من هناك
02-19-2006, 09:55 PM
هناك أنظمة عربية يهمها إفشال تجربة "حماس" حتى لا تنتقل إليها
- عقلانية تعامل قادة حماس مع مخاوف العالم أعادت الهدوء للقضية
- حماس قادرة على التعامل المتوازن مع الجهاد وباقي الفصائل
- أفضل الحلول هو تشكيل حكومة وحدة وطنية بمشاركة فت
http://www.ikhwanonline.com:8078/Data/2006/2/13/00022200.jpg
أثار فوز "حماس" بثمانين مقعدًا من مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني بعد انتخابات، أكد المراقبون نزاهتها، ردود أفعال متباينة، ورحَّب بها البعض ورفضها آخرون؛ إلا أنَّ الجميعَ اتفق على أنَّ نتيجةَ الانتخابات كانت مفاجأةً للجميع؛ "حماس" التي لم يكن أكثر المتفائلين داخلها يتوقع أن تصل إلى نصف عدد المقاعد، و"فتح" التي لم يشك أكثر المتشائمين فيها في فوز حركته بفارقِ عددٍ من المقاعدِ عن حماس، بالإضافةِ إلى المراقبين والأطراف المعنية التي لم يكن في أجندتها وصول حركة المقاومة الإسلامية في فلسطين إلى الحكم بهذه السرعة والتفوق.
ولا شكَّ أنَّ هذه المفاجأة أثَّرت على تعاطي كافة الأطراف مع الموقف؛ حيث لم يحسم معظمها مواقفه حتى الآن، إلا أن تساؤلات كثيرة طرحت نفسها حول شكل الحكومة التي ستشكلها "حماس" في ظلِّ استمرارِ رفض "فتح" المشاركة فيها، وكيف ستتصرف إزاء الدعم المالي للشعب الفلسطيني الذي يمكن أن يتوقف في أي لحظة، وهل تعتبر تلك الانتخابات بدايةً لوصول الإسلاميين في بلدان عربية أخرى إلى الحكمِ في ظلِّ حالة التجاوب الجماهيري الكبير الذي حققه الإسلاميون في الفترةِ الأخيرة.
وللإجابة عن هذه التساؤلات وغيرها التقينا الدكتور عماد جاد، خبير الشئون الإسرائيلية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، وأحد أهم المهتمين بالشأن الفلسطيني في العالم العربي، وكان الحوار التالي:
* هل يمكن أن نعتبر نتيجة الانتخابات الفلسطينية تغيرًا في اتجاهاتِ الشارع الفلسطيني؟
** لا أعتقد ذلك، وأرى أن "حماس" لم تحصل فقط على أصوات مؤيديها، بل وصلت إليها أصوات الغضب والسخط على الفسادِ والمحسوبية والرشوة والترهل وعدم الحسمِ في المفاوضاتِ مع إسرائيل، وهي الأخطاء التي ارتكبتها "فتح" باعتبارها جزءًا من السلطة في العالم العربي الذي يحمل كافة أمراض هذه السلطة.
* هل ترى أن نتائج تلك الانتخابات مثَّلت صدمةً لحركة فتح؟
** الانتخابات لم تكن صادمة لفتح وحدها؛ بل إنَّ حماس ذاتها لم تكن تتوقع أن تفوزَ بهذا العدد من المقاعد، ورغم أنَّ قيادات فتح كانت تتوقع انحسار شعبيتها أمام حماس إلا أنها لم تتوقع أن تكون الهزيمة بهذا الشكل؛ حيث كانت تتوقع تلك القيادات أن تكون في المركز الأول بفارقٍ بسيطٍ عن حماس، بحيث يصبح من حقِّهم تشكيل الحكومة، وكان ذلك سيتم بالمشاركةِ مع أي أطرافٍ أخرى عدا حماس، فالصدمة لم تكن في الهزيمة في حدِّ ذاتها بل في الفرق في الأصوات بين فتح وحماس.
فوز مستحق
* في رأيك.. ما أسباب هذا التفوق الذي حققته حماس في تلك الانتخابات؟
** هناك عدة أمور ساهمت في هذا الفوز منها طهارة حماس ونظافة يد رجالها واندماجها مع المجتمع من خلال العمل الاجتماعي في تحقيق هذا الفوز الكبير، بالإضافة إلى دفعهم ثمنًا كبيرًا في المقاومةِ في مقابل فساد ورشوة وسوء إدارة وصراعات من جانب فتح.
* هل كان لنجاح الإخوان المسلمين في مصر تأثير في تحقيق حماس لهذه النسبة الكبيرة من مقاعد البرلمان في انتخابات فلسطين؟
** لا شك أنَّ فوز الإخوان في مصر أعطى دفعة معنوية هائلة لحماس في الشارع الفلسطيني، حيث تم التعاون مع حركة فتح باعتبارها حزب سلطة فاسد كما حدث مع الحزبِ الوطني في مصر؛ حيث تعمَّد الناخبون عدم اختيار أعضائهما والتصويت للإسلاميين، وأرى أن هذا السيناريو سيتكرر في أي انتخابات تجري في المرحلة المقبلة في أي دولةٍ عربيةٍ.
* وما رأيك في رد فعل كلٍّ من الحزبين الحاكمين على نتيجة تفوق الإسلاميين عليهما؟
** أرى أنَّ رد فعل الحزب الوطني أكثر حدة تجاه نتيجة الانتخابات؛ حيث رفض الحزب الوطنى إرجاع تلك النتيجة إلى تفوق الإخوان وتغلغلهم في الشارع المصري في حين اعترفت فتح بأنَّ لديها مشكلات وسوف تقوم بالتخلص منها وإعادة تشكيل الحركة، ولكن ما يجمع "فتح والوطني" أنَّ لديهما الرغبةَ في إفشالِ النموذج الإسلامي وإثبات عدم قدرته على إدارة الأمور أو الاندماج في الحياةِ العامة بشكلٍ كاملٍ، كما أنَّ فتح فوجئت بأن انتخابات ديمقراطية حرة جاءت بتيار إسلامي يحاول الآن توفيق الأوضاع وتشكيل الحكومة وإرسال رسائل طمأنة إلى الجميع، وبدأ تحوله إلى تيارٍ سياسي حاكم، وهو الأمر الذي يسبب ارتباكًا بين أبناءِ فتح، كما تخشى فتح من أن يتغلب السيناريو الذي يُطالب الكيان الصهيوني بأن يتعامل مع حماس بشكلٍ طبيعي وعدم وقف الدول الغريبة للأموال التي تدفعها إلى الشعب الفلسطيني لضمانِ وقف العمليات الاستشهادية وضمان عدم تفجر الأمور في المنطقةِ بشكلٍ كبيرٍ؛ لأن حماس هي التي كانت قادرةً على القيامِ بذلك، وأعتقد أنَّ هذا النموذجَ ينتظره الأمريكان للتعرفِ على مدى جديته وطريقته في التعامل مع كافة الأطراف؛ وفي هذه الحالة يمكن أن توافق أمريكا على الاعترافِ بهذا النموذج وتشجيعه وهو ما يقلق النظم الحاكمة في العالم العربي كله، وأرى أنَّ جانبًا من الضغطِ على فتح لعدم التعاون مع حماس لإفشال النموذج تمارسه بعض الدول العربية فإذا قدمت "حماس" نموذجًا جيدًا لحكمِ التيار الإسلامي فسوف تختفي "فزاعة" الإسلاميين التي تستخدمها النظم الحاكمة للاستمرارِ في مقاعدها، ولن يظهر ذلك إلا بعد ممارسة حماس للحكم فعلاً، ولذلك توجد ضغوط شديدة على حماس للاعتراف بالكيانِ الصهيوني وإلقاء السلاح لأنَّ ممارسي تلك الضغوط يُدركون أن يستحيل أن تُوافق حماس على ذلك، إلا أنه وفي المقابل تميزت ردود أفعال حماس على تلك الشروط بالعقلانية.
عدوى الانتخابات
* هل يمكن أن تصبح انتخابات فلسطين التي تميَّزت بالحريةِ والنزاهة والتعبير عن طموحاتِ الناخبين عدوى لباقي الانتخابات في الوطن العربي؟
** بالتأكيد ستنتقل عدوى تلك الانتخابات رغم النظم العربية الحاكمة، ولكن المهم هو حجم المقاومة التي ستُبديها تلك النظم في وجه إقامةِ انتخاباتٍ حرَّة، وستكون المقاومة بحجمِ الجرائم التي ارتكبها رجال تلك النظم التي تتحكم في ميزانياتِ دولةٍ كاملةٍ، ولكن ذلك يتوقف أيضًا على نجاحِ نموذج حماس، فإذا أدَّت سياستها الحاكمة التي اشتعال الموقف في الضفةِ والقطاع فسوف يدفع ذلك أمريكا إلى رفض تكرار هذا النموذج في بلاد أخرى، ولكن إذا قدَّمت نموذجًا عقلانيًّا في إدارةِ الصراع فإنَّ ذلك سيكون مدخلاً لتعميم تلك التجربة.
* وإلى أي مدى ترى أنَّ حماس يمكن أن تصل في إدارتها للصراعِ مع الكيانِ الصهيوني؟
** أعتقد أنَّ حماس يمكن أن تصل إلى مرحلةِ الاعتراف بالكيانِ، ولكن مقابل ماذا، فليس هناك استحالة في الاعتراف مقابل إقامة دولة على أراضي 1967م مع حل قضية اللاجئين والإفراج عن الأسرى، وهي أمور كلها تتوقف على مدى استعداد الكيان الصهيوني لدفع هذا الثمن.
* ما توقعك لشكل العلاقة بين حماس وأبو مازن؟
** هذه العلاقة ستعتمد على شكلِ الحكومة فإذا قرر جناح من فتح المشاركة في الحكومة فإنَّ الرئيسَ سوف يُمارس سلطته دون مشاكل، أما إذا لم تتمكن حماس من تشكيل حكومة بالمشاركة مع باقي الأطراف فإن ذلك سيكون دافعًا لإثارةِ المشكلات، وما يؤكد ذلك هو أن "أبو مازن" نفسه ليس لديه مانع من الاستقالة في حالةِ وصول العلاقة بينه وبين حماس إلى طريقٍ مسدود، ولكني أرى أنَّ قادةَ حماس تُقدر دور أبو مازن وتحترمه، والأهم هو قدرة حماس على إحكام قبضتها الأمنية؛ لأنَّ الوضعَ الأمني هو الذي يسبب قلقًا للرئيسِ الفلسطيني.
* وما توقعك عن شكلِ علاقة حماس بباقي الفصائل الفلسطينية المسلحة؟
** أعتقد أنَّ هذه هي الأزمة التي تواجه حماس بشكلٍ حقيقي حيث تمثل مواقف حركة الجهاد أزمة بالنسبة لحماس بإصرارها على رفضِ المشاركة في حكومة حماس والإخلال بالوضع الأمني، وهو الأمر الذي يمكن لحماس التغلب عليه.
* ولكن ألا يمكن أن يؤدي ذلك إلى نشوب اقتتال داخلي بين فصائل الشعب الفلسطيني؟
** لا بالطبع.. لأنَّ حركة "الجهاد" لا تمثل شيئًا بالنسبةِ لقوة حماس.
مستقبل المقاومة
* وما مستقبل المقاومة بعد انخراط حماس في السلطة؟ وهل يعتبر ذلك إيذانًا بانتهاء دورها في المقاومة المسلحة؟
** المقاومة وسيلة لتحقيق غاية، وهي إقامة الدولة الفلسطينية وتحقيق السيادة، وهي ضمن سلسلة وسائل تبدأ بالحجر إلى الاعتصام، وبالتالي فإن المقاومة لن تتوقف، ولكن ما يمكن وقفه هو العمليات الفدائية، فالوسيلة تقاس بحساب المكسب والخسارة فإذا توافرت وسيلة أخرى لتحقيق نفس الهدف فلا مانع من استخدامها فلن توقف حماس المقاومة ولكنها سوف تقوم بضبطها وفقا للمتغيرات الجديدة.
* الوضع الفلسطيني بعد فوز حماس معقد.. فما الإشكالية الأهم التي تواجه حماس في تشكيلِ الحكومة المقبلة؟
** الأزمة الكبرى هي عدم مشاركة قطاع رئيسي من فتحٍ في الحكومةِ الفلسطينية؛ لأنَّ هناك عددًا من الوزارات لن تستطيع حماس تقلدها، وأهمها الداخلية وشئون المفاوضات، وهذا هو الشكل الأمثل للحكومة الفلسطينية المقبلة لصالح القضية الفلسطينية.
الأزمة المالية
* هل يمكن للدول العربية والإسلامية تغطية الدعم المالي للسلطة الفلسطينية بعد تشكيل حماس الحكومة إذا منعت أمريكا والاتحاد الأوربي الدعم الذي تُقدمه للشعب الفلسطيني؟
** نظريًّا تمتلك تلك الدول تغطية الدعم بشكلٍ كامل، ولكن سياسيًّا لا أعتقد أنها ستفعل؛ لأنه إذا منعت الدول الأوربية وأمريكا الدعم عن حماس فإنها تُعاقب حماس ولن تسمح للدول العربية بمنح حماس أي مساعداتٍ، ولكن إذا حدث ذلك فسوف يحدث انهيار شامل للأوضاع داخل فلسطين، ويمكن في هذه الحالةِ أن تسمح تلك الدول للعرب بتقديمِ مساعداتٍ للشعبِ الفلسطيني حتى لا يموت جوعًا، ولكني أعتقد صعوبة استمرار الدول العربية في دعم أبناء فلسطين بدليل أنَّ عددًا كبيرًا منها لم تسدد حصصها المالية في الجامعة العربية.
* وكيف يمكن إذن الخروج من هذه الأزمة؟
** الحل هو في تشكيل حكومة ائتلافية بين حماس وفتح بعد صياغة أجندة مشتركة للعمل وفقًا لبرنامج الحركتين حتى تقوم فتح بالمهام التي لا تستطيع حماس القيام بها وأهمها التفاوض مع الصهاينة.
* وهل أنت متفائل؟
** نعم متفائل بشرطِ استمرار المرونة التي تبديها حماس ووقف المحاولات التي تبذلها الدول العربية لإدخال تجربة وصول حركة إسلامية معتدلة إلى الحكم.
* في النهاية.. هل ترى أن فوز حماس انتصار للقضية الفلسطينية أم تراجعًا لها؟
** بالطبع يعتبر انتصار حماس رفعًا لسقف المطالب الفلسطينية ومكسبًا للقضية بشرط أن يتم التوافق بين حماس وفتح حتى يتمكنوا من مواجهة أي تدخلٍ خارجي.
* وإذا لم يحدث مثل هذا التوافق؟
** ستضطر حماس لتشكيل حكومة من التكنوقراط (المهنيين) وفقًا لمرجعية حماس، وهو الأمر الذي سوف يدفع أمريكا لوقف دعمها وعدم السماح للعرب بتقديم دعم بديل حتى يجوع الشعب الفلسطيني، وأرى أن هذا السيناريو تسعى دول عربية للوصول إليه، وهي الدول التي تحكمها نظمٌ مستبدةٌُ تخشى من تكرار وصول الإسلاميين للحكم في بلادها إذا نجحت حماس.
- عقلانية تعامل قادة حماس مع مخاوف العالم أعادت الهدوء للقضية
- حماس قادرة على التعامل المتوازن مع الجهاد وباقي الفصائل
- أفضل الحلول هو تشكيل حكومة وحدة وطنية بمشاركة فت
http://www.ikhwanonline.com:8078/Data/2006/2/13/00022200.jpg
أثار فوز "حماس" بثمانين مقعدًا من مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني بعد انتخابات، أكد المراقبون نزاهتها، ردود أفعال متباينة، ورحَّب بها البعض ورفضها آخرون؛ إلا أنَّ الجميعَ اتفق على أنَّ نتيجةَ الانتخابات كانت مفاجأةً للجميع؛ "حماس" التي لم يكن أكثر المتفائلين داخلها يتوقع أن تصل إلى نصف عدد المقاعد، و"فتح" التي لم يشك أكثر المتشائمين فيها في فوز حركته بفارقِ عددٍ من المقاعدِ عن حماس، بالإضافةِ إلى المراقبين والأطراف المعنية التي لم يكن في أجندتها وصول حركة المقاومة الإسلامية في فلسطين إلى الحكم بهذه السرعة والتفوق.
ولا شكَّ أنَّ هذه المفاجأة أثَّرت على تعاطي كافة الأطراف مع الموقف؛ حيث لم يحسم معظمها مواقفه حتى الآن، إلا أن تساؤلات كثيرة طرحت نفسها حول شكل الحكومة التي ستشكلها "حماس" في ظلِّ استمرارِ رفض "فتح" المشاركة فيها، وكيف ستتصرف إزاء الدعم المالي للشعب الفلسطيني الذي يمكن أن يتوقف في أي لحظة، وهل تعتبر تلك الانتخابات بدايةً لوصول الإسلاميين في بلدان عربية أخرى إلى الحكمِ في ظلِّ حالة التجاوب الجماهيري الكبير الذي حققه الإسلاميون في الفترةِ الأخيرة.
وللإجابة عن هذه التساؤلات وغيرها التقينا الدكتور عماد جاد، خبير الشئون الإسرائيلية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، وأحد أهم المهتمين بالشأن الفلسطيني في العالم العربي، وكان الحوار التالي:
* هل يمكن أن نعتبر نتيجة الانتخابات الفلسطينية تغيرًا في اتجاهاتِ الشارع الفلسطيني؟
** لا أعتقد ذلك، وأرى أن "حماس" لم تحصل فقط على أصوات مؤيديها، بل وصلت إليها أصوات الغضب والسخط على الفسادِ والمحسوبية والرشوة والترهل وعدم الحسمِ في المفاوضاتِ مع إسرائيل، وهي الأخطاء التي ارتكبتها "فتح" باعتبارها جزءًا من السلطة في العالم العربي الذي يحمل كافة أمراض هذه السلطة.
* هل ترى أن نتائج تلك الانتخابات مثَّلت صدمةً لحركة فتح؟
** الانتخابات لم تكن صادمة لفتح وحدها؛ بل إنَّ حماس ذاتها لم تكن تتوقع أن تفوزَ بهذا العدد من المقاعد، ورغم أنَّ قيادات فتح كانت تتوقع انحسار شعبيتها أمام حماس إلا أنها لم تتوقع أن تكون الهزيمة بهذا الشكل؛ حيث كانت تتوقع تلك القيادات أن تكون في المركز الأول بفارقٍ بسيطٍ عن حماس، بحيث يصبح من حقِّهم تشكيل الحكومة، وكان ذلك سيتم بالمشاركةِ مع أي أطرافٍ أخرى عدا حماس، فالصدمة لم تكن في الهزيمة في حدِّ ذاتها بل في الفرق في الأصوات بين فتح وحماس.
فوز مستحق
* في رأيك.. ما أسباب هذا التفوق الذي حققته حماس في تلك الانتخابات؟
** هناك عدة أمور ساهمت في هذا الفوز منها طهارة حماس ونظافة يد رجالها واندماجها مع المجتمع من خلال العمل الاجتماعي في تحقيق هذا الفوز الكبير، بالإضافة إلى دفعهم ثمنًا كبيرًا في المقاومةِ في مقابل فساد ورشوة وسوء إدارة وصراعات من جانب فتح.
* هل كان لنجاح الإخوان المسلمين في مصر تأثير في تحقيق حماس لهذه النسبة الكبيرة من مقاعد البرلمان في انتخابات فلسطين؟
** لا شك أنَّ فوز الإخوان في مصر أعطى دفعة معنوية هائلة لحماس في الشارع الفلسطيني، حيث تم التعاون مع حركة فتح باعتبارها حزب سلطة فاسد كما حدث مع الحزبِ الوطني في مصر؛ حيث تعمَّد الناخبون عدم اختيار أعضائهما والتصويت للإسلاميين، وأرى أن هذا السيناريو سيتكرر في أي انتخابات تجري في المرحلة المقبلة في أي دولةٍ عربيةٍ.
* وما رأيك في رد فعل كلٍّ من الحزبين الحاكمين على نتيجة تفوق الإسلاميين عليهما؟
** أرى أنَّ رد فعل الحزب الوطني أكثر حدة تجاه نتيجة الانتخابات؛ حيث رفض الحزب الوطنى إرجاع تلك النتيجة إلى تفوق الإخوان وتغلغلهم في الشارع المصري في حين اعترفت فتح بأنَّ لديها مشكلات وسوف تقوم بالتخلص منها وإعادة تشكيل الحركة، ولكن ما يجمع "فتح والوطني" أنَّ لديهما الرغبةَ في إفشالِ النموذج الإسلامي وإثبات عدم قدرته على إدارة الأمور أو الاندماج في الحياةِ العامة بشكلٍ كاملٍ، كما أنَّ فتح فوجئت بأن انتخابات ديمقراطية حرة جاءت بتيار إسلامي يحاول الآن توفيق الأوضاع وتشكيل الحكومة وإرسال رسائل طمأنة إلى الجميع، وبدأ تحوله إلى تيارٍ سياسي حاكم، وهو الأمر الذي يسبب ارتباكًا بين أبناءِ فتح، كما تخشى فتح من أن يتغلب السيناريو الذي يُطالب الكيان الصهيوني بأن يتعامل مع حماس بشكلٍ طبيعي وعدم وقف الدول الغريبة للأموال التي تدفعها إلى الشعب الفلسطيني لضمانِ وقف العمليات الاستشهادية وضمان عدم تفجر الأمور في المنطقةِ بشكلٍ كبيرٍ؛ لأن حماس هي التي كانت قادرةً على القيامِ بذلك، وأعتقد أنَّ هذا النموذجَ ينتظره الأمريكان للتعرفِ على مدى جديته وطريقته في التعامل مع كافة الأطراف؛ وفي هذه الحالة يمكن أن توافق أمريكا على الاعترافِ بهذا النموذج وتشجيعه وهو ما يقلق النظم الحاكمة في العالم العربي كله، وأرى أنَّ جانبًا من الضغطِ على فتح لعدم التعاون مع حماس لإفشال النموذج تمارسه بعض الدول العربية فإذا قدمت "حماس" نموذجًا جيدًا لحكمِ التيار الإسلامي فسوف تختفي "فزاعة" الإسلاميين التي تستخدمها النظم الحاكمة للاستمرارِ في مقاعدها، ولن يظهر ذلك إلا بعد ممارسة حماس للحكم فعلاً، ولذلك توجد ضغوط شديدة على حماس للاعتراف بالكيانِ الصهيوني وإلقاء السلاح لأنَّ ممارسي تلك الضغوط يُدركون أن يستحيل أن تُوافق حماس على ذلك، إلا أنه وفي المقابل تميزت ردود أفعال حماس على تلك الشروط بالعقلانية.
عدوى الانتخابات
* هل يمكن أن تصبح انتخابات فلسطين التي تميَّزت بالحريةِ والنزاهة والتعبير عن طموحاتِ الناخبين عدوى لباقي الانتخابات في الوطن العربي؟
** بالتأكيد ستنتقل عدوى تلك الانتخابات رغم النظم العربية الحاكمة، ولكن المهم هو حجم المقاومة التي ستُبديها تلك النظم في وجه إقامةِ انتخاباتٍ حرَّة، وستكون المقاومة بحجمِ الجرائم التي ارتكبها رجال تلك النظم التي تتحكم في ميزانياتِ دولةٍ كاملةٍ، ولكن ذلك يتوقف أيضًا على نجاحِ نموذج حماس، فإذا أدَّت سياستها الحاكمة التي اشتعال الموقف في الضفةِ والقطاع فسوف يدفع ذلك أمريكا إلى رفض تكرار هذا النموذج في بلاد أخرى، ولكن إذا قدَّمت نموذجًا عقلانيًّا في إدارةِ الصراع فإنَّ ذلك سيكون مدخلاً لتعميم تلك التجربة.
* وإلى أي مدى ترى أنَّ حماس يمكن أن تصل في إدارتها للصراعِ مع الكيانِ الصهيوني؟
** أعتقد أنَّ حماس يمكن أن تصل إلى مرحلةِ الاعتراف بالكيانِ، ولكن مقابل ماذا، فليس هناك استحالة في الاعتراف مقابل إقامة دولة على أراضي 1967م مع حل قضية اللاجئين والإفراج عن الأسرى، وهي أمور كلها تتوقف على مدى استعداد الكيان الصهيوني لدفع هذا الثمن.
* ما توقعك لشكل العلاقة بين حماس وأبو مازن؟
** هذه العلاقة ستعتمد على شكلِ الحكومة فإذا قرر جناح من فتح المشاركة في الحكومة فإنَّ الرئيسَ سوف يُمارس سلطته دون مشاكل، أما إذا لم تتمكن حماس من تشكيل حكومة بالمشاركة مع باقي الأطراف فإن ذلك سيكون دافعًا لإثارةِ المشكلات، وما يؤكد ذلك هو أن "أبو مازن" نفسه ليس لديه مانع من الاستقالة في حالةِ وصول العلاقة بينه وبين حماس إلى طريقٍ مسدود، ولكني أرى أنَّ قادةَ حماس تُقدر دور أبو مازن وتحترمه، والأهم هو قدرة حماس على إحكام قبضتها الأمنية؛ لأنَّ الوضعَ الأمني هو الذي يسبب قلقًا للرئيسِ الفلسطيني.
* وما توقعك عن شكلِ علاقة حماس بباقي الفصائل الفلسطينية المسلحة؟
** أعتقد أنَّ هذه هي الأزمة التي تواجه حماس بشكلٍ حقيقي حيث تمثل مواقف حركة الجهاد أزمة بالنسبة لحماس بإصرارها على رفضِ المشاركة في حكومة حماس والإخلال بالوضع الأمني، وهو الأمر الذي يمكن لحماس التغلب عليه.
* ولكن ألا يمكن أن يؤدي ذلك إلى نشوب اقتتال داخلي بين فصائل الشعب الفلسطيني؟
** لا بالطبع.. لأنَّ حركة "الجهاد" لا تمثل شيئًا بالنسبةِ لقوة حماس.
مستقبل المقاومة
* وما مستقبل المقاومة بعد انخراط حماس في السلطة؟ وهل يعتبر ذلك إيذانًا بانتهاء دورها في المقاومة المسلحة؟
** المقاومة وسيلة لتحقيق غاية، وهي إقامة الدولة الفلسطينية وتحقيق السيادة، وهي ضمن سلسلة وسائل تبدأ بالحجر إلى الاعتصام، وبالتالي فإن المقاومة لن تتوقف، ولكن ما يمكن وقفه هو العمليات الفدائية، فالوسيلة تقاس بحساب المكسب والخسارة فإذا توافرت وسيلة أخرى لتحقيق نفس الهدف فلا مانع من استخدامها فلن توقف حماس المقاومة ولكنها سوف تقوم بضبطها وفقا للمتغيرات الجديدة.
* الوضع الفلسطيني بعد فوز حماس معقد.. فما الإشكالية الأهم التي تواجه حماس في تشكيلِ الحكومة المقبلة؟
** الأزمة الكبرى هي عدم مشاركة قطاع رئيسي من فتحٍ في الحكومةِ الفلسطينية؛ لأنَّ هناك عددًا من الوزارات لن تستطيع حماس تقلدها، وأهمها الداخلية وشئون المفاوضات، وهذا هو الشكل الأمثل للحكومة الفلسطينية المقبلة لصالح القضية الفلسطينية.
الأزمة المالية
* هل يمكن للدول العربية والإسلامية تغطية الدعم المالي للسلطة الفلسطينية بعد تشكيل حماس الحكومة إذا منعت أمريكا والاتحاد الأوربي الدعم الذي تُقدمه للشعب الفلسطيني؟
** نظريًّا تمتلك تلك الدول تغطية الدعم بشكلٍ كامل، ولكن سياسيًّا لا أعتقد أنها ستفعل؛ لأنه إذا منعت الدول الأوربية وأمريكا الدعم عن حماس فإنها تُعاقب حماس ولن تسمح للدول العربية بمنح حماس أي مساعداتٍ، ولكن إذا حدث ذلك فسوف يحدث انهيار شامل للأوضاع داخل فلسطين، ويمكن في هذه الحالةِ أن تسمح تلك الدول للعرب بتقديمِ مساعداتٍ للشعبِ الفلسطيني حتى لا يموت جوعًا، ولكني أعتقد صعوبة استمرار الدول العربية في دعم أبناء فلسطين بدليل أنَّ عددًا كبيرًا منها لم تسدد حصصها المالية في الجامعة العربية.
* وكيف يمكن إذن الخروج من هذه الأزمة؟
** الحل هو في تشكيل حكومة ائتلافية بين حماس وفتح بعد صياغة أجندة مشتركة للعمل وفقًا لبرنامج الحركتين حتى تقوم فتح بالمهام التي لا تستطيع حماس القيام بها وأهمها التفاوض مع الصهاينة.
* وهل أنت متفائل؟
** نعم متفائل بشرطِ استمرار المرونة التي تبديها حماس ووقف المحاولات التي تبذلها الدول العربية لإدخال تجربة وصول حركة إسلامية معتدلة إلى الحكم.
* في النهاية.. هل ترى أن فوز حماس انتصار للقضية الفلسطينية أم تراجعًا لها؟
** بالطبع يعتبر انتصار حماس رفعًا لسقف المطالب الفلسطينية ومكسبًا للقضية بشرط أن يتم التوافق بين حماس وفتح حتى يتمكنوا من مواجهة أي تدخلٍ خارجي.
* وإذا لم يحدث مثل هذا التوافق؟
** ستضطر حماس لتشكيل حكومة من التكنوقراط (المهنيين) وفقًا لمرجعية حماس، وهو الأمر الذي سوف يدفع أمريكا لوقف دعمها وعدم السماح للعرب بتقديم دعم بديل حتى يجوع الشعب الفلسطيني، وأرى أن هذا السيناريو تسعى دول عربية للوصول إليه، وهي الدول التي تحكمها نظمٌ مستبدةٌُ تخشى من تكرار وصول الإسلاميين للحكم في بلادها إذا نجحت حماس.