سعد بن معاذ
01-09-2006, 04:40 PM
السنة في إيران .. وتوجهات أحمدي نجاد
علي عبد العال
في خطوة مفاجئة للمتابعين لسير الأحداث على الساحة الداخلية في إيران، استحدث الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، الثلاثاء منصب مستشار يختص بشئون السنة في البلاد، وأصدر مرسومًا بهذا الخصوص.
وذكرت وكالة الأنباء الإيرانية، أن نجاد أصدر مرسومًا رئاسيًّا يقضي بتعيين العالم السني الشيخ (محمد إسحق مدني) مستشارًا له لشئون السنة في البلاد. وأكد المرسوم على ضرورة الاهتمام بقضايا أهل السنة، وتحقيق الأهداف الأربعة للحكومة، وتشمل نشر العدالة والمحبة، وتقديم الخدمات، والسمو والتقدم المادي للمجتمع. ولا شك أن خطوة كهذه لابد وأن يكون لها مدلولاتها، لدى الدولة الشيعية.
* نظرة عامة على واقع أهل السنة في الدولة الشيعية:
ظلت إيران دولة سنية حتى القرن العاشر الهجري. وفي الفترة التي كانت فيها البلاد على عقيدة أهل السنة والجماعة قدمت بسبب ظروفها الاجتماعية والتاريخية والثقافية، المئات من الفقهاء والمحدثين والمؤرخين والمفسرين والعلماء، كلهم إيرانيون إلى أن شيعت، فأصبحت بؤرة اصطدام ومركزا للصراع ضد أهل السنة، وعملت الدولة الشيعية الصفويه قديماً على وقف المد السني الإسلامي بالتعاون مع قوى الاستعمار في المنطقة.
وتتضارب المعلومات بشأن الحجم الحقيقي للسنة في إيران، فالإحصاءات الرسمية للدولة تقول أنهم يشكلون 10 % من السكان، إلا أن مصادر السنة تؤكد أنهم يشكلون ثلث حجم السكان البالغ عددهم أكثر من 70 مليون نسمة، ومصادر مستقلة تقول أن السنة يشكلون من 15 إلى 20 % من سكان إيران. مقسمون إلى 3 عرقيات رئيسة هي الأكراد والبلوش والتركمان، إلى جانب العرب في إقليم خوزستان المحتل، ويسكنون بالقرب من خطوط الحدود التي تفصل إيران عن الدول المجاورة ذات الأغلبية السنية مثل باكستان وأفغانستان، والعراق وتركمانستان، أما المسلمون السنة من العرق الفارسي فوجودهم نادر.
ورغم هذه النسبة التي ليست بالقليلة، يعاني السنة في إيران من كل أشكال الاضطهاد، سواء خلال حكم الشاه أو منذ قيام الثورة الشيعية بقيادة الخميني، ومن الحقائق المعلومة لدى الجميع أن السنة محرومون من بناء المساجد داخل أكبر المدن الإيرانية، مثل العاصمة طهران وأصفهان ويزد وشيراز وغيرها من المدن الكبيرة، ومع أنه يوجد في طهران حوالي نصف مليون من السنة لكن ليس لهم مسجد واحد يصلون فيه، ولا مركز يجتمعون فيه بينما توجد كنائس للنصارى وبيع لليهود وبيوت النار للمجوس وغيرهم.
ومما يذكر أن السنة لا يجدون في طهران غير مقر السفارة السعودية والمدرسة الباكستانية ليقيمون صلاة الجمعة فيهما، حيث قررت الحكومة عدم السماح ببناء أي مسجد للسنة في العاصمة.. وتعد طهران العاصمة الوحيدة في العالم التي لا يوجد بها مسجد واحد للسنة.
ولدى سؤال المرجع الشيعي (مصباح اليزدي) صاحب النفوذ في النظام الإيراني عن سبب امتناع الحكومة بالسماح لبناء مسجد لأهل السنة في طهران أجاب قائلاً: متى ما سمح لنا ببناء حسينية في مكة عند إذن سوف يسمح لهم ببناء مسجد في طهران!.
إلى جانب ذلك، يمنع أئمة وعلماء السنة في إيران من إلقاء الدروس في المدارس والمساجد والجامعات، وخاصة إلقاء الدروس العقدية، بينما لأئمة الشيعة ودعاتهم الحرية المطلقة في بيان مذهبهم بل والتعدي على عقيدة أهل السنة. كما توضع مراكز ومساجد السنة تحت المراقبة الدائمة، ويتجسس رجال الأمن وأفراد الاستخبارات على الجوامع سيما أيام الجمعة، إلى جانب مراقبة الخطب والأشخاص الذين يتجمعون في المساجد.
ووفقا لما ذكرته مصادر أهل السنة في إيران فإن أوضاعهم تذبذبت بشدة خلال الثلاثين عاما الأخيرة، فحين اندلعت الثورة الخمينية عام 1979 شارك أبناء السنة بكل أطيافهم فيها وكانوا في مقدمة المؤيدين لإقامة الجمهورية الإسلامية، إلا أنه وبعد انتصار الثورة وسقوط نظام الشاه بدأ الخميني وتلاميذه في احتكار السلطة، وسيطروا على الحكم، وحولوا آمال الشعب في إقامة جمهورية إسلامية إلى إقامة جمهورية طائفية شيعية، واستعملوا السلطة لقمع الأقليات المذهبية والقومية. ومن ثم فنحن أمام واقع مأساوي بكل المقاييس وعلى كل الأصعدة يعانيه أهل السنة في ظل حكم شيعي طائفي في إيران.
* الأوضاع السياسية للسنة في إيران:
بالرغم من كون أهل السنة يمثلون أكبر أقلية مذهبية في إيران، إلا إن مستوى تمثيلهم السياسي في البرلمان والتشكيل الوزاري لا يتناسب مع نسبتهم العددية، حيث منعوا من تمثيل برلماني يتناسب مع حجمهم الحقيقي، إذ لا يمثلهم في البرلمان سوى 14 نائباً فقط، وليس لهم أي وزن حقيقي في البرلمان بل يستغل وجودهم لأهداف سياسية بما ينافي مصالحهم، كما يتهم السنة في إيران الحكومة بإنجاح العناصر السنية الموالية لها وليست المعبرة عن مطالبهم.
أضف إلى ذلك أن السني محروم من تولي المناصب العالية في الدولة كرئاسة الجمهورية أو رئاسة البرلمان مهما بلغ هذا المواطن من العلم ومهما نال من تأييد جماهيري، حيث أن الدستور الذي وضع على أساس عنصري وطائفي يشترط في الفقرة الخامسة من المادة الخامسة عشرة بعد المائة أن الاعتقاد بمذهب التشيع شرط أساس لتولي المناصب.
ومن دلائل الصبغة الطائفية للدستور المادة 12 والتي تنص على مذهب الدولة: "الدين الرسمي لإيران هو الإسلام، والمذهب الجعفري الإثنى عشري"، وهذه المادة تبقى للأبد وغير قابلة للتغيير.
وتركيز هذه الصبغة الطائفية في الدستور الإيراني تتكرر في مواد أخرى متعلقة مثلا بمجلس الشورى أو الجيش وقسم الرئيس: "لا يحق لمجلس الشورى الإسلامي أن يسن القوانين المغايرة لأصول وأحكام المذهب الرسمي للدولة" مادة 72، وتكررت في المادة 85: "إنني باعتباري رئيسا للجمهورية أقسم بالله القادر المتعال في حضرة القرآن الكريم أمام الشعب الإيراني أن أكون حاميا للمذهب الرسمي ...." مادة 121 .
* قرار نجاد في ظل الواقع المتردي:
وأمام هذه الأوضاع التي تتحكم في مصائر السنة في إيران، يجدر بنا أن نتأمل في خلفيات قرار الرئيس الجديد، محمود أحمدي نجاد، باتخاذ مستشار من أهل السنة يوجه الرئيس الإيراني إلى مصالح هذه الفئة المهضوم حقوقها منذ عقود في البلاد.. حيث جاء قرار نجاد في ظل ظروف أمنية وسياسية تشهدها البلاد والمنطقة بأكملها أهمها:
تصاعد الأصوات المنددة باضطهاد السنة في إيران، بما في ذلك جهات دولية ومنظمات حقوقية.
داخليا وجه النواب السنة في البرلمان رسالة هي الأولى من نوعها ـ بعد الغزو الأمريكي للعراق ـ إلى أربعة من المراجع الشيعة الكبار، نددوا فيها بما وصفوه بـ"التمييز الفاضح" ضد أهل السنة في إيران من قبل أجهزة الحكم، وقد وجهت الرسالة إلى اثنين من المراجع المعارضين، وهما آية الله حسين على منتظري وآية الله عبد الكريم موسوي أردبيلي، واثنين آخرين من المرتبطين بالسلطة العليا في طهران وهما آية الله فاضل القوقازي، الملقب بلنكراني، وناصر مكارم الشيرازي.
ذكرت الرسالة أن أهل السنة يشكلون ما يزيد على عشرين في المائة من سكان إيران، وتساءلوا عما إذا كان تولى أصحاب الكفاءة والمؤهلات العلمية من السنة الوظائف القيادية والمسؤوليات الكبرى، كالوزارة ونيابة الوزراء والسفارة فضلا عن قيادة القوات المسلحة والمسؤوليات الرئيسة في القضاء، أمرا مخالفا للمذهب الشيعي المسيطر على البلاد، وأشاروا إلى أن أهل السنة محظور عليهم تولي تلك المناصب حيث لا يوجد سني واحد في مجلس الوزراء والمناصب الرئيسة في الوزارات والمؤسسات الكبرى، كما أن المحافظين ورؤساء الدوائر الرسمية في المدن والمحافظات التي يشكل أهل السنة الأغلبية المطلقة فيها مثل كردستان وبلوشستان وطالش وبندر عباس والجزر الخليجية وبوشهر وتركمن صحرا وشرقي خراسان، هم جميعا من الشيعة..
واشتكى النواب الإيرانيون السنة من عدم موافقة السلطات العليا على إقامة مسجد لهم في طهران رغم انتماء ما يزيد على نصف مليون من سكان العاصمة إلى المذهب السني، وقالوا في رسالتهم: "بينما هناك معابد وكنائس للأقليات الدينية مثل الزرادشتيين واليهود والنصارى في العاصمة، تواصل السلطات الحاكمة رفضها لبناء مسجد لأهل السنة في طهران".. كما ذكرت الرسالة أمور أخرى عديدة يعاني منها السنة في البلاد.
خارجياً أدانت منظمة (هيومن رايتس واتش) في تقريرها العالمي للعام 25م ما يتعرض له السنة من اضطهاد في إيران، وجاء في الشق المتعلق بالأقليات ما نصه: "لا يزال أبناء الأقليات العرقية والدينية في إيران عرضة للتمييز، بل وللاضطهاد"، وأشار التقرير إلى: "معاناة طائفة البلوش، وهم أقلية أغلب أفرادها من السنة ويعيشون في إقليمي سيستان وبلوشستان الواقعين على حدود البلاد، من عدم تمثيلهم في الحكومة المحلية".
ما يشهده إقليم خوزستان العربي (عربستان) ومدينة الأهواز الغني بالنفط جنوب غرب البلاد والذي تقطنه أغلبية عربية سنية، من تمرد مسلح ضد الحكم المركزي الشيعي في طهران، تقوده "الجبهة الديمقراطية الشعبية للشعب العربي الأهوازي" المعارضة، والتي تتخذ من لندن مقر سياسي وإعلامي وتشن حملة من أجل استقلال الأهواز عن إيران.
ويعد الإقليم أحد الأعمدة الاقتصادية المهمة لإيران، وكان الشاه رضا خان قد تمكن من احتلاله عسكريا عام 1925م، بمساعدة بريطانية، بعد أن اعتقل حاكمه الأمير خزعل ووضعه تحت الإقامة الجبرية في طهران. وبذلك أنهت إيران آخر إمارة عربية في الإقليم.. إلا أنه ومنذ هذا التطور لم تتوقف مساعي الانفصال التي يشنها العرب السنة من سكان الإقليم.
ويأتي التمرد المسلح الآن في ظل ظروف حرجة تمر بها إيران على خلفية تصاعد التهديدات الخارجية بسبب البرنامج النووي.. وكان الإقليم قد شهد عدة تفجيرات اتهمت طهران بريطانيا بدعمها والضلوع فيها.
كما يشهد إقليم بلوشستان (على الحدود مع باكستان) ذي الأغلبية السنية حركة تمرد مسلحة ضد السلطة الشيعية في طهران، وكانت آخر تلك المواجهات اختطاف تسعة جنود إيرانيين الأسبوع الماضي من قبل جماعة "جند الله " البلوشية الإيرانية السنية، والجماعة تنتمي إلى "حركة الفرقان" بقيادة "عبد الملك ريقي"، وهي حركة سنية تسعى من سنوات من أجل رفع الاضطهاد الطائفي والقومي الواقع على الشعب البلوشي السني. وفي تفاصيل عملية الاختطاف شنت الحركة هجوما على مركز شرطة حدودي واختطفت تسعة جنود إيرانيين.وكانت الحكومة الإيرانية ناشدت باكستان التدخل لإطلاق سراح الجنود المحتجزين لدى الحركة. وتعتبر "حركة الفرقان" من أقوى الحركات البلوشية المسلحة، وسبق لها القيام بالعديد من الهجمات على المراكز الأمنية والعسكرية الإيرانية في إقليم بلوشستان والمناطق المجاورة له، وكان من أشهر هجماتها ذلك الذي نفذته عام 1998ضد قاعدة للحرس الثوري في محافظة كرمان وتمكنت خلاله من أسر ثلاثة عشر من عناصر مليشيا الحرس.
جاءت الخطوة الرئاسية أيضاً في ظل تهديدات دولية لإيران، أوروبا وأمريكا وإسرائيل، بسبب برنامجها النووي، ولا شك أن إيران يهمها إيجاد نوع من الدفء الإسلامي أمام هذه التحديات الخارجية. ولعل تصريحات أحمدي نجاد السابقة ضد إسرائيل، والحديث عن تحرير الأقصى، ومحو الدولة الصهيونية من الخارطة كان يصب في هذا الاتجاه.. فالرئيس الإيراني مهتم بطمأنة دول الجوار ذات الأغلبية السنية.
وأمام كل هذه العوامل السابقة، يرى مراقبون أن هذا التوجه الجديد من قبل الرئيس الإيراني لا يخلو من رسائل طمأنة داخلية للسنة بأنهم سيحصلون على حقوقهم في إطار ما يسمى ببرنامج نجاد لتحقيق العدالة الاجتماعية. ويشيرون كذلك إلى بداية ربما نحو تحول حقيقي في الموقف من السنة في الدولة الشيعية.
كما أن التوجه الجديد لا يخلو أيضاً من هدف سياسي، فنجاد يرغب في توجيه ضربة ساحقة لمعارضيه من الإصلاحيين والمحافظين الذين لم يرتفعوا إلى مستوى تحقيق هذا النوع من العدالة..
وأخيراً .. لازالت ملامح كثيرة إزاء التوجه الجديد لأحمدي نجاد لم تتضح بعد، خاصة في ظل عداء تاريخي مستحكم لدى الدولة الصفوية الشيعية لأهل السنة. وحتى تتضح باقي معالم التوجه الشيعي نحو السنة، سيظل إجراء نجاد خاضع لعوامل التجريب والاختبار، خاصة وأن الرجل تثير تصريحاته من وقت لآخر تساؤلات عديدة حول حقيقة توجهه.
علي عبد العال
في خطوة مفاجئة للمتابعين لسير الأحداث على الساحة الداخلية في إيران، استحدث الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، الثلاثاء منصب مستشار يختص بشئون السنة في البلاد، وأصدر مرسومًا بهذا الخصوص.
وذكرت وكالة الأنباء الإيرانية، أن نجاد أصدر مرسومًا رئاسيًّا يقضي بتعيين العالم السني الشيخ (محمد إسحق مدني) مستشارًا له لشئون السنة في البلاد. وأكد المرسوم على ضرورة الاهتمام بقضايا أهل السنة، وتحقيق الأهداف الأربعة للحكومة، وتشمل نشر العدالة والمحبة، وتقديم الخدمات، والسمو والتقدم المادي للمجتمع. ولا شك أن خطوة كهذه لابد وأن يكون لها مدلولاتها، لدى الدولة الشيعية.
* نظرة عامة على واقع أهل السنة في الدولة الشيعية:
ظلت إيران دولة سنية حتى القرن العاشر الهجري. وفي الفترة التي كانت فيها البلاد على عقيدة أهل السنة والجماعة قدمت بسبب ظروفها الاجتماعية والتاريخية والثقافية، المئات من الفقهاء والمحدثين والمؤرخين والمفسرين والعلماء، كلهم إيرانيون إلى أن شيعت، فأصبحت بؤرة اصطدام ومركزا للصراع ضد أهل السنة، وعملت الدولة الشيعية الصفويه قديماً على وقف المد السني الإسلامي بالتعاون مع قوى الاستعمار في المنطقة.
وتتضارب المعلومات بشأن الحجم الحقيقي للسنة في إيران، فالإحصاءات الرسمية للدولة تقول أنهم يشكلون 10 % من السكان، إلا أن مصادر السنة تؤكد أنهم يشكلون ثلث حجم السكان البالغ عددهم أكثر من 70 مليون نسمة، ومصادر مستقلة تقول أن السنة يشكلون من 15 إلى 20 % من سكان إيران. مقسمون إلى 3 عرقيات رئيسة هي الأكراد والبلوش والتركمان، إلى جانب العرب في إقليم خوزستان المحتل، ويسكنون بالقرب من خطوط الحدود التي تفصل إيران عن الدول المجاورة ذات الأغلبية السنية مثل باكستان وأفغانستان، والعراق وتركمانستان، أما المسلمون السنة من العرق الفارسي فوجودهم نادر.
ورغم هذه النسبة التي ليست بالقليلة، يعاني السنة في إيران من كل أشكال الاضطهاد، سواء خلال حكم الشاه أو منذ قيام الثورة الشيعية بقيادة الخميني، ومن الحقائق المعلومة لدى الجميع أن السنة محرومون من بناء المساجد داخل أكبر المدن الإيرانية، مثل العاصمة طهران وأصفهان ويزد وشيراز وغيرها من المدن الكبيرة، ومع أنه يوجد في طهران حوالي نصف مليون من السنة لكن ليس لهم مسجد واحد يصلون فيه، ولا مركز يجتمعون فيه بينما توجد كنائس للنصارى وبيع لليهود وبيوت النار للمجوس وغيرهم.
ومما يذكر أن السنة لا يجدون في طهران غير مقر السفارة السعودية والمدرسة الباكستانية ليقيمون صلاة الجمعة فيهما، حيث قررت الحكومة عدم السماح ببناء أي مسجد للسنة في العاصمة.. وتعد طهران العاصمة الوحيدة في العالم التي لا يوجد بها مسجد واحد للسنة.
ولدى سؤال المرجع الشيعي (مصباح اليزدي) صاحب النفوذ في النظام الإيراني عن سبب امتناع الحكومة بالسماح لبناء مسجد لأهل السنة في طهران أجاب قائلاً: متى ما سمح لنا ببناء حسينية في مكة عند إذن سوف يسمح لهم ببناء مسجد في طهران!.
إلى جانب ذلك، يمنع أئمة وعلماء السنة في إيران من إلقاء الدروس في المدارس والمساجد والجامعات، وخاصة إلقاء الدروس العقدية، بينما لأئمة الشيعة ودعاتهم الحرية المطلقة في بيان مذهبهم بل والتعدي على عقيدة أهل السنة. كما توضع مراكز ومساجد السنة تحت المراقبة الدائمة، ويتجسس رجال الأمن وأفراد الاستخبارات على الجوامع سيما أيام الجمعة، إلى جانب مراقبة الخطب والأشخاص الذين يتجمعون في المساجد.
ووفقا لما ذكرته مصادر أهل السنة في إيران فإن أوضاعهم تذبذبت بشدة خلال الثلاثين عاما الأخيرة، فحين اندلعت الثورة الخمينية عام 1979 شارك أبناء السنة بكل أطيافهم فيها وكانوا في مقدمة المؤيدين لإقامة الجمهورية الإسلامية، إلا أنه وبعد انتصار الثورة وسقوط نظام الشاه بدأ الخميني وتلاميذه في احتكار السلطة، وسيطروا على الحكم، وحولوا آمال الشعب في إقامة جمهورية إسلامية إلى إقامة جمهورية طائفية شيعية، واستعملوا السلطة لقمع الأقليات المذهبية والقومية. ومن ثم فنحن أمام واقع مأساوي بكل المقاييس وعلى كل الأصعدة يعانيه أهل السنة في ظل حكم شيعي طائفي في إيران.
* الأوضاع السياسية للسنة في إيران:
بالرغم من كون أهل السنة يمثلون أكبر أقلية مذهبية في إيران، إلا إن مستوى تمثيلهم السياسي في البرلمان والتشكيل الوزاري لا يتناسب مع نسبتهم العددية، حيث منعوا من تمثيل برلماني يتناسب مع حجمهم الحقيقي، إذ لا يمثلهم في البرلمان سوى 14 نائباً فقط، وليس لهم أي وزن حقيقي في البرلمان بل يستغل وجودهم لأهداف سياسية بما ينافي مصالحهم، كما يتهم السنة في إيران الحكومة بإنجاح العناصر السنية الموالية لها وليست المعبرة عن مطالبهم.
أضف إلى ذلك أن السني محروم من تولي المناصب العالية في الدولة كرئاسة الجمهورية أو رئاسة البرلمان مهما بلغ هذا المواطن من العلم ومهما نال من تأييد جماهيري، حيث أن الدستور الذي وضع على أساس عنصري وطائفي يشترط في الفقرة الخامسة من المادة الخامسة عشرة بعد المائة أن الاعتقاد بمذهب التشيع شرط أساس لتولي المناصب.
ومن دلائل الصبغة الطائفية للدستور المادة 12 والتي تنص على مذهب الدولة: "الدين الرسمي لإيران هو الإسلام، والمذهب الجعفري الإثنى عشري"، وهذه المادة تبقى للأبد وغير قابلة للتغيير.
وتركيز هذه الصبغة الطائفية في الدستور الإيراني تتكرر في مواد أخرى متعلقة مثلا بمجلس الشورى أو الجيش وقسم الرئيس: "لا يحق لمجلس الشورى الإسلامي أن يسن القوانين المغايرة لأصول وأحكام المذهب الرسمي للدولة" مادة 72، وتكررت في المادة 85: "إنني باعتباري رئيسا للجمهورية أقسم بالله القادر المتعال في حضرة القرآن الكريم أمام الشعب الإيراني أن أكون حاميا للمذهب الرسمي ...." مادة 121 .
* قرار نجاد في ظل الواقع المتردي:
وأمام هذه الأوضاع التي تتحكم في مصائر السنة في إيران، يجدر بنا أن نتأمل في خلفيات قرار الرئيس الجديد، محمود أحمدي نجاد، باتخاذ مستشار من أهل السنة يوجه الرئيس الإيراني إلى مصالح هذه الفئة المهضوم حقوقها منذ عقود في البلاد.. حيث جاء قرار نجاد في ظل ظروف أمنية وسياسية تشهدها البلاد والمنطقة بأكملها أهمها:
تصاعد الأصوات المنددة باضطهاد السنة في إيران، بما في ذلك جهات دولية ومنظمات حقوقية.
داخليا وجه النواب السنة في البرلمان رسالة هي الأولى من نوعها ـ بعد الغزو الأمريكي للعراق ـ إلى أربعة من المراجع الشيعة الكبار، نددوا فيها بما وصفوه بـ"التمييز الفاضح" ضد أهل السنة في إيران من قبل أجهزة الحكم، وقد وجهت الرسالة إلى اثنين من المراجع المعارضين، وهما آية الله حسين على منتظري وآية الله عبد الكريم موسوي أردبيلي، واثنين آخرين من المرتبطين بالسلطة العليا في طهران وهما آية الله فاضل القوقازي، الملقب بلنكراني، وناصر مكارم الشيرازي.
ذكرت الرسالة أن أهل السنة يشكلون ما يزيد على عشرين في المائة من سكان إيران، وتساءلوا عما إذا كان تولى أصحاب الكفاءة والمؤهلات العلمية من السنة الوظائف القيادية والمسؤوليات الكبرى، كالوزارة ونيابة الوزراء والسفارة فضلا عن قيادة القوات المسلحة والمسؤوليات الرئيسة في القضاء، أمرا مخالفا للمذهب الشيعي المسيطر على البلاد، وأشاروا إلى أن أهل السنة محظور عليهم تولي تلك المناصب حيث لا يوجد سني واحد في مجلس الوزراء والمناصب الرئيسة في الوزارات والمؤسسات الكبرى، كما أن المحافظين ورؤساء الدوائر الرسمية في المدن والمحافظات التي يشكل أهل السنة الأغلبية المطلقة فيها مثل كردستان وبلوشستان وطالش وبندر عباس والجزر الخليجية وبوشهر وتركمن صحرا وشرقي خراسان، هم جميعا من الشيعة..
واشتكى النواب الإيرانيون السنة من عدم موافقة السلطات العليا على إقامة مسجد لهم في طهران رغم انتماء ما يزيد على نصف مليون من سكان العاصمة إلى المذهب السني، وقالوا في رسالتهم: "بينما هناك معابد وكنائس للأقليات الدينية مثل الزرادشتيين واليهود والنصارى في العاصمة، تواصل السلطات الحاكمة رفضها لبناء مسجد لأهل السنة في طهران".. كما ذكرت الرسالة أمور أخرى عديدة يعاني منها السنة في البلاد.
خارجياً أدانت منظمة (هيومن رايتس واتش) في تقريرها العالمي للعام 25م ما يتعرض له السنة من اضطهاد في إيران، وجاء في الشق المتعلق بالأقليات ما نصه: "لا يزال أبناء الأقليات العرقية والدينية في إيران عرضة للتمييز، بل وللاضطهاد"، وأشار التقرير إلى: "معاناة طائفة البلوش، وهم أقلية أغلب أفرادها من السنة ويعيشون في إقليمي سيستان وبلوشستان الواقعين على حدود البلاد، من عدم تمثيلهم في الحكومة المحلية".
ما يشهده إقليم خوزستان العربي (عربستان) ومدينة الأهواز الغني بالنفط جنوب غرب البلاد والذي تقطنه أغلبية عربية سنية، من تمرد مسلح ضد الحكم المركزي الشيعي في طهران، تقوده "الجبهة الديمقراطية الشعبية للشعب العربي الأهوازي" المعارضة، والتي تتخذ من لندن مقر سياسي وإعلامي وتشن حملة من أجل استقلال الأهواز عن إيران.
ويعد الإقليم أحد الأعمدة الاقتصادية المهمة لإيران، وكان الشاه رضا خان قد تمكن من احتلاله عسكريا عام 1925م، بمساعدة بريطانية، بعد أن اعتقل حاكمه الأمير خزعل ووضعه تحت الإقامة الجبرية في طهران. وبذلك أنهت إيران آخر إمارة عربية في الإقليم.. إلا أنه ومنذ هذا التطور لم تتوقف مساعي الانفصال التي يشنها العرب السنة من سكان الإقليم.
ويأتي التمرد المسلح الآن في ظل ظروف حرجة تمر بها إيران على خلفية تصاعد التهديدات الخارجية بسبب البرنامج النووي.. وكان الإقليم قد شهد عدة تفجيرات اتهمت طهران بريطانيا بدعمها والضلوع فيها.
كما يشهد إقليم بلوشستان (على الحدود مع باكستان) ذي الأغلبية السنية حركة تمرد مسلحة ضد السلطة الشيعية في طهران، وكانت آخر تلك المواجهات اختطاف تسعة جنود إيرانيين الأسبوع الماضي من قبل جماعة "جند الله " البلوشية الإيرانية السنية، والجماعة تنتمي إلى "حركة الفرقان" بقيادة "عبد الملك ريقي"، وهي حركة سنية تسعى من سنوات من أجل رفع الاضطهاد الطائفي والقومي الواقع على الشعب البلوشي السني. وفي تفاصيل عملية الاختطاف شنت الحركة هجوما على مركز شرطة حدودي واختطفت تسعة جنود إيرانيين.وكانت الحكومة الإيرانية ناشدت باكستان التدخل لإطلاق سراح الجنود المحتجزين لدى الحركة. وتعتبر "حركة الفرقان" من أقوى الحركات البلوشية المسلحة، وسبق لها القيام بالعديد من الهجمات على المراكز الأمنية والعسكرية الإيرانية في إقليم بلوشستان والمناطق المجاورة له، وكان من أشهر هجماتها ذلك الذي نفذته عام 1998ضد قاعدة للحرس الثوري في محافظة كرمان وتمكنت خلاله من أسر ثلاثة عشر من عناصر مليشيا الحرس.
جاءت الخطوة الرئاسية أيضاً في ظل تهديدات دولية لإيران، أوروبا وأمريكا وإسرائيل، بسبب برنامجها النووي، ولا شك أن إيران يهمها إيجاد نوع من الدفء الإسلامي أمام هذه التحديات الخارجية. ولعل تصريحات أحمدي نجاد السابقة ضد إسرائيل، والحديث عن تحرير الأقصى، ومحو الدولة الصهيونية من الخارطة كان يصب في هذا الاتجاه.. فالرئيس الإيراني مهتم بطمأنة دول الجوار ذات الأغلبية السنية.
وأمام كل هذه العوامل السابقة، يرى مراقبون أن هذا التوجه الجديد من قبل الرئيس الإيراني لا يخلو من رسائل طمأنة داخلية للسنة بأنهم سيحصلون على حقوقهم في إطار ما يسمى ببرنامج نجاد لتحقيق العدالة الاجتماعية. ويشيرون كذلك إلى بداية ربما نحو تحول حقيقي في الموقف من السنة في الدولة الشيعية.
كما أن التوجه الجديد لا يخلو أيضاً من هدف سياسي، فنجاد يرغب في توجيه ضربة ساحقة لمعارضيه من الإصلاحيين والمحافظين الذين لم يرتفعوا إلى مستوى تحقيق هذا النوع من العدالة..
وأخيراً .. لازالت ملامح كثيرة إزاء التوجه الجديد لأحمدي نجاد لم تتضح بعد، خاصة في ظل عداء تاريخي مستحكم لدى الدولة الصفوية الشيعية لأهل السنة. وحتى تتضح باقي معالم التوجه الشيعي نحو السنة، سيظل إجراء نجاد خاضع لعوامل التجريب والاختبار، خاصة وأن الرجل تثير تصريحاته من وقت لآخر تساؤلات عديدة حول حقيقة توجهه.