ابو شجاع
06-05-2006, 12:58 PM
الفكر والتفكير التعريف وانواع التفكير
هذه دراسة جاده حول الفكر والعمليه الفكريه وتعريف التفكير وانواع التفكير
وقد اقوم باضافة المزيد ان رأيت تفاعلا من الاخوة و الاخوات
نبدأ بعون الله
كلمة الفكر تطلق ويراد بها واحد من معنيين:
أولهما: الفكر بمعنى الفكرة والأفكار، فنقول: يمتاز فلان بأن لديه فكراً راقياً –مثلاً- ونعني بذلك أن لديه أفكاراً راقية.
ثانيهما: الفكر (مصدراً) يقصد به عملية التفكير، وهي موضوع بحثنا هنا.
والفكر والتفكير والعقل والإدراك كلها بمعنى واحد، ولم يكن هناك عبر التاريخ أية محاولات جادة للوصول إلى تعريف التفكير، سوى محاولات مفكري المبدأ الشيوعيين ، التي حادت عن طريقها الصحيح * قالوا بأن التفكير هو انعكاس الواقع على الدماغ *
تعريف التفكير :
التفكير هو نقل الواقع بوساطة الحواس إلى الدماغ، وربطه بالمعلومات السابقة لتفسيره أو إصدار حكم عليه.
يتضمن التعريف السابق أربعة أركان:
أولها: الواقع
ثانيها: الحسّ
ثالثها: الدماغ (الصالح للربط)
رابعها: المعلومات السابقة
الركن الأول- الواقع:
لا يمكن للإنسان أن يفكر في غير واقع، فلا يستطيع التفكير في (لا شيء)، أو في واقع لا يقع حسه عليه، وربما قال قائل: إننا نفكر في وقائع كثيرة لا يقع حسّنا عليها أثناء عملية التفكير، والجواب عن ذلك:
أ?- حين التفكير في أمر غيبي علمنا عنه من خبر يقيني أساسه العقل، فإن موضع التفكير هنا هو الخبر اليقيني، فيكون هو الواقع الذي نفكر فيه، وقد تم نقل هذا الواقع إما بواسطة السمع أو البصر حسب كيفية نقل الخبر؛ أكان بالاستماع أم بالقراءة.
ب?- حين التفكير في واقع سبق نقله إلى الدماغ، فلربما اطلع المرء على واقع ولم يستطع التفكير فيه حين وقوع حسه عليه، لسبب ما: كأن لم يستطع تذكر المعلومات السابقة المناسبة المتعلقة بهذا الواقع، وفي وقت لاحق استحضر صورة الواقع الذي سبق نقله وتذكر معلومات سابقة متعلقة به، واستطاع تفسيره، فإن الواقع حين عملية التفكير لم يكن حاضراً، ولكن كانت صورته حاضرة في الذهن.
وهذا ما يمكن أن نطلق عليه (الواقع المتصور)، فلو كان أحدنا في غرفته، وسمع صوتاً قادماً من المطبخ –مثلاً- فإنه يقول: إن الكأس الفلانية كانت على طرف طاولة ما، وهي التي وقعت وأدت إلى صدور ذلك الصوت، أو أن صنبور الماء لم يكن قد أحكم إغلاقه فنزل منه قطرات من الماء أدت إلى صدور الصوت، أو غير ذلك، ويكون الحكم الذي أصدره العقل صحيحاً في أحيان كثيرة.
وتحضرني هنا طرفة متعلقة بهذا الموضوع، اسمحوا لي بذكرها:
ينسبها بعضهم إلى (جحا)، إذ مرّ على صديق له يعمل في حقله، فعرض جحا على صديقه أن يعمل معه، فوافق صديقه، فسأله جحا إن كان سيعطيه أجراً أم لا، فكانت إجابة صديقه: (لا شيء)، وعمل جحا معه ذلك النهار، وعند الانتهاء طالبه جحا بأجرته.
الصديق: وما الأجرة التي تريد؟ نحن لم نتفق على أي أجر.
جحا: بل اتفقنا على أن تعطيني (لا شيء).
الصديق: يا رجل، ماذا تقول؟ هذا ليس كلام عقلاء.
جحا: لا، بل أريد أجرتي.
ثم جاءه في اليوم الثاني، ثم الثالث، وأخذ يأتيه كل يوم يطالبه بأجرته.
حتى خطرت له فكرة، عزم على تنفيذها عند مجيء جحا.
وفعلاً جاء جحا في اليوم التالي، وطرق على صاحبه بابه، فأدخله الصديق.
الصديق: ماذا تريد؟
جحا: أريد أجرتي.
الصديق: وما أجرتك؟
جحا: (لا شيء).
الصديق: أترى ذلك الحصير ؟
جحا: نعم
الصديق: انظر ماذا يوجد تحته؟
جحا: نعم، لا شيء.
الصديق: خذه وانصرف.
فالواقع هو الركن الأول من أركان عملية التفكير، ليس شرطاً حضوره أثناء عملية التفكير، فقد يكون متصوَّراً، من خبر أو أخبار سابقة، فمثلاً حين التفكير في دولة لم تزرها، ولم ترها، لكن دماغك يختزن صورة معينة لتلك الدولة تجمعت أجزاء تلك الصورة من مجموعة أخبار سبق للدماغ اختزانها.
الركن الثاني- الإحساس
ويقصد به الحواس الخمس، السمع والبصر والشم والذوق واللمس، ووظيفتها نقل الواقع بشكل معين إلى الدماغ، ويقصد بقولنا (بشكل معين) أن البصر ينقل صورة الواقع، والسمع ينقل صوتاً، والصوت قد يكون صوتاً مجرداً، وقد يكون رموزاً يقوم الدماغ بتحليلها، كالرموز اللغوية، أو عدد معين من الطرقات للدلالة على شيء محدد، وحاسة الشم تنقل الروائح، وحاسة الذوق تنقل الطعم، وحاسة اللمس تنقل ملمس الشيء، وثقله النسبي، والموقع، والإحساس بالحركة والوقوف، وغير ذلك.
ولا يمكن أن تتم عملية التفكير في واقع، إلا بوجود الإحساس به، سواء أكان الإحساس بالواقع موجوداً حين التفكير فيه، أم لم يكن، ولكن لا بد أن يكون قد وقع عليه مسبقاً، وكما قلنا في شرح ركن الواقع، فإن لم يكن الواقع موجوداً حين التفكير فيه، فإن الحس به لا يكون موجوداً حين التفكير فيه، لكنه سبق وقوعه عليه، ونقل صورته –حسب نوعها- إلى الدماغ، واختزن الدماغ تلك الصورة.
الركن الثالث: الدماغ الصالح للربط
لأن البحث هو في العقلاء من البشر، وهم الذين يقع عليهم الحس ممن لديهم خاصية الربط، لأن العبرة في الدماغ هو في وجود تلك الخاصية، فلو وجد الدماغ مع فقدان خاصية الربط، لانعدم التفكير.
والربط هو عمدة عملية التفكير، والربط لا بد أن يكون بين مربوطين أو أكثر، والمربوطان في عملية التفكير هما: الواقع ، والمعلومات السابقة ولكن لا يمكن أن تعمل هذه الخاصية بدون وجود شيئين أو أكثر يتم الربط بينها، بناء على العلاقات التي يدركها العقل بينها، والعلاقات تنشأ نتيجة للخصائص التي تتصف بها الوقائع المختلفة.
والذي يفقد خاصية الربط، يفقد التفكير، لأنه كما قلنا هو عمدة عملية التفكير، فالمجنون فاقد للربط، والحيوان ليس لديه ربط. والربط الذي نبحثه على أنه ركن عملية التفكير وعمدته هو الربط الفكري، المتعلق بإصدار الحكم على الواقع، أو تفسيره، ولا نقصد الربط الغريزي، المتعلق بإشباع الحاجات العضوية والغرائز، الذي هو موجود لدى المجنون، وموجود لدى الحيوان دون الربط الفكري، وموجود كذلك عند الإنسان، لكن الإنسان العاقل يتميز عن الحيوان وعن المجنون بالربط الفكري، المتعلق بإدراك العلاقات بين الأشياء، وليس الربط المتعلق بإشباع الحاجات العضوية والغرائز، إذ الربط الغريزي فطري، ولا يحتاج إلى دربة طويلة أو خبرة طويلة، بخلاف الربط الفكري، الذي يجب أن يركز فيه على خصائص الأشياء، والعلاقات بين تلك الأشياء بناء على خصائصها، ثم استثمار تلك الخصائص والعلاقات في ابتكار أشياء جديدة واستخدامات جديدة للأشياء.
الركن الرابع: المعلومات السابقة
وهو كل ما سبق للحواس أن نقلته إلى الدماغ، وقام الدماغ باختزانه. وهذا يشمل صور الوقائع (على اختلافها) التي سبق للحواس أن نقلتها، أو المعلومات التي يتعلمها الإنسان.
وشرط المعلومات السابقة للتفكير يكفي فيه تعلق تلك المعلومات بالواقع على جهة من جهات التعلق في أغلب عمليات التفكير، صحيح أن أنواعاً من التفكير لا تكفي فيه المعلومات المتعلقة، بل يجب أن تكون بشروط معينة، كأن تكون –مثلاً- بمستوى النص الذي يراد التفكير فيه كالنصوص الفكرية، أو اشتراط أنواع معينة من المعلومات كالتفكير في النصوص الفقهية مثلاً، الذي يحتاج إلى معلومات في اللغة والحديث وأسباب النزول وغير ذلك، لأن البحث هو في مجرد التفكير وليس في أنواع معينة من التفكير، ولنطلق عليه وصف التفكير العام، فإنه يكفي فيه أن تكون المعلومات متعلقة بالواقع على أي شكل من أشكال التعلق، فيحصل التفكير، صحيح أن التفكير حينها سيكون محصوراً في الجهة التي تتوافر عنها المعلومات بذلك الشكل من التعلق، إلا أن التفكير قد حصل، هذا هو المقصود، وجود المعلومات السابقة المتعلقة بذلك الواقع ولو على جهة العموم.
والمعلومات السابقة تؤخذ بالتعلم، وتؤخذ بالتجربة، وتؤخذ بالاستنباط، لكن التفكير الأولي لا يكون إلا بمعلومات سابقة مأخوذة عن طريق التعلم، ولا ينفع فيه التجربة، ولا الاستنباط.
وذلك لأن كل تجربة لا بد لها من معلومات سابقة، ولأن الاستنباط لا يكون إلا من معلومة مختزنة في الدماغ، وعمدة التفكير هو الربط، فالتجربة ربط، فإن خلت التجربة من معلومات سابقة فقد الربط، وعدم وجود المعلومة في الذهن يعني عدم وجود الربط، أي عدم وجود الاستنباط.
وهناك من أنكر اشتراط المعلومات السابقة للتفكير، والسبب في ذلك هو اصطدامه بواقع الإنسان الأول (على حد تسميتهم) الذي هو آدم عليه السلام، فكل منا أخذ معلوماته الأولية من والديه وأسرته ثم المدرسة ثم الجامعة والمجتمع، لكن الإنسان الأول لم يكن أحد من البشر قبله، فمن أعطاه المعلومات السابقة؟ ونظراً لقولهم بأزلية الكون والإنسان والحياة، إذن ارتأوا عدم اشتراط هذا الشرط، وفسّروا عملية التفكير بالانعكاس. فكانوا كمن وضع العربة أمام الحصان، وقالوا له: هيا قم بالجرّ. وكان الأصل فيهم أن يستنتجوا وجود من أعطى الإنسان الأول المعلومات السابقة، لأن النتيجة الحتيمة هي أن المعلومات جاءته من خارج الكون والإنسان والحياة، وذلك لأن الإنسان الأول هو العاقل الوحيد (مما يقع عليه الحس)، ولا عاقل غيره يقع عليه الحس، فيجب أن تكون المعلومات السابقة جاءته من خارج الكون والإنسان والحياة، أي من خالق الكون والإنسان والحياة.
وذات مرة في إحدى المناقشات مع شخص كان يقول بعدم اشتراط المعلومات السابقة لعملية التفكير، فقام المناقش باختراع كلمة جديدة ليتأكد من عدم وجود معنى لتلك الكلمة، وسأل ذلك المنكِـر: عرّف لي (السنسبائية)، وقال له: سأسمعك إياها عشرات المرات، بل سأكتبها لك واقرأها بالعدد الذي تشاء من المرات، فما كان من المنكـِر إلا الإقرار بضرورة وجود المعلومات السابقة لعملية التفكير، فقام بسؤال المناقش عن معنى تلك الكلمة، فأجابه المناقش: تعريفها – أنها كلمة صنعها فلان حين مناقشة فلان ليثبت له ضرورة وجود معلومات سابقة عن الواقع المراد التفكير فيه، ولا معنى لها.
والطفل تتوافر لديه ثلاثة أركان من عملية التفكير: الواقع، والحس، والربط. لكنه يفتقر إلى المعلومات السابقة، وبمجرد أن يبدأ التعلم، ويقوم من حوله بتزويده بالمعلومات فسرعان ما يظهر عليه التفكير.
أنواع التفكير: أنواع التفكير ثلاثة، السطحي، والعميق، والمستنير.
يتبع الحديث عن انواع التفكير
هذه دراسة جاده حول الفكر والعمليه الفكريه وتعريف التفكير وانواع التفكير
وقد اقوم باضافة المزيد ان رأيت تفاعلا من الاخوة و الاخوات
نبدأ بعون الله
كلمة الفكر تطلق ويراد بها واحد من معنيين:
أولهما: الفكر بمعنى الفكرة والأفكار، فنقول: يمتاز فلان بأن لديه فكراً راقياً –مثلاً- ونعني بذلك أن لديه أفكاراً راقية.
ثانيهما: الفكر (مصدراً) يقصد به عملية التفكير، وهي موضوع بحثنا هنا.
والفكر والتفكير والعقل والإدراك كلها بمعنى واحد، ولم يكن هناك عبر التاريخ أية محاولات جادة للوصول إلى تعريف التفكير، سوى محاولات مفكري المبدأ الشيوعيين ، التي حادت عن طريقها الصحيح * قالوا بأن التفكير هو انعكاس الواقع على الدماغ *
تعريف التفكير :
التفكير هو نقل الواقع بوساطة الحواس إلى الدماغ، وربطه بالمعلومات السابقة لتفسيره أو إصدار حكم عليه.
يتضمن التعريف السابق أربعة أركان:
أولها: الواقع
ثانيها: الحسّ
ثالثها: الدماغ (الصالح للربط)
رابعها: المعلومات السابقة
الركن الأول- الواقع:
لا يمكن للإنسان أن يفكر في غير واقع، فلا يستطيع التفكير في (لا شيء)، أو في واقع لا يقع حسه عليه، وربما قال قائل: إننا نفكر في وقائع كثيرة لا يقع حسّنا عليها أثناء عملية التفكير، والجواب عن ذلك:
أ?- حين التفكير في أمر غيبي علمنا عنه من خبر يقيني أساسه العقل، فإن موضع التفكير هنا هو الخبر اليقيني، فيكون هو الواقع الذي نفكر فيه، وقد تم نقل هذا الواقع إما بواسطة السمع أو البصر حسب كيفية نقل الخبر؛ أكان بالاستماع أم بالقراءة.
ب?- حين التفكير في واقع سبق نقله إلى الدماغ، فلربما اطلع المرء على واقع ولم يستطع التفكير فيه حين وقوع حسه عليه، لسبب ما: كأن لم يستطع تذكر المعلومات السابقة المناسبة المتعلقة بهذا الواقع، وفي وقت لاحق استحضر صورة الواقع الذي سبق نقله وتذكر معلومات سابقة متعلقة به، واستطاع تفسيره، فإن الواقع حين عملية التفكير لم يكن حاضراً، ولكن كانت صورته حاضرة في الذهن.
وهذا ما يمكن أن نطلق عليه (الواقع المتصور)، فلو كان أحدنا في غرفته، وسمع صوتاً قادماً من المطبخ –مثلاً- فإنه يقول: إن الكأس الفلانية كانت على طرف طاولة ما، وهي التي وقعت وأدت إلى صدور ذلك الصوت، أو أن صنبور الماء لم يكن قد أحكم إغلاقه فنزل منه قطرات من الماء أدت إلى صدور الصوت، أو غير ذلك، ويكون الحكم الذي أصدره العقل صحيحاً في أحيان كثيرة.
وتحضرني هنا طرفة متعلقة بهذا الموضوع، اسمحوا لي بذكرها:
ينسبها بعضهم إلى (جحا)، إذ مرّ على صديق له يعمل في حقله، فعرض جحا على صديقه أن يعمل معه، فوافق صديقه، فسأله جحا إن كان سيعطيه أجراً أم لا، فكانت إجابة صديقه: (لا شيء)، وعمل جحا معه ذلك النهار، وعند الانتهاء طالبه جحا بأجرته.
الصديق: وما الأجرة التي تريد؟ نحن لم نتفق على أي أجر.
جحا: بل اتفقنا على أن تعطيني (لا شيء).
الصديق: يا رجل، ماذا تقول؟ هذا ليس كلام عقلاء.
جحا: لا، بل أريد أجرتي.
ثم جاءه في اليوم الثاني، ثم الثالث، وأخذ يأتيه كل يوم يطالبه بأجرته.
حتى خطرت له فكرة، عزم على تنفيذها عند مجيء جحا.
وفعلاً جاء جحا في اليوم التالي، وطرق على صاحبه بابه، فأدخله الصديق.
الصديق: ماذا تريد؟
جحا: أريد أجرتي.
الصديق: وما أجرتك؟
جحا: (لا شيء).
الصديق: أترى ذلك الحصير ؟
جحا: نعم
الصديق: انظر ماذا يوجد تحته؟
جحا: نعم، لا شيء.
الصديق: خذه وانصرف.
فالواقع هو الركن الأول من أركان عملية التفكير، ليس شرطاً حضوره أثناء عملية التفكير، فقد يكون متصوَّراً، من خبر أو أخبار سابقة، فمثلاً حين التفكير في دولة لم تزرها، ولم ترها، لكن دماغك يختزن صورة معينة لتلك الدولة تجمعت أجزاء تلك الصورة من مجموعة أخبار سبق للدماغ اختزانها.
الركن الثاني- الإحساس
ويقصد به الحواس الخمس، السمع والبصر والشم والذوق واللمس، ووظيفتها نقل الواقع بشكل معين إلى الدماغ، ويقصد بقولنا (بشكل معين) أن البصر ينقل صورة الواقع، والسمع ينقل صوتاً، والصوت قد يكون صوتاً مجرداً، وقد يكون رموزاً يقوم الدماغ بتحليلها، كالرموز اللغوية، أو عدد معين من الطرقات للدلالة على شيء محدد، وحاسة الشم تنقل الروائح، وحاسة الذوق تنقل الطعم، وحاسة اللمس تنقل ملمس الشيء، وثقله النسبي، والموقع، والإحساس بالحركة والوقوف، وغير ذلك.
ولا يمكن أن تتم عملية التفكير في واقع، إلا بوجود الإحساس به، سواء أكان الإحساس بالواقع موجوداً حين التفكير فيه، أم لم يكن، ولكن لا بد أن يكون قد وقع عليه مسبقاً، وكما قلنا في شرح ركن الواقع، فإن لم يكن الواقع موجوداً حين التفكير فيه، فإن الحس به لا يكون موجوداً حين التفكير فيه، لكنه سبق وقوعه عليه، ونقل صورته –حسب نوعها- إلى الدماغ، واختزن الدماغ تلك الصورة.
الركن الثالث: الدماغ الصالح للربط
لأن البحث هو في العقلاء من البشر، وهم الذين يقع عليهم الحس ممن لديهم خاصية الربط، لأن العبرة في الدماغ هو في وجود تلك الخاصية، فلو وجد الدماغ مع فقدان خاصية الربط، لانعدم التفكير.
والربط هو عمدة عملية التفكير، والربط لا بد أن يكون بين مربوطين أو أكثر، والمربوطان في عملية التفكير هما: الواقع ، والمعلومات السابقة ولكن لا يمكن أن تعمل هذه الخاصية بدون وجود شيئين أو أكثر يتم الربط بينها، بناء على العلاقات التي يدركها العقل بينها، والعلاقات تنشأ نتيجة للخصائص التي تتصف بها الوقائع المختلفة.
والذي يفقد خاصية الربط، يفقد التفكير، لأنه كما قلنا هو عمدة عملية التفكير، فالمجنون فاقد للربط، والحيوان ليس لديه ربط. والربط الذي نبحثه على أنه ركن عملية التفكير وعمدته هو الربط الفكري، المتعلق بإصدار الحكم على الواقع، أو تفسيره، ولا نقصد الربط الغريزي، المتعلق بإشباع الحاجات العضوية والغرائز، الذي هو موجود لدى المجنون، وموجود لدى الحيوان دون الربط الفكري، وموجود كذلك عند الإنسان، لكن الإنسان العاقل يتميز عن الحيوان وعن المجنون بالربط الفكري، المتعلق بإدراك العلاقات بين الأشياء، وليس الربط المتعلق بإشباع الحاجات العضوية والغرائز، إذ الربط الغريزي فطري، ولا يحتاج إلى دربة طويلة أو خبرة طويلة، بخلاف الربط الفكري، الذي يجب أن يركز فيه على خصائص الأشياء، والعلاقات بين تلك الأشياء بناء على خصائصها، ثم استثمار تلك الخصائص والعلاقات في ابتكار أشياء جديدة واستخدامات جديدة للأشياء.
الركن الرابع: المعلومات السابقة
وهو كل ما سبق للحواس أن نقلته إلى الدماغ، وقام الدماغ باختزانه. وهذا يشمل صور الوقائع (على اختلافها) التي سبق للحواس أن نقلتها، أو المعلومات التي يتعلمها الإنسان.
وشرط المعلومات السابقة للتفكير يكفي فيه تعلق تلك المعلومات بالواقع على جهة من جهات التعلق في أغلب عمليات التفكير، صحيح أن أنواعاً من التفكير لا تكفي فيه المعلومات المتعلقة، بل يجب أن تكون بشروط معينة، كأن تكون –مثلاً- بمستوى النص الذي يراد التفكير فيه كالنصوص الفكرية، أو اشتراط أنواع معينة من المعلومات كالتفكير في النصوص الفقهية مثلاً، الذي يحتاج إلى معلومات في اللغة والحديث وأسباب النزول وغير ذلك، لأن البحث هو في مجرد التفكير وليس في أنواع معينة من التفكير، ولنطلق عليه وصف التفكير العام، فإنه يكفي فيه أن تكون المعلومات متعلقة بالواقع على أي شكل من أشكال التعلق، فيحصل التفكير، صحيح أن التفكير حينها سيكون محصوراً في الجهة التي تتوافر عنها المعلومات بذلك الشكل من التعلق، إلا أن التفكير قد حصل، هذا هو المقصود، وجود المعلومات السابقة المتعلقة بذلك الواقع ولو على جهة العموم.
والمعلومات السابقة تؤخذ بالتعلم، وتؤخذ بالتجربة، وتؤخذ بالاستنباط، لكن التفكير الأولي لا يكون إلا بمعلومات سابقة مأخوذة عن طريق التعلم، ولا ينفع فيه التجربة، ولا الاستنباط.
وذلك لأن كل تجربة لا بد لها من معلومات سابقة، ولأن الاستنباط لا يكون إلا من معلومة مختزنة في الدماغ، وعمدة التفكير هو الربط، فالتجربة ربط، فإن خلت التجربة من معلومات سابقة فقد الربط، وعدم وجود المعلومة في الذهن يعني عدم وجود الربط، أي عدم وجود الاستنباط.
وهناك من أنكر اشتراط المعلومات السابقة للتفكير، والسبب في ذلك هو اصطدامه بواقع الإنسان الأول (على حد تسميتهم) الذي هو آدم عليه السلام، فكل منا أخذ معلوماته الأولية من والديه وأسرته ثم المدرسة ثم الجامعة والمجتمع، لكن الإنسان الأول لم يكن أحد من البشر قبله، فمن أعطاه المعلومات السابقة؟ ونظراً لقولهم بأزلية الكون والإنسان والحياة، إذن ارتأوا عدم اشتراط هذا الشرط، وفسّروا عملية التفكير بالانعكاس. فكانوا كمن وضع العربة أمام الحصان، وقالوا له: هيا قم بالجرّ. وكان الأصل فيهم أن يستنتجوا وجود من أعطى الإنسان الأول المعلومات السابقة، لأن النتيجة الحتيمة هي أن المعلومات جاءته من خارج الكون والإنسان والحياة، وذلك لأن الإنسان الأول هو العاقل الوحيد (مما يقع عليه الحس)، ولا عاقل غيره يقع عليه الحس، فيجب أن تكون المعلومات السابقة جاءته من خارج الكون والإنسان والحياة، أي من خالق الكون والإنسان والحياة.
وذات مرة في إحدى المناقشات مع شخص كان يقول بعدم اشتراط المعلومات السابقة لعملية التفكير، فقام المناقش باختراع كلمة جديدة ليتأكد من عدم وجود معنى لتلك الكلمة، وسأل ذلك المنكِـر: عرّف لي (السنسبائية)، وقال له: سأسمعك إياها عشرات المرات، بل سأكتبها لك واقرأها بالعدد الذي تشاء من المرات، فما كان من المنكـِر إلا الإقرار بضرورة وجود المعلومات السابقة لعملية التفكير، فقام بسؤال المناقش عن معنى تلك الكلمة، فأجابه المناقش: تعريفها – أنها كلمة صنعها فلان حين مناقشة فلان ليثبت له ضرورة وجود معلومات سابقة عن الواقع المراد التفكير فيه، ولا معنى لها.
والطفل تتوافر لديه ثلاثة أركان من عملية التفكير: الواقع، والحس، والربط. لكنه يفتقر إلى المعلومات السابقة، وبمجرد أن يبدأ التعلم، ويقوم من حوله بتزويده بالمعلومات فسرعان ما يظهر عليه التفكير.
أنواع التفكير: أنواع التفكير ثلاثة، السطحي، والعميق، والمستنير.
يتبع الحديث عن انواع التفكير