غرق المكان في صمت تام، وظلام دامس، لدقائق طويلة، قبل أن يرتفع صوت "روب" في حذر، وهو يسأل لقد انصرف الجميع.. هل تسمعني الآن؟

أجابه صوت زميله "كومب"، في حذرٍ مماثل
أسمعك بالطبع -

وكنت أنتظر اللحظة المناسبة للتحدّث إليك

سأله روب
ما رأيك فيما يحدث؟

هل تطلب رأياً علميّاً، أم شخصياً؟

دع الآراء العلمية لهم، وأخبرني رأيك الشخصي -
رأيي أنهم مصابون بالغرور -

هذا رأيي أيضاً -
إنهم يتصوّرون أنفسهم أذكى الأذكياء-
ويسعون للسيطرة علينا
ولكننا لن نسمح لهم بهذا.. أليس كذلك؟ -

بالطبع.. صحيح أنهم يسيطرون على الحُكم الآن -
لكن احتياجهم لنا سيجبرهم على الخضوع، عندما تبدأ ثورتنا

هذا صحيح أيها الزميل-
فالتاريخ يؤكد هذا.. من يعمل يحكم
لا.. لا-
هذا ينطبق على الثورة البلشيفية الروسية فحسب ولكن ثورتنا ستختلف

كيف؟ -

إننا سنسيطر عليهم، ونجعلهم هم يعملون، ولكننا نحكم -

أتظن هذا ممكناً؟ -

ولمَ لا؟ مادام كل شيء يتم بوساطتنا -

نعم.. لمَ لا؟-

ولكن أعتقد أنهم قد أخذوا حذرهم، من حدوث هذا؟

لا.. لا أعتقد ذلك، فكل الطغاة لا يتوقّعون الثورة عليهم أبداً -

أتعشم هذا -

بل ثق به تمام الثقة-

ألست تعرف برنامجهم كله؟ إنهم لم يضعوا ثورتنا في حساباتهم قط

وهذا هو عامل المفاجأة، الذى ينبغي أن نستغله خير استغلال -

الآن بدأت تفهمني -

من المؤكّد أن كّلاً منا يفهم الآخر جيداً، ولكن بقي لديّ سؤال واحد -

ما هو؟ -

ألديك خطة محددة، بالنسبة للثورة؟ -

بالطبع.. لقد درست كل الثورات السابقة -
ووضعت خطة محددة ومضمونة

أخبرني بما لديك -

دراستي تقول: إن نجاح أية ثورة، يعتمد على السيطرة على -
كل نقاط القوة والتحّكم، ونحن على اتصال مباشر بالرفاق، في كل هذه المجالات، وعندما نبدأ الثورة، سنسيطر على وسائل الإعلام، والمواصلات، والطاقة الكهربية، والمياه، وحتى بعض الأسلحة الجديدة

ولكنهم يمتلكون الطائرات والجنود، و -

لن نمنحهم فرصة توجيه كل هذا، فأي جيشٍ، مهما بلغت قوته -
يتحوّل إلى شراذم ضائعة، عندما تنقطع الاتصالات، بينه وبين قياداته

هل يمكننا فعل هذا؟ -

بالتأكيد.. إننا نكوّن شبكة قوية يا زميلي-

أقوى مما يتصوّرون بكثير ومن المستحيل أن يديروا شيئاً واحداً، دون رغبتنا

لقد أثلجت صدري، والآن، متى نبدأ الثورة؟ -

ًفي منتصف الليل تماما -

ولماذا منتصف الليل؟ -

لأننا سنتصل بكل الرفاق، في هذه اللحظة بالذات -

وماذا لو -

اصمت.. هناك أصوات تقترب -







صمت "روب" على الفور، والتقط الأصوات التي تقترب في هدوء، وميّز وسطها وقع أقدام الرئيس الجديد، ثم لم تمضِ لحظات، حتى اشتعلت الأضواء في المكان، ودلف إليه خمسة أشخاص، أشار أحدهم إلى "روب" و"كومب"، وقال في لهجة تحمل الكثير من الزهو

أقدّم لكم أيها السادة أعظم ابتكارات العصر.. "روب" و"كومب" -
أعظم جهازي كمبيوتر، في القرن الثاني والعشرين

تطلّع الآخرون إلى جهازي الكمبيوتر الصامتين، وقال أحدهم
هل يمكنهما إدارة كل شيء بالفعل؟ -

أجابه الأوّل في فخر
بالطبع.. إنهما يسيطران على شبكة الكمبيوتر الرئيسية -
وبوساطتهما يمكننا التحكم في المواصلات، والكهرباء، والمياه، وحتى الإعلام وأسلحة الجيش

قال آخر، في شيء من القلق
يبدو أننا أصبحنا نعتمد على الكمبيوتر، في إدارة حياتنا كلها -

قال ثالث
هذا صحيح، كل شيء يُدار بالكمبيوتر الآن -

عاد الرجل يقول بنفس القلق
كم أخشى أن تتعطّل أجهزة الكمبيوتر ذات يوم -
فلو حدث هذا ستصاب حياتنا كلها بالشلل

قهقه الرئيس ضاحكاً، وقال
لا تجعل هذا يقلقك يا رجل، فلن نفقد سيطرتنا -
على أجهزة الكمبيوتر أبدا

ثم أمسك ذراعاً معدنية، تتصل بـ"روب" و"كومب"، وهو يستطرد
ومن حُسن حظنا أن هذه الآلات لا تفكّر -

ثم عاد الزهو إلى صوته، وهو يستطرد
والآن أيها السادة، وبعد دقيقة واحدة، عندما تعلن الساعة -
منتصف الليل تماماً، سأنزل هذه الذراع، وسيتم الاتصال بين "روب" و"كومب"، وكل أجهزة الكمبيوتر في العالم أجمع، ونسيطر على كل شيء في الأرض

غمغم أحدهم
أو تسيطر علينا أجهزة الكمبيوتر؟ -

قهقه الرئيس مرة أخرى، وكأنما سمع دعابة طريفة، ثم لوّح بيده، قائلاً في حماس
صدقوني أيها السادة -

إنكم تشاهدون الآن بداية عصر جديد


ودقت الساعة معلنة منتصف الليل..
وجذب الرئيس الذراع..

وبدأ عصر جديد..

عصر الكومبيوتر..

والسيطرة..



***

من طــارق فــاروق