياء شريرة للإنسانية مثل أمره بنشر دينه بالسيف". وكرر اقتباساته عدة مرات في مواضع أخرى من محاضرته، كقوله: "إن نشر الدين عن طريق العنف غير منطقي، وأن العمل بشكل غير عقلاني يعتبر ضد طبيعة الخالق". إلا أنه لم يتناول رد عالم الدين الفارسي على كلام الإمبراطور. كما لم يتناول إدانة كثير من رجال الدين المسلمين للتشدد الإسلامي على أساس إنه انحراف عن الدين".
بطبيعة الحال، أثارت التصريحات البابوية الفريدة من نوعها العالم الإسلامي بمختلف مذاهبه وطوائفه وفرقه الدينية ومفكريه وكتابه وفقهائه وعلمائه احتجاجا على بشاعة التصريحات وعدائيتها الشديدة. وبلغت الردود المفندة لها مبلغا عميقا، واستقر الرأي على دعوة المؤسسة الكنيسية الكاثوليكية والبابا إلى الاعتذار الفوري للإسلام والمسلمين والتبرؤ من هذه التصريحات المخالفة للحقيقة والتاريخ. وركن البعض إلى التهديد والوعيد والتحذير من مغبة تكرار سيناريو الرسوم الدنماركية في صحيفة اليولاند بوسطن، إن لم يقدم الفاتيكان اعتذارا صريحا.
ولا نشك البتة في وجاهة الردود وصحتها بقطع النظر عن أصحابها وتوجهاتهم أو انتماءاتهم أو نواياهم، غير أننا أصبحنا نتعرض لهجمات مماثلة ضد الإسلام والمسلمين عامة، وبتنا نصم آذاننا ونتعامى ونتجاهل، ونحذر من الغلو والتطرف، ولا نسمع ردا حازما ولو مرة واحدة دفاعا عن إسلامنا ومسلمينا ونبينا وخير الخلق أجمعين، بل إننا نسمع الكثير من أصحاب النوايا الحسنة ممن يتداعون لإطلاق دعوات التعقل والحكمة واحترام القانون والتسامح الذي ولد في بيئة غربية دموية، استوجب ظهوره، وليس في بيئة إسلامية.
لقد سبق ونادى الكثير من زعماء الغرب، وفي مقدمتهم الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش، بحرب صليبية جهارا نهارا، ولو كانت دعوته زلة لسان لما كررها زعماء آخرون آخرون مثل بيرلسكوني وتاتشر وغيرهم، مدججين بمئات المفكرين، أمثال دانيال بايبس وفوكوياما وبرنارد لويس وهنتنجتون وأشباههم، وأهانت صحيفة اليولاند بوسطن الرسول الأكرم في رسوماتها الساخرة والمليئة حقدا وبغضا، ولاقت الدنمارك تعاطفا وتضامنا رسميا وشعبيا في كافة أنحاء أوروبا ولم تتنازل حتى عن مجرد اعتذار، بل إن صحفا أخرى تداولت صفحاتها الرسوم.
ثم التقط بوش ثانية عبارة فوكوياما عن الأصولية الإسلامية الفاشية، فقدم عبارته الشهيرة ليتحدث عن "فاشية إسلامية"، وها هو بينيديكت السادس عشر يتحدث عن الجهاد كحد بين الإسلام والمسيحية، وعن لا عقلانية الإسلام وعن رسول شرير لم يأت بجديد للإنسانية إلا الشر، وعن إسلام لا يتفق مع العقل كما هو حال المسيحية.
نحن المسلمين نعرف بينيديكت جيدا، ونعرف تزمته وتعصبه للمسيحية وشراهته في التبشير بالنصرانية وحبه لليهود وحتى عنصريته تجاه أتباعه من العالم الثالث والرابع والخامس، وهو يعرف أن ما قاله لا يمت لأية حقيقة بصلة، ويعرف عن الإسلام ربما أكثر من أي شخص آخر في الغرب، ويعرف أيضا أنه ما من حقبة في الزمن أظلمت فيها أوروبا إلا وأضاءها الإسلام، ويعرف بينيديكت أننا نعرف عنه الكثير، وأنه بابا شرير حتى قبل أن يقع انتخابه.
ويعرف أننا نقول الحقيقة، ويعرف أكثر من غيره هو وأسلافه من الذي أنشأ محاكم التفتيش في إسبانيا، ويعرف جرائم الكنيسة وتغذيتها للتطهير العرقي والعرقي والديني في قبرص ومالطا والبلقان، ومن الذي أشعل الحروب في أوروبا؟ ومن الذي منع وحدة بلدانها؟ ومن الذي اضطهد سكانها؟ ويعرف من الذي شن الحروب الصليبية؟ وغذى القتل على مدار عشرات السنين؟ ومن الذي أصدر صكوك الغفران لسلب ونهب البسطاء من الناس بحجة التطهر وبديلا عن المشاركة في الحروب؟ وليقل للعالم المسيحي الذي يمثله من أين تأتي ثروة الفاتيكان، التي لا توازيها ثروة في العالم أجمع؟
ولكننا لا نعرف على وجه الحقيقة من منا يرغب في إدانته ويصر على مطالبته بالاعتذار، ومن لا يرغب في تصعيد الموقف مع الغرب أو التسبب له بالحرج، مع أن جريمته أبشع من جريمة اليولاند بوسطن.
ليس الهجوم على الإسلام والمسلمين وليد اليوم، فهو عدوان قديم، ولكنه بات ثابتا وجنونيا وعنصريا منذ مائتي عام، وتحديدا منذ مؤتمر الأمم الأوروبية الأول 1815، والذي نصّب من الإسلام والمسلمين أعداءه الأزليين. ونحن نتحدث عن التسامح وحوار الأديان تارة وحوار الحضارات تارة أخرى، فعلام نتحاور إذا كنا لاعقلانيين، أو إرهابيين، أو شريرين، بدءا برسولنا الذي جاء بدين مخالف لما يسميه بينيديكت بـ"الطبيعة الإلهية" وإلى اليوم؟ وهل التاريخ الدموي للكنيسة في أوروبا من العقلانية أو الأخلاق؟ وهل ظواهر النازية والفاشية ومحاكم التفتيش وتجويع الشعوب والاستعمار والقتل الجماعي والقصف الذري للمدن وشهوة القتل، والدعوات المتكررة لها في التوراة والأناجيل المزورة، التي تمجد وتحث على قتل الشيوخ والنساء والأطفال وإبادة الحرث والزرع والنسل، والإفتاء بعدم وجود أبرياء في الحروب من "الطبيعة الإلهية"؟ ثم أية طبيعة إلهية يتحدث عنها هذا؟
كنت قبل بضعة سنوات قد قدمت بحثا عن حوار الحضارات في جامعة عربية، واستعنت بإحصائية أوردها الباحث مجدي أحمد حسين في دراسة له قال فيها: "عندما تأسست دولة المدينة خاض المسلمون في عشر سنوات خمسين مواجهة عسكرية، لم يتجاوز عدد ضحاياها بأجمعها 9 رجل في المعسكرين, في حين هلك 3% من السكان في وسط أوروبا بسبب الحروب الدينية بين الكاثوليك والبروتستانت، والتي عرفت بحرب الثلاثين سنة (1618-1648).
وعندما غزا الأوروبيون المشرق العربي في إطار الحروب الصليبية قتلوا في القدس وحدها نحو 70 ألفا من سكانها. أما عن سياسة الاستئصال حتى لمسلمي أوروبا الذين أسلموا طواعية فحدث ولا حرج، فقد حدث هذا بنسبة 100% في الأندلس وفي مناطق كثيرة بشرق أوروبا، وفي بلغاريا بنسبة 50% من السكان ما بين القرن19 وإحصاء 1982، حيث أصبحوا يمثلون 17% من السكان! وفي اليونان كان عدد المسلمين نحو 50% من السكان حتى عام 1832، أما الآن فهم يمثلون 3% فقط، وفى جزيرة كريت كان المسلمون يشكلون الأغلبية الساحقة من سكانها حتى منتصف القرن19، وظلوا موجودين حتى عام 1913, أما الآن فلا وجود لأي مسلم في الجزيرة في وقتنا الحاضر!؟" .
ولكن لماذا يشن رجل دين يوصف بالحبر الأعظم ورمز المسيحية ويمثل أزيد من مليار كاثوليكي هجوما شرسا على الإسلام وعلى نبيه، أ لأنه الدين الحق الذي ينافس الأديان الشريرة ويفضح الأكاذيب والتزوير والتزييف الذي يعيش عليه بسطاء الناس، أم لأنه الدين الذي يغزو أوروبا والولايات المتحدة بعد هجمات سبتمبر تحديدا، وهو ما يجب وقفه والتصدي له من قبل الغرب، أم لأنه الدين الذي يستعصي على الاحتواء أو التنصير كما يتمنون، أم لأن الغرب الذي يأبى الاعتراف بعدائه السافر للإسلام، وهذه هي الحقيقة الآن، نراه يفقد عقلانيته ويكشر عن أنيابه، ويستحضر حقده الدفين مشهرا عداء صريحا ضد الرسول الكريم تارة وضد الإسلام والمسلمين تارة أخرى، وضد ما يسميه بالفاشية الإسلامية حينا، وبصدام الحضارات حينا آخر، وها هو يتحدث من أعلى المنابر والرموز الدينية، بلا ذرة عقل أو حكمة، عن نبي شرير ودين همجي لا عقل فيه؟
نحن نعرف أن المسيح عليه السلام ليس كذلك، وليس بينيديكت بأحق منا، نحن المسلمين، بالمسيح، ولكن على ما يبدو أننا نشاهد شريط البابا المسلح؟