تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : (( أَيُّهَـا العَـائِـدُ .. اتَّـقِ غَضْبَـةَ اللهِ )) أبوالليث القرشي



عبدالله المنصوري
06-22-2006, 06:39 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
(( أَيُّهَـا العَـائِـدُ .. اتَّـقِ غَضْبَـةَ اللهِ ))

كتبه: أبوالليث القرشي

الحمد لله، وأفضلُ صلاةٍ وسلامٍ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان، أما بعد:

فهذه كلماتٌ متواضعاتٌ.. كتبتها لكل عائدٍ من أرض العزةِ والجهادِ..
لأمر أميره، أو ضعف نفسه، أو شوق أهله..
أو علاج سقمه، أو غير ذلك..

استشعرت فيها تجربة طويلة، تمعنت في أسبابها، وحوادثها ودواخلها.. في زللها ودخنها..
فخرجت من تجاربها المرة، وهمومها الصعبة، وعذاباتها الأليمة، بفوائدَ أردتُ تقديمها لكل عائد..
فأسأل الله أن ينفع بها، ويقي من بقي فيه خيرٌ، مما يخافه ويتقيه..
فقلت والله المستعان:


أيها العائد..
اتقِِ غضبة الله..

أيها العائد..
إن حسابك عسير إن زغت عن الطريق وقد علمت أنه الحق، ورأيت فيه من الآيات ما جعلك توقن أنه الحق..

أيها العائد..
إياك ووساوس الشيطان، ومداخله وشَرَكِه..
إياك أن يقول لك: ابتعد عن الصلاح حتى تبعد عنك العيون.. فتسمعُ..
إياك أن يقول لك: أزل مظاهر السنة كاللحية وتقصير الثوب حتى لا تلفت نظر العيون .. فتسمع ..
إياك أن يقول لك: لا تتابع أخبار إخوانك، ولا تشاركهم لأنك ربما تكون مراقباً.. فتسمع ..
إياك أن يقول لك: أظهر عدم التزامك، وماشي غير الملتزمين وأهل المعاصي، تمويهاً وصرفاً للأنظار فتسمع ..
فوالله إنها مداخله، وشَرَكُهُ وزللـه..
ووالله ما سمع عائدٌ للشيطانِ في ذلك إلا انتكسَ وقصَّرَ في الطاعات، وأكثرَ من المعاصي..
بالرغم من هجرته وجهاده..!!
وبذله لماله ودمائه..!!
فكيف يكون حسابك عند ربك حينئذ وقد أراك الله من الكرامات والأمور العجيبات ما لا يقف معه شك ولا يزول معه يقين ؟!
كيف يكون حسابك عند ربك وقد رأيت كيف صرف الله عنك أبصار عدوك وكأنما أغشى على أعينهم، تراك أبصارهم ولا تراك بصائرهم، بعد أن دعوت ربك وسألته ذلك..!!
كيف يكون حسابك عند ربك وقد رأيت جنود الله من الملائكة أو الأشجار أو الغبار أو الحيوانات وهي تقاتل معك عدوك..!!
كيف يكون حسابك عند ربك وقد شممت رائحة المسك من إخوانك الشهداء، رائحة لا مثيل لها في الدنيا..!!
كيف يكون حسابك عند ربك وقد أنزل عليك أو على بعض إخوانك غيثاً من سحابةٍ لم ينزله إلا عليهم وحولهم ..!!
كيف يكون حسابك عند ربك وقد نصرك الله وأنت الضعيف وعدوك قوي، وأنت قليل العدد والعدة، وعدوك يزيد عليك أضعافاً مضاعفةً عدداً وعدةً..!!
كيف يكون حسابك عند ربك وقد ذقت حلاوة الإيمان بعد الهجرة والجهاد .. !!
كيف يكون حسابك عند ربك وقد ذقت حلاوة ذكره سبحانه، وحلاوة دعائه، وحلاوة مناجاته، حلاوةً لم تجدها مع اجتهادك سنين طويلة وأنت قاعد قبل هجرتك وجهادك..!!
كيف يكون حسابك عند ربك..!!
كيف..!!؟
((واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس ، فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون))


أيها العائد..
تمعن فيما وَرَدَ عنه صلى الله عليه وسلم: أنَّ أول من تسعر بهم النار عالمٌ وشهيدٌ..
فالعالم قد علم عن الله وأمره ونهيه مالا يُعذر معه على الرياء والسمعة..
والمجاهد قد رأى من كرامات الله وعجائب قدرته مالا يُعذر معه على الرياء والسمعة..
وإنما يكون الرياء والسمعة من قلب ضعف إيمانه، وقلَّ يقينه بثواب ربه، وشابَ توحيدَهُ شيءٌ مما يخدشه..
ولا يُعذر على الرياء والسمعة أحد، وكذا بقية المعاصي، لكنها في حق من علم آيات الله الشرعية كالعالم، ومن علم آياته الكونية كالمجاهد.. أشدُّ..
فالآيات الشرعية آياتٌ ربانية، العلم بها يزيد المرء إيماناً ويقيناً بالله..
والآيات الكونية آياتٌ ربانية، إدراكها يزيد المرءَ إيماناً ويقيناً بالله..

أيها العائد..
إن أحسست بمراقبة عدوك، فراقب ربك..
وإن زادت مراقبته.. فزد من مراقبة ربك..
إئتِ بالأسباب.. للتمويه عليه..
وإخفاء الأسرار عنه..
وإياك إياك أن يتعدى ذلك إلى معصية الله..
فوالله إن عدوك يحترم فيك احترامك لحدود ربك..
ويهاب منك بقدر مهابتك لربك..
ووالله إن المحفوظ من حفظه الله..
ومن حفظ اللهَ حفظهُ اللهُ..
فاحفظ الله يحفظك.. احفظ الله تجده تجاهك..

أيها العائد..
استصغر كل مخلوق أمام الخالق..
واعلم أنَّ نواصي أعدائك بيده سبحانه..
فإن حفظك هو.. فلا مؤذي لك..
وإن أمَّنَكَ هو.. فلا مُخيفَ لك..
وإن نصرك هو.. فلا هازم لك..

أيها العائد..
اتقِ غضبة الله..
ولا تغتر بهجرتك وجهادك..

أيها العائد.. اتقِ غضبة الله..
ولا تغتر بما أراك الله من رؤى مبشرة ..
فإنها تسرُّ ولا تغرُّ.. ولا ينفعك إلا عملك..

أيها العائد..
اتقِ غضبة الله..
ولا يغرنك ما آتاك من عزم وقوة..
وشدة وإقدام..
وثبات ويقين..
فمن أمِنَ على نفسه الزللَ فهو أولى أن يصير إليه..
لأنه بهذا.. قد غلَّب جانب الرجاء على الخوف تغليباً عظيماً لا يستقيم معه إيمان..
والقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء..

أيها العائد..
اتقٍ غضبة الله...
فتب إن زللتَ..
واستغفر إن أخطأتَ..
والتزم بما أُمِرتَ ..
وانتهِ عما نُهيتَ ..

أيها العائد..
إياكَ والقنوط.. فإن الله يقبل التوبة عن عباده..
يقبلها من الكافر عُمُراً طويلاً..
فكيف لا يقبلها منك وأنتَ أنتَ، هجرةً وجهاداً..

أيها العائد..
جدد التوبة.. واشحن العزم..
وعد كما كنت.. مهاجراً مجاهداً شهماً شجاعاً مطلقاً للدنيا مقبلاً على الآخرة..

أيها العائد..
حصنكَ الحصينُ صلاتُكَ..
إن أقمتها أقمتَ دينكَ..
وإن قصَّرت فيها ثَلَمْتَهُ.. وأضعفتَهُ.. وربما فَقَدْتَهُ..
وضَعُفَ ما بينك وبين ربك..
احملْ همَّهَا.. وتابِعْ أوقاتها..
وأضعف الإيمان –لمن هو مثلك- أن تترك ما بيدك من الدنيا إن سمعت ندائها..
وليكن لسان حالك: لبيك ربنا وسعديك، والخير كله بيديك، لك أترك الدنيا، وإلى طاعتك أُقْبِل..
ثم أَقْبِلْ عليه، وتطهر لطاعته، واستشعر امتثالك لأمره في ذلك كله..
فإن حضرت المسجد عند الأذان أو بعده بيسير، صليت لربك ما شاء الله لك..
وقرأت في كتابه ما شاء لك..
ودعوته ورجوته وذكرته ما شاء لك..
فإن جاءت أحب العبادات إلى الله: المكتوبة..
وقفت بين يديه وقد خلا قلبك من كل شواغل الدنيا..
وتهيأت نفسك للإقبال على ربها..
تكبره وتدعوه وتقرأ من كلامه.. فتستشعر عظمته وعلوه، وترجو رحمته، وتخاف عقابه..
يتعلق القلب فيها به.. وتذرف العيون فيها له..
وتلهج الألسنة بذكره ودعائه..
فإن سلَّمْتَ من صلاتك، فلا تقم حتى تُتِمَّ أذكارك..
تأنَّ فيها، وتأمل في معانيها..
فإنك إن أقمتَ الصلاةَ، وضيعتَ أذكارها، فقد ضيعتَ لذةً بعد لذةٍ..
وسُوراً من أسوار المكتوبة يحميها..
وبلسماً لما تركته الصلاة من أثر..
وإن لم تجد لذة في هذه الأذكار، فأنت لم تجد لذة في صلاتها..
وإن لم تجد لذة في صلاتها، فتعاهدها وابحث عن عوائق استشعارها..
فإن من ضيعها محروم.. ومن نالها مرحوم..

أيها العائد..
فتش قلبك..
فكم من علة فيه خفية أَهْوَتْ بأقوام..
وحَرَمَتْ آخرينَ أفضالاً نالها غيرهم..
كم من علَّةٍ خفية سببت انتكاسةً مريعةً..
أو عُجباً محبطاً للعملِ وهو يحسبُ أنه يحسن صنعاً..

أيها العائد..
كتاب الله زادُكَ، ووقودُ إيمانِكَ، وحياةُ روحِكَ..
فليكن لك فيه وردٌ هو حِمىً لا يُستباح..
حفظٌ.. وقراءةٌ.. وتعلمٌ..
حفظٌ يَعمرُ جوفك الخاوي..
وقراءةٌ تُرَطِّبُ بها لِسانَك، وتُطْرِبُ بها سمعك، وتُكَحِّلُ بها عينيك..
وتعلمٌ تُوَسِّعُ به مداركك، وتتعرفُ به على ربك، فتخشاه وتبتغي رضاه..

أيها العائد..
ذكرك لله بكرةً هو الزادُ..
والحفظُ والعتادُ..
فلا تُحَدِّثُ أحداً بعد قرآن الفجرِ حتى تتزود بذكر الله..
وتبتغي به حفظاً وعوناً من الله..

أيها العائد..
استشعر مسؤوليتك أمام أمتك..
وترفع عن سفاسف الدنيا المشغلة..
والمباحات الملهية..
استعن على "سبب رجوعك" بالاستغفار والتسبيح..
وكثرة الطاعة.. والتحرز من المشتبهات..
والترفع عمّا استطعت من المباحات..
واعلم أن كل تقصيرٍ أو تكاسلٍ منكَ فبسببِ معاصيكَ..

أيها العائد..
عُدْ لربك..
وعُدْ لإخوانك..
وعُدْ للعزة والكرامة..
والألم اللذيذ في مرضاة الله..
والمعاناة الجميلة في سبيل الله..
عُدْ للسعادة رغم الضيق والحاجة..
ورغم الخوف والجوع.. والنصب وقلة الراحة..

عُد أيها العائد..
قبل أن لا يكون عَوْدٌ..
وقبل أن ينالَ من ينالُ فضلاً..

عُد..
فإن ربك يفرح بعَوْدِكَ..
واعلم أنك إن قعدتَ خسرتَ..
وإن تحررتَ وعاودتَ الهجرةَ ربحتَ..

كتبه أخوكم
أبوالليث القرشي


منقول من شبكة الإخلاص
http://www.ekhlaas.ws/forum/showthread.php?t=23312