سعد بن معاذ
06-08-2006, 10:04 PM
السنة في البصرة .. كبش فداء للعبة المصالح الإيرانية!
يوسف شلي
مجلة العصر - 5-6-2006
أشارت تقارير إعلامية مطلعة في حينها، أن الأوضاع في البصرة (جنوب العراق) والتي تقع على بعد 570 كيلومتر جنوب بغداد، سوف تشهد تقلبات أمنية خطيرة، وانفجارا طائفيا لا سابقة له، ما لم تلعب الحكومة العراقية دورها في الحد من "شطط" الطائفية السياسية المستحكمة، ومن التدخل الإيراني المباشر في شؤون العراق الداخلية عموماً والجنوب بشكل خاص, والبصرة تحديدا.
إلا أن الحكومات العراقية المتعاقبة، استمرت في تجاهل الخطر، في ظل العنف المتزايد والانقسامات الطائفية وتردد الحكومة الجديدة برئاسة نوري المالكي من التدخل، والسكوت عما كان يجري من تجاوزات في المدينة ضد الآمنين من سكانها، وخاصة السنة العرب الذين يمثلون 30 % من إجمالي سكان البصرة. ووجه السكان أصابع الاتهام إلى كل من محافظ المدينة (محمد الوائلي) المنتمي إلى حزب الفضيلة الشيعي أحد مكونات الائتلاف العراقي الموحد، والجيش البريطاني المحتل، علما أن المجلس الحاكم، والذي يتشكل من الشيعة بشكل أساسي، يريد التخلص من السنة وإخراجهم، استفزازا واستدراجا لهم.
تحرك آلاف السكان إلى الشوارع في وقت سابق من الشهر الماضي، جاء احتجاجا على المعدل المرتفع للفقر في المدينة، التي تنام على بحر من البترول، وغلاء المعيشة، والبطالة، والفساد المستشري في مكتب المحافظ المدعوم من الاحتلال، فهاجم البريطانيون المتظاهرين باستخدام طائرات الهليكوبتر والمدرعات الثقيلة، ولم يتدخل المحافظ لمنع البريطانيين من قصفهم، ولهذا فإن الأمر يقع على مسئوليته المباشرة. وفي سابقة خطيرة، تعرض مسجد العرب في منطقة البصرة القديمة فجر الأحد لهجوم مسلح من قبل قوات الشرطة والجيش العراقي النظامي، أسفر عن قتلى وجرحى في صفوف المصلين السنة.
وتعمل هذه القوات لصالح الحكومة الطائفية في البصرة وميليشياتها الثلاثة المسيطرة على الأوضاع العامة للمدينة (قوات بدر، جيش المهدي، ميليشيا حزب الفضيلة) وتحت تأطير وتوجيه الاستخبارات الإيرانية وحرس الثورة، وأصبحت تقوم بشكل سافر ووقح بتنفيذ المخطط الطائفي لتهجير السنة من البصرة، خدمة لأطماع الشيعة في الجنوب والجارة القوية إيران.
وأتى هذا الحادث المؤلم بعد سلسلة من الحوادث الدموية التي كان أبرز ضحاياها من أهالي السنة، ليعيد إلى الأذهان حملات الحرق والتدمير لمساجد السنة على أيدي عدد من عناصر الميليشيات، بعد تفجير الضريحين في السامراء، وهي الميليشيات المسيرة من قبل المرجعيات المحلية بناء على فتاوى منشورة ومتداولة، وزعت كمنشورات سرية تتوعد بالانتقام من البعثيين وأعداء أهل البيت (ويقصد بهم السنة كما هو معتاد)، وتوهم أن هذه المساجد هي "مساجد للكفار النواصب، يلعن فيها آل البيت، وتدميرها وإشعال النار فيها وقتل مرتاديها هو واجب وعبادة يتقرب بها الى الله".
وقد اشتكت هيئة علماء المسلمين، السنية، أن أكثر من 1200 عائلة عربية سنية قد تم إجبارها على الخروج من هذه المدينة النفطية. وتعد هذه الحوادث مؤشر صريح على خطورة الحالة الأمنية في محافظة البصرة، التي كانت تتمتع بسمعة جيدة أنها واحدة من أكثر المدن الهادئة في العراق المحتل.
بعد الانتهاء من تشكيل الحكومة العراقية "الدائمة"، حاول نوري المالكي فرض الموقف الحكومي "المعارض" لما يحدث في البصرة من تدهور أمني للتأكيد على أن هناك "دوراً" ما لحكومته في ضبط إيقاع التطورات الداخلية، الأمنية تحديداً. وكان المالكي قد أشار إلى أنه مستعد لاستخدام القوة ضد "العصابات" التي تعوق صادرات النفط، وشن هجوماً على التشكيلات المسلحة "الفئوية" التابعة لقائمة التحالف العراقي الموحد الشيعية، الذي ينتمي إليه وحزبه (الدعوة الإسلامية) مؤكداً قدرة حكومته على تفكيكها، مشيراً بشكل محدد إلى "جيش المهدي وفيلق بدر والبشمركة الكردية"، ناسيا ميليشيا حزبه "حزب الدعوة"، مضيفا أنه سيعمل وفق القانون على حل جميع المليشيات دون استثناء، الموزعة على 11 حزبا سياسيا بموجب الفقرة 91 من الدستور.
* حقيقة الصراع في البصرة
هناك صراع فعلي يدور اليوم في البصرة بين النفوذ الإيراني والوجود العربي "السني" الضامن لوحدة العراق وبقائه في محيطه العربي، وذلك باستغلال إيران لأدواتها في المدينة لفرض سيطرتها على البصرة، وهي مدينة الثروات النفطية ومنها يستمد العراق خيراته وثرواته ودولاراته، بعد أن توقف ضخ البترول في الشمال.
وعلى مدى أكثر من ثلاث سنوات، أصبحت مسألة تهريب النفط من البصرة مسألة شائكة، وتكونت مع مرور الوقت عصابات منظمة تهرب النفط برا وبحرا، واستمرت هذه الحالة من سرقة أموال العراق وعلى مرأى ومسمع الجميع، الحكومة وقوات الاحتلال الأمريكية والبريطانية، ولم تتخذ الإجراءات الكفيلة لمعالجة هذا النهب المنظم إلا أخيرا! وحتى تكون الصورة أوضح تماما وبشكل لا غبار عليه، يجب الإجابة على التساؤلات التالية: ماذا تريد إيران من العراق؟ وما هو الدور الأساسي الذي أوكل إلى الميليشيات الشيعية في المدينة؟ وكيف سيكون تعامل الحكومة الجديدة مع هذه التطورات؟
وأخيرا، الموقف الأمريكي البريطاني من الصراع، أسئلة كثيرة مثيرة للجدل وعلامات الاستفهام واضحة، ويمكن الإجابة من خلال هذا المدخل الضروري لبيان "حقيقة الأوضاع" في البصرة... الصراع يدور اليوم بين فصائل شيعية ثلاثة: حزب الفضيلة والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية وجناحه العسكري "فيلق بدر", والتيار الصدري وجيش المهدي، ولا ريب أن التيار الصدري يقف خلف الفضيلة في صراعه الراهن مع المجلس الأعلى للثورة – خصمه اللدود- ووكلاء المرجع الشيعي السيستاني، ويدعمه بطريق غير مباشر.
ويستمد حزب الفضيلة قوته من خلال سيطرته شبه الكلية على مصادر نفط الجنوب استخراجا وتصديرا، وخاصة نفط البصرة، وإدارته المباشرة لإيرادات الدولة العراقية، التي تقدر بالمليارات. ويهيمن الحزب على أجهزة الدولة في البصرة (الشرطة والحرس الوطني والمخابرات)، وعلى كل مفاصل الإدارة المحلية ومجلس المحافظة الذي يترأسه محمد الوائلي العضو القيادي في حزب الفضيلة.
هذا الوضع لم يدم لحزب الفضيلة وبدأ يخسر الكثير من مواقعه النافذة في أوساط البصريين لصالح المجلس الأعلى للثورة الإسلامية والتيار الصدري، اللذين اكتشفا أهمية السيطرة على البترول للسيطرة على جزء كبير من العراق، وبمساعدة من إيران التي تمكنت من توطيد نفوذها في المدينة.
عرف عن حزب الفضيلة والتيار الصدري أنهما كان يشكلان إطارا فكريا وقوة واحدة تجمعهما، يلتقيان في مرجعية آية الله العظمى محمد اليعقوبي, لكن الأمر لم يدم طويلا، فاختلفا وتباينت مواقفهما نسبياً منذ فترة غير قصيرة, انتقلت مرجعية التيار الصدري إلى آية الله العظمى السيد كاظم الحسيني الحائري المقيم في إيران، والذي ينسق مع القوى الدينية الإيرانية بشأن الوضع في العراق. المرجعية الدينية في العراق ومنذ عقود كانت وما زالت محط تطلع إيراني يسعى إلى التسلط عليها في النجف، ومحاولة نقلها إلى قم في إيران، وانتزاع هذه المرجعية العربية-الشيعية من أصولها العربية. وقد أدى هذا الاختلاف إلى تباعد بين الجماعتين وتنامي الصراع بينهما فيما بعد، في حين استمرت مرجعية حزب الفضيلة لليعقوبي.
* التيار الصدري:
قوة التيار الصدري في سيطرته على "المستضعفين" من القوى العاطلة عن العمل والفقراء والمعوزين في المجتمع, وهم قوة عددية معتبرة لا يستهان بها، عرف التيار كيف يستغلهم ويستغل حاجتهم إلى المال لإعالة عوائلهم، وهم في الغالب يكونون مليشيات جيش المهدي.
استغل التيار الصدري الصراع الدائر بين حزب الفضيلة من جهة والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية من جهة أخرى, ليقوي مركزه ويستولي على مواقع جديدة وحساسة في البصرة.
* المجلس الأعلى للثورة الإسلامية:
لا يخفى على أحد أن المجلس الأعلى للثورة الإسلامية بقيادة عبد العزيز الحكيم يد إيران في العراق، ويعبر عن تطلعات القيادة الدينية والعسكرية المحافظة في إيران، وسلاحها المشهر ضد كل من يهدد المصالح الإيرانية في العراق والمنطقة، حتى ولو كانوا من أتباع أهل البيت. والغريب في الأمر، أن سلاح ميليشيا بدر لم يفرق هذه المرة بين "شيعي" أو "سني" من أجل السيطرة على المدينة.
* التدخل الإيراني:
ماذا تريد إيران من العراق في ضوء حقائق المشهد البصري؟ وكيف تنظر إيران إلى العراق العربي المسلم؟ وهل تريد إيران عراقا قويا قد يمنعها من التوسع خارج حدودها الإقليمية أرضا ومياها؟ لم يكن في يوم من الأيام نفوذ إيران الاستخباراتي قويا كما هو الآن بعد احتلال أمريكا للعراق وتحطيم مقدراته، حيث ازداد بشكل واسع النشاط الإيراني الأمني والتجاري والثقافي، بتسريب عناصرها العسكرية والمدنية إلى مؤسسات الدولة العراقية، ومنها على وجه الخصوص قوى الأمن والجيش، وسيطرة الجماعات العراقية الشيعية المرتبطة بالقوى الإيرانية في الشارع العراقي الشيعي, وخاصة المجلس الأعلى للثورة الإسلامية وحزب الدعوة، وتأجيج النزاع الدائر بين الشيعة والسنة، وتهييج الرأي العام البصري ضد الوجود البريطاني, وتحريضه عليه.
* العرب السنة:
الصراع القائم في البصرة أخذ أبعادا أخرى مأساوية، اتحدت فيه كل القوى الشيعية الفاعلة في مدينة البصرة، رغم اختلافاتها "الفكرية" وتفاوت استجابتها للأوامر الإيرانية، التي دربتهم وسلحتهم لغرض القيام بأعمال العنف والتصفيات الطائفية تحت سياسة فرض الأمر الواقع، ضد الوجود السني في البصرة, حيث قتل المئات من المواطنين بالهوية، وتم الاعتداء على المساجد التابعة للوقف السني، وتصفية بعض الأئمة. وقد أصدرت هيئة علماء المسلمين السنة في العراق بياناً أغلقت بموجبه 170 مسجدا للسنة بسبب تعرض الأئمة إلى القتل على أيدي ميليشيات شيعية، وقوات أمن تابعة للداخلية، لتعميق وتشديد الصراع بين ابتاع المذهبين السني والشيعي لصالح المزيد من الاستقطاب وإشاعة الفوضى في الجنوب وفي عموم العراق.
يوسف شلي
مجلة العصر - 5-6-2006
أشارت تقارير إعلامية مطلعة في حينها، أن الأوضاع في البصرة (جنوب العراق) والتي تقع على بعد 570 كيلومتر جنوب بغداد، سوف تشهد تقلبات أمنية خطيرة، وانفجارا طائفيا لا سابقة له، ما لم تلعب الحكومة العراقية دورها في الحد من "شطط" الطائفية السياسية المستحكمة، ومن التدخل الإيراني المباشر في شؤون العراق الداخلية عموماً والجنوب بشكل خاص, والبصرة تحديدا.
إلا أن الحكومات العراقية المتعاقبة، استمرت في تجاهل الخطر، في ظل العنف المتزايد والانقسامات الطائفية وتردد الحكومة الجديدة برئاسة نوري المالكي من التدخل، والسكوت عما كان يجري من تجاوزات في المدينة ضد الآمنين من سكانها، وخاصة السنة العرب الذين يمثلون 30 % من إجمالي سكان البصرة. ووجه السكان أصابع الاتهام إلى كل من محافظ المدينة (محمد الوائلي) المنتمي إلى حزب الفضيلة الشيعي أحد مكونات الائتلاف العراقي الموحد، والجيش البريطاني المحتل، علما أن المجلس الحاكم، والذي يتشكل من الشيعة بشكل أساسي، يريد التخلص من السنة وإخراجهم، استفزازا واستدراجا لهم.
تحرك آلاف السكان إلى الشوارع في وقت سابق من الشهر الماضي، جاء احتجاجا على المعدل المرتفع للفقر في المدينة، التي تنام على بحر من البترول، وغلاء المعيشة، والبطالة، والفساد المستشري في مكتب المحافظ المدعوم من الاحتلال، فهاجم البريطانيون المتظاهرين باستخدام طائرات الهليكوبتر والمدرعات الثقيلة، ولم يتدخل المحافظ لمنع البريطانيين من قصفهم، ولهذا فإن الأمر يقع على مسئوليته المباشرة. وفي سابقة خطيرة، تعرض مسجد العرب في منطقة البصرة القديمة فجر الأحد لهجوم مسلح من قبل قوات الشرطة والجيش العراقي النظامي، أسفر عن قتلى وجرحى في صفوف المصلين السنة.
وتعمل هذه القوات لصالح الحكومة الطائفية في البصرة وميليشياتها الثلاثة المسيطرة على الأوضاع العامة للمدينة (قوات بدر، جيش المهدي، ميليشيا حزب الفضيلة) وتحت تأطير وتوجيه الاستخبارات الإيرانية وحرس الثورة، وأصبحت تقوم بشكل سافر ووقح بتنفيذ المخطط الطائفي لتهجير السنة من البصرة، خدمة لأطماع الشيعة في الجنوب والجارة القوية إيران.
وأتى هذا الحادث المؤلم بعد سلسلة من الحوادث الدموية التي كان أبرز ضحاياها من أهالي السنة، ليعيد إلى الأذهان حملات الحرق والتدمير لمساجد السنة على أيدي عدد من عناصر الميليشيات، بعد تفجير الضريحين في السامراء، وهي الميليشيات المسيرة من قبل المرجعيات المحلية بناء على فتاوى منشورة ومتداولة، وزعت كمنشورات سرية تتوعد بالانتقام من البعثيين وأعداء أهل البيت (ويقصد بهم السنة كما هو معتاد)، وتوهم أن هذه المساجد هي "مساجد للكفار النواصب، يلعن فيها آل البيت، وتدميرها وإشعال النار فيها وقتل مرتاديها هو واجب وعبادة يتقرب بها الى الله".
وقد اشتكت هيئة علماء المسلمين، السنية، أن أكثر من 1200 عائلة عربية سنية قد تم إجبارها على الخروج من هذه المدينة النفطية. وتعد هذه الحوادث مؤشر صريح على خطورة الحالة الأمنية في محافظة البصرة، التي كانت تتمتع بسمعة جيدة أنها واحدة من أكثر المدن الهادئة في العراق المحتل.
بعد الانتهاء من تشكيل الحكومة العراقية "الدائمة"، حاول نوري المالكي فرض الموقف الحكومي "المعارض" لما يحدث في البصرة من تدهور أمني للتأكيد على أن هناك "دوراً" ما لحكومته في ضبط إيقاع التطورات الداخلية، الأمنية تحديداً. وكان المالكي قد أشار إلى أنه مستعد لاستخدام القوة ضد "العصابات" التي تعوق صادرات النفط، وشن هجوماً على التشكيلات المسلحة "الفئوية" التابعة لقائمة التحالف العراقي الموحد الشيعية، الذي ينتمي إليه وحزبه (الدعوة الإسلامية) مؤكداً قدرة حكومته على تفكيكها، مشيراً بشكل محدد إلى "جيش المهدي وفيلق بدر والبشمركة الكردية"، ناسيا ميليشيا حزبه "حزب الدعوة"، مضيفا أنه سيعمل وفق القانون على حل جميع المليشيات دون استثناء، الموزعة على 11 حزبا سياسيا بموجب الفقرة 91 من الدستور.
* حقيقة الصراع في البصرة
هناك صراع فعلي يدور اليوم في البصرة بين النفوذ الإيراني والوجود العربي "السني" الضامن لوحدة العراق وبقائه في محيطه العربي، وذلك باستغلال إيران لأدواتها في المدينة لفرض سيطرتها على البصرة، وهي مدينة الثروات النفطية ومنها يستمد العراق خيراته وثرواته ودولاراته، بعد أن توقف ضخ البترول في الشمال.
وعلى مدى أكثر من ثلاث سنوات، أصبحت مسألة تهريب النفط من البصرة مسألة شائكة، وتكونت مع مرور الوقت عصابات منظمة تهرب النفط برا وبحرا، واستمرت هذه الحالة من سرقة أموال العراق وعلى مرأى ومسمع الجميع، الحكومة وقوات الاحتلال الأمريكية والبريطانية، ولم تتخذ الإجراءات الكفيلة لمعالجة هذا النهب المنظم إلا أخيرا! وحتى تكون الصورة أوضح تماما وبشكل لا غبار عليه، يجب الإجابة على التساؤلات التالية: ماذا تريد إيران من العراق؟ وما هو الدور الأساسي الذي أوكل إلى الميليشيات الشيعية في المدينة؟ وكيف سيكون تعامل الحكومة الجديدة مع هذه التطورات؟
وأخيرا، الموقف الأمريكي البريطاني من الصراع، أسئلة كثيرة مثيرة للجدل وعلامات الاستفهام واضحة، ويمكن الإجابة من خلال هذا المدخل الضروري لبيان "حقيقة الأوضاع" في البصرة... الصراع يدور اليوم بين فصائل شيعية ثلاثة: حزب الفضيلة والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية وجناحه العسكري "فيلق بدر", والتيار الصدري وجيش المهدي، ولا ريب أن التيار الصدري يقف خلف الفضيلة في صراعه الراهن مع المجلس الأعلى للثورة – خصمه اللدود- ووكلاء المرجع الشيعي السيستاني، ويدعمه بطريق غير مباشر.
ويستمد حزب الفضيلة قوته من خلال سيطرته شبه الكلية على مصادر نفط الجنوب استخراجا وتصديرا، وخاصة نفط البصرة، وإدارته المباشرة لإيرادات الدولة العراقية، التي تقدر بالمليارات. ويهيمن الحزب على أجهزة الدولة في البصرة (الشرطة والحرس الوطني والمخابرات)، وعلى كل مفاصل الإدارة المحلية ومجلس المحافظة الذي يترأسه محمد الوائلي العضو القيادي في حزب الفضيلة.
هذا الوضع لم يدم لحزب الفضيلة وبدأ يخسر الكثير من مواقعه النافذة في أوساط البصريين لصالح المجلس الأعلى للثورة الإسلامية والتيار الصدري، اللذين اكتشفا أهمية السيطرة على البترول للسيطرة على جزء كبير من العراق، وبمساعدة من إيران التي تمكنت من توطيد نفوذها في المدينة.
عرف عن حزب الفضيلة والتيار الصدري أنهما كان يشكلان إطارا فكريا وقوة واحدة تجمعهما، يلتقيان في مرجعية آية الله العظمى محمد اليعقوبي, لكن الأمر لم يدم طويلا، فاختلفا وتباينت مواقفهما نسبياً منذ فترة غير قصيرة, انتقلت مرجعية التيار الصدري إلى آية الله العظمى السيد كاظم الحسيني الحائري المقيم في إيران، والذي ينسق مع القوى الدينية الإيرانية بشأن الوضع في العراق. المرجعية الدينية في العراق ومنذ عقود كانت وما زالت محط تطلع إيراني يسعى إلى التسلط عليها في النجف، ومحاولة نقلها إلى قم في إيران، وانتزاع هذه المرجعية العربية-الشيعية من أصولها العربية. وقد أدى هذا الاختلاف إلى تباعد بين الجماعتين وتنامي الصراع بينهما فيما بعد، في حين استمرت مرجعية حزب الفضيلة لليعقوبي.
* التيار الصدري:
قوة التيار الصدري في سيطرته على "المستضعفين" من القوى العاطلة عن العمل والفقراء والمعوزين في المجتمع, وهم قوة عددية معتبرة لا يستهان بها، عرف التيار كيف يستغلهم ويستغل حاجتهم إلى المال لإعالة عوائلهم، وهم في الغالب يكونون مليشيات جيش المهدي.
استغل التيار الصدري الصراع الدائر بين حزب الفضيلة من جهة والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية من جهة أخرى, ليقوي مركزه ويستولي على مواقع جديدة وحساسة في البصرة.
* المجلس الأعلى للثورة الإسلامية:
لا يخفى على أحد أن المجلس الأعلى للثورة الإسلامية بقيادة عبد العزيز الحكيم يد إيران في العراق، ويعبر عن تطلعات القيادة الدينية والعسكرية المحافظة في إيران، وسلاحها المشهر ضد كل من يهدد المصالح الإيرانية في العراق والمنطقة، حتى ولو كانوا من أتباع أهل البيت. والغريب في الأمر، أن سلاح ميليشيا بدر لم يفرق هذه المرة بين "شيعي" أو "سني" من أجل السيطرة على المدينة.
* التدخل الإيراني:
ماذا تريد إيران من العراق في ضوء حقائق المشهد البصري؟ وكيف تنظر إيران إلى العراق العربي المسلم؟ وهل تريد إيران عراقا قويا قد يمنعها من التوسع خارج حدودها الإقليمية أرضا ومياها؟ لم يكن في يوم من الأيام نفوذ إيران الاستخباراتي قويا كما هو الآن بعد احتلال أمريكا للعراق وتحطيم مقدراته، حيث ازداد بشكل واسع النشاط الإيراني الأمني والتجاري والثقافي، بتسريب عناصرها العسكرية والمدنية إلى مؤسسات الدولة العراقية، ومنها على وجه الخصوص قوى الأمن والجيش، وسيطرة الجماعات العراقية الشيعية المرتبطة بالقوى الإيرانية في الشارع العراقي الشيعي, وخاصة المجلس الأعلى للثورة الإسلامية وحزب الدعوة، وتأجيج النزاع الدائر بين الشيعة والسنة، وتهييج الرأي العام البصري ضد الوجود البريطاني, وتحريضه عليه.
* العرب السنة:
الصراع القائم في البصرة أخذ أبعادا أخرى مأساوية، اتحدت فيه كل القوى الشيعية الفاعلة في مدينة البصرة، رغم اختلافاتها "الفكرية" وتفاوت استجابتها للأوامر الإيرانية، التي دربتهم وسلحتهم لغرض القيام بأعمال العنف والتصفيات الطائفية تحت سياسة فرض الأمر الواقع، ضد الوجود السني في البصرة, حيث قتل المئات من المواطنين بالهوية، وتم الاعتداء على المساجد التابعة للوقف السني، وتصفية بعض الأئمة. وقد أصدرت هيئة علماء المسلمين السنة في العراق بياناً أغلقت بموجبه 170 مسجدا للسنة بسبب تعرض الأئمة إلى القتل على أيدي ميليشيات شيعية، وقوات أمن تابعة للداخلية، لتعميق وتشديد الصراع بين ابتاع المذهبين السني والشيعي لصالح المزيد من الاستقطاب وإشاعة الفوضى في الجنوب وفي عموم العراق.