ابو شجاع
06-26-2006, 11:32 AM
الفلاسفة المسلمون
حين تسربت للمسلمين مسائل فلسفية تتعلق بأبحاث في الإلهيات، صار بعض العلماء في أواخر العصر الأموي وأوائل العصر العباسي كالحسن البصري، وغيلان الدمشقي، و جَهْم بن صَفوان، يتعرضون لمسائل كلامية متفرقة ومعدودة. ثم جاء بعدهم علماء عرفوا منطق أرسطو واطلعوا بأنفسهم على بعض كتب الفلسفة بعد أن ترجمت، فتوسع البحث في المسائل الكلامية وصاروا يبحثون علم الكلام المعروف، وهؤلاء مثل واصل بن عطاء، وعمرو بن عبيد، وأبي هُذيل العلاف، والنظام. إلا أن دراسة هؤلاء لم تكن دراسة فلسفية كاملة وإنما دراسة أفكار فلسفية بتوسع، حتى أحاطوا بالآراء المختلفة في الفلسفة وبرأي كل فريق من الفلاسفة إحاطة في بعض المسائل بتتبعها لا في جميع المسائل، وكانوا فوق اقتصارهم على بعض الأبحاث الفلسفية يقيدون أنفسهم بإيمانهم بالقرآن. ولهذا لم يخرجوا عن أهل الإسلام، وإنما توسعوا في الاستدلال وأطلقوا لأنفسهم العنان في البراهين، ولكن لإثبات ما يقوّي الإيمان، وللحرص على تنزيه الله. ولهذا لم يحصل منهم أي انحراف في العقائد على اختلاف معتقداتهم، فكلهم مسلمون مدافعون عن الإسلام.
ثم جاء بعد المتكلمين أفراد لم يبلغوا أن يكونوا جماعات أو مذاهب، ولم يتبعهم أحد من المسلمين جماهيرياً، وإنْ استحسن بحثهم أفراد. هؤلاء الذين جاءوا بعد المتكلمين في الزمن وجوداً بين المسلمين في البلاد الإسلامية هم الفلاسفة المسلمون. ويبدو أن الذي أتاح لهؤلاء أن يوجدوا بين المسلمين، هو أن الاطلاع على الأفكار الفلسفية وعلى كتب الفلسفة قد حبب هذه الأبحاث للناس في ذلك العصر، فحمل ذلك بعض الأشخاص على التوسع في هذه الأفكار، فدرسها دراسة عميقة واسعة ودراسة كلية مطلقة في كل شيء، وفي كل فكر، وفي كل اتجاه واتجه إليها بكليته، وهضم قدراً صالحاً من الفلسفة يؤهله لأن يفكر تفكيراً فلسفياً وينتج إنتاجاً فلسفياً. فكان من جراء هذه الدراسات الواسعة العميقة للفلسفة ولا سيما الفلسفة اليونانية بنوع خاص، أن وجد بين المسلمين فلاسفة، وكان أول فيلسوف مسلم ظهر للوجود هو يعقوب الكندي المتوفى سنة 260هـ. ثم تتابع ظهور الفلاسفة المسلمين. وعلى هذا لم يظهر الفلاسفة المسلمون في البلاد الإسلامية إلا بعد أن وجد المتكلمون، وبعد أن أصبحت طريقة هؤلاء المتكلمين هي السائدة، وهي موضوع البحث والمناظرة والجدل، وكبرت الفلسفة في أعين الكثيرين من المتكلمين والعلماء. أما قبل ذلك فلم يكن أحد من المسلمين فيلسوفاً. وبذلك وجد في البلاد الإسلامية بين العلماء متكلمون وفلاسفة. إلا أن هنالك فرقاً بين المتكلمين والفلاسفة، فالمتكلمون كانوا ملمين ببعض الأفكار الفلسفية. أما الفلاسفة فهم علماء بالفلسفة، ولذلك كان الفلاسفة ينظرون إلى المتكلمين نظرة تجهيل، ويرى الفلاسفة أن المتكلمين هم أهل سفسطة وجدل. وأنهم هم أي الفلاسفة الذين يبحثون عقلياً في المعقولات البحث الفلسفي الصحيح.
وقد بحث كل من المتكلمين والفلاسفة في الإلهيات، إلا أن هناك خلافاً بين منهج المتكلمين ومنهج الفلاسفة، ويمكن تلخيص الفرق بينهما فيما يلي:
1- أن المتكلمين اعتقدوا قواعد الإيمان واقروا بصحتها وآمنوا بها، ثم اتخذوا أدلتهم العقلية للبرهنة عليها، فهم يبرهنون عليها عقلياً ببراهين منطقية. فهم يجعلون البحث العقلي بالأسلوب المنطقي لإثبات عقائدهم، لأنهم قد آمنوا بالقواعد الأساسية للإسلام وصاروا يصوغون الحجج والبراهين لإثبات ما آمنوا به.
2- أن أبحاث المتكلمين محصورة فيما يتعلق بالدفاع عن عقيدتهم ودحض حجج خصومهم سواء أكانوا مسلمين - ولكنهم يخالفونهم في الفهم، من معتزلة ومرجئة وشيعة وخوارج وغيرهم - أم كانوا غير مسلمين كالنصارى واليهود والمجوس وغيرهم، وإن كان البارز في أبحاثهم أنها للرد على المسلمين من متكلمين وفلاسفة.
3- أن أبحاث المتكلمين أبحاث إسلامية وتعتبر على اختلافها وتناقضها آراء إسلامية، يعتبر كل مسلم أعتنق رأياً منها أنه أعتنق رأياً إسلامياً، وما يعتنقه يعتبر عقيدة إسلامية.
هذا هو منهج المتكلمين وهذا هو اعتباره، أما منهج الفلاسفة فإنه يتلخص فيما يلي:
1- أن الفلاسفة يبحثون المسائل بحثاً مجرداً. ومنهاج بحثهم وعماده إنما هو النظر في المسائل كما يدل عليها البرهان.
ونظرتهم في الإلهيات إنما هي نظرة في الوجود المطلق وما يقتضيه لذاته. وهم يبدءون النظر منتظرين ما يؤدي إليه البرهان، سائرين خطوة خطوة حتى يصلوا إلى النتيجة كائنة ما كانت فيعتقدونها. هذا هو الغرض من الفلسفة والعمدة فيها، وبحثهم بحث فلسفي محض لا علاقة له بالإسلام من حيث البحث، وإن كانت تشاهد له علاقة من حيث بعض المواضيع. فإنهم كثيراً ما يُسلِّمون في بحثهم بأشياء سمعية لا يمكن إقامة البرهان العقلية على صحتها أو على بطلانها، كالبعث والنشور والمعاد الجسماني. وكثيراً ما كانوا يبدون بعض الآراء في الفلسفة اليونانية متأثرين بعقيدتهم الإسلامية، ومصدرين الحكم في المسألة على أساسها. وكثيراً ما كانوا يحاولون التوفيق بين بعض قضايا الفلسفة والقضايا الإسلامية، ولكن هذا كان جانبياً وناتجاً عن كونهم مسلمين يتأثرون بالإسلام، ولكن ليس تأثراً فكرياً يجعله أساساً كما هي الحال عند المتكلمين، بل تأثراً يشبه إلى حد بعيد تأثر الفلاسفة المسيحيين بالمسيحية، والفلاسفة اليهود باليهودية، باعتبار أنه لابد أن تظل مفاهيم الأعماق رواسب تقفز أثناء البحث، أو تؤثر فيه بعض التأثير. أما الأساس الذي يسيرون عليه فهو الوجود المطلق، وما يقتضيه لذاته، وتأثرهم الحقيقي إنما هو بالفلسفة اليونانية، وعقليتهم إنما تكونت على الفلسفة اليونانية، فكتبوا أفكارهم الفلسفية بعد نضجهم في الفلسفة اليونانية ولا توجد أية صلة بالإسلام لفلسفتهم.
2- أن الفلاسفة المسلمين لا يقفون دفاعاً عن الإسلام، وإنما يقفون عند تقرير الحقائق ويبرهنون عليها، ولا يدخلون في حكاية الأقوال المخالفة والرد عليها دفاعاً عن الإسلام، وإن كان قد يكون تأثراً به، فالبحث العقلي هو الأصل وهو الموضوع ولا يوجد غيره في بحثهم.
3- أن أبحاث الفلاسفة المسلمين أبحاث غير إسلامية، بل هي أبحاث فلسفية محضة ولا علاقة للإسلام بها، ولا محل للإسلام في بحثها، فلا تعتبر آراء إسلامية وليست هي من الثقافة الإسلامية.
هذا هو الفرق بين منهج المتكلمين ومنهج الفلاسفة المسلمين، وهذه هي حقيقة الفلاسفة المسلمين. ومن الظلم وخلاف الواقع والدس على الإسلام أن تسمى الفلسفة التي اشتغل فيها أمثال الكندي والفارابي وابن سيناء وغيرهم من الفلاسفة المسلمين فلسفة إسلامية، لأنها لا تمت للإسلام بصلة، بل هي تتناقض مع الإسلام تناقضاً تاماً سواء من حيث الأساس أو من حيث كثير من التفاصيل. أما من حيث الأساس فإن هذه الفلسفة تبحث في ما وراء الكون، أي في الوجود المطلق، بخلاف الإسلام فإنه إنما يبحث في الكون وفي المحسوسات فحسب، ويمنع البحث في ذات الله، وفيما وراء الكون، ويأمر بالتسليم به تسليماً مطلقاً، والوقوف عند حد ما يأمر بالإيمان به منه دون زيادة، ودون أن يسمح للعقل في محاولة بحثه. وأما من حيث التفاصيل فإن في هذه الفلسفة أبحاثاً كثيرة يعتبرها الإسلام كفراً، ففيها أبحاث تقول بقدم العالم وأنه أزلي، وأبحاث تقول أن نعيم الجنة روحاني وليس مادياً، وأبحاث تقول أن الله يجهل الجزئيات، وغير ذلك مما هو كفر صراح قطعاً في نظر الإسلام. فكيف يُقال عن هذه الفلسفة أنها فلسفة إسلامية مع هذا التناقض البيِّن؟ على أنه لا توجد في الإسلام فلسفة مطلقاً، لأن حصره للبحث العقلي في المحسوسات ومنعه العقل من أن يبحث فيما وراء الكون يجعل كافة أبحاثه بعيدة عن الفلسفة، سائرة في غير طريقها، ولا يجعل فيه أي احتمال لأن توجد فيه أبحاث فلسفية، ولذلك لا توجد فلسفة إسلامية. وإنما يوجد في الإسلام بحث القرآن الكريم والسنة النبوية، فهما وحدهما أصل الإسلام عقيدة وأحكاماً، أمراً ونهياً وإخباراً.
الشخصية الاسلامية
الجزء الاول
من منشورات حزب التحرير
حين تسربت للمسلمين مسائل فلسفية تتعلق بأبحاث في الإلهيات، صار بعض العلماء في أواخر العصر الأموي وأوائل العصر العباسي كالحسن البصري، وغيلان الدمشقي، و جَهْم بن صَفوان، يتعرضون لمسائل كلامية متفرقة ومعدودة. ثم جاء بعدهم علماء عرفوا منطق أرسطو واطلعوا بأنفسهم على بعض كتب الفلسفة بعد أن ترجمت، فتوسع البحث في المسائل الكلامية وصاروا يبحثون علم الكلام المعروف، وهؤلاء مثل واصل بن عطاء، وعمرو بن عبيد، وأبي هُذيل العلاف، والنظام. إلا أن دراسة هؤلاء لم تكن دراسة فلسفية كاملة وإنما دراسة أفكار فلسفية بتوسع، حتى أحاطوا بالآراء المختلفة في الفلسفة وبرأي كل فريق من الفلاسفة إحاطة في بعض المسائل بتتبعها لا في جميع المسائل، وكانوا فوق اقتصارهم على بعض الأبحاث الفلسفية يقيدون أنفسهم بإيمانهم بالقرآن. ولهذا لم يخرجوا عن أهل الإسلام، وإنما توسعوا في الاستدلال وأطلقوا لأنفسهم العنان في البراهين، ولكن لإثبات ما يقوّي الإيمان، وللحرص على تنزيه الله. ولهذا لم يحصل منهم أي انحراف في العقائد على اختلاف معتقداتهم، فكلهم مسلمون مدافعون عن الإسلام.
ثم جاء بعد المتكلمين أفراد لم يبلغوا أن يكونوا جماعات أو مذاهب، ولم يتبعهم أحد من المسلمين جماهيرياً، وإنْ استحسن بحثهم أفراد. هؤلاء الذين جاءوا بعد المتكلمين في الزمن وجوداً بين المسلمين في البلاد الإسلامية هم الفلاسفة المسلمون. ويبدو أن الذي أتاح لهؤلاء أن يوجدوا بين المسلمين، هو أن الاطلاع على الأفكار الفلسفية وعلى كتب الفلسفة قد حبب هذه الأبحاث للناس في ذلك العصر، فحمل ذلك بعض الأشخاص على التوسع في هذه الأفكار، فدرسها دراسة عميقة واسعة ودراسة كلية مطلقة في كل شيء، وفي كل فكر، وفي كل اتجاه واتجه إليها بكليته، وهضم قدراً صالحاً من الفلسفة يؤهله لأن يفكر تفكيراً فلسفياً وينتج إنتاجاً فلسفياً. فكان من جراء هذه الدراسات الواسعة العميقة للفلسفة ولا سيما الفلسفة اليونانية بنوع خاص، أن وجد بين المسلمين فلاسفة، وكان أول فيلسوف مسلم ظهر للوجود هو يعقوب الكندي المتوفى سنة 260هـ. ثم تتابع ظهور الفلاسفة المسلمين. وعلى هذا لم يظهر الفلاسفة المسلمون في البلاد الإسلامية إلا بعد أن وجد المتكلمون، وبعد أن أصبحت طريقة هؤلاء المتكلمين هي السائدة، وهي موضوع البحث والمناظرة والجدل، وكبرت الفلسفة في أعين الكثيرين من المتكلمين والعلماء. أما قبل ذلك فلم يكن أحد من المسلمين فيلسوفاً. وبذلك وجد في البلاد الإسلامية بين العلماء متكلمون وفلاسفة. إلا أن هنالك فرقاً بين المتكلمين والفلاسفة، فالمتكلمون كانوا ملمين ببعض الأفكار الفلسفية. أما الفلاسفة فهم علماء بالفلسفة، ولذلك كان الفلاسفة ينظرون إلى المتكلمين نظرة تجهيل، ويرى الفلاسفة أن المتكلمين هم أهل سفسطة وجدل. وأنهم هم أي الفلاسفة الذين يبحثون عقلياً في المعقولات البحث الفلسفي الصحيح.
وقد بحث كل من المتكلمين والفلاسفة في الإلهيات، إلا أن هناك خلافاً بين منهج المتكلمين ومنهج الفلاسفة، ويمكن تلخيص الفرق بينهما فيما يلي:
1- أن المتكلمين اعتقدوا قواعد الإيمان واقروا بصحتها وآمنوا بها، ثم اتخذوا أدلتهم العقلية للبرهنة عليها، فهم يبرهنون عليها عقلياً ببراهين منطقية. فهم يجعلون البحث العقلي بالأسلوب المنطقي لإثبات عقائدهم، لأنهم قد آمنوا بالقواعد الأساسية للإسلام وصاروا يصوغون الحجج والبراهين لإثبات ما آمنوا به.
2- أن أبحاث المتكلمين محصورة فيما يتعلق بالدفاع عن عقيدتهم ودحض حجج خصومهم سواء أكانوا مسلمين - ولكنهم يخالفونهم في الفهم، من معتزلة ومرجئة وشيعة وخوارج وغيرهم - أم كانوا غير مسلمين كالنصارى واليهود والمجوس وغيرهم، وإن كان البارز في أبحاثهم أنها للرد على المسلمين من متكلمين وفلاسفة.
3- أن أبحاث المتكلمين أبحاث إسلامية وتعتبر على اختلافها وتناقضها آراء إسلامية، يعتبر كل مسلم أعتنق رأياً منها أنه أعتنق رأياً إسلامياً، وما يعتنقه يعتبر عقيدة إسلامية.
هذا هو منهج المتكلمين وهذا هو اعتباره، أما منهج الفلاسفة فإنه يتلخص فيما يلي:
1- أن الفلاسفة يبحثون المسائل بحثاً مجرداً. ومنهاج بحثهم وعماده إنما هو النظر في المسائل كما يدل عليها البرهان.
ونظرتهم في الإلهيات إنما هي نظرة في الوجود المطلق وما يقتضيه لذاته. وهم يبدءون النظر منتظرين ما يؤدي إليه البرهان، سائرين خطوة خطوة حتى يصلوا إلى النتيجة كائنة ما كانت فيعتقدونها. هذا هو الغرض من الفلسفة والعمدة فيها، وبحثهم بحث فلسفي محض لا علاقة له بالإسلام من حيث البحث، وإن كانت تشاهد له علاقة من حيث بعض المواضيع. فإنهم كثيراً ما يُسلِّمون في بحثهم بأشياء سمعية لا يمكن إقامة البرهان العقلية على صحتها أو على بطلانها، كالبعث والنشور والمعاد الجسماني. وكثيراً ما كانوا يبدون بعض الآراء في الفلسفة اليونانية متأثرين بعقيدتهم الإسلامية، ومصدرين الحكم في المسألة على أساسها. وكثيراً ما كانوا يحاولون التوفيق بين بعض قضايا الفلسفة والقضايا الإسلامية، ولكن هذا كان جانبياً وناتجاً عن كونهم مسلمين يتأثرون بالإسلام، ولكن ليس تأثراً فكرياً يجعله أساساً كما هي الحال عند المتكلمين، بل تأثراً يشبه إلى حد بعيد تأثر الفلاسفة المسيحيين بالمسيحية، والفلاسفة اليهود باليهودية، باعتبار أنه لابد أن تظل مفاهيم الأعماق رواسب تقفز أثناء البحث، أو تؤثر فيه بعض التأثير. أما الأساس الذي يسيرون عليه فهو الوجود المطلق، وما يقتضيه لذاته، وتأثرهم الحقيقي إنما هو بالفلسفة اليونانية، وعقليتهم إنما تكونت على الفلسفة اليونانية، فكتبوا أفكارهم الفلسفية بعد نضجهم في الفلسفة اليونانية ولا توجد أية صلة بالإسلام لفلسفتهم.
2- أن الفلاسفة المسلمين لا يقفون دفاعاً عن الإسلام، وإنما يقفون عند تقرير الحقائق ويبرهنون عليها، ولا يدخلون في حكاية الأقوال المخالفة والرد عليها دفاعاً عن الإسلام، وإن كان قد يكون تأثراً به، فالبحث العقلي هو الأصل وهو الموضوع ولا يوجد غيره في بحثهم.
3- أن أبحاث الفلاسفة المسلمين أبحاث غير إسلامية، بل هي أبحاث فلسفية محضة ولا علاقة للإسلام بها، ولا محل للإسلام في بحثها، فلا تعتبر آراء إسلامية وليست هي من الثقافة الإسلامية.
هذا هو الفرق بين منهج المتكلمين ومنهج الفلاسفة المسلمين، وهذه هي حقيقة الفلاسفة المسلمين. ومن الظلم وخلاف الواقع والدس على الإسلام أن تسمى الفلسفة التي اشتغل فيها أمثال الكندي والفارابي وابن سيناء وغيرهم من الفلاسفة المسلمين فلسفة إسلامية، لأنها لا تمت للإسلام بصلة، بل هي تتناقض مع الإسلام تناقضاً تاماً سواء من حيث الأساس أو من حيث كثير من التفاصيل. أما من حيث الأساس فإن هذه الفلسفة تبحث في ما وراء الكون، أي في الوجود المطلق، بخلاف الإسلام فإنه إنما يبحث في الكون وفي المحسوسات فحسب، ويمنع البحث في ذات الله، وفيما وراء الكون، ويأمر بالتسليم به تسليماً مطلقاً، والوقوف عند حد ما يأمر بالإيمان به منه دون زيادة، ودون أن يسمح للعقل في محاولة بحثه. وأما من حيث التفاصيل فإن في هذه الفلسفة أبحاثاً كثيرة يعتبرها الإسلام كفراً، ففيها أبحاث تقول بقدم العالم وأنه أزلي، وأبحاث تقول أن نعيم الجنة روحاني وليس مادياً، وأبحاث تقول أن الله يجهل الجزئيات، وغير ذلك مما هو كفر صراح قطعاً في نظر الإسلام. فكيف يُقال عن هذه الفلسفة أنها فلسفة إسلامية مع هذا التناقض البيِّن؟ على أنه لا توجد في الإسلام فلسفة مطلقاً، لأن حصره للبحث العقلي في المحسوسات ومنعه العقل من أن يبحث فيما وراء الكون يجعل كافة أبحاثه بعيدة عن الفلسفة، سائرة في غير طريقها، ولا يجعل فيه أي احتمال لأن توجد فيه أبحاث فلسفية، ولذلك لا توجد فلسفة إسلامية. وإنما يوجد في الإسلام بحث القرآن الكريم والسنة النبوية، فهما وحدهما أصل الإسلام عقيدة وأحكاماً، أمراً ونهياً وإخباراً.
الشخصية الاسلامية
الجزء الاول
من منشورات حزب التحرير