شيركوه
05-22-2006, 08:09 PM
حماس والعَرَض القريب للشيخ أبي يحيى الليبي ( حسن قائد )
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد ..
فالمرء وهو يستمع إلى تصريحات قادة حركة حماس وحواراتهم ولقاءاتهم بعد أن استظلوا بقبة المجلس "التشريعي" واسترخوا على كراسيِّه يصاب بغثيان نفسي ودوارن فكري يجعله يصول ويجول بين تلك العبارات الممجوجة والكلمات المهترئة والمصطلحات المنكوسة التي يلوكونها عسى أن يَعْبُر بجانب أُذنيه عبوراً عابراً شيءٌ مما يدله على أن المتكلمين والمصرحين هم من المحسوبين على المسلمين فضلاً عن الحركات الإسلامية بل الجهادية فكيف إن كانوا معدودين من قادتها ، ومع الإجهاد والتركيز وبالغ الانتباه لا يكاد يُعرف إن كان المتحدث هو من منظمة فتح أو الجبهة الشعبية أو غيرهما من المنظمات الفلسطينية الوطنية السافلة المتنكرة للإسلام أصلاً وفرعاً ، ولا يمكنك – وأنت مُنْصِت مصغٍ - التعرف على هوية المتحدث الفكرية إلا من خلال الاتجاه العام للحورات أو من خلال تعريف القائمين على البرامج الإذاعية بشخصيات المتحدثين وانتماءاتهم الحركية.
فالعبارة هي العبارة ، واللكنة هي اللكنة ، والهجنة هي الهجنة ، "الوحدة الوطنية" ، "خيار الشعب" ، "الالتزام بالديمقراطية" ، "المصلحة الوطنية" ، "الأخ أبو مازن" ، "المصلحة العليا للشعب" ، "الدم الفلسطيني" ، "الشرعية الدولية" وهلم جرا من نسيج المصطلحات الوطنية والقومية التي أكل عليها الدهر وشرب ومجها أهلوها وحاملوها قبل غيرهم فجاء هؤلاء الحماسيون ليعيدوا لها شبابها وحيويتها ويسقوا غرسها بعد أن بلغت أقصى درجات الذبول والوهن ، ويجددوها في قلوب النشء الفلسطيني الجديد والذي أُرهق آباؤهم بها من قبلُ فما جرّت عليهم إلا الويلات ولا أصابوا منها غير الأماني الكاذبات والتي ما فتئوا يركضون وراءها ركض الظمآن خلف السراب الهارب وأنى له إدراكه.
فما إن ظهرت نتائج انتخاباتهم واستنشقوا معها نشوة الفوز "المؤقت" حتى بدأوا في إحياء السنة العرفاتية والتي تقوم على دوام الاستجداء وشد الرحال وكثرة الترحال من عاصمة إلى عاصمة ومن دولة إلى دولة والتي تختصر كل لقاء مع أي كافر أو زنديق أو طاغية بأنه "لقاء بنَّاء وإيجابي" كانت فيه الأطراف المتحاورة متفهمة لوجهات نظر بعضها وأن هناك "أرضية مشتركة" يمكن العمل من خلالها ، هذا مع امتصاص الإهانات التي تُلاقى في سبيل ذلك وعدم المبالاة بها ولا عدها عقبة يمكن أن تحول وتمنع من أي لقاء ، مع فقدان أي ضابط شرعي يمكن أن يقيد أو يحدد نوعية اللقاءات أويضع حدوداً للتصريحات ، والتهوين بل الجرأة على ارتكاب أعظم التجاوزات العقدية والشرعية تحت غطاء "المصلحة الوطنية" والتي لا يكاد معتنقها ورافع شعارها يُسأل عما يفعل!
إن حركة حماس وبدخولها هذه المنعرجات والتشعبات والدهاليز التي لا يعرف أولها من آخرها والحاوية لمخالفات صريحة خطيرة سواء كانت عقدية أوشرعية أومنهجية أو واقعية قد حكمت على نفسها بالموت وحفرت قبرها بيديها وأسلمت عُنقها طوعاً للجزارين ووضعت قدميها اختياراً في طريق القضاء على ذاتها مهما حاولت الظهور بمظهر الخبير المحنك والسياسي المقتدر.
فحتى على مجال التأييد العالمي الذي يعتبرونه الركيزة الأولى للنجاح والاستمرار لحكومتهم فإن مساحة المناورات السياسية التي يمكن أن تلعبها حماس لتكسب بها الدعم الدولي لها وتستميله نحوها لن تكون أفسح من تلك التي كانت السلطة الفلسطينية منذ استسلامها وتنازلاتها تتنقل وتحوم بداخلها ، ومع ذلك فقد كانت نهايتها تأبين الشعب الفلسيطيني لها بعد أن يئس من طول الأماني التي لم تزل تخدره بها وصار يبحث عن البديل الصادق الذي يلبي مطالبه ، ولذا لم يجد بداً من انتخاب حماس عسى أن يحقق شيئاً من طموحاته من خلالاها والتي اكتشف فشل أو عجز السلطة الفلسطينية عن تحقيقها وهو الأمر الذي سيصيب حركة حماس تماماً كما أصاب السطلة قبلها والسعيد من اتعظ بغيره واعتبر بسواه { قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ * هَـذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ } آل عمران137_138
فلئن كانت حماس قد اكتسبت أكثر ثقة الشعب الفلسيطيني من خلال رفعها لشعار "تحرير فلسطين" وبانتهاج طريق الجهاد المسلح الذي كان جناحها العسكري يخوضه ، فإنها قد أوقعت نفسها في الفخ الذي زلت فيه أقدام منظمة التحرير والتي ما فتئت تقدم التنازلات تلو التنازلات حتى وصلت إلى الحضيض الذي لفظها فيه الفلسطينيون لفظ النواة ، فإذا كانت منظمة التحرير على علمانيتها الصريحة وتنازلاتها المتتابعة ورضا الحكومات العربية وكثير من العالمية عنها بل ودعمها إياها لم يشفع لها ذلك لدى اليهود ليحققوا من خلال "سلطتهم الفلسطينية" شيئاً مما قامت لأجله ، بل إن حال الفلسطينيين قبلها أفضل بكثير من أوضاعهم بعد مجيئها فأنى لحركة حماس "الإسلامية" أن تجني من خلال هذ الطريق شيئاً من ثماره التي عجز سابقوها عن نيلها ولم تزل تلك القائمة التي عرضت بنودها واحداً واحداً للاعتراف المحدود بسلطة عرفات مشهورة في وجه حكومة حماس ، لتقول : نعم لما فيها ، فتكون بذلك الوجهة الأخرى لعملة السلطة الفسلطينية ، أو تقول : لا فترجع من حيث انتهت وقد استهلك منها ذلك جهداً ووقتاً ، أما مسك العصاة من النصف ، والذبذبة لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ، وانتهاج سبيل "الإحسان والتوفيق" فلا مكان له مع عدو عُرف بصراحته وصرامته ووضوح طرحه لمطالبه وقوة عدائه لمخالفيه ومناؤيه.
ولهذا فإننا نقول وبكل أسف إن دخول حماس للمعمعة السياسية وبهذه الطريقة السافرة يعتبر خنجراً مسموماً قاتلاً قد طَعنت به الحركات الجهادية المسلحة في فلسطين وأولها جناحها العسكري الذي جُمدت عملياته منذ ولولوج قادتهم السياسيين للقبة التشريعية بل وقبل ذلك بزمن، تمهيداً وتوطيداً لطي صفحة الماضي القتالي وارتداء قمصان السياسيين والتسلل إلى سراديبهم المظلمة لينتظر الشعب الفلسطيني خروجهم منه وانتفاعهم به إلى يوم الدين ولكن هيهات هيهات ، زيادة على المفاسد الفادحة والقاتلة التي ستطفوا –بل طفت- على السطح والتي سيلمسها القادة الحماسيون قبل غيرهم حيث سيكون شغلهم الشاغل هو إيجاد المخرج منها والانكباب عليها واعتبارها جبهة مستقلة تستهلك كل جهودهم وطاقاتهم ومن ثم سيتقوقعون على أنفسهم ليكون العدو في منأ ومأمن منهم وذلك أهم ما يمكن أن يقدموه له ، إضافة إلى أن جناحجها العسكري سيجد نفسه قد اختنق وانقطعت أنفاسه من طول الانتظار والاحتقان مما سيضطره – حتماً- إلى التمرد المفاجئ على قادته السياسيين وإحراجهم بنفس الحجج والمبررات التي كانت حركة حماس تضعها بين يدي السطلة الفلسطينية إثر كل عملية عسكرية تستهدف اليهود ، وإذا ما أردنا ذكر "بعض" التجاوزات والانحرافات والمفاسد التي برزت وستبرز أكثر وأجلى من خلال دخول حماس للمجلس التشريعي وتوليها زمام السلطة فيه فيمكن إجمال بعضها – وغيرها كثير - كرؤس عناوين في الآتي :
أولاً : دخولها ومشاركتها في مجلس شركي كفري مهمته تشريع القوانين وسنها استقلالاً ومن ثم فرضها وإلزام الناس بها ، وذلك منازعة لرب السموات والأرض في أمر هو من أخص خصائص ربوبيته : { أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } الأعراف54 ولن يجد المرء عنتاً ولا نصباً في إثبات هذه الحقيقة ، فالاسم ينبيك عن مسماه فهو "المجلس التشريعي" كما اختار له أربابه من الأسماء وقد قال الله تعالى { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }الشورى21 ، وما حال هذا المجلس التشريعي الكفري ونظائره إلا كحال "مُنسئي الأشهر الحرم" في ما أوكلوه إلى أنفسهم من الكفر والضلال والتحليل والتحريم ، إلا أن أولئك لم تكن لهم قاعات فاخرة يجتمعون فيها ، ولا سيارات فارهة يستقلونها ، ولا صحافة وإعلام تنقل وقائع "تشريعاتهم" التي سطرها القرآن وهو أصدق ناقل وأدق واصف : { إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلِّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِّيُوَاطِؤُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ اللّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ } التوبة37
ثانياً : وهو منبثق عما قبله ، إذ إن دخول حماس للمجلس التشريعي ، وهي المحسوبة على الحركات الإسلامية يضفي الشرعية على ذلك المجلس ، ويوجب على العامة والخاصة احترام قوانينه والتزام نُظُمه وتبجيل مَن هم بداخله ، وبالتعبير الشرعي "الإيمان بربوبيته" فالحلال ما أحله والحرام ما حرمه والواجب ما أوجبه والنظام والقانون ما فرضه ، فهو دعوة صريحة قولاً وفعلاً للإيمان "بطاغوت" عصري في صورة "متحضرة" خداعة ، فإذا كانت حركة حماس حركة "إسلامية" فإن أول مهامها وكبرى قضاياها هو تجريد التوحيد لله عز وجل ، وبيان حقيقة الطاغوت بجميع أشكاله وسائر صوره وتعريته للناس حتى يجتنبوه ويكفروا به وتلك هي مهمة الرسل كافة : { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ } النحل36 كما قال عز وجل : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً } النساء60
ثالثاً : إن دخول حماس للمجلس التشريعي ومشاركتها المباشرة في السلطة قد ألغت أمراً يعد أوثق عرى الإيمان ألا وهو الحب في الله والبغض في الله ، وأزالت عقيدة الولاء والبراء من قاموسها ، ولك أن تستمع إلى تصريحاتهم التي صارت مستساغة عند الجميع لتحكم "وبإنصاف" إن كانت الحركة تضع لهذه العقيدة اعتباراً أو تولي لها اهتماماً ، وبذلك تكون قد عززت في قلوب وأذهان العامة أن "الأخوة الفلسطينية" هي فوق كل اعتبار ، وأن الأمر بينها وبين بقية المنظمات الفلسطينية العلمانية والاشتراكية لا يعدو أن يكون تبادل أدوار لتقديم خدمات أفضل وأكمل للشعب الفلسطيني ، وبهذا اختلط الحابل بالنابل ولُبست سبيل المؤمنين بسبيل المجرمين الذي جاء القرآن بالفصل بينهما وتجلية حدودهما والتعريف الكامل المسهب بهما { وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ } الأنعام55 ، وهل رأى المسلم اليوم محادة لله ولرسوله ومشاقة لسبيل الإسلام أعظم مما ارتكبته وترتكبه "السلطة الفلسطينية" منذ تأسيسها وإلى يومنا هذا ، فكيف يوصف هؤلاء المردة الطغاة العتاة بأنهم أخوة ، أفلا يقرأ قادة حماس وهم في حماسهم قول الله تعالى : { لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } المجادلة22 ، أفلا يقرأون أيضاً : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } التوبة23 ولا حول ولا قوة إلا بالله.
رابعاً : إن دخول حركة حماس للسلطة قد بدأ يُرجع للطغاة العرب وغيرهم مكانتهم ومنزلتهم ويرمم عروشهم المتهاوية ، ويجدد ثقة شعوبهم بهم ، وذلك من خلال إظهارهم في مظهر الحريص على مصلحة الشعب الفلسطيني والحاملين لهمومه والناصحين لقادته ، ولعمر الله إن هذا لأمر قد بدا كذبه ودجله وزيفه للقاصي والداني حتى خلُص إلى العذارى في خدورهن ، فهل ضيع فلسطين ونكب أهلها إلا عمالة هؤلاء الطغاة الذين يصفهم قادة حماس بإنهم "الأخوة" في مصر أو في الاردن أو تركيا ، وهل أضفى الشرعية على اليهود ومكّن لهم ومكّنهم من رقاب ضعفة الفلسطينين إلا هؤلاء فمتى كان الذئب ناصحاً للنعاج أفلا تعقلون؟
إن تعرية هؤلاء الطغاة وكشف عمالتهم الظاهرة والباطنة واستعدادهم التام لسحق شعوبهم كاملة من أجل بقاء دولة يهود واستقرارها قد استغرق – ولا يزال – جهداً مضنياً وكلف الأمة ضرائب لا حد لها من الدماء والأشلاء والتشريد والتهجير والاعتقالات حتى أدرك العامة ذلك الأمر إدراكاً مرضياً وإن لم يكن كاملاً لا سيما بعد أحداث نيويورك وواشنطن ، أفبعد هذا كله يريد منا قادة حماس أن نرجع القهقرى ونلتفت للوراء وأن نعود لنُقنع أنفسنا وشعوبنا بأن "مبارك" و"عبد الله" و" علي عبد الله صالح" وأمثالهم ، هم ممن يحمل عبء قضية فلسيطين ويصدق في البحث عن إيجاد حل لها وأنهم صادقون ناصحون مشفقون على أهلها ؟!
وبعد فإن الحديث عن هذه القضية الخطيرة طويل ومتشعب وما ذكرناه هنا إنما هو كرؤس أقلام وتسطير عنوانين ومجرد إشارات ، وإلا فإنه أبعد وأعمق مما يتخيله بعض السطحيين الذين يحللون الأمور بعقلية متنكرة للقطعيات الواقعية ومصادمة لثوابت شرعية ، وينظرون إليها من خلال بعض "المكاسب" الخدَّاعة الواهمة التي ينفخون فيها والتي ستنقلب عليهم عما قريب لعنات ولعنات يتبرأون منها وسيبذلون قصارى جهدهم للانفكاك عنها والتنكر لها ولن يجدوا لذلك سبيلاً.
إن من أراد إقامة شرعة الرحمن فعليه أن يوطن نفسه لدفع ضريبتها وتحمل أعبائها والصبر على طريقها وإلا فليترك المجال لمن هيأ نفسه لذلك أما مسلك العرض القريب والسفر القاصد فلا مكان له بين العاملين الصادقين ولا يمكن أن يوصل إلى الغاية المرجوة والمنتهى المطلوب
{لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاَّتَّبَعُوكَ وَلَـكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ }التوبة42
اللهم اهدِ حماساً وائتِ بهم إلى طريق الصلاح والإصلاح المرضيّ عندك يا ربَّ العالمين .
وكتبه / أبو يحيى الليبي (حسن قائد)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد ..
فالمرء وهو يستمع إلى تصريحات قادة حركة حماس وحواراتهم ولقاءاتهم بعد أن استظلوا بقبة المجلس "التشريعي" واسترخوا على كراسيِّه يصاب بغثيان نفسي ودوارن فكري يجعله يصول ويجول بين تلك العبارات الممجوجة والكلمات المهترئة والمصطلحات المنكوسة التي يلوكونها عسى أن يَعْبُر بجانب أُذنيه عبوراً عابراً شيءٌ مما يدله على أن المتكلمين والمصرحين هم من المحسوبين على المسلمين فضلاً عن الحركات الإسلامية بل الجهادية فكيف إن كانوا معدودين من قادتها ، ومع الإجهاد والتركيز وبالغ الانتباه لا يكاد يُعرف إن كان المتحدث هو من منظمة فتح أو الجبهة الشعبية أو غيرهما من المنظمات الفلسطينية الوطنية السافلة المتنكرة للإسلام أصلاً وفرعاً ، ولا يمكنك – وأنت مُنْصِت مصغٍ - التعرف على هوية المتحدث الفكرية إلا من خلال الاتجاه العام للحورات أو من خلال تعريف القائمين على البرامج الإذاعية بشخصيات المتحدثين وانتماءاتهم الحركية.
فالعبارة هي العبارة ، واللكنة هي اللكنة ، والهجنة هي الهجنة ، "الوحدة الوطنية" ، "خيار الشعب" ، "الالتزام بالديمقراطية" ، "المصلحة الوطنية" ، "الأخ أبو مازن" ، "المصلحة العليا للشعب" ، "الدم الفلسطيني" ، "الشرعية الدولية" وهلم جرا من نسيج المصطلحات الوطنية والقومية التي أكل عليها الدهر وشرب ومجها أهلوها وحاملوها قبل غيرهم فجاء هؤلاء الحماسيون ليعيدوا لها شبابها وحيويتها ويسقوا غرسها بعد أن بلغت أقصى درجات الذبول والوهن ، ويجددوها في قلوب النشء الفلسطيني الجديد والذي أُرهق آباؤهم بها من قبلُ فما جرّت عليهم إلا الويلات ولا أصابوا منها غير الأماني الكاذبات والتي ما فتئوا يركضون وراءها ركض الظمآن خلف السراب الهارب وأنى له إدراكه.
فما إن ظهرت نتائج انتخاباتهم واستنشقوا معها نشوة الفوز "المؤقت" حتى بدأوا في إحياء السنة العرفاتية والتي تقوم على دوام الاستجداء وشد الرحال وكثرة الترحال من عاصمة إلى عاصمة ومن دولة إلى دولة والتي تختصر كل لقاء مع أي كافر أو زنديق أو طاغية بأنه "لقاء بنَّاء وإيجابي" كانت فيه الأطراف المتحاورة متفهمة لوجهات نظر بعضها وأن هناك "أرضية مشتركة" يمكن العمل من خلالها ، هذا مع امتصاص الإهانات التي تُلاقى في سبيل ذلك وعدم المبالاة بها ولا عدها عقبة يمكن أن تحول وتمنع من أي لقاء ، مع فقدان أي ضابط شرعي يمكن أن يقيد أو يحدد نوعية اللقاءات أويضع حدوداً للتصريحات ، والتهوين بل الجرأة على ارتكاب أعظم التجاوزات العقدية والشرعية تحت غطاء "المصلحة الوطنية" والتي لا يكاد معتنقها ورافع شعارها يُسأل عما يفعل!
إن حركة حماس وبدخولها هذه المنعرجات والتشعبات والدهاليز التي لا يعرف أولها من آخرها والحاوية لمخالفات صريحة خطيرة سواء كانت عقدية أوشرعية أومنهجية أو واقعية قد حكمت على نفسها بالموت وحفرت قبرها بيديها وأسلمت عُنقها طوعاً للجزارين ووضعت قدميها اختياراً في طريق القضاء على ذاتها مهما حاولت الظهور بمظهر الخبير المحنك والسياسي المقتدر.
فحتى على مجال التأييد العالمي الذي يعتبرونه الركيزة الأولى للنجاح والاستمرار لحكومتهم فإن مساحة المناورات السياسية التي يمكن أن تلعبها حماس لتكسب بها الدعم الدولي لها وتستميله نحوها لن تكون أفسح من تلك التي كانت السلطة الفلسطينية منذ استسلامها وتنازلاتها تتنقل وتحوم بداخلها ، ومع ذلك فقد كانت نهايتها تأبين الشعب الفلسيطيني لها بعد أن يئس من طول الأماني التي لم تزل تخدره بها وصار يبحث عن البديل الصادق الذي يلبي مطالبه ، ولذا لم يجد بداً من انتخاب حماس عسى أن يحقق شيئاً من طموحاته من خلالاها والتي اكتشف فشل أو عجز السلطة الفلسطينية عن تحقيقها وهو الأمر الذي سيصيب حركة حماس تماماً كما أصاب السطلة قبلها والسعيد من اتعظ بغيره واعتبر بسواه { قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ * هَـذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ } آل عمران137_138
فلئن كانت حماس قد اكتسبت أكثر ثقة الشعب الفلسيطيني من خلال رفعها لشعار "تحرير فلسطين" وبانتهاج طريق الجهاد المسلح الذي كان جناحها العسكري يخوضه ، فإنها قد أوقعت نفسها في الفخ الذي زلت فيه أقدام منظمة التحرير والتي ما فتئت تقدم التنازلات تلو التنازلات حتى وصلت إلى الحضيض الذي لفظها فيه الفلسطينيون لفظ النواة ، فإذا كانت منظمة التحرير على علمانيتها الصريحة وتنازلاتها المتتابعة ورضا الحكومات العربية وكثير من العالمية عنها بل ودعمها إياها لم يشفع لها ذلك لدى اليهود ليحققوا من خلال "سلطتهم الفلسطينية" شيئاً مما قامت لأجله ، بل إن حال الفلسطينيين قبلها أفضل بكثير من أوضاعهم بعد مجيئها فأنى لحركة حماس "الإسلامية" أن تجني من خلال هذ الطريق شيئاً من ثماره التي عجز سابقوها عن نيلها ولم تزل تلك القائمة التي عرضت بنودها واحداً واحداً للاعتراف المحدود بسلطة عرفات مشهورة في وجه حكومة حماس ، لتقول : نعم لما فيها ، فتكون بذلك الوجهة الأخرى لعملة السلطة الفسلطينية ، أو تقول : لا فترجع من حيث انتهت وقد استهلك منها ذلك جهداً ووقتاً ، أما مسك العصاة من النصف ، والذبذبة لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ، وانتهاج سبيل "الإحسان والتوفيق" فلا مكان له مع عدو عُرف بصراحته وصرامته ووضوح طرحه لمطالبه وقوة عدائه لمخالفيه ومناؤيه.
ولهذا فإننا نقول وبكل أسف إن دخول حماس للمعمعة السياسية وبهذه الطريقة السافرة يعتبر خنجراً مسموماً قاتلاً قد طَعنت به الحركات الجهادية المسلحة في فلسطين وأولها جناحها العسكري الذي جُمدت عملياته منذ ولولوج قادتهم السياسيين للقبة التشريعية بل وقبل ذلك بزمن، تمهيداً وتوطيداً لطي صفحة الماضي القتالي وارتداء قمصان السياسيين والتسلل إلى سراديبهم المظلمة لينتظر الشعب الفلسطيني خروجهم منه وانتفاعهم به إلى يوم الدين ولكن هيهات هيهات ، زيادة على المفاسد الفادحة والقاتلة التي ستطفوا –بل طفت- على السطح والتي سيلمسها القادة الحماسيون قبل غيرهم حيث سيكون شغلهم الشاغل هو إيجاد المخرج منها والانكباب عليها واعتبارها جبهة مستقلة تستهلك كل جهودهم وطاقاتهم ومن ثم سيتقوقعون على أنفسهم ليكون العدو في منأ ومأمن منهم وذلك أهم ما يمكن أن يقدموه له ، إضافة إلى أن جناحجها العسكري سيجد نفسه قد اختنق وانقطعت أنفاسه من طول الانتظار والاحتقان مما سيضطره – حتماً- إلى التمرد المفاجئ على قادته السياسيين وإحراجهم بنفس الحجج والمبررات التي كانت حركة حماس تضعها بين يدي السطلة الفلسطينية إثر كل عملية عسكرية تستهدف اليهود ، وإذا ما أردنا ذكر "بعض" التجاوزات والانحرافات والمفاسد التي برزت وستبرز أكثر وأجلى من خلال دخول حماس للمجلس التشريعي وتوليها زمام السلطة فيه فيمكن إجمال بعضها – وغيرها كثير - كرؤس عناوين في الآتي :
أولاً : دخولها ومشاركتها في مجلس شركي كفري مهمته تشريع القوانين وسنها استقلالاً ومن ثم فرضها وإلزام الناس بها ، وذلك منازعة لرب السموات والأرض في أمر هو من أخص خصائص ربوبيته : { أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } الأعراف54 ولن يجد المرء عنتاً ولا نصباً في إثبات هذه الحقيقة ، فالاسم ينبيك عن مسماه فهو "المجلس التشريعي" كما اختار له أربابه من الأسماء وقد قال الله تعالى { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }الشورى21 ، وما حال هذا المجلس التشريعي الكفري ونظائره إلا كحال "مُنسئي الأشهر الحرم" في ما أوكلوه إلى أنفسهم من الكفر والضلال والتحليل والتحريم ، إلا أن أولئك لم تكن لهم قاعات فاخرة يجتمعون فيها ، ولا سيارات فارهة يستقلونها ، ولا صحافة وإعلام تنقل وقائع "تشريعاتهم" التي سطرها القرآن وهو أصدق ناقل وأدق واصف : { إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلِّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِّيُوَاطِؤُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ اللّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ } التوبة37
ثانياً : وهو منبثق عما قبله ، إذ إن دخول حماس للمجلس التشريعي ، وهي المحسوبة على الحركات الإسلامية يضفي الشرعية على ذلك المجلس ، ويوجب على العامة والخاصة احترام قوانينه والتزام نُظُمه وتبجيل مَن هم بداخله ، وبالتعبير الشرعي "الإيمان بربوبيته" فالحلال ما أحله والحرام ما حرمه والواجب ما أوجبه والنظام والقانون ما فرضه ، فهو دعوة صريحة قولاً وفعلاً للإيمان "بطاغوت" عصري في صورة "متحضرة" خداعة ، فإذا كانت حركة حماس حركة "إسلامية" فإن أول مهامها وكبرى قضاياها هو تجريد التوحيد لله عز وجل ، وبيان حقيقة الطاغوت بجميع أشكاله وسائر صوره وتعريته للناس حتى يجتنبوه ويكفروا به وتلك هي مهمة الرسل كافة : { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ } النحل36 كما قال عز وجل : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً } النساء60
ثالثاً : إن دخول حماس للمجلس التشريعي ومشاركتها المباشرة في السلطة قد ألغت أمراً يعد أوثق عرى الإيمان ألا وهو الحب في الله والبغض في الله ، وأزالت عقيدة الولاء والبراء من قاموسها ، ولك أن تستمع إلى تصريحاتهم التي صارت مستساغة عند الجميع لتحكم "وبإنصاف" إن كانت الحركة تضع لهذه العقيدة اعتباراً أو تولي لها اهتماماً ، وبذلك تكون قد عززت في قلوب وأذهان العامة أن "الأخوة الفلسطينية" هي فوق كل اعتبار ، وأن الأمر بينها وبين بقية المنظمات الفلسطينية العلمانية والاشتراكية لا يعدو أن يكون تبادل أدوار لتقديم خدمات أفضل وأكمل للشعب الفلسطيني ، وبهذا اختلط الحابل بالنابل ولُبست سبيل المؤمنين بسبيل المجرمين الذي جاء القرآن بالفصل بينهما وتجلية حدودهما والتعريف الكامل المسهب بهما { وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ } الأنعام55 ، وهل رأى المسلم اليوم محادة لله ولرسوله ومشاقة لسبيل الإسلام أعظم مما ارتكبته وترتكبه "السلطة الفلسطينية" منذ تأسيسها وإلى يومنا هذا ، فكيف يوصف هؤلاء المردة الطغاة العتاة بأنهم أخوة ، أفلا يقرأ قادة حماس وهم في حماسهم قول الله تعالى : { لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } المجادلة22 ، أفلا يقرأون أيضاً : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } التوبة23 ولا حول ولا قوة إلا بالله.
رابعاً : إن دخول حركة حماس للسلطة قد بدأ يُرجع للطغاة العرب وغيرهم مكانتهم ومنزلتهم ويرمم عروشهم المتهاوية ، ويجدد ثقة شعوبهم بهم ، وذلك من خلال إظهارهم في مظهر الحريص على مصلحة الشعب الفلسطيني والحاملين لهمومه والناصحين لقادته ، ولعمر الله إن هذا لأمر قد بدا كذبه ودجله وزيفه للقاصي والداني حتى خلُص إلى العذارى في خدورهن ، فهل ضيع فلسطين ونكب أهلها إلا عمالة هؤلاء الطغاة الذين يصفهم قادة حماس بإنهم "الأخوة" في مصر أو في الاردن أو تركيا ، وهل أضفى الشرعية على اليهود ومكّن لهم ومكّنهم من رقاب ضعفة الفلسطينين إلا هؤلاء فمتى كان الذئب ناصحاً للنعاج أفلا تعقلون؟
إن تعرية هؤلاء الطغاة وكشف عمالتهم الظاهرة والباطنة واستعدادهم التام لسحق شعوبهم كاملة من أجل بقاء دولة يهود واستقرارها قد استغرق – ولا يزال – جهداً مضنياً وكلف الأمة ضرائب لا حد لها من الدماء والأشلاء والتشريد والتهجير والاعتقالات حتى أدرك العامة ذلك الأمر إدراكاً مرضياً وإن لم يكن كاملاً لا سيما بعد أحداث نيويورك وواشنطن ، أفبعد هذا كله يريد منا قادة حماس أن نرجع القهقرى ونلتفت للوراء وأن نعود لنُقنع أنفسنا وشعوبنا بأن "مبارك" و"عبد الله" و" علي عبد الله صالح" وأمثالهم ، هم ممن يحمل عبء قضية فلسيطين ويصدق في البحث عن إيجاد حل لها وأنهم صادقون ناصحون مشفقون على أهلها ؟!
وبعد فإن الحديث عن هذه القضية الخطيرة طويل ومتشعب وما ذكرناه هنا إنما هو كرؤس أقلام وتسطير عنوانين ومجرد إشارات ، وإلا فإنه أبعد وأعمق مما يتخيله بعض السطحيين الذين يحللون الأمور بعقلية متنكرة للقطعيات الواقعية ومصادمة لثوابت شرعية ، وينظرون إليها من خلال بعض "المكاسب" الخدَّاعة الواهمة التي ينفخون فيها والتي ستنقلب عليهم عما قريب لعنات ولعنات يتبرأون منها وسيبذلون قصارى جهدهم للانفكاك عنها والتنكر لها ولن يجدوا لذلك سبيلاً.
إن من أراد إقامة شرعة الرحمن فعليه أن يوطن نفسه لدفع ضريبتها وتحمل أعبائها والصبر على طريقها وإلا فليترك المجال لمن هيأ نفسه لذلك أما مسلك العرض القريب والسفر القاصد فلا مكان له بين العاملين الصادقين ولا يمكن أن يوصل إلى الغاية المرجوة والمنتهى المطلوب
{لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاَّتَّبَعُوكَ وَلَـكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ }التوبة42
اللهم اهدِ حماساً وائتِ بهم إلى طريق الصلاح والإصلاح المرضيّ عندك يا ربَّ العالمين .
وكتبه / أبو يحيى الليبي (حسن قائد)