احمد جبريل
08-12-2006, 09:26 PM
لا أشك لحظة واحدة أن تقبل إسرائيل بوقف لإطلاق النار من أي
نوع ما لم يتحقق لها الحد الأدنى مما تحلم به من نصر على حزب الله ، وفرض شروطها عليه وأهمها : تجريده من سلاحه ، والقضاء على ترسانته الصاروخية وشل قدرته على استخدامها ، مستظلة بالدعم الأمريكي غير المحدود . وإن هي قبلت بغير ذلك ، فهذا يعني اعترافاً موثقاً منها بهزيمتها في المعركة التي بدأتها هي وليس حزب الله ، ما يعني اعترافا صريحاً بانهيار المشروع الصهيوني الذي يسعى لإقامة إسرائيل الكبرى ، ليس فقط من البحر إلى النهر ، وإنما من الفرات إلى النيل .
إسرائيل تلجأ لأحط وسائل القتال وأفظعها دناءة
الكيان العبري هذا لن يقوى على تحمل هزيمة أخرى ، وبخاصة إذا كانت على يد ميليشيات لا تملك طائرات مقاتلة ولا مروحيات ولا مدفعية ميدان ثقيلة ولا دبابات ، كما حاله الآن في حربه مع حزب الله . فلو وقعت له مثل هذه الهزيمة فستكون قاتلة ، لأنه يعلم جيداً أن الحرب بينه وبين الفلسطينيين وحزب الله ومن ورائهم العرب والمسلمين لن تتوقف حتى تتحرر الأرض التي سلبها اليهود واقاموا عليها كيانهم الدخيل . فهو يعلم كما يعلم العرب والمسلمون جيداً أنه يشكل رأس الحربة التي يستخدمها الغرب في حربه الصليبية الثانية التي أعلنها بوش على الإسلام والعرب والمسلمين غداة أحداث سبتمبر 2001 بدعوى محاربة الإرهاب ، وحين أيد الحرب التي تخوضها إسرائيل في لبنان الآن باعتبارها حرباً بين "الإرهاب والحرية" !! .
ويعلم هذا الكيان أيضاً أن معاهدات السلام التي عقدها مع بعض البلدان العربية كانت وما زالت وستظل هشةً ، لأنها كانت أسيرة ظروف ضاغطة فرضتها القوى المتجبرة في العالم عليها .. إلى حين تستعيد هذه الأمة قوتها وتعاود الكرّة ثانية وثالثة ورابعة لتحقق استئصال هذا الكيان الغريب وحلفائه من فلسطين والمنطقة العربية بكاملها ، إذ من غير المعقول أن يظل هذا الكيان في الجسد العربي كالورم الخبيث الذي يهدد حياته دون أن يفعل العرب شيئاً لاستئصاله .
إسرائيل في سعيها لتحقيق أهدافها من الحرب على لبنان ، لا تسلك طريق الفارس الذي يغار حمية على هزيمة ألحقتها به جماعة - كحزب الله - لا تتسلح بالدروع والبوارج والطائرات المقاتلة مثلها ، وإنما تلجأ لأحط وسائل القتال وأفظعها دناءة وخسة حين تستخدم ترسانتها من الطائرات المقاتلة والمدافع الثقيلة والصواريخ المتطورة والبوارج البحرية ، في ضرب المدنيين اللبنانيين وتدمير بنية لبنان التحتية .. حتى أنها لم تتورع من قصف المجمعات السكنية التي يحتمي بها الأطفال والنساء .
وفي المقابل ، فإن حزب الله الذي يحاول البعض في هذه الأمة التشكيك في أهدافه من هذه الحرب ، يتسلح في حربه مع العدو بالعقيدة والإيمان بعدالة قضية لبنان وفلسطين وقضايا الأمة العربية الإسلامية قاطبة ، ويتمسك بالأرض (لبنان) التي ولد فيها ويصر أن يدفن تحت ثراها ، مستخدماً في مواجهة هذا العدو الخسيس المتمترس وراء الدروع والدعم الغربي الحاقد أبسط أنواع الأسلحة وأكثرها بدائية ، لكنها أكثر فاعلية وتأثيراً من تلك التي يمتلكها جيش أعداء الله .
لذلك نرى هذا الكيان - بعد أن دمر طيرانه الحربي الغالبية العظمى من البنية التحتية للبنان وليس لحزب الله الذي يقف له بالمرصاد في الجنوب كما يدعي - نراه يلجأ لضرب المجمعات السكنية والشاحنان صغيرها وكبيرها خوفاً وهلعاً من أنها تحمل دعماً عسكريا لمقاتلي حزب الله ، حتى وصل عدد القتلى من المدنيين لأكثر من ألف شهيد معظمهم من النساء والأطفال ، إضافة للأعداد الكبيرة من الجرحى والمصابين .
فمذ اللحظة التي أًعلن فيها عن أسر الجنديين الإسرائيليين أثناء العملية التي نفذها حزب الله في الثاني عشر من يوليو الماضي وقتل فيها ثمانية جنود آخرون ، راحت إسرائيل تستخدم كل طيرانها الحربي في ضرب البنية التحتية للبنان ومواقع حزب الله بجنون ، وبطريقة لا تبدو أنها عفوية على الإطلاق أو رداً انفعاليا على تلك العملية ، وإنما تنم عن مخطط عدواني أعد له سلفاً .. فقتلت ما قتلت من المدنيين .. ودمرت ما دمرت من الجسور ومحطات الكهرباء والمطارات والطرقات الرئيسة منها والفرعية .. وقصفت الشاحنات صغيرها وكبيرها .. وشردت مئات الآلاف من المهجرين .. وغير ذلك الكثير الكثير على ما ذكرنا .
لكن رد المقاومة الإسلامية كان أشد وقعاً على القيادة العبرية وشعبها ، حيث أمطر حزب الله شمال إسرائيل والعمق الإسرائيلي بوابل من الصواريخ ، ولأول مرة في تاريخها ، ما أجبر نحو مليون من سكان الشمال الإسرائيلي للاختباء ليل نهار في الملاجئ ، كما أجبر أكثر من 330 ألف منهم على النزوح نحو وسط إسرائيل وجنوبها طلباً للنجاة .
وحيال ذلك وجدت القيادة الإسرائيلية أن الوقت قد حان لبدء تنفيذ مخططها الذي أعدته سلفاً لاجتياح الجنوب اللبناني ، طمعاً في القضاء على بنية حزب الله التحتية وتدمير منصات صواريخه ، أو إجباره – على الأقل - على التراجع للداخل اللبناني بعيداً عن حدود إسرائيل الشمالية ، بعد أن يكون – كما خطط - قد أضعف قدراته القتالية إلى حد كبير ، وألّب – كما يتصور – الشعب اللبناني ضد حزب الله .
وقد اتبع في تطبيق خطته هذه أسلوب استخدام وحدات عالية التدريب ، مثل "لواء جولاني" المشهور بعملياته الإجرامية ضد الفلسطينيين ، وقوات المظلات والمروحيات ، في هجمات مركزة على مواقع وتلال لبنانية تتمتع بميزات استراتيجية عالية بالنسبة للجنوب اللبناني والشمال الإسرائيلي على حد سواء . لكن هذه القوات فشلت فشلاً ذريعاً بسبب تحسب حزب الله واستعداده لهذا الأمر جيداً ، الأمر الذي تجلّى في المعارك التي دارت حول بلدات مارون الراس وبنت جبيل وعيترون ، حيث منيت القوات الغازية بخسائر فادحة دفعتها للانسحاب منها .
وحينها قررت القيادة العسكرية في إسرائيل - بالتنسيق مع أمريكا - على توسيع هجومها باستخدام أعداد كبيرة من الجند والدبابات والمدرعات بغية القضاء على منصات إطلاق الصواريخ ومواقع حزب الله الأخرى . لكنها فوجئت أيضاً بهزائم في الأفراد والمعدات لم تتحسب لها لسببين : الأول أنها لا تملك معلومات مؤكدة عن أماكن تواجد مقاتلي حزب الله ومواقع صواريخهم ، والسبب الثاني أن حزب الله كان يسعى لإجبار الجيش الإسرائيلي على الدخول في مواجهة مباشرة مع مقاتليه ، ليوقع في أفراده ومعداته أكبر كم من الخسائر ، كما صرح بذلك أمين الحزب نفسه سماحة حسن نصر الله .
لكن ما كان يرعب القيادة الإسرائيلية وحلفائها الأمريكان أن إسرائيل كانت قد فعلت في لبنان - آنذاك - كل ما تستطيع قوة جبارة أن تفعله بحيث لم يعد لدى اللبنانيين شيئاً يخسرونه أو يخشون عليه ، كما استهدفت في عدوانها الأطفال والنساء والمجمعات السكنية ليؤلبوا الشعب والحكومة اللبنانية ضد حزب الله دون أن تلحق إصابات تذكر في صفوف المقاتلين من مقاتليه ، الأمر الذي وحد إرادة مختلف أطياف الشعب اللبناني من مسيحيين ومسلمين شيعة وسنة ومذاهب وطوائف أخرى أكثر من أي وقت مضى ضد هذا العدوان الإجرامي .
ثم جاءت الوفود الأمريكية وغير الأمريكية الموالية للعبرانيين لبيروت الضحية لتطلب منها صك بالهزيمة التي تتصور أنها لحقت بلبنان واللبنانيين ، ظانةً أن الوقت قد حان لقطف ثمار هذه الحرب .. ومدعية أن حزب الله كان البادئ في إشعالها ، وأنه وحده الذي يتحمل المسئولية عن الخسائر التي أصابت لبنان من جرائها .
ثم جاء عقد مؤتمر روما ليفضح تلك المساعي ، حيث لم يستطع - بسبب أمركا - تحقيق الهدف الرئيس الذي عقد من أجله وهو الإيعاز لمجلس الأمن باتخاذ قرار فوري لإطلاق النار .. وكانت وزير خارجيتها رايس قد تعللت آنذاك ومازالت بأن هذا الوقف يجب أن يكون مقروناً بشروط تكفل تطبيق القرار الأممي 1559 ، أي تجريد حزب الله من سلاحه أولاً .
وفي غمرة هذه المجادلات العقيمة أبى جيش إسرائيل الذي ألحقت قوات المقاومة الإسلامية بأفراده ودباباته ومعداته وقراه ومدنه في الشمال والعمق الإسرائيلي خسائر فادحة ما كان لصلف قادته أو قل لجهلهم أن يتصوروه .. نقول أبي هذا الجيش الذي بات "يقهر" إلا أن يبرهن على خسة عقيدته العسكرية وجبنه ، بأن أغار على مجمع للأيتام في قانا ليرتكب مجزرته الثانية التي أوقعت نحو 60 شهيداً لبنانياً منهم 37 طفلاً ، متعللاً بأن حزب الله يتخذ من هذه البلدة موقعاً لإطلاق صواريخه على إسرائيل ، كما يتخذ من المدنيين والأطفال دروعاً بشرية !!! ، ثم تلاها بمجزرة أخرى على الحدود مع سوريا راح ضحيتها أكثر من ثلاثين عاملاً بينهم سوريين .. ثم ثالثة .. فرابعة ..
ومع ذلك ظلت أمريكا تقف حائلاً دون إصدار مجلس الأمن قراراً بوقف فوري لإطلاق النار ، لإعطاء القيادة العسكرية في إسرائيل الوقت الكافي للقضاء على مواقع حزب الله وإبعاده إلى ما بعد نهر الليطاني بعمق 30 كيلومتراً من الحدود الشمالية لإسرائيلية .
والغريب أن العبرانيين ظنوا ليوم أو اثنين عقب الإغارة على قانا أنهم على مشارف النصر الذي حلموا به ، حيث ردد العديد من قادتهم تصريحات بأن الجيش العبري قضى على معظم قدرات حزب الله القتالية بما فيها الصواريخ ، لدرجة أن رئيس وزراء إسرائيل إيهود أولمرت قال : إن لبنان بات الآن عبرة للجميع .. فلن تجرؤ أية دولة بعد اليوم أن تضرب الكيان العبري بالصواريخ ، بعد ما شاهد الجميع ما لحق بلبنان من دمار وخراب !!.
غير أن حلمه سرعان ما تبدد حين أمطرت المقاومة الإسلامية في اليوم التالي لتصريحه شمال إسرائيل - بمدنه وقراه وقواعده العسكرية - بأكثر من ثلاثمائة صاروخ تجاوز عدد منها حيفا ، حيث أصاب مدينة الخضيرة التي تبعد عن تل أبيب بنحو 40 كم فقط ، موقعة خسائر مادية وبشرية فادحة كان آخرها مقتل اثني عشر جندياً إسرائيلياً من جنود الاحتياط ، وثلاثة مدنيين إضافة لأكثر من 160 مصابا ، هذا بالإضافة لخسائر جيشهم على أرض المعركة .
وفي السادس من أغسطس 2006 قامت فرنسا التي طالما أدّعت- نفاقاً - صداقتها للعرب بالاشتراك مع أمريكا ، بتوزيع مسودة قرار يصدره مجلس الأمن وينص على وقف كامل لكل أشكال القتال في لبنان ، ما يعني بقاء الجنود العبرانيين في التلال التي يتواجدون فيها الآن ، والتي ما زالوا يواجهون فيها مقاومة عنيفة من مقاتلي حزب الله ، وهذا ما رفضه لبنان إلى جانب رفضه لبنود أخرى جائرة تصب جميعها في مصلحة إسرائيل ..
- أما مسودة هذا الاتفاق الفرنسي الأمريكي ، فأبرز ما تضمنته من نقاط - بحسب ما أورده موقع أل بي بي سي :
1- إنشاء منطقة خالية من السلاح والمسلحين ما بين الخط الأزرق ونهر الليطاني ، ما عدا تلك التابعة لقوات الجيش اللبناني وقوات الأمن اللبنانية وأية قوات دولية تنتدبها الهيئة الأممية في المنطقة .
2- التطبيق الكامل لاتفاق الطائف والقرارين الأمميين 1559 و1680 اللذين يدعوان لتجريد الجماعات المسلحة المتواجدة على أرض لبنان من سلاحها ، وأن لا يبقي على الأرض اللبنانية سوى سلاح الدولة .
حزب الله يتسلح في حربه بالعقيدة والإيمان
3- نشر قوة دولية في لبنان .
4- يحظر تماما بيع أسلحة لأي طرف في لبنان إلا بموافقة من الحكومة اللبنانية .
5- إلغاء وجود قوات أجنبية في لبنان دون موافقة حكومته .
6- تسليم إسرائيل ما تبقى لديها من خرائط للألغام التي قامت بزرعها للأمم المتحدة .
غير أن هذه النقاط التي تنطوي على غموض مشبوه ، لم تلق – في مجملها - قبولاً من الحكومة اللبنانية والكثير من الأطراف المعنية بالصراع داخل المنطقة وخارجها ، ذلك أن هذا الاتفاق لا ينص على انسحاب فوري للجيش الإسرائيلي من المواقع التي احتلها في الجنوب ، ما يعني استمرار الاحتلال الإسرائيلي لأراضي لبنانية وبالتالي "منطقية" استمرار القتال وليس توقفه .
والأخطر من ذلك أن القوات الإسرائيلية ما زالت تواجه مقاومة عنيفة من مقاتلي حزب الله في الأماكن التي تتواجد فيها ، وهي لا تزيد عن بضعة تلال استراتيجية تشرف على مواقع عديدة في الجنوب اللبناني والشمال الإسرائيلي كما ذكرنا ، فضلاً عن أنهم (الإسرائيليون) لم يستطيعوا بعد السيطرة عليها وبخاصة في مارون الراس وبنت جبيل وعيترون والعديسية وغيرها ، لأن القتال مع عناصر حزب الله ما زال محتدماً ، وأن ميزان الغلبة يبدو أنه يميل لصالح مقاتلي الحزب ، كما يستشف من أقوال بعض القادة الإسرائيليين الذين صرحوا بأنه يستحيل القضاء على حزب الله .
فإذا ما أقر المشروع الأمريكي الفرنسي الذي ينص على وقف كامل للعمليات العسكرية دون النص على انسحاب إسرائيلي فوري من الجنوب ، فهذا يعني السماح للقوات الإسرائيلية بالتمركز في مواضعها دون عناء ، الأمر الذي لا يمكن لحزب الله أن يقبل به ، حيث أن الواقع على الأرض هو الذي يقرر ما يجب وما لا يجب أن يؤخذ به أو يوصى عليه .
أما المأخذ الثاني ، فهو عدم نص مسودة المشروع على انسحاب إسرائيل من مزارع شبعا وإعادتها للبنان ، أو وضعها -على الأقل - تحت وصاية الأمم المتحدة كما طالبت الحكومة اللبنانية في نقاطها السبع التي طرحتها في مؤتمر روما لحين ترسيم الحدود مع سوريا ، كما أن هذا المشروع لا يشير صراحة لموضوع إعادة الأسرى اللبنانيين مع أنه ينص صراحة على إعادة الجنديين الأسيرين لإسرائيل.
وثالث المخاطر الذي ينطوي عليها مثل هذا القرار - إذا ما صدر - هو فرض وجود قوة دولية لم يتضح من هويتها سوى تجريد المنطقة من أي سلاح عدا سلاح الدولة اللبنانية ، دون أن تُعنى – ضمن اختصاصاتها - باستعادة لبنان لحقوقه المشروعة في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وإعادة الأسرى اللبنانيين ، والتطبيق الكامل للقرار 1559 على إسرائيل وعلى لبنان بالتساوي . وهذا يجعل من اشتعال المقاومة ثانية أمراً وارداً ، وبخاصة أن أمريكا وإسرائيل تريد أن تكون هذه القوة قادرة على ردع حزب الله وتجريده من سلاحه ، الأمر الذي سيضعها - في هذه الحالة - في موقف "قوة احتلال" تستوجب المقاومة .
أما أخطر ما في هذا المشروع (الذي لا يمكن أن يوصف إلاّ بالخبث) ، فهو المادة الرابعة ، والتي نظن يقيناً بأن العقل الفرنسي الاستعماري هو مبتكرها ومبدعها والتي لاقت مباركة واستحساناً من الشريك الأمريكي . فهي وإن بدت على أنها منطقية في ظاهرها ، لكنها تنطوي على إمكانية السماح لطائفة ما في الدولة بشراء الأسلحة بهدف التغلب على طائفة أخرى ، الأمر الذي سوف يخل بالتوازن الطائفي الذي يحكم لبنان لصالح الدول الغربية وبخاصة فرنسا .
وفي المقابل سيجد الطرف الآخر نفسه مجبراً على حماية نفسه أو الحفاظ على نفوذه أو قل لأي شيء آخر ، ما قد يدفعه لاتباع وسائل غير شرعية في الحصول على الأسلحة ، وبخاصة أن مبدأ "الفوضى البناءة" الذي نادت به الإدارة الأمريكية في محاولة منها لتبرير فشلها في أفغانستان والعراق ، يبدو أنه آخذ في الظهور للعيان على حقيقته بأنه مبدأ يدعو إلى "الفوضى الهدامة" الذي سيؤدي حتما لارتكاب كل ما هو غير شرعي ، ليس في لبنان والمنطقة فحسب وإنما في كل أرجاء المعمورة .
بعد ذلك ، نجد شمل العرب وقد التأم بعد شهر من تدمير لبنان باجتماع وزراء خارجية دولهم في بيروت يوم الاثنين السابع من أغسطس الجاري . وأحسب أنهم لم يفعلوا ذلك إلا حين أحسوا بان المقاومة الإسلامية اللبنانية استطاعت أن تذل العدو الذي طالما أرعبهم ، وأن توقع في صفوفه خسائر ما كان لوزراء الخارجية العرب قبل إسرائيل وغيرها أن يتخيلوها ، ما يدعوني للاتفاق مع الرأي القائل بأنهم ما ذهبوا للبنان إلا ليتقاسموا النصر الذي حققه حزب الله !!!.
- ثم ما الذي أسفر عنه هذا الاجتماع ..
التأييد الكامل للنقاط السبع التي طرحها رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيوره وأيدها حزب الله ؟ .. أحسب أن هذه النقاط لبنانية المنشأ والهوية والمصب ، وهي متفق عليها من جميع الأطياف السياسية اللبنانية وبخاصة حزب الله ، كما تعبر عن مطلب عاقل لا يعارضه سوى إسرائيل وأمريكا وكل الطغاة الذين يزحفون خلف ركبهما في هذا العالم المضطرب . فما الجديد الذي جاءوا به ؟ ... الشجب ؟ .. لقد أرهفت آذاننا السمع لكي تُشجى من هذا الشجب الناعم الذي جاء على استحياء من دولهم فرادى وجماعات ... وعوداً بالمساعدة في إعادة إعمار لبنان ؟ .. هذا واجب على دولهم (العربية) وليس مساعدة أو إحساناً منها على اللبنانيين ، لأن لبنان يقاتل معركة العرب جميعهم ...
وأحسب أن النقطة التي لاقت هوى خاصاً لدى الغالبية منهم .. تلك التي تقول بأن : لا وجود سلاح في الجنوب إلا سلاح الدولة اللبنانية ، ما يعنى تمنيهم ودعواتهم وابتهالهم إلى أولياء أمورهم بأن يتخلصوا من "وجع الدماغ" الذي سببته لهم المقاومة الإسلامية ، ممثلة اليوم في حزب الله ، وغداً في حماس ... ثم قرروا أخيرا الذهاب لمجلس الأمن .. "قال إيه ؟" .. لتعديل القرار الفرنسي الأمريكي بحيث تؤخذ النقاط السبع اللبنانية في الاعتبار ؟.
صحيح أن فرنسا سحبت مسودة القرار للنظر في إجراء تعديل عليه بعدما أعلنت الحكومة اللبنانية استعدادها لنشر 15 ألف جندي لبناني في الجنوب ، بشرط انسحاب القوات الإسرائيلية من المواقع التي ما زالت تتواجد فيها ولم تستطع احتلالها بالمعنى الكامل لمصطلح "احتلال" ، ( ذلك أنها ما زالت تواجه مقاومة عنيدة من المقاومة اللبنانية ، وتتلقى ضربات وخسائر كبيرة في الأفراد والمعدات ، ما دفع بالقيادة العسكرية الإسرائيلية مؤخراً لتغيير الكثير من قادتها الميدانيين ، وأجبرها على الاعتراف "ضمنا" بأن الجيش الإسرائيلي لم ولن يستطيع سحق حزب الله أو هزيمته) ...
نقول : صحيح أن فرنسا سحبت مسودة القرار .. لكن الأهم : ما المتوقع أن يفعله مندوبو وزراء الخارجية العرب مع مجلس الأمن الذي يعتبر أداة في يد أمريكا ، إذا ما كان الرئيس بوش لا يريد وقفاً فورياً لإطلاق النار ؟ ، تاركا لإسرائيل حرية البقاء في مواقعها ، وحرية الحركة في الجنوب اللبناني حتى نهر الليطاني إن لم يكن أبعد ، وحرية الاستمرار في حربها لتحقيق ما وعدت به حيال القضاء على القوة القتالية لحزب الله ، حتى يصبح عاجزاً عن ضرب إسرائيل بالصواريخ ، أو إبعاده -على الأقل - إلى ما وراء نهر الليطاني الذي يبعد حوالي 30 كيلومتراً عن الحدود الشمالية لإسرائيل .
حقاً إن إسرائيل لا تريد البقاء في المستنقع اللبناني الذي سبق أن عانت الكثير منه واضطرت مجبرة وليس طواعية للهرب منه على يد حزب الله الذي كان السبب في هربها منذ ستة أعوام ونيف والذي يتصدى اليوم لها .. لكن الصحيح أيضاً أنها لا تريد الخروج دون أن تحصل على الحد الأدنى من الشروط التي تكفل عدم عودة حزب الله للجنوب اللبناني ومعاودة تهديده بقصف المدن والبلدات الإسرائيلية في الشمال بالصواريخ ، وهذا لن يتحقق – في نظرها – إلاّ بوجود قوات دولية رادعة تساعد في تجريد المقاومة اللبنانية من سلاحها ، حيث أنها لا تثق بالدولة اللبنانية ولا بجيشها لتحقيق هذا الهدف . ونحسب أنها لن تخرج إلا إذا كفلت الولايات المتحدة وفرنسا والقوى الغربية بعامة تأمين هذا الهدف .. وجميعنا يعرف جيداً تقاطع المصالح بين الكيان العبري وبين الغرب بصفة عامة في هذه المنطقة .
أما البند الخامس من مسودة الاتفاق التي تنص على إلغاء وجود قوات أجنبية في لبنان دون موافقة حكومته ، وإن كانت مطلباً عادلاً من وجهة النظر اللبنانية والعربية ، غير أن الخبث الفرنسي يبدو واضحاً ، ذلك أن الأوضاع في لبنان تميل لصالح التيار الذي يتفق مع أفكار فرنسا والغرب فيما ينبغي أن يكون عليه لبنان المستقبل وبخاصة بعد خروج سوريا منه ، الأمر الذي يعكس مدى حرص فرنسا بالذات على إبعاد لبنان عن انتمائه العربي . وهنا نتساءل .. ماذا لو انقلب الوضع في لبنان في الاتجاه المعاكس بفعل ظروف قاهرة أضطرته لذلك ؟!!.
إن ما لا يدركه الفرنسيون وغيرهم من دول الغرب بما فيها أمريكا ، أن اللبنانيين على اختلاف طوائفهم وانتماءاتهم الدينية والسياسية والمذهبية يدركون تماما بأنهم جزء من محيطهم العربي ، وأن هذا الخيار هو العنصر الغالب على كل الخيارات البديلة التي تحاول فرنسا والغرب زرعها في نفوس اللبنانيين بشتى الوسائل .
ويكفي هنا أن نشير إلى أن أكبر تيار سياسي مسيحي وهو تيار ميشيل عون ، يتفق تماما مع حزب الله في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي ومحاولة تخليص مزارع شبعاً من براثنه ، وإعادة الأسرى اللبنانيين ، وتسليم إسرائيل لخرائط الألغام التي زرعتها في الجنوب ، فحينها – بحسب عون – لن تبقى هناك مشكلة ، وهذا جل ما يريده الشعب اللبناني والشعوب العربية وحزب الله وكل المخلصين للبنان .
أما الآن والمعركة ما زالت بين المقاومة اللبنانية والقوات الإسرائيلية الغازية على أشدها ، وفي الوقت الذي نشاهد فيه مداولات واتصالات ومجادلات سياسية لا تخلو من الغموض والشكوك في أهداف بعض أطرافها ودوافعهم المعادية لهذه الأمة .. نقول .. ما علينا إلا الانتظار .. الذي قد يطول طويلاً أو يقصر كثيراً عما يمكن أن نتوقعه ، لجهلنا الأكيد بما تخطط له القوة العالمية الكبرى واشنطن من ناحية ، وما هو كامن من قوتنا العربية التي لا بد أن تُدفع يوماً – جبراً – للصحوة من كونها من ناحية أخرى .
وحتى حدوث تلك اللحظة ، نعيد ونكرر يقيننا بأن : "الحرب بيننا وبين العبرانيين وأعداء الحضارة الإسلامية من المحافظين الجدد والمسيحية المتصهينة لن تنتهي أبداً مهما طال الزمن ، ومهما تكالبت على هذه الأمة أطماع الطامعين ، حتى تتحقق عودة فلسطين بكاملها عربية إسلامية فلسطينية وحتى تعود للبنان والعراق الوحدة والاستقلال والحرية" .
منقول .
نوع ما لم يتحقق لها الحد الأدنى مما تحلم به من نصر على حزب الله ، وفرض شروطها عليه وأهمها : تجريده من سلاحه ، والقضاء على ترسانته الصاروخية وشل قدرته على استخدامها ، مستظلة بالدعم الأمريكي غير المحدود . وإن هي قبلت بغير ذلك ، فهذا يعني اعترافاً موثقاً منها بهزيمتها في المعركة التي بدأتها هي وليس حزب الله ، ما يعني اعترافا صريحاً بانهيار المشروع الصهيوني الذي يسعى لإقامة إسرائيل الكبرى ، ليس فقط من البحر إلى النهر ، وإنما من الفرات إلى النيل .
إسرائيل تلجأ لأحط وسائل القتال وأفظعها دناءة
الكيان العبري هذا لن يقوى على تحمل هزيمة أخرى ، وبخاصة إذا كانت على يد ميليشيات لا تملك طائرات مقاتلة ولا مروحيات ولا مدفعية ميدان ثقيلة ولا دبابات ، كما حاله الآن في حربه مع حزب الله . فلو وقعت له مثل هذه الهزيمة فستكون قاتلة ، لأنه يعلم جيداً أن الحرب بينه وبين الفلسطينيين وحزب الله ومن ورائهم العرب والمسلمين لن تتوقف حتى تتحرر الأرض التي سلبها اليهود واقاموا عليها كيانهم الدخيل . فهو يعلم كما يعلم العرب والمسلمون جيداً أنه يشكل رأس الحربة التي يستخدمها الغرب في حربه الصليبية الثانية التي أعلنها بوش على الإسلام والعرب والمسلمين غداة أحداث سبتمبر 2001 بدعوى محاربة الإرهاب ، وحين أيد الحرب التي تخوضها إسرائيل في لبنان الآن باعتبارها حرباً بين "الإرهاب والحرية" !! .
ويعلم هذا الكيان أيضاً أن معاهدات السلام التي عقدها مع بعض البلدان العربية كانت وما زالت وستظل هشةً ، لأنها كانت أسيرة ظروف ضاغطة فرضتها القوى المتجبرة في العالم عليها .. إلى حين تستعيد هذه الأمة قوتها وتعاود الكرّة ثانية وثالثة ورابعة لتحقق استئصال هذا الكيان الغريب وحلفائه من فلسطين والمنطقة العربية بكاملها ، إذ من غير المعقول أن يظل هذا الكيان في الجسد العربي كالورم الخبيث الذي يهدد حياته دون أن يفعل العرب شيئاً لاستئصاله .
إسرائيل في سعيها لتحقيق أهدافها من الحرب على لبنان ، لا تسلك طريق الفارس الذي يغار حمية على هزيمة ألحقتها به جماعة - كحزب الله - لا تتسلح بالدروع والبوارج والطائرات المقاتلة مثلها ، وإنما تلجأ لأحط وسائل القتال وأفظعها دناءة وخسة حين تستخدم ترسانتها من الطائرات المقاتلة والمدافع الثقيلة والصواريخ المتطورة والبوارج البحرية ، في ضرب المدنيين اللبنانيين وتدمير بنية لبنان التحتية .. حتى أنها لم تتورع من قصف المجمعات السكنية التي يحتمي بها الأطفال والنساء .
وفي المقابل ، فإن حزب الله الذي يحاول البعض في هذه الأمة التشكيك في أهدافه من هذه الحرب ، يتسلح في حربه مع العدو بالعقيدة والإيمان بعدالة قضية لبنان وفلسطين وقضايا الأمة العربية الإسلامية قاطبة ، ويتمسك بالأرض (لبنان) التي ولد فيها ويصر أن يدفن تحت ثراها ، مستخدماً في مواجهة هذا العدو الخسيس المتمترس وراء الدروع والدعم الغربي الحاقد أبسط أنواع الأسلحة وأكثرها بدائية ، لكنها أكثر فاعلية وتأثيراً من تلك التي يمتلكها جيش أعداء الله .
لذلك نرى هذا الكيان - بعد أن دمر طيرانه الحربي الغالبية العظمى من البنية التحتية للبنان وليس لحزب الله الذي يقف له بالمرصاد في الجنوب كما يدعي - نراه يلجأ لضرب المجمعات السكنية والشاحنان صغيرها وكبيرها خوفاً وهلعاً من أنها تحمل دعماً عسكريا لمقاتلي حزب الله ، حتى وصل عدد القتلى من المدنيين لأكثر من ألف شهيد معظمهم من النساء والأطفال ، إضافة للأعداد الكبيرة من الجرحى والمصابين .
فمذ اللحظة التي أًعلن فيها عن أسر الجنديين الإسرائيليين أثناء العملية التي نفذها حزب الله في الثاني عشر من يوليو الماضي وقتل فيها ثمانية جنود آخرون ، راحت إسرائيل تستخدم كل طيرانها الحربي في ضرب البنية التحتية للبنان ومواقع حزب الله بجنون ، وبطريقة لا تبدو أنها عفوية على الإطلاق أو رداً انفعاليا على تلك العملية ، وإنما تنم عن مخطط عدواني أعد له سلفاً .. فقتلت ما قتلت من المدنيين .. ودمرت ما دمرت من الجسور ومحطات الكهرباء والمطارات والطرقات الرئيسة منها والفرعية .. وقصفت الشاحنات صغيرها وكبيرها .. وشردت مئات الآلاف من المهجرين .. وغير ذلك الكثير الكثير على ما ذكرنا .
لكن رد المقاومة الإسلامية كان أشد وقعاً على القيادة العبرية وشعبها ، حيث أمطر حزب الله شمال إسرائيل والعمق الإسرائيلي بوابل من الصواريخ ، ولأول مرة في تاريخها ، ما أجبر نحو مليون من سكان الشمال الإسرائيلي للاختباء ليل نهار في الملاجئ ، كما أجبر أكثر من 330 ألف منهم على النزوح نحو وسط إسرائيل وجنوبها طلباً للنجاة .
وحيال ذلك وجدت القيادة الإسرائيلية أن الوقت قد حان لبدء تنفيذ مخططها الذي أعدته سلفاً لاجتياح الجنوب اللبناني ، طمعاً في القضاء على بنية حزب الله التحتية وتدمير منصات صواريخه ، أو إجباره – على الأقل - على التراجع للداخل اللبناني بعيداً عن حدود إسرائيل الشمالية ، بعد أن يكون – كما خطط - قد أضعف قدراته القتالية إلى حد كبير ، وألّب – كما يتصور – الشعب اللبناني ضد حزب الله .
وقد اتبع في تطبيق خطته هذه أسلوب استخدام وحدات عالية التدريب ، مثل "لواء جولاني" المشهور بعملياته الإجرامية ضد الفلسطينيين ، وقوات المظلات والمروحيات ، في هجمات مركزة على مواقع وتلال لبنانية تتمتع بميزات استراتيجية عالية بالنسبة للجنوب اللبناني والشمال الإسرائيلي على حد سواء . لكن هذه القوات فشلت فشلاً ذريعاً بسبب تحسب حزب الله واستعداده لهذا الأمر جيداً ، الأمر الذي تجلّى في المعارك التي دارت حول بلدات مارون الراس وبنت جبيل وعيترون ، حيث منيت القوات الغازية بخسائر فادحة دفعتها للانسحاب منها .
وحينها قررت القيادة العسكرية في إسرائيل - بالتنسيق مع أمريكا - على توسيع هجومها باستخدام أعداد كبيرة من الجند والدبابات والمدرعات بغية القضاء على منصات إطلاق الصواريخ ومواقع حزب الله الأخرى . لكنها فوجئت أيضاً بهزائم في الأفراد والمعدات لم تتحسب لها لسببين : الأول أنها لا تملك معلومات مؤكدة عن أماكن تواجد مقاتلي حزب الله ومواقع صواريخهم ، والسبب الثاني أن حزب الله كان يسعى لإجبار الجيش الإسرائيلي على الدخول في مواجهة مباشرة مع مقاتليه ، ليوقع في أفراده ومعداته أكبر كم من الخسائر ، كما صرح بذلك أمين الحزب نفسه سماحة حسن نصر الله .
لكن ما كان يرعب القيادة الإسرائيلية وحلفائها الأمريكان أن إسرائيل كانت قد فعلت في لبنان - آنذاك - كل ما تستطيع قوة جبارة أن تفعله بحيث لم يعد لدى اللبنانيين شيئاً يخسرونه أو يخشون عليه ، كما استهدفت في عدوانها الأطفال والنساء والمجمعات السكنية ليؤلبوا الشعب والحكومة اللبنانية ضد حزب الله دون أن تلحق إصابات تذكر في صفوف المقاتلين من مقاتليه ، الأمر الذي وحد إرادة مختلف أطياف الشعب اللبناني من مسيحيين ومسلمين شيعة وسنة ومذاهب وطوائف أخرى أكثر من أي وقت مضى ضد هذا العدوان الإجرامي .
ثم جاءت الوفود الأمريكية وغير الأمريكية الموالية للعبرانيين لبيروت الضحية لتطلب منها صك بالهزيمة التي تتصور أنها لحقت بلبنان واللبنانيين ، ظانةً أن الوقت قد حان لقطف ثمار هذه الحرب .. ومدعية أن حزب الله كان البادئ في إشعالها ، وأنه وحده الذي يتحمل المسئولية عن الخسائر التي أصابت لبنان من جرائها .
ثم جاء عقد مؤتمر روما ليفضح تلك المساعي ، حيث لم يستطع - بسبب أمركا - تحقيق الهدف الرئيس الذي عقد من أجله وهو الإيعاز لمجلس الأمن باتخاذ قرار فوري لإطلاق النار .. وكانت وزير خارجيتها رايس قد تعللت آنذاك ومازالت بأن هذا الوقف يجب أن يكون مقروناً بشروط تكفل تطبيق القرار الأممي 1559 ، أي تجريد حزب الله من سلاحه أولاً .
وفي غمرة هذه المجادلات العقيمة أبى جيش إسرائيل الذي ألحقت قوات المقاومة الإسلامية بأفراده ودباباته ومعداته وقراه ومدنه في الشمال والعمق الإسرائيلي خسائر فادحة ما كان لصلف قادته أو قل لجهلهم أن يتصوروه .. نقول أبي هذا الجيش الذي بات "يقهر" إلا أن يبرهن على خسة عقيدته العسكرية وجبنه ، بأن أغار على مجمع للأيتام في قانا ليرتكب مجزرته الثانية التي أوقعت نحو 60 شهيداً لبنانياً منهم 37 طفلاً ، متعللاً بأن حزب الله يتخذ من هذه البلدة موقعاً لإطلاق صواريخه على إسرائيل ، كما يتخذ من المدنيين والأطفال دروعاً بشرية !!! ، ثم تلاها بمجزرة أخرى على الحدود مع سوريا راح ضحيتها أكثر من ثلاثين عاملاً بينهم سوريين .. ثم ثالثة .. فرابعة ..
ومع ذلك ظلت أمريكا تقف حائلاً دون إصدار مجلس الأمن قراراً بوقف فوري لإطلاق النار ، لإعطاء القيادة العسكرية في إسرائيل الوقت الكافي للقضاء على مواقع حزب الله وإبعاده إلى ما بعد نهر الليطاني بعمق 30 كيلومتراً من الحدود الشمالية لإسرائيلية .
والغريب أن العبرانيين ظنوا ليوم أو اثنين عقب الإغارة على قانا أنهم على مشارف النصر الذي حلموا به ، حيث ردد العديد من قادتهم تصريحات بأن الجيش العبري قضى على معظم قدرات حزب الله القتالية بما فيها الصواريخ ، لدرجة أن رئيس وزراء إسرائيل إيهود أولمرت قال : إن لبنان بات الآن عبرة للجميع .. فلن تجرؤ أية دولة بعد اليوم أن تضرب الكيان العبري بالصواريخ ، بعد ما شاهد الجميع ما لحق بلبنان من دمار وخراب !!.
غير أن حلمه سرعان ما تبدد حين أمطرت المقاومة الإسلامية في اليوم التالي لتصريحه شمال إسرائيل - بمدنه وقراه وقواعده العسكرية - بأكثر من ثلاثمائة صاروخ تجاوز عدد منها حيفا ، حيث أصاب مدينة الخضيرة التي تبعد عن تل أبيب بنحو 40 كم فقط ، موقعة خسائر مادية وبشرية فادحة كان آخرها مقتل اثني عشر جندياً إسرائيلياً من جنود الاحتياط ، وثلاثة مدنيين إضافة لأكثر من 160 مصابا ، هذا بالإضافة لخسائر جيشهم على أرض المعركة .
وفي السادس من أغسطس 2006 قامت فرنسا التي طالما أدّعت- نفاقاً - صداقتها للعرب بالاشتراك مع أمريكا ، بتوزيع مسودة قرار يصدره مجلس الأمن وينص على وقف كامل لكل أشكال القتال في لبنان ، ما يعني بقاء الجنود العبرانيين في التلال التي يتواجدون فيها الآن ، والتي ما زالوا يواجهون فيها مقاومة عنيفة من مقاتلي حزب الله ، وهذا ما رفضه لبنان إلى جانب رفضه لبنود أخرى جائرة تصب جميعها في مصلحة إسرائيل ..
- أما مسودة هذا الاتفاق الفرنسي الأمريكي ، فأبرز ما تضمنته من نقاط - بحسب ما أورده موقع أل بي بي سي :
1- إنشاء منطقة خالية من السلاح والمسلحين ما بين الخط الأزرق ونهر الليطاني ، ما عدا تلك التابعة لقوات الجيش اللبناني وقوات الأمن اللبنانية وأية قوات دولية تنتدبها الهيئة الأممية في المنطقة .
2- التطبيق الكامل لاتفاق الطائف والقرارين الأمميين 1559 و1680 اللذين يدعوان لتجريد الجماعات المسلحة المتواجدة على أرض لبنان من سلاحها ، وأن لا يبقي على الأرض اللبنانية سوى سلاح الدولة .
حزب الله يتسلح في حربه بالعقيدة والإيمان
3- نشر قوة دولية في لبنان .
4- يحظر تماما بيع أسلحة لأي طرف في لبنان إلا بموافقة من الحكومة اللبنانية .
5- إلغاء وجود قوات أجنبية في لبنان دون موافقة حكومته .
6- تسليم إسرائيل ما تبقى لديها من خرائط للألغام التي قامت بزرعها للأمم المتحدة .
غير أن هذه النقاط التي تنطوي على غموض مشبوه ، لم تلق – في مجملها - قبولاً من الحكومة اللبنانية والكثير من الأطراف المعنية بالصراع داخل المنطقة وخارجها ، ذلك أن هذا الاتفاق لا ينص على انسحاب فوري للجيش الإسرائيلي من المواقع التي احتلها في الجنوب ، ما يعني استمرار الاحتلال الإسرائيلي لأراضي لبنانية وبالتالي "منطقية" استمرار القتال وليس توقفه .
والأخطر من ذلك أن القوات الإسرائيلية ما زالت تواجه مقاومة عنيفة من مقاتلي حزب الله في الأماكن التي تتواجد فيها ، وهي لا تزيد عن بضعة تلال استراتيجية تشرف على مواقع عديدة في الجنوب اللبناني والشمال الإسرائيلي كما ذكرنا ، فضلاً عن أنهم (الإسرائيليون) لم يستطيعوا بعد السيطرة عليها وبخاصة في مارون الراس وبنت جبيل وعيترون والعديسية وغيرها ، لأن القتال مع عناصر حزب الله ما زال محتدماً ، وأن ميزان الغلبة يبدو أنه يميل لصالح مقاتلي الحزب ، كما يستشف من أقوال بعض القادة الإسرائيليين الذين صرحوا بأنه يستحيل القضاء على حزب الله .
فإذا ما أقر المشروع الأمريكي الفرنسي الذي ينص على وقف كامل للعمليات العسكرية دون النص على انسحاب إسرائيلي فوري من الجنوب ، فهذا يعني السماح للقوات الإسرائيلية بالتمركز في مواضعها دون عناء ، الأمر الذي لا يمكن لحزب الله أن يقبل به ، حيث أن الواقع على الأرض هو الذي يقرر ما يجب وما لا يجب أن يؤخذ به أو يوصى عليه .
أما المأخذ الثاني ، فهو عدم نص مسودة المشروع على انسحاب إسرائيل من مزارع شبعا وإعادتها للبنان ، أو وضعها -على الأقل - تحت وصاية الأمم المتحدة كما طالبت الحكومة اللبنانية في نقاطها السبع التي طرحتها في مؤتمر روما لحين ترسيم الحدود مع سوريا ، كما أن هذا المشروع لا يشير صراحة لموضوع إعادة الأسرى اللبنانيين مع أنه ينص صراحة على إعادة الجنديين الأسيرين لإسرائيل.
وثالث المخاطر الذي ينطوي عليها مثل هذا القرار - إذا ما صدر - هو فرض وجود قوة دولية لم يتضح من هويتها سوى تجريد المنطقة من أي سلاح عدا سلاح الدولة اللبنانية ، دون أن تُعنى – ضمن اختصاصاتها - باستعادة لبنان لحقوقه المشروعة في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وإعادة الأسرى اللبنانيين ، والتطبيق الكامل للقرار 1559 على إسرائيل وعلى لبنان بالتساوي . وهذا يجعل من اشتعال المقاومة ثانية أمراً وارداً ، وبخاصة أن أمريكا وإسرائيل تريد أن تكون هذه القوة قادرة على ردع حزب الله وتجريده من سلاحه ، الأمر الذي سيضعها - في هذه الحالة - في موقف "قوة احتلال" تستوجب المقاومة .
أما أخطر ما في هذا المشروع (الذي لا يمكن أن يوصف إلاّ بالخبث) ، فهو المادة الرابعة ، والتي نظن يقيناً بأن العقل الفرنسي الاستعماري هو مبتكرها ومبدعها والتي لاقت مباركة واستحساناً من الشريك الأمريكي . فهي وإن بدت على أنها منطقية في ظاهرها ، لكنها تنطوي على إمكانية السماح لطائفة ما في الدولة بشراء الأسلحة بهدف التغلب على طائفة أخرى ، الأمر الذي سوف يخل بالتوازن الطائفي الذي يحكم لبنان لصالح الدول الغربية وبخاصة فرنسا .
وفي المقابل سيجد الطرف الآخر نفسه مجبراً على حماية نفسه أو الحفاظ على نفوذه أو قل لأي شيء آخر ، ما قد يدفعه لاتباع وسائل غير شرعية في الحصول على الأسلحة ، وبخاصة أن مبدأ "الفوضى البناءة" الذي نادت به الإدارة الأمريكية في محاولة منها لتبرير فشلها في أفغانستان والعراق ، يبدو أنه آخذ في الظهور للعيان على حقيقته بأنه مبدأ يدعو إلى "الفوضى الهدامة" الذي سيؤدي حتما لارتكاب كل ما هو غير شرعي ، ليس في لبنان والمنطقة فحسب وإنما في كل أرجاء المعمورة .
بعد ذلك ، نجد شمل العرب وقد التأم بعد شهر من تدمير لبنان باجتماع وزراء خارجية دولهم في بيروت يوم الاثنين السابع من أغسطس الجاري . وأحسب أنهم لم يفعلوا ذلك إلا حين أحسوا بان المقاومة الإسلامية اللبنانية استطاعت أن تذل العدو الذي طالما أرعبهم ، وأن توقع في صفوفه خسائر ما كان لوزراء الخارجية العرب قبل إسرائيل وغيرها أن يتخيلوها ، ما يدعوني للاتفاق مع الرأي القائل بأنهم ما ذهبوا للبنان إلا ليتقاسموا النصر الذي حققه حزب الله !!!.
- ثم ما الذي أسفر عنه هذا الاجتماع ..
التأييد الكامل للنقاط السبع التي طرحها رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيوره وأيدها حزب الله ؟ .. أحسب أن هذه النقاط لبنانية المنشأ والهوية والمصب ، وهي متفق عليها من جميع الأطياف السياسية اللبنانية وبخاصة حزب الله ، كما تعبر عن مطلب عاقل لا يعارضه سوى إسرائيل وأمريكا وكل الطغاة الذين يزحفون خلف ركبهما في هذا العالم المضطرب . فما الجديد الذي جاءوا به ؟ ... الشجب ؟ .. لقد أرهفت آذاننا السمع لكي تُشجى من هذا الشجب الناعم الذي جاء على استحياء من دولهم فرادى وجماعات ... وعوداً بالمساعدة في إعادة إعمار لبنان ؟ .. هذا واجب على دولهم (العربية) وليس مساعدة أو إحساناً منها على اللبنانيين ، لأن لبنان يقاتل معركة العرب جميعهم ...
وأحسب أن النقطة التي لاقت هوى خاصاً لدى الغالبية منهم .. تلك التي تقول بأن : لا وجود سلاح في الجنوب إلا سلاح الدولة اللبنانية ، ما يعنى تمنيهم ودعواتهم وابتهالهم إلى أولياء أمورهم بأن يتخلصوا من "وجع الدماغ" الذي سببته لهم المقاومة الإسلامية ، ممثلة اليوم في حزب الله ، وغداً في حماس ... ثم قرروا أخيرا الذهاب لمجلس الأمن .. "قال إيه ؟" .. لتعديل القرار الفرنسي الأمريكي بحيث تؤخذ النقاط السبع اللبنانية في الاعتبار ؟.
صحيح أن فرنسا سحبت مسودة القرار للنظر في إجراء تعديل عليه بعدما أعلنت الحكومة اللبنانية استعدادها لنشر 15 ألف جندي لبناني في الجنوب ، بشرط انسحاب القوات الإسرائيلية من المواقع التي ما زالت تتواجد فيها ولم تستطع احتلالها بالمعنى الكامل لمصطلح "احتلال" ، ( ذلك أنها ما زالت تواجه مقاومة عنيدة من المقاومة اللبنانية ، وتتلقى ضربات وخسائر كبيرة في الأفراد والمعدات ، ما دفع بالقيادة العسكرية الإسرائيلية مؤخراً لتغيير الكثير من قادتها الميدانيين ، وأجبرها على الاعتراف "ضمنا" بأن الجيش الإسرائيلي لم ولن يستطيع سحق حزب الله أو هزيمته) ...
نقول : صحيح أن فرنسا سحبت مسودة القرار .. لكن الأهم : ما المتوقع أن يفعله مندوبو وزراء الخارجية العرب مع مجلس الأمن الذي يعتبر أداة في يد أمريكا ، إذا ما كان الرئيس بوش لا يريد وقفاً فورياً لإطلاق النار ؟ ، تاركا لإسرائيل حرية البقاء في مواقعها ، وحرية الحركة في الجنوب اللبناني حتى نهر الليطاني إن لم يكن أبعد ، وحرية الاستمرار في حربها لتحقيق ما وعدت به حيال القضاء على القوة القتالية لحزب الله ، حتى يصبح عاجزاً عن ضرب إسرائيل بالصواريخ ، أو إبعاده -على الأقل - إلى ما وراء نهر الليطاني الذي يبعد حوالي 30 كيلومتراً عن الحدود الشمالية لإسرائيل .
حقاً إن إسرائيل لا تريد البقاء في المستنقع اللبناني الذي سبق أن عانت الكثير منه واضطرت مجبرة وليس طواعية للهرب منه على يد حزب الله الذي كان السبب في هربها منذ ستة أعوام ونيف والذي يتصدى اليوم لها .. لكن الصحيح أيضاً أنها لا تريد الخروج دون أن تحصل على الحد الأدنى من الشروط التي تكفل عدم عودة حزب الله للجنوب اللبناني ومعاودة تهديده بقصف المدن والبلدات الإسرائيلية في الشمال بالصواريخ ، وهذا لن يتحقق – في نظرها – إلاّ بوجود قوات دولية رادعة تساعد في تجريد المقاومة اللبنانية من سلاحها ، حيث أنها لا تثق بالدولة اللبنانية ولا بجيشها لتحقيق هذا الهدف . ونحسب أنها لن تخرج إلا إذا كفلت الولايات المتحدة وفرنسا والقوى الغربية بعامة تأمين هذا الهدف .. وجميعنا يعرف جيداً تقاطع المصالح بين الكيان العبري وبين الغرب بصفة عامة في هذه المنطقة .
أما البند الخامس من مسودة الاتفاق التي تنص على إلغاء وجود قوات أجنبية في لبنان دون موافقة حكومته ، وإن كانت مطلباً عادلاً من وجهة النظر اللبنانية والعربية ، غير أن الخبث الفرنسي يبدو واضحاً ، ذلك أن الأوضاع في لبنان تميل لصالح التيار الذي يتفق مع أفكار فرنسا والغرب فيما ينبغي أن يكون عليه لبنان المستقبل وبخاصة بعد خروج سوريا منه ، الأمر الذي يعكس مدى حرص فرنسا بالذات على إبعاد لبنان عن انتمائه العربي . وهنا نتساءل .. ماذا لو انقلب الوضع في لبنان في الاتجاه المعاكس بفعل ظروف قاهرة أضطرته لذلك ؟!!.
إن ما لا يدركه الفرنسيون وغيرهم من دول الغرب بما فيها أمريكا ، أن اللبنانيين على اختلاف طوائفهم وانتماءاتهم الدينية والسياسية والمذهبية يدركون تماما بأنهم جزء من محيطهم العربي ، وأن هذا الخيار هو العنصر الغالب على كل الخيارات البديلة التي تحاول فرنسا والغرب زرعها في نفوس اللبنانيين بشتى الوسائل .
ويكفي هنا أن نشير إلى أن أكبر تيار سياسي مسيحي وهو تيار ميشيل عون ، يتفق تماما مع حزب الله في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي ومحاولة تخليص مزارع شبعاً من براثنه ، وإعادة الأسرى اللبنانيين ، وتسليم إسرائيل لخرائط الألغام التي زرعتها في الجنوب ، فحينها – بحسب عون – لن تبقى هناك مشكلة ، وهذا جل ما يريده الشعب اللبناني والشعوب العربية وحزب الله وكل المخلصين للبنان .
أما الآن والمعركة ما زالت بين المقاومة اللبنانية والقوات الإسرائيلية الغازية على أشدها ، وفي الوقت الذي نشاهد فيه مداولات واتصالات ومجادلات سياسية لا تخلو من الغموض والشكوك في أهداف بعض أطرافها ودوافعهم المعادية لهذه الأمة .. نقول .. ما علينا إلا الانتظار .. الذي قد يطول طويلاً أو يقصر كثيراً عما يمكن أن نتوقعه ، لجهلنا الأكيد بما تخطط له القوة العالمية الكبرى واشنطن من ناحية ، وما هو كامن من قوتنا العربية التي لا بد أن تُدفع يوماً – جبراً – للصحوة من كونها من ناحية أخرى .
وحتى حدوث تلك اللحظة ، نعيد ونكرر يقيننا بأن : "الحرب بيننا وبين العبرانيين وأعداء الحضارة الإسلامية من المحافظين الجدد والمسيحية المتصهينة لن تنتهي أبداً مهما طال الزمن ، ومهما تكالبت على هذه الأمة أطماع الطامعين ، حتى تتحقق عودة فلسطين بكاملها عربية إسلامية فلسطينية وحتى تعود للبنان والعراق الوحدة والاستقلال والحرية" .
منقول .