جاسم الزبيدي
06-11-2006, 02:00 PM
لقد وقف علماء الشيعة من الكافي موقفا يمكن ان يكون بالقياس إلى موقف السنة من صحيح البخاري سليما وبعيدا عن المغالاة والإسراف فلم يتنكروا لحسناته ولم يتجاهلوا ما فيه من السيئات والنقص الذي لا يخلو منه كتاب مهما اتخذ المؤلف الحيطة لإخراجه كما يريد ويحب .ومع انهم لم يغالوا فيه غلو محدثي السنة وفقهائهم في صحيح البخاري ، فلقد وضعه فريق من المحدثين القدامى فوق مستواه وأحاطه الإخباريون بهالة من التقديس والإكبار ، ولكن من جاء بعدهم من أعلام الطائفة قضى على تلك الهائلة والفتوا الانتظار إلى ما فيه من نقص وعيوب . ومع كل ذلك فلقد عده الكثير من العلماء والمحدثين مجددا بالنسبة إلى من تقدمه من المؤلفين في الحديث ، بالرغم من ان الذين تقدموه من المحدثين والمؤلفين قد تحروا جهدهم لتصفية الأحاديث من المكذوب والمشبوه ، وتشدد القيمون ..في أحاديث المتهمين بالغلو والوقف وغيرهما من المنحرفين عن المذهب الإثنى عشري ، ولكنهم كما اعتقد لم يوفقوا إلى اخراج جامع للمواضيع المختلفة التي اشتمل عليها الكافي ، ولا أظن انهم صنفوا الأحاديث حسب المواضيع..ووزعوها على الأبواب ، وفي المحل الذي يناسبها كما صنع الكليني ، ولم يجمع احد قبله الأصول والمرويات التي يترجح لديه صدورها عن المعصوم ، ولو من جهة القرائن التي تحيط بها ، حتى ولو كان الراوي لها يعتنق الغلو والوقف ، أو اي مذهب آخر ، كما جمعها هو في كتابه ووضعها في المحل المناسب ، فان الذين باشروا عملية التصفية من قبله ، كانوا ينظرون إلى الراوي قبل أي شئ ، فإذا وجدوا فيه مغمزا أو انحرافا تركوا مروياته مهما كان حالها ولو أحيطت بعشرات القرائن ، بينما درس الكليني الرواية من ناحية السند والمتن والملابسات التي تحيط بها ،واعتبر الوثوق بالصدور مهما كان مصدره شرطا أساسيا للاعتماد على الرواية ، ولذلك احتاج إلى عشرين عاما لإنهاء هذه الدراسة التي أعطت هذه النتائج الغنية بالفوائد في مختلف المواضيع
وقال فيه الشيخ المفيد الذي أدرك شطرا من حياته : ان كتاب الكافي من اجل كتب الشيعة وأكثرها فائدة . وقال المرزا حسين النوري في مستدرك الوسائل بعد ان أورد كلمة الشيخ المفيد : انما كان أكثر فائدة من غيره من حيث انه جامع للأصول والأخلاق والفروع والمواعظ والآداب ، وغير ذلك من المواضيع ، وهو اجل من غيره من حيث الاعتبار والاعتماد ، لانه جمع الأصول الأربعمائة ، التي كانت بتمامها موجودة في عصره ، كما يظهر في ترجمة أبي محمد هرون بن موسى التلعكبري المتوفى سنة 385 ، وقد جاء في ترجمته انه روى جميع الأصول والمصنفات ، وألف منها ومن غيرها كتابه المسمى ( بالجوامع في علوم الدين ) انظر الكنى والألقاب للشيخ عباس القمي ، ورجال المرزا محمد ص 358ويؤيد ذلك ما جاء في أسباب تأليف الكافي ، من انه ألفه اجابة لن طلب منه كتابا جمع من جميع فنون الدين ما يكتفي به المتعلم ، ويرجع إليه المسترشد ، ويأخذ منه من يريد علم الدين والعمل بالآثار الصحيحة عن الصادقين ( ع ) ، والسنن القائمة التي عليها العمل ، وبها يؤدي فرض الله عز وجل وسنة نبيه ( ص ) فاستجاب لطلبهم ، والفه في تلك . المدة الطويلة التي حددها كل من ترجمه وتعرض لتاريخه بعشرين عاما ، فجاء جامعا لما يحتاج إليه المحدث والفقيه والمتكلم والواعد ، والمجادل ، والمتعلم ، والكتاب الذي يحتوي على هذه المواضيع ، لا بد وان يلفت الأنظار ،ويصادف تقدير الباحثين من العلماء ، لانه يوفر عليهم عناء البحث عن الروايات ويسد حاجة الفقيه ، والحدث والمتكلم وغيرهم في آن واحد . هذا بالإضافة إلى ما كان يتمتع به مؤلفه من ثقة غالية ، وشهرة واسعة ، ومكانة في العلم والدين تؤهله لان يحتل المكانة التي تليق به في النفوس . ولان يكون احد المعنيين بالحديث الشريف ، ( سيبعث الله لأمتي على رأس كل مائة من يجدد لها دينها ( 1 ) كما يرى ذلك جماعة من الفريقين السنة والشيعة ، ومع انه نال اعجاب الجميع وتقديرهم ، لم يغال به احد غلو محدثي السنة في البخاري ، ولم يدع احد بأنه صحيح بجميع مروياته لا يقبل المراجعة والمناقشة سوى جماعة من المتقدمين تعرضوا للنقد اللاذع من بعض من تأخر عنهم من الفقهاء والمحدثين ، ولم يقل احد : بان من روى عنه الكليني فقد جاز القنطرة كما قال الكثيرون من محدثي السنة في البخاري ، بل وقف منه بعضهم موقف الناقد لمروياته من ناحية ضعف رجالها ، وإرسال بعضها ، وتقطيعها ، وغير ذلك من الطعون ، التي تخفف من حدة الحماس له ، والتعصب لمروياته، وحتى ان الذين لم يقروا تلك الاتهامات الموجهة إليه ، ووصفوه بانه أفيد كتب الحديث واجلها ، وقالوا : بانه لم يصنف مثله ، واخذوا بجميع مروياته ، هؤلاء لم يدعوا بان جميع ما فيه مروي بواسطة العدول في جميع مراتب السند ، والذي يستفاد من نصوصهم انه جامع للمرويات التي تثق النفس بصدورها عن المعصوم من حيث ان مؤلفه بقي زمنا طويلا يبحث وينقب ويقطع المسافات البعيدة من بلد إلى بلد فنى جمعه من الصدور والمجاميع بعد الوثوق بصدور مروياته عن الأئمة ( ع ) ولو بواسطة القرائن والامارات الخارجة عن متونها ، ولو لم يكن الراوي مستوفيا للشروط المطلوبة في الرواة . ويتأكد ذلك عندما نلاحظ ان الصحيح في عرف المتقدمين يختلف اشد الاختلاف عن عرف المتأخرين : ذلك لان الصحة لا تتوقف على عدالة الراوي ، بل يصح وصف الحديث بالصحة لمجرد الوثوق بصدوره ، ولو من حيث وجوده في احد الأصول الأربعمائة . أو في احد الكتب المعروضة على الإمام ككتاب عبيد الله الحلبي الذي عرضه على الإمام الصادق ( ع ) وأثنى عليه وكتابي يونس بن عبد الرحمن والفضل بن شاذان المعروضين على الإمامالعسكري ( ع ) أو لكونه مطابقا لدليل آخر مقطوع به ونحو ذلك من القرائن المفيدة للاطمئنان بالصدور . ولو لم يكن الرواة كلهم من حيث ذاتهم ممن يصح الاعتماد عليهم . والمتحصل من ذلك ان أكثر الذين اعتمدوا على الكافي واعتبروا جميع مروياته حجة عليهم فيما بينهم وبين الله سبحانه ، هؤلاء لم يعتمدوا عليها الا من حيث الوثوق والاطمئنان بالكليني الذي اعتمد عليها بعد جهاد طويل استمر عشرين عاما ، بالإضافة إلى ان احتمال تقريض الإمام الثاني عشر ( ع ) كتلك المرويات كان يراود أذهان الكثيرين ممن تأخروا عنه كما ذكرنا من قبل وان كنا لم نجد مصدرا مقبولا بهذا الاحتمال ولا نستبعد ان يكون الحديث المروي حول هذا الموضوع من موضوعات مقلدة الإخباريين الذين تضاعف حماسهم له بعد تصنيف العلامة الحلي للحديث إلى الأصناف الأربعة ، وكما ذكرنا فان وثوق الكليني بها لم في مصدره بالنسبة إلى جميعها عدالة الرواة بل كان في بعضها من جهة القرائن التي تيسر له الوقوف عليها نظرا لقرب عهده بالأئمة ( ع ) ، ووجود الأصول المختارة في عصره هذا بالإضافة إلى عنصر الاجتهاد الذي يرافق هذه البحوث في الغالب .ويؤيد ذلك ان الكليني نفسه لم يدع ان مرويات كتابه كلها من الصحيح المتصل سنده بالمعصوم بواسطة العدول ، فانه قال في جواب من سأله ، تأليف كتاب جامع يصح العمل به والاعتماد عليه قال : وقد يسر لي الله تأليف ما سئلت وارجو ان يكون بحيث توخيت .
وهذا الكلام منه كالصريح في انه قد بذل جهده في جمعه واتقانه معتمدا على اجتهاده وثقته بتلك المجاميع والأصول الأربعمائة ، التي كانت مرجعا لأكثر المتقدمين عليه ومصدرا لأكثر مرويات كتابه .
ومهما كان الحال فالكافي مع انه كان من أوثق المجاميع في الحديث منذ تأليفه إلى عصر العلامة الحلي واستاذه احمد بن طاووس أكثر من ثلاثة قرون من الزمن مع انه كان بهذه المنزلة عند المتقدمين ، فان جماعة منهم كالمفيد وابن إدريس ، وابن زهرة ، والصدوق لم يثقوا بكل مروياته ووصفوا بعضها بالضعف كغيرها من المرويات التي لم تتوفر فيها شروط الاعتماد على الرواية .
ومن ذلك تبين ان المتقدمين لم يجمعوا على الاعتماد على جميع مروياته جملة وتفصيلا ، فان شهادتهم له بانه من أوثق كتب الحديث وأفيدها واعتباره مرجعا لهم ، لا تعني ان كل ما فيه حجة شرعية يجوز الاعتماد عليه في الفروع والأصول كما يدعي أكثر الإخباريين . ويمكن تحديد موقف العلماء والمحدثين من مرويات الكافي بالبيان التالي ، وهو ان تصحيح الكليني لمروياته واعتباره لها حجة فيما بينه وبين ربه ، هل هو شهادة منه بتزكية رواة تلك الأحاديث ، وبوجود قسم منها في الكتب المعتبرة التي عرضت على الأئمة ( ع) وأقروا العمل بها من اعتبر تصحيحه لا واعتماده عليها من باب الشهادة لا بد وان يعتمد عليها لجواز الاكتفاء بالشاهد الواحد في مقام التزكية وفي الموضوعات كما لو شهد الثقة بأن هذا الكتاب لزيد مثلا وهذا الحديث موجود في الكتاب الفلاني ، أو في المحل الفلاني مثلا ويؤيد ذلك ما جاء قي مستدرك الوسائل حيث قال : ان شهادة الكليني على صحة خبر ترجع إلى ان الخبر موجود في الأصول والكتب المعمول بها ، المعلومة الانتساب إلى أربابها ، والمتصلة طرفه وأسانيده إليها وقد أخرجه منها أو تلقاه من الثقاة الذين لا تتوقف معرفتهم على الأمور النظرية : لكونهم من مشايخه أو مشايخ مشايخه ، وقرب عصره منهم ، وعدم اشتباههم بغيرهم ، وكلها شهادة حسية مقبولة عند الفقهاء ، فلو شهد عادل بان هذا الكتاب لفلان ، وهذا الكلام موجود في كتاب فلان أو شهد بأن فلانا ثقة ، فهل رأيت أحدا يستشكل في ذلك ، بل عليه مدار الفقه في نقل الآراء والفتاوى والأقوال ، والتزكية والجرح (الفائدة الرابعة ص 538) ، فمن اعتبر تصحيح الكليني لمرويات الكافي شهادة منه بتزكية
رواتها وبوجود قسم منها في الكتب المعتبرة . بنى على صحتها وجاز له العمل بها في الأحكام وغيرها ، ومن بنى على ان تصحيحه لها . كان من نتيجة فحصه واجتهاده ودراسته لإسناد الحديث ومتونه خلال تلك المدة الطويلة ، من
بنى على ذلك لم يفرق بين مرويات الكافي وغيرها من حيث كونها خاضعة للنقد والجرح والتعديل ، لان اجتهاد شخص لا يكون حجة على غيره ، ولابد في مثل ذلك من عرض ذلك الموضوع على الأصول والقواعد الموضوعة
لتمييز الصحيح من غيره ، وبالتالي قد ينتهي إلى عين النتيجة ، وقد ينتهي لخلافها ، وفي الحالين يتعين عليه ان يعمل بما أدى إليه اجتهاده . ومن الجائز القريب ان يكون المضعف لبعض مرويات الكافي متجها إلى هذه الملاحظة .
قال السيد في المفاتيح : ان اخبار الكليني بصحة ما دونه في الكافي كما يمكن ان يكون باعتبار علمه بها ، وقطعه بصدورها عن الأئمة ( ع ) فيجوز الاعتماد عليها والحال هذه كسائر اخبار العدول ، كذلك يمكن ان يكون باعتبار اجتهاده وظهورها عنده ولو بالدليل الظني ، فلا يجوز إذاً الاعتماد عليه ، فان ظن المجتهد لا يكون حجة على مثله ، كما هو الظاهر من الأصحاب ، بل ومن العقلاء ، وحيث لا ترجيح للاحتمال الاول وجب التوقف .
ومهما كان الحال ، فالكتب الأربعة وعلى رأسها الكافي كانت بنظر المتقدمين من الفقهاء والمحدثين إلى أواخر القرن السابع الهجري الذي ظهر فيه العلامة الحلي ، واستاذه احمد بن طاووس ، كانت من أوثق المصادر في الحديث ،
ولم يتردد في قبول مروياتها سوى من اشرنا إليهم على ان بعض المحدثين قد فسر كلام المفيد والصدوق ، الذي ، يدل بظاهره على التشكيك ببعض مرويات الكافي ، قد فسر كلامهما بما يرجع إلى انهما يترددان في بعض مروياته إذا
تعارضت مع غيرها وكان المعارض لها أقوى سندا واظهر دلالة ، وذلك لا يعني انها من نوع الضعيف، لان تعارض الصحيح مع الأصح لا يمنع من وصفه بالصحة ، كما لا يمنع من جواز العمل به والاعتماد عليه في غير مورد
التعارض مع الأصح منه والشئ الطبيعي ان تتضاءل تلك الثقة التي كانت للكافي على مرور الزمن بسبب بعد المسافة بين الأئمة ( ع ) وبين الطبقات التي توالت مع الزمن ، وبمجئ دور العلامة الحلي انفتح باب التشكيك في تلك
المرويات على مصراعيه بعد ان صنف الحديث إلى الأصناف الأربعة ، فتحرر العلماء من تقليد المتقدمين فيما يعود إلى الحديث ، وعرضوا مرويات الكافي وغيره ، على أصول علم الدراية وقواعده ، فما كان منها مستوفيا للشروط المقررة اقروا العمل به والاعتماد عليه ، وردوا ما لم تتوفر فيه الشروط المطلوبة .
وعلى هذا الأساس توزعت أحاديث الكافي التي بلغت ستة عشر ألف حديث ومائة وتسعة وتسعين حديثا على النحو التالي .
1- الصحيح منها خمسة آلاف واثنان وسبعون حديثا والحسن مائة وأربعة وأربعون حديثا
2- والموثق ألف ومائة وثمانية وعشرون حديثا
3- والقوي ثلاثمائة وحديثان (القوي ما كان سنده كله أو بعضه من غير الاماميين وليس فيه ضعف)
4- والضعيف تسعة آلاف واربعمائة وخمسة وثمانون حديثا (انظر روضات الجنات إلى محمد باقر الخونساري ( حرف الجيم ص 553 ، والمستدرك الفائدة الرابعة .
ومما تجدر الإشارة إليه ان اتصاف هذا المقدار ، من مرويات الكافي بالضعف لا يعني سقوطها بكاملها عن درجة الاعتبار ، وعدم جواز الاعتماد عليها في أمور الدين ، ذلك لان وصف الرواية بالضعف من حيث سندها وبلحاظ ذاتها
لا يمنع من قوتها من ناحية ثانية كوجودها في احد الأصول الأربعمائة ، أو في بعض الكتب المعتبرة ، أو موافقتها للكتاب والسنة ، أو لكونها معمولا بها عند العلماء ، وقد نص أكثر الفقهاء ان الرواية الضعيفة إذا اشتهر العمل بها والاعتماد عليها ، تصبح كغيرها من الروايات الصحيحة ، وربما تترجح عليها في مقام التعارض .
وجاء في مقباس الهداية للمامقاني : ان الذي الجأ المتأخرين إلى العدول عن طريقة القدماء ، واضطرهم إلى تصنيف الحديث إلى الأصناف الأربعة ، هو تطاول الأزمنة بينهم وبين الطبقة الأولى ، وضياع بعض الأصول المعتمدة التي دونها أصحاب الأئمة ( ع ) والتباس المأخوذ منها بغيرها ، وخفاء القرائن التي اعتمد عليها المتقدمون إلى غير ذلك من الأسباب التي اضطرتهم إلى هذا التصنيف لتمييز الصحيح عن غيره(انظر مقباس الهداية الملحق بالمجلد الثالث من تنقيح المقال في علم الرجال)وانظر كذلك (رجال السيد بحر العلوم ورجال السيد الخوئي) ليتبين لك حقيقة موقف علماء الشيعة من الكافي وغيره من الكتب الاربعة
وقال فيه الشيخ المفيد الذي أدرك شطرا من حياته : ان كتاب الكافي من اجل كتب الشيعة وأكثرها فائدة . وقال المرزا حسين النوري في مستدرك الوسائل بعد ان أورد كلمة الشيخ المفيد : انما كان أكثر فائدة من غيره من حيث انه جامع للأصول والأخلاق والفروع والمواعظ والآداب ، وغير ذلك من المواضيع ، وهو اجل من غيره من حيث الاعتبار والاعتماد ، لانه جمع الأصول الأربعمائة ، التي كانت بتمامها موجودة في عصره ، كما يظهر في ترجمة أبي محمد هرون بن موسى التلعكبري المتوفى سنة 385 ، وقد جاء في ترجمته انه روى جميع الأصول والمصنفات ، وألف منها ومن غيرها كتابه المسمى ( بالجوامع في علوم الدين ) انظر الكنى والألقاب للشيخ عباس القمي ، ورجال المرزا محمد ص 358ويؤيد ذلك ما جاء في أسباب تأليف الكافي ، من انه ألفه اجابة لن طلب منه كتابا جمع من جميع فنون الدين ما يكتفي به المتعلم ، ويرجع إليه المسترشد ، ويأخذ منه من يريد علم الدين والعمل بالآثار الصحيحة عن الصادقين ( ع ) ، والسنن القائمة التي عليها العمل ، وبها يؤدي فرض الله عز وجل وسنة نبيه ( ص ) فاستجاب لطلبهم ، والفه في تلك . المدة الطويلة التي حددها كل من ترجمه وتعرض لتاريخه بعشرين عاما ، فجاء جامعا لما يحتاج إليه المحدث والفقيه والمتكلم والواعد ، والمجادل ، والمتعلم ، والكتاب الذي يحتوي على هذه المواضيع ، لا بد وان يلفت الأنظار ،ويصادف تقدير الباحثين من العلماء ، لانه يوفر عليهم عناء البحث عن الروايات ويسد حاجة الفقيه ، والحدث والمتكلم وغيرهم في آن واحد . هذا بالإضافة إلى ما كان يتمتع به مؤلفه من ثقة غالية ، وشهرة واسعة ، ومكانة في العلم والدين تؤهله لان يحتل المكانة التي تليق به في النفوس . ولان يكون احد المعنيين بالحديث الشريف ، ( سيبعث الله لأمتي على رأس كل مائة من يجدد لها دينها ( 1 ) كما يرى ذلك جماعة من الفريقين السنة والشيعة ، ومع انه نال اعجاب الجميع وتقديرهم ، لم يغال به احد غلو محدثي السنة في البخاري ، ولم يدع احد بأنه صحيح بجميع مروياته لا يقبل المراجعة والمناقشة سوى جماعة من المتقدمين تعرضوا للنقد اللاذع من بعض من تأخر عنهم من الفقهاء والمحدثين ، ولم يقل احد : بان من روى عنه الكليني فقد جاز القنطرة كما قال الكثيرون من محدثي السنة في البخاري ، بل وقف منه بعضهم موقف الناقد لمروياته من ناحية ضعف رجالها ، وإرسال بعضها ، وتقطيعها ، وغير ذلك من الطعون ، التي تخفف من حدة الحماس له ، والتعصب لمروياته، وحتى ان الذين لم يقروا تلك الاتهامات الموجهة إليه ، ووصفوه بانه أفيد كتب الحديث واجلها ، وقالوا : بانه لم يصنف مثله ، واخذوا بجميع مروياته ، هؤلاء لم يدعوا بان جميع ما فيه مروي بواسطة العدول في جميع مراتب السند ، والذي يستفاد من نصوصهم انه جامع للمرويات التي تثق النفس بصدورها عن المعصوم من حيث ان مؤلفه بقي زمنا طويلا يبحث وينقب ويقطع المسافات البعيدة من بلد إلى بلد فنى جمعه من الصدور والمجاميع بعد الوثوق بصدور مروياته عن الأئمة ( ع ) ولو بواسطة القرائن والامارات الخارجة عن متونها ، ولو لم يكن الراوي مستوفيا للشروط المطلوبة في الرواة . ويتأكد ذلك عندما نلاحظ ان الصحيح في عرف المتقدمين يختلف اشد الاختلاف عن عرف المتأخرين : ذلك لان الصحة لا تتوقف على عدالة الراوي ، بل يصح وصف الحديث بالصحة لمجرد الوثوق بصدوره ، ولو من حيث وجوده في احد الأصول الأربعمائة . أو في احد الكتب المعروضة على الإمام ككتاب عبيد الله الحلبي الذي عرضه على الإمام الصادق ( ع ) وأثنى عليه وكتابي يونس بن عبد الرحمن والفضل بن شاذان المعروضين على الإمامالعسكري ( ع ) أو لكونه مطابقا لدليل آخر مقطوع به ونحو ذلك من القرائن المفيدة للاطمئنان بالصدور . ولو لم يكن الرواة كلهم من حيث ذاتهم ممن يصح الاعتماد عليهم . والمتحصل من ذلك ان أكثر الذين اعتمدوا على الكافي واعتبروا جميع مروياته حجة عليهم فيما بينهم وبين الله سبحانه ، هؤلاء لم يعتمدوا عليها الا من حيث الوثوق والاطمئنان بالكليني الذي اعتمد عليها بعد جهاد طويل استمر عشرين عاما ، بالإضافة إلى ان احتمال تقريض الإمام الثاني عشر ( ع ) كتلك المرويات كان يراود أذهان الكثيرين ممن تأخروا عنه كما ذكرنا من قبل وان كنا لم نجد مصدرا مقبولا بهذا الاحتمال ولا نستبعد ان يكون الحديث المروي حول هذا الموضوع من موضوعات مقلدة الإخباريين الذين تضاعف حماسهم له بعد تصنيف العلامة الحلي للحديث إلى الأصناف الأربعة ، وكما ذكرنا فان وثوق الكليني بها لم في مصدره بالنسبة إلى جميعها عدالة الرواة بل كان في بعضها من جهة القرائن التي تيسر له الوقوف عليها نظرا لقرب عهده بالأئمة ( ع ) ، ووجود الأصول المختارة في عصره هذا بالإضافة إلى عنصر الاجتهاد الذي يرافق هذه البحوث في الغالب .ويؤيد ذلك ان الكليني نفسه لم يدع ان مرويات كتابه كلها من الصحيح المتصل سنده بالمعصوم بواسطة العدول ، فانه قال في جواب من سأله ، تأليف كتاب جامع يصح العمل به والاعتماد عليه قال : وقد يسر لي الله تأليف ما سئلت وارجو ان يكون بحيث توخيت .
وهذا الكلام منه كالصريح في انه قد بذل جهده في جمعه واتقانه معتمدا على اجتهاده وثقته بتلك المجاميع والأصول الأربعمائة ، التي كانت مرجعا لأكثر المتقدمين عليه ومصدرا لأكثر مرويات كتابه .
ومهما كان الحال فالكافي مع انه كان من أوثق المجاميع في الحديث منذ تأليفه إلى عصر العلامة الحلي واستاذه احمد بن طاووس أكثر من ثلاثة قرون من الزمن مع انه كان بهذه المنزلة عند المتقدمين ، فان جماعة منهم كالمفيد وابن إدريس ، وابن زهرة ، والصدوق لم يثقوا بكل مروياته ووصفوا بعضها بالضعف كغيرها من المرويات التي لم تتوفر فيها شروط الاعتماد على الرواية .
ومن ذلك تبين ان المتقدمين لم يجمعوا على الاعتماد على جميع مروياته جملة وتفصيلا ، فان شهادتهم له بانه من أوثق كتب الحديث وأفيدها واعتباره مرجعا لهم ، لا تعني ان كل ما فيه حجة شرعية يجوز الاعتماد عليه في الفروع والأصول كما يدعي أكثر الإخباريين . ويمكن تحديد موقف العلماء والمحدثين من مرويات الكافي بالبيان التالي ، وهو ان تصحيح الكليني لمروياته واعتباره لها حجة فيما بينه وبين ربه ، هل هو شهادة منه بتزكية رواة تلك الأحاديث ، وبوجود قسم منها في الكتب المعتبرة التي عرضت على الأئمة ( ع) وأقروا العمل بها من اعتبر تصحيحه لا واعتماده عليها من باب الشهادة لا بد وان يعتمد عليها لجواز الاكتفاء بالشاهد الواحد في مقام التزكية وفي الموضوعات كما لو شهد الثقة بأن هذا الكتاب لزيد مثلا وهذا الحديث موجود في الكتاب الفلاني ، أو في المحل الفلاني مثلا ويؤيد ذلك ما جاء قي مستدرك الوسائل حيث قال : ان شهادة الكليني على صحة خبر ترجع إلى ان الخبر موجود في الأصول والكتب المعمول بها ، المعلومة الانتساب إلى أربابها ، والمتصلة طرفه وأسانيده إليها وقد أخرجه منها أو تلقاه من الثقاة الذين لا تتوقف معرفتهم على الأمور النظرية : لكونهم من مشايخه أو مشايخ مشايخه ، وقرب عصره منهم ، وعدم اشتباههم بغيرهم ، وكلها شهادة حسية مقبولة عند الفقهاء ، فلو شهد عادل بان هذا الكتاب لفلان ، وهذا الكلام موجود في كتاب فلان أو شهد بأن فلانا ثقة ، فهل رأيت أحدا يستشكل في ذلك ، بل عليه مدار الفقه في نقل الآراء والفتاوى والأقوال ، والتزكية والجرح (الفائدة الرابعة ص 538) ، فمن اعتبر تصحيح الكليني لمرويات الكافي شهادة منه بتزكية
رواتها وبوجود قسم منها في الكتب المعتبرة . بنى على صحتها وجاز له العمل بها في الأحكام وغيرها ، ومن بنى على ان تصحيحه لها . كان من نتيجة فحصه واجتهاده ودراسته لإسناد الحديث ومتونه خلال تلك المدة الطويلة ، من
بنى على ذلك لم يفرق بين مرويات الكافي وغيرها من حيث كونها خاضعة للنقد والجرح والتعديل ، لان اجتهاد شخص لا يكون حجة على غيره ، ولابد في مثل ذلك من عرض ذلك الموضوع على الأصول والقواعد الموضوعة
لتمييز الصحيح من غيره ، وبالتالي قد ينتهي إلى عين النتيجة ، وقد ينتهي لخلافها ، وفي الحالين يتعين عليه ان يعمل بما أدى إليه اجتهاده . ومن الجائز القريب ان يكون المضعف لبعض مرويات الكافي متجها إلى هذه الملاحظة .
قال السيد في المفاتيح : ان اخبار الكليني بصحة ما دونه في الكافي كما يمكن ان يكون باعتبار علمه بها ، وقطعه بصدورها عن الأئمة ( ع ) فيجوز الاعتماد عليها والحال هذه كسائر اخبار العدول ، كذلك يمكن ان يكون باعتبار اجتهاده وظهورها عنده ولو بالدليل الظني ، فلا يجوز إذاً الاعتماد عليه ، فان ظن المجتهد لا يكون حجة على مثله ، كما هو الظاهر من الأصحاب ، بل ومن العقلاء ، وحيث لا ترجيح للاحتمال الاول وجب التوقف .
ومهما كان الحال ، فالكتب الأربعة وعلى رأسها الكافي كانت بنظر المتقدمين من الفقهاء والمحدثين إلى أواخر القرن السابع الهجري الذي ظهر فيه العلامة الحلي ، واستاذه احمد بن طاووس ، كانت من أوثق المصادر في الحديث ،
ولم يتردد في قبول مروياتها سوى من اشرنا إليهم على ان بعض المحدثين قد فسر كلام المفيد والصدوق ، الذي ، يدل بظاهره على التشكيك ببعض مرويات الكافي ، قد فسر كلامهما بما يرجع إلى انهما يترددان في بعض مروياته إذا
تعارضت مع غيرها وكان المعارض لها أقوى سندا واظهر دلالة ، وذلك لا يعني انها من نوع الضعيف، لان تعارض الصحيح مع الأصح لا يمنع من وصفه بالصحة ، كما لا يمنع من جواز العمل به والاعتماد عليه في غير مورد
التعارض مع الأصح منه والشئ الطبيعي ان تتضاءل تلك الثقة التي كانت للكافي على مرور الزمن بسبب بعد المسافة بين الأئمة ( ع ) وبين الطبقات التي توالت مع الزمن ، وبمجئ دور العلامة الحلي انفتح باب التشكيك في تلك
المرويات على مصراعيه بعد ان صنف الحديث إلى الأصناف الأربعة ، فتحرر العلماء من تقليد المتقدمين فيما يعود إلى الحديث ، وعرضوا مرويات الكافي وغيره ، على أصول علم الدراية وقواعده ، فما كان منها مستوفيا للشروط المقررة اقروا العمل به والاعتماد عليه ، وردوا ما لم تتوفر فيه الشروط المطلوبة .
وعلى هذا الأساس توزعت أحاديث الكافي التي بلغت ستة عشر ألف حديث ومائة وتسعة وتسعين حديثا على النحو التالي .
1- الصحيح منها خمسة آلاف واثنان وسبعون حديثا والحسن مائة وأربعة وأربعون حديثا
2- والموثق ألف ومائة وثمانية وعشرون حديثا
3- والقوي ثلاثمائة وحديثان (القوي ما كان سنده كله أو بعضه من غير الاماميين وليس فيه ضعف)
4- والضعيف تسعة آلاف واربعمائة وخمسة وثمانون حديثا (انظر روضات الجنات إلى محمد باقر الخونساري ( حرف الجيم ص 553 ، والمستدرك الفائدة الرابعة .
ومما تجدر الإشارة إليه ان اتصاف هذا المقدار ، من مرويات الكافي بالضعف لا يعني سقوطها بكاملها عن درجة الاعتبار ، وعدم جواز الاعتماد عليها في أمور الدين ، ذلك لان وصف الرواية بالضعف من حيث سندها وبلحاظ ذاتها
لا يمنع من قوتها من ناحية ثانية كوجودها في احد الأصول الأربعمائة ، أو في بعض الكتب المعتبرة ، أو موافقتها للكتاب والسنة ، أو لكونها معمولا بها عند العلماء ، وقد نص أكثر الفقهاء ان الرواية الضعيفة إذا اشتهر العمل بها والاعتماد عليها ، تصبح كغيرها من الروايات الصحيحة ، وربما تترجح عليها في مقام التعارض .
وجاء في مقباس الهداية للمامقاني : ان الذي الجأ المتأخرين إلى العدول عن طريقة القدماء ، واضطرهم إلى تصنيف الحديث إلى الأصناف الأربعة ، هو تطاول الأزمنة بينهم وبين الطبقة الأولى ، وضياع بعض الأصول المعتمدة التي دونها أصحاب الأئمة ( ع ) والتباس المأخوذ منها بغيرها ، وخفاء القرائن التي اعتمد عليها المتقدمون إلى غير ذلك من الأسباب التي اضطرتهم إلى هذا التصنيف لتمييز الصحيح عن غيره(انظر مقباس الهداية الملحق بالمجلد الثالث من تنقيح المقال في علم الرجال)وانظر كذلك (رجال السيد بحر العلوم ورجال السيد الخوئي) ليتبين لك حقيقة موقف علماء الشيعة من الكافي وغيره من الكتب الاربعة