fakher
02-20-2006, 02:21 PM
بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
قليل هم أولئك الذين يدركون حقيقة منهج هذا الدين العظيم وحجم تكاليفه...
فعندما خلق الله الجنة والنار وبعث جبريل ليراهما ورأى الجنة وما فيها من نعيم للوهلة الأولى قال: (والله يارب لم يسمع بها أحد قط إلا دخلها)! فلما أن رآها بعد ذلك قد حفت بالمكاره، قال: (والله يارب خشيت أن لا يدخلها أحد)!
فالطريق الذي أراده الله أن يوصل إلى الجنة ليس مزروعا بالورود والرياحين... كلا بل هو محفوف بالمكاره والابتلاءات والأذى والدماء.
ولو كان أحد يدخل الجنة دون سلوك هذه الطريق، لكان أولى الناس به رسل الله وأنبيائه الذين اصطفاهم الله من خيرة خلقه... فقد أوذوا وشوهوا وكذبوا... فصبروا على ما كذبوا حتى أتاهم نصر الله ولا مبدل لكلمات الله.
وهذه الحقيقة يعرفها كل عاقل درس منهج الانبياء وتاريخ الدعوات... ولذلك فأول كلمات سمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن نبيء من ورقة بن نوفل - وكان قد قرأ الكتب السابقة - كانت: (لم يأت رجل بمثل ما جئت به إلا عودي).
فالذين يحلمون أن يكونوا من ورثة الأنبياء، ثم يبحثون عن رضى الناس أو الحكومات؛ لم يفقهوا حقيقة هذا المنهاج.
إن الأنبياء جاؤوا ليقلبوا أوضاع أقوامهم المنكوسة رأسا على عقب، لا لينخرطوا فيها ويرقعوها بدعاوى الإصلاح، فإن داء الشرك لا يصلحه إلا الاستئصال من الجذور... ولذلك عودوا وأوذوا هم وأتباعهم.
ولو أن دعوة النبي صلى الله عليه وسلم كانت دعوة إصلاحية مجردة لبعض مشكلات المجتمع وانخرط في برامج عمل لمحاربة الفقر والفساد والتخلف والتبعية! وغير ذلك مما يدندن حوله دعاة العقلانية، أصحاب الفكر المستنير، دون أن يعلن براءته من المشركين وشركياتهم، ودون أن يتميز ويقف هو ومن معه من المؤمنين في الصف المقابل والعدوة المفارقة لعدوة الكفار، فيقول لهم: {قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون...}؛ لما ناله ما ناله هو وأصحابه من الأذى، ولما احتاجوا إلى الهجرة والخروج من أحب بقاع الأرض إليهم، ولبقوا في ديارهم وأوطانهم آمنين.
كتب بعضهم في مجلة عصرية، محاولا أن يمسك العصا من المنتصف - كما يقولون - فهو سلفي كما صنف نفسه، ولكنه ينتقد "السلفيين الجهاديين" كما سمى أهل هذا المنهاج... وكأنه يريدها سلفية من غير جهاد!
فالسلفية الجهادية تعرضت لضربات عديدة، ولذلك فهو يبحث عن سلفية لا يضربها الطواغيت، ولما فتش هنا وهناك وجد ضالته في سلفية اصلاحية ترقيعية، تنخرط في المجتمع وتذوب فيه... ولما كان هذا شيء ليس من هدي الأنبياء وطريقة دعوتهم لم يتأت له أن يجعلهم ومن سار على دربهم من الصحابة والأئمة والتابعين قدوة هذا التيار... وناسبه أن يختار جمال الدين الأفغاني ومحمد عبدة ومن لف لفيفهم اسوة وقدوة له ولتياره!
وعهدي بالرجل أنه كان ممن ينشر ويروج لكتابات من سماهم بالسلفيين الجهاديين، فلا أدري أهي التجارة في بضاعة بارك الله فيها في زماننا، امتطى الرجل صهوتها لعرض من الدنيا، أم أنها قناعات كان يتبناها في المنهاج ثم ماذا...؟ على كل حال أقل أحواله انه لم يكن يطعن من قبل في منهاجنا...
ثم جمعني به يوما مكتب واحد من مكاتب تحقيق أعداء الله، وضرب كل منا بضع عصي، وأودع كلانا زنزانة انفرادية، أقل من ثلاثة أسابيع، خرج الرجل بعدها بهذه الأفكار الإصلاحية التجديدية التنويرية، يروج لها، ويذم السلفية الجهادية ويصفها بالانغلاق والجمود و ... و ... ويبرا منها.
وهكذا عهدنا بالابتلاءات والسجون؛ إما أن تثمر وإما أن تكسر.
على رسلك أيها "السلفي الاصلاحي"؛ إنك لم تذق بعد شيئا... إنما هي عصي معدودات... أو تظن أنك بذبحك لإخوانك بمثل هذه المقالات وبراءتك من هذا المنهاج والتي قدمتها قربانا لرضى الطواغيت؛ ستنال هذا الهدف المنشود... مسكين أنت إن كنت تظن ذلك!
ربما كانت العصي المعدودات التي نلناها سويا مؤلمة بعض الشيء، لان الطاغية الذي كان يمسك بالعصا لم يكن يأبه أين تقع عصاه، على الرأس أم على الوجه أم الأصابع أم غيرها؛ لا جرم أن تقول بعد ذلك إذن مزورا للحقيقة عن السلفيين الجهاديين: (وهذا التيار بدأ يضعف بعد الضربات التي وجهت له من قبل الحكومات.... وهو الآن يجري مراجعة شاملة في أصوله ومساره، حيث بدأ الكثير من أفراده بالرجوع عن أفكاره وسلوكه)!
فأنت تقصد تيارك أنت بعد تلك العصي المعدودات... لا تيارنا السلفي الجهادي الذي بارك الله فيه، والذي لم تزده المحن إلا توقدا... وليس أدل من أنه اليوم يتلقى - بعد غزوة نيويورك وواشنطن - أعتى الضربات من كافة قوى الارض، ومع هذا فما ازداد إلا ثباتا وانتشارا وتوقدا.
ونظرة إلى العالم الإسلامي وشبابه وما اعتراهم من تغيرات بعد تلك الضربات؛ تعرفك بتزوير الرجل للحقائق... فالذي يعايش جمهور شباب الأمة اليوم بعد تلك الأحداث يعرف ماذا فعلت بهم تلك الضربات... إن كثيرا من أبناء جيلنا لم يذوقوا طعم العزة ويتبينوا الطريق الحق ويفهموا حقيقة الصراع إلا بعد هذه الضربات.
لكن أهل الانهزام لا يزيدهم البلاء إلا انهزاما، ولا يزيدهم الضرب إلا ركوعا وانبطاحا.
فالناس قد انقسموا أمام هذه الأحداث - كما قال إمام المجاهدين في عصرنا - إلى فسطاطين.
لم يبق مجالا لأهل التلون أن ينفعهم تلونهم، وما عاد تلونهم يجدي عند شباب الأمة، بل ولا عند أعدائها شيئا... ولن يقنع الأعداء من هؤلاء المتنورين المنفتحين على ثقافتهم وحضارتهم! تمييعهم لعري الإسلام الوثقى وتحرجهم من التصريح بحقيقة هذا الدين الذي جاء ليذبح أعداءه المحاربين له ذبحا، كما صرح بذلك قدوتنا صلوات الله وسلامه عليه في فجر دعوته إذ قال لقومه عيانا: (ألا يا معشر قريش! أما والذي نفسي بيده لقد جئتكم بالذبح).
لن يقنعوا منهم بطمس كل هذه الحقائق، ولن يرضوا عنهم إلا بانسلاخهم عن ملة التوحيد وانحيازهم إلى عدوة الكفار ولحوقهم بالمشركين.
ألم يقلها لهم علانية رأس الكفر وعبد الصليب: (إما معنا، وإما علينا).
ولو كانوا يفقهون عن الله وحيه لانتفعوا بقوله تعالى: {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم}.
ولكن على تلك القلوب أكنة فليست وإن أصغت تجيب المناديا
ذكرني ذلك الرجل بتخليطاته هذه؛ بأحمق كان معنا في السجن كان في باديء أمره على مخالفته لمنهجنا ودعوتنا، لا يخفي إعجابه بثباتنا وتميزنا واستعلائنا على أنصار الطاغوت، ولذلك لم يكن يطلق لسانه فينا ولا في دعوتنا، بل يعاملنا باحترام وتقدير.
ولكنه لما استطول المحنة، وأخذ يرفع للطواغيت الاسترحام تلو الاسترحام - هو وطائفة ممن معه ممن لم يفقهوا حقيقة دعوة الأنبياء - وجاءه قريب له يخبره أن أصحاب الشأن في الحكم يقولون؛ "كيف نعفوا عنهم وهم يكفروننا؟ ميزوا أنفسكم، فهم لا يميزون بينكم وبين المكفرين"... انقلب الرجل مبغضا لنا شانئا لدعوتنا، وكتب مرارا - كصاحبنا - يطعن في أصحاب هذه الدعوة ويتهمهم بالجمود والانغلاق، بل والتطرف والتكفير، ظانا أن هذا سيرضي أعداء الله عنه؛ فيعفوا عنه... فوالله ما خرج من السجن إلا بعد أن خرجنا أعزة بدعوتنا، برؤاء من الطواغيت ومن شركياتهم.
واليوم - وبعد تلكم الأحداث العظام التي هزت قوى الطاغوت في المعمورة كلها، وقسمت الناس إلى فسطاطين - لم يعد مجال للإمساك بالعصا من منتصفها، فإما مع الجهاد والمجاهدين، وإما خلف أذناب البقر.
والذين يستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير، ويقنعون بالعيش مع الدواب والأنعام والبقر، سيعذرون عند الله إن كان عذرهم الاستضعاف، وكفوا ألسنتهم عن استنقاص المجاهدين وعيبهم والطعن فيهم وفي منهاجهم.
أما أن يزوروا الحقائق، فيجعلوا في اتباع أذناب البقر؛ ملاذ الأمة وصلاح مجتمعاتها، وفي الجهاد وسبيله الجمود والانغلاق! ومن ثم يبثون دعواتهم المشبوهة للمراجعة! والتجديد! والانفتاح! والمصالحة! فسيندمون ساعة لن يجد الندم...
وتنقضي الحرب محمودا عواقبها للصابرين وحظ الهارب الندم
إن الكلمات التي قالها أسعد بن زرارة رضي الله عنه - على حداثة سنه - لقومه لا مخذلا ومثبطا، بل منبها لهم ومحرضا، وهو ممسك بيد النبي صلى الله عليه وسلم يحجزهم عن بيعته، مخافة أن يكونوا لم يعوا بعد هذه الحقيقة، تنم عن فقه عميق لحقيقة هذا المنهاج: (يا أهل يثرب! إن إخراجه اليوم مفارقة للعرب كافة، أو قتل خياركم وأن تعضكم السيوف، فإما أنتم قوم تصبرون على ذلك، فخذوه وأجركم على الله، وإما أنتم قوم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه، فبينوا ذلك، فهو أعذر لكم عند الله) [رواه الإمام أحمد والبيهقي].
ويومها قال الصحابة لأسعد: (أمط يدك يا أسعد، فوالله لا ندع هذه البيعة، ولا نسلبها أبدا).
ونحن نقول لهذا وأمثاله من الدعاة العصرانيين، الذين يخجلون من إعلان حقيقة دينهم، أو يحيدون عنها، أو يشوهونها، أو يبرؤون منها، ويميزون أنفسهم عن أصحاب هذا المنهاج، طمعا في إرضاء أعداء هذا الدين.
نقولها - رغم أننا وكثير من إخواننا أصحاب هذا المنهاج ملاحقون، مطاردون، يتخطفنا الناس، ونتلقى الضربات تلو الضربات- :
أمط عنا يا هذا! فوالله لا ندع هذه البيعة ولا نسلبها أبدا...
كتب
أبو محمد المقدسي
جمادى الآخرة / 1423 هـ
قليل هم أولئك الذين يدركون حقيقة منهج هذا الدين العظيم وحجم تكاليفه...
فعندما خلق الله الجنة والنار وبعث جبريل ليراهما ورأى الجنة وما فيها من نعيم للوهلة الأولى قال: (والله يارب لم يسمع بها أحد قط إلا دخلها)! فلما أن رآها بعد ذلك قد حفت بالمكاره، قال: (والله يارب خشيت أن لا يدخلها أحد)!
فالطريق الذي أراده الله أن يوصل إلى الجنة ليس مزروعا بالورود والرياحين... كلا بل هو محفوف بالمكاره والابتلاءات والأذى والدماء.
ولو كان أحد يدخل الجنة دون سلوك هذه الطريق، لكان أولى الناس به رسل الله وأنبيائه الذين اصطفاهم الله من خيرة خلقه... فقد أوذوا وشوهوا وكذبوا... فصبروا على ما كذبوا حتى أتاهم نصر الله ولا مبدل لكلمات الله.
وهذه الحقيقة يعرفها كل عاقل درس منهج الانبياء وتاريخ الدعوات... ولذلك فأول كلمات سمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن نبيء من ورقة بن نوفل - وكان قد قرأ الكتب السابقة - كانت: (لم يأت رجل بمثل ما جئت به إلا عودي).
فالذين يحلمون أن يكونوا من ورثة الأنبياء، ثم يبحثون عن رضى الناس أو الحكومات؛ لم يفقهوا حقيقة هذا المنهاج.
إن الأنبياء جاؤوا ليقلبوا أوضاع أقوامهم المنكوسة رأسا على عقب، لا لينخرطوا فيها ويرقعوها بدعاوى الإصلاح، فإن داء الشرك لا يصلحه إلا الاستئصال من الجذور... ولذلك عودوا وأوذوا هم وأتباعهم.
ولو أن دعوة النبي صلى الله عليه وسلم كانت دعوة إصلاحية مجردة لبعض مشكلات المجتمع وانخرط في برامج عمل لمحاربة الفقر والفساد والتخلف والتبعية! وغير ذلك مما يدندن حوله دعاة العقلانية، أصحاب الفكر المستنير، دون أن يعلن براءته من المشركين وشركياتهم، ودون أن يتميز ويقف هو ومن معه من المؤمنين في الصف المقابل والعدوة المفارقة لعدوة الكفار، فيقول لهم: {قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون...}؛ لما ناله ما ناله هو وأصحابه من الأذى، ولما احتاجوا إلى الهجرة والخروج من أحب بقاع الأرض إليهم، ولبقوا في ديارهم وأوطانهم آمنين.
كتب بعضهم في مجلة عصرية، محاولا أن يمسك العصا من المنتصف - كما يقولون - فهو سلفي كما صنف نفسه، ولكنه ينتقد "السلفيين الجهاديين" كما سمى أهل هذا المنهاج... وكأنه يريدها سلفية من غير جهاد!
فالسلفية الجهادية تعرضت لضربات عديدة، ولذلك فهو يبحث عن سلفية لا يضربها الطواغيت، ولما فتش هنا وهناك وجد ضالته في سلفية اصلاحية ترقيعية، تنخرط في المجتمع وتذوب فيه... ولما كان هذا شيء ليس من هدي الأنبياء وطريقة دعوتهم لم يتأت له أن يجعلهم ومن سار على دربهم من الصحابة والأئمة والتابعين قدوة هذا التيار... وناسبه أن يختار جمال الدين الأفغاني ومحمد عبدة ومن لف لفيفهم اسوة وقدوة له ولتياره!
وعهدي بالرجل أنه كان ممن ينشر ويروج لكتابات من سماهم بالسلفيين الجهاديين، فلا أدري أهي التجارة في بضاعة بارك الله فيها في زماننا، امتطى الرجل صهوتها لعرض من الدنيا، أم أنها قناعات كان يتبناها في المنهاج ثم ماذا...؟ على كل حال أقل أحواله انه لم يكن يطعن من قبل في منهاجنا...
ثم جمعني به يوما مكتب واحد من مكاتب تحقيق أعداء الله، وضرب كل منا بضع عصي، وأودع كلانا زنزانة انفرادية، أقل من ثلاثة أسابيع، خرج الرجل بعدها بهذه الأفكار الإصلاحية التجديدية التنويرية، يروج لها، ويذم السلفية الجهادية ويصفها بالانغلاق والجمود و ... و ... ويبرا منها.
وهكذا عهدنا بالابتلاءات والسجون؛ إما أن تثمر وإما أن تكسر.
على رسلك أيها "السلفي الاصلاحي"؛ إنك لم تذق بعد شيئا... إنما هي عصي معدودات... أو تظن أنك بذبحك لإخوانك بمثل هذه المقالات وبراءتك من هذا المنهاج والتي قدمتها قربانا لرضى الطواغيت؛ ستنال هذا الهدف المنشود... مسكين أنت إن كنت تظن ذلك!
ربما كانت العصي المعدودات التي نلناها سويا مؤلمة بعض الشيء، لان الطاغية الذي كان يمسك بالعصا لم يكن يأبه أين تقع عصاه، على الرأس أم على الوجه أم الأصابع أم غيرها؛ لا جرم أن تقول بعد ذلك إذن مزورا للحقيقة عن السلفيين الجهاديين: (وهذا التيار بدأ يضعف بعد الضربات التي وجهت له من قبل الحكومات.... وهو الآن يجري مراجعة شاملة في أصوله ومساره، حيث بدأ الكثير من أفراده بالرجوع عن أفكاره وسلوكه)!
فأنت تقصد تيارك أنت بعد تلك العصي المعدودات... لا تيارنا السلفي الجهادي الذي بارك الله فيه، والذي لم تزده المحن إلا توقدا... وليس أدل من أنه اليوم يتلقى - بعد غزوة نيويورك وواشنطن - أعتى الضربات من كافة قوى الارض، ومع هذا فما ازداد إلا ثباتا وانتشارا وتوقدا.
ونظرة إلى العالم الإسلامي وشبابه وما اعتراهم من تغيرات بعد تلك الضربات؛ تعرفك بتزوير الرجل للحقائق... فالذي يعايش جمهور شباب الأمة اليوم بعد تلك الأحداث يعرف ماذا فعلت بهم تلك الضربات... إن كثيرا من أبناء جيلنا لم يذوقوا طعم العزة ويتبينوا الطريق الحق ويفهموا حقيقة الصراع إلا بعد هذه الضربات.
لكن أهل الانهزام لا يزيدهم البلاء إلا انهزاما، ولا يزيدهم الضرب إلا ركوعا وانبطاحا.
فالناس قد انقسموا أمام هذه الأحداث - كما قال إمام المجاهدين في عصرنا - إلى فسطاطين.
لم يبق مجالا لأهل التلون أن ينفعهم تلونهم، وما عاد تلونهم يجدي عند شباب الأمة، بل ولا عند أعدائها شيئا... ولن يقنع الأعداء من هؤلاء المتنورين المنفتحين على ثقافتهم وحضارتهم! تمييعهم لعري الإسلام الوثقى وتحرجهم من التصريح بحقيقة هذا الدين الذي جاء ليذبح أعداءه المحاربين له ذبحا، كما صرح بذلك قدوتنا صلوات الله وسلامه عليه في فجر دعوته إذ قال لقومه عيانا: (ألا يا معشر قريش! أما والذي نفسي بيده لقد جئتكم بالذبح).
لن يقنعوا منهم بطمس كل هذه الحقائق، ولن يرضوا عنهم إلا بانسلاخهم عن ملة التوحيد وانحيازهم إلى عدوة الكفار ولحوقهم بالمشركين.
ألم يقلها لهم علانية رأس الكفر وعبد الصليب: (إما معنا، وإما علينا).
ولو كانوا يفقهون عن الله وحيه لانتفعوا بقوله تعالى: {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم}.
ولكن على تلك القلوب أكنة فليست وإن أصغت تجيب المناديا
ذكرني ذلك الرجل بتخليطاته هذه؛ بأحمق كان معنا في السجن كان في باديء أمره على مخالفته لمنهجنا ودعوتنا، لا يخفي إعجابه بثباتنا وتميزنا واستعلائنا على أنصار الطاغوت، ولذلك لم يكن يطلق لسانه فينا ولا في دعوتنا، بل يعاملنا باحترام وتقدير.
ولكنه لما استطول المحنة، وأخذ يرفع للطواغيت الاسترحام تلو الاسترحام - هو وطائفة ممن معه ممن لم يفقهوا حقيقة دعوة الأنبياء - وجاءه قريب له يخبره أن أصحاب الشأن في الحكم يقولون؛ "كيف نعفوا عنهم وهم يكفروننا؟ ميزوا أنفسكم، فهم لا يميزون بينكم وبين المكفرين"... انقلب الرجل مبغضا لنا شانئا لدعوتنا، وكتب مرارا - كصاحبنا - يطعن في أصحاب هذه الدعوة ويتهمهم بالجمود والانغلاق، بل والتطرف والتكفير، ظانا أن هذا سيرضي أعداء الله عنه؛ فيعفوا عنه... فوالله ما خرج من السجن إلا بعد أن خرجنا أعزة بدعوتنا، برؤاء من الطواغيت ومن شركياتهم.
واليوم - وبعد تلكم الأحداث العظام التي هزت قوى الطاغوت في المعمورة كلها، وقسمت الناس إلى فسطاطين - لم يعد مجال للإمساك بالعصا من منتصفها، فإما مع الجهاد والمجاهدين، وإما خلف أذناب البقر.
والذين يستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير، ويقنعون بالعيش مع الدواب والأنعام والبقر، سيعذرون عند الله إن كان عذرهم الاستضعاف، وكفوا ألسنتهم عن استنقاص المجاهدين وعيبهم والطعن فيهم وفي منهاجهم.
أما أن يزوروا الحقائق، فيجعلوا في اتباع أذناب البقر؛ ملاذ الأمة وصلاح مجتمعاتها، وفي الجهاد وسبيله الجمود والانغلاق! ومن ثم يبثون دعواتهم المشبوهة للمراجعة! والتجديد! والانفتاح! والمصالحة! فسيندمون ساعة لن يجد الندم...
وتنقضي الحرب محمودا عواقبها للصابرين وحظ الهارب الندم
إن الكلمات التي قالها أسعد بن زرارة رضي الله عنه - على حداثة سنه - لقومه لا مخذلا ومثبطا، بل منبها لهم ومحرضا، وهو ممسك بيد النبي صلى الله عليه وسلم يحجزهم عن بيعته، مخافة أن يكونوا لم يعوا بعد هذه الحقيقة، تنم عن فقه عميق لحقيقة هذا المنهاج: (يا أهل يثرب! إن إخراجه اليوم مفارقة للعرب كافة، أو قتل خياركم وأن تعضكم السيوف، فإما أنتم قوم تصبرون على ذلك، فخذوه وأجركم على الله، وإما أنتم قوم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه، فبينوا ذلك، فهو أعذر لكم عند الله) [رواه الإمام أحمد والبيهقي].
ويومها قال الصحابة لأسعد: (أمط يدك يا أسعد، فوالله لا ندع هذه البيعة، ولا نسلبها أبدا).
ونحن نقول لهذا وأمثاله من الدعاة العصرانيين، الذين يخجلون من إعلان حقيقة دينهم، أو يحيدون عنها، أو يشوهونها، أو يبرؤون منها، ويميزون أنفسهم عن أصحاب هذا المنهاج، طمعا في إرضاء أعداء هذا الدين.
نقولها - رغم أننا وكثير من إخواننا أصحاب هذا المنهاج ملاحقون، مطاردون، يتخطفنا الناس، ونتلقى الضربات تلو الضربات- :
أمط عنا يا هذا! فوالله لا ندع هذه البيعة ولا نسلبها أبدا...
كتب
أبو محمد المقدسي
جمادى الآخرة / 1423 هـ