من هناك
07-26-2006, 01:44 AM
ما بالها <دولة إسرائيل>؟ ما الذي تعاني منه تحديداً؟ تشوّش على إرسال <صوت الشعب> ملقيةً بحمولة سريالية في آذان المستمعين. يخسر مفهوم <الحرب النفسية> هيبته عندما تأتي ترجمته على هذا النحو:
<ضبضب كلاكيشك.. جميع اللبنانيون سيرفعون أعلام الحرية والضوء والتقدم.. إذهب من هذه الأرض أيها الحيّة.. ستجد أماكن أخرى لتخرّبها. إذهب يا حسن عند السوري، وأغلقوا معا أبوابكم في وجه العالم الجديد. إذهب إلى جيرانك، إنك عبد وخدّام أسيادك. إلجم شفتيك، إطو أنيابك. ولا تعود بعد إلى جبال لبنان. تعالَ يا حسن إن كنت شجاعاً وواجه الحقيقة. إن كنت رجلاً إخضع لقوانين البشرية.. إن كنت بني آدم إخضع لضمير الإنسانية...>.
حسن؟ متى أصبحت العلاقة بين الأمين العام <لحزب الله> و<دولة إسرائيل> مبنية على مستوى الأسماء الأولى؟ ثم، عند اختيار الفصحى في ترجمة النص العبري، ألا يجوز على الأقل إتقانها؟ وما هي <أعلام الضوء>، بالضبط؟ وبأي سلطة على <هذه الأرض> وجبالها يستقبل الإسرائيليون ويودعون رجالاً؟ أما وصف <حيّة> فيستأهل كاتبه التوبيخ عليه: عيب، يا <خبيبي>، عيب.
والأهم من ذلك كله: ما الذي تحاول <دولة إسرائيل> فعله عند مخاطبة جمهور <صوت الشعب> تحديداً بهذا الكلام؟
تدّعي إسرائيل أن عدوّها هو <هيزبالاّ الإرهابي> وليس لبنان، وأن <هيزبالاّ> ليس جزءاً من نسيج لبنان السكاني وإنما دخيل شرير عليه. يكذب من يقول إن لبنان يخلو ممن يتمتع بقناعة شبيهة، حتى ولو لم يعبّر عنها. لكن، يكذب أيضاً من يقول أن مدمني <صوت الشعب> يتمتعون بقناعة شبيهة. فالإذاعة لم تدخل السلك المقاوم حديثاً، وإنما كانت المبادرة إلى إعلان <الطلقة الأولى>، في العام .1982
عبر استهداف <صوت الشعب>، تخاطب <دولة إسرائيل> جمهور المقاومة الذي يناصر <حزب الله> ولا يشاركه عقيدته. فالإذاعة الشيوعية تناصر المقاومة الإسلامية. هي الإذاعة التي يستمد منها علمانيو الخط المقاوم نبضهم. يفهمون لغتها، تنتشلهم أغانيها. تضعهم في وسط المعركة، المعركة التي هي جزء من حرب، الحرب التي بدأت في العام .1948
على <صوت الشعب>، تحضر معركة اليوم كجزء من الحرب التي غنّتها فيروز، ورسمها زياد ومارسيل وخالد، ورآها الشيخ إمام ونظمها نجم ودرويش ومظفّر النواب. معركة اليوم هي حلقة من ذلك المسلسل الذي صنع أحلام العرب وكوابيسهم على مر عقود تاريخهم الحديث.
لذلك، وجب، عبر التشويش وسواه، فك الارتباط بين ذاكرة العداء العربي لإسرائيل وبين حاضر المقاومة الإسلامية. فيزعق الصوت في أذنك بينما تستمع إلى أغنية فيروز، وقد مهّد لوصوله كم هائل من الضجة.. خشششش: <تعالَ يا حسن>. على فكرة، يخطئ من يفترض أن بوسعه مقاطعة أغنية لفيروز، ونيل الإصغاء الإيجابي بعدها. المهم: يلقي الإسرائيلي بما لديه في أذنك. ثم، يكرره. لأهميته، يكرره. لاستعصاء فهمه، يكرره. <الحربوق> غاسل الأدمغة، يكرره.
ما بالها <دولة إسرائيل>؟ تذبحنا بأحدث صاروخ، ثم تخاطبنا بلغة خشبية.. لغة سوقية قليلة التهذيب.
على الأرجح، تفترض إسرائيل أنها تخاطبنا باللغة التي نفهمها. فاختارت لغة بدائية، ونحن في لبنان لسنا على هذا القدر من البدائية، يا <دولة إسرائيل>.
أقله، على المستوى البصري: لقد حصل أن ألقت مناطيد إسرائيل فوق المناطق المستهدفة منشوراً فيه جسم حيّة (ما قصة <الحيّة> مع الفكر الصهيوني؟) ورأس السيد حسن نصر الله، متوقعةً من كل من يلتقطه أن يتجاوب: نعم، إنه حيّة، يقول اللبناني لنفسه. لماذا؟، تسأله نفسه. فيجيبها بثقة: ألا ترين الصورة؟! ويصرخ عالياً: <فليسقط هيزبالاّ>. لكن، للأسف، لن يبلغ الرجل ختام جملته. لفرط حماسته، سيلتقطه رادار ويصيبه صاروخ. وقد يصيبه أحد هذه الصواريخ التي نشرت وكالات الأنباء صورها، قبل إطلاقها.. أحد هذه الصواريخ التي كتب عليها أطفال إسرائيل رسائل وداع براءتهم.
لو افترضنا أن <دولة إسرائيل> تخاطب عبر منشورها هذا مَن في قلبه شك، فلا بد من الاندهاش: لا يحتاج المرء إلى أصل بولندي كي يصنع منشوراً فيه الحد الأدنى من الإغراء. ألا يحوي الموساد مكتب <تصميم غرافيكي> مختص في مراودة مناصري المقاومة، من فلسطينيين ولبنانيين، عن أنفسهم؟ ألا تخجل <دولة إسرائيل> من تحميل مناطيدها الحديثة الأميركية الصنع مناشير على هذا القدر من البدائية؟ ربما يجب على أميركا وأوروبا التبرّع لإسرائيل بمناشير مقنعة، أيضاً. فهذه <دولة> لا تترك وحدها!
كما أنها لا تتركك وحدك، لروحك، لفرديتك: ينام الفتى في بيته، متجاهلاً صوت الطيران. عند الثانية فجراً، يعالجه إسرائيلي باتصال على هاتفه الخلوي. صوت رجل خشن جداً، لا يلائم هدوء الليل. يتصل كي يقول إن <دولة إسرائيل> ستواصل حربها وإن حربها ستطال لبنان كله. لم يكن الفتى يتوقع أن يجد عند استيقاظه صيفاً راقصاً مزهراً. كان يعرف أن الحرب مستمرة. لماذا تبادر <دولة إسرائيل> إذاً إلى نسج علاقة خاصة وحميمية بكل مواطن اللبناني لتبلغه بأنها ستقتله؟!
هذه ليست <حرباً نفسية>، هذه تصرفات مريضة نفسياً.
رحم الله أيام <البون بون> الذي ألقته الطائرات الحربية خلال الاجتياح.. حينها، على الأقل، كان بوسع خيال المرء أن ينشط.. وكان بوسع اللسان أن يجيب: <لا تأكلوه يا أطفال. إنه إسرائيلي. إنه مسموم>.
<ضبضب كلاكيشك.. جميع اللبنانيون سيرفعون أعلام الحرية والضوء والتقدم.. إذهب من هذه الأرض أيها الحيّة.. ستجد أماكن أخرى لتخرّبها. إذهب يا حسن عند السوري، وأغلقوا معا أبوابكم في وجه العالم الجديد. إذهب إلى جيرانك، إنك عبد وخدّام أسيادك. إلجم شفتيك، إطو أنيابك. ولا تعود بعد إلى جبال لبنان. تعالَ يا حسن إن كنت شجاعاً وواجه الحقيقة. إن كنت رجلاً إخضع لقوانين البشرية.. إن كنت بني آدم إخضع لضمير الإنسانية...>.
حسن؟ متى أصبحت العلاقة بين الأمين العام <لحزب الله> و<دولة إسرائيل> مبنية على مستوى الأسماء الأولى؟ ثم، عند اختيار الفصحى في ترجمة النص العبري، ألا يجوز على الأقل إتقانها؟ وما هي <أعلام الضوء>، بالضبط؟ وبأي سلطة على <هذه الأرض> وجبالها يستقبل الإسرائيليون ويودعون رجالاً؟ أما وصف <حيّة> فيستأهل كاتبه التوبيخ عليه: عيب، يا <خبيبي>، عيب.
والأهم من ذلك كله: ما الذي تحاول <دولة إسرائيل> فعله عند مخاطبة جمهور <صوت الشعب> تحديداً بهذا الكلام؟
تدّعي إسرائيل أن عدوّها هو <هيزبالاّ الإرهابي> وليس لبنان، وأن <هيزبالاّ> ليس جزءاً من نسيج لبنان السكاني وإنما دخيل شرير عليه. يكذب من يقول إن لبنان يخلو ممن يتمتع بقناعة شبيهة، حتى ولو لم يعبّر عنها. لكن، يكذب أيضاً من يقول أن مدمني <صوت الشعب> يتمتعون بقناعة شبيهة. فالإذاعة لم تدخل السلك المقاوم حديثاً، وإنما كانت المبادرة إلى إعلان <الطلقة الأولى>، في العام .1982
عبر استهداف <صوت الشعب>، تخاطب <دولة إسرائيل> جمهور المقاومة الذي يناصر <حزب الله> ولا يشاركه عقيدته. فالإذاعة الشيوعية تناصر المقاومة الإسلامية. هي الإذاعة التي يستمد منها علمانيو الخط المقاوم نبضهم. يفهمون لغتها، تنتشلهم أغانيها. تضعهم في وسط المعركة، المعركة التي هي جزء من حرب، الحرب التي بدأت في العام .1948
على <صوت الشعب>، تحضر معركة اليوم كجزء من الحرب التي غنّتها فيروز، ورسمها زياد ومارسيل وخالد، ورآها الشيخ إمام ونظمها نجم ودرويش ومظفّر النواب. معركة اليوم هي حلقة من ذلك المسلسل الذي صنع أحلام العرب وكوابيسهم على مر عقود تاريخهم الحديث.
لذلك، وجب، عبر التشويش وسواه، فك الارتباط بين ذاكرة العداء العربي لإسرائيل وبين حاضر المقاومة الإسلامية. فيزعق الصوت في أذنك بينما تستمع إلى أغنية فيروز، وقد مهّد لوصوله كم هائل من الضجة.. خشششش: <تعالَ يا حسن>. على فكرة، يخطئ من يفترض أن بوسعه مقاطعة أغنية لفيروز، ونيل الإصغاء الإيجابي بعدها. المهم: يلقي الإسرائيلي بما لديه في أذنك. ثم، يكرره. لأهميته، يكرره. لاستعصاء فهمه، يكرره. <الحربوق> غاسل الأدمغة، يكرره.
ما بالها <دولة إسرائيل>؟ تذبحنا بأحدث صاروخ، ثم تخاطبنا بلغة خشبية.. لغة سوقية قليلة التهذيب.
على الأرجح، تفترض إسرائيل أنها تخاطبنا باللغة التي نفهمها. فاختارت لغة بدائية، ونحن في لبنان لسنا على هذا القدر من البدائية، يا <دولة إسرائيل>.
أقله، على المستوى البصري: لقد حصل أن ألقت مناطيد إسرائيل فوق المناطق المستهدفة منشوراً فيه جسم حيّة (ما قصة <الحيّة> مع الفكر الصهيوني؟) ورأس السيد حسن نصر الله، متوقعةً من كل من يلتقطه أن يتجاوب: نعم، إنه حيّة، يقول اللبناني لنفسه. لماذا؟، تسأله نفسه. فيجيبها بثقة: ألا ترين الصورة؟! ويصرخ عالياً: <فليسقط هيزبالاّ>. لكن، للأسف، لن يبلغ الرجل ختام جملته. لفرط حماسته، سيلتقطه رادار ويصيبه صاروخ. وقد يصيبه أحد هذه الصواريخ التي نشرت وكالات الأنباء صورها، قبل إطلاقها.. أحد هذه الصواريخ التي كتب عليها أطفال إسرائيل رسائل وداع براءتهم.
لو افترضنا أن <دولة إسرائيل> تخاطب عبر منشورها هذا مَن في قلبه شك، فلا بد من الاندهاش: لا يحتاج المرء إلى أصل بولندي كي يصنع منشوراً فيه الحد الأدنى من الإغراء. ألا يحوي الموساد مكتب <تصميم غرافيكي> مختص في مراودة مناصري المقاومة، من فلسطينيين ولبنانيين، عن أنفسهم؟ ألا تخجل <دولة إسرائيل> من تحميل مناطيدها الحديثة الأميركية الصنع مناشير على هذا القدر من البدائية؟ ربما يجب على أميركا وأوروبا التبرّع لإسرائيل بمناشير مقنعة، أيضاً. فهذه <دولة> لا تترك وحدها!
كما أنها لا تتركك وحدك، لروحك، لفرديتك: ينام الفتى في بيته، متجاهلاً صوت الطيران. عند الثانية فجراً، يعالجه إسرائيلي باتصال على هاتفه الخلوي. صوت رجل خشن جداً، لا يلائم هدوء الليل. يتصل كي يقول إن <دولة إسرائيل> ستواصل حربها وإن حربها ستطال لبنان كله. لم يكن الفتى يتوقع أن يجد عند استيقاظه صيفاً راقصاً مزهراً. كان يعرف أن الحرب مستمرة. لماذا تبادر <دولة إسرائيل> إذاً إلى نسج علاقة خاصة وحميمية بكل مواطن اللبناني لتبلغه بأنها ستقتله؟!
هذه ليست <حرباً نفسية>، هذه تصرفات مريضة نفسياً.
رحم الله أيام <البون بون> الذي ألقته الطائرات الحربية خلال الاجتياح.. حينها، على الأقل، كان بوسع خيال المرء أن ينشط.. وكان بوسع اللسان أن يجيب: <لا تأكلوه يا أطفال. إنه إسرائيلي. إنه مسموم>.