mohammad
04-27-2006, 04:49 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
حديثُ الذِّكريات 27-04-06
زرت صديقا قبل يومين في وقت متأخر من الليل، وما أن وصلت حتى بدأنا نتبادل أطراف الحديث التي ساقتنا إلى التطرِّق للأثاث وذوق انتقاء الجيّد منها والجميل الحسن بعد أن مررنا بحديث الطِّيْب والعود الذي انتهى بتنظيف المبخرة وتبخير المنزل بأجود أنواع العود الذي كان متوفرا إذّاك.
وجعل أكرم يريني قطع الأثاث الفاخرة التي تزخر بها صالة بيته الواسعة الرحبة الفسيحة، يُشير إلى طاولةٍ وينزع الغطاء عن أخرى، يسدل قطعة قماشٍ ويطوي أخرى، يفتح باب خزانةٍ ويغلق باباً، وخلف أحد أبواب الخزائن كان يختبئ الفيلم الذي طالما أخبرني عنه ومدحه لي حتى تلهفت لمشاهدته أيما لهفة وتشوقت له أيما شوق، وصرت أسأل عنه كلما مررت بمحلٍّ يبيع الأفلام الهندية.
فرح أكرم وفرحتُ فرحاً كبيرا إثر عثوره على هذا الفيلم، وتوجَّهنا للتو إلى الغرفة المجاورة حيث التلفاز وجهاز تشغيل الأفلام وبعض الفاكهة.
جلستُ في المكان الذي أجلس فيه عادة بحيث يكون التلفاز ذو الشاشة الضخمة ونظام الصوت المخيف المفزع، إلى يميني بزاوية 45 درجة ويكون أكرم إلى يساري بنفس الدرجة تقريبا. بدأ الفيلم بأغنية هندية عذبة في حين كان أكرم يشرح لي قصة الفيلم وخطوطه العريضة.
الفيلم – كما أذكر – استمر لأكثر من ثلاث ساعات كان خلالها أكرم متنقلا بين غرفة التلفاز، التي خفتَتْ أضواؤها حتى شعرتُ بأنني في السينما، وغرفة الكومبيتر حيث كان ينتظر رسالة عمل هامة. كان كلما دخل عليّ سألني: "كيف الأمور يا حاج؟" أو "كيف الوضع يا أستاذ؟" وكنت أجيب بالقول: "ممتاز" أو "رائع" أو "تمام".
وفي غضون هذه الساعات الممتعة الرائعة الساحرة الفتانة الحلوة الجميلة الحسنة الحلوة الثلاث، كانت تساورني أفكارٌ جمّة منها ما هو ناتجٌ عن مشاهد الفيلم فمحدثٌ صلةً بينها وأحداثٍ خَلَتْ، ومنها مما يعصف به الذهنُ هناك في زواياه المظلمة وآفاقه الرمادية.
من ذلك حديثُ الذكريات الذي أخذ من فكري وقلمي نصيبه قبل عام وبعض عام.
في سالف العهد كان حديثُ الذكريات صامتا فلا صوتَ يُعبِّر عنه ولا أقلامَ تسطره في صفحات الماضي. كان صورةً صامتة جامدة لا تتحرك إلا بأمرٍ من الذكرى المرتبطة به... أمرٍ لا يأتي إلا بشعورٍ يحرك لديه داعية المجيء.
يتكرر وجود الأشخاص الذين تهفو لذكراهم القلوب في كل مكان وزمان، ويقترن ذكرهم بإشارات معيّنة تصبحُ حميميَّتُها مع الوقت بمقدار حميميّتهم هم أنفسِهم. هذه الإشارات قد لا نلاحظها إلا عندما تصبح ماضيا وذكرى، وهذا هو الواقع في معظم الحالات.
الطرف الآخر للمسألة يعرفه كل من سنحت له الحياة بالاطّلاع على جانبها الشاب وأفقها الأخضر، وهي كثرما تضنّ به على غير أهله. ذلك أنّ أشخاصا على ذاك الجانب يكسرون حواجز القلوب ويدخلونها ليزرعوا فيها نبتة الذكرى العجيبة التي أوتيَتْ جهاز التراجع الزمني، فيشعر المرءُ حينها أنه يعيش معهم الذكرى قبل أن يفارقهم. بل وعندها تصبح الصورة متحرّكة، بل مفعمةً بالحيوية والحبور، ويصبح لإشارات الذكرى إشاراتٌ لها من الدلالات ما يصلح لأن يكون صورة متحركةً يحرك داعية مجيئها فيلمٌ هنديّ.
حديثُ الذِّكريات 27-04-06
زرت صديقا قبل يومين في وقت متأخر من الليل، وما أن وصلت حتى بدأنا نتبادل أطراف الحديث التي ساقتنا إلى التطرِّق للأثاث وذوق انتقاء الجيّد منها والجميل الحسن بعد أن مررنا بحديث الطِّيْب والعود الذي انتهى بتنظيف المبخرة وتبخير المنزل بأجود أنواع العود الذي كان متوفرا إذّاك.
وجعل أكرم يريني قطع الأثاث الفاخرة التي تزخر بها صالة بيته الواسعة الرحبة الفسيحة، يُشير إلى طاولةٍ وينزع الغطاء عن أخرى، يسدل قطعة قماشٍ ويطوي أخرى، يفتح باب خزانةٍ ويغلق باباً، وخلف أحد أبواب الخزائن كان يختبئ الفيلم الذي طالما أخبرني عنه ومدحه لي حتى تلهفت لمشاهدته أيما لهفة وتشوقت له أيما شوق، وصرت أسأل عنه كلما مررت بمحلٍّ يبيع الأفلام الهندية.
فرح أكرم وفرحتُ فرحاً كبيرا إثر عثوره على هذا الفيلم، وتوجَّهنا للتو إلى الغرفة المجاورة حيث التلفاز وجهاز تشغيل الأفلام وبعض الفاكهة.
جلستُ في المكان الذي أجلس فيه عادة بحيث يكون التلفاز ذو الشاشة الضخمة ونظام الصوت المخيف المفزع، إلى يميني بزاوية 45 درجة ويكون أكرم إلى يساري بنفس الدرجة تقريبا. بدأ الفيلم بأغنية هندية عذبة في حين كان أكرم يشرح لي قصة الفيلم وخطوطه العريضة.
الفيلم – كما أذكر – استمر لأكثر من ثلاث ساعات كان خلالها أكرم متنقلا بين غرفة التلفاز، التي خفتَتْ أضواؤها حتى شعرتُ بأنني في السينما، وغرفة الكومبيتر حيث كان ينتظر رسالة عمل هامة. كان كلما دخل عليّ سألني: "كيف الأمور يا حاج؟" أو "كيف الوضع يا أستاذ؟" وكنت أجيب بالقول: "ممتاز" أو "رائع" أو "تمام".
وفي غضون هذه الساعات الممتعة الرائعة الساحرة الفتانة الحلوة الجميلة الحسنة الحلوة الثلاث، كانت تساورني أفكارٌ جمّة منها ما هو ناتجٌ عن مشاهد الفيلم فمحدثٌ صلةً بينها وأحداثٍ خَلَتْ، ومنها مما يعصف به الذهنُ هناك في زواياه المظلمة وآفاقه الرمادية.
من ذلك حديثُ الذكريات الذي أخذ من فكري وقلمي نصيبه قبل عام وبعض عام.
في سالف العهد كان حديثُ الذكريات صامتا فلا صوتَ يُعبِّر عنه ولا أقلامَ تسطره في صفحات الماضي. كان صورةً صامتة جامدة لا تتحرك إلا بأمرٍ من الذكرى المرتبطة به... أمرٍ لا يأتي إلا بشعورٍ يحرك لديه داعية المجيء.
يتكرر وجود الأشخاص الذين تهفو لذكراهم القلوب في كل مكان وزمان، ويقترن ذكرهم بإشارات معيّنة تصبحُ حميميَّتُها مع الوقت بمقدار حميميّتهم هم أنفسِهم. هذه الإشارات قد لا نلاحظها إلا عندما تصبح ماضيا وذكرى، وهذا هو الواقع في معظم الحالات.
الطرف الآخر للمسألة يعرفه كل من سنحت له الحياة بالاطّلاع على جانبها الشاب وأفقها الأخضر، وهي كثرما تضنّ به على غير أهله. ذلك أنّ أشخاصا على ذاك الجانب يكسرون حواجز القلوب ويدخلونها ليزرعوا فيها نبتة الذكرى العجيبة التي أوتيَتْ جهاز التراجع الزمني، فيشعر المرءُ حينها أنه يعيش معهم الذكرى قبل أن يفارقهم. بل وعندها تصبح الصورة متحرّكة، بل مفعمةً بالحيوية والحبور، ويصبح لإشارات الذكرى إشاراتٌ لها من الدلالات ما يصلح لأن يكون صورة متحركةً يحرك داعية مجيئها فيلمٌ هنديّ.