ZAHRAA
12-20-2002, 07:47 AM
هو جندب بن جنادة من غفار ، قبيلة لها باع طويل في قطع الطريق ، فأهلها مضرب الأمثال في السطو غير المشروع ، انهم حلفاء الليل ، والويل لمن يقع في أيدي أحد من غفار ولكن شاء المولى أن ينير لهذه القبيلة دربها بدأ من أبي ذر -رضي الله عنه- ، فهو ذو بصيرة ، و ممن يتألهون في الجاهلية ويتمردون على عبادة الأصنام ، ويذهبون الى الايمان باله خالق عظيم ، فما أن سمع عن الدين الجديد حتى شد الرحال الى مكة .
ودخل أبو ذر رضي الله عنه مكة متنكرا ، يتسمع الى أخبار أهلها والدين الجديد ، حتى وجد الرسول صلى الله عليه وسلم في صباح أحد الأيام جالسا ، فاقترب منه وقال :نعمت صباحا يا أخا العرب،فأجاب الرسول :وعليك السلام يا أخاه , قال أبوذر : أنشدني مما تقول نفأجاب الرسول : ما هو بشعر فأنشدك ، ولكنه قرآن كريم ) قال أبوذر :اقرأ علي، فقرأ عليه وهو يصغي، ولم يمض غير وقت قليل حتى هتف أبو ذر : أشهد أن لا اله الا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وسأله النبي - صلى الله عليه وسلم- : ممن أنت يا أخا العرب ، فأجابه أبوذر : من غفار ، وتألقت ابتسامة واسعة على فم الرسول صلى الله عليه وسلم، واكتسى وجهه بالدهشة والعجب ، وضحك أبو ذر فهو يعرف سر العجب في وجه الرسول الكريم ، فهو من قبيلة غفار أفيجيء منهم اليوم من يسلم ؟! وقال الرسول صلى الله عليه وسلم :ان الله يهدي من يشاء ،أسلم أبو ذر من فوره ، وكان ترتيبه في المسلمين الخامس أو السادس ، فقد أسلم في الساعات الأولى للاسلام . وكان أبو ذر رضي الله عنه يحمل طبيعة متمردة ، فتوجه للرسول صلى الله عليه وسلم فور اسلامه بسؤال :يا رسول الله ، بم تأمرني ؟، فأجابه الرسول :ترجع الى قومك حتى يبلغك أمري ، فقال أبو ذر :والذي نفسي بيده لا أرجع حتى أصرخ بالاسلام في المسجد ، هنالك دخل المسجد الحرام ونادى بأعلى صوته : أشهد أن لا اله الا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ،كانت هذه الصيحة أول صيحة تهز قريشا ، من رجل غريب ليس له في مكة نسبا ولا حمى ، فأحاط به الكافرون وضربوه حتى صرعوه ، وأنقذه العباس عم النبي بالحيلة فقد حذر الكافرين من قبيلته اذا علمت ، فقد تقطع عليهم طريق تجارتهم ، لذا تركه المشركين ، ولا يكاد يمضي يوما آخر حتى يرى أبو ذر رضي الله عنه امرأتين تطوفان بالصنمين ،أساف ونائلة، وتدعوانهما ، فيقف مسفها مهينا للصنمين ، فتصرخ المرأتان ، ويهرول الرجال اليهما ، فيضربونه حتى يفقد وعيه ، ثم يفيق ليصيح رضي الله عنه مرة أخرى :أشهد أن لا اله الا الله وأشهد أن محمدا رسول الله،
ويعود رضي الله عنه الى قبيلته ، فيحدثهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن الدين الجديد ، وما يدعو له من مكارم الأخلاق ، فيدخل قومه بالاسلام ، ثم يتوجه الى قبيلة ( أسلم ) فيرشدها الى الحق وتسلم ، ومضت الأيام وهاجر الرسول صلى الله عليه وسلم الى المدينة ، واذا بموكب كبير يقبل على المدينة مكبرا ، فاذا هو أبو ذر رضي الله عنه أقبل ومعه قبيلتي غفار و أسلم ، فازداد الرسول صلى الله عليه وسلم عجبا ودهشة ، ونظر اليهم وقال : غفار غفر الله لها وأسلم سالمها الله ، وأبو ذر كان له تحية مباركة من الرسول الكريم حيث قال : ماأقلت الغبراء ، ولا أظلت الخضراء ،أصدق لهجة من أبي ذر
وفي غزوة تبوك سنة 9 هجري ، كانت أيام عسرة وقيظ ، خرج الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه ، وكلما مشوا ازدادوا تعبا ومشقة ، فتلفت الرسول الكريم فلم يجد أبا ذر فسأل عنه ، فأجابوه : لقد تخلف أبو ذر وأبطأ به بعيره ) فقال الرسول صلى الله عليه وسلم :دعوه ، فان يك فيه خير فسيلحقه الله بكم ، وان يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه ) وفي الغداة ، وضع المسلمون رحالهم ليستريحوا ، فأبصر أحدهم رجل يمشي وحده ، فأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم ، فقال الرسول : كن أبا ذر ) وأخذ الرجل بالاقتراب فاذا هو أبو ذر رضي الله عنه يمشي صوب النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يكد يراه الرسول صلى الله عليه وسلم حتى قال :يرحم الله أبا ذر ، يمشي وحده ، ويموت وحده ، ويبعث وحده )
ألقى الرسول صلى الله عليه وسلم على أبا ذر في يوم سؤال :يا أبا ذر ، كيف أنت اذا أدركك أمراء يستأثرون بالفيء ) فأجاب قائلا :اذا والذي بعثك بالحق ، لأضربن بسيفي ) فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم ( أفلا أدلك على خير من ذلك ؟ اصبر حتى تلقاني ) وحفظ أبو ذر وصية الرسول الغالية فلن يحمل السيف بوجوه الأمراء الذين يثرون من مال الأمة ، وانما سيحمل في الحق لسانه البتار .
ومضى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ومن بعده عهد أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، في تفوق كامل على مغريات الحياة وفتنتها ، وجاء عصر عثمان رضي الله عنه وبدأ يظهر التطلع الى مفاتن الدنيا ومغرياتها ، وتصبح السلطة وسيلة للسيطرة والثراء والترف ، رأى أبو ذر ذلك فمد يده الى سيفه ليواجه المجتمع الجديد ، لكن سرعان ما فطن الى وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم :وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا الا خطأ " فكان لابد هنا من الكلمة الصادقة الأمينة ، فليس هناك أصدق من أبي ذر لهجة ، وخرج أبو ذر الى معاقل السلطة والثروة معترضا على ضلالها ، وأصبح الراية التي يلتف حولها الجماهير والكادحين ، وذاع صيته وهتافه يردده الناس أجمعين : بشر الكانزين الذين يكنزون الذهب والفضة بمكاو من نار تكوى بها جباههم وجنوبهم يوم القيامة ) وبدأ أبو ذر بالشام ، أكبر المعاقل سيطرة ورهبة ، هناك حيث معاوية بن أبي سفيان وجد أبو ذر رضي الله عنه فقر وضيق في جانب ، وقصور وضياع في الجانب الآخر ، فصاح بأعلى صوته(عجبت لمن لا يجد القوت في بيته ، كيف لا يخرج على الناس شاهرا سيفه ) ثم ذكر وصية الرسول صلى الله عليه وسلم بوضع الأناة مكان الانقلاب ، فيعود الى منطق الاقناع والحجة ، ويعلم الناس بأنهم جميعا سواسية كأسنان المشط ، جميعا شركاء بالرزق ، الى أن وقف أمام معاوية يسائله كما أخبره الرسول صلى الله عليه وسلم- في غير خوف ولا مداراة ، ويصيح به وبمن معه : أفأنتم الذين نزل القرآن على الرسول وهو بين ظهرانيهم ؟؟) ويجيب عنهم ( نعم أنتم الذين نزل فيكم القرآن ، وشهدتم مع الرسول المشاهد)، ويعود بالسؤال(أولا تجدون في كتاب الله هذه الآية :" والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم ، فتكوى بها جباههم ، وجنوبهم ، وظهورهم ، هذا ما كنزتم لأنفسكم ، فذوقوا ما كنتم تكنزون "
فيقول معاوية :لقد أنزلت هذه الآية في أهل الكتاب ) فيصيح أبو ذر :\لا بل أنزلت لنا ولهم ) ويستشعر معاوية الخطر من أبي ذر فيرسل الى الخليفة عثمان - رضي الله عنه : ان أبا ذر قد أفسد الناس بالشام ) فيكتب عثمان الى أبي ذر يستدعيه ، فيودع الشام ويعود الى المدينة ، ويقول للخليفة بعد حوار طويل : لا حاجة لي في دنياكم ) وطلب الاذن بالخروج الى ( الربذة ) وهناك طالبه البعض برفع راية الثورة ضد الخليفة ولكنه زجرهم قائلا : والله لو أن عثمان صلبني على أطول خشبة ، أو جبل، لسمعت وأطعت ، وصبرت واحتسبت ، ورأيت ذلك خيرا لي ) فأبو ذر لا يريد الدنيا ، بل لا يتمنى الامارة لأصحاب رسول الله ليظلوا روادا للهدى لقيه يوما أبو موسى الأشعري ففتح له ذراعيه يريد ضمه فقال له أبو ذر ( لست أخيك ، انما كنت أخيك قبل أن تكون واليا وأميرا ) كما لقيه يوما أبو هريرة واحتضنه مرحبا ، فأزاحه عنه وقال :اليك عني ، ألست الذي وليت الامارة ، فتطاولت في البنيان ، واتخذت لك ماشية وزرعا ) وعرضت عليه امارة العراق فقال :لا والله لن تميلوا علي بدنياكم أبدا ) .
عاش أبو ذر - رضي الله عنه- مقتديا بالرسول صلى الله عليه وسلم فهو يقول : أوصاني خليلي بسبع ، أمرني بحب المساكين والدنو منهم ، وأمرني أن أنظر الى من هو دوني ولا أنظر الى من هو فوقي ، وأمرني ألا أسأل أحدا شيئا ، وأمرني أن أصل الرحم ، وأمرني أن أقول الحق ولو كان مرا ، وأمرني ألا أخاف في الله لومة لائم ، وأمرني أن أكثر من : لاحول ولا قوة الا بالله ) وعاش على هذه الوصية ، ويقول الامام علي رضي الله عنه ( لم يبق اليوم أحد لايبالي في الله لومة لائم غير أبي ذر ) .
وكان يقول أبو ذر لمانعيه عن الفتوى :والذي نفسي بيده ، لو وضعتم السيف فوق عنقي ، ثم ظننت أني منفذ كلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن تحتزوا لأنفذتها ) ورآه صاحبه يوما يرتدي جلبابا قديما فقال له : أليس لك ثوب غير هذا ؟ لقد رأيت معك منذ أيام ثوبين جديدين ؟) فأجابه أبو ذر : يا بن أخي ، لقد أعطيتهما من هو أحوج اليهما مني ) قال له : والله انك لمحتاج اليهما ) فأجاب أبو ذر :اللهم غفرا انك لمعظم للدنيا ، ألست ترى علي هذه البردة ، ولي أخرى لصلاة الجمعة، ولي عنزة أحلبها، وأتان أركبها، فأي نعمة أفضل مما نحن فيه؟) .
في ( الربذة ) جاءت سكرات الموت لأبي ذر الغفاري ، وبجواره زوجته تبكي ، فيسألها :فيم البكاء والموت حق ؟) فتجيبه بأنها تبكي : لأنك تموت ، وليس عندي ثوب يسعك كفنا !) فيبتسم ويطمئنها ويقول لها : لا تبكي ، فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وأنا عنده في نفر من أصحابه يقول : ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض ، تشهده عصابة من المؤمنين ) وكل من كان معي في ذلك المجلس مات في جماعة وقرية ، ولم يبق منهم غيري ، وهأنذا بالفلاة أموت ، فراقبي الطريق فستطلع علينا عصابة من المؤمنين ، فاني والله ما كذبت ولا كذبت ) وفاضت روحه الى الله ، وصدق فهذه جماعة مؤمنة تأتي وعلى رأسها عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فما أن يرى وجه أبي ذر حتى تفيض عيناه بالدمع ويقول :صدق رسول الله ، تمشي وحدك ، وتموت وحدك ، وتبعث وحدك ) وبدأ يقص على صحبه قصة هذه العبارة التي قيلت في غزوة تبوك كما سبق ذكره
ودخل أبو ذر رضي الله عنه مكة متنكرا ، يتسمع الى أخبار أهلها والدين الجديد ، حتى وجد الرسول صلى الله عليه وسلم في صباح أحد الأيام جالسا ، فاقترب منه وقال :نعمت صباحا يا أخا العرب،فأجاب الرسول :وعليك السلام يا أخاه , قال أبوذر : أنشدني مما تقول نفأجاب الرسول : ما هو بشعر فأنشدك ، ولكنه قرآن كريم ) قال أبوذر :اقرأ علي، فقرأ عليه وهو يصغي، ولم يمض غير وقت قليل حتى هتف أبو ذر : أشهد أن لا اله الا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وسأله النبي - صلى الله عليه وسلم- : ممن أنت يا أخا العرب ، فأجابه أبوذر : من غفار ، وتألقت ابتسامة واسعة على فم الرسول صلى الله عليه وسلم، واكتسى وجهه بالدهشة والعجب ، وضحك أبو ذر فهو يعرف سر العجب في وجه الرسول الكريم ، فهو من قبيلة غفار أفيجيء منهم اليوم من يسلم ؟! وقال الرسول صلى الله عليه وسلم :ان الله يهدي من يشاء ،أسلم أبو ذر من فوره ، وكان ترتيبه في المسلمين الخامس أو السادس ، فقد أسلم في الساعات الأولى للاسلام . وكان أبو ذر رضي الله عنه يحمل طبيعة متمردة ، فتوجه للرسول صلى الله عليه وسلم فور اسلامه بسؤال :يا رسول الله ، بم تأمرني ؟، فأجابه الرسول :ترجع الى قومك حتى يبلغك أمري ، فقال أبو ذر :والذي نفسي بيده لا أرجع حتى أصرخ بالاسلام في المسجد ، هنالك دخل المسجد الحرام ونادى بأعلى صوته : أشهد أن لا اله الا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ،كانت هذه الصيحة أول صيحة تهز قريشا ، من رجل غريب ليس له في مكة نسبا ولا حمى ، فأحاط به الكافرون وضربوه حتى صرعوه ، وأنقذه العباس عم النبي بالحيلة فقد حذر الكافرين من قبيلته اذا علمت ، فقد تقطع عليهم طريق تجارتهم ، لذا تركه المشركين ، ولا يكاد يمضي يوما آخر حتى يرى أبو ذر رضي الله عنه امرأتين تطوفان بالصنمين ،أساف ونائلة، وتدعوانهما ، فيقف مسفها مهينا للصنمين ، فتصرخ المرأتان ، ويهرول الرجال اليهما ، فيضربونه حتى يفقد وعيه ، ثم يفيق ليصيح رضي الله عنه مرة أخرى :أشهد أن لا اله الا الله وأشهد أن محمدا رسول الله،
ويعود رضي الله عنه الى قبيلته ، فيحدثهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن الدين الجديد ، وما يدعو له من مكارم الأخلاق ، فيدخل قومه بالاسلام ، ثم يتوجه الى قبيلة ( أسلم ) فيرشدها الى الحق وتسلم ، ومضت الأيام وهاجر الرسول صلى الله عليه وسلم الى المدينة ، واذا بموكب كبير يقبل على المدينة مكبرا ، فاذا هو أبو ذر رضي الله عنه أقبل ومعه قبيلتي غفار و أسلم ، فازداد الرسول صلى الله عليه وسلم عجبا ودهشة ، ونظر اليهم وقال : غفار غفر الله لها وأسلم سالمها الله ، وأبو ذر كان له تحية مباركة من الرسول الكريم حيث قال : ماأقلت الغبراء ، ولا أظلت الخضراء ،أصدق لهجة من أبي ذر
وفي غزوة تبوك سنة 9 هجري ، كانت أيام عسرة وقيظ ، خرج الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه ، وكلما مشوا ازدادوا تعبا ومشقة ، فتلفت الرسول الكريم فلم يجد أبا ذر فسأل عنه ، فأجابوه : لقد تخلف أبو ذر وأبطأ به بعيره ) فقال الرسول صلى الله عليه وسلم :دعوه ، فان يك فيه خير فسيلحقه الله بكم ، وان يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه ) وفي الغداة ، وضع المسلمون رحالهم ليستريحوا ، فأبصر أحدهم رجل يمشي وحده ، فأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم ، فقال الرسول : كن أبا ذر ) وأخذ الرجل بالاقتراب فاذا هو أبو ذر رضي الله عنه يمشي صوب النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يكد يراه الرسول صلى الله عليه وسلم حتى قال :يرحم الله أبا ذر ، يمشي وحده ، ويموت وحده ، ويبعث وحده )
ألقى الرسول صلى الله عليه وسلم على أبا ذر في يوم سؤال :يا أبا ذر ، كيف أنت اذا أدركك أمراء يستأثرون بالفيء ) فأجاب قائلا :اذا والذي بعثك بالحق ، لأضربن بسيفي ) فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم ( أفلا أدلك على خير من ذلك ؟ اصبر حتى تلقاني ) وحفظ أبو ذر وصية الرسول الغالية فلن يحمل السيف بوجوه الأمراء الذين يثرون من مال الأمة ، وانما سيحمل في الحق لسانه البتار .
ومضى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ومن بعده عهد أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، في تفوق كامل على مغريات الحياة وفتنتها ، وجاء عصر عثمان رضي الله عنه وبدأ يظهر التطلع الى مفاتن الدنيا ومغرياتها ، وتصبح السلطة وسيلة للسيطرة والثراء والترف ، رأى أبو ذر ذلك فمد يده الى سيفه ليواجه المجتمع الجديد ، لكن سرعان ما فطن الى وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم :وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا الا خطأ " فكان لابد هنا من الكلمة الصادقة الأمينة ، فليس هناك أصدق من أبي ذر لهجة ، وخرج أبو ذر الى معاقل السلطة والثروة معترضا على ضلالها ، وأصبح الراية التي يلتف حولها الجماهير والكادحين ، وذاع صيته وهتافه يردده الناس أجمعين : بشر الكانزين الذين يكنزون الذهب والفضة بمكاو من نار تكوى بها جباههم وجنوبهم يوم القيامة ) وبدأ أبو ذر بالشام ، أكبر المعاقل سيطرة ورهبة ، هناك حيث معاوية بن أبي سفيان وجد أبو ذر رضي الله عنه فقر وضيق في جانب ، وقصور وضياع في الجانب الآخر ، فصاح بأعلى صوته(عجبت لمن لا يجد القوت في بيته ، كيف لا يخرج على الناس شاهرا سيفه ) ثم ذكر وصية الرسول صلى الله عليه وسلم بوضع الأناة مكان الانقلاب ، فيعود الى منطق الاقناع والحجة ، ويعلم الناس بأنهم جميعا سواسية كأسنان المشط ، جميعا شركاء بالرزق ، الى أن وقف أمام معاوية يسائله كما أخبره الرسول صلى الله عليه وسلم- في غير خوف ولا مداراة ، ويصيح به وبمن معه : أفأنتم الذين نزل القرآن على الرسول وهو بين ظهرانيهم ؟؟) ويجيب عنهم ( نعم أنتم الذين نزل فيكم القرآن ، وشهدتم مع الرسول المشاهد)، ويعود بالسؤال(أولا تجدون في كتاب الله هذه الآية :" والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم ، فتكوى بها جباههم ، وجنوبهم ، وظهورهم ، هذا ما كنزتم لأنفسكم ، فذوقوا ما كنتم تكنزون "
فيقول معاوية :لقد أنزلت هذه الآية في أهل الكتاب ) فيصيح أبو ذر :\لا بل أنزلت لنا ولهم ) ويستشعر معاوية الخطر من أبي ذر فيرسل الى الخليفة عثمان - رضي الله عنه : ان أبا ذر قد أفسد الناس بالشام ) فيكتب عثمان الى أبي ذر يستدعيه ، فيودع الشام ويعود الى المدينة ، ويقول للخليفة بعد حوار طويل : لا حاجة لي في دنياكم ) وطلب الاذن بالخروج الى ( الربذة ) وهناك طالبه البعض برفع راية الثورة ضد الخليفة ولكنه زجرهم قائلا : والله لو أن عثمان صلبني على أطول خشبة ، أو جبل، لسمعت وأطعت ، وصبرت واحتسبت ، ورأيت ذلك خيرا لي ) فأبو ذر لا يريد الدنيا ، بل لا يتمنى الامارة لأصحاب رسول الله ليظلوا روادا للهدى لقيه يوما أبو موسى الأشعري ففتح له ذراعيه يريد ضمه فقال له أبو ذر ( لست أخيك ، انما كنت أخيك قبل أن تكون واليا وأميرا ) كما لقيه يوما أبو هريرة واحتضنه مرحبا ، فأزاحه عنه وقال :اليك عني ، ألست الذي وليت الامارة ، فتطاولت في البنيان ، واتخذت لك ماشية وزرعا ) وعرضت عليه امارة العراق فقال :لا والله لن تميلوا علي بدنياكم أبدا ) .
عاش أبو ذر - رضي الله عنه- مقتديا بالرسول صلى الله عليه وسلم فهو يقول : أوصاني خليلي بسبع ، أمرني بحب المساكين والدنو منهم ، وأمرني أن أنظر الى من هو دوني ولا أنظر الى من هو فوقي ، وأمرني ألا أسأل أحدا شيئا ، وأمرني أن أصل الرحم ، وأمرني أن أقول الحق ولو كان مرا ، وأمرني ألا أخاف في الله لومة لائم ، وأمرني أن أكثر من : لاحول ولا قوة الا بالله ) وعاش على هذه الوصية ، ويقول الامام علي رضي الله عنه ( لم يبق اليوم أحد لايبالي في الله لومة لائم غير أبي ذر ) .
وكان يقول أبو ذر لمانعيه عن الفتوى :والذي نفسي بيده ، لو وضعتم السيف فوق عنقي ، ثم ظننت أني منفذ كلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن تحتزوا لأنفذتها ) ورآه صاحبه يوما يرتدي جلبابا قديما فقال له : أليس لك ثوب غير هذا ؟ لقد رأيت معك منذ أيام ثوبين جديدين ؟) فأجابه أبو ذر : يا بن أخي ، لقد أعطيتهما من هو أحوج اليهما مني ) قال له : والله انك لمحتاج اليهما ) فأجاب أبو ذر :اللهم غفرا انك لمعظم للدنيا ، ألست ترى علي هذه البردة ، ولي أخرى لصلاة الجمعة، ولي عنزة أحلبها، وأتان أركبها، فأي نعمة أفضل مما نحن فيه؟) .
في ( الربذة ) جاءت سكرات الموت لأبي ذر الغفاري ، وبجواره زوجته تبكي ، فيسألها :فيم البكاء والموت حق ؟) فتجيبه بأنها تبكي : لأنك تموت ، وليس عندي ثوب يسعك كفنا !) فيبتسم ويطمئنها ويقول لها : لا تبكي ، فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وأنا عنده في نفر من أصحابه يقول : ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض ، تشهده عصابة من المؤمنين ) وكل من كان معي في ذلك المجلس مات في جماعة وقرية ، ولم يبق منهم غيري ، وهأنذا بالفلاة أموت ، فراقبي الطريق فستطلع علينا عصابة من المؤمنين ، فاني والله ما كذبت ولا كذبت ) وفاضت روحه الى الله ، وصدق فهذه جماعة مؤمنة تأتي وعلى رأسها عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فما أن يرى وجه أبي ذر حتى تفيض عيناه بالدمع ويقول :صدق رسول الله ، تمشي وحدك ، وتموت وحدك ، وتبعث وحدك ) وبدأ يقص على صحبه قصة هذه العبارة التي قيلت في غزوة تبوك كما سبق ذكره