مشاهدة النسخة كاملة : أصول العقيدة الإسلامية
ابو شجاع
06-05-2006, 12:47 PM
أصول العقيدة الإسلامية
1. الإيمان باللّه
2. الحاجة إلى الرسل
3. الإيمان بالقرآن
4. الإيمان بالغيب
5. القضاء والقدر
*************
الإيمان باللّه:
يولد الإنسان صفحة بيضاء لا يعلم شيئا عن هذا الوجود، وبمجرد أن يدرك الأشياء، يبدأ في التفكير والتساؤل عن سرّ وغاية وجوده ووجود هذا الكون الذي يحيا فيه، وعن مصيره ومصير هذا الكون وهذه الحياة، و تتداعى عليه الأسئلة وتزداد حيرته فتتشكّل بذلك عقدة كبرى لديه، ولا يطمئن ويهدأ له بال حتى يحل هذه العقدة حلا نهائيا بالتفكير وإعمال العقل في هذا الوجود المدرك المحسوس، قال تعالى :﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾.
والتفكير في الأشياء المدركة المحسوسة - وهي الكون والإنسان والحياة - يؤدي إلى الجزم بأنّ هذه الأشياء محدودة، فهي محتاجة. فالكون هو مجموعة أجرام وكل جرم منها محدود، ومجموع المحدودات محدود بداهة، فالكون محدود.
والإنسان ينمو في كل شئ إلى حدّ ما لا يتجاوزه، فهو محدود. والحياة مظهرها فردي والمشاهد المحسوس أنها تنتهي في الفرد، فهي محدودة. لذلك فإنّ الكون و الإنسان و الحياة محدودة، فهي محتاجة قطعا.
وحين ننظر إلى المحتاج نجده غير أزلي وإلاّ لما كان محتاجا، فهو إذا مخلوق لغيره، أي مخلوق لخالق.
وهذا الخالق إما أن يكون مخلوقا لغيره، أو خالقا لنفسه، أو أزليا واجب الوجود. أمّا كونه مخلوقا لغيره فباطل، لأنه يكون محتاجا فلا يكون خالقا، وأمّا كونه خالقا لنفسه فباطل أيضا، لأنه يكون خالقا ومخلوقا في نفس الوقت، وهذا مستحيل قطعا، فلم يبقى إلاّ أن يكون أزليّا واجب الوجود تستند الأشياء كلها في وجودها إليه ولا يستند هو إلى شئ، وهو اللّه تعالى، قال تعالى : ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾، وقال أيضا ﴿قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً﴾.
والإيمان بالخالق سهل وميسور، لأنّ الشعور بالعجز و الاحتياج إلى هذا الخالق المدبر أمر فطرى و شعور طبيعي، أي غريزي في الإنسان، قال تعالى :﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾.
غير أنّ كون الإيمان فطرى، أي غريزي في الإنسان، لا يعني أن يترك للعاطفة، لأن العاطفة كثيرا ما تضفي على الأشياء حقائق لاوجود لها، وما عبادة الأوثان والترهات إلاّ من جرّاء ذلك، فالإيمان بالعاطفة غير مأمون العواقب، لذلك لابد من إعمال العقل في الإيمان وأخذ العقيدة عن يقين.
والإسلام قد عمد إلى العقدة الكبرى لدى الإنسان فحلّها حلاّ صحيحا يقنع العقل ويوافق الفطرة فيملأ القلب طمأنينة، إذ نجد القرآن الكريم - في كثير من الآيات - يوجه قوى الإنسان العاقلة ويحثها على التفكير في الكون الإنسان الحياة وما يتعلق بها والاستدلال بذلك على وجود الخالق المدبر، قال تعالى :﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُون﴾، وقال﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِب﴾، وقال أيضا ﴿أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإٍِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ﴾، إلى غير ذلك من الآيات.
ولا يقال هنا كيف يؤمن الإنسان باللّه عن طريق العقل والعقل محدود لا يدرك ذات الخالق؟ لا يقال ذلك، لأن البحث في وجود اللّه غير البحث في ذاته، فاللّه تعالى وراء الكون و الإنسان و الحياة، فهو وراء العقل، فلا ندرك ذاته بالعقل، لأن العقل لا يدرك ما وراء الواقع، أي ما وراء الحس، وإنما ندرك بالعقل وجوده، فوجود اللّه مدرك من خلال موجداته، وهو أمر قطعي ويقيني، وليس أدلّ على ذلك من قول الأعرابي:" البعرة تدل على البعير و اثر السير يدل على المسير فكيف بسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج ألا تدل على العلي الكبير" .
على أن عدم إدراكنا لذات اللّه - على شدة إيماننا به - هي مما يقوى الإيمان وليس مما يثير الشك، إذ أنّ عجز الإنسان على إدراك ذات اللّه هو دليل على كمال اللّه المطلق وعلى احتياج الإنسان واستناده في وجوده إليه.
والإنسانية عبر التاريخ تؤمن بوجود اللّه، لأنه الأمر الطبيعي، فهو فطري وهو الأصل، ولكن بعض الناس يعقدون الأمر فتتعقد عليهم الحياة ويخالفون بذلك الأصل فتنحرف بهم عقولهم وينحرفون عن الفطرة فيقعون في الضلال والعياذ باللّه.
ابو شجاع
06-05-2006, 12:49 PM
الحاجة إلى الرسل:
خلق اللّه تعالى الإنسان وقدّر فيه طاقة حيوية تتطلب الإشباع، فكان لا بد من إشباعها بنظام صحيح يؤدى إلى السعادة. والإنسان – بوصفه إنسان – يعجز عن وضع النظام الصحيح الذي ينظم علاقته بخالقه وبنفسه وبغيره من بني الإنسان، لأنه لا يدرك حقيقة الخالق حتى ينظم علاقته به، ولا يحيط بما يحتاجه الإنسان حتى ينظم علاقته بنفسه وبغيره.
والنظام الذي من وضع الإنسان يكون عرضة للتفاوت والتناقض والتأثر بالبيئة التي يعيش فيها، لذلك لا بد أن يكون النظام من عند اللّه لأنه وحده الذي خلق الكون والإنسان والحياة، فهو وحده الذي يحيط بحاجة الإنسان في كل زمان و مكان ، ولأن اللّه وحده نظّم هذا الوجود، فكذلك يكون وحده الذي ينظّم هذه الحياة، ومن هنا كان لابد من رسل يبلغون هذا النظام وكانت الحاجة إلى الرسل أمرا لازما للإنسان لزوم الماء للحياة، قال اللّه تعالى﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيِّتاً فَأَحْيَيْنَاهُ﴾، وقال ﴿ وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ﴾، وقال أيضا ﴿ قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكاً رَسُولاً.
ابو شجاع
06-05-2006, 12:51 PM
الإيمان بالقرآن:
القرآن كتاب عربي اللفظ عربي الأسلوب جاء به محمّد وهو إما من عند العرب او من عند محمد وإما من عند اللّه.
أما كونه من عند العرب فباطل، لأنه تحداهم أن يأتوا بمثله، وقد عجزوا مجتمعين، وفوق ذلك سفه أحلامهم ووصفهم بما لا يمكن أن يصف به إنسان نفسه، فلا يمكن أن يكون من عندهم.
وأما كونه من عند محمّد فباطل ايضا لان محمدا صلوات ربي عليه هو واحد من العرب وقد عجزوا مجتمعين عن الاتيان بمثله والانسان مهما سما بعبقريته لا يستطيع ان يفوق قومه والبشرية جمعاء
وقد قيل ان القرأن جاء به غلام نصراني اسمه جبر وهذا باطل ايضا فاذا كان اهل اللغة العربيه انفسهم قد عجزوا عن الاتيان بمثل القرآن فكيف بغلام لا يحسن العربيه
قال تعالى :﴿ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ ﴾.
وما دام قد ثبت أن القرآن ليس من عند محمّد ولا من عند العرب او غيرهم ولم يستطع احد الاتيان بمثله رغم ان الله قد تحدى احدا ان يأتي بمثله فيكون معجزة من عند الله ويكون محمد صلى الله عليه وسلم رسولا من عند الله.
ابو شجاع
06-05-2006, 12:52 PM
الإيمان بالغيب:
الإيمان بالغيب هو الإيمان بما يغيب عن الحسّ والمشاهدة، كالملائكة، والكتب السماوية غير القرآن، والرسل غير محمّد ، ويوم القيامة، وكل ما أخبر عنه الوحي مما لا يقع تحت الحس و المشاهدة، كالبعث والنشور، و الجنة والنار، وأخبار و قصص الأولين، وغير ذلك.
والإيمان بالغيب وإن كان دليله نقليّا، إلا أنه ثبت في الأصل بالعقل، لأن أصله وهو القرآن قد ثبت بالعقل، لذلك كانت العقيدة الإسلامية فوق كونها موافقة للفطرة، هي كذلك مبنية على العقل.
وكون الإيمان بالغيب ثبت أصله بالعقل لا يعني أنّ الأمور الغيبية هي مجال للبحث بالعقل، لأن العقل لا يدرك ما وراء الحس، ولا يستطيع أن يصدر حكما على شيء من ذلك أبدا، بل الغيب موكول للوحي الذي قام البرهان العقلي عليه.
وتسليط العقل للبحث في الأمور الغيبية، هو لاشك جهد ضائع بلا جدوى ولا ثمرة، فضلا عن تبديده لطاقة الإنسان الفكرية التي لم تخلق لهذا المجال.
أما البحث في ذات اللّه، كالبحث في صفاته تعالى من العلم والقدرة والحياة والإرادة والسمع والبصر وغير ذلك، وفي كلامه هل هو مخلوق أم غير مخلوق، وفي إقامة البرهان العقلي على عدم إمكانية رؤيته تعالى في الآخرة، والجدل الكلامي الذي دارت رحاه بين علماء الكلام والذي لا تزال بعض آثاره إلي اليوم، هو مخالف لطريقة الإسلام في إثبات عقائده، لأنها أبحاث في غير واقع، وهي ناتجة عن عدم إدراك لواقع العقل وحدوده التي لا يتعداها في البحث، كما هي ناتجة أيضا عن التأثر بالفلسفة اليونانية والأبحاث اللاّهوتية عند اليهود والنصارى عند مخالطتها للعقلية العربية الصافية التي حملت الإسلام حينما امتدت الفتوحات واتسعت رقعة الدولة الإسلامية، وقد عصم اللّه أئمة الهدى من الوقوع في هذا المنزلق الخطير، فانشغلوا وشغلوا الأمّة معهم بهذا الجدل عن العلم الذي ينفع للعمل.
صحيح أن علماء الكلام كانوا يحملون لواء الدفاع عن العقيدة الإسلامية ويواجهون بالبرهان العقلي حملات التشكيك التي كان يقودها اليهود والنصارى والمنافقون المندسون في المجتمع الإسلامي آنذاك، والذين كانوا يتخذون أفكار الفلسفة أساسا لهجماتهم، وصحيح أيضا أنّ الولاء والإخلاص للّه ولرسوله وللمؤمنين كان هو الدافع لهؤلاء العلماء، وصحيح كذلك أنهم كانوا على درجة من العمق في التفكير يندر وجودها، كل ذلك صحيح، ولكن قبولهم بأن يوضع الإسلام في قفص الاتهام، ومخالفتهم لطريقته في البحث، واعتمادهم على الفلسفة، وعدم التزامهم حدود العقل التي لا يتعداها في البحث، جعل من الطبيعي أن تكون نتيجة أبحاثهم وهما، لأنها في الأصل وهم، فأبحاث علم الكلام هي من أبحاث الفلسفة، ومما لا شك فيه أنّ الذين قادوا هذه الحملة من علماء الكلام قد درسوا الفلسفة والذين تصدوا للردّ عليهم ردّوا بنفس الطريقة ووقعوا في نفس الخطاء من حيث المنهج، وأبسط دليل على ذلك أنّ الذين قادوا حملات التشكيك كانوا يعتمدون على الفلسفة، وأنّ مسائل علم الكلام - باستثناء مسألة مرتكب الكبيرة أو المنزلة بين المنزلتين – موجودة في أبحاث الفلسفة، وأنّ علماء الكلام سواء من هذا الفريق أو ذاك إنما تبنوا هذا الرأي أو ذاك من الفلسفة، ثم راحوا يبحثون على ما يؤيد آراءهم هذه بظاهر من القرآن الكريم والحديث الشريف، وابتدعوا فكرة التأويل فيما خالف آراءهم من أدلة حتى لقد قالوا أنّ كل دليل يخالف رأينا فهو مؤول أو منسوخ.
وأبحاث الفلسفة هي في أحسن الحالات أوهام الخيال، وهي مصداقا لقول الشاعر:
أفكّر طول الليل والليل كــــــــــالح === وأرخي زمام الفكر والفكر جامح
وحولي رموز الكائنات تحـــيط بي === وأسئلة حيرى وقد عزّ شــــــارح
أسائل أفكار الفلاسف عــــــــــــلّها === تجود بما جادت عليها القـــــرائح
فألفيتها وهم السراب وكــــــــــــلّما === تلاشى سراب جاء في الإثر لائح
و الرسول والصحابة الكرام - رضي اللّه عنهم – الذين نقلوا لنا عنه هذا الدين، لم يصلنا عنهم هذا الجدل، رغم أنه في الأساس الأول لهذا الدين ألا وهو العقيدة، ولا يمكن أن يكونوا جهلوه ولا علموه وأخفوه عنا، بل لأن هذه الأبحاث موجودة قبل وجود هذا الدين وهي ليست من طبيعته ولا علاقة لهذا الدين بها، وموقف كبار الأئمة المجتهدون من ذلك معروف و مشهور.
فالإيمان بالغيب يقتضي التصديق الجازم بكل ما أخبر عنه الوحي مما لا يقع تحت الحسّ والوقوف عند هذا التصديق دون إقحام العقل للبحث فيما لا يمكن له البحث فيه، فالمسلم حين يؤمن بوجود اللّه لا يبحث في ذاته ولا يخضعه لمقاييس العقل وقوانين الوجود المحدودة فيصدر عليه الحكم بأنه عالم بعلم هو ذاته أو عالم بذاته لا بعلم وغير ذلك من لغو الكلام، وحين يؤمن بوجود الملائكة ويجزم بذلك ويعتقد أنها أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع، إنّما يأخذ ذلك من الوحي، ويقف عند حدود ما أخبر به الوحي ليس غير، وحين يصدق قصة مؤمن آل فرعون والرجل الذي جاء من أقصى المدينة يسعى لا يضيع العمر في البحث عمّن هما ومن يكونا، لأنّ نتيجة البحث في أحسن الحالات لن تخرج عن وهم الخيال ما دام الوحي لم يخبرنا بذلك، ولو كان في هذه الأبحاث نفع أو خير لما سكت عنها الوحي، وهي فوق كونها إهدار لطاقة الإنسان الفكرية فيما لا ينفع ولا يجدي، هي مُفسدة لجمال العقيدة وصفائها في نفس المؤمن، وهي طريق إلي منزلق الشكوك و البدع والأهواء والضلال والعياذ باللّه.
ابو شجاع
06-05-2006, 12:53 PM
القضاء والقدر:
أخذت مسألة "القضاء والقدر" حيزا كبيرا في تفكير الفرق الإسلامية من أصحاب الكلام، ومسألة "القضاء والقدر" هكذا لفظين مقترنين ليست من العقيدة الإسلامية، ولم ترد بها الأدلة الشرعية مطلقا، بل هي إحدى موضوعات الفلسفة ويطلق عليها كذلك "حرية الإرادة"، وعلماء الكلام تناولوا هذا الموضوع في إطار الرد على حملات التشكيك التي كان يقودها اليهود والنصارى والمنافقون المندسون في المجتمع الإسلامي ، من جهة، والرد على بعضهم البعض، من جهة أخرى.
وموضوع "القضاء والقدر" كما هو في أبحاث الفلسفة وما يسمى بعلم الكلام، يبحث في أفعال الإنسان وما يتولد عنها وما في الأشياء من خاصّيات من حيث أنّ العبد هو الذي يخلق ذلك أم اللّه تعالى؟ فنتج عن القول الأول أنّ الإنسان مخير، في حين نتج عن القول الثاني أنّ الإنسان مسيّر وهو كالريشة في الفضاء تحركها الرياح حيث تشاء، ثم جاءت نظرية الكسب للرد على ذلك كله.
وهذا البحث، أي بحث" القضاء والقدر" كما هو مقرر في ما يسمى بعلم الكلام، هو بحث خاطئ من أساسه، لأنه قام على أساس خاطئ، فالذين قادوا حملة الدفاع عن العقيدة الإسلامية من علماء الكلام درسوا الفلسفة وتبنوا رأيا من الفلسفة، والذين ردوا عليهم من الفرق الأخرى ردوا بنفس الطريقة، و بآراء كذلك من الفلسفة، فوقعوا في نفس الخطاء.
أما كون هذا البحث خاطئ من أساسه، فإنّ الأساس الذي قام عليه البحث هو فعل العبد وما يتولد عنه وما في الأشياء من خاصّيات من حيث أنّ العبد هو الذي يخلق ذلك أم اللّه تعالى؟ وهذا الأساس في البحث أساس خاطئ حتما لأنه يقود إلى البحث فيما وراء الواقع، ولأنه لا علاقة له بالثواب والعقاب من حيث البحث، أي لا علاقة له بالإنسان من حيث كونه مخيرا أم مسيرا.
فإذا كان لابد من بحث هذا الواقع بحثا شرعيا وإعطاء رأي إسلامي فيه، فيجب حينئذ اتخاذ العقاب والثواب أساسا للبحث، وعندئذ يمكن التوصل إلى رأي صائب في ذلك، لأنّ فعل العبد وما يتولد عنه وما في الأشياء من خاصّيات يمكن البحث فيه من حيث كونه واقعا ومن حيث قدرة الإنسان على القيام به، لأنها مناط التكليف، أي مناط العقاب والثواب.
وإذا نظرنا إلى أفعال الإنسان من حيث هو إنسان، نجده يعيش في دائرتين، إحداهما يسيطر عليها وتقع في نطاقه، والأخرى تسيطر عليه ويقع هو في نطاقها.
أما في الدائرة التي يسيطر عليها وتقع في نطاقه، فلا شك أنه مخير فيها، يقوم بالفعل بإرادته، فهو يقدم على الفعل متى شاء ويحجم عنه متى شاء بمحض إرادته، فيأكل متى شاء وما شاء، ويسافر متى شاء وأينما شاء، ويختار أي نظام شاء، نظام اللّه سبحانه وتعالى أم نظام البشر أم يعيش بغير نظام، يفعل كل ذلك مختارا، فهو لاشك مخير ومسؤول أمام اللّه تعالى على أفعاله، يثاب على الحلال ويعاقب على الحرام.
وأما في الدائرة التي تسيطر عليه ويقع هو في نطاقها، فإنّ الأفعال تقع منه وعليه جبرا عنه ولا قبل له بدفعها، وهي قسمان، قسم يقتضيه نظام الوجود، وقسم لا يقتضيه نظام الوجود.
أما بالنسبة للقسم الذي يقتضيه نظام الوجود، فالوجود يسير على نظام مخصوص لا يتخلف، والإنسان جزء من هذا الوجود ويسير على هذا النظام ولا يستطيع أن يخرج عنه، فقد جاء إلى هذه الدنيا على غير إرادته، ويخرج منها على غير إرادته، وهو لا يختار أباه ولا أمّه، كما لا يختار المكان والزمان الذي يولد فيه ولا لون عينيه أو حجم رأسه، وهو كذلك لا يستطيع بوضعه الطبيعي أن يطير أو يمشى على الماء أو يبصر ما وراء الجدار وغير ذلك مما هو مفروض عليه بحكم ما يقتضيه نظام الوجود وبوصفه جزء من هذا الوجود.
وأما بالنسبة للقسم الذي لا يقتضيه نظام الوجود، فتقع فيه أفعال من الإنسان أو عليه جبرا عنه وبدون تدبير منه، كما لو سقطت طائرة بشكل مفاجئ فمات من في الطائرة ومن سقطت عليه، وكما لو أنّ صيادا أراد قنص طائر فأصاب شخصا دون أن يراه وتسبب له في أضرار بالغة وغير ذلك مما لا تدبير للإنسان فيه.
هذه الأفعال التي تقع من الإنسان أو عليه في الدائرة التي تسيطر عليه ويقع في نطاقها، والتي لا قبل له بدفعها، سواء كانت مما يقتضيه نظام الوجود أو مما لا يقتضيه هذا النظام، هي التي تسمى قضاء، بمعنى أنّ اللّه تعالى هو الذي قضاها وأنّ الإنسان لا دخل له فيها، ولا يسأل عن شيء منها، خيرا كان أم شرا، وإن كان اللّه وحده الذي يعلم ما فيها من خير أو شر، قال تعالى :﴿ لا يكلّف لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا. ﴾
هذا فيما يخص أفعال الإنسان، أما فيما يخص ما يتولد عن هذه الأفعال وما في الأشياء من خاصّيات، كالألم الذي يتولد عن الضرب مثلا، وكالرائحة أو الطعم الذي يتولد من إعداد الطعام، وكالإحراق الذي في النار والقطع الذي في السكين والجوع والعطش و الغرائز التي في الإنسان وغيرها من الخاصيات التي في الأشياء، فإنّ اللّه سبحانه وتعالى هو الذي أوجدها، وهي ملازمة للأشياء بحيث لا تتخلف إلا حين يسلبها اللّه تعالى، وتكون معجزة كما حدث بالنسبة للنار مع سيدنا إبراهيم والسكين مع سيدنا إسماعيل، وهذه الخاصيات لا توصف بالخير والشر لذاتها، إذ فيها القابلية لأن تستعمل في الخير كما فيها القابلية لأن تستعمل في الشر سواء بسواء، والإنسان ليس مسؤولا عن وجود هذه الخايصيات ولا يسأل عنها أبدا، ولكنه مسؤول عن استعمالها في الخير أم في الشر.
فهذا الذي يتولد عن الأفعال وما في الأشياء من خاصّيات، هي التي تسمى قدرا، بمعنى أنّ اللّه تعالى هو الذي قدّرها وأنّ الإنسان لا دخل له فيها، ولا يسأل عن وجودها، بل يسأل فقط عن استعمالها في الخير أم في الشر، قال تعالى: ﴿ الَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى ﴾، وقال﴿ الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾، وقال أيضا﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ﴾.
أما في الأدلة الشرعية، فقد ورد القضاء والقدر لفظين منفصلين كما ورد كل منهما لفظا مشتركا بين معان عــدّة، فورد لفظ القضاء بمعنى الخلق ومنه قوله تعالى ﴿ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ﴾، أي خلقهن، وبمعنى الإرادة ومنه قوله تعالى ﴿ فَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ ، أي إذا أراد، وبمعنى الأمر ومنه قوله تعالى ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ﴾، أي أمر، وغير ذلك كثير، كما يطلق لفظ القضاء أيضا ويراد به الإخبار عن الحكم الشرعي على سبيل الإلزام وهو عمل القاضي، وورد لفظ القدر بمعنى تهيئة الكلام في النفس ومنه قـوله تعالى ﴿ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ ﴾، أي هيأ الكلام في نفسه، وبمعنى التقسيم والتوقيت ومنه قوله تعالى ﴿ نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ ﴾، أي قسمنا ووقتنا، وبمعنى الصّيرورة ومنه قوله تعالى ﴿ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ ﴾، أي صيّرناه، إلى غير ذلك من المعاني.
وأما القدر الذي جاءت الأدلة الشرعية تطلب الإيمان به، فهو كناية عن علم اللّه تعالى في الأزل، أي أنّ ما من شيء يقع في هذا الوجود إلا و قد علمه اللّه تعالى في الأزل، وهو مقدّر في اللوح المحفوظ خيره وشره من اللّه تعالى حسب تقدير الإنسان للخير والشر إذ لا يعلم الخير والشر في هذا الأمر إلا اللّه، قال تعالى :﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا. ﴾
وعلم اللّه في الأزل، لا يجبر الإنسان على القيام بالفعل، بل يقوم بذلك مختارا، واللّه تعالى يعلم ذلك قبل وقوعه، بل في الأزل، لأنه جلّت قدرته، يعلم ما سيكون علمه ما هو كائن وما يكون.
ابو شجاع
06-05-2006, 12:54 PM
هذه هي العقيدة الإسلامية، وهي الإيمان باللّه وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر خيرهما وشرهما من اللّه تعالى، وهي وحدها العقيدة الصحيحة، لأنها وحدها العقيدة التي توافق الفطرة وهى كذلك وحدها العقيدة التي تبنى على العقل، - جوابا على سؤال جبريل عليه السلام عن الإيمان - ﴿ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ
والموضوع مقتبس بالاساس من كتاب نظام الاسلام/ فصلي طريق الايمان والقضاء والقدر/ للشيخ تقي الدين النبهاني - وهو من اصدارات حزب التحرير
صدى الفكر
06-07-2006, 01:34 AM
بسمه تعالى
اخي العزيز
الحاجة إلى الرسل:
خلق اللّه تعالى الإنسان وقدّر فيه طاقة حيوية تتطلب الإشباع، فكان لا بد من إشباعها بنظام صحيح يؤدى إلى السعادة. والإنسان – بوصفه إنسان – يعجز عن وضع النظام الصحيح الذي ينظم علاقته بخالقه وبنفسه وبغيره من بني الإنسان، لأنه لا يدرك حقيقة الخالق حتى ينظم علاقته به، ولا يحيط بما يحتاجه الإنسان حتى ينظم علاقته بنفسه وبغيره.
والنظام الذي من وضع الإنسان يكون عرضة للتفاوت والتناقض والتأثر بالبيئة التي يعيش فيها، لذلك لا بد أن يكون النظام من عند اللّه لأنه وحده الذي خلق الكون والإنسان والحياة، فهو وحده الذي يحيط بحاجة الإنسان في كل زمان و مكان ، ولأن اللّه وحده نظّم هذا الوجود، فكذلك يكون وحده الذي ينظّم هذه الحياة، ومن هنا كان لابد من رسل يبلغون هذا النظام وكانت الحاجة إلى الرسل أمرا لازما للإنسان لزوم الماء للحياة، قال اللّه تعالى﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيِّتاً فَأَحْيَيْنَاهُ﴾، وقال ﴿ وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ﴾، وقال أيضا ﴿ قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكاً رَسُولاً.
ارى انك قلت ما قلت وحصرت دور الانبياء عليهم السلام في امور التبليغ فقط وكانهم الة حاشاهم من ذلك او ان دورهم كدور جبرئيل عليه السلام مع الرسل عليهم السلام اذ ان دوره الابلاغ فقط ولا دخل له في التفكير او التدبير او الاستشارة او غير ذلك .
فاين انت اخي من قوله تعالى على لسان كل الانبياء ((فاتقوا الله واطيعون)) فما رايك وقولك او راي وقول من ترجع اليه في تفسير واطيعون؟؟؟؟؟
هذا من جهة.
ومن جهة اخرى :
فان دور الرسول صلى الله عليه واله وسلم لو لم ينحصر في التبليغ فقط كما هو الصحيح لما انسدت الحاجة الى وجوده بموته بل تبقى الحاجة الى ما هو مطلوب ومحتاج اليه بعد وفاته .
وما هو محتاج اليه في زمن غيبة الرسول صلى الله عليه واله وسلم ليس الاتيان برسالة اخرى او دين جديد بل ايجاد القيادة الصالحة التي تكمل خط واطيعون.
وللحديث تتمة الا اني انتظر ردك
ابو شجاع
06-07-2006, 03:16 PM
أخي الفاضل صدى الفكر
بسمه تعالى
اخي العزيز
إقتباس:
المشاركة الأصلية بواسطة ابو شجاع
الحاجة إلى الرسل:
خلق اللّه تعالى الإنسان وقدّر فيه طاقة حيوية تتطلب الإشباع، فكان لا بد من إشباعها بنظام صحيح يؤدى إلى السعادة. والإنسان – بوصفه إنسان – يعجز عن وضع النظام الصحيح الذي ينظم علاقته بخالقه وبنفسه وبغيره من بني الإنسان، لأنه لا يدرك حقيقة الخالق حتى ينظم علاقته به، ولا يحيط بما يحتاجه الإنسان حتى ينظم علاقته بنفسه وبغيره.
والنظام الذي من وضع الإنسان يكون عرضة للتفاوت والتناقض والتأثر بالبيئة التي يعيش فيها، لذلك لا بد أن يكون النظام من عند اللّه لأنه وحده الذي خلق الكون والإنسان والحياة، فهو وحده الذي يحيط بحاجة الإنسان في كل زمان و مكان ، ولأن اللّه وحده نظّم هذا الوجود، فكذلك يكون وحده الذي ينظّم هذه الحياة، ومن هنا كان لابد من رسل يبلغون هذا النظام وكانت الحاجة إلى الرسل أمرا لازما للإنسان لزوم الماء للحياة، قال اللّه تعالى﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيِّتاً فَأَحْيَيْنَاهُ﴾، وقال ﴿ وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ﴾، وقال أيضا ﴿ قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكاً رَسُولاً.
ارى انك قلت ما قلت وحصرت دور الانبياء عليهم السلام في امور التبليغ فقط وكانهم الة حاشاهم من ذلك او ان دورهم كدور جبرئيل عليه السلام مع الرسل عليهم السلام اذ ان دوره الابلاغ فقط ولا دخل له في التفكير او التدبير او الاستشارة او غير ذلك .
فاين انت اخي من قوله تعالى على لسان كل الانبياء ((فاتقوا الله واطيعون)) فما رايك وقولك او راي وقول من ترجع اليه في تفسير واطيعون؟؟؟؟؟
هذا من جهة.
ومن جهة اخرى :
فان دور الرسول صلى الله عليه واله وسلم لو لم ينحصر في التبليغ فقط كما هو الصحيح لما انسدت الحاجة الى وجوده بموته بل تبقى الحاجة الى ما هو مطلوب ومحتاج اليه بعد وفاته .
وما هو محتاج اليه في زمن غيبة الرسول صلى الله عليه واله وسلم ليس الاتيان برسالة اخرى او دين جديد بل ايجاد القيادة الصالحة التي تكمل خط واطيعون.
وللحديث تتمة الا اني انتظر ردك
اخي الكريم الحديث هنا محصور عن الحديث في اثبات الحاجة الى الرسل لا في دور الرسل او حصر دورهم في التبليغ
وليس في النص السابق كلمة واحدة يفهم منها ما ذهبت اليه
الدليل العقلي على ثبوت الحاجة إلى الرسل، بعد إثبات وجود الله تعالى.
وهو حاجة الإنسان إلى النظام في إشباع حاجاته العضوية وغرائزه.
لإن الإشباع بمجرد الإثارة هو الفوضى بعينها، وهو الحيوانية بعينها، وهذا يصلح للحيوان فقط، لأن هذا هو نظامه الذي يصلحه، بخلاف الإنسان العاقل المحسوس على هذه الأرض.
الإنسان لديه عقل، ويميز هذا العقل بين الخيارات المطروحة للإشباع، وربما يختار عدم الإشباع.
لكن هذا الاختيار لا بد من بنائه على أساس لا يخضع لما يخضع له العقل من سمات تحول بينه وبين حسن الاختيار.
العقل فيه سمات:
الاختلاف
والتناقض
والتفاوت
والتأثر بالبيئة
فالعقل المتصف بهذه الصفات سيكون حكمه على تنظيم الإشباع متصفاً بما اتصف به العقل من سمات الاختلاف، والتفاوت، والتناقض، والتأثر بالبيئة.
فسيكون نظامه مختلفاً: على مستوى اختلاف البشر، أو على مستوى اختلاف الحكم للشخص الواحد في زمنين مختلفين، وفي بيئتين مختلفتين.
وسيكون متناقضاً، أحكام البشر متناقضة، بل وأحكام الشخص الواحد متناقضة تبعاً لقدراته العقلية وبيئته.
وسيكون متفاوتاً، رأي فلان أقوى من رأي فلان، بل إن رأي الشخص الواحد سيكون أقوى منه في فترة من الفترات عن فترة أخرى.
وسيتأثر ببيئته التي يعيش، فلا يستطيع وضع نظام يصلح لكل البيئات، ولكل الأزمنة.
وبناء على وجود هذه الصفات في العقل، فإنه لا يصلح لوضع نظام لإشباع الحاجات العضوية والغرائز لنفسه، فضلاً عن عجزه عن وضع ذلك النظام لجميع البشر.
وإذا سار بدون نظام كان سيره حيوانياً يؤدي به إلى الإشباع الخاطئ والإشباع الشاذ، والنتيجة هي الفوضى فالشقاء، والقلق الدائم، لإحساسه بالعجز الطبيعي عن التنظيم السليم.
وبما أن الخالق هو الذي خلق الإنسان، فهو الأعلم بما يصلحه، والأعلم بالنظام الذي يقيم حياته. وفي هذا إجابة عن السؤال الثاني من أسئلة العقدة الكبرى: لماذا جئت؟؟
فلا بد أن يكون النظام المتحكم في إشباع الغرائز والحاجات العضوية ممن خلق الإنسان، فما دام الإنسان لا يعلم عن الخالق، ولا يعلم عن نفسه إلا القليل، فالخالق هو الذي يضع له النظام، وتبليغ النظام عن طريق الرسل. لأنه ليس للإنسان إمكانية للاتصال بالخالق، بل الخالق هو الذي يتصل بالإنسان.
وبهذا يثبت عقلاً حاجة الإنسان للرسل من الله تعالى ليبغلوه:
1- نظام التقديس الذي طلب الخالق اتباعه.
2- نظام الإشباع للحاجات والغرائز، لعجز الإنسان عن وضع هذا النظام
واقتبس اخي الفاضل التالي من مداخلة لاخ كريم متعلقة بذات الموضوع
﴿وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ ﴾(91)الأنعام
وأقتبست هنا تفسيرها من تفسير الظلال للشهيد سيد قطب رحمه الله :
يقول تعالى في سورة الأنعام الآية 91:
﴿وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا:ما أنزل الله على بشر من شيء﴾
وهذا القول الذي كان يقوله مشركو مكة في جاهليتهم , يقوله أمثالهم في كل زمان ; ومنهم الذين يقولونه الآن ; ممن يزعمون أن الأديان من صنع البشر ; وأنها تطورت وترقت بتطور البشر وترقيهم . لا يفرقون في هذا بين ديانات هي من تصورات البشر أنفسهم , كالوثنيات كلها قديما وحديثا , ترتقي وتنحط بارتقاء أصحابها وانحطاطهم , ولكنها تظل خارج دين الله كله . وبين ديانات جاء بها الرسل من عند الله , وهي ثابتة على أصولها الأولى ; جاء بها كل رسول ; فتقبلتها فئة وعتت عنها فئة ; ثم وقع الانحراف عنها والتحريف فيها , فعاد الناس إلى جاهليتهم في انتظار رسول جديد , بذات الدين الواحد الموصول .
وهذا القول يقوله - قديما أو حديثا - من لا يقدر الله حق قدره ; ومن لا يعرف كرم الله وفضله , ورحمته وعدله . . إنهم يقولون:إن الله لا يرسل من البشر رسولا ولو شاء لأنزل ملائكة ! كما كان العرب يقولون . أو يقولون:إن خالق هذا الكون الهائل لا يمكن أن يعني بالإنسان "الضئيل" في هذه الذرة الفلكية التي اسمها الأرض ! بحيث يرسل له الرسل ; وينزل على الرسل الكتب لهداية هذا المخلوق الصغير في هذا الكوكب الصغير ! وذلك كما يقول بعض الفلاسفة في القديم والحديث ! أو يقولون:إنه ليس هناك من إله ولا من وحي ولا من رسل . . إنما هي أوهام الناس أو خداع بعضهم لبعض باسم الدين ! كما يقول الماديون الملحدون !
وكله جهل بقدر الله - سبحانه - فالله الكريم العظيم العادل الرحيم , العليم الحكيم . . . لا يدع هذا الكائن الإنساني وحده , وهو خلقه , وهو يعلم سره وجهره , وطاقاته وقواه , ونقصه وضعفه , وحاجته إلى الموازين القسط التي يرجع إليها بتصوراته وأفكاره , وأقواله وأعماله , وأوضاعه ونظامه , ليرى إن كانت صوابا وصلاحا , أو كانت خطأ وفسادا . . ويعلم - سبحانه - أن العقل الذي أعطاه له , يتعرض لضغوط كثيرة من شهواته ونزواته ومطامعه ورغباته , فضلا على أنه موكل بطاقات الأرض التي له عليها سلطان بسبب تسخيرها له من الله , وليس موكلا بتصور الوجود تصورا مطلقا , ولا بصياغة الأسس الثابتة للحياة . فهذا مجال العقيدة التي تأتي له من الله ; فتنشىء له تصورا سليما للوجود والحياة . . ومن ثم لا يكله الله إلى هذا العقل وحده , ولا يكله كذلك إلى ما أودع فطرته من معرفة لدنية بربها الحق , وشوق إليه , وليأذ به في الشدائد . . فهذه الفطرة قد تفسد كذلك بسبب ما يقع عليها من ضغوط داخلية وخارجية , وبسبب الإغواء والاستهواء الذي يقوم به شياطين الجن والإنس , بكل ما يملكون من أجهزة التوجيه والتأثير . . إنما يكل الله الناس إلى وحيه ورسله وهداه وكتبه , ليرد فطرتهم إلى استقامتها وصفائها , وليرد عقولهم إلى صحتها وسلامتها , وليجلو عنهم غاشية التضليل من داخل أنفسهم ومن خارجها . . وهذا هو الذي يليق بكرم الله وفضله , ورحمته وعدله , وحكمته وعلمه . . فما كان ليخلق البشر , ثم يتركهم سدى . . ثم يحاسبهم يوم القيامة ولم يبعث فيهم رسولا: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولًا) . . فتقدير الله حق قدره يقتضي الاعتقاد بأنه أرسل إلى عباده رسلا يستنقذون فطرتهم من الركام , ويساعدون عقولهم على الخلاص من الضغوط , والانطلاق للنظر الخالص والتدبر العميق . وأنه أوحى إلى هؤلاء الرسل منهج الدعوة إلى الله , وأنزل على بعضهم كتبا تبقى بعدهم في قومهم إلى حين - ككتب موسى وداود وعيسى - أو تبقي إلى آخر الزمان كهذا القرآن .
انتهى النقل من ظلال القرآن للشهيد سيد
واعود لاقل مرة اخرى اللفقرة تتحدث عن ثبوت الحاجة الى الرسل عقلا لا عن حصر دور الرسل بالتبليغ
ابو شجاع
06-07-2006, 03:23 PM
وعلى هامش الموضوع فقط اليك تفسير ما طلبت رغم كونه لا علاقة له بما نتحدث فيه
فاين انت اخي من قوله تعالى على لسان كل الانبياء ((فاتقوا الله واطيعون)) فما رايك وقولك او راي وقول من ترجع اليه في تفسير واطيعون؟؟؟؟؟
تفسير جامع البيان في تفسير القران/ الطبري
{ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } * { وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَىٰ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } (javascript:Open_Menu())
يقول تعالـى ذكره: فـاتقوا عقاب الله أيها القوم علـى كفركم به، وأطيعونـي فـي نصيحتـي لكم، وأمري إياكم بـاتقائه { وَما أسْأَلُكُمْ عَلَـيْهِ مِنْ أجْرٍ } يقول: وما أطلب منكم علـى نصيحتـي لكم وأمري إياكم بـاتقاء عقاب الله بطاعته فـيـما أمركم ونهاكم، من ثواب ولا جزاء { إنْ أجرِيَ إلاَّ عَلـى رَبّ العالَـمِينَ } دونكم ودون جميع خـلق الله، فـاتقوا عقاب الله علـى كفركم به، وخافوا حلول سخطه بكم علـى تكذيبكم رسله، وأطيعون: يقول: وأطيعونـي فـي نصيحتـي لكم، وأمري إياكم بإخلاص العبـادة لـخالقكم.
* تفسير الجامع لاحكام القران/ القرطبي
{ أَلاَ تَتَّقُونَ } أي ألا تتقون الله في عبادة الأصنام. { إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ } أي صادق فيما أبلغكم عن الله تعالى. وقيل: { أَمِينٌ } فيما بينكم؛ فإنهم كانوا عرفوا أمانته وصدقه من قبل؛ كمحمد صلى الله عليه وسلم في قريش. { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } أي فاستتروا بطاعة الله تعالى من عقابه. { وَأَطِيعُونِ } فيما آمركم به من الإيمان. { وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ } أي لا طمع لي في مالكم. { إِنْ أَجْرِيَ } أي ما جزائي { إِلاَّ عَلَىٰ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }. { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } كرر تأكيداً.
* تفسير تفسير القران الكريم/ ابن كثير
فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ } الآية، أي: لا أطلب منكم جزاء على نصحي لكم، بل أدّخر ثواب ذلك عند الله، { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } فقد وضح لكم، وبان صدقي ونصحي وأمانتي فيما بعثني الله به وائتمنني عليه.
تفسير فتح القدير/ الشوكاني
{ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } أي اجعلوا طاعة الله وقاية لكم من عذابه، وأطيعون فيما آمركم به عن الله من الإيمان به وترك الشرك، والقيام بفرائض الدين { وَمَا أَسْـئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ } أي ما أطلب منكم أجراًعلى تبليغ الرسالة، ولا أطمع في ذلك منكم { إِنْ أَجْرِيَ } الذي أطلبه وأريده { إِلاَّ عَلَىٰ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } أي ما أجري إلاّ عليه، وكرّر قوله: { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } للتأكيد والتقرير في النفوس مع كونه علق كل واحد منهم بسبب، وهو الأمانة في الأوّل، وقطع الطمع في الثاني، ونظيره قولك: ألاّ تتقي الله في عقوقي وقد ربيتك صغيراً؟ ألاّ تتقي الله في عقوقي وقد علمتك كبيراً؟ وقدّم الأمر بتقوى الله على الأمر بطاعته؛ لأن تقوى الله علة لطاعته
تحياتي ومودتي اخي الكريم
صدى الفكر
06-08-2006, 07:32 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
رعاك الله ابا شجاع
وسلم ادبك ومنطقك اللظيف
وقد اثبت الحجة واضحة والدلالة لطيفة في قولك
(( واعود لاقل مرة اخرى اللفقرة تتحدث عن ثبوت الحاجة الى الرسل عقلا لا عن حصر دور الرسل بالتبليغ))
فسلامي لك.
واما عن التفاسير فلي فيها تامل قد توافقني عليه لااعلم؟
فلا اعتقد ان تكرار المعنى من البلاغة في شيء اذا كان في نفس الموضوع ونفس الجملة؟
فهو يامرهم بتقوى الله تعالى ثم يامرهم بطاعته عندما يامرهم بتقوى الله تعالى؟
الا ترى ذلك مخلا بنظام الكلام؟