من لبنان
08-19-2006, 08:40 AM
أحمد ومحمد بقيا في الضاحية 28 يوماً.. لوحدهما، وهما معوقان
جهينة خالدية
http://www.assafir.com/iso/oldissues/20060810/local/L_1118a.JPEG من اليمين عدنان ومحمد وأحمد في منزل خالد وهبي (علي لمع)
هما أحمد ومحمد.
أحمد في الحادية والأربعين وهو يعاني من إعاقة ذهنية خفيفة ومن انفصام في الشخصية. يروي يوميات 28 يوماً أمضاها برفقة أخيه، محمد، تحت القصف يتنقل بين ملاجئ الضاحية الجنوبية وبيوتها.
محمد في الثانية والأربعين ويعاني من إعاقة جسدية ومن إعاقة ذهنية حادة. يسمع، لكنه لا يفهم، يحرك رأسه يمينا ويسارا، ينظر الى أخيه ويبتسم. فأخوه هو الوحيد الذي يتعامل معه ويخاطبه بكلمات قليلة جدا.
لا يفوّت أحمد تفصيلا واحدا. يحفظ القصة من ألفها الى يائها. من 12 تموز الماضي، يوم أسر <حزب الله> الجنديين الإسرائيليين، مروراً بأصوات الغارات على الضاحية وآثارها، وصولاً إلى انتقاله وأخيه من منزلهما في الغبيري الى ملجأ يليه آخر فآخر.
كانت عيادة طبيب الأسنان الواقعة تحت الأرض هي آخر الملاجئ. هناك وجدهما متطوعون من اتحاد المقعدين مساء الاثنين الماضي.
اليوم، يعيش محمد وأحمد قازان مؤقتاً في منزل خالد وهبي، في شارع عفيف الطيبي في الطريق الجديدة. خالد بدوره يعاني من شلل نصفي وهو عضو اتحادي، يعيش بمفرده، يعاونه عدد من الأصدقاء على خدمة نفسه وتأمين حاجاته الأساسية.
يجد أحمد بيت خالد الصغير، المؤلف من ثلاث غرف، مريحاً جداً. يتأمل زوايا الغرف جيداً، يخاف من فكرة عدم وجود أي زاوية خالية أو <شاغرة>. أين يذهب عندما يبدأ القصف؟ في الضاحية: <كنت ألطي بالزاوية، هيك إذا هبط البيت بكون بالزاوية>، يقول. يختبئ في <زاويته>، ويدعو أخاه محمد ليفعل مثله. كان محمد يجيب بالضحك، أو بالصراخ عالياً: <بدي روح عند علي.. بدي روح عند علي>، لاسيما عند اشتداد القصف.
علي هو الأخ الثالث لمحمد وأحمد، وقد انتقل برفقة زوجته وأولادهما إلى منزل في الجبل، منذ أول أيام القصف على الضاحية. علي لم يتمكن من نقل أخويه معه، ولم يلتقيا به مذاك. لكن ابن علي زار عمّيه وقال لهما أنه بإمكانهما الاتصال عند الحاجة إلى المساعدة، كما طمأنهما إلى إمكانية أخرى هي النزول إلى الملجأ في حال اشتد القصف قرب المنزل!
استمر أحمد بممارسة واجبه تجاه محمد. هو يهتم بحاجات أخيه كلها. يرافقه إلى الحمام، يحلق ذقنه، يحممه، يسرح شعره، يلبسه، يطبخ له، يطعمه، يعطيه حبة الدواء ثلاث مرات يومياً، ثم يضعه في الفراش ليخلد الى النوم كطفل صغير.
خلال الأيام الأولى للحرب، صمد الشقيقان في المنزل. كان قصف ساحة الغبيري هو الأصعب عليهما. لم يفهم أحمد ما الذي يجري، سمع صوتاً قوياً جداً، فانبطح على الأرض، وصرخ بمحمد: <انبطح على الأرض يا محمد، انبطح، انبطح>.. كررها ليضمن سلامة أخيه.
مرت الأيام والشقيقان لا يريان النور. لم يعرف أحمد مكانا آخر يذهبا اليه.
بعد أيام قليلة، خرج أحمد ليرمي أكياس النفايات، فالتقى بجار نصحه بالذهاب الى ملجأ مبنى مروة القريب. اقتنع أحمد بالنصيحة، أسند محمد وقصدا معا الملجأ.
بعدها، اقترب القصف منهما أكثر وبدأت العائلات المختبئة في الملجأ تهرب. فكان الحل بالعودة الى المنزل مجددا. والقصف يتجدد، والخوف يجد طريقا سهلا إلى قلب أحمد. فقرر الاتصال بأخيه علي: <خفت كتير، وكنت عم ارجف، لبست كلساتي وطلعت اتصلت بعلي.. بس علي ما جاوب. رجّع لي الزلمة 500 ليرة ثمن المكالمة>. تفصيل آخر يصر أحمد على ذكره ويعتبر قصته ناقصة من دونه: ""بس كنت بدي قول أنه أنا أمي ماتت من 22 سنة وبييّ توفى في كانون أول الماضي.. وأنا كنت أنزل معه على السوق نبيع خضرة وهلق أنا بمشي ببسطة خضرة لوحدي>.
بعد أيام مرعبة قضاها محمد وأحمد في منزلهما في الغبيري، خرج أحمد الى النور مجدداً، ليجد أن المكان اختلف: الأبواب تصدعت، النوافذ تكسرت، الأحجار تراكمت، المنازل تهدمت.. يصر على شرح التفاصيل الدقيقة لمشهد طبع في ذاكرته، ولم يعجبه.
طلب منه أحد الجيران أن يترك المنزل، لخطورته. لكن إلى أين؟ إلى أقرب مكان يعرفه تحت الأرض: عيادة الجار د. مزهر. انتقل إليها برفقة محمد، من دون أن يفارقه إلا لدقائق معدودة قصد خلالها المنزل ليحضر: <غرض مهم>، من خزانة أمست تحت جدار منهار. بعد محاولات عديدة وصعبة، تمكن أحمد من استعادة <الغرض المهم>: <المال ودواء محمد تبع توتر الأعصاب والكريزا، وهوياتنا وبطاقات الاعاقة>.
أمس الأول، استقل محمد وأحمد سيارة اتحاد المقعدين برفقة المتطوعة هيام بكر باتجاه منزل خالد. اغتسلا وحصلا على ثياب نظيفة. وضع أحمد أغراضه المهمة بالقرب من فراشه، ونام بانتظار الانتقال الى بيت أخير: <دار العجزة الإسلامية>.. نام أحمد ومحمد أمس الأول، على أن يغادرا منزل خالد في الصباح.
صباح أمس ، ذهب أحمد ومحمد إلى دار العجزة الإسلامية ، ووقع اتحاد المقعدين على أوراق تثبت مسؤولية الاتحاد عنهما.
جهينة خالدية
http://www.assafir.com/iso/oldissues/20060810/local/L_1118a.JPEG من اليمين عدنان ومحمد وأحمد في منزل خالد وهبي (علي لمع)
هما أحمد ومحمد.
أحمد في الحادية والأربعين وهو يعاني من إعاقة ذهنية خفيفة ومن انفصام في الشخصية. يروي يوميات 28 يوماً أمضاها برفقة أخيه، محمد، تحت القصف يتنقل بين ملاجئ الضاحية الجنوبية وبيوتها.
محمد في الثانية والأربعين ويعاني من إعاقة جسدية ومن إعاقة ذهنية حادة. يسمع، لكنه لا يفهم، يحرك رأسه يمينا ويسارا، ينظر الى أخيه ويبتسم. فأخوه هو الوحيد الذي يتعامل معه ويخاطبه بكلمات قليلة جدا.
لا يفوّت أحمد تفصيلا واحدا. يحفظ القصة من ألفها الى يائها. من 12 تموز الماضي، يوم أسر <حزب الله> الجنديين الإسرائيليين، مروراً بأصوات الغارات على الضاحية وآثارها، وصولاً إلى انتقاله وأخيه من منزلهما في الغبيري الى ملجأ يليه آخر فآخر.
كانت عيادة طبيب الأسنان الواقعة تحت الأرض هي آخر الملاجئ. هناك وجدهما متطوعون من اتحاد المقعدين مساء الاثنين الماضي.
اليوم، يعيش محمد وأحمد قازان مؤقتاً في منزل خالد وهبي، في شارع عفيف الطيبي في الطريق الجديدة. خالد بدوره يعاني من شلل نصفي وهو عضو اتحادي، يعيش بمفرده، يعاونه عدد من الأصدقاء على خدمة نفسه وتأمين حاجاته الأساسية.
يجد أحمد بيت خالد الصغير، المؤلف من ثلاث غرف، مريحاً جداً. يتأمل زوايا الغرف جيداً، يخاف من فكرة عدم وجود أي زاوية خالية أو <شاغرة>. أين يذهب عندما يبدأ القصف؟ في الضاحية: <كنت ألطي بالزاوية، هيك إذا هبط البيت بكون بالزاوية>، يقول. يختبئ في <زاويته>، ويدعو أخاه محمد ليفعل مثله. كان محمد يجيب بالضحك، أو بالصراخ عالياً: <بدي روح عند علي.. بدي روح عند علي>، لاسيما عند اشتداد القصف.
علي هو الأخ الثالث لمحمد وأحمد، وقد انتقل برفقة زوجته وأولادهما إلى منزل في الجبل، منذ أول أيام القصف على الضاحية. علي لم يتمكن من نقل أخويه معه، ولم يلتقيا به مذاك. لكن ابن علي زار عمّيه وقال لهما أنه بإمكانهما الاتصال عند الحاجة إلى المساعدة، كما طمأنهما إلى إمكانية أخرى هي النزول إلى الملجأ في حال اشتد القصف قرب المنزل!
استمر أحمد بممارسة واجبه تجاه محمد. هو يهتم بحاجات أخيه كلها. يرافقه إلى الحمام، يحلق ذقنه، يحممه، يسرح شعره، يلبسه، يطبخ له، يطعمه، يعطيه حبة الدواء ثلاث مرات يومياً، ثم يضعه في الفراش ليخلد الى النوم كطفل صغير.
خلال الأيام الأولى للحرب، صمد الشقيقان في المنزل. كان قصف ساحة الغبيري هو الأصعب عليهما. لم يفهم أحمد ما الذي يجري، سمع صوتاً قوياً جداً، فانبطح على الأرض، وصرخ بمحمد: <انبطح على الأرض يا محمد، انبطح، انبطح>.. كررها ليضمن سلامة أخيه.
مرت الأيام والشقيقان لا يريان النور. لم يعرف أحمد مكانا آخر يذهبا اليه.
بعد أيام قليلة، خرج أحمد ليرمي أكياس النفايات، فالتقى بجار نصحه بالذهاب الى ملجأ مبنى مروة القريب. اقتنع أحمد بالنصيحة، أسند محمد وقصدا معا الملجأ.
بعدها، اقترب القصف منهما أكثر وبدأت العائلات المختبئة في الملجأ تهرب. فكان الحل بالعودة الى المنزل مجددا. والقصف يتجدد، والخوف يجد طريقا سهلا إلى قلب أحمد. فقرر الاتصال بأخيه علي: <خفت كتير، وكنت عم ارجف، لبست كلساتي وطلعت اتصلت بعلي.. بس علي ما جاوب. رجّع لي الزلمة 500 ليرة ثمن المكالمة>. تفصيل آخر يصر أحمد على ذكره ويعتبر قصته ناقصة من دونه: ""بس كنت بدي قول أنه أنا أمي ماتت من 22 سنة وبييّ توفى في كانون أول الماضي.. وأنا كنت أنزل معه على السوق نبيع خضرة وهلق أنا بمشي ببسطة خضرة لوحدي>.
بعد أيام مرعبة قضاها محمد وأحمد في منزلهما في الغبيري، خرج أحمد الى النور مجدداً، ليجد أن المكان اختلف: الأبواب تصدعت، النوافذ تكسرت، الأحجار تراكمت، المنازل تهدمت.. يصر على شرح التفاصيل الدقيقة لمشهد طبع في ذاكرته، ولم يعجبه.
طلب منه أحد الجيران أن يترك المنزل، لخطورته. لكن إلى أين؟ إلى أقرب مكان يعرفه تحت الأرض: عيادة الجار د. مزهر. انتقل إليها برفقة محمد، من دون أن يفارقه إلا لدقائق معدودة قصد خلالها المنزل ليحضر: <غرض مهم>، من خزانة أمست تحت جدار منهار. بعد محاولات عديدة وصعبة، تمكن أحمد من استعادة <الغرض المهم>: <المال ودواء محمد تبع توتر الأعصاب والكريزا، وهوياتنا وبطاقات الاعاقة>.
أمس الأول، استقل محمد وأحمد سيارة اتحاد المقعدين برفقة المتطوعة هيام بكر باتجاه منزل خالد. اغتسلا وحصلا على ثياب نظيفة. وضع أحمد أغراضه المهمة بالقرب من فراشه، ونام بانتظار الانتقال الى بيت أخير: <دار العجزة الإسلامية>.. نام أحمد ومحمد أمس الأول، على أن يغادرا منزل خالد في الصباح.
صباح أمس ، ذهب أحمد ومحمد إلى دار العجزة الإسلامية ، ووقع اتحاد المقعدين على أوراق تثبت مسؤولية الاتحاد عنهما.